لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-04-08, 01:23 AM   المشاركة رقم: 91
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

[SIZE="3"]► الخطـــــــــــــــوة السادســـــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر◄
║خطوات تغشاها الدموع ،،║







من بعيد .. راحت أصواتٌ مبهمة تخترق ذاك السكون الذي لفها ..
صمت غريب احتوى روحها .. شيء بثقل الرحيل هبط على مشاعرها ..
و هي تقف بينهم .. لا تتحرك .. تنظر إليهم ..تلك الحركة السريعة ..
و هم يتنقلون في المكان ..
منهم من ينقل الحقائب .. و من يتحرك للخارج ..
نورة تحث الخطى لخارج البيت دون إلقاء نظرة أخيرة عليه ..
ليعود صوتها و يرن في أذنها بمرارة ..
(( بظهر .. و ما بطالع ورايه .. لنيه لو طالعت البيت .. بدري انيه ظاهرة منه .. ظاهرة و ما برد له .. ماريد أصيح .. ما ريد ..!! ))
أبناء عمّها الإثنين يعاونهم إبن خالتها الأصغر في نقل حقائبهم الأخيرة للخارج ..
تلك الحقائب المحمّلة بملابسهم البسيطة ..
مهلا ..!
أ ما من متسع لأحلامهم .. لذكرياتهم .. لكل يوم مضى لهم هنا ..؟!
لم توضّب شيئا من إحساسها بين تلك الملابس الرثة ..
لم تخفي بين طيّات الثياب أي أمنية خرقاء سكنت روحها يوما و هي تكبر بين هذه الجدران ..!
زوج خالتها يقف في أقصى – الحوش – مع زوج أختها الكبرى .. الذي اختفت نظراته الثاقبة خلف زجاج نظارته الداكنة .. و هو يستند على الجدار الحائل اللون بجسده الكبير ..
بدا مسترخيا للغاية .. و كأنما هذه البلبلة التي تدور حوله لا تهمه ..
أ لا يهمه أنهم مجبرون على القدوم معهم إلى ذاك البيت الكبير ..
ألا يكترث لهجرهم هذا المسكن .. الذي لطالما احتوى خيالاتهم .. أوجاعهم .. و الكثير من الضحكات ..!
احتضن حزن صامت فؤادها و هي تضم كفيها لصدرها بوجع ..
أرادت أن تنطلق راكضة نحو كل جدار في البيت .. لتعانقه ..
تودّعه ..
تبلله بدموعها ..
تمسح على الأبواب بيدٍ حانية ..
ترسم في مآقي تلك النوافذ وعدا بالعودة ..!
أرادت أن تنقش إحساسا لا يذوي هنا ..
شيء تلتمسه .. كلّما أعادها الحنين إلى هذا المسكن ذات يأس ..
شيء من السلوى .. حفنة من الحب .. و قطرات من حلم أرادت أن تنزفها دمعا في زوايا هذا البيت الصغير ..
هنا جزء من روح أبيها .. تحوم في المكان ..
حيث فارقت الجسد يوما .. تلحق بقوافل الرحيل إلى السماء ..
هنا وجوده الصارم لا يفارق المكان .. و ابتسامته المتصلبة ..
و وجه الأسمر الخشن الذي لوّحته أيام الشقاء الطويلة ..
تلك التي قضاها يجمع بين راحتيه الكبيرتين المتشققتين سببا للحياة يعيلهم ..
هنا فقدوه .. و لا زال شيء من عبق روحه ينتشر بين أضلع هذا البيت ..
يدٌ مرتجفة تلك التي مدتها و هي تمسك بمفتاح ما في يدها .. تقترب من الجدار الذي تقشّر طلاءه ..
بدا بائسا لرحيلهم ..
تراه متألم مثلهم ..؟!
متوجعون بصمت .. تصارع المرارة في صدورهم التوجس .. و الفرح بلقاء قريب ..؟
مذهولون لما قادتهم نحوه الأقدار من مصير ..؟!
تحك طرف الحديد بشيء من القوة الحانية ..
تحفر ندبة تتركها هنا ..
كلمات ستخدش بها هذا الجدار دون أن تؤذيها ..
أتأذن لي بذلك يا جدار ..
هل لي أن أخلّد لحظة موجعي هذه .. أريد أن أنحت رحيلي على ظهرك ..
لأعود يوما فأتعجب و أنا أنظر إلى تلك الكلمات العتيقة .. كيف فعلتها ..
و انسقت مذعنة .. تاركة كل شي خلفي .. كل شيء عنى لي ذات يوم ميزة ..
لم أحمل معي سوى خرقي البالية ..
و ذاك الجمود المترقب .. و شيء من الذكرى ..
و أيضا .. دمعه ..
أواصل وأدها على شفير الهدب باستمامته ..!
راح المفتاح يحتك بالجدار حافرا فيه تلك الأحرف المتعرجة .. بخط غير متقن .. بدا كخربشة طفلة عابثة ..
.
.
( إذكريني يا الأماكن ،، )
.
.
و ارتعش قلبها ..
شعرت بأنها تدفن جزءا من روحها .. هنا ..
تلك اليد التي تمتد بلطف إلى ظهرها .. و الصوت الدافئ يناديها بهدوء ..
- دندن ..!
- أبا اسير لندن ..
قالتها و هي تستدير لأختها الكبرى بابتسامة خادعة لن تراها من خلف الغطاء .. سترت الكثير من الوجع الذي سكن جوفها ..
لترد حور بصوتٍ مرح يخالف الإضطراب الذي خالط صوتها المرة الأولى ..
- لندن مرة وحدة ..!
ردت دانة بسرعة مرحة ..
- ع الوزن يختي .. ها ..! بنسير ..؟
تنهدت حور بهدوء ..
- هيه .. ببند الحجر و البيت .. يا الله .. أمايا و البنات كلهن خاري ..
سحبت نفس عميقا قبل أن تزفره ببطء في الوقت الذي دلف فيه أبناء عمّها - الجدد- و ابتسمت لهذه الفكرة .. على الأقل إعتادت على وجود عبيد في حياتهم ..
و لكن هؤلاء ..!
همست بخفوت لحور مازحة ..
- يخرب بيته أبو كوت .. شكله طرر ..!!!
لكزتها حور و هي تنهرها بقسوة هامسة ..
- دااانة ..!!
تشدّقت دانة بسخرية ..
- بلاج ..؟!! ولد عميه .. رابيه وياه .. شرات خوية ..
- لا و الله ..؟
ضحكت دانة بخفة ..
- عيل .. هذا عذر كل وحدة ما لقت سبب و تبا تتفصخ عند الخلق ..
- انزين عيبتج الوقفة هنيه ..
- خلينا نتشمس .. و عدنيه ما شبعت من الشوفه ..
ثم تنهدت بمبالغة ..
- الله يغربله ..و الله ان أبو كوت غاوي ..!!
همست حور بغيض تجذبها من يدها ..
- يا قليلة الأدب .. أبو كوت اسمه هزاع .. و يا الله قداميه ..
ضحكت دانة بخفوت .. و هي تهمس لها قبل أن تتوجه للباب ..
- هادمة اللذات ..!
تنهدت حور و هي تراها تتجاوز الباب نحو الممر المؤدي للمجلس ..
تلك الخفّة التي تتقنها أختها أزاحت ثقلا ما عن روحها ..
هناك من الأرواح حولنا .. من يحمل في جوفه عبق من الراحة .. من الطمأنينة .. و البهجة ..
يمكنه بثّها في من حوله .. حتى لو كان الظرف عسيرا ..
سيحتاجون للثبات و القوة في اللحظات القادمة ..
سيكون الأمر كبداية صعبا .. لكن سرعان ما سيعتادون الأمر ..
رأت مايد يدلف للتو من الباب الفاصل بين الحوش و المجلس .. ليتلفت قليلا .. قبل أن يتجاهل الجمع الذي وقف قريبا منها .. و يتقدم نحوها بثبات ..
تأملته بحب جارف .. و هو يبتسم لها بحنان قبل أن يصل إليها و يحيط كتفيها بذراعه القوية و هو يتساءل ..
- هاا .. بندتي الحجر ..؟
رفعت عينيها عبر الغطاء الثقيل .. تهمس له ..
- لا بعدنيه ..
صمت لبرهة و كأنما لمس تلك الاستغاثة الصامتة في صوتها ..
- تبينيه أنا أبندها ..؟
سارعت تقول بصوتٍ مهتز ..
- لا .. هب مشكلة ببندها .. بس .....
سحبت نفسا عميقا تحتبسه في صدرها .. تحتضن رئتيها برودته .. و هي ترفع رأسها للسماء الملبّدة بالغيوم .. تمنع تدفق تلك الدموع الحمقاء .. برهة من سكون قبل أن يتهدج صوتها ببطء ..
- فواديه يعورنيه .. هب هاين عليّه نروح و نودر بيتنا .. و نسير لبيتهم ..
شعرت بذراعه تشتد على كتفيها أكثر قبل أن يقول بعمق ..
- بتودرون بيتكم .. و بتسيرون لبيتكم بعد .. حور لا تحاولين من الحين تعزلين عمرج عنهم .. هاي أول حركة تفصلج عنهم .. لا تقولين بيتهم .. هذاك بيغدي بيتكم بعد .. هاييلا هلج .. و لو بينكم قطاعة سنين .. حاولي تتقبلين هالشي .. و لا تصعبين السالفة .. و بعدين هاذوه بيتكم .. بيتم مبند و في الحفظ و الصون .. لج منيه كل اسبوع أييب هندي ينظفه لكم .. و متى ما تولهتي ع البيت .. تعالي شوفيه .. يلسي فيه .. و العبي فيه ..
قال بصوت حريص .. يبثّها الثقة ..
- يمكن انتي خايفة الحين من سالفة الروحة .. و انج تتعرفين عليهم و تعيشين وياهم .. بس صدقينيه .. أنا متأكد انهم خايفين و متوترين أكثر عنج .. بس لي أشوفه انهم متحمسين لييتكم .. حور غناتيه .. قوي قلبج .. انتي الكبيرة .. و هلج يعتمدون عليج .. خلج هادية .. و رزينة .. و واثقة .. محد جبرهم يخلونكم تعيشون وياهم لو هم ما يبون .. و بعدين لو انتي تميتي خايفة .. و هم خايفين .. منوه لي بيخطي الخطوة الأولى ..؟
علت شفتيها ابتسامة مرّة ..
- غادي فيلسوف ما شا الله ..
ضحك بهدوء ..
- أنا مرتب الرمسة قبل لا اييج .. شرايج بس ..
- خطيرة .. بس مع ذلك أنا خايفة ..
- الخوف بيخرب عليج .. توكلي على الله .. و احسني الظن بالناس .. تصرفي على طبيعتج .. و لو ما حبّوج .. بغيّر اسمي ..
ابتسمت بهدوء ..
- لي يسمعك يقول انيه بسير بروحيه .. هاي أمايا و خوانيه كلهم ويايه ..
هز رأسه بوقار ..
- بس انتي العودة .. و هم معتمدين عليج .. لو استقرت أمورج .. استقرت أمورهم .. فهمتي ..
- شوي .. تستعمل مصطلحات و الله ..
ربت على ظهرها و هو يقول بهدوء ..
- يا الله حبيبتي .. بندي حجر البيت .. و اظهري .. العرب يرقبونج ..
رفعت عينيها نحو المجموعة امامها .. لتتعلق عينيها على الفور بذلك الوجه الأسمر الجامد .. يستند بظهره العريض على الجدار .. و عيناه تختفيان خلف نظارة داكنة .. لا تعرف إلى أين يسلّط تلك النظرات الثاقبة الآن ..؟!
لا تدري لما تمنت لوهلة أن تتقدم لتمسك بيده القوية .. و تجذبه نحو عتبة المجلس لتجلس معه قليلا ..
تلك الرغبة السخيفة .. السخيفة .. السخيفة ..
بدت ملحّة للغاية في تلك اللحظة .. و فمه القاسي يلتوي بشبه ابتسامة ساخرة ..
هل ينظر إليها يا ترى ..!
تجاهلت كل ذلك تتقدم لداخل البيت .. توصد الأبواب بشيء من الألم ..
ليس من السهل أبدا .. أن يهجروا هذا المسكن ..
هنا .. في كل بقعة .. و كل زاوية .. و كل جدار ..تركوا شيئا من ذواتهم و هم يرحلون ..
راح شوق مبرح يتفاقم في صدرها و هي لم تهجر البيت بعد ..!
أمنية تطابقت مع أمنية سكنت جوف اختها منذ هينهه دون أن تدري ..!
تحتضن كل جدار .. و تطبع قبلة على كل جبين مقشّر متعب لها ..
تربت على ظهر كل باب حائل اللون .. و تصافح تلك النوافذ القديمة ..
تمنت بقوة أن ينسوها هنا .. و يتركوا المكان ..
ستتكور في الزاوية ..
تحتضن الذكرى و حنينها ..
لتنام قليلا ..
مجهد ذاك الإحساس بالفراق ..
يتركنا مخطوفي الأنفاس ..
لاهثين .. ممزقين ..
حاملين على الكاهل دمعة ..
لا نعلم حقّا أين تقودنا الطرقات ..!
.
.
ودي أسرق من زماني بس لحظة ..
من دفا ذاك الجدار .. و ابتسامات النوافذ في النهار ..
من تفاؤل .. كل فجرٍ .. مع سنا شمسه يلوح ..
من حمام .. يغفا .. ساهي .. فوق أحجار السطوح ..
من فرح ذيك الشوارع ..
و باص مدرستي يعجل .. للعلم ودّه يسارع ..
و الصغار يدفنون كفوف لعبٍ في التراب ..
يغرفون الحلم حفنة .. ما تضاهي هالسراب ..
يلعبون .. و يلتهون .. و يرسمون بصوت ضحكة ..
لوحة حلوة .. ملونة ..
ما لها طعم التعاسة .. ما تعرف الإغتراب ..*
.
.
يميل برأسه نحوهما عبر نافذة السيّارة الكبيرة .. و صوته الخشن يأمرهما بصرامة ..
- الشناط كلها إلا شناطيه لي خبرتكم عنها ..
ثم تجاوز ابن عمه بنظره لأخيه الجالس على مقعد السائق ..
- أحمد .. سامانيه عقب الغدا ودّه لبيت أبويه علي .. خل روضة لي ترتب أغراضي ..
هز أحمد رأسه مجيبا بسرعة ..
- أمايا و روضة مرتبين الحجرة من اسبوع ..
عقد جبينه دون أن يتبينوا نظرته من خلف زجاج النظارة .. و هو يقول بصرامة ..
- المهم .. مثل ما قلت لكم .. سلطان و عياله بيتغدون عدنا بعد ..
التفت لهزاع بسرعة ..
- حارب ظهر من الكلية و الا محجوز ..؟
أجاب هزاع بسرعة ..
- ظهر .. العرب كلها هناك ..
- خبروا سيف .. ما ظنتيه يدري ..
- لا يدري ..
يبتعد غيث قليلا عن السيارة ملوحا لهما بيده ..
- توكلوا ..
انطلقت السيارة مبتعدة ..
قبل أن يستدير هو للوراء .. ناظرا نحو اليبت حيث كان مايد و عبيد هناك ..
و تقف هي بينهما ..
ذاك الحجم الصغير .. الذي لا يبلغ كتف مايد الطويل ..
شعر بانقباض في معدته .. و شعور بالحرقة يسري في صدره حين احتضن عبيد جسدها الضئيل ..
نفس الإحساس الحاقد الذي راوده منذ برهه و هو يراها تقف مع مايد في الداخل يتهامسان ..
صر بأسنانه يخنق رغبته الغريبة في ضرب أخيها ..
ما الخطب ..!!
التوت شفتيه بسخرية .. لا يمكن أن تكون هذه غيرة من إخوتها بالطبع ..!
تجاهل الإحساس و هو يراها تنفصل عنهما بهدوء متوجّهة نحو سيارته .. في ما مر هو بسلطان الذي كان يحادث أم نايف .. بحركات كثيرة من يده .. لا تدل سوى على ألفة اعتادها في الحديث معها ..بعد لحظات ابتعد هو الآخر من السيارة التي سيوصلها السائق إلى البيت ليستقل سيارته العتيقة مع ابنيه ..
كانت قد احتلت المقعد الأمامي حين استقل السيارة .. ليلاحظ الفتاة التي تجلس في المقعد الخلفي أيضا .. مع مزنة و هند .. الصوت المألوف قليلا يقول بعد صمت و هو يدير محرك السيارة ..
- شحالك غيث ..
رفع عينه في المرآة و قد تعرف الصوت المألوف فورا .. ليقول بهدوء ..
- هلا نورة .. شحالج ..
قالت بصوتٍ حرج أعلمه أنها لم تنسَ بعد آخر توبيخ ..
- بخير الله يعافيك ..
التفت للجالسة أمامه و هي لا تزال تسدل ذاك الغطاء الثقيل على وجهها رغم التظليل الداكن على زجاج السيارة ..
تلصق جبينها بالنافذة و هي تراقب البيت القديم .. فيمد يده بهدوء .. ليعتصر كفّها الصغير بخفّة ..
لا يمكنه أن يدعي اللامبالاة ..
يصعب عليهم ترك بيتهم .. و يتفهم هذا ..
يدرك رفضها ذاك و كرهها لهم .. و لا يعلم حال المشاعر تلك الآن ..
هل لا زالت تخالجها .. أم أنه استطاع استئصالها ببطء ..؟
ذاك الرفض كان يشمله يوما .. و هو على يقين الآن بأنه انقلب لشيء آخر تماما ..
هل لا زال يسلّط على عائلته ..؟ أم أن الرضى امتد إليهم يا ترى ..
قلّما تهمه مشاعرها السلبية .. متأكد بأنها سرعان ما ستنخرط بينهم ..
الحقيقة أن الكثير من الأمور ستتغير .. الكثير .. الكثير ..
لن يكون وصول أبناء حمد للعائلة بالأمر السهل .. يعلم في قرارة نفسه أن هناك من الحواجز ما سيهدم .. و من الفجوات ما سيردم ..
كيف لهؤلاء القادمين الجدد أن يؤثروا على العائلة يا ترى ..؟!
عيناها لا تفارقان أسوار بيتهم الواهية ..و بابه الحديدي الصدئ الموصد ..
يترك يدها ببطء .. ليمدها نحو محرك السرعة ..
قبل أن تستوقفه شهقتها العالية و هي تقول بقوة ..
- غيث .. لحظــــة ..!!
.
.
لم تعد ترى أمامها و هي تتعثر في ذاك الزقاق بخطواتٍ أغشتها الدموع ،،
شهقاتها راحت تنفلت من أعماقها بألم ..
راحلون ..!
رأت ذاك الركب يوشك على الانطلاق ..
سيمضون إذا .. حاملين الفرحة .. و أحاسيسها الحلوة التي شاركتهم ..
تاركين لها حفنة من الصور الرمادية في الذاكرة .. لحظات مميزة عرفتها بجوارهم ..
و صدى الضحكات المتلاشية .. الغابرة ..
التي ستذوي ببطء ..
لتجد نفسها يوما قد نسيت هذا الجوار .. و ساكنيه ..
لم يخلّفوا بهجرهم هذه المساكن .. و هذه الشوارع ..
سوى هوّة في روحها ..
ستمتص شعورا عميقا بالأخوة .. إحساس حقيقي عرفته معهم ..
حين كان ذاك الأب أبوها .. و ذاك الصغير أخوها ..
و لم يكنّ لها سوى الروح أو أكثر ..
كم هي خاوية هذه الأيام القادمة ..
ترتعش بردا فلا يدفئها وجودهم في قربها ..
كم ضيّعت من الوقت في ذنبٍ لم تقترفه ..؟!
ذنب لم يدفعها إلا للابتعاد عنهن .. مذعورة .. من أن يعلم أحدهم ما الذي اقترفه ذاك الأخ في حقّهم ..
تمنت لو أنها لحقت بهم .. ركضت خلفهم بقدمين حافيتين ..
و صرخت مرات و مرات لتوقفهم ..
لتراهم مرة أخيرة ..
فتقبل جبين ذاك الحب الذي لطالما انعكس في أحداقهن .. في ضحكاتهن .. و مزاحهن ..
تمد أنامل الوعد .. تمسح على راحاتٍ من نقاء .. لطالما احتوتها بينهن ..
بأنها لن تنسى .. أبدا لن تنسى ..
و تنشج باكية ..
لساعات و أيامٍ و أعوام ..
تعتذر عن كل شيء .. و تودّع ..
تمنت لو ..........
- فاطمـــــــــة ..!!!!!
تتعثر الخطوات لبرهة مسروقة من الزمن ..
أهذا الصوت من الواقع .. أم أنه انزلق من غياهب مخيّلتها ..؟!
تستدير بيأس ..
يا رب .. يا رب ..
إجعل الأمر حقيقة .. لمرة أخيرة فقط ..!
.
.
و كان أن حدث ..
ذاك الجسد المتشح بالسواد يقطع الزقاق الضيّق متجها إليها .. و كف مرتجفة ترفع الغطاء عنه ..
كاشفة وجه أغرقته الدموع وجعا ..
ليقفن على بعد أنفاس و صمت ..
عيونهن مثقلة .. بالكلمات ..
أ هو وقتٌ للعتاب ..؟
راح أسئلة تتفجر في مقلة حور الكئيبة .. تسأل هذه الأخت الثامنة عن غيابها .. عن الهجران ..
تتوسلها أن تسقي ذاك الظمأ الذي إعتلت به روحها ..
أيام طويلة مرّت و تلك الصديقة تبتعد دون سبب ..!
الآن .. و هم يرحلون ..
خيّل إليها أنها ترى طيفها المتردد بين البيوت العتيقة يرقب ذهابهم ..
و ها هي ترى الأعذار .. و كلماتٍ لا تبرر تكتسح سحنتها المتألمة ..
.
.
ما الأمر صديقتي ..؟!
لم يكن الأمر بهذا السوء قط ..
نلتقي دون أن تتلهف كف إحدانا للقاء الأخرى ..
نجتمع على الطريق في جوٍّ محملٍ بأنفاسٍ من عتاب .. تخنقنا ..!
.
.
همست ببطء شاعرة بتمرّد الدمعة التي ولّت من طرف جفنها الذي انسدل لبرهة ..
- فاطمة ..
شهقة معذّبة من الأخيرة و هي ترفع عينيها للأعلى بسرعة .. تمنع تدفق المزيد من الدموع و صوتها الضعيف يتردد بوجع ..
- حمود بن عنتر يا بيتنا .. قال .. قــ ..ا..ل ..
وضعت يديها على خاصرتيها دون أن تخفض العينين الشاخصتين للسماء .. تعظ شفتها و عبراتها تنزلق بقوة ..
- انكم خلاص بتسيرون ..!
تخفض حور رأسها و هي تومئ بصمت ..
فيما تلتفت فاطمة لحركتها الصامتة قبل أن تومئ هي الأخرى بابتسامة ممزقة ..
لحظات طويلة .. طويلة من السكون .. قبل أن تطرق الأخيرة برأسها مشيرة بكف مرتجف لجدار البيت .. و صوتها يتهدّج بضعف ..
- أناا .. كنت أبا .. أبـ .. اا ..
لكنها لم تكمل .. غطّت وجهها بكفيّها بقوة ..
لترتجف تلك بقوة .. عبراتها تتابع دون توقف ..
قبل أن تقطع المسافة .. الخوف .. و غيابها ..و تحتضن صديقتها بقوة ..
تمسك بين يديها كل تلك المشاعر الطيبة .. الجيرة .. و السنوات المشتركة ..
.
.
لم تشعر بوجود الأخريات أيضا إلا حين رحن يتبادلن الوداع أحضانا و دموع ..
واحدة تلو الأخرى ..
إلا هي تقف بعيدة عنهن خطوات .. مثقلة خطواتها التي تأبى التقدم ..
كل ما بينهما لا يمكن الإدعاء بأنه غير موجود .. بل هو الآن أكثر قوّة ..
ينهمر من أرواحهما قطرات مالحة ..
رغم ذلك تُجَرُّ الأقدام نحوها .. بطيئة ..
تختصر جروحا لا زالت نديّة .. تنزف وجعا لن يفارقها العمر كلّه ..
رغم هذا .. تتكسر الروح توسلا .. ترفض الرحيل دون أن تحتوي نقاء هذه التي لا يد لها فيما حدث ..
ربما ألقت اللوم عليها لأوقات طويلة .. لكن الآن ..
الآن لم يعد الأمر يخصّها .. أصبح بين كفّي رجل قادر على فعل الكثير ..
أكثر مما قد يفعلن هن معا ..!
آثار ترسم في زقاق الجفاء ذاك و هي تتقدم .. تسوق روحها .. في برهة حقيقية ..
أصبح الفراق جليّا أمام عينيها الآن ..
ستترك كل شيء خلفها ..
كل ما حدث و كل الألم .. و كل أوجاعها التي ابتلعتها شوكا .. ستتركها ملتصقة بجدران هذه البيوت ..
وراء ظهرها ..
و لن تلتفت و لو للحظة ..
لا تريد لعبراتٍ .. و ابتسامات مؤلمة أن تناشدها الرجوع ..
ذراعين من صدقٍ الآن إلتفت حول جسد تلك الفتاة التي كانت لهن أكثر من أخت ..
سنوات مرّت و هن يلعبن .. يمرحن .. يتقاسمن الفرحة في ما بينهن ..
هذه الفتاة لم تكن سوى إحداهن .. و ستظل كذلك دوما ..
مهما فصلت بينهم مسافاتٍ و سنين ..
جسدها يرتعش وهنا .. و دموع تبلل سواد عباءة عفرا ..
فيما تهمس فاطمة بنشيج مزّق ما حولها ..
و أذهل الأخريات .. صوت مفجوع .. أدرك عمق خطيئة أخيها .. و أي سوء إقترفه و لم تستطع هي إصلاحه ..!
- عفــ .. ر ..اا .. ساا .. سامــ.. سامحيني .. دخيـ .. لـ.. ج .. سامحيني .. حلليني .. ياا .. عفــراا ..
ودّت عفرا في تلك اللحظة لو تنتشل الإحساس بالذنب الذي زرعته في صدر هذه الصديقة ..
شعورٌ علمت أنه سيلازمها طوال حياتها فيما هي تتسائل ماذا كان سيحدث لو أنها مدت يد العون ..؟
هل كان للأمور أن تختلف ..
كرهت أن يثقل ذاك الحزن على غيرها ..
كان الألم ألمها وحدها .. و ستحملها على عاتقها ما بقيت حيّة ..
ستظل تلك الحادثة وصمة في الذاكرة تؤرّقها .. و تقض مضجع راحتها ..
ثقب في الروح لن يسد إلا بيد الله .. و رحمته ..
أرادت أن تريحها .. و أن تسر لها بأن لا ذنبا يلحقها مما جرى ..
لكن ذلك لم يكن ليقال بكلمات قط ..
بل هو إحساس يمنح .. يزرع بعناية بين الأضلع .. لذلك شدّت على الجسد بين ذراعيها بقوة ..
و دموع دافئة تلسع خديها ..
.
.
لكِ العذر يا صديقة ..
لم يكن الأمر سوى قدر نقش على الطريق يرتقبني ..
يقتنص فرصة ليصيب فرحتي ..
و يدق آخر مسمار على نعش تلك البراءة التي فقدت ..
وجودكِ كان السلوى ذات ألم ..
و قد آن الأوان لأكمل طريقي الحالك وحدي ..!.
.
.
رغم ذلك كلّه ،،
لن تكل قدماها .. لن تكل الخطوات ..
دوما سيسوقها الوله .. ذليلة ..
لتنشق و تعب رئتي الإحساس مما تحتضن تلك الشوارع .. و تلك البيوت ..
و قد أدمنت رائحة ما مضى ..
.
.
دوما ستجد شيئا يشدها للماضي ،،
و لو كان مفجعا ..
هناك سحر يغرقنا في الشوق لكل ما هو ماضٍ و بعيد ..
و ندرك استحالة عودته ..!
.
.
اسمحي لي يا الأماكن ..
ما بقى في ايدي شي ..
غير أرحل عن دياري ..
حاملة شنطة ثيابي .. و حزن ساري ..
همّل دموعه يودّع ..
ما تبرد حر ناري ..
.
.
اسمحي لي يا الأماكن ..
ما بقا لي اليوم حيلة ..
غير أبكي ..
أشتكي الرحلة الطويلة ..
غير أمشي ..
تقودني الخطوة ذليلة ..
غير أخنق ..
دمعتي المرة في عيني ..
كل ساعة و كل يوم و كل ليلة ..!
.
.
اسمحي لي يا الأماكن ..
أنا برحل ..
شايلة كل الحنين ..
و كل أحلام السنين ..
و شوق ظامي ..
وسط هذا القلب ساكن ..
اسمحي لي يا الأماكن ...
.
.
بس أمانة ..
كل حلم .. و كل فرحة ..
و كل يوم لي بجرحه ..
كل ضحكاتي البريئة .. و ابتساماتي الجريئة ..
كل عبرة ..
كل دمعة فارقت عيني بحسرة ..
و السواليف الهبيلة .. و أمنياتي المستحيلة ..
حتى أسراري الهزيلة ..
ادفنيها في الزوايا .. و الا على رف اتركيها ..
اغرسيها في التراب .. و الا في حضنك خذيها ..
مابي من الدنيا طمعة ..
غير أظمن ان لي في يوم رجعة ..
أنبش الذكرى الجميلة ..
من الزوايا ..
و في انعكاسات المرايا .. **

