كاتب الموضوع :
زارا
المنتدى :
الارشيف
► تتمـــــــــــــــــــة الخطـــــــــــــــوة الثانيـــــــــــــــــــة و الثلاثـــــــــــــــــــون◄
║ خطوات تنفجر ،،║
حور هب هنيه ..!!
انفجرت الكلمة في وجهه ليهب على قدميه عاقد الجبين مرددا ..
- هب هنيه ..؟؟!
ليهز رأسه ببساطة و هو يقول بصوته الناعس .. و جفنين مثقلين ..
- لاا .. عفاري تقول انهم خلوها أمس في الليل ويا ميعاد .. ما يت وياهم البيت ..
كان هذا قبل أن تُسقط آخر أهداب الفرح من عينها ..
- دخلْت حجرتهاا ..؟
أومأ نايف بسرعة ..
- المفتاح ويا عفرا .. فاضية الحجرة .. محد فيها .. حتى دورت في حجرة أمايا ..
ثم قال نايف ببساطة و هو الطفل الذي لا يعرف خبايا الأمور ..
- يمكن هي في المطبخ .. حور دوم تنش الصبح و تشتغل في المطبخ ..
و كاد غيث يضحك بوجعٍ على هذه الفكرة ..!
الا أن الوجع تضاءل أمام أملٍ تفجر في داخله .. و هو يبتلع ريقه ببطء ..
و صوته الأجش يأذن لنايف بالذهاب ..
- خلاااص سير ارقد ..
لم تفارق بيتهم ،،
اندست في زاويةٍ مظلمة بعيدة عنه ..
تلعق جروحها الندية ..
إلا أنها لم تترك عرينه ..
لم تفارقه ..!
و صعب عليه التنفس .. و هو يترك المجلس الداخلي .. و يقطع الردهة ..
ليخرج إلى صباح اختلف عن ذاك الذي أوجعه بزوغ أوله ..!
راح يعب من هواء ذاك الصباح الصيفي بنهم ..
صدره القوي ينتفخ بقوّة .. و هو يقطع المسافة التي أخذت تتمطى فجأة لتعيق وصوله ..
الرجل العقلاني في داخله الذي حاك أمس خطّة الإطاحة بمشاعرها ،،
خار فجأة ليسقط أمام جبروت المشاعر التي اكتسحته ..
و هو يفكر بأن هذا ليس مجرد بصيص .. بل شعاعٌ محرق من الأمل ..
شي أضاء نواحي قلبه ..
سيصعب عليه أن يمسك بيدها ليصل واياها إلى بقعة سلام ..
ليسلب مشاعرها بشغف العاشق الذي اقتسم و اياها عتبات مجلس والدها العتيق ليالٍ طوال ..
و تدافعت تفاصيل قديمة في داخله .. يستعيدها بنشوة ..
عبق البراءة الحلو الذي كان يفوح من طيات بساطتها ..
و ابتساماتها البازغة كفجر خجول ..و لمعة اللهفة الطائشة ..
فرد الإحساس الأكبر جناحيه ليملأ مساحات قلبه الشاسعة .. و يحلق حرّا في صدره ..
و هو يدفع باب بيته بشيءٍ من القوة ،،
ليدلف مندفعا و كأنها ستفر من أحد النوافذ ان لم يسرع ..!
كانت خطواته قد قطعت نصف الردة قبل أن ترتد فجأة ليلتفت للطيف القابع قرب النافذة البعيدة ..
تسترخي في مقعدها بهدوء .. توليه ظهرها و كأنها لم تشعر بدخوله ..
سحب نفسا عميقا .. قبل أن يتابع طريقه للأعلى ..
يريد أن يجد السلام مع روحه أولا ..
لو توانى قليلا عن ايجادها .. فسينفجر البركان الثائر في داخله ..
خشي أن تكون ميعاد على علم بما جرى بينهما ..
لم يشأ أن يزد ثقل قلبه بنظراتٍ لائمة سيتلقاها من عينيها ..
كان يقفز على عتبات الدرج الأنيق الذي يتوسّط الردهة ،،
ليبلغ الطابق العلوي بسرعة .. يقف في الصالون المستدير الذي يؤدي طرفٌ منه إلى جناحهما .. و القسم الآخر . .كان قد رتبه بحجر صغيرة ،،
مأوى لأطفال أمل يوما أنها ستحملهم ..
لم يدرك بأن الأحلام بدورها تباغت ..
و أنه سيتفاجأ بأمنيته تلقى في وجهه .. مع سلبه الحق في فرحتها ..!
تجاهل مسرح دمار الأمس .. و خطا اتجاه القسم الآخر ..
مد يده يحاول فتح الباب الرئيسي للقسم .. الا أن القفل قاوم دفعه ..
عقد جبينه .. و شعور ينبئه .. بان هذا الباب لم يفتح بالأمس ..!
لذلك اتجه للرفوف الحجرية التي حفرت في الجدار تحتضن تحفا و آنياتٍ مختلفة .. تلمّس احداهن بيد العارف ..
ليتعرف برودة معدن المفاتيح ..
اذا ذاك القسم من البيت لم يمس ..
أو أنّ من دخله قد تركه ،، و اعاد المفاتيح مكانها ..
و أدار نظراته الضيقة اتجاه جناحه الذي تركه مفتوحا ..
كان الباب لا يزال مشرّعا ..
تحرّك بثباتٍ و أمل طفيف يشعره بانها هناك ،،
فقط ليصطدم بخواء الأمس لا يزال يستعمر أركان المكان ..
اشتدّ فكّه بقسوة .. و عينه تمسح المكان للمرة المليون ،،
الغرفة التي قضى ليلته يدور فيها كليثٍ جريح ..
سحب نفسا عميقا .. و تلمس خشونة فكّه ..
هي اذا بالأسفل ..
و أغمض عينيه بقوة و هو يزفر ..
عليه أن يختلي بها ،، ليسوي الأمور كلها ..
لكن هل سيمر بهذا أمام ميعاد .. أم أنها ستحتفظ بخلافاتهم بعيدا عن أعين الآخرين كما اعتادوا .. ؟
و استعاد في باله كم المرات التي راح يستفز كرامتها و صبرها أمامهم ..
يشعرها بنفوره .. و يهشم هشاشة شعورها بقسوة كلماته التي يكيلها كالحجارة ..
استدار الآن بعزم أكبر ..
يعيد كتفيه للوراء استعدادا .. و هو يهبط عتبات السلم ..
فيما شعور غريب راح ينزلق بثقل في داخله ..
ليثقله بأسى غير مفهوم ،،
تلقفت نظراته الجسد القابع في الطرف الأبعد ..
لم تتحرك من مكانها .. لذلك وصل اليها بخطواته الواسعة ..
يستدير رأسها اتجاهه مع اقتراب وقع أقدامه .. لترتسم على شفتيها ابتسامة حلوة ،،
تلف ملامح وجهها العذب .. و هو يقول بابتسامة مغتصبة ..
- صباح الخير ..
و ينحني ليقبل قمة رأسها بحنان .. فيما ترد هي تحيّته بحب ..
- صباح النور و السرور ..
استند بظهره على الجدار و هو يقف مقابلها .. يقعد ذراعيه أمام صدره القوي ..
- شصبحتي اليوم ..؟
هزت رأسها بابتسامة صغيرة و عينيها تعودان للاختراق زجاج النافذة و تأمل الصبح الوليد ..
- بخير و نعمة .. انته شحالك ..
مد سبابته يضرب طرف أنفها بابتسامة .. و كأنها طفلة .. ليست امرأة تجاوزت السادسة و العشرين ..
- أنا بخير ..
و تنهد و ابتسامته تتبخر ببطء .. مكررا بثبات ..
- بخير ..
ثم يستطرد متسائلا بعفوية مختلقة ..
- وين حور ..؟
و تعلّق كل أمل بكلمتين ستقولها ميعاد .. و تقلّصت عضلاته ..
لتقول ميعاد ببساطة ..
- عدها ما نزلت ..!!
هوى شيء بثقل الصخور في قعر معدته ،،
و توالد الغيظ في صدره ،،
صر على أسنانه بغضب ..
لا شيء من مشاعره قد يظهر على وجهه الصلب ..
و تحرّك دون كلمة أخرى ،،
تختبئ منه اذا .. لا يصدق بأنها تلاعبت به ..
و تمنى لو يمسكها الآن ليخنقها بيديه .. هي و عفرا و نايف ..
احساس خطواته الآن بدأ يتبدل للغضب ،، و هو يخرج من بيته للمرة الثانية هذا الصباح ..