* * * * *
بدت ابتسامتها فاترة في وسط وجهها الشاحب و هي تمد فنجان القهوة لإبن أخيها ..
- و ليش ما تعرس ..؟ نبا نفرح بك ..
أشار و هو يلتقط الفنجان من يدها نحو نهيّان ..
- أعرس ..!! خلي شيبتنا نهيّان يعرس أول ..
رفع نهيان حاجبا و هو يقول ..
- عمك نهيان يا الهرم .. انته ما تعرف تحترم حد ..!
ابتسم ذاك دون ان يبالي و هو يرد ..
- يا بوك فرق سبع سنين ما تسوي شي ..
رفع نهيان حاجبا و هو يرد ..
- لا تسوي .. لكنشوه بنقول .. امبونك ما فيك خير و ما تعرف تحشم ..!
- أوووف .. ليش الغلط ..
- عيل .. أشوفك من رديت من استراليا ..و انته تخورها ..
لكن ذلك لم يؤثر فيه .. استمر بالضحك .. و خولة تنظر لنهيان بعتب ..
- ما عليك منه يا عمر .. هو كذيه يوم يوم معصب ..
نظر لها نهيان بجبين معقود ..
- منوه قال انيه معصب ..؟؟
رفعت خولة حاجبيها ..
- زين ليش معقد حيّاتك الحين ..؟
ثم التفتت لعمر دون أن تنتظر منه اجابة ..
- علومه أبوك .. رب ما يتعب من السكّر .. من زمان عنه ..
أجاب عمر و هو يمد قدميه الطويلتين للأمام ..
- علوم الخير .. ما به شر .. بس هو لو يطيع رمسة الدكاتره كانه معافى .. الله يهديه .. و بعدين ليش مقاطعيناا .. هب الدنمارك يا بوج ..
ابتسمت خولة ..
- فديتك .. تعرف رمضان مشاغل ..
- الا العرب تتراحم في رمضان .. و بعدين رمضان خلّص الحول ..
- انزين ييناكم في العين ..
- شوه الشيخة غادية حلوة عمانيه ما تتواجدين الا في المناسبات ..
- ها ها ها .. بايخة .. لا عقب العيد ميعاد ختيه تعب شويه صادتها حمى ..
- هييييه .. و لا شر عليها ..
- الشر ما ييك ..
- و عقب ما صحت ..؟؟
- هههههههههههههههههه .. خيبة .. شوه تحقيق..؟؟
- هيه تحقيق .. اعترفي .. ليش ما تيينا ..
تنهدت بابتسامة شاحبة .. و قد بهت وجهها حين راح الوجع يخز روحها بقوة مع العودة للواقع الذي تعايشه ..
- أحس ماليه خاطر أسير مكان هالايام .. أبا أيلس في البيت ..
- بالعكس .. المفروض أحينه تحاوطين و ما تخلين مكان .. عقب ما افتكيتي ..
كان للكلمة الأخيرة مذاق كريه .. و رنين محتقر .. و قد تألق الحقد في عيني إبن أخيها ..
آلمها أن تلمس أحاسيس عائلتها العدوانية نحو من تحب ..
رغم كل ما فعل إلا أن فؤادها لا زال يحتضن تلك المشاعر القوية اتجاهه ..
تعلم جيدا أن أحدا لم يكن موافقا على زواجها منه .. رغم أن سبب ذاك الزواج لم يعرفه أحد ..
إلا أنهم لم يريدوا لها أن تتزوج من يعتبرونه غريبا بينهم .. و كأنما لا يريد زوجها السابق إلا أن يؤكد لهم كم كانت مخطئة حين أصرت على اختيارها ..
متقامر بقلبها .. و أحاسيسها الغبية المتلهفة ..
الآن لا يفتئون يلوموها على ما أقدمت ..
الكثير منهم يتشمت .. و الكثير غاضب ..
و ما يؤلمها حقا هو من يشفق ..
ليست بحاجة لشفقة أحد ..
ستنتزع هذا الألم قريبا من صدرها .. و تواصل المسير ..
ستكمل حياتها .. حتما ستفعل ..
حين تنسى ذاك الرجل الذي مزّق روحها بمديّة جفاءه قبل أن يدير ظهره تاركا اياها أشلاءا على الأرض ..
و إلى ذاك الحين ..
لا حيلة لها سوى أن تضغط على قلبها براحتها ..
تخنق كل نبضة خائنة .. فاضحة .. محطمة ..
تشهق بإسمه ..
ستجد الوسيلة لتفعل ذلك ..
ستنساه ..
ليس ذلك صعبا إن فكرت بإقتلاع قلبها على كل حال ..!

* * * * *

شعرت بضربات قلبها المجنونة .. و كأنما يريد أن يثب من صدرها .. تترجل ببطء من السيارة الكبيرة خلف أمها .. أمام باب البيت الأمامي الكبير ..
هذا البيت الذي قدمت مع اخوتها إليه ذات مرة بأمرٍ من أبيهن ..
هنا كانت قد رأت زوج أختها للمرة الأولى .. حيث فهمت لاحقا أنه إعتقدهن مجرد متسولات ..!
عيناها المضطرتين تصطدم ببناء حجري لم يكن موجودا المرة السابقة .. لا يبعد كثيرا عن البيت الكبير .. و من الواضح أن أعمال الصيانة لا زالت تجري فيه ..
شعرت بشيء يعتصر فؤادها و هي تدرك حقيقة تلك الأحجار البيضاء المتراصة ..
هذا بيت أختها الزوجي .. لا شك في ذلك ..
راحت عيناها تفتشان عنها .. لتجد أنها تقف بجانب أمها .. تدير ظهرها للبناء ..
كأنما ترفض رؤيته ..!
انتفضت حين شعرت بلمسة على كتفها لتستدير بسرعة ..
فتجد نفسها في مواجهة عفرا .. ذات الطول المميز ..
لتلوح الأخيرة لها بأن تتقدم ..
كم تخشى ذلك ..!
ما الذي يخفيه القدر لكل منهم خلف هذا الباب ..؟ كيف سيعيشون هنا ..!
الحقيقة أن الذعر كان يتملكها .. راح يلتهم بقوة إحساس الأمان الذي يبثه وجود إخوتها هنا ..
ابتلعت ريقها مرّات عديدة و هي تراقب زوج أختها يتقدمهم نحو الباب الكبير .. تتبعه أمها و أخواتها ..
لذلك راحت تدفع قدميها المرتجفتين ورائهم ..
بدا التنفس صعبا في تلك اللحظات ..
هي .. الفتاة التي عاشت بمعزل عن الناس لسنوات طوال .. حدود معارفها و تعاملها يقتصر على أقاربها المقربون ..
لا تعرف غيرهم ..
الطفلة .. نقيّة الإحساس .. بروحها الشفافة ..
على وشك أن تفتح ثغرة في حياتها ليتدفق منها كل هؤلاء الناس الذي يفترض بها أن تتقبلهم كأهلٍ لها ..
ذاك الصمت الذي يلفّها مذ وطأت الدنيا .. العدم السمعي ..
بدا مزعجا في تلك اللحظات ..
الحقيقة أنها لا تعرف معنى للسكون .. أو اللاسكون .. الصمت .. و خلافه ..
لم يكن ذلك يعني لها شيئا ..
عالمها الهادئ .. لا يعرف من الأصوات .. سوى خشيش يائس يصلها ببؤس .. و استماته ..
لذلك كل ما في الأمر هو اللا صوت ..
لا تعرف الصوت لكي تميز الحال به أو بدون ..
لكنها الآن تمنت لو أنها تسمع .. أرادت أن تخترق أذنيها أصواتهم .. أفعالهم .. و كل حرف سينبسون به ..
لتتعلم الكثير عن هؤلاء الغرباء ..!
الآن ينسلون واحدة تلو الأخرى .. لتصل هي و نايف معا للباب ..
يدها المرتعشة تنحني لتحتضن كفّه الصغير .. ليرفع أخيها عينيه بشي من التساؤل .. قبل أن يعتصر يدها و كأنما يريد أن تصلها الطمأنينة التي تنشدها ..!
في اللحظة التي تجاوزت فيها الباب .. علمت أن الكثير لم يتغير .. نفس الذهول و الإنبهار راح يتردد في صدرها و كأنها تزور المكان للمرة الأولى ..
جمهرة من اللون الأسود و الألوان راحت تتحلق حولهم ..في بضع نسوة .. قبل أن تدرك بأن زوج أختها ترك المكان .. يلحق به نايف ليترك فراغا ما في يدها ..
و الروح ..!
و قد أخذن أخواتها ينزعن أغطيتهن الثقيلة .. حتى حور التي لم تنزع غطائها إلا الآن ..!
مدت يدها بشيء من التوتر و هي تنسل ببطء خلف عفرا .. لتجذب الغطاء ببطء ..
عيناها تلتصقان بالأرض فلا ترفعها ..
رباه ..!
ما الذي ينتظر النظرات حين أرفعها يا ترى ..!!
.
.
من تحت أهدابها الطويلة المثقلة بالماسكرا راحت نظراتها تلتهم الوجوه الجديدة التي بدت من خلف الأغطية ..
تدور بعينيها ..
أيهن ..؟! أيهن هي ..؟
إحدى هذه الوجوه ستكون غريمتها ..
هي لا تكن لهذه العائلة أي شيء .. لا شيء من مشاعرها و سلبيتها تنعكس على الجميع ..
اللامبالاة هي الأقرب لوصف إحساسها نحوهم .. لا يهمها أي أحد منهم ..
تريد أن ترى فقط تلك الفتاة التي استطاعت سلب حبّا من تحت أنفها ..
سترى ما الذي رآه غيث فيها و لم يجده لديها ..!
أيهن يا ترى ..؟
الوجوه تتشابه بشكلٍ عام .. لا مميز فيهن .. تلك الملامح البسيطة .. التي لا تقارن البتة بجمالها ..
إلا ............
مهلا ..!!
ذاك الوجه الرقيق الذي راح يتوارى خلف أطولهن ..
شيء بعمق النقاء راح يبرق في عينين انتكست نظراتها خجلا ..
ارتباك طفلة في انعقاد ذاك الجبين الأبيض الصافي .. و في شفة مضمومة بتوتر دفين ..
في يد نحيلة انعقدت بهدوء ..
و صمتٍ ملائكي راح يلفّها ...
شيء أفجعها بقوة ..
هذه الفتاة تعكس شعورها حولها فيكاد ملموسا .. هالة من الشفافية قد تلفهم جميعا حين ينظرون إليها ..
انتزعت عينيها من ذلك الوجه و هي تدير بصرها متوترة في الجميع الذي انشغل بالسلام تباعا ..
أيخالجهم الشعور الذي لمس روحها ..
هي ..!! هي ..!
لابد أنها هي .. لن تكون سوى أكثرهن تميزا ..
تبا لها ..
تكاد أطرافها أن تسقط قطرات صافية من ندى .. أي طهارة إجتذبت ذاك الرجل ..
يمكنها أن تفهم ..
و لكن كيف ..!! بدت صغيرة .. صغيرة للغاية ..
تكاد تكون بعمر ابنته ..
لماذا تجاهلها .. هي الناضجة و هرع نحو هذه الــ ..
- هاي عوشة بنت مطر ..
كان هذا صوت جدتها المتهدج .. انتشلها من دوامة أغرقها فيها الذهول ..
لتستدير نحو المرأة النحيلة التي تحمل رضيعا بين يديها .. و فتاة أقصر منها قليلا ..
لتهز عوشة رأسها قليلا بارتباك ..
هل لاحظ أحدهم نظراتها لتلك التي تقف في الزاوية ..؟؟
ها هي تتحرك الآن لتقف خلف أمها و أختها التي بدت أكبر سنا منها ..
ألم يقولوا أن غيث تزوج أكبرهن ..؟؟! لما بدت زوجته ...
- عوشة فديتج .. ها وديمة حرمة عمج حمد الله يرحمه .. و هاي بنتها حور .. حرمة غيث ..
ذاك الخد الذي مدته لتقبلها عليه الفتاة أمامها تشنج بذهول ..
من ..؟؟؟!!!
أيمكن لها أن تخطئ السمع ..
اتسعت عيناها الكبيرتين بصدمة .. و هي تحملق في ذاك الوجه أمامها ..
- حــــور ..؟؟
هزت الفتاة رأسها بابتسامة صغيرة مضطربة .. قبل أن تتحرك من أمام عوشة مفسحة المجال لأخواتها بالسلام ..
لكن عينا عوشة تصلبتا .. دون أن تتبع ذاك الجسد .. لتسقط على الوجه الناعم الذي توقف أمامها مجددا ..
حور ..؟؟؟!!!
من هذه إذا ..؟!!!!
يبدو أنه قد فاتها التعريف بالقادمين الجدد .. فلم تعد تدري من هؤلاء ..
صوت جدتها المتهدج المثقل بدموع الفرح .. يتردد داخلها .. و الجميع يستقرون جلوسا ..
قبل أن تحول عينيها للمعنية ..
فتعيد توجيه مشاعرها ..
بحثت بلهفة عن حقدها .. و استيائها البالغ .. عن الغيرة و الكراهية التي تحسّها نحو الصورة التي رسمتها في ذهنها للمرأة التي استطاعت استدراج الرجل الذي تحب ..
تأملت البشرة الصافية .. و الوجه المستدير .. و النظرة الهادئة ..
ملامحها العادية لم تعكس أي إنطباع لديها ..
لا شيء .. لا شيء ..
سوى برودة غريبة راحت تسري في عروقها .. و إحساس عميق بالشفقة تملّكها ..
لا تصدّق أنها أسرفت ساعات في زينتها اليوم صباحا .. و في إختيار ملابسها ..
أرادت أن تبدو متألقة .. و لا تقارن بزوجته ..
لكن ..
الآن .. و أمام هذا الجسد الصغير الذي بدا أنه لمراهقة كبيرة أكثر من شابة تقارب الرابعة و العشرين ..
و هذه الملامح العادية .. و شخصيتها البسيطة ..
أدركت أنها لو أتت ببيجاما النوم إلى هنا لبدت أكثر إشراقا و لفتا للانتباه ..
رغم هذا .. لم تجد شيئا من الاشمئزاز لتشحذ به مشاعرها ..
كل شيء تحوّل لشعور هائل بالخيبة .. الشفقة .. و التوتر ..
الصدمة سلبتها قوة أحاسيسها .. لتتركها مجردة من أسلحتها ..
على سجيتها فقط .. تنظر لذاك الوجه بابتسامته المضطربة الفاترة ..!
أختها تلك بدت أجمل منها .. أكثر تألقا .. و نقاءً .. و لو أنه إختار تلك اليانعة لأدركت لما ..
لكن هذه ..!!
تبا له ..
إنها تبدو باهتة للغاية أمام رجولته الطاغية ..
هذه المسكينة لا تدرك حقا حقيقة الرجل الذي تزوجت ..
بتكبره .. و قوّته .. و جبروته ..
بتحكمه الهائل و سيطرته ..
بذكائه الفذ .. و صرامته ..
سيسحق هذه الطفلة في لحظات ..
لن تعلم حتى ما الذي حدث لها ..!
أتعلم حقا أي نار يتوقد بها ذاك الرجل ..؟؟!
هي ذاتها قد كويت بحر تجاهله .. و لذعت بمر جفاءه ..
لحظــة ..!
لحظة واحدة فقط ..
أ يخيل إليها ..؟! أم أنها أصبحت عطوفة فجأة ..
ما الأمر ..؟
أين كل ذاك الاستعداد .. و الحماس .. تري تلك المتطفلة حجمها و حدودها ..
لما فتر الحقد فجأة ..
لا يعقل أن تكون قد نسيت أن هذه الفتاة هي نفسها من يربطها عقد زواج بالرجل الذي تحب ..
هذه الفتاة التي اختطفت الرجل الوحيد الذي تشعر نحوه بالتملك ..
إذا ..؟!
لا يمكن أن تندفع خلف إحساس غريب بالعطف إتجاهها ..
عادت لتنظر لها ..
تتمعن في وجهها الصافي .. الهادئ ..
بدت صغيرة .. و عديمة الخبرة بشكل مهول ..
و أتت هي هنا اليوم متوقعة أن تجد شابة واثقة .. أنثى مكتملة ..
نصفا يكمّل رجلا بتلك الفظاظة ..!!
و كل ما وجدته هو فتاة شاحبة .. بدت مذعورة بشكل ما .. و هي تجيل عينيها الكبيرتين فيما حولها ..
عجبــــا ،،
لما بدا أن إندفاعها و حماسها لتأديب هذه الدخيلة قد خبا فجأة ..؟!
.
.
- الله يغربلها محلاها ..!!!!!
همست نورة بتلك العبارة المثقلة بالإعجاب .. و عيناها تتعلقان بوجه ابنة عمهم الشارد ..
ماذا كان اسمها ..؟! نعم .. عوشة ..!
لتجيبها دانة بنفس الهمس ..
- هيه و الله .. أحلى عن روضة و ختها .. طالعي ختها كيف تطالع عفرا .. شكلها معجبة ..!
رفعت نورة عينها للفتاة التي كانت تمعن النظر في عفرا ..
بوجهها الخالي من المساحيق عكس عوشة و روضة .. و تلك الجلسة المسترخية .. و ثوبٍ قطني فضفاض ..
و قدمين تستريحان في صندلين خشبيين .. بدت لعيني نورة المرحتين أكثر خشونة من أن تلبسها فتاة بجمال تلك الملامح ..
لم تكن تشبه روضة كثيرا ..
بل بدت أكثر ميلا لأخيها الأصغر .. ذاك الذي كان يتردد مع ابن عمه على بيتهم في الآونة الأخيرة ..!
لكن نظراتها المنصبة على عفرا لم تكن مريحة ..
كانت تتمعن في وجه عفرا المتصلب .. التي كانت تبادلها النظر بشيء من البرود ..
قبل أن تميل نورة نحو أختها و هي تهمس ..
- حي .. بلاج يا الناقة .. كلتي البنية بعيونج ..!!!
أشاحت عفرا بنظرها عن شيخة و هي تجيب أختها ..
- ما تشوفينها هي كيف اتطالع .. قسم بالله ما توقعت أشوفها هنيه ..!!!
اتسعت عينا نورة بدهشة ..
- تعرفينها ..!!!
هزت عفرا رأسها رفضا ببساطة و هي تقول ..
- اشوفها في الجامعة ..
- ما قلتيلنا يا الناقة ..
- شوه أقولج عن كل بنية بشوفها في الجامعة ..
- هاي هب بنية .. هاي بنت عمنا يا الغبية ..
رفعت عفرا حاجبا مشمئزا دون أن تعيد النظر لابنة عمّها ..
- صدقج و الله هب بنية ..!!
.
.
أدارت شيخة عينها أخيرا من وجه عفرا و هي تنظر حولها قبل ان تقع عينها على الفتاة الجميلة الجالسة بجوار روضة .. فيما جلست أختهن الكبرى على الجانب الآخر .. و روضة تتبادل معهن حديثا باسما إختلط بأصوات النسوة المتحمسة .. و المتعالية .. و حركات بهلوانية رحن يقومن بها في وجه زوجة عمها الجديدة ..
صمّاء ..!!!
كم هذا مضجر .. كيف اذا ستتعرفهم و تعيش معهم .. أ و لم يكن أفضل لها أن تواصل حياتها بعيدا عن إزعاج هذه العائلة ..
راحت عينها تتفحص الأوجه الجديدة .. لا شيء منها قد يجذب إهتمامها سوى الفتاة التي بدا وجهها مألوفا و علمت أنها قد رأتها أكثر من مرة في الجامعة .. و تلك الفاتنة التي تجلس بجوار روضة بهدوء دون أن تتكلم أو ترفع عينها عن الأرض ..
و زوجة أخيها الأكبر ..
الحقيقة أن زوجة أخيها كانت مفاجأة حقيقية ..
لم تكن تتوقع بأنها ستكون هكذا .. لم تبدو ملائمة بأي شكلٍ من الأشكال لغيث ..
القوي .. المتكبر .. البارد .. الصارم ..
ذاك الرجل المتحكم ليس بحاجة إلا لإمرأة تكون ندا له ..
و لكن ما أثار حيرتها هو ردة فعل عوشة ..!
عوشة التي أقبلت بكامل زينتها .. تبرق الألوان في محيّاها ..
و هي ترفل بثوبٍ ناعم بدت فيه كأميرة باذخة الحسن ..
لتجلس الآن في مقعدها بهدوء .. شرود يعلو محياها و عيناها تتعلقان بحور .. التي بدت مضطربة لمثل هذه النظرات ..
الغريب أن هذه الجلسة بدت متوترة بشكلٍ ما .. جميعهن باستثناء النسوة يلتزمن الصمت .. أو أحاديث جانبية ..
سحقا لهم ..
لو علمت ان الأمر سيكون بهذه السخافة لما كلفت نفسها عناء المجيء إلى هنا ..!

* * * * *

يجلسون في حلقة واسعة في ذاك المجلس المترف .. بعد الغداء ..
فيما انزوى ثلاثتهم بعيدا عن الجميع ..
لم يتوقف عن الضحك و هو يطالع الوجه المألوف في الجريدة .. قبل أن يلقيها في حضن عبيد الذي راح يطالعها بجبين معقود .. قبل أن يوجه هزاع الضاحك حديثه لأحمد ..
- و الله و سووها .. طاع ويهه .. لو مكان حمدان ما بمشي في الشارع الا و انا متلثم ..!!!
نظر أحمد للصورة في يد عبيد بابتسامة مكتومة قبل أن يقول بوقار مهزوز ..
- لا تتشمت لا يبلاك ربيه ..!!
شخر هزاع بشيء من السخرية ..
- لا أنا مواطن صالح ما أقحص في الشوارع عسب يزخونيه و يحلقونيه ع الزيرو خلاف يصورونيه و أنا أخم الشارع و ينشرونها باسميه في الجرايد .. في الأماكن النائية و القانونية فقط .. بو حميد تيك كير .. لا تسويها شرات هالمخبل و يزخونك ..
وضع عبيد الجريدة بابتسامة هادئة ..
- و الله ياخي أنا هب فاضي لهالسوالف التافهة .. و ما ضيّع وقتيه و بترول موتريه في التقحيص ..
وضع أحمد يده على وجهه يضحك ..
- أخخ .. كانها نغزة ..
ضحك عبيد بهدوء ..
- لا و الله هب نغزة .. بس صدق .. أشغل وقتيه فشي ينفعنيه أخير عن الهياته و الدوس بموتر .. حياتيه هب رخيصه يا خوك .. ورايه هليه .. يبون العون ..
ابتسم هزاع ..
- يا ولد ..!! منطق عجيب .. المهم .. الليلة بنسير لتركي بنتعشى عنده في السكن .. و معزر انييبك ويانا .. شرايك ..
بدت ابتسامة خجولة على شفتي عبيد و هو يجيب موافقا ..
- و الله ما عنديه خلاف .. عقب المغرب بنتلاقى فمكان ..
لكن أحمد أشار بيده ..
- لا .. لا .. بنخطف عليك نحن .. و بنسير رباعة ..
هز عبيد كتفيه .. و هب واقفا حين رأى أبوه و أخوه الأكبر على وشك المغادرة ..
- خلاص و لا يهمك .. يا الله يا شباب .. نشوفكم ع خير ..
- عقب المغرب ..؟
ابتسم عبيد مؤكدا ..
- عقب المغرب ..
.
.
لولا واجب يفرض عليه الحضور إلى هنا ..
و لولا إندفاع غريزي لمرافقتهم .. لما خطا بأثر على أرضهم هذه ..
عيناه المتحفّزتين الكارهتين كان تخفي بغضا دفينا و هو يتجنب النظر لوجه رئيسه المتكبر ..
ليس رئيسه هنا .. ليس سوى قريب له .. و بشكل ما صهره ..
رغم ذلك كان تكبّره و تعاليه البارد يرسم حواجز عدّه ليجعل الحديث في مستوى رسمي ،،
لم يشعر بالنفور و الحقد نحو شخص كما يشعر بها الآن نحو زوج أخته ..
الآن هو هنا من أجلها ..
لذلك لم يستطع نفسه من تسديد نظرات متحديّه و هو يتوجه نحو الباب الخارجي مع عبيد أبوه و غيث و جدّه و عمّه مطر .. و يقول بنبرة قوية ..
- بو سيف و لا عليك أمر .. خل خالوه و حور ختيه يظهر بنسلم عليهن قبل لا نسير ..
تصلب الملامح السمراء القوية .. و غطاء من القسوة أسدل على عينيه الحادتين أنبأت مايد بأن هذا الرجل يتوقع منه حذرا و خشية في المعاملة ..
حسنا .. هذا ما سيحصل عليه ..
في حدود مكتبه فقط ..!
لذلك استمتع بالصمت قليلا بينهما و توديع سلطان للجد و إبنه يأتي من البعيد .. قبل أن تلتوي شفتي غيث بسخرية و هو يرفع حاجبا .. قبل أن يلتقط هاتفه ليضرب عدّة أرقام بهدوء .. ثم يصدر أمرا قاطعا بصوته الرجولي الخشن ..
- خلو حور و أمها يظهرن عند الباب لي قدام .. بو مايد و عياله بيروحون ..
و ثانية للطرف الآخر يرد فيها قبل أن يعيد الهاتف بصمت لجيبه .. مشيرا بيده نحو الباب و صوته البارد يتشدق في وجه مايد ..
- حيّاك الله ..
.
.
لو كان الموقف سانحا ..
لحطّم فك مايد الذي انزوى قليلا بحور و قد بدا على وجهها الإهتمام قبل أن يدنو منهما عبيد .. ليحيط كتفها بذراعه ..
شعر بشيء من التملك يكتنف صدره و هو يتشاغل بسلطان الذي يلوّح في وجه أخت زوجته مع كثير من الصراخ ..
شيء كاللهيب راح يسري في عروقه .. لم يخمد مع افتراق الإثنتين عنها و هي تراقب رحيلهما بجانب أمها ..
رحن يرقبن قفا تلك السيارة المتواضعة و هي تتجاوز البوابة البعيد .. فيما تمد حور كفيها لبرهة مع استدارة أمها و توجهها للداخل ..
بدا عليها التململ .. و كأنما تريد الحراك و تخجل من التحرك دون كلمة ..
غريب ذاك الشعور الذي تملكه و هو يفصل البضع الخطوات بينهما .. ليمد يده لها .. يطبق على يدها .. و يجذبها نحو زاوية المدخل المظللة ..
مكان يثق بأنه لن يراها فيه العمّال .. أو الخارجين من المجلس ..
فيرفع غطاء وجهها بسرعة ..
بدت عينيها زائغتين لبرهة .. قبل أن تخفضهما باضطراب ..
يتأملها لثانية قبل ان يسأل بصوت عميق ..
- شحالج ..
هه .. كم هو مضحك هذا السؤال ..
أ و لم تكن معه في السيارة حين جلبها إلى هنا ..؟؟!
لكنها لم تنبس بحرف .. لم تلقِ التحية حتى ..
رغم هذا .. أراد أن يعرف بما تشعر .. كيف تواجه الأمر بالداخل .. ما الذي يخالجها ..
ما سبب هذه النظرة الخائفة و كأنما انسل الأمان برحيل سلطان و أبناءه ..
صوتها المرتجف لم يسعف تظاهرها بالشجاعة و هي تقول ..
- الحمد الله ..
أحن رأسه و هو يحملق في تعابيرها بعناية ..
- شفتي هليه ..
أومأت بنعم ..
- شرايج ..؟؟
بدت الحيرة على وجهها ..
- كيف يعني ..؟؟
- ما عيبوج ..؟
فتحت فاهً بضياعٍ قبل أن ترخي أهدابها بخجل .. لتجيب بصوتٍ منخفض .. متوتر ..
- طيبين ..
طيبين ..؟؟
فقط ..! لا بأس .. لن يطلب منها الكثير .. ستعتاد الأمر سريعا ..
ثم مهلا ..
لمَ هذه اللهفة الغريبة و الاندفاع لمعرفة ما هو شعورها نحوهم ..؟!
فلتفكر بما يريد .. لما عليه أن يكترث ..
و على هذه الفكرة أطلق يدها .. لتقف أمامه بصمتٍ مزعج .. ثم تهمس دون أن ترفع عينها عن الأرض ..
- أنا بحدر داخل ..
هزّ رأسه موافقا .. تستدير هي بسرعة .. تنوي الدخول ..
لكنّه لم يشعر سوى بيده التي امتدت مجددا لتقبض على طيفها قبل أن تتركه ..
تلتف يده القوية على عضدها يديرها نحوه .. و يجذبها بسرعة ليدفن وجهها في صدره بقوة ..
عمق أنفاسٍ ساخنة انفلتت من صدره تلفح غطاء رأسها و هي تستكين بهدوء .. فيما يحكم بذراعيه حولها ..
قبل أن تضع راحتيها الصغيرتين على صدره الفسيح تدفعه بخجل ..
أبعدها عنه دون أن يفلتها .. عيناه تلتهم تقاسيم وجهها المحمر الوجل ..
و عيناها الضائعتين .. لمع فيهما مئة إحساس ممزق ..
لم فعل ذلك ..؟!
هل هي الرغبة في بثّها الأمان لتدرك أنها بمنأى عن الأذى حتى برحيل إخوتها ..؟؟
ما الذي يدفعه للحيرة الآن .. تلك المشاعر الغريبة بدت أكثر وضوحا و هو هنا ..
في بيته .. و أرضه ..
إحتضن وجنتها بكفّه .. قبل أن يتنهد بقوة و هو يقول بصوتٍ أجش ..
- سيري يا الله ..
عيناها الواسعتين تلمعان بقوة و هي تنظر له بشيء من الذهول ..
إذا إستمرت تنظر إليه هكذا فسوف ...
قال بحزم و هو يحركها بلطف ..
- حور .. حدري بيظهرون الشباب الحين ..
خفقت أهدابها بسرعة قبل أن تنزع نفسها بسرعة و هي تتوجه للباب الكبير .. تكاد تهرول بجزع ..
تملكته نشوة حمقاء ..
تبا لها ..
بدأت تحفر ثقبا في جدار يلف روحه ..!
.
.
- يا الله أحمد يرقبنا براا ..
قالتها روضة بضيق واضح .. لترفع شيخة حاجبيها باستغراب ..
- الحين بنسير ..؟؟
هزت روضة رأسها بقهر .. و قد بدت لهفتها للبقاء جليّة ..
- يبون قوم عميه يرتاحون .. و يرتبون أمورهم ..
- و عوشة ..
- ما تشوفينها لا بسة عباتاا .. بتسير الحين .. حتى عماتيه .. العرب كلها بتسير ..
مطت شيخة شفتها بلا مبالاة و هي تقف بملل ..
- أهاااا .. بييب عباتيه ..
توجّهت نحو المقعد البعيد الذي رمت عليه عبائتها تلتقطها و هي ترتديها .. عيناها لا تفارقان النظرة الزجاجية الباردة التي علت وجه عوشة ..
فيما تفكر يا ترى و هي تجلس قرب زوجة الرجل الذي تحب ..؟
ألا يحرق ذلك فؤادها الغيور المتملك ..ألا يدغدغها خبث مشاعرها ..؟!
تجاوزت الجمع المتفرق الذي انشغل بسلام الوداع .. لتنسل بهدوء .. الحقيقة انها ليست حمل المجاملة و لعب دور المضيفة الطيبة ..
لذلك تحركت للخارج ..
و ما إن لفحت أشعة الشمس وجهها .. تنفست براحة عميقة ..
تتقدم بخطوات متعجلة و هي ترى سيارة أخيها اللامعة تنتظر على مقربة من الباب ..
و لكن ما إن إقتربت حتى ظهرت من الجانب الآخر سيارة مسرعة تتوجه نحوها تماما ..
تصلبت في مكانها بذعر .. لكن السيارة واصلت التقدم نحوها بتهور و سرعة متعمدة و كأنما تقصد الإصطدام بها ..!
و على مسافة انشات من جسدها توقفت مقدمة السيارة السوداء .. فيما راح الغضب يتلوى في صدرها .. و صاحبها ينزل زجاج نافذته .. ليطل بوجهه الضاحك من خلف نظاراته الداكنة و هو يقول ساخرا ..
- حوووه يا بو الشباب .. بطل عيونك ..
تصاعدت الكراهية في داخلها إثر تلك الكلمة .. فيما يضحك هزّاع .. ممازحا إياها ..
- شويخ شحالج .. ما شفتج تصدقين عاد ..!! لو اذنيج مخرمة كان انتبهت ..
لكن المزحة لم تكن مضحكة إطلاقا ..
كانت شائكة ..
خدشتها بقوة ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
لا زالت تنتفض بقوة .. قلبها يخفق بجنون ..
سلبها القدرة على الإحساس بما حولها الآن .. فراحت تتحرك بآلية ..
بشكل ما .. عزلها بذاك القرب عنهم جميعا و عن مشاعرها المتخبطة ..
تلك الأحاسيس التي لم تستطع تفسيرها أصبحت رمادا حين ألهبها بدنوه منها ..
كان الجميع قد ترك المكان .. لم يعد في هذا البيت الضخم سواهم و أصحابه ..
فيما راح قلبها يخفق بثقل .. و فكرة أخرى تقتحم عالمها المجنون ..
الآن و في أي لحظة .. ستراه .. و ستلتقيه ..
ذاك الرجل .. الذي لم تعرفه يوما .. سوى لفظٍ مكملٍ لإسمها ..
رجل أبعدهم لسبب لا تعرفه .. ليعود و يطالب بهم الآن ..
بعد ماذا ..؟!
بعـــ ...
ماذا ..!
أ يخيل إليها .. أم أن جدتها الفرحة تقول بإبتسامة واسعة .. غضّنت وجهها المعجد ..
- إقرب ياب بو علي ..
.
.
بو علي ..
بو علـــي ..
بو علــــــي ..
رفعت عيناها ببطء ..
تؤجل لحظة فقط من رؤيته ..
ثم ..
أمام باب المدخل الذي انفتح بعرضه .. دلف ثلاثة رجال .. يتقدمون نحوهم .. تعرفت عمّها مطر الذي رأته في المستشفى عند ولادة سيف الصغير ..
فيما تتسع عيناها بقوة .. و هي تصطدم بمرأى الرجل الذي تقدم الإثنان ..
ليصبح ما حولها مجرد خيالات باهتة .. و تغرق هي في إحساس مجهولٍ لفّها ..
في مشيته المختالة .. و جسده القوي رغم كبره ..
في تلك العينين ..
تلك الحدقتين الناعستين .. و تلك النظرة الصارمة .. العينين اللتان ضاقتا قليلا ..
أُلفة بثّها ذاك التحديق المتكبر .. و ذاك الأنف الشامخ ..
لتشعر في تلك البرهة التي توقف فيها أمامهم .. بقشعريرة تسري على طول ظهرها ..
تكاد تلمس روح راحل تحوم الآن حول رؤوسهم .. تراقب هذا اللقاء البارد ..
.
.
يدغدغ صوت إحدى أخواتها أذنها و لا تعرف من هي ..
تهمس بإحساس انتزعته من ركنٍ في قلب حور ..
- أبويه ..
و أيقنت أنها لا تشير لأي شبه قد يربط أبيها بهذا العجوز القوي ..
شيء مختلف .. أشعرها بأنها في حضرة والدها مجددا ..
شيء راحت تنبش في عينيه الباردتين اللتان راحتا تدوران في وجوههم ..
شيء لم تجد الوقت لبحثه بعد .. أو إيجاده .. فتفسيره ..
كل ذلك إنهار و انتهى في لحظة واحدة ..
حين دوى من خلفها صوت ارتطام ثقلٍ ما على السجادة الغليظة .. امتزجت بشهقة ..
و صوت عفرا تهتف بذعر ..
- المهــــا ..!!!!!
لتلتفت بجنونٍ إلى الخلف ..
أمام عينيها المذهولتين .. كانت المها ممددة على جنبها بهدوء ..
.
.
و كأن روحها الشفافة أُرهقت بما فيه الكفاية ..
فآثرت النوم ..

* * * * *

ليلٌ بارد أطبق فكيّه على ليبتلع قرص النور في الأفق ..
مخلفا نزفا داميا يشهد تمزقها بين أنياب وحشته ..
لتوغل الظلمة .. فتغفو أجفان المخلوقات بأنفاسها المتعبة ..
ليل شتاء .. إمتد بشكلٍ داخله .. بل بدا أن ينبثق من روحه ..
و هو يترجل من سيارته ببطء .. عيناه تتعلقان بالفيلا الضخمة الرابضة بكسل على الأرض امامه ..
تبعثره الأيام ..
تتوهه بشكل ما .. و تبعده عن أحضان بيت أبيه مرغما .. ليجد الأيام وحدها ..
تلك التي أبعدته تعيده ..
رغم تغيّر البيت .. لم يستطع قط العودة للعيش مع أبيه و زوجته و إخوته ..
لم يستطع قط أن يفعل ..
فضل أن يمضي عمره تحت كنف جديّه الحبيبين ..
و الآن .. و هو مضطر لترك المكان ..
لفترة سيحرص حتما على أن لا تطول ..
يجد نفسه على عتبات بيت أبيه مجددا ..
عائد إلى هنا ..
كم سيكلفّه ذلك باستثناء ذكرياته الموجعة التي ....
.
.
ربما كان رنين هاتفه رحمه .. الذي انطلق شاقا صمت روحه .. و تدهور أفكار كادت تقوده نحو ما لا يرغب في أن يفكر به ..
لكن من ..؟
من سيتصل به في هذه الساعة المتأخرة من الليل ..
لقد تجاوز الوقت منتصف اليل فعلا ..!!
دس يده في جيبه يرج هاتفه المحمول قبل أن تتلهف عيناه لاسم مساعده .. فيجيبه دون مقدمات ..
- ألووه ..
يتدفق صوت بطي المتوتر ..
- ألووه مرحبــــا ..
إجابة واحدة يحتاجها أكثر من هذه المجاملات ..
لا سبب قد يدفع بطي للاتصال به في هذا الوقت سوى عذر أعطاه إياه .. لذلك قال بإختصار قوي ..
- لقيتووه ..؟؟
رد الصمت جوابه للحظة قبل أن يعود بطي ليجيبه باختصار ..
- هيه طال عمرك ..
برقت عينا غيث بوحشية و هو يكشر بقوة ..
- لقيتوه وين ..
- لقينا موتره قدام شقه فراس الخيمة .. و راقبناه .. و يوم ظهر .. يودناه ..
- و بعدين ..
- هو ويانا الحين و موتره ويانا بس ....
عقد غيث جبينه .. و هو يستعجل محدّثه ..
- بس شوه ..؟؟!
- آآ .. طال عمرك .. الريااال .. الريال شكله هب صاحي .. عسب كذيه رمنا عليه و يبنا موتره بعد .. عبدالرشيد يسوق الموتر و الريال وياية أنا و محمد .. يبالنا ساعة و نكون في العين ..
لكن غيث لم يفهم لذلك قال بحذر ..
- هب صاحي ..؟؟
- هيه طال عمرك .. شكله ..كان .. يعني .. أظنه سكران و الا متعاطي شي ..
انفجر شيء ما في داخل غيث .. شيء كالانتصار الحاقد .. و هو يهمس بصوت وحشي ..
- هذا المطلوب .. تعرف طريق المزارع ..؟؟
- أي واحد ..؟؟
- لي صوب الخزنة ..
- ما تبانا نييبه العين ..؟؟؟
- لاا بلاقيك هناك .. كم يبالك عسب توصل ....؟
- يمكن ساعة الا ربع ..
- خلاص أول ما توصل سوليه تيلفون ..
- إن شا الله طال عمرك ..
أنهى المكالمة بعجل .. قبل أن يلقي نظرة أخيرة على المبنى الذي بدت عليه الخيبة بشكل ما ..
لن تؤرقه كوابيسه هنا .. لهذه الليلة على الأقل ..
وراءه عمل مهم عليه أن ينهيه ..
عمل لا شيء في الدنيا قد يمنعه من التلذذ بإنهائه ..
.
.
و بدا أن مجنونا يقود السيارة المسرعة التي انطلقت خارج البيت ..
تنهب المسافات للمكان المقصود نهبا ..
ليلة الحظ ذاتها هذه ..
و كأن الرب راح يهيل عليه العطايا تباعا ..

* * * * *

قدماها اللتان لا تتوقفان عن الدوران تغرق في السجادة العجمية الفاخرة .. و هي تفرك يديها ..
شيء من الخوف الغريب أخذ يتمدد بين أضلعها .. و قلبها ينبض توجسا .. و هي تدير عيناها بوحشة في الجدران الذهبية العالية .. و السرير الوثير بمخدّاته الناعمة ..
و تلك الستائر الطويلة الثقيلة التي راحت تتدلى لتحجب نافذة تعتزل الظلام الذي هبط ..
لا صوتٌ يمكن أن تسمعه الآن .. سوى الدم يضج في أذنيها توترا .. و عقارب الساعة التي راحت تشير للثانية بعد منتصف الليل ..
كانت قد استيقظت قبل الفجر .. و لكن النعاس لا يقارب عيناها الآن ..
أنى لها أن تغفو و هي تحت سقف الرجل الذي نفى والدها خارج حدود عائلته .. ليعيش سنوات عمره وحيدا .. مبعدا ..
عن إخوته .. أمه .. أمان عائلته ..
كيف طاوعه قلبه ..؟!
تذكرت رجفة قلبها .. مع ذاك الشعور المبهم .. تكاد تقسم بأن تلك العينين .. تلك النظرة الصارمة ..
نافذة روح أبيها الراحل ذاتها ..
هي ..
متأكدة بأن الشعور نفسه راود اخواتها .. نظرة الصدمة الممزوجة بالحنين و الألم الصاعق كانت مشتركة ..
ذاك الرجل لم يكن يشبه أبيهم بأي شكل .. بل بدا أصغر سنا لو فكّرت بذلك ..
بشرته العجوز كانت أفضل من الشقوق التي كست وجه والدها الكالح اثر شقاءه تحت جحيم شمس النهار طوال اليوم ..
لكن بشكل ما .. زرع حضوره القوي شيئا يشبه عودة لوالدهم ..
شيء دفعهم للبكاء .. للتشتت .. شيء أثار ذعر طفلة طاهرة كالمها ..
لا تعرف من الدنيا سوى حدود عائلتها الصغيرة ..
ليصبح ما واجهة اليوم أكثر مما قد تحتمل .. شيء أذهب وعيها ..
و دفعها للاستتار خلف اللاوعي ..
تمنت بيأس لو أنها أصرت على ملازمتها .. و لكن الجميع أجمع بأنها بخير .. و عليهن أن يأوين للفراش .. بعد يومهن الطويل ..
لكنها لا تريد النوم .. تشعر بالوحدة ..
لم تعتد قط على النوم وحيدة ..!
ماذا ..؟!
أهذه أول خطوة للعيش هنا ..
التشتت و توزيع جميعهم على الغرف العملاقة الممتدة بطول الطابق العلوي الفسيح ..
هذا الهدوء الذي يلف المنطقة البعيدة عن المناطق الشعبية الممتلئة بالسكان يطبق على أنفاسها ..!
ماذا عليها أن تفعل الآن ..؟!
استلقت على السرير الذي اهتز تحت ثقلها ..
فيما غاص جسدها في نعومة الدثار الثقيل ..
راحت الوجوه المشوشة العديدة تدور أمام عينيها .. يلزمها الكثير من الوقت لتعتادها ..!
تقلبت لبرهة .. ثم ..
انعقد جبينها ببطء و هي تصيخ السمع ..
لا .. لا تتوهم..
الصوت واضح للغاية .. شيء كالخشخشة أمام باب حجرتها .. لتجد نفسها تقفز على قدميها و هي تدنو من الباب ببطء ..
تقوس ظهرها بخوف .. من هذا الذي يريد اقتحام غرفتها في الثانية فجرا ..
تحركت بسرعه نحو الباب بشجاعة زائفة .. تريد مفاجأة القادم و لكن ما ان اقتربت حتى فتح الباب باندفاع ..
لتصرخ بقوة ..
صرخة امتزجت بعدة صرخات .. و دانة تقفز في الهواء خوفا و هي تحتضن اللحاف فيما اهتزت أجساد أخواتها خلفها ..
قبل أن تلهث عفرا بفزع ..
- أووصصصصصصصص .. الله يغربلكن .. بتوعن هل البيت ..!!!!!
تتدارك حور أنفاسها باختناق ..
- عنلااااتكن .. روعتنيه .. ما تعرفن ادقن الباب ..؟؟ بغيت أموت ..
زفرت نورة و هي تجتذب اللحاف و المخدة اللذان تحملها بين يديها ..
- ع الأقل انتي شايفة ويوه فيها الخير .. شوه نقول نحن يام دويس ..
- احترمي نفسج ..!!
- انشا الله عمتي ..
و فجأة راحت تركض حين رأت دانة تتقدم بسرعة نحو السرير ..
ليتحول الأمر فجأة لمسابقة جري قبل أن يقفزن الاثنتين معا على السرير ..
فيما تهز عفرا رأسها و هي تدخل .. و حور تسرع لحمل لحاف المها من بين يديها .. و هي تقول ..
- خير .. خير .. شوه يايبنكن ..؟؟؟
هزت دانة كتفيها ..
- الشوق لو تدرين ..!
ابتسمت حور بخبث .. و عفرا تفرش لحافها مثنيا على الأرض و تلتقطج لحاف المها لتفعل به المثل ..
- برا لو سمحتن .. أنا ما صدقت انيه افتكيت من شركن و غدت ليه حجرة بروحيه ..
دفنت دانة نفسها تحت الأغطية ..
- ان شا الله .. أقول .. خلي نورة تخوز .. لنيه ما بتحرك .. حيزت المكان قبلها .. و الشبرية ما تسد الا ثنتين منا ..
قبل أن تنظر لحور باستعطاف ..
- الا اذا بتضحين يا أختنا الكبرى .. و ترقدين في القاع ..
وضعت حور يدا على خصرها فيما تندس المها الذي بدا التعب جليا على وجهها .. و عفرا في البطانيات المرتبة على الأرض ..
- اكسكيوزمي ..؟؟!!!البيت بيت ابونا و القوم حاربونا ..!! يا الله .. ولا وحدة منكن .. المها بترقد اروحها ع الشبرية .. و نحن كلنا في القاع ..
مناوشات عدّة و اعتراضات .. و تذمر ملأ المكان قبل أن يتوسدن الأرض جميعا .. و تستلقي المها بلطف على السرير .. ثم تتوجه حور أخيرا نحو زر الانارة بهدوء .. فتطفئة ..
ظلام دامس أعمى عينيها و هي تتلمس الطريق للفراش الذي وضعته بجانب عفرا ..
- آآآآآآآه .. حووووووور .. دستي ع ريليه ..
كانت تلك صرخة نورة المتذمرة ..
- ما شفتج زين ..!
- اففف..!!
- لا تتأففين ..
- بتذليناا شكلج ..
- عيل .. حجرتيه ..
- خيبة ..! من الحين عايشة الدور ..
- برا لو سمحتي .. ارقدي اروحج ..
- و اللييييييييييل ..!! شكلي بنش صدق .. ما تعرفينيه ..
ثم راحت تستشهد ببيت شعري بصوتٍ مسرحي ..
- أظما و لا ارجي حاسدي شربة الماي .. لا قرب الله بيد النذل شربتي ..
ابتسمت حور في الظلام ..
- انا حاسدج !!.. تعالن .. ليش يايات ..؟؟
تنهدت دانة ...
- أقول حور .. صدق مذلة .. استحي ع ويهج .. هاي يزاتنا .. قلنا أكيد حور اروحها و خايفة بنسير و بنرقد وياها ..
ضحكت حور ..
- حلفي بس ..
- هيه ..
لكن صوت عفرا الهادئ وصل حور و هي تجيب ..
- الصراحة ما رمنا نرقد .. أنا ما يانيه رقاد مع انيه ميتة من التعب .. و هالثنتين ين عنديه يبن يرقدن ويايه .. قلت بنخطف ع المها .. و لقيناها واعية بعد ..آخر شي شلينا قشارنا و قلنا أكيد انتي هب راقدة .. و لو راقدة بنرقد عندج ..
تنهدت حور بقوة ..
- يا حظهن مزنة و هند .. ما عليهن من حد .. رقود عند أماية .. و نايف ريال.. متعود يرقد اروحه .. بس المصيبة نحن .. كيف بنتعود كل وحدة ترقد اروحها ..؟
تذمرت عفرا بصوت مثقل بالنعاس ..
- لو حاطين لأمايا حجرة عدنا فوق ع الأقل ..
لكن الاعتراض أتى فورا من صوت نورة ..
- لا شوه .. تعب عليها .. أخير لها .. أهم شي راحتاا .. و بعدين تكون قريب من يدوووه ..
ثم قالت بصوت مختلف ..
- فديت يدوووه .. اليوم طااااايره .. طااااااااايره ..
ضحكت دانة ..
- طايره و الا سيارة بوووووو .. صدق .. مستانسة و متشققة .. حرام .. غمضتنيه ما دري ليش .. تخيلت ولديه معرس و عنده عيال .. و ما اعرفهم ..!!
ضحكت حور بعمق ..
- خيييييييبة كيف يشطح الخيال .. عرستي و يبتي عيال .. و لحقتي تظاربين ولدج و تروغينه .. و تعيزين وراه بعد ..!! بس تدرن شوه .. حتى أنا رحمتها .. بنات شرايكن في عوشة ..؟؟؟؟
هتفت نورة و دانة معا ..
- كشخـــــــة ..!
وافقتهن حور باعجاب ..
- هيه ما شا الله عليها وايد حلوة .. حتى مشيتاا حلوة .. و يلستاا حلوة .. و دلعها بعد حلوو ..
شخرت عفرا ساخرة ..
- و الله ..!! اخطبيها ..
- لا صدق ما شا الله أنا أقول رويض ملكة جمال .. طلعت هاي لي فيهن .. بس مادري كيف خت رويض متكبرة حسيتاا .. شسمها ..؟؟ شيخة صح ..؟؟
أجابتها دانة ..
- أونج عاد ما صميتي أسامي هل غيث واحد واحد .. انا متأكدة انج تعرفين حتى أسماء أسلافه .. شيخة تعرف عفرا ..
تفاجئت حور ..
- تعرفينها عفاري ..؟؟
أنكرت عفرا بقوة ..
- لااا .. ما عرفها .. بس أشوفها في الجامعة .. بس ع فكرة .. شكلها غير في الجامعة ..
ضحكت نورة ..
- شوه تحط ماسك ..؟؟
- هه .. هه .. هه .. باايخة .. لااا .. الهيئة غير عن لي تشوفن .. أظنيه انها بوية ..
صرخت نورة و دانة بصدمة ..
- شوووووووووووووووووووووووه ..!!!
صرت حور على أسنانها بغيض ..
- غربلللللللللللللللللكن الله مسوداااااااااااات الويووووه .. طريتن اذنيه .. بتوعن القوم بصريخكن .. بلاكن ..!!!
تجاهلتها نورة و هي تسأل عفرا بذهول ..
- كيف عرفتي انها بوية .. ؟؟؟
ردت عفرا ببساطة ..
- شكلها .. و مرابعة أخس بوية في الجامعة .. بنت ريال معروف حتى .. و لامة عليها بنات و مخبل شراتا و مسوية شلة خايسة ..
شعرت حور بأنها ضائعة لبرهة قبل أن تتذمر ..
- حوووووووووه .. شوه يعني بوية ..
كان صوت دانة حانقا ..
- وين عايشة انتي ..؟؟ يعني مستريلة .. عفاري شوه تلبس شيخة في الجامعة ..
- عباة مصكّرة مبطلة من الصوبين من تحت و تلبس تحتها بناطيل تبين يوم تمشي .. و مرة شفتاا لابسة عباة مفتوحة ..
- حلللللفي ..!!!!
- و الله ..
- هلها يدرون ..
تردد صوت عفرا بسخرية ..
- ما سألتها تصدقين ..!!
فيما تهمس نورة بصوت مذهول ..
- بوية ..!! يخرب بيتها بتفضحناا .. يدرون ربيعاتج انها بنت عمج ..؟
- من وين بيعرفن .. ؟ أنا اروحيه اليوم دريت .. اسميج غبية بشكل ..
زفرت حور و هي لا تستطيع فهم المشكلة أين هي بالضبط .. بدت الفتاة متكبرة فقط .. و لم يبدو أنها ترتكب أمرا سيئا .. لذلك قالت تقاطع أخواتها ..
- أقول بنات شرايكن في العود ..؟؟
ضحكت دانة ..
- العود ريلج و الا الشيبة ..
- الشيبة يا السبالة لا تستهبلين ..
زفرت عفرا بقوة و هي تقول بصوتٍ خافت ..
- يوم حدر انتفض فواديه .. حسيت ابويه لي مقبل مادري ليش .. بس ما يشابه أبوية ..!!
لكن نورة قرأت أفكار حور .. تقولها بصوتٍ مسموع ..
- عيونه يمكن .. حسيتاا نظرة أبوية يوم ينازع .. مادري كيف ..
وافقتها دانة بلهفة ..
- و الله نفس الإحساس ..!! قلت فجأة بيهازبنيه لنه شافنية أرقى السطح ..!!
اعتصر الحنين قلب حور بقوة و هي تبتسم بمرارة ..
- الله يرحمه ..
ترددت عبارتها على ألسنتهن .. قبل أن يصمتن لدقائق .. لتقول عفرا بصوتٍ ناعس ..
- أكيد المها راقدة الحين .. أخخخ .. يا حظها .. ع الأقل رحمها ربيه من هذرتكن ..
تجاهلتها نورة .. و هي تبدي رأيا
- انا متفائلة الصراحة بالعيشة هنيه .. اليوم الأول يبشر بخير .. بس الشيبة يباله حد يلين خشمه ..!
ضحكت دانة بتعب .. قبل أن تتثائب بصوتٍ عالٍ ..
- أنا حتى أقول المكان و العرب ترتوب .. بس شوي هادي .. يبالهم حد يربشهم .. – و تثائب مرة أخرى – أحسنيه بموت من التعب ..!!
ابتسمت حور برفق .. قبل أن تشد الدثار حول جسدها أكثر و هي تقول ..
- كلنا تعبانات .. صخّن .. نبا نرقد .. عده باكر ورانا لو ربيه أحيانا ..!
.
.
و علمت في قرارة نفسها بأنها محقة ..
غدٌ يومٌ آخر .. ستواجه فيه تلك الأوجه التي التقتها اليوم ..
و ستكافح كثيرا لتعيش هذه الحياة الجديدة ..
تراءى أمام عينيها مبنىً يكاد يكتمل بنائه .. داخل حدود سور هذا البيت الواسعة ..
بيت يفترض بأن تعيش فيه يوما ..
كل ما خالجها لحظة رؤيته طمأنينة عميقة .. و حقيقة واحدة تتجسد في روحها ..
لن تبتعد عن عائلتها إذا و هذا هو المهم ..
ما دامت بينهم .. ستلتمس أبدا .. أمانا صادقا .. و حبّا حقيقيا .. و إحساسا ملموسا بذفءٍ لا ينضب ..
ستكون بخير مادامت قبهم ..
هذا هو المهم ..
نعم ..
هذا فقط ..
و أنفاس عفرا العميقة تتردد بعمق قرب أذنها ..
كم من المريح أن تدرك بأن قوّتك تنبثق من وجودهم في حياتك ..
أحبتك هم ..
لن يمضوا يوما ليتركوك في منتصف الطريق ..