يلتقط هاتفه ليتّصل برقمها ..
سرعان ما لكمته الإجابة .. و هي تتشدق بخطٍ مغلق ..!
أعاد الاتصال برقمٍ مختلف هذه المرة .. و أصابعه توشك على تحطيم الأزرار ..
رنين تزايد معه قهره .. ينقطع بعد برهة .. ليأتيه صوت أختها الرخيم .. مجيبا بتردد ..
- ألوووه ..؟!
هدر صوته بصرخة عاتية ..
- تستهبلين انتي ..؟ عطيييها التيلفوووون ..
ليأتيه صوت عفرا مترددا خائفا ..
- أعطيه منوه ..؟!
* * * * *
أبعدت خصلاتها الطويلة الناعمة خلف أذنها .. و هي تتنهد .. لتسأل بصوتها المبحوح و عينيها لا تفارق يديها المعقودتين في حجرها ..
- و أمي عذيجة درت انيه هنيه ..؟
أختها التي تفجر خلف هدوء ملامحها الثابتة بركان من غضب .. أجابت بثبات ..
- لا .. انا يوم ييت هنيه كانت راقدة .. ابويه و امي ما ينشون الا الساعة عشر ..
أومأت حور برأسها قبل أن ترفعه لتدير عينيها الكئيبتين المطموستين خلف غشاوة جليدية من الدموع .. كان الوقت و الارهاق قد جمدها ..
تنتظر فقط أن يبدأ أحدهم الحديث .. فما اجتمعوا هكذا الا كي يبتوا في أمرها كما بدا لها واضحا ..
لا يعلمون أنها من بتت في الأمر قبل أن تأتيهم ..
و لم يعد للحديث بقية ..
لكن صمتها الممتد كسره مايد و هو يطالعها بحنان متسائلا ..
- حور .. بنخليج ويا وديمة .. لو تبين تخبرينها شوه المشكلة ..
أجابت بثباتٍ ..
- ما فيه داعي .. وديمة تعرف كل شي ..
ابتلعت وديمة ريقها و سحبت نفسا تهدئ نفسها .. و هي تقول ..
- لااا ما عرف شي .. شوه لي صار ..؟ خبرينيه ..
نظرت حور مباشرة الى عينيها .. و كأنها تذكرها بما دار بينهما قبل يومين .. الا أن وديمة تعمدت عدم الفهم ..
حتى تمتمت حور و هي تشيح بوجهها عنها لتتلقفها نظرات عبيد المتمعنة ..
- تظاربنا ..
- ليش ..؟
التفتت حور لها بقوة .. و عينيها تتسعان .. ما الذي تريده وديمة .. هي حتما لن تسرد تفاصيل المشكلة على مسامع إخوتها ..
قالت بقهر من بين أسنانها ..
- سبنيه ..
رفعت وديمة حاجبها و هي تقول بقوة ..
- سبج بتظهرين من بيتج الساعة ثلاث و محد من هلج يدري ..؟
رفعت حور حاجبها تطالع وديمة لتقول بهدوء ..
- مضايقتنكم ييتيه هنيه ..؟
كرهت وديمة أن تفسر حور ضيقها بذاك الشكل .. فردت بسرعة ..
- ييتج ما تضايق و انتي تعرفين .. اللي يضايق ان المشكلة كان يمكن تنحل في حدود بيتج .. بدون لا حد يدخل .. لكن انتي يوم ظهرتي .. حطيتينا كلنا في الصورة .. و ما بيي الظهر الا و الكل يعرف لي بينج و بينه ..
هزت حور كتفيها .. بلا مبالاة مصطنعة ..
فيما وجع ثقيل خبط قلبها .. و هي تقول ..
- ما يهمنيه .. هم بيعرفون الحينه و الا بعدين .. بما انيه ما برد له ..
اتسعت عينا وديمة بصدمة و هي تردد بذهول ..
- ما بتردين له ..؟ كيف يعني ..
و ها هي تلتقط شوكة أخرى لتغرسها في طراوة قلبها .. لتدمي احساسها ..
- بتطلق ..
هوت الكلمة على رأس وديمة بثقل المطرقة .. لتقف على قدميها رغم ثقلها ..
- تطلقيييين ..؟!! تخبلتي انتي ..؟
آخر ما ينقصها معارضة من شخصٍ ظنت أنه سيكون سندا لها ..
لذلك وقفت بانفعال تواجهها ..
- هيه تخبلت .. بطلق .. انا عفته .. معاد اباااه هالريااال .. لي يانيه منه يكفيني ..
وضعت وديمة يدها على رأسها .. و أخويها يتحولان لمتفرجين صامتين ..
- الحين سبج بتطلقين ..؟ حور كبري عقلج .. انتي هب ياهل .. أي زوجين يصير بينهم مشاكل .. ييلسون و يتفاهمون ..
لوحت حور بيدها و دموعها المتجمّدة تذوب شيئا فشيئا ..
فتبرق مآقيها بتعاسة صرفة ..
- أنا مابا اتفاهم .. خلااااص .. نقطة .. و انتهى كل شي .. أنااا معاد اريده .. ريال ما شفت منه يوم حلوو .. من خذته و هو مطلع عيونيه .. و انتي خير العارفين .. ما شي يشفع له عنديه ..
التفتت وديمة بقهر لمايد و عبيد الذي اكتفيا بمشاهدة الانفعالات النسائية الدرامية بهدوءٍ تام ..
- و انتو ليكون مطاوعينها في هالشور و الا مشجعينها ..
استمر مايد في الصمت .. و عبيد يقول بحقد ..
- و الله لو ما تبا الريال هب غصب .. و يكون أحسن بعد .. لنه الحيوان من البداية ما يستاهلها ..
صاحت وديمة باستنكار ..
- عبيييييد .. شوه هالرمسة .. لا تقوي راسها ع ريلها .. هاي مشكلة صغيرة .. شوه تبا الناس يقولون عنها ..؟
لكن حور صاحت بدورها معترضة بألم ..
- لااا هب صغيرة .. و أنا ما تهمنيه رمسة الناس .. يقولون اللي يقولونه .. محد منهم متغربل مكانيه ..
صرت وديمة على أسنانها ..
الخطأ أنها منذ علمت بأن حور التجأت خارج بيتها لمجرد مشكلة بينها و بين زوجها .. حتى داهمها الغضب لتهورها ..
شعرت بانها ستتسبب بمشكلة هائلة ..
و ها هي الآن تتكلم دون تعقل فيما يؤيدها عبيد ..
و حور تتابع بألم ..
- أنا هالريال ما ريييده .. خلااااص .. نفسي طابت من الذل ..
نهرتها وديمة بقوة ..
- انتي لي يبتيه لعمرج .. لااا اتلومينه ع اللي سوى .. ليش ما تصلحين الوضع وياه و تحاولين تعيشين حياتج ..
قال عبيد بصوتٍ مرتفع غاضب و هو يقف على قدميه ..
- لااا ما بتصلح الوضع .. لو هي تبا تتطلق .. بيطلق غصبن عنه ..
التفتت له وديمة بقهر ..
- عبيييييييييييد يا الهرم .. أختك حاااامل ... و انته تباها تتطلق ..
بهت وجه عبيد و هو يطالع حور بصدمة .. فيما أبعد مايد اليد التي كاان يسند بها فكه .. و تعبير من ذهول مطلق بكسوه ..
- حاااااااااامل ..؟؟؟
كانت حور تنتفض بقوة الآن .. و الدموع تنزلق على وجهها .. قبل أن تصرخ بصوتٍ متهدج ..
- حتى لو تحتي عشر عيال .. ما بيغير شي من الوضع ..
ثم التفتت لوديمة بخيبة قاتلة .. تشير لصدرها بألم مبرح ..
- أنا لي يبته لعمريه ..؟ هااا ..؟ صدق .. استاهل .. لنيه سمعت رمستج .. و خبرته كل شي .. تعرفين شوه سوى ..؟؟
رفعت خصلات غرتها الذابلة عن جبينها تشير لندبة الأمس الدامية ..
- طالعي شوه سوى .. ظربنيييه .. ظربنيييه و هو يعرف ان الغلط بدا منه .. ظربنييييه و هو يدري انيه حااامل ..
في لحظة انقلبت ردود الفعل .. و وديمة ترتدي الذهول الصامت ..
فيما مايد يقفز على قدميه .. و عبيد يصرخ بقسوة ..
- ظرررربج ..؟؟؟؟ ظررررربج و لد الـ ××××× ..