* * * * *
* ودي أسرق / من بوح قلمي ..
** اسمحي لي يا الأماكن / من بوح قلمي






تلك النسائم الجليدية لم تجمّد ناراً راحت تلتهب بقوة في صدره ..
تبعثر شعره الكث الأسود على جبينه بعد أن ألقى غترته جانبا ..
عضلات ذراعيه و ظهره تتقلص بشدة و هو يتحفز للهجوم المرتقب .. فيما تضيق عيناه و هو يراقب الجسد المتكئ على مقدمة السيارة العتيقة قبل أن يصله صوت بطي المتشكك ..
- طال عمرك لو تبا .....
لكن غيث يزمجر بصوته القوي رافضا ..
- قلتلك تيسّر .. شل محمد وياك و عبدالرشيد و توكلوا على الله ..
- بس ..!!
ألقى غيث عليه نظر صارمة ..
- لا بس و لا غيره .. يا الله ..
هز بطي رأسه بطاعة .. قبل أن يستقل السيارة الأخرى التي قدم فيها .. يرافقه محمد و عبد الرشيد .. لحظات طويلة تمر قبل أن تبتعد أضواء سيارتهم .. فلا يضيق المكان سوى ضوء واهن من قمر إختنق خلف السحب الكثيفة ..
و ضوء السيارة المهتز إثر الضباب الثقيل ..
النور يسلط على الرجل المتهاوي و هز يهذي بكلماتٍ كثيرة متفرقة .. و هو يرى السيارة المبتعدة تختفي ..
- حوووه .. انتووو مخبل ..!! هاتوو موتريه ..
ثم نظر لغيث و جسده يترنح بشدّة ..
- بلاهم هاييل .. أووه ..!! ليكون حراميه و صارقين موتريه ..! أغبيااء نسوو موترهم ..
قالها و هو يضحك بشناعة و يربت على مقدمة سيارته .. ليؤكد لغيث بأنه ليس في وعيه ..
يتصاعد الإسمئزاز .. و الكراهية .. في حلق غيث .. و هو يتقدم بخطى واسعة ..
يده تسمك بتلابيب الرجل بسهولة .. ليواجهه بقوة ..
الحقيقة أن هذا التحكم في نفسه يتطلب منه مجهودا جبّارا ..
فكل ما يريده في هذه اللحظة هو نزع أظافر هذا الرجل .. و اقتلاع عينيه .. ثم الاستمتاع بسلخ جلده حيا ببطء شديد ..
عندها فقط و هو يترنم بصراخه المتألم .. سيرتاح ..
لكن بدلا من ذلك .. جذبه بقسوة و هو يدني وجهه حتى شعر بأنفاسه ذات الرائحة الكريهة قريبة منه .. ليسأل بقرف امتزج بالإحتقار ..
- تعرفنيه يا الكلب ..؟؟
بدا سالم و هو يترنح كأنما يرى هذا الرجل للمرة الأولى هنا ..
- أوووووهووووووو .. انتوو تتحرونيييه أعررررف .. كل الناااس .. يا بوووويه أنااا ..
ثم سكت فجأة و قد أصابته نوبة فواق ..
- هئ .. الله يغربلك .. تصدق ويهك هب هئ .. غريب .. هئ .. وين هئ .. وين هئ .. هئ .. انته سليمان ولد خالووه .. هئ ..
ثم صفق ذراع غيث المفتولة و قد تصلبت عضلاتها ..
- ياااا ريااااااااااااال وينك .. من زمان هئ .. هئ .. اقرب .. هئ ..
أبعده غيث قليلا فقط .. قبل أن يكور قبضته ليهوي بها على أنف سالم الثمل .. ليطلق ذاك صرخة مذعورة ..
تفجرت الدماء من وجهه و هو يتلوى ألما على الأرض .. ليتقدم غيث من سيارته و يلتقط فنينة مياه كبيرة باردة .. ثم يجذب سالم مجددا من ياقة ثوبه .. و يرفعه عن الأرض .. كان الهواء متجمدا حولهم .. و سالم يرتعش بقوة .. ألما و بردا .. فيما يهذي بصراخ مرتفع بوجع شديد .. و يده على أنفه النازف ..
صب غيث القنينة كلّها على رأس سالم .. فيشهق الأخير بقوة .. مقاوما الاختناق ..
- انته صاااااااااحي ..
و أطلق بعدها سبابا وقحا متصلا .. ليرميه غيث أرضا ..
وقف فوقه بهدوء ..
ينتظر .. ينتظر ..
فيما يتخبط سالم في هذيانه .. محولا التشبث بوعيه .. امام هذا الهجوم الغريب ..
ما يقارب الساعة قد مر قبل أن يعود غيث ليرفعه عن الأرض بقسوة .. ثم يقرب وجه سالم منه ليسأله مجددا ..
- ما عرفتنيه ..؟؟؟
نظرة سالم الضائعة و عينيه الزائغتين لم تسعفاه .. و هو يتمتم من بين الدماء التي غطت وجهه ..
- ما .. مااا ..
و لكمة ثانية سريعة تهوي على فمه الآن .. قوية للغاية .. خلخلت أسنانه فكادت توقعها .. فيما يصرخ سالم بصوت متألم محاولا التفلت بقوة من قبضة غيث المحكمة ..
- يااااااا كللللللللللللب .. شووووووه تباااااااابيه .. منووووه انته ..
أدناه غيث ليقول في أذنه بصوت قوي ..
- أنا غيث .. ولد حمد بن سيف ياركم .. تحيده ..؟
ثم انحنى همس بوحشية و عينيه تلمعان بشراسة ..
- و البنت لي اغتصبتها ختيه ..
قالها و أيعد سالم عنه بهدوء .. ليتبين الذعر الفضيع الذي شحب إثره وجهه .. فبدا أشبه بأوجه الموتى .. أدرك أن سالم الآن يفهم جيدا من هو .. و يعلم سبب ما سيحدث الآن ..
و كأنما انقطع بعدها حبل التعقل ..
راحت قبضات غيث تهشّم وجه سالم بقوة تباعا ..
تهوي على أنفه .. و على عينه .. تسقط أسنانه القذرة ..
فيما الذهول و ما بعد الثمالة يعيق سالم الذي راح يدافع عن نفسه بوهن ..
لم يكن يجدي منه سوى لسانه المتسخ الذي راح يمعن غرس ذاك النصل في كرامة غيث ..
- أختتتتتك هااااااااايييك .. ماخبرررتك .. شوووه سويت بها .. أووووووه ..
و ها هي لكمة أخرى تهوي على فمه .. ليبصق الدم من حلقه .. و هو يقول بعينين حمراوين بائستين ..
- آآآه عليها .. و على جسسسسسمها .. عدها رطببببة ..
كان الألم يتصاعد الآن في جوف غيث الذي راح يكيل الركلات أيضا .. فيما بدا أن سالم يستمد قوته من كلماته .. اذ بدأ في تجنب بعض ضربات غيث .. و محاولة الرد عليها ..
- لحاااااالي أنااا و هي .. يوم كااااااااااانت فحظنيييييه .......
لكنه لم يكمل عبارته تلك لأن اللكمة الأخيرة التي أسقطها غيث على فمه أطارت ما تبقى من أسنانه الأماميه .. ليسقط سالم مولولا .. يسب و يلعب و الدماء تتدفق من فمه بلغة غير مفهومة ..
يتقدم غيث بعزم إلى سيارته ..
و يتجاهل ذاك الأسى العميق الذي يجتاحه .. و ذاك الوجع الذي اعتصر روحه ..
وجه عفرا الباكي يلوح أمام عينيه الآن ..
ليمد يده نحو الدرج الصغير في سيارته الفارهة ..
يتلمس بأنامله الجسم الحديدي الصلب .. و يلتقطه بسرعة ..
يستدير نحو سالم مجددا .. صراخه المتوجع و سبابه القذر يختلط بنشيج عفرا الذي راح يدوي في داخل غيث بقوة ..
ليقف فوق سالم تماما ..
يجذب مشط مسدسه محدثا تكّة مسموعة .. قبل أن يوجه ماسورته نحو سالم الذي لم يكن يفصل بينه و بين غيث سوى انشات ..
ليرقب الفزع المميت ينتشر في وجه سالم بسرعة رهيبه فيخرسه ..
الوجه النحيل راح يرتعش فزعا و هو يستوعب كنه الحديد الصلب اللامع تحت أشعة القمر الشاحبه ..
و الجسد المرتجف الملقي أرضا عند ساقي غيث الطويلتان ينتفض بخوف مخزي ..
ليصرخ بفزع ..
- لا لا لا لا لا لا لا... لاااااااااااااااا .. لحظااااااااه .. آسف .. و الله آآآآآآآآآآآسف .. غصبن عنييييييييه .. دخيييييييييييلك .. دخييييلك لا تقتلنييييييه ..
ثم نشج باكيا .. و هو ينحني ليقبل قدم غيث ..
- أحب ريوووووولك .. بسترر عليهااااااااااااا .. و الله بستر عليهااااااااااا ..محد بيدري باللي استواااا .. بسوي لي تبااااااه .. كل لي تباااااااه .. لا تذبحنييييييه ..
لكن صرخاته لم تجد الصدى لدى غيث ..
كل الذي كان يفكر فيه هو كم توسلت عفرا قبل أن ينتهكها هذه الحثالة .. كيف كانت لحظاتها المميتة تلك ..
حين صرخت .. و توسلت .. و استنجدت ..
حين راحت تخدش بأظافرها .. و تعظ بأسنانها .. فيما هي تُضرب بقسوة .. لتُجرَّد من أحلامها .. و أنوثتها ..
تحت وطأة فعل هذا الحقير ..
لذلك كان صوته واثقا .. صارما .. يرتفع فوق نشيج سالم المذعور ..و توسلاته ..
- انته سكران .. و حتى لو ما كنت سكران .. انته جبان .. و بتخاف تخبر الشرطة منوه لي ظربك .. عسب لا يكون الحكم لك إعدام و انته تعرف هالشي ..
ثم مالت نبرته لسخرية شرسة ..
- لكن لو قررت تضحي بحياتك .. و تخبّر عنيه مع انه محد بيصدقك و انته فاقد.. إعرف انيه بييب غير الشاهد عشرة انك كذّاب و انيه كنت فمكان ثاني .. مليون واحد مستعد يكون مكاني و يعترف انه هو لي كان هنيه الليلة .. هالفرد هب مسجل .. فلا تضيع وقتك ..
بدأ اللون يرجع لوجه سالم الذي أدرك أن غيث بهذا التهديد سيتركه حيّا ..!
لكن حيّا كيف و المسدس الأسود لا يزال مصوّبا نحو رأسه .. لا يفصله عن رأسه سوى بوصة واحدة ..
فيما تشد اصابعه على الزناد ..
تدفعه .. آلامها .. أوجاعها .. و كل ما عانت ..
هذا الرجل هدم أمنياتها .. و مزّق براءتها ..
فليعش بقيّة أيامه البائسة بأحلامٍ كسيحة إذا ..
.
.
لذلك تنحرف ماسورة المسدس و هو يدنيها من ركبته ..
ليطلق الرصاصة عن بعد سنتيمترات .. متجاهلا صيحة سالم ..
- لاااااااااااااااااااااااااااااااااا ..
لتتحول فجأة لصرخة ألم هائلة .. فيما يجذب غيث مشط المسدس مرة ثانية .. و يطلق الرصاصة التالية على ركبته الأخرى ..
فقط ..
و صوت الرصاصة يضيع في الفراغ .. و صرخات سالم تخفت إذ بدا على وشك فقد الوعي من شدّة الألم ..
يدير ظهره ببرود .. حاملا مسدسه .. بلذة الانتقام ..
و همٌّ تقلّص نوعا ما ..
سيجد طريقة لانهاءه .. و لمعالجته بروية ..
الآن يستقل سيارته بسرعة ... و ينطلق بها تاركا المكان .. و خلفه ذاك البائس الذي قد ينزف حتى الموت قبل أن يدركه أحد ..
لكن ذلك لا يهمه أبـــدا ..
كل ما يهمه هو تلك النشوة التي انبسطت في جوفه الآن ..

* * * * *

(( إليك ..
لكِ إنتِ فقط دونهم .. لمَ كانت أنتِ من أكتب لها .. هذا ما لا أعلمه .. لربما كان سبب جهلي هو أني لا أعرفك .. ستُكتب الكلمات هنا لوحدها .. سأسكب سيلا من روحي يغرق الورق .. يبلله ..
و لتختار وحدها أيضا لمن ستكون ..
أ حبرا كان ما أكتب به .. أم دمعا ..
لا يهم ..
ما يحيرني هو لمَا .. لما كانت أنتِ من أكتب لها .. و ليسَ .. أنتَ ..؟؟
لما إخترتها أنثى تلك التي سأسوق لها أحرفي يوما .. حين ينضج الهذيان .. و يغدو بيده القرار ..
مستعدا لاختيار الانامل التي ستقلب الأوراق .. و العين التي ستلتهم الكلمات .. و القلب الذي سيتذوق حزني و الفرحة ..
ماذا عساي أن أقول في أولى رسائلي إليك ..
لو كان لي .. لأخترت أن تصلكِ الوريقات بعد إحراقها .. فتلامس أصابعكِ الرماد ..
عجبي ..!
ما بال تلك الكَسرة تحطم كل تاءٍ لتأنثها رغما عنها ..
ما أعرفه أن بي لهفة لتكون الأذن المصغية لي إنثى ..
أريد إمرأة تفهم طبيعة جنسها ..
تعذر غيرتي .. و شكّي .. كل مشاعري المتملكة .. و جنوني ..
تتفهم غروري .. و تبجحي ..
و تدرك لما اللهفة تسكن عيني لرجل لم يكن لي ..
.
.
أريدكِ أنتِ .. أن تصغي لي ..
فيما تتخبط كلماتي هنا .. كحكايات طفلة .. تتبعثر أحرفها على الأسطر ..
أحلامها المتقطعة .. و أفكارها التي تأتي من العدم .. لتأوي أيضا إلى العدم ..
أريدكِ أن تكوني أمي ..
أن تحتضني وريقاتي بين يديكِ فتضميها إلى صدركِ .. لتقبلي جبينها بعد حكاية النوم ..
و تهمسي بصوتكِ لها .. أحلاما سعيدة يا ورق ..
.
.
أم لكِ ان تكوني لي صديقة ..؟
لا .. لا تكوني صديقة .. لم أعرف الصديقة يوما ..
يكفيني أني أجهلكِ الآن ..
فإن سميّتكِ صديقة .. أضحيتِ ضمير غائب ..
مجرد لقب يترنم به الآخرين ..
له وقع في أذني .. و تطرب له روحي ..
صديقة ..
طيف روحٍ لم ألتقه ..
و لن أفعل ..
أعلم ذلك جيدا .. لأنني بلا أصدقاء ..!
لا أعرف أصدقاءً أبدا ..
لم يكن لي أحدهم ..
هناك من العثة ما كانت تعشش على محفظة نقودي .. أسايرهم في مراحل حياتي المتعددة ..
لكنهم ليسو أكثر من عثّة ..
أحدثت ثقبا في حياتي ..
شيء لم أجد ما يسده حتى الآن ..!
أعتذر يا أنتِ ..
لستِ أنتِ بصديقة ..
.
.
ماذا عن أخت ..
سحقا ..
تلك أيضا لم أعرفها ..
لكنني رأيتها ..
رأيت أشكالا و ألوانا منها تخص الآخرين ..
و آخر واحدة إلتقيتها ..
لم تكن إلا واحدة رغم عدّتهن ..
كن كثيرات في واحدة ..
هي أخت .. و أخت .. و أخت .. و أخت ..
و لكنهن واحدة ..!
هل سئمتِ ..لم أبدأ بعد ..
ما رأيكِ بأن ننسى مسألة الأخت أيضا ..
فآخر مرة رأيت فيها أولئك الأخوات ..
خالجتني رغبة غبية بأن أجهش بالبكاء .. و أصرخ للجميع بأن لا أخت لدي ..!
لذلك انسي الأمر ..
لا أريد أختا ..
.
.
أتكونين معلمتي ..
مرشدة ..؟
تمسكين بالكف لتدليني إلى ذاك الطريق ..؟
لا .. لا أعتقد ..
فمعلمة عليها أن تضغط على كتفي .. لتوجهني إلى الصواب ..
تكلمني بنبرة عميقة لتولج شيئا من الحقيقة في دماغي الفارغ ..
لكنكِ صامتة ..
لا ترشدين .. و لا تردين ..
تصغين أنتِ فقط ..
لا .. لن تكوني معلمة ..
فالمعلمة أكثر من أذنٍ صامتة ..!
.
.
من أنتِ إذا ..
أ أعرفكِ حقا ..؟
لم أكتب لكِ يا أنتِ ..؟
قد تكونين أي أحد .. أي أحد ..
لست أنا من سأصل إليكِ
هي الأوراق ستتركني بعد الختام لتقع بين راحتيك ..
أتظنين أنني سأعرفكِ يوما ..؟
لن أكترث بردٍ لهذا السؤال ..
كل ما أراه الآن و يهمني .. هو كتابتي لكِ
لن تعلمي أنه قد يتفاجئ الكثيرون إن قرأوا هذه الرسالة ..
لا .. ليس ما تحويه هو ما قد يذهلهم .. انما طريقتي في صف أحرفي ..
كثيرون هم من لا يعلمون أنني أكثر من وجه جميل ..
بل أهم أكثر بكثير من الجميع ..
لكنني لم أقض سنوات دراستي كلّها في التبجح بما أرتدي ..
استهلكت ما يكفي منها لأحصل على شهادة و لو كان لدعم أبي نصيب ..
.
.
تتساءلين لما الليلة ..!
لم أقرر أن أبوح لكِ ..
لن أرثي نفسي إن كان هذا ما تتوقعين ..
و لكن لسبب ما .. وجدتني أغرق في فقاعة تحجبني عمن حولي هذا اليوم ..
شيء من السكون راح يطبق علي و أنا ألتقي بإمرأة رجلي ..
ذاك الذي اخترته ..
و اخترت أن أحبه ..
أو تعتقدين بأننا قد نملك القرار في من نحب .. و من نكره ..؟
كنت أظن هذا لوقت طويل ..
اذ وقع اختياري على الرجل الذي أحب .. و مارست حبّه بيني و بيني ..
و استعددت لكره تلك الجاهلة التي سلبته مني ..
لأجدني فجأة مسلوبة .. عاجزة حتى عن الحقد عليها ..
لا .. لن أدعي بأنني أصبحت أحبها .. و أنني سأتركه لها ..
بل سأواصل القتال حتى أحصل عليه .. ثقي بذلك ..
لكن تلك المرأة ..!
أحتار فيما قد أكتب بشأنها ..
وددت لو أني لم أرها .. بدت كطيف باهت .. و عجزت عن ايجاد سبب واحد يدفعه لتجاهلي و حبّها ..!
بدت .. بدت إنسانة ..
إنسانة بقوة ..
في بساطتها تلك .. و في هدوئها ..
فتنتني أختها الصماء أكثر منها .. و كدت لا أشعر بوجودها حتى ..
لن تعلمي كيف كانت تجلس بظهرٍ منحني يدل على الإرتباك و تمشي بخطى متعثرة اثر التوتر ..
كانت مجرد فتاة .. ليس أكثر ..
بحثت جاهدة عن ميزة ليحبها هو و أكرهها لأجلها ..
لكنني بشكل ما .. وجدت أن قبح مشاعري نحو تلك المجهولة التي تزوجته قد أفلت من عقاله حين رأيت وجهها الصافي .. و عيناها الهادئتين ..
تساءلت للحظة ..
أ و لم تشعر هي بالغيرة مني ..؟
تمنيت أن تفعل .. أن تشعر بأنني خطر عليها ..
لتستعد ..
لأنني لن أتركه و لو لدقيقة ..
ذاك رجلي يا أنتِ .. لن أعتق حبّه أبدا ..
.
.
سأتوقف هنا ..
لم يعد لدي ما قد أقوله ..
هي الأولى هذه الرسالة ..
و لن تكون الأخيرة ..
دوما سأسرد لكِ خلجات روحي ..
كل ما سيحيرني .. ما يخيفني .. و ما يثيرني ..
كل ما سأشعر به ..
سأضعه بين يدي الكلمات لتحمله لكِ ..
ليس لشيء .. صدقيني ..
ليس الا لأنكِ أنتِ وحدكِ من ستصغين ..
بلا كلمات ..
.
.
أو تعلمين ..
يإعتقادي أنه حتى ( قلم حر ) سيصفق طويلا أمام هذا الهذيان المتقن ..
و كأنني أنمق الحرف هنا .. و ليست الكلمات من تتبعثر من بين الشفتين بلا إرادة .. ))
.
.
.
.
نظرة واحدة تلقيها على تلك الورقة ..
قبل أن تصفق الدفتر و تضعه بعناية على الطاولة ..
ثم تتمدد على الفراش الوثير ببطء
خلعت شيئا من الحيرة ..
و هذا يكفي ..!
ستعود إلى هناك .. ذاك البيت كان دوما مزارا و بيتا ثانيا لها و لن يتغير الأمر بقدومهم ..
و هناك ستعيد حساباتها ..
ستدنو من هؤلاء الغرباء الجدد .. لتتعرفهم عن قرب ..
و لتفهم تلك المشاعر الغريبة ..
بعدها ستعيد ترتيب خططها من جديد ..
عليها أن تنتقل لمرحلة أخرى الآن ..
الهجـــوم ،،


* * * * *
- نايف .. نايف .. نش حبيبي .. صلاة الفير .. نش عسب تلحق عليها ..
ذاك الهمس راح يخترق أذنه برقة .. و يدها اللطيفة تهز كتفه بإصرار ..
و لثانية واحدة فقط ظن أنه سيستيقظ في حجرته الضيقة .. على فراشه الصلب ..
لكن نعومة الدثار التي تلف جسده أكدت بان ما حدث بالأمس لم يكن حلما وليد خياله .. بل حقيقة ..
فتح عيناه ببطء .. ليستوعب ذاك الوجه المألوف .. ثم يستوي جالسا ببطء و هو يفرك عينيه بقوة ..
- حور ..؟؟
حثته حور بسرعة ..
- يا الله فديتك صلاة .. نش و توضى عسب تصلي ويا الجماعة ..
نظر لها بعدم فهم ..
- أي جماعة .. ماشي مسيد ..
- بلى فيه .. شفته أمس في أول الشارع .. يا الله حبيبي .. بتسير ويا .. آحم .. يدي ..
عقد نايف جبينه .. و عيناه المثقلتان بالنعاس .. لا تستوعب هذه التغييرات في روتين فجره ..!
- يمكن هو يصلي في البيت ..؟؟
- لا .. امايا نورة من شوي لقيتاا .. و قالت انه يصلي هو و غيث في المسيد لي في أول الشارع .. يا الله .. صحصح .. و نش توضا .. بسرعة عدنيه بوعي خواتك ..
و توجهت نحو الباب حين رأته يزيح الغطاء عنه و ينزل عن السرير ..
- و يوم أتوضا شسوي ..؟؟
- سير وياه ..
أصر نايف بشيء من الخجل ..
- وين بحصله ..؟؟!
اتسعت عينا حور و هي تنظر اليه ..
- في الكبت ..! وين بتحصله بعد .. في حجرته ..
تذمر نايف أمام باب الحمام ..
- حور أستحي منه ..
- شوه تستحي .. هاي صلاة حبيبي ..ارقبه في الصالة زين .. و يوم بيظهر اظهر وياه ..صعبة ..؟؟
نظر للأسفل و هو يدس إبهام قدمه في السجادة ذات الشعر الوثير ..
- لااا .. بس .. حور .. يعني يوم أشوفه .. شوه أسوي .. اسلم عليه شرات ابوية ..؟؟
عقدت حاجبيها مستنكرة ..
- نايف ..! شوه هالسؤال الغبي ..؟؟ هيه سلم عليه ..
ارتخت كتفا نايف و هو يقول بنبرة ضعيفة ..
- أنا أخاف منه مرات .. يعني ما يرمسنيه وايد .. ما اعرف كيف ارمسه ..
- ترمسه فشوه حبيبي ..؟؟
- مادري بس هو دايما صاخ .. ليش ما يرمسنيه ..
فكرت حور بجوابٍ مناسب .. فلم تجد سوى ...
- يمكن ما تعود علينا .. اصبر عليه .. بيتعود ..
- انا من زمان اعرفه .. ليش ما تعود عليّه ..
- اصبر حبيبي .. اصبر ..
ثم ابتسمت بحنان ..
- و شوه هالهذرة ع الصبح .. بعدين اسئل ع كيفك .. الحين تلاحق ع الصلاة .. بسرعة ..
تمطى نايف بشيء من الكسل و هو غمض عينيه المنتفختين بقوة ..
- كانه أول يوم في المدرسة ..! صح ..؟
ابتسمت حور و هي تنظر له بقلق .. قبل أن تترك الغرفة و تغلق الباب خلفها ..
فيما دلف نايف على عجل للحمام الذي راح بلاطه الزلق و حوض استحمامه الكبير .. و مغسلته الواسعة ..
يلمعون تحت ضوء مصباح أصفر تُرك مضاءً له .. قبل أن يضيء الإنارة القوية التي سرعان ما داهمت عينيه الناعستين فأغمضها بشدّة ..
هذا ليس حلما ..
انهم هنا ..
في البيت الكبير ..!!
.
.
.
.
قطراتٌ من الماء الصافي تتعلق بلحيته البيضاء و هو يمسح وجهه الأسمر بكفيه الكبيرتين ..
قبل أن يلتقط - غترته - من على المشجب و يرتديها .. لسانه يتمتم بالدعاء .. متجاهلا الجسد النحيل الذي دخل للتو ببطء من الباب الفاصل بين حجرة نومهم و الغرفة الملحقة بها ..
- أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .. اللهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين ..
يراها بطرف عينيه تدفع خطاها الثقيله بتعب لتصل إلى أقصى الحجرة .. حيث فرشت سجادتها على الأرض مسبقا .. و وضعت لها مخدة ثقيلة تمكنها من السجود عليها لما تعانيه من ألم في ظهرها ..
يضع الغترة على رأسه .. و هو يستعد للخروج ..
لكن قبل ذلك يلقي نظرة واحدة لوجهها السمح الذي راح يستعد للصلاة ..
بتجاعيده الحبيبة .. تلك الخطوط التي تحكي كم مر عليهما من دهر ..
لن تعلم شريكة الروح هذه كم يعني له ذاك البريق الذي سكن عينيها من جديد .. و تلك البهجة الخالصة على محياها ..
يكاد يجزم بأنها كانت للتو عند زوجة ابنها الراحل ..
فبالأمس بكت حتى جفّت عيناها ..أطلقت العنان لعبراتها التي راحت تغرق كل شيء ..
حتى الروح منه ابتلّت ..!
الفرحة التي كانت تنشج بها .. لم يرها منذ ما يقارب الثلاثين سنة ..
ذاك أمد طويل لم تكن فيه ابتسامتها سوى غبارا خادعا .. أتعسته هو الآخر ..
رغم انها لا تعرف ذلك .. و لن تعرف ذلك .. الا أن حزنها الذي راحت تداريه بين الأضلع ..
نخر قلبه قبلها ..!
و هذا الفجر لم يكن سوى إشراقة لفرحة قديمة .. أوجعته عودتها بقدر ما أراحته ..
ترك الغرفة سعيا للحاق بالصلاة ..
فيما تبادره فكرة واحدة ..
مر وقت طويل لم يذهب حفيده الأكبر معه الى الصلاة ..
لم يقطعا ذاك الشارع مشيا كما يفضلان .. ليصليا في المسجد الذي يقع في أول الشارع ..
يتشاركان الأحاديث .. و المناقشات ..
و أحيانا الصمت ..
مذ انتقل للعيش مع عائلة عمّه ..
و الآن اضطر إلى البقاء في بيت أبيه ..
حسنا .. لن يطول به الأمر ..
سيحرص على عودته فور انتهاء الأعمال في بيته ..
ذاك الفتى هو أكثر من ابن له .. قد غَرس شيئا من روحه فيه ..
جزء من القلب معلق به .. فيما اقتسم البقية جزءا آخر ..!
كان قد وصل إلى الردهة حين تفاجئ بذاك الجسد الصغير الذي يقف في أقصاها عند الباب بتردد ..
ضيّق عينيه الحادتين على ذاك الطفل .. متجاهلا الوخز الذي راح يخز فؤاده ..
لتتصاعد نبضات قلبه ..
تتصاعد .. تتصاعد ..
كيف لنظرة طفلٍ حذره أن تعيده سنواتٍ للوراء ..
تغمره رائحة الماضي العتيقة .. و ألوانه الباهتة ..
و مرارته ..
يلتهب شيء ما في صدره الآن ..
و هو يبعد عن ذهنه صورة طفلٍ كان يعرفه ..
يشبه هذا الجسد الصغير كثيرا .. بنفس تلك الخطى المترددة ..
و نفس النظرة الحذرة .. الشكاكة ..
طفل إعتاد على تأديبه .. و تعليمه ..
أنشئه بيديه هاتين .. و لكن لسبب لم يعرفه .. أُفسدت تلك النشأة ..!!
كيف .. و متى .. و لماذا ..
هذا ما لم يجد له إجابة حتى الآن ..
أكان الذنب ذنبه يوما ..؟؟
أهو السبب في فقدانه لابنه قبل كل شيء ..
ذاك السؤال سيظل عمرا بلا إجابة ..
حتى يوم يبعثون ..
عندها فقط ..
سيجد نفسه أمام خالقه .. وجها لوجه مع إبنه..
محاسبا على كل ذلك .. كل ذلك ..
عيناه الآن تحتدان على وجه الصبي الذي راح يدنو منه بقلق ..
لا يمكنه أن يخطئ هذه التفاصيل .. معالم وجه هذه الطفل حفرت دهرا في فؤاده .. حتى و إن شاخ صاحبها ..
و إن ولّى ظهره للدنيا تاركا إياها .. لا يبتغي سوى رحمة من ربه ..
تلك الملامح هي نفسها التي فاجأته بعد رحيله .. ليجد أنها استحالت وجها متعبا .. أرهقته السنون ..
الآن يتشقق قلبه بقوة ..
كعادته كلما جال ذاك الخاطر المفزع في خلده ..
أ و أسدل ابنه الأجفان مثقله بهجرانه .. غافيا قبل إن يغفر له ..؟!
.
.
يخنق خفقتين خائنتين راحت تتفلتان بقسوة من سيطرته ..
لتضج ألما و وجعا ..
تكاد تنوح بيأس .. إثر ذاك الشعور الذي يبّس قلبه ..
شيء يحرقه .. يحرقه ..
حتى و ذاك الوجه الصغير يتطلع إليه .. ينشد طلبا واضحا ..
ليجد نفسه ينحني عليه ..
سامحا للأنف الصغير أن يلامس أنفه .. و أن تداعب القبلة لحيته المبتلة .. ليقوم بحركة بعدها .. لا يفعلها الا حفيده الأكبر ..
يدنو من الكتف المنحني فيطبع قبلة أخيرة عليه .. قبل أن يتراجع بهدوء .. و صوته الطفولي .. يرتفع بخشونة مفتعلة دفعت بسمة خفيّة لمناوشة شفتيه الجامدتين ..
- صبحك الله بالخير يا بوية ..
ليرد بصوتٍ أمعن في إخلاءه من كل خواطره تلك .. فبدا قاحلا .. كحال روحه الآن ..
- صبحك الله بالنور ..
- شحالك ..
- بخير .. الحمد الله ..
تردد خجل .. بدا على وجهه الصغير ..
- آآ .. بتسير تصلي الفير ..
- هيه نعم ..
- بخاويك .. لازم أصلي جماعة ..
دفء إحتضن قلبه و هو يمعن النظر لذلك الشاب الصغير .. أراد أن يمد يده ليربت على رأسه باستحسان .. أو أن يومئ له ..
أو ..
أو أن يعتصره بين ذراعيه حتى تبلل دموعه وجهه .. ليغسل بها سنوات من الذنب الذي يثقل كاهله الآن ..!
لكنه صرف النظر عن كل ذلك ..
إكتفى بأن يومئ برأسه ..قائلا بحزم ..
- توكلنا على الله ..
ليسير بسرعة نحو الباب .. ينشد اللحاق بعماد دينه ..
فيما تهرع القامة الصغيرة بجانبه ..
خطوات تسعى على طريق من الفرج إن شاء خالقها ..
تتعاقب ..
تتلاقى معا ..
لتتشارك الخير ..
على ذات المسلك الذي تحذوه ..
ترى ..! أ يكون لتلك القدمين الصغيرتين أن تتبع أثر تلك الكبيرة يوما ..؟!