في ثانية كانت الغرفة الضيقة تعج بهم .. و بانفعالاتهم الغير متزنة ..
تزدحم بغضبهم .. و وجعها ..
و في الأخرى .. لم يعد هناك سواها و وديمة التي لا زالت تطالع ندبة جبينها بألم كاسح .. و يديها ترتجف ..
تقف هي و عينيها تستوعبان الفراغ الذي خلفه أخويها ورائهما ..
قبل أن تلتفت لوديمة .. و هي تسألها مرتعشة ..
- و .. وييين راحوا ..؟؟
اقتربت وديمة منها تجذبها إلى حضنها بألم ..
لا تصدق بأنها كانت تهاجمها للتو .. فيما يضربها و يمتهنها الحقير رغم علمه ببراءتها و حملها ..!!
هزت حور رأسها تبعد وديمة عنها و هي تردد بفزعٍ مجنون ..
- راحوا له ..؟! يا ويلي ..!!! ودييييمة .. راااحوا له ..!! شوه بيسووون به ...
ابتعدت عنها بسرعة ..
و توجهت رأسا للسرير تلتقط هاتفها من تحت المخدة .. لتفتحه على عجل .. و تتصل بمايد ..
كان الخط يتقطع دون توقف .. و ما من مجيب ..
عادت الكرة مراتٍ لا تحصى .. لتعود و تتصل بعبيد .. الذي كان هاتفه مغلقا ..!!
ضمت الهاتف .. و صوتها يتهدج بخوف .. فيما عبرات من نوعٍ آخر تغرق وجنتيها .. و هي تطالع وديمة التي غطت وجهها بكفيها ..
- وديمة .. راحوا له .. يااا ربييييه .. مااا يردووون ..
و انفجرت باكية و هي تضم الهاتف لصدرها ..
شعور عميق بالفزع انتابها و هي تستعيد ملامح الغضب التي اكتست وجوههم ..
ذات الفزع تفاقم و هي تتذكر أي وحشٍ غير مكترث هو زوجها ..
و تخيّلت صدام يقع بينهم ..
سيحيل الأرض نهرا من الدماء ..!!
- شوووه بيسووون ..؟؟ ياااا الله .. ليييش خبرتهم .. ليييييش ..؟!!
وديمة في تلك اللحظات كانت تجرب الاتصال بدورها .. الا أن الاجابة كانت ذاتها ..
لا رد ..!!
ما أفزعها أنهما اثنين ..
و هو واحد فقط ..
اثنين غاضبين ،، و قد مسّ عزيز لهما ..
و أفزعها كم المشاكل التي قد تحدث .. و تبعات ما قد يقدمان عليه من أذية في ثورتهما ..
وضعت يدها على بطنها .. و شعور بالألم يسري في أطرافها .. و وديمة تتوسلها ..
- حووور اتصلي بحد من عمامج و الا عيال عمج يلحقهم .. هاييلا شباب ما يفكرون ..
و دون كلمة أخرى .. تدافعت أصابعها على أزرار الهاتف .. لتضرب ذاك الرقم ..
تقف على قدميها .. و هي تمسح وجهها المبتل بخوفٍ شديد ..
طال الرنين دون أن يجيب أحد . .و في اللحظة التي اعتقدت حور بأن الاتصال سينقطع .. أتاها الصوت الأنثوي الناعم مثقلا بالنعاس ..
- نعم يا مزعجة ..
لتنخرط حور ببكاءٍ عميق غير مصدق .. تستغيثها ..
- روضة دخيل الله .. وعي حامد خليه يسير يلحق عليهم لا يتذابحون ..
* * * * *
كل شيءٍ غدا بلون الدم أمام عينيه و هو يقطع فناء البيت ذهابا و اياب دون توقف ..
يكاد يصاب بالجنون معتصرا هاتفه بقبضته ..
لم يترك غرفة في بيته و بيت جده خلا غرف أخواتها إلا و اقتحمها بحثا عنها ..
هو الذي كان يريد اخفاء أمر خروجها لم يعد يكترث ان علم العالم يأسره أنها غير موجودة ..
أين هي ..؟!
أين تختبئ هذه المجنونة ..؟!
ملايين الاماكن خطرت بباله في تلك اللحظة ابتداءً من المخزن و انتهاءً بسطح البيت ..
ربما هي تندس عنه في إحدى الخزائن عنه ..
و كاد يضحك بجنون على هذه الفكرة ..
الا أن التوتر و القلق خنقه ..
كان بإمكانه أن يقلب كل حجرٍ في البيت بحثا عنها ..
إلا أن حيرته لم تطل به ..
و ذاك التساؤل ما ان بدأ حتى أنهاه صرير إطارات السيارة الصغيرة التي اقتحمت الفناء للتو .. و توقفت أمام باب بيته ..
أخذ بضع ثوانٍ ليتعرف على السيارة و صاحبها الذي قفز متوجها اتجاه بيته بخطواتٍ مسرعة ..
و رأى عزيمته على اقتحامه دون ان ينتبه أنه يقف على بعد أمتارٍ منه ..
ليصرخ بقوة مناديا .. و ذاك يوشك على ارتقاء الدرج المضفي إلى ردهته .. حيث ترك ميعاد تجلس منذ ساعة ..
- عبيييييييييييد ..
تصلّب جسد الرجل أمام الدرج .. ليستدير ببطء ناحيته ..
ثم يحث الخطى ،،
كان يسير بسرعة كبيرة تجاه غيث الذي لم يستطع تفكيره استحضار سبب واحد لوجوده في مثل هذه الساعة المبكرة هنا ..!
و حين لم يعد يفصل بينهما سوى خطوات .. خطر له بأن حور اتصلت به ربما .. لذلك أتى ..!!
و انقطعت الفكرة مع صرير اطاراتٍ آخر و سيارة مايد التي تعرفها على الفور تقف قرب سيارة أخيه ..
الا أن عبيد لم يمهله التفكير الآن ..
و هو يقطع ما تبقى من مسافة في هرولة سريعة .. لينقض بشراسة على غيث ..
و قبضته تنفجر بقوة القنبلة على فكّه .. لتزرع ألما مبرحا في وجهه ..
ترنح غيث لوهلة من الصدمة ،، قبل أن تتلقى يده اللكمة الثانية التي هوى بها عبيد يريد أن يحطم بها أنفه ..
ليمسك قبضته بقوة و يلويها إلى وراء ظهره ..
يصرخ بقوة ..
- الله يلعـ ×××× ,, تخبللللللللت ..؟؟
و دون أن يجد الفرصة ليتلفظ بشتيمة أخرى ،، كان مايد قد وصل بدوره ليثب على غيث يبعده عن أخيه ..
و هو يصرخ بقوة ..
- عبييييد .. بااااس خلااااص .. غييييث .. خوووز عنه ..
مايد الذي اندفع وراء عبيد حالما ترك غرفة أخته .. مدركا نيته في مهاجمة زوجها ..
لم يكن بعقلانيته يريد أن يهاجمه رغم رغبته المميتة في تمزيق وجهه الحقير ..
الا أنه رأى شجارا مفتعلا كهذا مجرد وقود سيزيد اشتعال أمور .. و تفاقمها ..
لكن لم يدركهما قبل ان تنفجر الامور ..
فما ان أبعد غيث عن أخيه حتى ارتد عبيد مرة ثانية يسدد لكمة لوجه غيث .. أخطأته .. فلم تصل إلا إلى كتفه ..
و هو يصرخ بغضب أهوج ..
- ليش تضرررربهاااا يا الحيواااااااان .. لييييييييييش .. مسوي عمرك ريااااااال عليها .. الله يلعـ×××
غيث الذي كان أقوى بنية .. و يفوق عبيد حجما .. أزاح مايد بعنف و انقض على أخيه بشراسة ..
تلك اللكمة التي أصابت فكه منذ ثوانٍ ارتدت على معدة عبيد حتى كادت تمزق أمعاءه ..!
إلا أن الأخير لم يأخذ وقته في التألم و هو يثب بقوة ملقيا ثقله على غيث .. و يده تتأرجح في الهواء لثانية قبل أن تهوي لطمة صفقت جانب رأسه و أذنه اليسرى ..
فيجرّه غيث من تلابيبه .. معرقلا قدميه ليتعلق عبيد في الهواء لحظة قبل أن يتلقى لكمة أخرى من غيث الثائر تنفجر في وجهه ..
في تلك اللحظات تحول ولاء مايد الذي سعى جاهدا لتفريقهما .. إلى أخيه ..
و وجد أنه يقف بينه و بين غيث و يدفعه عنه بشدة .. راكلا ساقه بقوة ..
فيهتز جسده غيث و هو يسقط على ركبة ..
دون أن يلاحظ أحدهم تلك السيارة التي توقفت للتو .. ليقفز منها حامد .. يرتدي ازاره و فانيلته البيضاء ..
و يقطع المسافة جريا نحو الشجار ..
و قد بدا جليا أن بنية غيث القوية لن تسعفه أمام غضب الاثنين .. رغم عنفه ..
ما ان بلغهم .. حتى دفع مايد عنه بقوة ليبعده مترا إلى الوراء .. و هو يتشبّث بكل قوته بعضد غيث المتصلّب ..
يجره للوراء و هو يصرخ في مايد ..
- شل أخوك .. شوه ياااكم .. الله يغربلكم ... غيييييييث ...
كان يدفع أخاه إلى الوراء .. الا أن الأول كان في حالة جنون لا معقولة .. فراح يدفع حامد بشراسة .. ساعيا خلف مايد و أخيه ..
فيما انشغل الأول في تثبيت أخاه على قدميه بعيدا عن غيث .. ساعيا بدوره لانهاء هذا الشجار ..
كان حامد يبعد غيث باستماتة .. و لطمات غيث تصفقه بلا هوادة ..
و هو يصرخ بصوتٍ رجولي مفزع .. ارتد صداه في الفناء ..
- وخررررررر عنيييييييييه ..
راح حامد يدفع صدر غيث بقوة .. و هو يصرخ في وجهه محاولا تهدئته ..
- عييييييييين خييييييير .. تعوذ من الشيطااااااااان .. غيييييييييييث ..؟ عنبووووه رياااااااال طووول و عرررررض .. خلهم عنك ..
صرخ عبيد الذي كان يدفع مايد بدوره بحقدٍ أعمى ..
- مهب رياااال .. تعاااااااااااال اظررررب .. و الا شااااطر تستقوي على الحريييييييييييم .. بنت عمك يااا الكللللللب .. ماااا تحششششمهاااا .. لكن هب لحية رياااال لو عااااادك شفتها عد هاليووووم .. دور لك كلبة من أشكالك تصفقها .. حووور معاااد بترررد لك ..
و دفع مااايد بقوة ..
- خوووز انته الثاااني بعد ..
كانت ملامح غيث القاسية تظلم .. و هو يدفع حامد بكل قوته .. و ينقض على عبيد بجنون يجره من تلابيبه بيد .. و باليد الأخرى يمسك فكّه و يشد عليه حتى أوشك على تحطيمه ..
غضب مجنون استبد به يختلف عن الهياج الذي اصابه اثر الضرب و هو يسمع عبيد يهدده بهجرها ..
عبيد الذي أدرك غيث بأنه يعرف مكان حور ..!
لذلك صرخ فيما تنبض عروق عينيه المحمرتين بجنون حتى كادت تنفجر ..
- وييييييييين حووووووور ..؟؟ ويييييييييينهاااا..؟!
كان مايد يجذب أخاه .. و حامد يجر غيث جرا بعيدا عن عبيد الذي انتهز الفرصة ليركل غيث بسرعة في ساقه ..
صرخ حامد فوق صراخ غيث ..
- مااااااااايد .. شل خوووك و توكلووووو ..
غيث الذي كان جسده الصلب ينتفض بجنون .. و هو يشتبك مع حامد في محاولة للحاق بهم .. و الأخير يكبله باصرار .. و يمنعه .. و هو يصرخ به ..
- غيييييث .. عييييييين خييييييير .. ماااا نباااا مشااااكل ..
كان وجه غيث مسودّا بشده .. و هو يتكلّم بجنون ..
- حووووور عندددهم .... حوووور عندهم .. شلوووووهاااا .. عندهم ..
و ينظر لغبار سيارات مايد و عبيد الراحلة .. ليحاول اللحاق بهم ..
الا أن حامد دفعه بقوة إلى الخلف و هو يصرخ ..
- غييييييييث .. بس خلاااااااص .. ساااروا ..
دفعه غيث و هو يصرخ به ..
- بسييير أيييبهااا .. خوووووز اهناااك ..
أمسكه حامد بقوة .. و هو يصول بصلابة .. و قد بدا أن غيث فعلا فاقد السيطرة على نفسه ..
- تييبها كيييف ..؟ هي بكيييفهااا سااارت اهناااك .. ما خطفوووها .. وييين تباااا ..؟
ثم توقّف غيث و هو يدير رأسه في كل اتجاه ،، و تصاعد غضبه .. و احتراقه ينبئ بالانفجار ..
فيما لم يمنع حامد نظرة ازدراءٍ علت وجهه و هو يطالع أخاه الأكبر .. قائلا بسخرية محتدة ..
- ظررربتهااا ..؟؟ ياا رياااال ..؟!! و تباها تيلس لك .. و الله و العثرة .. ريال طول و عرض .. و تظرررب هالضعيييفة ..
مسكه غيث من ثوبه يجره و هو يهمس أمام وجهه بقهرٍ أسود ..
- صخ عنيه أخيرلك .. هب ناقصنك أنا الحينه ..
انتزع حامد يده بقسوة ليلقيها بقرف ..
- و مسوي لي فيها محامي الدفاع عن بنات عمك .. تعلمنا المراجل .. روووح زييين ..
و استدار تاركا غيث وراءه .. متوجها بقهرٍ إلى سيارته ..
يحمل في داخله خيبة عميقة ..
كان يعرف عنف أخيه الأكبر .. و قسوته ..
لكن أن يفرغها على ابنة عمه اليتيمة .. هذا ما صدمه بقوّة ..
غيث الذي كان أرق من الهواء على من يحب ..
جميع النساء اللواتي يخصنه .. يتنعمن بحنانه ..
لم يفكر مطلقا بأن يفرغ قوّته على زوجته .. مهما كان الأمر بينهما ..!
.
.
لم يكن حامد وحده من شهد ذاك الشجار ..
و صخب الأصوات اجتذب سكان البيت كلهم تقريبا ..!!
و شيئا فشيئا ..
أخذت المشاكلة بالتفاقم ..
و التمدد ..؟
و لم يعد بالمقدور لملمة أطرافها خفية ..!
* * * * *
- صبحكم الله بالخير ،،
قالتها بابتسامة و هي تتقدم من أخيها و زوجته .. و ابنه الأكبر ..
ليردوا تحيتها بأصواتٍ متفاوتة .. و هي تنحني على أنف أخيها الكبير .. لتقبله ..
- صباح الخير يا بو عمر ..
ليرد بصوته الأجش عليها باسما ..
- صبحج الله بالنور .. يا مرحبا ..
جلست بجواره .. و هي ترتب غطاء وجهها و تضعه جانبها بعناية ..
- لمرحب بااقي ،، شحالك فديتك ..
و التقطت كوب الحليب الذي مدته أم عمر ناحيتها .. و أخوها يرد بشيءٍ من التعب ..
- بخير يعلج الخير .. وين بها ..؟
و أشار برأسه لعبائتها و غطاء وجهها .. لترتشف جرعةً من كوبها ترد عليه ..
- بخاوي عمر المستشفى .. صوب نهيان .. الين يخلص شفته ..
قطب بو عمر و هو يطالع ابنه ..
- غابشين اليوم ..
ليرد عمر بهدوء ..
- دوامي يبدى سبع و يخلص سبع .. و خولة تبا تيلس عند نهيان ..
هز بو عمر رأسه بهدوء .. و هو يقول بوقار ..
- الله يشفيه .. تنشد عنه يا بوك .. أنا أمس ما ييته آنس ريوليه هب بخير ..
أومأ عمر باحترام ..
- و لا شر عليك يا بوية .. ان شا الله ..
ثم وقف على قدميه مقبلا رأس أبيه و أمه ..
- يا الله أنا سارح الحينه .. دعواتكم ..
و التفت لخولة مع تدفق الأدعية ..
- يوم تخلصين حليبج الحقيني السيارة ..
وضعت خولة كوبها جانبا و التقطت عباءتها ترتديها ..
- لااا خلصت .. يا الله ..
.
.
و لحقت به إلى سيارته ،،
ما ان دست جسدها في المقعد المجاور و أغلقت الباب حتى انطلقت بهما سيارته اتجاه المستشفى ..
كان الجو غارقا في الصمت و هذا ما اعتادته من عمر عند استيقاظه من النوم ..