* * * * *
سحبت نفسا عميقا أثقل رئتيها ببرودته .. فيما عيناها تتجاوزان النافذة العملاقة التي فُتحت .. و أزيحت ستائرها ..
النافذة التي كانت تطل على المساحة الخالية وراء البيت ..
أسندت كوعيها على النافذة و هي تحتضن وجهها بين كفيها ..
صوت عفرا الرخيم يأتيها من الخلف بتلاوة متقنة .. و حركة المها في الغرفة و هي ترتّب ملابس حور بدلا عنها ..
و كأنما تبحث عما قد يشغلها ..
تساءلت بفضول عن مكان نورة و دانة اللتان خرجتا من الغرفة منذ أن صليّن الفجر معا ..
و تمنت لو أن لها مثل إنطلاقهن ..
أنهت عفرا السورة و أغلقت القرآن الكريم بهدوء ..
التفتت للوراء .. لتجد المها تستلقي على السرير بصمتٍ الآن .. و عفرا تهب من مكانها و هي تتسائل و المصحف الشريف بيدها ..
- تبينيه أحطه في الكوميدينو ..؟
أومأت حور برأسها .. و هي تتحرك نحو السرير .. قبل أن يفتح الباب على اتساعه .. لتدلف دانة بقوة .. و نورة ورائها ..
نظرت حور بدهشة لثياب نومهن التي لم يقمن بتبديلها .. فيما يلفن حول أجسادهن أغطية صلاة بيضاء طويلة ..
أقبلت دانة بابتسامة عريضة و الحماس يلمع على وجهها .. و حور تضيق عينيها متسائلة ..
- وين كنتن ..؟؟
ألقت نورة بجسدها على الأريكة المائلة في زاوية الغرفة .. و هي تجيب ببساطة مازجت فرحا غريبا في صوتها ..
- سرنا نستكشف البيت ..
- تستكشفن ..؟؟
صفقت دانة بمرح و هي تتحرك في المكان بسرعة ..
- أوووووووووه .. حووووووووور .. البيت عوووود .. وايد .. وايد .. وايد عووووود ..! لقينا مطبخ تحضيري صغير هنيه فوق .. عند الصالة لي ورا حجرتج عفاري .. شرات المسلسلات .. فنان و الله من الخاطر .. باقي فوق خمس حجر محد ساكن فيها بس مبنده ..
و أردفت نورة و هي تربت على أريكة حور ..
- أحلى حجرة حجرتج حور ..
نظرت لهن حور باهتمام ..
- وين سرتن بعد ..؟
- نزلنا تحت .. و كنا بنخطف ع المطبخ بس خاري البيت .. و العمال في بيتج حور ..
ضحكت دانة بمرح ..
- شعليج حور .. بيت اروحج .. شوه تبين أكثر ..
لوحت حور بتوتر و خوف واضح ..
- انطبي .. ما شفتن حد ..؟
- حد مثل منوه ..؟؟ غيث مثلا ..؟؟
و راحت تضحك بقوة على تعبير وجه حور التي رفعت عيناها للسقف ..
- اللهم طولج يا روح .. داااااانة .. هب متفيقة لسخافتج .. ما شفتن حد .. اميه .. و الا يدوه و الا ...
قاطعتها نورة بحماس ..
- انزين ترانا بنخبرج .. لقيناا يدي ..
اتسعت عينا حور و هي تنتظر منها أن تتابع .. لتسأل عفرا بهدوء ..
- وين شفتوه ..؟
- ظاهر من القسم لي قالت رويض أمس انه قسمهم هو و يدوه ..
- انزين ..؟؟
هزت دانة كتفيها ..
- اندسينا ورا الدري .. بعد شوه ..؟؟ نظهر له بالبيجامات .. فشلة و الله ..!
ثم تابعت بحماس ..
- بس شل نايف وياه .. مادري وين بيسير ..!! تعالن ما خبرتكن.. الصراحة شي غريب عجيب ما تتوقعنه .. يوم كنا نحوم تحت .. لقينا ورا الدري دريشة داخلية و يوم وايقنا لقيناها مبطلة .. نورة خوّزت الستاير .. و قولن شوه شفنا ..؟؟؟
اتسعت عينا حور بحذر تتبادل نظرة متشككة مع عفرا قبل أن تسأل الأخيرة ..
- شوه شفتن ..؟؟
- أووووووووففف ... شفنا شي عجيب .. شي .. شي .. الصراحة ..
- شي شوه ..؟؟
- شي ما تتخيلينه ..
- حلفي انتي بس ..! بترمسين و الا شوه ..
ضحكت دانة بخبث .. و هي تنظر لنورة قبل ان تقول الأخيرة بشيء من المكر ...
- الصراحة .. ما قد شفت شرات هالشي حتى في الأفلام .. الا حتى في الأحلام ..
صرت حور على أسنانها بغيظ ..
- بترمسن و الا شوه ..
تمطت نورة بكسل و هي تقول ..
- خلن دانة تقول ..
لكن دانة هزت رأسها بوقار مصطنع ..
- لااا حشى .. ماليه رمسة من عقبج .. انتي الكبيرة ..
لوحت نورة بغرور ..
- ما عليه مرخصتنج انا .. ارحميهن .. شوفي عيون حور كيف بتطلع من الفضول ..
ضحكت دانة أمام نظرة حور الغاضية و تلويحة السأم التي قامت بها عفرا قبل أن تجلس إلى جانب المها .. و قالت بتنهيدة ..
- خلاص بقول .. بس هب الحين .. الحين نودانة شوي .. بسير أرقد في حجرتيه اليديدة .. خلاف يوم بنش بخبركن ..
أغمضت حور عيناها بصبر و هي تقول بقهر ..
- أقسم بالله لو ما ترمس و تقولن شوه شفتن لاا أأ ...
قاطعتها ضحكة نورة و دانة .. حتى عفرا ضحكت بخفة .. و المها ابتسمت لرؤية ضحكاتهن دون أن تدري ما السبب .. فيما تنظر لهن حور بغل .. و نورة تقول ..
- خييييييبه حور .. ما حيدج فضوليه هالكثر .. الفضول قتل العيوز ..
- جب .. بترمسن و الا شوه ..
- أقولج شفناا شي ..
- نوووووراااااااااااااااااااه .. شوه هالشي ..
- بسم الله .. بقول .. بقول .. ريلاكس .. شفنا مكتب عووووود .. مكتب .. مكتب .. يعني في كبات فيها كتب وايد .. فيه كمبيوتر حور .. شاشته ضعيفة .. شوه يسمونها هاي .. لي شرا هالتلفزيون لي في الصالة ..
أجابتها عفرا بسرعة ..
- بلازما ..
صفقت نورة بحماس ..
- هيه .. يباليه أحفظ اسمها عسب أخبر ربيعاتيه انه عدنا في البيت تلفزيون بالزم ..
صححت لها عفرا مجددا ..
- بلازما ..
- بلازما .. بلازما .. بلازما .. بلازما .. هيه ... حفظتها .. شوه بعد كان اهناك ..؟؟
قالت دانة بسرعة ..
- مكتب أسود عود .. و كرسي جلد .. أوف تقولين مال مافيا .. و شي كنب اهناك .. الصراحة حلو .. يبالج بس سيجار كوبي ع قولتهم .. و تشقحين بريولج ع الطاولة .. و تغدين الأب الروحي للمافيااا .. فنان حور ..
هزت حور رأسها بشيء من اليأس و نورة تعود للقول ..
- الميالس الداخلية وايد عودة .. خيبة ..!! كم دافعين في البيت .. لو يسوونه ملجأ لعبيد الله في كل بلاد .. بيظمهم .. وايد عود هالبيت ..
ضحكت دانة مازحة ..
- هيه حتى ضعنا مرتين .. نبا المطبخ لقينا عمارنا في حمام ..!!
ابتسمت حور قليلا رغما عنها ..
- تبالغين ..!!
تمطت دانة بكسل .. و هي تغمز لأختها الكبرى ..
- شوي .. بس حلوة كانت الجولة .. الحين أدل المكان .. لي منكن تبا توصيلة في الأرجاء تخبرنيه بس ..
و عندما وصلت للباب توقفت لتستدير إليهن ..
عفرا تستلقي بجانب المها على السرير الفسيح و قد بدا أن الأخيرة قد نامت دون أن تشعر .. حور تعود للنافذة .. فيما ترفع نورة قدميها على مسند الأريكة بتعب .. قالت بصوتٍ واضح .. و قد بدا جليا أن كل واحدة منهن غارقة في أفكارها و مشاعرها الخاصة ..
- تصدقن انيه تولهت ع بيتنا ..!!
قوبلت كلماتها بصمتٍ مطبق .. لتبتسم ابتسامة غريبة ..
امتزج فيها الحنين .. و الذكرى الطيبة .. بحماستها الطازجة .. و فرحتها بالمكان الجديد ..
ثم تخرج بهدوء من الغرفة دون كلمة أخرى ..
تمشي في الممر الفخم متجهة لغرفتها الجديدة .. و هي تترنم بأغنية لفيروز ..
واحدة تعرفها جيّدا ..
.
.
- نسم علينا الهوى من مفرق الوادي

يا هوى دخل الهوى خدني على بلادي

ياهوى ياهوى ياللي طاير بالهوى

في منتوره طاقه وصوره

خدني لعندن يا هوى

فزعانه يا قلبي

اكبر بهالغربه

ماتعرفني بلادي

خدني على بلادي ،،

* * * * *

رفعت عيناها لأختها فور دخولها للغرفة ..
- سار ولد أخوج ..؟؟
توجهت تلك مباشرة للنوافذ تفتحها ..
- عمر ..؟؟ هيه ..
لا مبالاتها الزائفة تخنقها .. و قناع البرود الذي ترتديه يشعرها أكثر و أكثر بفداحة الذنب الذي اقترفته بحق أختها .. لذلك كان صوتها ضعيفا و هي تحاول استدراج خولة في حديث ما ..
- ما شا الله .. وايد غدينا نشوفه هالايام ..
- همممم ..
قالتها و هي تمرر يدها طاولة لزينة تتأكد من نظافتها .. لتقول ميعاد مجددا ..
- هو ما يدرس خاري البلاد طب ..؟
دخلت خولة الحمام تلتقط سلة الغسيل و تقول من الداخل ..
- هيه ..
- خلص ..؟
- لا عنده اجازة ..
- انزين كان عنده وايد اجازات .. و ما شفناه هالكثر ..؟
- أول كان غير .. و الحين غير ..
- شوه لي تغير .. ان غيث هب موجود أو ما يخصه فيكم ..؟
صوت حركة مزعجة تأتي من الحمام ..
- وايد تسألين ..!
زفرت ميعاد بضيق ..
- و وايد غديتي باردة ..!
توقفت الحركة في الحمام .. لتطل خولة برأسها من الباب ..
- باردة ..!! ليش ..؟؟ شوه سويت عسب تقولين باردة ..؟
أشاحت ميعاد بوجهها نحو النافذة دون أن تجيب .. أحقا لا تعلم ..!
تلك الشخصية الجافة التي تنتحلها في الأيام الأخيرة منذ وصلت ورقة طلاقها مع نهيان تثير جنونها ..
اللامبالاة الباردة التي تلمسها في تعاملها تكرهها كثيرا ..
لم تقصر في واجباتها نحوها أو في ما كانت تفعل ..
لكن بشكل ما .. ارتفعت حواجز شاهقة تفصل بينها و بين غياهب روح أختها ..
لا تحب هذا الجفاء ..
نعم .. هي السبب في ما حدث .. لأجلها اندفعت خولة في الزواج من غيث ..
- بسير اليوم بيت خوية بو عمر .. بتيين ويايه ..
ما هذا السؤال ..!!
لم تسألها قط عن رغبتها في المجيء معها لأي مكان .. لأن خولة تصر على أن لا تفارق البيت و هي فيه ..
تحرص دوما على عدم تركها لوحدها هناك ..
الآن تسألها عن رغبتها في الذهاب .. بدل أن تصدر الأمر لها بالاستعداد .. لأنها لن تتركها هنا لوحدها ..
أتكون قد ضاقت ذرعا بها بعد ما حدث .. لذلك همست بصوتٍ مؤلم ..
- لااا ..
خرجت خولة من الحمام تحمل سلة الغسيل متوجهة للباب .. دون أن تنظر لوجه ميعاد و هي ترد بهدوء ..
- ع راحتج .. انا برتب لج عشا قبل لا أسير ..
لوحت ميعاد بمرارة تخفيها ..
- ما يحتاي .. هب يوعانه ..
لكن خولة واصلت القول ..
- حتى ولو .. بحطه في الفرن .. لو يعتي بتحصلينه ..
ثم توقفت عند الباب لبرهة و هي تدير ظهرها لميعاد قبل أن تقول بصوت خافت ..
- الإبرة بعطيج اياها قبل لا أسير ..
أومأت ميعاد برأسها و هي تخفض بصرها مع علمها بأنها لا تراها .. ليتردد صوت انغلاق باب الحجرة ببطء في روحها ..
شعور غريب بالوحدة أدركها ..
و هي تيقن بأن هناك باب آخر قد أوصد بينها و بين أختها ..
.
.
.
.
تسند ظهرها على باب غرفة أختها و ملامحها تفضح ذاك الألم الذي راح يمزّق قلبها ..
لماذا تفعل ذلك ..؟ ما هو ذاك الشعور الخبيث الذي يدفعها لمعاقبة نفسها بهذا الإجحاف قبل أختها ..
تبعدها عنها ..
أ لأنها تذكّرها بما مضى ..؟!
تذكرها به ..؟
دموعها تلسع جفنيها بشدة و هي تعظ على شفتيها ..
تمنع نفسها عن الانفجار بالبكاء ..
لا .. ليس للبكاء مكان هنا ..
وحدها طيات مخدتها تخنق شهقاتها المرة كل ليلة ..
تشهد ألمها الغبي .. و تعلقها القوي برجل لم يكن لها يوما ..!
رجل كلما نظرت لأختها رأت بريق عينيه فيها .. و ابتسامته ..
و حتى شموخ ذاك الوجه القاسي ..
.
.
خفق قلبها بألم ..
ستموت حتما إن استمرت على هذا الحال ..
عليها فقط أن تواصل ما تفعله ..
تتجاهل الأمر .. و ترغم نفسها على النسيان ..
تبتسم لهذا .. و لذاك ..
تخرج .. و تستمتع بحياتها كما لم تفعل من قبل ..
سيلهيها ذلك عن التفكير به ..!

* * * * *

- اففففف حور الين متى بنتم يالسات هنيه ..؟؟
رفعت حور حاجبا و هي تنظر لها شزرا قبل أن تعيد نظرها للمجلة التي كانت في يدها ..
- و الله محد قابضنج من كراعج آنسة نورة ..تبين تنزلين انزلي ..
قالت نورة بشيء من الخجل ..
- ابا أنزل وياج ..
ثم ابتسمت بشدة ..
- احس بالأمان ..
عقدت حور جبينها ..
- أمان من شوه ..؟ ما بياكلونج .. و بعدين محد في البيت غير نحن و يدوه .. ما سمعتيها ع الغدا تقول انه يدي من الصبح سار هو و نايف العزبة.. و ما بيرد الا عقب المغرب ..
- حتى و لو .. ابا أنزل وياج ..
- انتي اليوم الصبح كنتي ويا دانة تستكشفن المكان .. ما قلتي شي .. و عفاري تحت عند أمايا و يدوه .. و المها بعد بتلقينها هناك أكيد .. ومزنوووه و هنووده .. بلاج خايفة .. يعني هاييلا هب خايفين ..؟
- انزين سؤال .. انتي خايفة ..؟؟
زفرت حور بضيق ..
- اففففف .. اذيتينا تراج .. خايفة من شوه ..
نظرت لها نورة بشك ..
- عيل ليش مرتزة هنيه من الفير .. ما نزلتي الا حزة الريوق و الغدا .. ؟؟
هزت حور كتفيها بلا مبالاة مصطنعة .. تتهرب من النظر لأختها ..
- كيفي .. ما فيّه أنزل .. عدنيه تعبانة من سالفة النقل و خرابيطه ..
- حلفي ..
ألقت حور المجلة جانبا بشيء من العصبية ..
- نورووووه .. ان ما ظهرتي من حجرتيه الحين بتتصفعين .. تراج تنرفزين الواحد غصب ..
رفعت نورة يدها أمام وجهها تهدئها ..
- انزين .. انزين .. اعوذ بالله .. شوه استوا بج مرة وحدة ..
ثم تنهدت بشيء من اليأس ..
- أنا بنزل ..
لوحت حور بيدها ثم التقطت المجلة بضيق مكتوم ..
- توكلي ..
نظرت لها نورة للحظة طويلة .. قبل أن تطلق زفرة و تترك الغرفة بخيبة ..
ما ان صفقت الباب خلفها .. حتى تنهدت حور بقوة .. و ترخي كتفيها المتقوسين ..
بماذا كان عليها أن ترد يا ترى ..؟
أ لها أن تبوح بإحساسها الغريب لإخوتها ..
أولئك الذين يلتمسون الأمان في ثباتها ؟
لا يمكن ليوم واحد في هذا القصر المترف البارد أن يجعلها تشعر بأنها في بيتها ..
إطلاقا .. لن يحدث هذا ..
تشعر بأنها ضيفة .. وكم هي خجلى من التجول في بيت مضيفها .. و التصرف على سجيتها فيه ..
بل و أخذ راحتها في الحياة هنا ..
هذا كله أمر .. و جدها أمر آخر ..
هل هذا الرجل ضمير غائب أم ماذا ..
بالأمس لم يلتقوه الا للحظات محدودة .. قبل أن يعلن سقوط المها نهاية اللقاء ..
و كأنما بغشيانها لا تريد انفجارا ما أن يحدث ..
ودت حور لو أن لقاءها به طال أكثر عن عبارات السلام المقتضبة و تبادل الأحوال بعد استقرار المها في غرفتها ..
الحقيقة أنها أرادت أن ينظر لعينيها بصمت .. تريد أن ترى بريقا للندم فيها .. أن تصدق بأنه أرادهم أن يأتون هنا .. بعد أن فقد ابنه ..
و أن فقدهم لأبيهم يؤلمه أكثر منهم ..
و أنه آسف لكل هذه السنوات ..
لكن ذلك لم يحدث .. بالأمس بدت مسيّرة .. مضطربة ..
يقودها ضياع مشاعرها ... حين ألقيت في قلب مواجهه ... عليها أن تتعرف على جميع أفراد هذه العائلة ..
أن تستوعبهم .. و أن تعتاد صلتها بهم ..
هي محط الأنظار أكثر من البقية ..
زوجة ابنهم المرتقب .. و الفرد المسؤول عن إخوتها أمام ضعف أمها ..
أحداث الأمس تبدو ضبابية .. تتخبط الصور فلا تتذكر شيئا واضحا منها وجه واحد بدا مألوفا لها في زحمة المجهول ..
قوة ألفتها في الأشهر الأخيرة كانت تسندها بقوة .. كلما فكّرت بأنهم يعلمون أنها زوجته ..
أجالت بصرها في السقف العالي المزخرف .. في النوافذ العريضة بستائرها الثقيلة ..
يتباهون بما يملكون ..
تبا لهم ..
طلاء هذا البيت وحده قد يأوي عشرات من الأسر المشردة ..
لم ينعموا يوما بهذا الترف .. أقصى فرحة كان يجلبها ذاك الأب .. هي بطيخة باردة لكل خميس ..
و لكنها تبهجهم .. كثيرا ما تفعل ..
أكثر من تلك المائدة التي امتدت على طول حجرة الطعام تزخر بكل ما يجول في الخاطر ..
لا يعرفون قيمة النقود التي يلقونها يمنة و يسره .. أبوها كان يتفحم تحت أشعة الشمس ليؤمن لهم لقمة تسد رمق جوعهم ..
فيما ينعمون .. و يرفلون بالرفاهية ..
هل خطر لذلك العجوز يا ترى كم يشقى ابنه و عدد أبناءه يكاد يفوق أفراد عائلته مجتمعه ..
راح الاستياء يتصاعد في حلقها ..و هي تغمض عينيها .. تستعيد وجهه الأسمر القوي ..
بنظرته الصلبة .. و هامته القوية .. التي انحنت رغما عنها ذلا أمام جبروت السنين ..
ليعتصر فؤادها حنينا جارفا .. شوقا مزّقها ..
لتضع يدها على قلبها ودمعة باردة تنزلق على خدها ..
فليرحمك الرب يا أبي ..
كيف سنعتاد العيش تحت سقف رجل لم يفعل سوى إبعادك ..!!

* * * * *

رنين الهاتف المزعج انتشله من رقاده المتعب من على الأريكة .. ليهب واقفا في لحظة متجاهلا هاتفه المحمول .. و ليستوعب مكان نومه ..
كان قد استلقى صباح هذا اليوم على إحدى أرائك مكتبه في الشركة التي يديرها ..
و راحت عيناه تمسحان المكان بنظرة مبهمة ضيّقة ..
و ذهنه يستعيد أحداث البارحة بجنون ..
و ساعات التفكير المجنونة التي أعقبت إنتقامه من ذلك الحثالة ..
كان بحاجة للهدوء .. و مكان مناسبٍ للتفكير ..
لذلك تجاهل عمدا العودة لبيت أبيه و انطلق لمسجد قريب من الشركة .. انتظر فيه حتى الفجر .. ليقضي الفرض .. ثم ينتقل مع ثقل أفكاره إلى هنا ..
ساحته هذه ..
حين يصارع الكثير الأمور ..
يجزم بهذا .. و ينفي بذاك ..
يتخذ القرارات الصعبة ..
فتصبح حياته كلها .. و ممتلكاته .. على حافة السكين ..
لا يذكر متى غفا هنا ..
نظر لثوبه الذي جلبه من المغسلة بعد أن اضطر لرمي الثوب الذي اتسخ بالدماء في المقعد الخلفي لسيارته ..
قبل أن يرفع عينه للساعة التي أشارت للخامسة عصرا ..
لتنكمش ملامحه باستياء ..
فوّت على نفسه صلاتي الظهر و العصر أثناء نومه ..
لم يشعر بشيء بعد المجهود المضني بالأمس و التفكير المجنون ..
نظر ليده اليمنى .. ليجد أن ظاهرها قد تورم و انسلخ قليلا إثر ضربات الأمس .. لكنه لم يشعر بالألم ..
أو فضّل تجاهله ..
كل ما راح يستعيده في ذهنه الآن هو الحل الذي توصل إليه بعد ليلة متعبة من التفكير ..
حلا .. بدا معقولا بعد السهر المتواصل بالأمس ..
أما الآن و في وضح النهار .. بدا غير قابل للتصديق ..
لولا أنه ليس باستطاعته تنفيذ الأمر .. لقام به بنفسه ..
و لكن ...
عليه أن يولي هذه المهمة لأحد آخر ..
شخص فكر فيه طويلا بالأمس ..
و لم يستطع التوصل لتخمين ما قد ينتج عن اختياره ..
زفر ببطء .. و هاتفه يعود للرنين المصر .. ليرفعه بضيق عن الطاولة .. فيرى رقم أبيه يتألق عليها ..
أجاب بهدوء ..
- ألووه .. مرحب ..
كان صوت أبيه غاضبا للغاية ..
- انته وينك ما ترد ..؟؟
رفع غيث حاجبه ببرود قبل أن يجيبه بصلابة ..
- كنت راقد ..
- راقد ..؟؟! .. راقد وين ..؟؟ انته أمس ما ييت البيت ..؟!!
استرخى في جلسته قبل أن يعود للنظر إلى قبضته ..
- لا ما ييت البيت .. سرت المكتب عنديه شغل ظروري لازم أخلصه .. و ما خلصت الا الفير .. ما حسيت بعمريه الا و أنا راقد ..
بدا الاستياء واضحا فيصوت أبيه الذي عاتبه بشدة ..
- تمنيا نرقبك ع الغدا و نتصلبك .. حتى بوية سيف قال انه ما شافك ..!!