لذلك انغمست في التفكير بدورها .. و هي تسترخي في المقعد ..
كانوا قد قطعوا شوطا طويلا من الطريق حين تكلّم عمر بصوتٍ حمّله لا مبالاة مصطنعة ..
- أقول خولة ..
كانت خولة تملّس غطاء وجهه المرفوع ..
- قول فديتك ..
تنحنح بخفة قبل أن يتساءل ..
- لنا يومين ما شفنا ختج بنت سيف تزور نهيان .. رب ما شر ..؟
و انقبض قلب خولة مع هذه الذكرى ،،
لتهمس ببؤس سلبها كل احساس حي مع هذا الصباح ..
- مادري يا عمر .. مادري ..!
* * * * *
كان المجلس مزدحما بوجودهم ..
البذخ الذي يكسوهم .. يتناقض مع بساطة مجلسه ..
تلك الثقة التي تقارب الغرور و ربما تتجاوزه ..
و الصرامة التي تنعكس قسوة عن ملامحهم ..
لم تؤثّر فيه .. و هو يقبع جالسا بثبات .. فيما عبيد يمر بدلة القهوة .. يسقيهم فناجينا منها ..
عينيه تركّزت على فردٍ واحد منهم ..
ذاك الرجل ذو ملامح سمراءٍ خشنة ..
بدت وسامته كاسحة .. رغم برود ساخر يلفّه ،،
و هو يلتقط نظرات عبيد الذي اشتهى قذف القهوة الساخن في وجهه بعد شجار هذا الصباح التي لا زالت آثره تصرخ بحدوثه..
غضب هائل كان يتقد في داخله ..
و هو يتمنى لو أن الرجل لم يكن ضيفه ..
لكان حقا أقدم على ما هو أكثر من ضرباتٍ طائشة داعبها به إبنه الأصغر ..
هذا الطاغية أقدم على أذية ابنة حمد ..
حمد الذي سبق و أن لفظوه خارج حدود عائلتهم ..
حمد الذي كان له الأخ الوحيد طوال خمسا و عشرين سنة ..
الأخ .. و الصديق ..
حمد الذي لم يكن يعرف أحدا غيره .. و لم يكن يلجأ لأحدٍ غيره ..
و ها هي ابنته .. تعود لتلتمس حماه ..
تعيد كرّة أبيها ..
ترتد للعائلة الوحيدة التي عرفت لخمس و عشرين سنة ..!
شعر بالألم يثور أمام فكرة أن تضام ابنة ذاك العزيز بعد رحيله ..
و أن لا تجد هي من يرد عنها الأذى ..
هو الذي كان الأب لها و لأخواتها ..
يرعاهن برفقة أبيها ..
كم من مرةٍ التجأ له حمد في حاجة يقضيها ..
كم من مرةٍ خلفه و زوجته لرعاية عائلته المقطوعة في غيابه ..
كم من مرةٍ أعانه .. و استعان به ..
تلك الأنثى المحطمة في الداخل .. ترعرعت تحت عينيه ..
و برفقة أبناءه ..
كانت ابنة له .. بشكلٍ أو بآخر ..
و ها هي ابنته تلتمس حماه ..
علم في داخله يقينا بأنه سيذود عنها بحياته ..
لذلك استمع بشيءٍ من البرود لصوت علي الذي قال بهدوء ..
- و الله يا بو مايد .. نحن عادينك من الأهل .. و العيال عيالنا .. و غيث ولدك .. لي صار اليوم .. هب في حسبة رياييل .. و لا من سلومهم .. لكن منك العذر و السموحة .. و عيالك ما شي في الخاطر عليهم من صوبنا .. شباب .. و خذتهم الحرة .. و كم من راس طار في طيش .. الحمد لله لي يات على كذيه .. و ان شا الله ما بينهم الا كل خير .. نحن يايين عانين نبا نحل الأمور .. و نتفاهم ..
لكنّ النظرات التي اشتعلت بحقد بين غيث و عبيد و مايد .. كانت تضحك ساخرة من كلمات بو غيث المتزنة ..
و سلطان يهز رأسه بهدوء لا يفصح عن الغليان في داخله ..
- و نعم و الله .. ييتكم على العين و الراس يا بو غيث .. و شرات ما قلت .. العيال عيالكم .. و انتوا ادرى بطيش الشباب ..
ردّ بو غيث برصانة ..
- الله يطول عمرك .. و المشكلة أصلا ما تستاهل كل هذا .. و من يوم ما نتفاهم .. و نرد البنت ويانا .. و لا كان شي صار ..
نظر سلطان لهم ببرود .. يطالع بو علي .. و حفيده و يرد بقوة ..
- السموحة منك يا بو غيث .. لكن بنت حمد ما بتظهر من بيته .. الا و انتوا تقضون في حقها و فوقه رضوة .. و الين هاك الوقت بتيلس عنديه و عند امها و أخوانها .. معززة و مكرمة ..
رفع غيث حاجبا يقول بقسوة باردة ..
- بنت حمد حرمتيه .. و أنا اللي أصرف مكان يلستا .. في زعلها .. و في رضاها ..
رد سلطان لوجه الجليد ذاك قسوته ..
- ما حشمتها و صنتها يوم هي حرمتك .. و غير كذيه .. البنية ما تبا تشوفك .. و دامها ع هالحال .. ما بتحدر لها مكان ..
ثم استطرد قبل أن يقول غيث شيئا آخر .. و هو ينظر للجد ..
- يا بو علي .. البنت اتعونت بنا .. و زبنت عندنا .. و هب نحن لي بنلقفها أول من دق الباب .. انا ما عنديه خلااف .. و لا هب حادنكم عنها .. البيت بيتكم .. انتو حادرين و نحن الظاهرين .. لكن ما دامت ما تبا تشوف ريلها .. محد بيغصبها ع شي ..
.
.
غضب أسود راح يلتهم أحشاءه .. و يتلوى في جوفه .. و هو يطالع وجه سلطان و أبناءه ..
لم يصدّق أنهم يمنعونه عنها ..!!
هو الذي يملكها .. بحق ما يشعر به اتجاهها ..
أراد في لحظةٍ أن يلبي وحشية شعورٍ تحني أركان جسده ليمزقهم جميعا ..
يجتاحهم ..
و يقتحم مخبأها ..
فيحملها بعيدا عن هنا ..
بعيدا عن كل هذه التعقيدات .. و العراقيل التي وضعتها بينهما ..
و ينفرد بها في زاويةٍ ،،
و هناك سينتهي كل شيء ..
سيعدها فتاته التي كانت ..
و سيداوي الجراح التي اقترفتها يداه ..
و سيحبها كما لم يفعل مسبقا ..
و سيعتذر ..!
لما كان عليها أن تعقد الأمور هكذا ..؟؟!
* * * * *
ذات يومٍ قديم ،،
في دهرٍ كان زخم الحاضر قد طمس تفاصيله ،،
حين كانت هذه الأنثى التي تتوشح بالكبرياء ،، و مآقيها الواسعة تلمع بألم كاسح .. رغما عن أنفها الذي ترفع في وجه أوجاعها ..
مجرد طفلةٍ صغيرة ..
بثوبٍ وردي باهت .. كان قد رتّق مراتٍ لا تحصى ..
و شعرٍ أسودٍ برّاق .. يحتضن تفاصيل وجهها الناعم ..
مجرد طفلةٍ بعينين سوداوين لامعتين .. و شفتين بلون الزهر العذب تنفرج في تساؤلٍ أبكمٍ بريء ..
لترفرف أهدابها .. و كأنما توشك على التحليق ..
صغيرة للغاية .. بحجم الهموم التي قد تسكنها آنذاك ..
بقدمين صغيرتين ،، ناعمتين .. تلامس برودة الأرض و هي حافية ..
تتقدم بخطى متعثّرة ..
فتخطو مرّة .. و تتعثر مرّات ..
لتتجعد الملامح الحلوة .. و هي تقلب شفتها السفلى بغصبٍ طفولي .. و - زعل - ..!
في ذاك اليوم البعيد ..
كانت قد إنشغلت .. بثيابٍ متسخة .. و طعامٍ لم يطهى ،،
و غبار ينتظر النفض ..
و تثابر هي ما بين هذا و ذاك ..
لتقضي ساعاتٍ طوال توزّع همّتها عليه ..
فما ان تنتهي حتى تتذكر طفلة القرنفل التي غابت للحظاتٍ عن بالها ..
لتنتفض .. و تهرع إليها .. حيث وضعتها في مكان جلوسهم هذا الصباح ..
فتجدها نائمة على بطنها دون واقٍ بينها و بين برودة الأرضية القارصة ..
و قد انسكب بجوارها ابريق الحليب الذي تذكر بأنه كان ساخنا ,
تهرول بفزعٍ إليها ..
لتجد وجهها المحمر الباكي المنتفخ ،، مطبق العينين .. و قد احمرّت كفّها البيضاء الصغيرة بعد ان احترقت ..
كانت الصغيرة قد دلقت ابريق الحليب .. ليلذع يدها الناعمة ..
أحرقها ..
فلم تحتمل ..
و بكت ..
بكت كثيرا ..
و استنجدت بأمها .. و صرخت دون توقّف ..
الملامح الحلوة تجعدت ..
و الشفة السفلى انقلبت ..
و أراقت العينين سيولا من الدموع ..
فيما شفتي الزهر تصرخ بيأس تسألها النجدة ..
بكت الصغيرة كفها المحروقة حتى غلبها التعب و النوم ..
لتجاور الابريق الذي لذعها ..
ذاك الآثم الذي لم يحترم عجزها عن حماية نفسها .. و حاجزٌ يعزلها عن من هو أهل ليقيها حرارته ..
توسّدت البرودة .. و بعينين دامعتين و شهقاتٍ لا تنقطع .. رقدت جوار بركةٍ من الحرارة ..
ليغلبها التعب شيئا فشيئا ..
حتى غفت ..
هي لم تسمعها ..!
لم تشعر بها ..
طفلتها كانت تستنجدها أن تبعد عنها الأذى .. فيما هي لم تسمع صراخها المكتوم ..
استغاثاتها المحجوبه ..!!
و ركعت ذاك اليوم على ركبتيها تبكي كالطفلة بدورها ..
هي لم تسعف طفلتها ..
فلم تجد في يدها حيلة سوى أن تشاركها البكاء ..
.
.
و اليوم احترقت الطفلة ..
و توسّدت البرودة .. و احتضنت الأذى ..
و سكتت ..!!
هي التي ربما لم تسمع الاستغاثة الا أنها قرأتها في مآقيها ..
رأت شعلة من الحياة تخبو يوما وراء يوم ،،
دون أن تفعل هي شيئا لها كي تتقد ..
دون أن تضمّها بكفوفٍ تعزلها عن أنفاسٍ ستطفئها ..
و ها هي الآن تبكي احتراق الطفلة مرّة أخرى ..!!
لمسات أختها المعزية و صوتها الذي كان يأتي خافتا ..
بعيدا .. يتسلل من خلف عوازل الصمت بينهما ..
لم يطفئ حر ما تشعر به ..
ترى ابنتها .. فرحتها الأولى ..
تتوجع ..
و هي بلا حيلة ..!
كانت تضم طرف - شيلتها .. لتضغط بها على عينيها .. تنشج بألم ..
في تلك اللحظة ..
و ابنتها تلتجئ لأختها هي ..
تنشد سندا تحتمي به ..
شعرت بأن كل شيءٍ قد دفن مع ذاك الراحل ..
حمد وضّب قوّتهم .. و الأمان في جعبته و رحل ..
خلّفها وراءه .. أمام مسؤولية عظمى ..
هي التي كانت تتكئ دوما على قوته ..
غير عابئة بشيء ..
في مستقرٍ و أمان ..!
لتداهمها .. وحدة .. و ضعف ..
و انكسار امرأة فقدت رجلها ..
شيء لا يجبره إلا اللحاق به .. و الموت ..
.
.
ذراعٌ رقيقة تلتف على كتفها تضمّها بحنان ..
تألفها هذه الذراع و تعرفها ..
هذه الذراع تحتاج من يواسيها الآن .. لا أن تواسي ..
و انهمرت الدموع بحسرة أمٍ الآن ..
كانت ابنتها .. تكافح لابعاد يدها عن وجهها .. تنشدها أن تطالعها ..
الا أنها لم تستطع ..
بأي وجه ستقابلها .. و هي التي لم تستطع أن تنقذها ..؟!
بأي حق كانت أما ..؟!
.
.
أغمضت عينيها .. تحبس تلك الدموع التي ترقرقت من مرأى أمها على بكاء ..
و هي تقول بصوتٍ مرتفع مرتجف ..
- أمااااه .. أمااااااه ..؟!
إلا أن أمها لم تجبها ..
كانت تنشج ببكاءٍ موجع .. لتشعر حور بألمها يخترق العظام ..
و انه مذ بدء الخليقة لم يمر بها كهذا حزن ..!
نشقت حور .. و هي تلتفت لأمها عذيجة .. تناشدها ..
- أماياا .. تعالي رمسيها .. عورت فواديه و الله ..
شدت عذيجة ذراع أختها عن وجهها بحزم سنواتٍ طوال ..
و هي تلوح بحركاتٍ سريعة في وجهها .. تلاحقها بحركاتٍ شفهية دون صوت ..
شيءٌ كانت أمها عذيجة قد اكتسبته و لم يتقن هن هذه اللغة العجيبة قط ..
اعتدن على الصراخ .. رغم يقينٍ بأنه ليس له من داع ..!
شيئا فشيئا .. راحت وديمة تلملم .. شظايا حطامها .. تدسها في صدرها ..
فإذا هبط الليل .. ستجد فسحة من ظلمة تنثرها من جديد .. بعيدا عن عين بشر ..!
كانت حور تسند جبينها بتعب ..
و هي تطالع وجه أمها المحمر .. من خلف البرقع ..
مدت يدها تلتقط كفها .. لتعتصرها .. و تقبلها بحب دافق ..
فيما يدخل عبيد بعد دقتين متتاليتين على الباب .. ليقول بهدوء مشيرا برأسه إلى الخارج ..
- حور تعالي ميلس الحريم .. يدج و عمج علي اهناك ..
انتفضت حور .. و وقفت على قدميها .. طالعت وجهه بتوسل .. و هي تناشده ..
- عبيد دخيلك قلت لكم ما ريد أشوفه .. مااا ريد ..
اشتدت ملامح عبيد بصرامة .. و هو يطمئنها ..
- لا تخافين .. أبوية قال له انه ما بيشوفج الا لو انتي تبين .. هو في الميلس .. و نحن قربنا يده و ابوه في الميلس الداخلي .. محد اهناك غيرهم .. يا الله فديتج ..
وضعت يدها على صدرها باضطراب .. و طالعت أمها عذيجة ..
- خاااايفة ..!! أخاف يشلووونيه وياهم ..
ليرد عبيد مرة أخرى ..
- لااا محد بيشلج .. لاااا تخافين .. يبون يشوفونج و يرمسونج ..
ثم استحثها .. يهز رأسه ..
- يا الله فديتج ..
حولت حور نظراتها لأمها عذيجة .. التي وافقتها بهدوء ..
- سيري غناتيه .. لاا اتحيرين عليهم ..
رفعت غطاء رأسها تعدّله .. و تلفه بعناية حول وجهها الشاحب ..
و هي تلحق عبيد بساقين مرتجفتين ..
ما ان بلغا باب المجلس الداخلي .. حتى وضع يده وراء ظهرها بهدوء .. ليقول لها بثبات ..
- لااا تخافين من شي .. كل شي بيصير مثل ما انتي تبين .. انزين ..
ابتلعت ريقها .. و هي ترد بصوتٍ مرتجف ..
- انزين ..
دفع ظهرها اتجاه الباب برفق ..
- يا الله فديتج .. انا بسير الميلس ..
أومأت برأسها و هو يسير مبتعدا .. ثم أدارت عينيها لقبضة الباب ..
سحبت نفسا مرتجفا .. تلتمس الشجاعة .. و الخوف يتمطى داخلها ..
ماذا لو أنهم أجبروها على العودة معهم .. أو أن هذا كمين ..
و أنه - هو - من ينتظرها بالداخل ..
و ارتجفت بعنف .. و هي تضم يدها لصدرها .. و كأن المقبض ينوي عضها ..!
لا .. لن يلقي بها عبيد في وجهه تعلم هذا جيدا .. فقد أثارت في قلبه من الأحقاد ما يكفي اتجاهه ..
لذلك سمّت بالله في داخلها .. و فتحت الباب بهدوء .. ليتدفق نور الشمس من ورائها إلى المجلس البسيط ..
ما ان وقفت بالباب .. حتى تحوّل زوجين من العيون اتجاهها بنظراتٍ قويّة . شعرت بسطوتها .. تطبق على أنفاسها ..