* * * * *

تغرس رأس الإبرة الصغير في الوريد بعناية .. قبل ان تسمح للسائل ذو اللون الرائق بأن يتدفق في عروقها ..
فيما انكمشت ملامح أختها بألم من اعتاد على ذلك ..
قبل أن تضغط بقطنه بيضاء على مكان الإبرة ثم تسحبها بسرعة من تحتها ..
تلقي بالإبرة في الوعاء البلاستيكي المحكم الإغلاق .. و هي تنزع قفازيها المطاطيين .. و تلقيهما في سلة المهملات القريبة ..
ثم تلتفت لأختها ..
- يا الله حبيبتي .. شي فخاطرج .. ؟
هزّت ميعاد رأسها بالنفي .. قبل أن تسأل ..
- بتسيرين ..؟
- هيه .. عمور خاري يرقبنيه ..
رفعت ميعاد رأسها للأعلى ..
عمر مرة أخرى ..!!
شعرت بقليل من الغيرة تنتابها .. تعلم مسبقا بالعلاقة القوية التي تربط بين أختها و ابن أخيها ..
و لكنها ترى الأمر أكثر وضوحا الآن ..
تراهم يحاولون إيصال رسالة ما ..!
ربما كان غيث هو الحاجز من قبل و انهار الحاجز الآن بانفصاله عنها ..
و أصبحت أكثر حرية .. و انطلاقا ..
هل شعرت خولة يوما بأنها مقيّدة بكرسي أختها ..؟و أن زواجها من قريبها يعني التزاما دائما بها ..
التزاما تحررت منه مع انفصالها عنه ..!
أتعست هذه الأفكار ميعاد بشدة ..
فراحت تلهي نفسها بالتقاط جهاز التحكم عن بعد و إدارة تلفازها ..
إذا كانت الأيام المقبلة تعني أن تتركها خولة لوحدها كثيرا ..
فعليها أن تعتاد تسلية نفسها ..
ليس عليها أن تلقي بثقلها على من سئم رعايتها ..
لا تنكر ..
يحق لأختها فرصة حرّة في الحياة ..
بعيدا عن إعاقتها ..
[/SIZE]

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 28-04-08, 01:32 AM   المشاركة رقم: 92
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة السابعـــــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر◄
║خطوات تدفئها الأحاسيس ..!║
عيناها المتوجستان تراقبنا تعابير الوجه الجامد للرجل العجوز الذي جلس أمامهن يطالع الأخبار بصمت .. لتنحني هامسة قرب أذن نورة ..
- أبو الهول هب ريّال ..!!! و لا نص حرف من يلسنا .. كانه يالس بروحه ..
نظرت نورة له بدورها قبل أن ترد بخفوت ..
- تلقين ميوله سياسي .. و الا شوه هالإهتمام بالأخبار .. ما خوّز عينه حتى في الإعلان ..!!
كتمت دانة ضحكتها ..
- يا غبية .. يمكن راقد و عينه مفتوحة ..
ابتسمت نورة و هي ترد ..
- شكله و الله .. أخخ .. بس لو كانت حور هنيه .. كان عرفت تفتح موضوع .. بس أنا يخوفنيه شويه .. و الا خاطريه أسولف وياه ..
- ما تحسين انه البيت وايد عود و انه كل واحد منا في مكان .. حد شرق و حد غرب .. أمايا وين ..؟؟
- ترقّد سواف .. و يدوه حدرت تصلي العشا ..
قالت دانة مفكرة ..
- و حور تدرس نايف فحجرته .. و هنودة و مزون يتعشن الحينه .. منوه باقي ..؟؟ هيه .. عفاري و المها وين ..؟؟
هزت نورة كتفيها و هي ترد بخفوت ..
- مادريبهن .. طالعي .. طالعي .. خيبة .. ما يخوز عيونه شوي ..
ثم بدافع مفاجئ قال بصوتٍ مسموع ..
- ماحيد شوه قالوا ليه في الفيزيا عن الصورة التلفزيونيه و أضرارها ..
كتمت دانة شهقتها بيدها .. فيما اتسعت عينا نورة فورا بعد كلماتها .. و هي تدرك وقاحة ما قالت ..
لكن لم يبدو على الرجل العجوز الذي استمر في المطالعة بصمت أي تأثر بسخافة تلك الكلمات التي قالت للتو ..
همست دانة بغيظ ..
- يا السبالة .. صدق ما عندج سالفة .. شوه بتطنزين عليه ..
أجابت نورة بحرج شديد ..
- بغيته يرمس و الا يقول شي .. من الصبح ساكت ..!
- و ترمسينه كذيه .. و الله انج غبية .. و بعدين الصورة التلفزيونيه .. هب لي يسوونها للحوامل و يشوفون بنت و الا ولد و الا أنا غلطانة ..؟
اتسعت عينا نورة باستيعاب ..
- يخرب بيتج ..!! هيه و الله .. أوييييييه .. يا الفشلللة ..!!!!
- تستحقين يا أم لسانين .. الحين بيقول بنات حمد هب قليلات أدب و ملسونات بس .. الا غبيات !!
ثم هزّت رأسها بمأساوية مصطنعة ..
- لطختي سمعتنا .. و جلبتي لنا العار .. ويحك يا فتاة .. فلتقتلي ..
.
.
همساتهن المشاكسة تتسلل لأذنيه بخفّة .. عيناه ترصدان كل حركة يقمن بها من زاوية عينه التي انتصبت على الشاشة ..
ابتسامة كبيرة تعربد في داخله .. يلجمها بجهد كبير .. كي لا تنفلت و ترتسم على وجهه دون سبب ..
لهفة مستحيلة راحت تجتاح كيانه بأكمله ..
يريد أن يستدير نحوهن .. ليبتسم لتلك الوجه الصغيرة ..
وجوه يرى في كل واحد منها بصمة كان ابنه الراحل قد تركها ..
لذلك كان قلبه ينتفض كلّما وقع عينه على أحدهم .. يشعر بأن أنفاسه تختلج .. فينسى التنفس للحظة يدرك فيها أن ابنه لم يعد ..
و لن يفعل ..
رحل للأبد .. تاركا خلفه من سيذكّر أباه بفعلته الشائنة طوال ما تبقى من عمره ..
تاركا أبناءه .. و حاجز ارتفع بينه و بينهم ..
بطول سنوات البعد و الهجر .. و ذنبه الذي تركه معلّقا في رقبته ..
و كبرياءه التي تستعصيه ..
تثنيه عن الإلتفات نحوهن الآن .. و إهمال قيد عبراته التي تقف في حلقه مباشرة ..
لينكسر هنا أمام أعينهم ..
لينشج باكيا بكل ذرة من رجولته ..
و يخبرهم أنه فقد إبنه ..
و أنه - ذاك الإبن - مات دون أن يتبادلا كلمة واحدة قد تترك خيطا أبيضا يربط بينهما ..
يريد أن يبكي كالطفل .. و يحكي لهم كم يفتقده .. و كم يتمنى عودته ..
و كم هو غائر ذاك الجرح في قلبه ..
خندق .. تهوي فيه كل فرحة .. كل ضحكة .. و كل أمل ..
لن يعلموا أبدا أنه حطام متناثر ..
و أن نظرة واحدة لوجوههم تقتله .. تقتله ..
لا يقوى على النظر إليهم كما يريدون .. و لا التحدث إليهم كما يأملون ..
مازال النزف نديا .. لن يبرأ جرحه حتى دهر سيمضي ..
حتى ينسى كبرياءه النتنة التي منعت ابنه عنه يوما .. و تمنعه عنهم الآن ..
حتى يتوقف الألم الذي يسري في روحه ..
.
.
تلك الطفلة ذات العينين الكبيرتين اللامعتين أتت الآن من المطبخ تتبعها أختها التي تكبرها قليلا ..
مزنة .. و هند ..
كيف له ان ينسى أسماء أبناءه ..!
سمع الطفلة تقول شيئا بخفوت لم يستطع سماعه ..
لترد عليها دانة بسرعة ..
- لا و الله .. شوه ترقدن عدنا ..!! أصلا خلاص .. كل وحدة ترقد فحجرة اروحها الحين .. و بعدين لو السيافي نش فالليل و صاح ..امنوه بيوعي أماية .. و هي ما تسمعه .. بترقدن ويا أماية .. و خلي عنج البطرة مزنوه ..
سمعها الطفلة تعود و تقول شيئا عن رغبتها في النوم في الطابق العلوي ..
لكن صوت نورة هو الذي ارتفع الآن يتساءل ..
- دندن .. سمعتي الصوت لي سمعته أمس ..
- أي واحد ..؟؟ صراخ الحرمة لي يذبحونها و تقول ودرونيه ..؟؟
- هيه هو .. من الحجرة لي عدال حجرة حور .. حليلها حور أمس ما رقدت .. تمت خايفة ..
وافقتها دانة بسرعة و هي تقول بصوت ينخفض ليخيفهن ..
- حتى سألت البشكارة .. و قالت انها هاي ينية يذبحونها في الينانوة في الليل .. و تقول انها شافت دمها يطلع من تحت الباب .. و يمزر الطابق لي فوق .. و ينزل من الدري حتى .. و يوم نشوا الصبح لقوا المكان نظيف ..!!!
ما كل هذه الأكاذيب ..!
عقد جبينه باستياء .. هل يحاولن إخافة الطفلة ..
و كأنما سمع أحد فكرته تلك .. ليخرج صوتٌ ناعم هادئ .. يقول بثقة ..
- مزّون لا تصدقين يكذبن عليج .. يبن يخوفنج ..
هذه هند ..! متأكد من ذلك ..
عجيب هدوء هذه الفتاة ..!
قالت مزنة بصوتٍ رفيع بدا خائفا ..
- هذا البيت مهجور ..!!
ضحكت نورة قليلا ..
- شوه مهجور يا غبية .. شوه شايفتنا أشباح ..؟؟ المهجور محد يعيش فيه .. بس هالبيت نحن نعيش فيه فهمتي ..
- عيل من وين ياية الينية لي يذبحونها ..
قالت دانة بخبث ..
- هاي هب ينية .. هاي بنية رقدت مرة في غير حجرتاا .. و زخوها و حولوها لينية عسب يذبحونها ..
كان مذهولا .. مصدوما ..
بصمت ..!
أمام هذا الدفق من القصص الملفقة ..
تبا لهن .. سيسببن الذعر لأختهن الصغرى ..
ما الهدف من إخافتها ..!
لم يكترثن حتى لجلوسه هنا .. و كأنما يعني صمته أنه غير موجود ..
تدفق صوت هند مجددا تقول محذّرة ...
- ترى كل هالرمسة بتوصل لحور .. و بتتفاهم وياكن .. ليش تروعن مزنوه .. الحين ما بترقد في الليل .. بتم تتخيل هالأشياء ..
ارتجف صوت مزنة و هي على وشك البكاء ..
- يمكن الينية صدقيه ..
ضحكت دانة بقو ..
- ههههههههههههههههههههههههه حلوة صدقية هاي .. بأي لغة ..
و قالت نورة بجديّة ..
- مرات تشرد عنهم و اتم تربع في البيت و الينانوة يلاحقونها .. يدوه قالت انها سمعت صوت حافر خيل يربع في الطابق لي فوق ..!
استنجدت الطفلة مجددا ..
- يمكن ايوون حجرة أمايا .. و هي ما تسمعهم ..
- هيه .. و يدورونها .. و اذا دقوا الباب .. لا تردين .. لنج اذا رديتي .. بيعرفون انج واعية .. و بيشلونج و يذبحونج بدالها ..!
.
.
- بااااااااااااس ..
قفزت نورة و دانة و مزنة و هند بفزع مترا في الهواء .. قبل أن يستدرن نحو مصدر الصرخة المريعة للتو ..
تصلبت ملامح الجد بقسوة و هو يقول بصوتٍ قاسي .. بدا مفرقعا في الصالة الواسعة كالسوط ..
- رب ما شر ..؟ بلاكن ع البنية ..؟ حد يروّع اليهّال ..؟ أنا أشهد انكن مخبّل .. عذارى طول اليدار و تلعبن ع الياهل ..
شحب وجه دانة و نورة تضع يدها على صدرها بخوف ..
- بسم الله شياه ....؟
بدا مخيفا و هو يقف على قدميه الآن .. بنيته القوية لا توحي بتاتا برجل يقارب الثمانين .. إن لم يكن قد بلغها ..
- وحدة أسمعها تخوّف الصغيرة يا ويلها ..
ثم نظر للأسفل .. ينظر للوجه الذي توارى خلف جسد أختها التي كانت تخيفها منذ لحظات ..
يطالعه بحذر مذعور .. قبل أن يقول لها آمرا ..
- تعالي ..
اشتدت يدها على ثوب أختها و كأنما ترفض تركها .. فعاد يقول بلهجة أكثر لينا .. يبثها الطمأنينة ..
- تعالي يا مزنة ..
نظرت لوجه نورة و دانة .. و طالعتهن هند أيضا بشيء من القلق .. قبل ان تترك مزنة ثوب دانة و تقترب ..
بعينه راح يرصد الحذر الذي احاط بالحلم الذي يدنو منه ..
و يدنو ..
تلك الطفلة بعينيها اللامعتين .. و خطواتها الخائفة البطيئة ..
تطبع أثرا على ذاك الطريق ..
تقصر به المسافة التي بناها جيل كامل قبلها ..
ما إن أصبحت على بعد قدمين .. نظر لها من علو ..
ترفع وجهها الصغير .. بترقب إعتصر قلبه ..
تنتظر منه ان يفعل شيء ..
خطوتين فقط .. أصبحت فجأة الفاصل بين كل شيء ..
الحياة .. و الموت ..
ذكراه و النسيان ..
خطوتين بين ذنبٌ علّق على تلويحة أيامه الراحلة و بؤس تلك القادمة ..
و بين مرابع الغفران التي قد تغفو روحه إلى الأبد إن بلغها ..!
ها هو ينحني الآن .. يكسر شموخ هامته المتكبرة .. و يركع قربها ..
كان كبيرا للغاية .. كبيرا حتى و هو يجثو ليدنو منها ..
كبيرا على تلك البراءة .. و ذاك النقاء ..
و خشي بقوة أن يفسد شيئا من الطهارة ..
وجهها القريب .. يضيّع كل شيء حوله .. و هي تتطلع نحوه بشيء من الحيرة ..
تبا ..
هل تمكنت إحدى عبارته من الهرب ..
لا .. و الا كان شعر بها تطفئ شيئا من لهيبه ..!
وجد صوته غريبا .. وضعه غريبا .. احساسه كان الأغرب من كل ذلك ..
و هو يقول بهدوءٍ شديد ..
- ما عليج منهن .. ماشي ينانوة داخل البيت .. أنا فيه من عشرين سنة .. و ما قد شفت يني واحد ..!
اتسعت عيناها بحذر .. و هي تقول بتردد ..
- بـ .. بيتكم يديد ..
نعم ... لم يمر وقتٌ طويل مذ قاموا بتجديده ..
و كاد يبتسم أمام ذكاء هذه الطفلة ..
لكن تلك الإبتسامة دفنت على الفور ليُهال عليها أكواما من حزن ثقيل .. و هي تتردد في سؤالها القاتل ذلك ..
- أبويه كان عايش وياكم هنيه ..
لم يرفع عينه نحوهن .. و لم يشأ أن يفعل .. عينه تعلّقت بتلك الطفلة التي لن تعلم يوما أي مديّة أمعنت في غرسها وسط روحه ..!
ليجد صوته الخشن يجرح حنجرته بقسوة ..
- لا ..
نكست رأسها .. و هي ترفع عينيها له و كأنها تخشاه .. قبل أن تقول ببراءة ..
- ليش ..؟؟ انته أبو أبونا .. صح ..؟؟ حور قالت انك أبونا ..
كفى ..
أتوسل إليك .. هنا فقط ..تقف حدود صبري ..
أباكم ..!
لا .. و لا يحق لي أن أسمي نفسي بذلك البتة ..
لن تعلمي .. أنا .. بيدي هاتين اللتان أداعب بها وجهك الصغير ..
دفعت إبني بعيدا عني و عن عائلته .. و عن كل ما يحب ..
ماذا كان ليضريني لو أنني تنازلت قليلا ..!!
قليلا فقط ..
لكني لم أفعل ..
و كان ذلك الفراق الأخير ..
وجد أن بعد كلماته ينتصب بكبرياءٍ مجددا ..
لن يفيده أن يتحطّم بقسوة أمامهن ..
و لن يفعل ذلك ..
لذلك راح يجرّ الخطى بعيدا عنهن ..
بعيدا عن كل ما تريد نفسه بقوة ..
.
.
هناك من الطرقات في حياتنا ..
ما لا تعرف الخطوات سوى هجرانها ..!

* * * * *

كان صوت أبيه العميق يتسلل لأذنه .. فيما يعمل جزء منه بعيدا عمّا حوله ..
عقله راح يدور .. و يدور ..
محاولا بجهد تقليب الفكرة المجنونة التي خطرت له .. كي يحل بها مشكلة عفرا ..
هل يمكنه المخاطرة بذلك يا ترى ..؟
هل يمكنه الوثوق به .. و التوجه إليه ..
ماذا لو ...
لا ..
حتما لن يرفض .. أو يقوم بكشف الموضوع عند أي كان ..
لا يخصّه الأمر لوحده ..كي يفعل ..
سيجد نفسه حتما مرغما على فعل ما سيُطلب منه ..
لم يعد الأمر مجرد تغطيه ..
فاق الأمر ذلك بكثير ..!
.
.
تلك الإبتسامة الملتصقة بشفتيها لا تتزحزح .. فرحة للغاية بما ترى ..
كانوا يجلسون في الصالة بعد الغداء يشربون القهوة بهدوء ..
تجلس شيخة بجوارها .. و قد بدا الضيق على وجهها ..
و قد وجدت نفسها مجبرة على ارتداء ثوبٍ طويل .. بدا غريبا للغاية عليها ..!
نظرات أحمد الخبيثة تلاحقها .. و كأنما يعيرها بخوفها من غيث ..
غريب أن تخاف أختها من غيث .. فيما تجد الأمر بسيطا للغاية في حضور أبيها ..
وجدت لفترة طويلة مضايقات و اعتراضات من أخويها الإثنين على ما تلبس ..
لكن سرعان ما رضخوا لرضا والدها الذي فضل أن ترتاح فيما ترتدي ..
و الآن .. ها هو الأخ الأكبر هنا .. يجبرها على مخالفة راحتها .. اتقاءً لغضبه ..
نظرت لوجهه الصلب .. و هو يستمع بصمت لنقاش أبيه حول شيء لم تفهم كنهه ..
جسده الضخم يسترخي على الأريكة فيما عينيه الضيقتين .. تنظران لوجه أبيها المهتم ..
يجلس قربه حامد الذي كان متشاغلا بجهاز حاسوبه المتنقل .. ينجز أعمال لم ينهها ..
فيما كان أحمد يتحدث ضاحكا لأمه التي بدت مبتهجة للغاية ..
تلك البهجة التي لم تغب عنها منذ قدوم غيث إلى هنا ..
لم يخفَ على الجميع سعيها الدءوب لإرضائه .. كانت سعيدة لإقامته هنا ..
و هو أمر لطالما تمنته ..
تساءلت روضة في داخلها ما إذا كانت أمها تتمنى لو أنها هي من قامت بتربية هذا الرجل ..؟!
سمعت ضجر تصدر عن شيخة لتلتفت لها بهدوء .. فترى الحجاب الذي يخفي شعرها المقصوص جيدا ..
تخيلت ردة فعل غيث إذا كان قد رأى شعر شيخة .. و ابتسمت لفكرة أن تضطر شيخة للالتزام بغطاء الرأس و الثياب الناعمة في الخمسة شهور القادمة ..!
- رب ما شر ..؟
مطت شيخة شفتيها بملل .. و هي تتذمر ببرود ..
- ملل ..!
اتسعت عينا روضة بدهشة ..
- ملل ..!! ما عندج سالفة .. بالعكس حلوة اللمة ..
رفعت شيخة حاجبا ساخرة ..
- أي لمة .. يا بوج كل واحد لاهي بعمره .. لو أنش أشوف لي شغله فحجرتيه .. أخير ليه ..
هزت روضة كتفيها بلا مبالاة ..
- نشي محد قابظنج ..!!
ثم تذكرت شيئا ما .. لتقول بخفوت ..
- هيه صح .. نسيت أقولج .. أمس يبت فستانج .. لو تبين تجربينه .. بخلي سمارا تحطه فحجرتج ..
لكن شيخة لوحت بيدها لا مبالية ..
- بشوفة بعدين ..
ثم نظرت بطرف عينها لروضة ..
- ليش أجلوا الملكة عقب شهر و نص .. و هم كانوا يرقبون قوم عمج بس ..؟
بدا حرج طفيف على وجه روضة و هي تقول ..
- مادري بهم .. بس ظنتيه يبونهم يتأقلمون شوي .. خلاف بيسوون الملكة ..
بدا التصلب جليا على وجه شيخة و هي تسأل ببرود ..
- يعرفن انج بتملكين عقب شهر و نص ..؟؟
- لا .. بعدنيه ما خبرتهن ..
تشدقت شيخة بسخرية ..
- خبريهن بسرعة .. يمكن حد منهن تحط عينها ع المطوع ..
عقدت روضة جبينها ..
- ليش ..؟؟ مستلغثات .. بعدين البنات بعدهن صغار و ما يفكرن بهالسوالف .. و حور الكبيرة .. و هي خلاص معرسة ..
- محد ما يفكر بهالسوالف .. باين عليهن فطينات .. و عقولهن أكبر من عمارهن .. و بعدين ع طاري حرمة خوج .. شوه استوا بها عويش هاك اليوم ..!
و كأنما أصابت شيخة قلب الذهول في روضة .. لتتابع الأولى باستهزاء ..
- أنا قلت بتعفد ع حرمة غيث و بتنتفها .. شفتها سلّمت .. و يالسة .. و هادية ..
ثم قالت بعد تفكير ..
- تصدقين .. لو صارخت و سوت حشرة و الا استعرضت اهناك .. و الا طلعت ع حقيقتاا .. ما كان استهميت .. لكن سكوتها .. و برودها .. هب طبيعي ..
قالت روضة بهدوء ..
- يمكن تأثرت يوم شافت بنات عميه حمد .. و اقتنعت يوم يت حور انه غيث خلاص هب من نصيبها ..
شخرت شيخة بسخرية ..
- هه .. هيه و عرفت انها كانت غلطانة .. و لازم تتسامح منهن و تبدا صفحة يديدة و تحبهن و يحبنها .. تصدقين وايد طيبة انتي ..
عقدت روضة جبينها و قد بدت ثقة شيخة تقلقها ..
- لا هب طيبة .. بس عوشة .. أساسا طيبة .. صح تقلب الرمسة ع كيفها .. و تتكشف قدام الشباب .. لكنها طيبة .. بس انتي وياها ما تتوالفن ..
- طيبة ..؟؟!!! و من متى ان شا الله هالرمسة ..؟؟
رفعت روضة حاجبيها ..
- و الله ما قد ظرتنيه بشي .. و محترمتنيه .. و علاقتيه ترتوب وياها ..و دوم تيينيه ..
- تحب تيي المكان لي غيث فيه ..
قاطعتها روضة ..
- شوه تتحرين مالها هم في الدنيا الا غيث ..
- لا .. مالها هم في الدنيا الا عمرها .. و يوم تبا الشي .. تشلّه غصبن عن الكل .. و الحين هي تبا غيث .. لا يغرج سكوتها .. هاي حيّة .. من تحت لتحت .. باكر بتشوفينها كيف بتلعوز هالنتفة حرمة غيث .. و بتظهرلها قرون .. ما شفتيها كيف يت كاشخة .. كنها سايرة عرس .. عنبوه .. و الله ينه الصبغ ينقط من عيونها ما خلت لون ما خبصته ..
تململت روضة في مكانها .. راح شك شيخة و نظرتها السوداوية يتسلل في داخلها .. و شيخة تتابع ..
- كأنها ياية تتحدى .. و الا تبيّن الفرق .. مع انه ما يحتاي .. حرمة غيث وايد عادية .. مافيها زود .. و عوشة ملكة جمال و انتي تعرفين هالشي ..
صرت روضة أسنانها بشيء من الضيق ..
- حرمة غيث اسمها حور ..
رفعت شيخة حاجبها ببرود ..
- لي هو . كله واحد .. عطي عوشة وقت و بتشوفين خبثها كيف يظهر .. من متى هالطيبة .. و هالأدب .. ما حيدها عويش الا ملسونة .. و خايسة ..
اتسعت عينا روضة بصدمة ..
- شيخة .. شوه هالرمسة ..!!
نظرت شيخة للأمام و هي تقول بهمس كريه ..
- ع فكرة أنا ما قد خبرتج .. خويته هدى شافتاا مرة في المول ويا واحد ..
عوشة ..!!
يستحيل ذلك .. مع كل مساوئها .. و دلالها .. و غرورها ..
لكن ..
قالت شيخة بصوتٍ محتقر ..
- ما يسد إنها مظهره ويهها في السوق .. لا و ظاهرة ويا واحد .. قالت هدى أخوها .. بس ما ظنتيه عمي مطر يايب ولد و داسنه عنا ..
دافعت روضة بقوة ..
- هدى كذابة ..
- و ليش بتكذب ..؟؟ تغار منها مثلا .. البنية ما يخصها فعوشة .. و ما شافتاا الا عدنا في البيت ..
لكن روضة رددت باصرار ..
- كذابة .. كذابة ..
- منوه أصلا يشوفها وين سايرة و من وين رادة .. محد ولي عليها الا عميه مطر .. و عميه مطر ملتهي بأشغاله .. و مخليلها الحبل ع الغارب ..دوم نسمعها تقول سايرة لخالوه و رادة من عندها .. محد يدري اذا صدق سار........
أغمضت روضة عينيها تقاطعها ..
- أعوذ بالله منج يا شيخة .. شوه هالرمسة و هالشكوك .. يمكن ولد خالتاا الشاهين هو لي كان وياها ..
رفعت شيخة حاجبها بابتسامة باردة ..
- شوه تتحرينيه .. افاتن بينكن .. أنا دورت لها مليون عذر و لا حصلت .. من زمان هالرمسة فخاطريه .. شوه بييبه ولد خالتاا من دبي .. عسب يخاويها للمول ..! أصلا كيف تظهر وياه اروحها .. و الا لو يدري حد من ..
قاطعتها روضة بقوة ..
- بس خلاص .. لا ترمسين في السالفة .. أنا بسألها .. حرام نظلمها ..
ضحكت شيخة بخفة ..
- اذا ردّت عليج و الا سوت لج سالفة خبرينيه .. و تقولين طيبة ..؟ و الله محد طيب الا انتي .. أقول رويض .. سكوت عوشة مول هب طبيعي .. انا أقول انها بتسوي عمرها طيبة .. و بتخاوي هالنتفة حور .. خلاف بتخرب عليها .. خبري حور بعلومها كلها .. خليها تكون في الصورة عسب لا ينقص عليها ..
لا تدري لما اختفت الألوان التي كانت تراها روضة للتو .. أصبح التوجس يسكنها قبل أن تقول في شك ..
- و شوه هالاهتمام ما شا الله ..! ما حيدج تستهمين ع حد غير عمرج ..
ابتسمت شيخة ببرود ..
- شوه طايحة من عينج ..؟! بعدين عادي عنديه .. حلو نشوف ضرابات .. و مشاكل .. نغير الروتين شوي .. لكن لو شي مس غيث ما بيرحم عوشة و لا بيحشم حد حتى عميه .. فأخير لها تخوز عن درب حرمته .. و بعدين كاسرة خاطري البنية لي ياية .. ع ويهها و ما تدري بشي .. عنبوه .. و الله لو تودرون عوشة عليها ان تاكلها بظروسها .. هالهدوء لي يسبق العاصفة .. و بتقولين شيخة قالت ..
قبل أن تقول روضة شيئا آخر .. تكلّم بو غيث يوجه حديثه لهن بابتسامة محبّة ..
- ها بنات .. علومهم قوم عمكم حمد .. ربهم مرتاحين ..
ابتسمت روضة بحنان ..
- الحمد الله .. بس يبالهم كم يوم يتعودون ع المكان ..
- ما شي قاصر عليهم .. محتايين شي ..
ابتسمت روضة لغيث الذي كان يطالعهن أيضا ..
- بو سيف و يديه هب مقصرين ..
رفع حامد رأسه عن جهازه ليقول ..
- بسيّر عليهم العصر .. بنسلم ع حرمة عميه .. و بناتهاا ..
هز أحمد رأسه فورا ..
- أنا بخاويك ..
و قالت روضة بسرعة ..
- و أنا بعد ..
عقبها صمت قصير .. قبل ان يلتفت غيث لشيخة و يسألها بهدوء ..
- و الشيخة ..؟؟
اعتصرت شيخة يديها بارتباك و هي تنظر للوجوه جميعها دون تحديد ..
- أنا عنديه امتحان .. لازم أذاكر ..
نظر لها أحمد بعينٍ ساخرة .. فيما سأل بو غيث إبنه الأكبر ..
- بتسير الشركة ..؟
قال غيث بحزم و عينه لا تزال على شيخة ..
- لا بويّه قدا العزبة ..
ثم التفت لروضة يأمرها ..
- رويض .. نشي ويايه ..
نهضت روضة فورا .. لتتقدم نحوه و هو يقف على قدميه .. و يتوجه نحو الدرج المؤدي للأعلى .. فيما تتبعهم نظرات أم حامد .. بابتسامة مبتهجة ..
كانت سعيدة لتواجده هنا ..
لطالما كان لابن زوجها الأكبر مكانة خاصة لديها ..و تمنت بشدة لو أنها قامت بتربيته و أنشأته كما هو الآن ..
لربما أصبح ابنا و سندا لها ..
لكن نشأته كانت بين أحضان جدته .. و لم يكن بيديها سوى القبول .. فما مر به في بداية حياته لم يكن سهلا ..
رغم أنها لم تكن لتعرضه لشيء ما .. لكن القرار كان قد أصدر قبل قدومها ..
فقط ..
حين وصلت .. كان مصير ذاك الفتى الصغير قد تحدد .. و عُهد به إلى كنف جده ..
و الآن .. و هو رجل ..
بهذه الصلابة .. و الشجاعة ..
رجل لم يعد بإمكانها سوى النظر إليه و التمني ..
أم يسير أخوانه على نهجه ..!
.
.
.
.
جلس مسترخيا وراء المكتب الخشبي الذي قامت روضة نفسها باختياره له ..
يميل بالكرسي الجلدي للخلف و هو يربت على لحيته السوداء المشذّبة ناظرا لشاشة جهاز حاسوبه المحمول الذي أداره للتو ..
جلست هي على الأريكة القريبة من المكتب تنتظر ما سيقول .. التفت لها لبرهة .. يقول بابتسامة ..
- علومها العروس ..
نظرة واحدة لوجهها الجميل الذي انبسط في ابتسامة رقيقة .. أثلجت صدره .. لوقتٍ طويل تساءل في داخله عمّا إذا كان قد ضغط عليها بشكلٍ ما ..!
لكنها ردّت بخجل واضح ..
- علوم الخير ..
ألقى نظرة ممعنة للشاشة أمامه .. كان الكثير من العمل ينتظر الإنجاز ..
لذلك التقط محفظته بسرعة .. يسحب منها بطاقة و هو يسألها بهدوء ..
- خبرتي بنات عميه حمد بملكتج ..
هزت رأسها بالنفي .. و هي تقول بتردد ..
- لااا .. لنّا كنا نرقب ييتهم هنيه .. و مادري متى الملكة بالضبط .. أبوية البارحة بس مخبرنيه انها عقب شهر و نص .. بس بخبرهن ان شا الله ..
أومأ لها بحزم و هو يمد بين أنامله الطويلة البطاقة المصرفية لتعقد جبينها متسائلة بصمت ..
- هاي البطاقة تشلينها .. و تسيرين السوق وياهن .. باكر دوامات طبعا .. شوفي الويكند الياي .. خلصن لوازمهن .. من لبس .. و خرابيط .. و لا تخلين عليهن قاصر ..
- بس يا غيث هن فبيت أبوية سيف و أكيد ..
علم فورا ما الذي قد تقول .. لذلك أشار بيده مقاطعا ..
- أبوية سيف هب مقصّر .. بس حور حرمتيه .. و أنا ملزوم بها .. و ملزوم بهلها وياها . بعدين أنا اتعودت أشوف حايتهم .. أنا و ابوية سيف واحد .. و الحلال واحد بعد ..
هبت روضة تلتقط البطاقة بابتسامة عريضة .. و هو ينظر لها مؤكدا ..
- بيضي الويه يا روضة .. و خلج وياهن .. و برايهن يصرفن مثل ما يبن .. و لو عبرن الرصيد كله .. لكن لا تخلينهن أقل من حد .. تسمعين ..؟
هذا جانب ليّن .. مهتم .. لم تصادفه قبلا سوى أمام أحبّته المقربون ..
هل استطاع أبناء حمد ترك بصمة ما في داخله ..؟
أم أن عيشه في ذاك البيت المتقشف علّمه أي وضع يقاسون ..؟
كل ما استطاعت فعله هو إطلاق بهجة غريبة عبر عينيها .. و هي تقول له بمرح حقيقي ..
- و لا يهمك فديتك .. بسويلهن اكستريم ميك أوفر ..