الرجلين الذين تألفهما .. وقفا معا .. و هي تسلّم بخفوتٍ .. فيما نظراتها تلتصق بالأرض ..
- السلام عليكم ..
ليرد الرجلين سلامها معا ...
- و عليكم السلام و الرحمه ،،
و يعقب عمّها علي التحيّة .. بترحيب هادئ .. و هو يطالع جسدها الضئيل يتقدم منهم ..
- مرحبـــــا الساااع .. حيا الله بنت حمد ..
تقدمت من جدّها أولا ..
تشمخ بعينين لامعتين بدموع قفزت فجأة إليها .. تتلقف ثقل هيبته .. و قوة جسده التي لطالما أدهشتها رغم سنين عمره المنقضية ..
في عمق عينيه نظرة تعرفها .. و في تفاصيل وجهه ملامح رجل .. تمنت لو تقطع نصف الأرض لتبتعد عن جراحه ..!
تلتمس كفها النحيلة كتفه العريض .. و هي تقف على أطراف أصابعها .. لتسلّم عليه ..
فيما كلمة هادئة هامسة تأتيها منه ..
- مرحبا بوية ..
لتلسعها الدموع .. و هي تهمس بدورها ..
- مرحبا بك ..
سلّمت على عمها علي .. الذي على عكس جدّها .. تلقفها بين ذراعيه .. يحتضنها برفق و ينحني مقبلا قمة قامتها القصيرة .. و هو يقول بقوة ..
- بنداويه الحمار .. الين يصطلب و يحرم يزعل شيخته ..
كانت الكلمات لتطيب خاطرها ..
الا انها قاومت مستميتة كي لا تتشدق ساخرة إثرها ..
لم يعد يملك الحق - ليزعلها - هذا لأنها لن تعطيه الفرصة لذلك ..
جلست بينهما .. بهدوء ..
فيما يحيطان بها ..
شعرت بهما هائلين .. لم تكن ضخامة هاماتهم العريضة فقط ..
بل شيءٌ مختلف ..
و القوة تتلفّ حولهما هالةٌ نابضة .. تشعر بحرارتها ..
في تلك اللحظة .. و جدها يضع كفه على ظهرها بهدوء .. و يد عمها علي تمسك يدها الصغيرة ..
ابتلعت عبرة كالشوك ..
و هي تسأل الله أن يرحم والدها ..
كان جدها صامتا .. لم ينبس بكلمةٍ واحدة .. فيما استلم ابنه زمام الحديث .. يقول بهدوءٍ جم ..
- حور ابوية .. رب ما شر .. ؟؟! شوه مستوي بينج و بين ريلج ..؟
لم تجبهم ..
عينيها لا تفارقان الأرض .. فيما أخذت الدموع طريقها اليها ..
و عمها يتابع و كأنه يتحدث إلى طفلة ..
- غيث يقول انه زعلج .. و غلط في حقج أمس .. و ياي عاني بنا ... يبا يطيب خاطرج .. و يتعذر لج .. و يحب راسج .. لكن عمج سلطان يقول انج ما تبين تشوفينه ..
تكلّمت بفزع و هي ترى أن عمها علي على وشك أن يبدأ محاولة في اقناعها بأن تراه ..
لا تريد أن تراه ..
ستبكي .. و ستتهشم بين يديه ..
لا تريد ..
- هييه .. ماابااا أشوووفه ..
نظر عمها بهدوء لفزعها .. و التقط نظرة واجمة من جدها الصامت .. المسترخي في مكانه ..
- لااازم تشوفينيه فديتج .. و ترمسون في الموضوع .. الحياة مشاكل .. و أعسرها بين الريال و حرمته .. و الحرمة .. لو غلط عليها ريلها مرّة .. تتفاهم وياه .. و تصبر عليه .. هب تخليه .. المشكلة لو كانت صغيرة .. و ادخلوا فيها العرب كبرت .. لااازم تسمعينه .. و تتفاهمين وياه .. لج حق عليه .. و بيرده ..
كانت ترتعش الآن .. و عبراتها تنسكب دون توقف ..
قالت بصوتٍ متهدّج ترد على عمها ..
- هذا لو ريلها غلط عليها مرة .. لكن لو ريلها يغلط عليها كل مرّة شوه تسوي ..؟ أناا وايد صبرت يا عمي .. و هاي هب أول مرة لغيث ..
عقد عمها جبينه .. و هو يقول ..
- و ليش ما قلتيلنا عسب نراويه السنع الهرم .. هو غلط عليج ..؟ شوه قال لج ..؟
ضغطت بيدها على عينيها و هي تقول بحزن دامع ..
- قال وااايد أشياء ,, حتى ايده مدها عليّه ..
انتفض عمها علي بقوة ..
- رااااعي مصوته .. ظرررربج ..؟!!!!!
و لوى الغضب ملامح وجهه القوي المجعد لترى حور من خلف غلالة الدموع و لأول مرة .. شبها بينه و بين ابنه .. و هو يقول باستنكار ..
- و الله هب لحية ريّال .. لكن ما بيطلع منها الرخمة .. ظررربج ..؟! يعل ايده الكسر ..
و في تلك اللحظة اجهشت حور بالبكاء ،،
طوفانٌ هادر من الملوحة راح يجتاح خديها .. و هي تشهق بقوة ..
حين أعلموها بحضوره .. و بجدها و عمها ..
ظنت أنهم أتوا ليؤازروه رغم أنهم يعون إلى أي مدى أوغل في إذلالها ..
و داهمتها وحدة فضيعة ..
و احساس مميت بالضعف ..
و كأنهم أهله وحده و لسوا بأهلها ..
أما و صدق صدمة عمها يلوح على وجهه فقد أشعرها ذاك برثاءٍ عميق ..
مسح عمها على رأسها و هو يتكلّم بغضب ..
- ما عليج منه مسود الويه .. بياخذ يزاه على سواته .. وسعي صدرج يا بنتيه .. بس أبوية .. لااا اتصيحين ..
لكن لم تتوقف عن البكاء .. بل رفعت عينيها له من بين شهقاته ..
- أناا مااابااا أشوفه .. خلااااص ماااباااه .. عميييه خله يطلقنيييه .. معاااد أباااه ..
قطب علي و هو يرفع عينه ليلتقط جمود نظرات أبيه الذي كان يطالع بكائها ..
قبل أن يتكلم أخيرا بهدوء ..
- شوه يطلّقج ..؟ تعوذي من ابليس و حطي الرحمن في صدرج .. الريال درى انه غلطان و الا ما حيد غيث يتعنى لحد ..
شدّت على قبضتها بقوّة ..
دون أن تلتفت إليه .. و انتكست أنظارها خذلانا ..
ما الذي توقّعته ..
أ و ليس هو من أفسده بهذه القسوة ..؟!
شعرت بانه لم يهتم كثيرا بكونه يؤذيها .. ؟!
.
.
ما لم تكن تعلمه .. ان جدها بدوره كان مجروحا حتى الصميم ..
أن تترك بيته ،، و تتجاهله في محنتها .. لتلجأ للغريب في نظره .. شيء أوجعه بشدّة ..
تمنى و هو يرى بكاءها ،، و حزنها الطاغي .. ان يمزّق حفيده اربا اربا ..
الا أنها كانت قد سلبت نفسها شيئا من تعاطفه بهجرها حماه ..
و وجد أنه رغما عنه .. يقف في صفّ غيث بدلا عنها ..
و اعتصر قلبه شيءٌ مختلف و هي ترفع عينيها المشبعتين بخيبةٍ عميقة .. و هي تقول له ..
- ما يهمنيه لو تعذر مليون مرة .. طابت نفسي منه ولدك .. قولو له انيه خلاااص عفته ..
و دون أن يستطيع أن يكبح سؤاله المقهور .. انطلقت أحرفه ملؤها الخذلان ..
- ليش ما ييتي بيتيه .. ؟ ليش تعونتي بالغريب و زبنتي عنده و بيت أبوج عندج ..؟
.
.
و رأت هي المرارة في عينيها .. لكنها لم تكن تملك له شيئا في تلك اللحظات ..
هو من ابتدأ الأمر برمته ..
ما كان عليه أن يتخذها سبيلا لاعادة ابنه إلى جناحه ..
كان عليه أن يتركها لأقدارها و ما تحمل ..!
و ها هو كعادته يأخذ جانب حفيده المظلم ..
كانت هي أكثر خذلانا ..
لذلك لم تتوانى عن الهمس بجرحٍ عميق ..
- عميه سلطان هب غريب .. هو اللي ظمنا و ظم أبوية خمس و عشرين سنة .. ما ضاق بي بيته الحين ..
* * * * *
و ترتد به الخطى ،،
تعيده لطرقاتها الغابرة ،،
تغمره ألفة و دفئا لا يحفه في أي مكان آخر ..
عبق الروائح القديمة ،، و تعاريج نقشتها السنين على جبينها ..
و أسى يزحف على وجهها .. يسكن محاجر عينيها العتيقتين ..
و كل ما قد يوجعهم .. يوجعها أضعافا ..
فقط لأنها تلك الكبيرة ..
الأم العظيمة .. التي سئمت الفقد حتى الموت ..
و لأنها التي لا يلتئم لها جرح .. حتى ينفتق آخر ..
الا أنها تلتحف الحزن الصامت .. و وجعها الذي لم يعد يضايقها ..
بل غدى لها رفيق درب أو أكثر ..
ترتد به الخطى .. ليتعلم بأنها كما اعتاد ..
المرأة التي تبتدئ بها كل السبل .. و المنتهى ..
و انه و ان خذلته الأيام ..
و قلبه ..
سيجد في روحها متكأ .. يلقي بهمومه عند قدميها .. ليتلاشى الألم في حجرها ..
هي حبيبته التي لن تهجره مهما فعل ..
و ستبرر دوما أخطاءه قبل أن يعتذر ..
و ها هو الآن يزحف متألما .. حاملا بين يديه احساسا يحتضر ..
لتتلقفه من بين يديه .. تمده حياةً تقتصها من روحها .. و هي تمسح على رأسه الكبير الذي ارتاح في حجرها ..
صوتها العتيق يهاجر من بين شفتيها المحاطتين بالتجاعيد .. محمّلا بعتب هادئ .. ليستقر بين جنبيه ..
- عدها فبيت خالتاا ..؟ بلاااه بيت ابوها سيف ..؟ ما رمستهاا يا بوية و طيبت خاطرها ..؟!
ماذا يقول لها ..؟!
رفضت أن تسمعه .. و لا تريد أن يراه ..
وجهه الخشن كان متصلّبا .. و ضيق شديد يقبع بين حاجبيه .. و هو يسحب نفسا يهدئ الغضب النابض في جوفه ..
- ما عليه فديت روحج .. هي ضايقة الحينه .. بنخليها يومين عند خالتاا تغير جو .. و تريح أعصابها .. خلاااف بنردها ..
بدا الحزن على وجهها الحبيب و هي تراه يغمض عينيه بتعب عابس ..
- قبل عرس خوانك ..؟
زفر بهدوء و هو يرد ..
- ان شا الله ..
سحبت هي نفس عميق و هي تتأمل ملامحه القاسية ..
و سواد لحيته .. و غلظة حواجبه المرسومة ..
تتفهم شعور حور في العيش في كنف رجلٍ كهذا ..
لم يكن غيث ليشبه جده أكثر ..!
.
.
في تلك اللحظات كان هناك شيء ينازع أهمية عودتها ..
شيء علم أنه لن ينجح غيره في القيام به ..
هو الذي يعرف هذه العجوز جيدا ..
يعرف بانه لن يستطيع تطويع أحاسيسها غيره ..!
لذلك استوى و هو يسمح لشيءٍ من ألمه بالظهور أمامها ..
ليرى انعكاس وجعه في مآقيها الحبيبة .. وهي تمسك بيده هامسة تطمئنه ..
- وسع صدرك ابوية ..هب صاير الا الخير .. حور عاقل .. و من يوم ما ترتاح بترد بيتها ..
أومأ بصمت كئيب .. و هو يطالعها بعينين .. موجوعتين .. و يتنهد ..
- السالفة هب سالفة حور و بس .. ميعاد بنت سيف مادري وين أوديها .. حور يوم هي هنيه تقابلها و تراعيها .. الحين شوه الحيلة .. منوه لي بيرتب أمورها ..؟
انحسر الدفء عن وجه العجوز و هي تقول بجفاءٍ بارد ..
- خذ لك وحدة من البشاكير .. يوم انك ما طعت لهن و حور عندك .. شل وحدة منهن ترتب أموركم .. الين ترد حرمتك ..
اتسعت عينا غيث بثورة متقنة .. و هو يبدي صدمته من اقتراحها ذاك ..
- انا ولد أبوية .. تبينيه أفر عمتيه المشلولة .. على البشاكير ..؟! عيل شوه الفرق امبينيه أنا و ختها ملعونة الصير لي فرتها في بيتج و انتي ما تبينها .. و قاموا العرب يتحاذفون هالمسكينة شرق و غرب .. عنبوج يا الدنيا .. لي فيج العرب يا دايس يا منداس.. لا بشكارة و لا الله قال .. الله يغنينا عن نفعتهن ..
تعمد في غرس شعور بالذنب داخلها .. و هو يتحين الفرصة فقط ليصل إلى مبتغاه ..
و رأى ترددا موجعا في عينيها يغلب الاحساس الجاف الذي عكست للتو .. و هي تقول بهدوء ..
- شل حد من بنات حمد تشوف أمورها .. و انت بات في بيت أبوك علي .. الين ترد حرمتك ..
عقد جبينه يهز رأسه باستياء ..
- تبينهن يباتن ارواحهن و ما به ريال عندهن .. لا فديتج .. و حتى لو صار يوم بترد حرمتيه وين أغدي بها ..؟
لكل اقتراح ستأتي به .. جهز حجة ..
و ها هو يشحذ الطلقة التي ستصرع اعتراضها دون شك ..
ابتسم في داخله بحنان متعب و هي تقول بحيرة ..
- كيف وين بتغدي بها ..؟ بتراعيها حور مثل لول ..
فالتقط كفها يعتصرها بحنان دافئ و هو يقول بابتسامة خاصة ..
- لا يعلنيه هب بلاج .. لول تحول .. حور ما بتروم تعاون حد الحين .. يا الله بها فعمرها و للي فبطنها ..
كانت الحيرة لازالت مزروعة في نواحي وجهها و هي تطالع ابتسامته ..
قبل أن يهبط الادراك الثقيل عليها ..
لتتسع عينيها قليلا .. و تفتح فاهها بصدمة ..
ثم بدأت كفها التي يحتضن بالارتعاش .. و بريق دموع آيلة للسقوط تسطع في مآقيها .. و هي تناشده بتوسل ..
- صدق ..؟ انته صادق و الا تضحك عليّه ..؟ انا اسالك بالله لا تكذب عليه .. حامل ..؟ حور حاامل ..؟!
و راحت انتفاضة تهز نواحي جسدها الضئيل الناحل بعنف .. و هو يقبل رأسها .. يجيبها بصدق ..
- هيه و الله حامل ..
لتنهمر الدموع من عينيها .. و هي تنشق بتأثر .. قائلة بصوتها المهزوز ..
- يا الله لك الحمد و الشكر على ما أعطيت .. اللهم لك الحمد .. اللهم لك الحمد .. مبروووك فدييتك .. مبرووك .. يعله لك ذخر .. الله يقومها بالسلامة ..
ابتسم غيث بتعب .. يطالعها ،، و هو يوشك على الاصطياد في ثورة الاحساس هذه ..
- الله يبارك فيج فديتج .. و يبلغج فيه معرس و الا عروس .. قولي آمين ..
و من أعماق قلبها .. تهدج صوتها ..
- آميييين .. آميييين يااا الله ..
و نظر لها بهدوء .. و هو يعود ليرسم ذاك التعبير الكئيب على وجهه ..
- و انتي تبينها تراعي عمتها المسكينة .. خليها تراعي عمرها لول .. بنات هاليومين الوحدة لو نشت من مكانها عقت لي فبطنها .. عاد حور غير شكل .. يلد على عظم .. امررررة ما فيها حيل ..!!
رفعت الجدة ناظريها للأعلى تقول بابتهال مخلص ..
- الله يثبته .. و يكتب لها فيه خير .. الله يسهل عليها ..
و أخيرا ..
بعد أن أخذ وقته في التربص بإحساس الذي سيصيب ..
وجد أنها مكشوفة الآن ..
لا تغطيها قشور المرأة الباردة التي تستر وجعها الأكبر ..
لذلك قال بهدوء يرصد كل خلجة قد تكسو ملامحها ..
- آمين يا الله .. و أنااا بيييب ميعاد بنت سيف . .و بحطها في الغرفة الشرقية لي صوب حجرة عمتيه وديمة .. شوه الشور .. ؟!
* * * * *
|