* * * * *

قفزت بفزع عن السرير حين فتح الباب بقوة .. قبل أن تدلف منه دانة عجل .. لتصر على أسنانها بغيظ ..
- أقسم بالله يا دانة .. لو ما اصطلبتي و خليتي حركاتج البايخة هاي .. لا اتشوفين شي ما بيعيبج ..
رفرفت دانة أهدابها ببراءة .. و هزت كتفيها ..
- ليش شوه سويت ..
صفقت حور باب خزانة الثياب التي كانت ترتبها و هي تقول بضيق ..
- سلامتج .. بس طيرتي فواديه .. ما تعرفين اتبطلين الباب شوي شوي .. و الا ادقينه .. خلاص حبيبتي .. هاي الحينه حجرتيه .. يوم بتحدرين ادقين الباب و ترقبينيه .. الين ما أسمح لج ادخلين ..
نظرت لها دانة مشدوهة لبرهة .. قبل أن تطالع الجدار المجاور لها و تحدّثه ملوحة لحور ..
- اسعموا انتو بس .. بسرعة اتأقلمت الحبيبة و نحن مالنا يومين هنيه .. أقووول يا الشيخة .. صعب عليه أغير طبعي في يومين .. بتمين ترقبين 17 سنة ثانية عسب أغدي شرات ما تبين ..
تنهدت حور بقوة ..
- الله المستعان ..
دنت دانة من السرير لتلقي بثقلها عليه .. فيهتز قليلا .. و هي تقول ..
- يدوه اتقولج تنزلين الحينه تحت ..
عقدت حور جبينها و هي تستند على الخزانة ..
- ليش ان شا الله ..
أجابت دانة بسرعة و هي تنقلب على بطنها ..
- امة لا اله الا الله كلها هنيه تحت .. وايدين .. حور .. آممم .. رويض ياية ويا أخوانها اثنينه ..
و رفعت حاجبا حين رأت بريقا في عيني أختها الكبرى ..
- لا تفرحين .. هب غيث .. هذاك لي رغتيه من بيتنا .. و أحمد .. انزينه .. و هزاع و بعد فيه نفر يديد هذا أول مرة أشوفه .. اسمه حارب .. و مادري شوه سالفته .. لابس لبس عسكري .. يقول انه بيسلم و بيسري الكلية .. أي كليّة .. الله يعلم .. هيه .. و بعد بنت عمج الغاوية .. تحت .. عوشه .. يخرب بيتاا .. لابسة بدلة صفرا تخبّل .. بس قليلة أدب ..!!
اتسعت عينا حور بصدمة ..
- محد قليل أدب غيرج .. شوه هالرمسة ..
مطت دانة شفتها بلا مبالاة .. و هي تطوح بقدميها .. كطفلة ..
- انزين شوفيها و ارمسي .. مظهره شوي من قذلتاا .. و مسوية ميك اب و هب متغشية .. حتى روضة هب متغشية ..!! بس روضة مغطية شعرها .. أقول حور .. شرايج نبطل الغشي نحن بعد .. اظاهر انه محد يتغشا عندهم هنيه .. ما نبى نسوي طفرة في المجتمع و نغيّر حياة الأوادم ..
وضعت حور يدها على خصرها ..
- لا و الله ..؟
- هيه و الله ..
- عطيتج ويه أنا ..!! نشي ذلفي .. و أنا بنزل وراج الحينه ..
رفضت دانة بشدة ..
- لاااااا .. حبيبتي .. انا ما بنزل الا وياج .. ريلي ع ريلج ..
- ليش ان شا الله ..؟؟
ضحكت دانة و هي تنقلب على ظهرها و عينيها على السقف ..
- الحين انتي محط اهتمام .. و حرمة غيث .. و خوانه يايين و متعنين لج .. يعني بتكون الأضواء مسلّطة عليج .. انا بنزل وياج .. عسب يكون لي من الاهتمام نصيب ..
اتسعت عينا حور بدهشة ..
- هب صاحية يا عرب ..!!
- من زمان ..
- خواتج وين ..
- كلهن تحت .. أقولج تجمهر .. لكن الشيبة ما شفناه .. ما أطري شيبتج .. قصديه شيبتنا .. يختي هاليد شرا الخل الوفي .. نسمع عنه و ما نشوفه ..
نظرت حور للمرآة تتسائل عما اذا كان عليها أن تستبدل ثوبها البسيط ..
- يدوه تقول انه مشغول بعزبته .. أبدل هالكندورة ..؟؟
نظرت لها دانة مقيّمة ..
- لا ما بيخطبونج .. شوه هالشغل في العزبة .. يعد ركابه .. و الا يطلع القردان منهن .. أسميه الا يتعلث بها .. و ما يبا يشوفنا .. يمكن هو ما يبانا فبيته ..؟؟؟ حور .. يمكن ؟؟ صح ..؟؟
عقدت حور حاجبيها بعصبية .. و هي تلتقط غطاء الشعر الخاص بالصلاة .. الذي التف بعرضه ليغطي نصف جسدها .. وتمسك بطرفه استعدادا لتغطية وجهها .. لتهب دانة و تحذو حذوها .. و هن يتجهن الى الباب .. فيما تكابد حور مخاوفها هي الأخرى .. لتطمسها بعيدا عن متناول عين دانة الفطينة .. لم يمر سوى يومان ..
لا يمكنهم أن يحكموا على رغبته من خلالها ..
- يمكن مستحي .. و الا هب متوعد علينا ..
تركن الغرفة و دانة تقول مفكرة ..
- ليكون انتي لي محفظة نايف و مزنوه هالجملة ..
أدخلت حور شعرها بعناية و هي تتأكد من عدم انفلاته من الخلف ..
- ليش ..؟
- لنه كل ما قلنا شي عن الشيبه .. قالو هالكلمة .. قلنا محد يشوفه .. قالو ما تعود .. قلنا ما يرمس .. قالو ما تعود .. قلنا عصبي قالو ما تعود .. قلنا لحيته بيضا .. قالو ما تعود ..
لكمتها حور بابتسامة ..
- لا و الله ..
ابتسمت دانة و هي تسأل ..
- صدق حور .. أحسه مستحي و الا يكابر .. و الا انه ما يبانا .. مادري كيف ..
ردّت حور بهدوء ..
- اصبروا عليه .. عنبوه مالنا يومين هنيه .. عدنا ما حفظنا أسامي هل البيت حتى ..!!
لكن عيني دانة لمعت ببريق غريب و هي تقول ..
- ما عليه منه .. ما بصبر أنا .. باكر مدارس .. و بنّش و بننزل غصب الصبح .. و بنصيده قبل لا يسرح عزبته ..
ارتفعت شفة حور العليا بابتسامة ساخرة ..
- و شوه بتسوين به ..
- برقص ديسكو وياه .. شوه بسويبه بعد .. بحاول أدردش وياه شوي ..
ثم انحرفت لكنتها المرحة بشيء من الحزن و هن يقتربن من الدرج العريض ..
- تعرفين .. ابويه الله يرحمه كان يرهبنا شوي .. و وايد نحترمه .. عقب ما مات كنت أفكر ..
أبطأت حور خطواتها .. قبل أن تتوقف و عيناها للأرض ..
لا تريد التقاء الحزن في عيني أختها .. لن يساعدها ذلك أبدا ..
قد تفترش الأرض بكاءا ..!
- تفكرين فشوه ..؟؟
تابعت دانة بصوتٍ كان مختنقا رغم محاولاتها اليائسة لابهاجه ..
- أفكر لو إنّا كنّا .. نتداخل وياه و نندمج أكثر .. نسولف .. يعني .. كان تمتعنا بالضحك وياه أكثر .. و بقربه .. كان عرفناه .. بشوه كان يحس .. و شوه كان يفكر فيه .. و شوه لي يتمناه ..
بلعت حور غصّتها بيأس كبير ..
و هي تشعر بالحزن يلف فؤادها ..
محقّة دانة ..
و كانوا سيعلمون على الأقل سبب ابتعاده عن عائلته .. و سبب جفاء أبيه المتكبر الآن ..!
قالت حور بصوتٍ أرادته أن يكون قويّا .. و هي تمسك بيد أختها التي إلتمعت فجأة بدموعٍ حبيسة .. و كأنما كانت تكتم خاطرا إنفجر الآن فقط ..!!
- نحن عرفناه .. مثل ما كان يبا .. كان قوي .. و شامخ .. أصيل .. و طيب .. صح الحزم لي كان يعاملنا به كان يرهبنا .. بس يكفي انه كان يبانا نرفع راسه .. نتربى زين .. و لي أنا متأكدة منه انه كان يتمنى اننا نعرف أهله .. و الله ساقنا لدربهم .. بنبر بأبوه و أمه .. مهما كانت معاملتهم ..
صمتت دانة لبرهة .. تلتقي عيناها بعيني حور المصممتين ..
عمق وسع محجريها راح يبرق بعزم غريب .. جعل دانة تتساءل لوهلة ..
كيف تحوّلت العدائية القديمة نحو عائلة أبيها داخل أختها لهذه الأفكار المختلفة ..؟؟
شدّت على يد حور الممسكة بيدها .. قبل أن تومئ بابتسامة خفيفة .. اخفت الكثير من ألم لم تطلقه بعد ..
- مهما كانت معاملتهم ..؟؟
لتعيد حور الكلمة .. بصوت واثق ..
- مهما كانت ..
.
.
.
.
عيناها تجولان في أوجه كل من حولها ..
ابتسامتها الدافئة .. تتسع .. تتسع ..
و بريق صافي من السعادة راح يشع من عينيها العتيقتين ..
هذه الفرحة .. و هذه الراحة .. و هذا الإحساس .. كبير للغاية ..
أكبر من الحياة ذاتها ..
لا تستطيع أضلعها احتوائه ،، تنتقل نظراتها بين أوجه أحفادها المجتمعين ..
بأوضاعهم المختلف ..
ثم تستقر على الجسد الناحل الذي يجلس بجانبها ..
و يدي المرأة التي أصبحت لا تفارقها تقريبا منذ قدومها تحتضن لفافة صغيرة ..
لفافة يغفو داخلها ذاك الحلم الوليد ..
هذا الحلم طويل للغاية .. و هذه الغفوة اللذيذة ممتدة ..
لا بأس .. فلتمتد .. إلى تلك الأيام الباقية من حياتها ..
تشعر بأن البهجة تغزو روحها .. و أنها في لحظة ما ستفتح عينيها لتستيقظ .. و تجد نفسها على فراشها ..
و قد فقدت ابنها الذي قضت عمرا تأمل عودته ..
و أن عائلته لم تصل إليها بعد ..
لا بأس .. ليس عليها سوى ان تستعيد هذه الرؤيــا النقية..
و ستجد نفسها عطشى للنوم ..
ستنام .. ستنام ..
يغرقها السلام ..
لكن هذا ليس بحلم ..
هي هنا ..
و حولها هم يجلسون ..!
.
.
وضعت ساقا على ساق و هي تسند خدها على كفّها بضجر واضح .. تربت بأظافرها الطويلة على وجنتها ..
و تمط شفتيها الممتلئتين بملل ..
بدت أنيقة للغاية و اللون الأصفر يضفي على وجهها الفاتن تألقا مختلفا ..
تتجاهل الأصوات المختلطة ..
الأحاديث الرجولية من على اليمين .. و الهمسات الخافتة من طرف بنات عمّها ..
حتى حماس روضة التي كانت تجلس بجوارها لم يكن يعنيها كثيرا ..
تساءلت بقهر .. هل سيطول الوقت قبل أن تتفضل صاحبة الجلالة بالنزول ..؟؟!
لم تمنع زفرة متضايقة من الانفلات من صدرها .. و هي تحاول بجهد أن تستعيد ملامح وجه تلك الشابة ..
لكن غرابة شعورها في المرة الأولى طمست كل شيء من ذاكرتها .. لتترك صورا مبهمة .. لا تكاد تتبين منها شيئا ..
كان لها أن تتذكر ملامحها لو كان لها أن تلقي نظرة على واحدة من أخواتها الجالسات هنا ..
و لكن الجلسة المستقيمة .. و الأوجه المختبئة خلف الأغطية الثقيلة لم تساعدها أبدا ..
نقلت نظرها لأمهن التي تلبس بدورها - البرقع - ..
تبا ..!
أنى لها أن ترى شيئا و أبناء عمها يستمتعون بالجلوس هنا .. و لا يبدو أن لديهن نية بنزع أغطية الوجه في وجودهن ..
هه .. كم سيستمر تمسكهن بهذه الأغطية قبل أن يحذون حذوها هي و روضة و شيخة ..
لا يمكن أن يعتدن على ذلك .. فالأمر أشبه بإقامة حواجز كثيرا .. مع وجودهم هنا .. و عيشهم في بيت جدها ..
ارتفعت عيناها تلقائيا .. و هي تشعر بدنو أحدهم مع استدارة بعض الرؤوس نحو الدرج العريض الذي يتوسط المنزل ..
برودة كريهة اجتاحتها بشدة .. و هي تراقب الفتاتين اللتان تنزلان الدرج .. عرفت دانة منهما .. فقد كانت تجلس للتو معهم و التقتها ..
أما الثانية .. المكسوة بثوبٍ أبيض طبع بأزهار مختلفة الألوان .. هي القادمة الجديدة ..
ودت بإخلاص لو أن نظراتها تخترق الغطاء .. لتصل إلى وجهها .. لتجردها ..
ستنبش كل شيء .. كل ما يختبئ خلف ذاك الوجه الصافي .. و العينين الواسعتين .. و الملامح الهادئة ..
كيف ..؟ كيف اندفع غيث خلف هذه الفتاة و تزوجها رغم خلافات عائلتهما ..
و تركها هي .. تجاهل أنوثتها البارزة .. و قوة شخصيتها ..
هي أنسب من تلك الدخيلة لتكون زوجة له ..
تلك الأفكار راحت تتصارع في داخلها و هي تقف على قدميها .. بطولها الذي ضاعفه كعب حذائها الحاد ..
تنظر من الأعلى للغطاء المبهم الذي لا تعلم حقا ما الذي يختفي خلفه ..
أو ما الذي تخبّئه في نفسها صاحبته ..
و تمنت بيأس لو أنها تعلم بحبّها لزوجها .. لو أنها تدرك أنها في خطر حقيقي ..
و أن عوشة لن تبذل مجهودا كبيرا قبل أن تنتزعه من بين أناملها ..
بعد أن سلّمت على روضة .. تقدمت منها .. لتسلّم عليها ..
قشعريرة غير مفهومة انطلقت على طول ظهرها و حور تضع يدها على ذراع عوشة .. و تهمس بصوتٍ خافت قرب أذنها .. و هي تسلّم عليها
- غناتيــه .. نحرج ظاهر ..
لبرهة غريبة .. خيّل لعوشة أنها لم تسمع جيدا لولا أن امتدت يد حور بخفة دون أن يرى أحد ما تفعل .. لتسدل - - الشيلة - على جزء يسير من عنق عوشة كان الحجاب قد انزاح كاشفا عنه .. ثم تبتعد بهدوء و كأنها لم تفعل شيئا ..
في اللحظة التي ابتعدت فيها حور .. وجدت عوشة نفسها تقف للحظتين بلا معنى ..
فيما تستقر حور إلى جانب المها .. و تجلس دانة قرب جدّتها .. راح قلبها يخفق بقوة غريبة .. و هي تكاد تشعر بتلك الأنامل تضفي الستر عليها ..
كانت روضة تجلس بجوارها و لم تبدِ ملاحظة بهذا الشأن .. روضة التي راحت ترمقها بنظراتٍ حذرة و كأنما تخشى أن تقفز عوشة فجأة لتهجم على زوجة اخيها ..!
شعور بالإحراج راح يجتاحها ..
إحساس غبي راحت توأده بقوة ..!
كانت خصلاتٌ تطل من مقدمة حجابها أيضا .. تلامس جبينها العاجي .. لكن حور لم تبدِ ملاحظة بشأنها ..!
لم تكن هذه المرأة الأولى الذي يشير فيها أحد لما تكشف من شعرها ..
لكنها لم تتوقع إطلاقا من غريمتها المرتقبة أن تحرص عليها بهذا الشكل ..
و لو أنها تجاهلت بشكلٍ ما شعرها الذي تعمّدت إظهاره .. و سترت ما رأت أن عوشة لم تقصد أن تكشفه ..
كان ما فعلت حور من العمق بحيث أنها استطاعت أن تتطفل على روحها ..!
و الا .. ما الذي يدفعها الآن لكي تدس تلك الخصلات المنزلقة تحت الحجاب بأصابع مرتبكة .. ؟
شعور غير مفهوم أجبرها على أن تكون أكثر إحتشاما .. فالمنظر أمامها مع اجتماعهن كلهن بأغطيتهن الثقيلة .. و جلوسهن المتصلب .. حتى روضة التي كانت لا تزال ترتدي عبائتها .. و تلف شعرها جيدا بالغطاء ..
جعلها ذلك تشعر بأنها مجرّدة !
.
.
سمعت همسة نورة التي تجلس بجانبها لعفرا و هي تقول ..
- بعدي و الله .. هاييلا هل الفزعة الثنينة لي ظربوا سلوم ويه العنز تحيدين ..؟؟
لم تسمع رد عفرا لأن حامد كان ينظر إليها مباشرة و هو يجلس إلى جوار أخيه و يقول مبتسما ..
- شحالج حور .. ربج بخير ..
شعرت حور بوجهها يحمرّ بقوة من تحت الغطاء .. تذكرت استقبالها المشين لهذا الرجل قبلا حين أتى ليقدم لهم المساعدة .. بينما قبلت مساعدة أخيه الأكبر بطيب خاطر ..
هل يتذكر مثلها ..؟
تنحنحت بحرج ..
- بخير الله يعافيك .. شحالك انته .. رب ما تشكي من باس ..
- يسرج الحال .. في نعمة .. و المعونة ..
- كفيت المهونة ..
ثم ترددت برهة قبل أن تقول بخجل خانق ..
- السموحة منك يا ولد العم .. يا غير لي استوى أيـ ...
لكنه رفع يده يسكتها بابتسامة هادئة ..
- لا تستهمين .. نسيت السالفة ..
- و الله هب من قدرك .. لك الحشيمة .. لكن اسمحلنا ..
عاد يقول بهدوء ..
- بالحل يا أم سيف .. أفا عليج .. نحن أهل .. و كل واحد منا يمر بظروف اظهره عن طوره ..
أم سيف ..؟!!!
تجاوزت الكلمة و تجاهلت النظرات المستفهمة غير المدركة لهذا الحديث المبهم ..
تعلم أن حديثهم هذا مجرد ألغاز .. و لن يفهمه أحد باستثناء أخواتها .. لذلك قالت بارتياح ..
- تسلم يا حامد .. بيض الله ويهك ..
- ويهج أبيض ..
ثم صمت بعدها .. ليسألها أحمد عن أحوالها .. تبعه هزّاع ثم شاب يجلس إلى جواره بدا شبيها به للغاية .. بلحية خفيفة و شارب مرتب .. يرتدي زيّا أكاديميا عسكريا كحليّ اللون .. و قد علّق نظّارة شمسية في ردائه .. و أمسك قبّعته في يده .. و قد أشار إليه أحمد بحارب ..
هذا حارب إذا ..!!
حسنا .. ها هي تتعرف أفراد عائلتها الجديدة واحدا تلو الآخر ..!
لكن ما إن سلّم حارب .. حتى هب واقفا ليسلّم على جدته التي راحت تهيل عليه بمختلف الأدعية العبقة برائحة الحب .. و الحنان ..
هامته طويلة تقارب هامة أخيه هزّاع .. لولا أن الأخير كان أعرض منه قليلا .. و توقعت أن يخرج الإثنان معا لولا أن لوح لهم حارب مودعا قبل أن يترك المكان .. فيما ظل هزاع جالسا ..
.
.
انحنى أحمد على هزّاع يسأله بخفوت ..
- ليش ما خاويت حارب و وصلته ..
ليجيب .. هزاع بسرعة ..
- خويّه يرقبه برا .. بيسير وياه ..
ثم همس بابتسامة ماكرة ..
- بعدين أبا أرتب أموريه .. ماتدري .. كاد ربك حد من هالغراشيب حاطه عينها عليّه ..!
- ليش .. حد قاص عليك و قال ما فيهن عيون .. وايد مصدق عمرك ..
نظر له هزاع شزرا و هو يقول بخفوت ..
- ليش شوه قاصر منيه يا الهرم ..
- و شوه فيك من زود ..
رفع هزاع حاجبه بغرور ..
- أسابق .. هب حاطينيه إحتياط ..
لمع الغل في عيني أحمد فورا حين وجه له هزاع هذه الملاحظة التي لطالما ضايقته .. و أشاح بوجهه عنه .. ليجد عينيه تتجه فورا نحوها ..
ما بال نظراته اليوم لا تفارق مكان جلوسها ..
مذ علم أنها هي .. حتى سلّط عينيه بقوة إلى مكانها .. يريد التقاط أي إشارة أو حركة منها ..
رغبة غريبة تدفعه لاختلاس النظرات إليها ..
و ذهنه يستعيد رقّة تلك الملامح .. لترتسم ابتسامة بلهاء بلا معنى على شفتيه و هو يتذكّر شهقتها و ذعرها لمرآه ..
و يأخذ الذنب في التعاظم .. و التضخم داخله ..
رغم ذلك لا يمكنه منع الكثير من الأسئلة المجنونة التي تدور في داخله ..
صمّاء ..!!!
كيف تعيش إذن .. كيف تتأقلم فتاة في عمر الزهور مع مثل هذه العاهة ..
ألا تتشوق لأحاديث و ضحكات قريناتها ..
ألا تشدها اللهفة لمشاهدة التلفاز أو الإستماع للمذياع ..
هل تصلي ..؟ اذا كانت تفعل .. كيف استطاعت حفظ الآيات .. أو كيف تعلمت الصلاة ..
هل تعلم ما هو اسمها .. أو كيف ينطق ..
هل تدرك من هم الناس الذين حولها ..
صمّاء ..؟
اذا تزوجت ..
تزوجت ..!
هل ستتزوج ..
راودته صورة لها مع شخص طويل بوجه ضبابي ..
ليعقد حاجبيه بشدّة ..و هو يطردها بسرعة عن ذهنه ..
إذا فعلت .. و أنجبت طفلا ..
كيف ستعيش عمرا تنشئ فلذة كبدها دون أن تترنم بصوته و هو ينشدها بأمي ..؟
كيف ستعلم متى يبكي .. متى يصرخ مستنجدا ..متى يشكي لها ..
أو كيف هي الطريقة التي ستتعامل بها معه ..
مهلا ..
أ و ليست أمها صماء كذلك ..
و لديها تسعة أبناء ..
تسعة ..؟!!
في ذاك الفقر المدقع .. و مع عاهة كتلك ..
انه ضعف عددهم و هم يرفلون في النعيم ..
تساءل في داخله عن ماهية شعور عمه حين تزوج تلك المرأة ..
هل أحبها .. هل قال لها يوما كم تعني له .. و كم هو مشتاق لها ..
كيف فعل ذلك يا ترى ..؟
- عنلاتك يا الهرم .. كلت البنية بعيونك .. فضحتناا ..!!
اهتزت نظرته من على البياض الذي يغطيها ليلتفت لهزاع الذي بادله النظر بابتسامة مخنوقة ..
هل كان واضحا أنه كان يختلس النظر إليها ..؟!
- لا كلتها و لا عندك خبر .. كنت سرحان و هي فدرب عيونيه ..
رفع هزّاع حاجبه بشك حين راح أحمد يدير عينيه في الموجودين باحثا عن عينٍ اخرى التقطت استراقه للنظرات ..
- في درب عيونك .. إلا عيونك من يلسنا و هي تنحرف لهاك المسار ..
أعاد أحمد ظهره العريض للخلف بارتياح حين بدا أن الجميع مشغولين عنه ..
- أي مسار انته و ويهك .. اظاهر ان سباق الخميس الياي مأثر ع مخّك ..
قال هزاع بخفوت ..
- لا هب مأثر عليه .. و أنا أشوفك من يلست و انته تطالعها و تتحرا محد يشوفك ..
ثم أردف و هو ينظر لها نظرة سريعة ..
- بس شوه عندك ..؟ ما لقيت الا هاي .. يعني خواتاا الباقيات ما عليهن باس ..
عقد أحمد جبينه و شعور بالغضب يسري في عروقه لا يعرف له سببا محددا .. كره أن يشير لها هزاع بهذه الطريقة ..
فهمس من بين أسنانه بقوة ..
- و بلاها هاي ..
ابتسم هزّاع .. و هو يحاول استدراجه ..
- يعني .. صمخا ..!
التفت أحمد نحوه و قد تحجرت ملامحه بقسوة .. ليضحك هزّاع بخفوت و هو يغمز له ..
- و تقول ما اطالعها ..!! أعصابك يا الحبيب حرقتنا عيونك ..!
لكن احمد بدا منفعلا دون سبب و هو يقول باستياء ..
- هزاع لم ثمك ..
- أوووففف ..!! بلاك ..
- ما يخصك .. و اعرف عن منوه ترمس .. هاييلا بنات عمنا ..
هز هزاع كتفيه ..
- و أنا شوه سويت ..؟؟ رقمت حد منهن ؟.. شف عمرك .. انته لي طايح في المسكينة مطالع من يلست ..
رد أحمد بضيق لينهي هذا الحديث الذي لا سبب له .. و لا يعلم إلى أين أن يمكن أن يؤدي ..
- بس خلاص سد السالفة ..
ابتسم هزاع بهدوء و لم يتكلم .. يعرف أحمد .. يعرفه جيدا ..
و يعرف تفاصيل روحه .. و خلجاتها الخفيّة ..
هو أقرب له من الوريد ذاته ..
و متأكد الآن بأنه يخفي شيئا ما ..!
ما هو ..؟ و لما هذا الإهتمام و الإعتراض المفاجئ على تلك الصمّاء ..؟؟
لما هي ..؟ هل أثارت شفقته يا ترى ..؟
هه .. لن يطول به الأمر .. حتما سيعلم ما الذي يدور في داخله ..
و على هذه الفكرة .. لكم كتف أحمد بقوة .. لينظر الأخير إليه بغيظ .. فيبتسم هزاع ابتسامة عريضة ..
.
.
ما الذي تخفيه يا رجل ..!

.
.
.
.
شعرت حور بالتململ قليلا أمام وهج تلك النظرات الساقطة عليها ..
ما بال تلك العوشة تتساقط بَرَدا ..؟ بدت جامدة و عيناها لا تفارقان وجه حور المختفي خلف الغطاء ..
هل أزعجتها الحركة التي قامت بها عن حسن نيّة ..
متأكدة بأنها لم تكن تعلم بالجزء المكشوف من رقبتها .. لذلك نبهتها ..
لا .. لم تزعجها هذه الحركة .. و الا لما أخفت مقدمة شعرها التي كانت خارج الغطاء ..!
شعرت حور بتوجس ينتشر في داخلها .. هل هذه فرد معارض لقدومهم أيضا ..؟! لكن لم يتضح منها شيئا سوى ذاك الجفاف المربك ..!
أغمضت عينيها لبرهة تنفض سوء الظن عن فكرها .. تستعيد ما قاله أخوها ..
.
.
أنا متأكد انهم خايفين و متوترين أكثر عنج .. بس لي أشوفه انهم متحمسين لييتكم .. حور غناتيه .. قوي قلبج .. انتي الكبيرة .. و هلج يعتمدون عليج .. خلج هادية .. و رزينة .. و واثقة .. محد جبرهم يخلونكم تعيشون وياهم لو هم ما يبون .. و بعدين لو انتي تميتي خايفة .. و هم خايفين .. منوه لي بيخطي الخطوة الأولى ..؟
.
.
حقا من سيخطي الخطوة الأولى ..؟
راحت تركز على من حولها .. في الوقت الذي كانت جدتها تقول لعوشة ..
- و خالتج رمستيها ..
لتجيب عوشة بصوتها الناعم الذي يرن فيه دلال طفلة غريب ..
- هيه اليوم الصبح امرمستنها .. و تسلم عليج يا أميه .. لاهين بملكة ولد خو ريلها ..
- هيييه الله يعينهم .. ما بتيينا ..
نظرت عوشة لروضة .. و هي ترد عليها ..
- تقول بتيي يوم الملكة ..
- ما عليه .. حيّاها الله ..
أي ملكة ..؟!
لكنها لم تجد المزيد من الوقت لتتساءل ..! طرقات مرتفعة على باب المدخل .. و صوت رجولي قوي يدوي في الردهة ألجم أفكارها ..
- هوووووود .. هوووووود ..
ما إن إنزلق الصوت إلى مسامعها .. حتى راح الدم يهدر بقوة في شرايينها .. يضج في إذنيها ..
و قلبها يخفق بعنف ..
شعور بالخفة اجتاحها .. و عيناها تتلهفان للمدخل .. مع رد جدتها بصوتها المهتز ..
- هدااا .. اقررررب ،،
تنتظر عينيها دخوله .. هو الرابط بينها و بين هذا المكان ..
الشيء الوحيد الذي تشعر به جزءا منها و منهم .. ألفة دافئة تسكنها في حضوره القوي ..
لكن فورا اهتز ذاك الإحساس و هي ترى الرجل الذي يدخل أولا ..
إستعادت احساسها هذا الصباح بالإستياء .. حين مرّ من أمامهم أثناء الفطور دون أن يسلّم .. أو ينتظر سلامهم حتى ..
و عاد ذهنها إلى اشتكاء نايف من أنه رفض تناول الغداء معه بالأمس .. و فضل تناوله وحيدا .. و دفع نايف لإطعام نفسه بينهن ..
لم يجبره أحد على استقبالهم هنا على حد علمها ..!
اذا كان ينفر من وجودهم فليس عليه سوى قول ذلك .. و سيكونون أكثر من سعداء في بيتهم ..
تلك الفكرة حفرت عميقا في روحها ..
لا يريدهم .. لا يريد أبناء حمد ..!
لذلك يتجاهلهم .. و يعاملهم بهذا الفتور و البرود ..
لم ترى وجهه يلين بابتسامة واحدة ..
واحدة فقط .. حتى و هو يرحب بهم ..
دوى صوته الذي بدا كالزئير في تلك البرهة .. و الجميع يهب وقوفا ..
- السلام عليكم ..
و خلفه تماما .. تقدّم الرجل الأسمر ذاته .. فارع الطول .. و قد شمّر عن ساعديه القويتين .. و طوى - غترته - بإهمال و نظارته الداكنة لازالت تعلو وجهه .. فيما يحمل في يده وعاءً فضيّا يقارب حجم نصف إسطوانة غاز .. أغلق بإحكام ..
يتقدم بتلك الثقة التي عاد قلبها يرتعش أمامها .. صوته الثقيل .. الجهوري يتردد وراء صوت جده قورا ..
- السلام عليكم ..
ليردّوا عليه معا بأصواتهم المتفرقة ..
- و عليكم السلام و الرحمه ،،
في لحظات فقط تبادل الرجال السلام قبل أن يناول غيث أحمد الوعاء الذي كان في يده و هو يأمره ..
- أحمد .. ودّه المطبخ .. و قل لهن يبطلن الغطا ..
التقط أحمد الوعاء الثقيل بسهولة من يد أخيه الأكبر قبل أن يتوجه للداخل نحو المطبخ ..
في استدار غيث حيث تجلس جدّته و زوجة عمّه ..
انتزع النظارة عن عينيه .. لتلين قسمات وجهه بوسامته الخشنة ..و هو يبتسم ابتسامة آسرة .. عينيه تبرقان بحب .. و هو يتقدّم نحو جدّته .. التي أطلقت جمل الترحيب المختلفة بصوتٍ متحمس مهزوز ..
تغدق الحب عليه و هو ينحني ليقبّلها و يلثم جبينها بوله ..
تقدمن الفتيات جميعا من الرجل العجوز الذي يقف أمامهن بفتور ..
شعرت حور بالمسافة تتقلص بينهما .. و هي تدنو منه ..
تجد نفسها أمامه الآن .. قسمات وجهه العجوز بدت جافة للغاية و هو يعقد جبينه ..
تقف على أطراف أصابعها .. كي تصل لأنفه الذي كان مرتفعا و يخفض رأسه قليلا .. لتصل إليه وتسلّم ..
قشعريرة باردة امتدت على طول ظهرها حين لامست يدها ذراعه .. نظرت عن كثب لعينه لتجدها متصلّبة النظرة ..
ساهمة إلى ما وراء رأسها لا ينظر إليها و هي تقول له بصوتٍ طوّعته ليُثقل بإحترام هزم البرودة داخلها ..
- شحالك يدي .. ربك بخير ..
ليرن صوته قربها .. عميقا .. ثقيلا .. شرّخته السنون .. و كل ما مضى ..
- بخير يعلج الخير .. شحالج ..
أ يعلم من هي يا ترى ..؟
أم أنها ابنة حمد فقط .. و أن أبناء حمد وجوهٌ بلا نعوت ..
ابتعدت قليلا تزيح المجال لعوشة التي تعلّقت به بقوة .. و صوتها الناعم يعاتبه بدلال ..
- أبويااه .. شحالك فديتك .. ربك بخير ..
و يتبخر الجمود لبرهة .. و ملامحه تلين بدفءٍ لها ..
- بخير فديتج .. شحالج ابويه .. رب ما تشكين من باس ..
و لم تسمع شيئا آخر .. لأن يدا دافئة أطبقت على ذراعها .. لتتجمد أوصالها بقوة ..
لم تكن تحتاج للالتفات لمعرفة صاحبها الذي جذبها نحوه بخفّة .. و صوته الرجولي المتسلي يصل لأذنها بخفوت .. شكّت بأن يسمعه غيرها ..
- سلام عليج يا حرمة ..
إحساس غريب اعتصر معدتها .. و قلبها يرتجف بين أضلعها بقوة .. حين أصبح يشرف عليها بطوله الفارع الآن ..
ترفع رأسها نحوه متطلّعة ..
عينيه تضيقان إثر إبتسامة خفيفة تتربع على شفتيه ..
قريب منها للغاية .. ينضح برجولة تحبس أنفاسها ..
بدا مختلفا .. مختلفا للغاية .. آسرة ..
له سطوة الأسد في عرينه ..
مرتاح كثيرا هنا .. بدا ذلك جليّا عليه ..
تخترق نظراته غطائها الثقيل .. حتى شكّت أنه يرى كل تعابير وجهها المضطرب .. و يقرأ فرحتها برؤيته ..
و إحساسها بالأمان قربه ..
لتشيح بناظرها إلى صدره الفسيح و صوته الأجش يسألها بهدوء ..
- شحالج حور ..
ارتجف صوتها و هي تقول بنبرة خافتة .. خذلتها ..!
- بخير الله يعافيك .. شحالك انته ..
- بخير و سهالة .. هااا نايف .. يبتها ..
قال عبارته الأخيرة لنايف الذي دنا منه و هو يحمل صحيفة بين يديه ..و يناولها غيث بسرعة .. مع مفتاح سيارة ما ..
انسحبت من قبضته بخفّة تنشغل بنايف الذي كان قد خرج مع جدّه منذ الصباح و لم تره حتى الآن ..
لتنحني عليه و هو يسلّم عليها ..
الحقيقة انها تخشى عليه من هذا التقارب الغريب بينهما ..!
كان غيث يتبادل الأخبار مع أخواتها واحدة تلو الأخرى .. و في اللحظة التي ناول فيها عفرا الصحيفة التي كانت بين يديه لتضعها بعيدا ..
شعرت بنظرات تسلّط عليها من مكانٍ ما ..
حامت بعينها على وجوههم ..
و لم تبحث طويلا ..
أمامها مباشرة و إلى جانب جدها تقف ..
قست عينا إبنة عمّها الفاتنة .. و هي تطالعها بنظرة غريبة للغاية ..
تحمل إحساسا أسودا لم تفهم كنهه ..
اضطربت من العداء الذي ارتسم على وجه عوشة ..
لم تكن تحمل على ملامحها إلا البرود منذ برهة ..
أبعدت انتزعت عينيها عن وجه عوشة بقلق و هي تلتفت لنايف الذي يقف بجانب غيث ..
كان متحمسا ..
مشعا ..
و نشيطا للغاية ..
.
.
و لسبب لم تفهمه .. و كرهت نفسها لأجله ..
آلمها أن تجده مستمتعا هنا ..!!

* * * * *

( افتحي جريدة الإتحاد لي عطيتج اياها .. الصفحة 12 )
كانت الرسالة في هاتفها موجزة .. لا تشرح شيئا ..
الجريدة التي كانت قد وضعتها في الصالة لتنساها فلا تعود لذكرها الا في اللحظة التي وصلتها فيها هذه الرسالة ..
تذكّرت بحثها المجنون عنها قبل أن تجدها في المكان الذي وضعت ..
لتلتقطها و تجري بها عائدة إلى غرفتها ..
تغلق الباب خلفها عدة مرات .. و كأن أحدا ما قد يقتحم المكان .. ليشكف سرا ما ..
نظرت للجريدة المطوية بين يديها و هي لا تزال تلصق ظهرها بالباب ..
قدماها تعجزان تماما عن التحرك .. و هي تتنفس بسرعة ..
ما الذي تركه لها .. رسالة ما ..
ماذا لو كان أحد قد وصل إليها .. او قرأ كلماتٍ دونها في الجريدة .. و اكتشف ما تخفي ..
تقطّعت أنفاسها خوفا لهذه الفكرة .. و هي تبعثر الصفحات بين يديها وصولا للصفحة رقم 12 ..
ألقت نظرة عليها ..
لا توجد أي رسالة .. و لا كلماتٍ مكتوبة ..
لا شيء .. !
هل سقطت ..؟ هل وجدها أحد ما قبلها ..
أم أنه لم يترك لها شيئا ..؟
توقفت لبرهة لتفتش في الجريدة نفسها ..
دارت عينيها على العناوين المختلفة لمحليّات البلاد ..
عدة أخبارمتنوعة عن فعاليات و أنشطة مختلفة و ......
و اصطدمت عيناها بعنوان المقال الذي توسّط الصفحة تماما .. لتقفز عيناها على أسطره ..
تلتهم الكلمات بسرعة ،،
.
.
( مواطن إماراتي يتعرض للضرب و للإصابة بعيارين ناريين يصيبانه بالعجز )
تعرض المواطن الإماراتي سالم يمعه ......... لهجوم ليلة أمس على طريق المزارع الخاص بمنطقة الخزنة ، حيث ضرب ضربا مبرحا أدى إلى فقده لبعض أسنانه و إلى كسور في بعض ضلوع القفص الصدري .. و لوح كتفه الأيمن ، قبل أن يصيبه مهاجمه بعيارين ناريين في ركبته من مسافة قريبة أدّت إلى تمزق أوتار و أربطة الركبتين ، و تلف العديد من الأعصاب فيهما ، و قد أشار الفريق الطبي الذي استقبل حالته في مستشفى المفرق بالأمس إلى أنهم سيبذلون جهدهم في محاولة إنقاذ قدميه ، فيما لم يستطع التحقيق أن يجدي مع الرجل الذي لا يزال في غير وعيه ، و قد كشف تحليل الدم عن وجود نسبة مرتفعة من الكحول في دم الشاب الذي وجده أحد عمّال المزارع القريبة ينزف قرب سيارته و لا أثر للمهاجم ، إذ قام بعدها بنقلـ ......
.
.
و لم تكمل ..
راحت الأوراق تنزلق من بين يديها لتتناثر على الأرض .. تتطاير حولها قبل أن تغفو بسلاسة في الأسفل ..
فيما تضع يدها على فمها ..
و دموع متحجرة في مقلتيها ..
أغمضت عينيها بقوة .. لتتزاحم أمامها الصور المخيفة تلك ..
و هو يضربها .. ينتهكها .. و يمزّق رزنامة أيامها بفجوره ..
لا يبالي بصرخاتها .. و توسلاتها ..
لا يكترث بأحلامها التي راح يدهسها بقدمه في غمرة هجومه القذر ..
انفلتت شهقة معذّبة من بين شفتيها ..
و رثاء غريب يغزو روحها ..
شفقة راحت تتآكلها على نفسها ..
لم تعد سوى حطام ..
حطام .. يحاول أن ينهض متهالكا لمواصلة ما كان عليه مسبقا ..
.
.
دموعها تنزلق بقوة و هي تنشج باكية ..
شعرت بوحدة قاتلة بعد أن تعرضت للحادث .. و أنها مجرد فتاة بلا حامي ..
نست بان وراءها زوج اختها ..
رجل يمكنها الإتكاء عليه و نعته بـ أخي ..!
لقد انتقم لها .. مزّقه ..
و هدم حياته كما فعل ذاك معها ..
و بتشفٌّ غريب .. راحت تبتلع صوت نحيبها داخلها ..
تحتضن ركبتيها و تدفن وجهها بقوة بينها ..
.
.
لقد حكم عليه بدمار يشبه ما أحالها إليه ..!

* * * * *

بعـد مرور أسبوعٍ و نيف

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
كانت الفكرة واضحة للغاية و بسيطة تماما ..
لما لا ترسل لذلك الكاتب الرسالتين التي قامت بكتابتها .. تطلب رأيه فيها ..
و تعبر عن مدى إعجابها بمقالاته التي تتابعها ..
يمكنه إعتبارها تلميذة له ..
و إذا كانت تلك الرسائل صالحة للنشر ..
سترى إن كان بإمكان إدارة التحرير أن تمنحها فرجة صغيرة .. أسبوعية ربما .. لو لم تكن يومية ..
راح الحماس يطمس البؤس الذي لازمها في آخر الأيام ..
و الشعور التعيس بالغيرة و الحقد بعد أن رأت غيث للمرة الأولى مع تلك التافهة ..
شعرت بأن أحقادها القديمة تنبلج من أعماقها كي تنبثق في تلك الثانية التي اندفع نحوها ليلقي عليها التحيّة ..
تداركت ألمها بسرعة .. و هي تلقي نظرة جانبية .. لزميلتها العانس التي تلازمها في هذا المكتب ..
لا تكن لها الود إطلاقا .. و لا تحاول أن تتظاهر بأنها تفعل ..
لذلك كان تعاملهم جافا باردا .. و مزريا للغاية ..!
أعادت عينيها للرسالة التي كانت قد كتبتها منذ ما يقارب الأسبوع ..
.
.
( إليكِ ،،
ماذا توقعتِ يا أنتِ ..؟!
كلماتٍ مبللة بالدموع ..؟؟ أم صرخات ستنفلت من بين طيّات الورق ..؟
تبا ..
لن أفعل ..
لن أبكي ..
مطلقا ..
حتى و ان مزقتني رؤيته معها ..
تلك الراحة .. و البهجة الصامتة في عينيه بقربها راحت تذبح فرحتي برؤيته ..
ذاك الرجل هو حق مكتسب لي .. كيف انتزعته من بين براثني ..
لن أبكي يا أنتِ .. لن أفعل ..
و إن قتلني إحساسي بالوحدة .. و شعوري المر بالضياع ..
أ و تعلمين لما ..؟
لأن هذه الأوراق ستصلكِ يوما ..
و حين تفعل .. ستكون دموعي قد جفّت .. و تعاستي استحالت فتاتا منسيا ..
حين تجد الرسائل أناملكِ اللطيفة .. سأكون قد نسيت حاجتي لكتفٍ ألقي بثقل عبراتي عليه ..
ما بال هذا الحزن يتعاظم في نفسي ..؟
أ لوجودهم في البيت الذي أعتبره بيتي الثاني ذاك الأثر ..؟
أم أن التكاتف الذي أفتقر إليه راح يمزقني بصمت ..
لا أعلم يا أنتِ ..
و لكنّي أجدني قادرة الآن على الحقد ..
سأحقد على الكل ..
عليها .. تلك المتطفلة .. و عليه .. ذاك المخادع ..
و عليهم ..
أولئك الفرحون بوجودهم الجديد هنا .. مستمتعون بهؤلاء القادمون من المجهول ..
و سأحقد على نفسي ..
لأنني أرثيها ..
كيف أصبحت بهذا الضعف .. متى اهتزت أعمدة قوّتي ..؟
حائرة .. لا أفهم نفسي ..
هذه ليست انا ..
بل أنا أكثر صلابة ..
و سأسحق هذا الضعف ..
سأسحقه ..
لكن قبل ذلك أمهليني يا أنتِ ..
أريد أن انتثر أشلاءً هنا لبرهة ..
غريب هو شعور ينتاب المرء بالخلو ..!
تغدو روحه خاوية ..
خاوية .. خاوية .. خاوية ..
أجد نفسي مشدوهة أمام حبّهن و البساطة ..
مذهولة من إمرأة لا تدري ما أكيل لها .. فتسدل ستار الحياء سترا على تكشفي ..
مصدومة .. بعد أن رأيت ذاك الرجل الذي إخترت يوما أن أحب .. و قد إمتلك الحق في إحتواء حب غيري ..!
لأفاجأ بعد كل ذلك أن البرد جمّد أوصال إحساسي .. فلم أعد أشعر بشيء ..
لم أعد أشعر ..!
فقط أقف وحيدة .. وسط زحام أيامهم ..
مذهولة .. لا أفقه شيئا ..
من أنا .. و ما الذي أحس به ..و إلى أين أمضي ..
أنفصل عن ضجيجهم ..
أين غاياتي .. و أين هي أحلامي ..
أين ما أريد .. و كيف أصبحت لا أعرف حقا ما أريد ..
خاوية روحي يا أنتِ ..
أنى لي أن أعيد ملأ عروشها .. بإحساسٍ إنفلت ..
لم يعد في قبضتي ..! )
.
.
طرفت بعينيها الواسعتين و هي تشعر بعبراتها الغبية تقف على شفير الهدب ..
يا إلهي ..!!
ما الذي دهاها .. ليست هي من تتأثر بهذه السرعة ..
منذ قدوم أولئك الغرباء لأراضيها .. حتى أصبحت تشعر بأنها مهددة ..
و على وشك أن تسلب عائلتها .. و بنات عمّها .. و الرجل الذي تحب ..
و كل من حولها ..
هي أقوى من كل هذا ..
و سيرون ..
.
.
و على هذه الفكرة ..
حدّدت النص أمامها قبل أن تنسخه بنقرة على الرسالة الإلكترونية التي وضعت عليها بريده ..
قلم حر ..
ها أنا أجرّد نفسي في رسالتين فقط ..
قد تعتبرها مجرد خواطر عابثة ..
لا تصلح سوى للمجلات الفنية .. و مشاركات القرّاء ..
ثق أن رأيك يعني الكثير ..
أرجو أن تستحسن ما كتب ..
أتمنى ذلك فقط ..
فعلي أن أنجح في مجال ما في حياتي على الأقل ..!

* * * * *

- سألت عنج ..
قالتها هدى بحذر و هي تنظر إليها ..
فيما استلزم شيخة الكثيرة من التحكم بالنفس .. و هي تشد على حقيبتها و تنقل ثقلها لتستند على قدمها الأخرى ..
و تسأل ببرود و كأن الأمر لا يعنيها ..
- ما قالت لج شوه تبا ..؟
- لا .. ما قالت .. بس قالتليه لا تخبرين حمدان انيه سألت عنها .. و كانت تبا رقمج ..
فتحت شيخة عيناه ..
- ليكون عطيتيها الرقم ..؟؟
طمأنتها شيخة بهدوء ..
- لا .. حسيتاا تبا تسويلج مشاكل .. هاي العنود معروفة انها تحب حمدان و كلنا نعرف انه حمدان ودّه تردين للشلة ..
- انطبي و سدي السالفة .. انا كل ما أرمس في هالموضوع تيينيه لوعة ..
قالت لها هدى بهدوء ..
- انتي ما بتخبرينيه شوه استوى ..
تحرّكت شيخة الآن تتجه نحو قاعة المحاضرة القادمة و هي تقول باشمئزاز ..
- ما استوى شي .. اكتشفت انيه ماريد أرابع هالأشكال و بس ..
- في خمس دقايق اكتشفتي هالشي .. و انتي مرابعتنها من خمس شهور ..
نظرت لها شيخة ببرود ..
- هيه .. عندج مانع ..؟
بطرف عينها أجابت هدى ..
- لااا .. و ع فكرة .. ما كانت العنود بروحها ..
- منوه يايبه وياها واسطة ..
- اسومة ..
توقفت شيخة في منتصف الطريق بذعر ..
- أسومة ..؟؟ أسومة منوه ..؟ أسماا خميس ..
صديقتها السابقة من أيام الثنوية .. التي التقتها منذ مدة .. أيعقل أنها تعرف تلك الفتاة ..؟
لكن هدى قالت ..
- مادري شوه اسم أبوها .. بس قالت انها تعرفت عليج في حفلة مبزرة ..
راح ذهن شيخة يدور بجنون .. و هي تردد ..
- حفلة مبزرة ..؟
راحت تستعيد الأوجه التي مرت بها في تلك الليلة المشؤومة ..
أسومة .. أسومة ..
أي واحدة منهن ..؟!
و فجأة استعادت الصورة في ذهنها ..
.
.
يفتح الباب على اتساعه لتطلّ منه شابة اتضحت ملامح وجهها الناعم على الضوء القادم من الخارج .. جسدها النحيل يكتسي بكنزة ملوّنة بلا أكمام و تنورة تصل لركبتيها و كعبٍ عالٍ و قد تناثر شعرها المجعد حول وجهها و هي تصيح بحبور ..
- حموووووووودي ،،
أحنت حمدة رأسها تقبل خد الفتاة التي رفعته لها .. و هي تلف ذراعها حول خصرها بحميمية ..
- أسووووومه يا حبي ..
عقدت شيخة جبينها دون أن تتكلم .. و هي ترى حمدة تلامس خد الفتاة و تقول ..
- ريحتج حلوة ..
ظربت الفتاة كتف حمدة و هي تقول بعتب ..
- ريحتيه دوم حلوة ..
ثم التفتت لشيخة بفضول ..
- أووبس .. منوه ..؟؟
ابتسمت حمدة بفخر غريب ..
- هاي شيخة .. خويتيه ..
عقدت أسماء جبينها بحيرة ..
- كيف يعني خويتك ..؟
- يعني فرند .. خلي الهذرة .. و حدري .. لو حد يخطف بركن عند الباب انتي و هالعصاقيل ..
.
.
تنهدت شيخة براحة ..
مجرد تشابه أسماء فقط ..
كادت تطلق ضحكة مجنونة بفرح ..
لا علاقة تربط صديقتها الطيبة التي التقتها مؤخرا من جديد ..
بأي من قذارة حاضرها التي تخفيها ..!

* * * * *

وقّف وأنا ساعتي وقفت عقاربهـا
ثم دار ظهره ودارت دنيتـي فينـي

تنوف روحـي وأمـر الله قاضبهـا
مامت، لكن رأيت الموت في عينـي

يقفي وانا اطالع الخطوات واحسبها
وعدّيت لين العد ما عـاد يكفينـي

أمد ايدي للترايـب مـع هضايبهـا
أبا اخفض أي شي يزمي بينه وبيني

حدقت لين احتضن رمشي حواجبها
لين السما حدّرت للقاع فـي عينـي

وغديت أنا البوصلة للـي يراقبهـا
والبوصلة ثابتـة فـوق اتجاهينـي

شمالها والجنوب عيـون صاحبهـا
واليا اتجه.. أتجه ماشـي يثنينـي

مشاعرٍ داخلـي أزريـت لا اكتبهـا
أكبر من انه حبيب ويَـب يخلينـي

وأكبر من الحب والحاجة وراغبهـا
ماكنـه الا مخلّفـنـي وناسيـنـي *
.
.
ضمت ذراعيها بيديها .. تحتضن نفسها عن برد الهواء الذي راح يهبّ في ذاك الموقف على الطريق إلى القمة .
الموقف الي كان خاليا من أحد .. عداها .. و ابن أخيها الذي كان يجلس في مقعد السائق .. فاتحا بابه .. يراقب وقوفها أمام بعيدا أمام سياج يحيط الحافة ..
و في الهوة أسفلها .. لمعت أضواء المدينة البعيدة ..
مربّعات متقنة الترتيب .. يعلم أنها ليست سوى معسكرات عسكرية ..
في الموقف الخالي .. كانت تأخذ راحتها تماما و قد انتزعت - البرقع - عن وجهها ..
لتنزلق غرتها على جبينها بنعومة فائقة .. انتفضت قليلا إثر برودة الجو هنا ..
و هي تسحب أنفاسا عميقة بهدوء ..
كم هو غائر ذاك الجرح في روحها ..
تداريه داخل أعماقه عن الأعين .. و لكن ما أن تولي ظهرها لهم .. حتى تنقشع غمامة البرود عن عينيها اللتان تلتهبان ألما يذبحها ..
كيف لحبٍّ أن يسلبها الإرادة هكذا .. و يقودها خلف ذل أفكارها ..
تشتاق له .. كثيرا ما تفعل ..
فمنذ أن أرسل لها ورقة الإنفصال لم يعد يأتيهم ..
يتصل بعمّته فقط ..
عمته تلك التي ارتفع بينها و هي حاجز صلب .. راح يفصلهن عن بعض ..
تتوجع هي بصمت .. تخفي ألمها عن الجميع و اللامبالاة عن أعينهم ..
تريد أن يتأكدوا أنها بخير و أنها لا تموت في كل لحظة .. و هي تتخيله سعيدا بقرب زوجته الآن .. بعيدا عنها .. و عن فرضها لنفسها ..
متهرّبة من كل ما يذكّرها به .. حتى أختها ..
تخشى أي نظرة أن تجردها ذاك القناع الزائف ..
.
.
تسلل صوته العميق من خلفها ..
- التفكير الدايم هب زين ..
ابتسمت بخفّة .. تلملم معالم أي حزنٍ قد يفضحها .. لترسم ابتسامة حلوة لابن أخيها الذي أخذ على عاتقه مهمة أن ينسيها كل شيء ..
فراح يلازمها .. يمرح معها .. يدفعها للخروج .. و الضحك ..
كثيرا ما كانت تنسى جرحها أمام مساعيه الطيبة ..
قالت بهدوء لا يعكس ذاك الدمار في داخلها ..
- و امنوه لي يرمس .. الدكتور عمر بن ظافي .. و الا عمور ولد خوية ..
ضحكته الرجولية ترددت بقوة ..
- لي تبينه منهم .. أهم شي لا تفكرين وايد .. لنه التفكير يضخم الأمور في عيوناا .. و لو نسيتي شوي بتشوفين ان السالفة مع الوقت تصغر فعينج ..
- منطق غريب من جرّاح المفروض انه يفكّر مليون مرة في الثانية ..!
ابتسم لها .. يحيط كتفيها بذراعه .. يعيد كلماتها ممازحا
- عيل هالنصيحة من عمور ولد خوج هب الدكتور بن ظافي ..
سحبت نفسا عميقا قبل أن تزفره ببطء .. و هي تحاول الحفاظ على ابتسامتها المتهالكة ..
- ليش الحياة كذيه يا عمر .. ليش كل واحد ما يحصل اللي يبغيه ..ليش نراكض ورا شي ما يرزا .. الواحد منا يضيع سنين عمره ظامي يبغي يغمة من سراب .. ما تطوله يدينه .. و يروح العمر .. و ليا قرب من هالسراب .. درى انه بيموت ظامي .. لن ما فيه حيل يرابع ورا الماي مرة ثانية .. الماي لي يمكن يطلع سراب ..!
نظر لها عمر صامتا لثانية فقط .. قبل أن يشد على كتفيها ..
- الحياة هب كذيه .. أبدا .. الحياة تعطي شي .. و تاخذ غيره .. الله يبتلي الإنسان .. يختبره .. و المؤمن منا ما يصكّه اليأس .. و تنتهي الدنيا عنده فنقطة .. فوادج متويّع ع لي راح يا خولة ..؟ بسألج .. نادمة على عمرج لي راح .. و الا على غيث ..؟
لمع الألم بقوة في عينيها لترتجف شفتيها بقوة ..
لا يحتاج لكلمات تترجم الإجابة ..
- لو عن عمرج .. فالعمر قدامج .. بس ما بيوقف لج .. هو يمشي و انتي ملزومة تمشين وياه ..و الا بتلقين عمرج فجأة في مكانج و العمر طافج .. لا لحقتيه .. و لا لي ترقبينه ياج ..
ثم أردف بقوة .. و هو يديرها نحوه ..
- و لو ع غيث .. فالقلب لي هب مستعد يحتويج و يبادلج احساسه .. المفروض تشطبين بيانه .. الحب يا خولة احساس كبير .. هب شوفني و أشوفك .. و المس ايديه و اغمزلي .. هب الرمسة المعسولة .. و لا نظرات الشوق .. الحب شي سامي .. و ثقيل .. هب كل واحد منا يروم يشلّه فداخله ..انك تحبني .. يعني تحترمني . و تقدرني .. تحس بيه .. و تتأثر .. تبكي لا تويعت .. و تضحك لا فرحت .. هو قدرتج انج تسامحين و تغفرين .. الحب هو احساسج انج حيّة .. و تلقين مخلوق .. يستاهل انج تعيشين عشانه .. و لو كان غيث يحس بهالشي كلّه صوبج ما ودرج ..
كسرت الكلمة الأخيرة قلبها .. لتنفلت دموعها من عقلها .. تبلل وجنتيها و الهدب ..
ليغمض عمر عينيه بصبر ..
- أفااا .. تصيحين ..! ما حيد دموعج رخيصة عسب تبكينه يا خولة .. لا تيأسين يوم انه راح .. الحب لي فداخلج شي طيب و جميل .. هب لازم تخنقينه .. و تذبحين هالشعور .. بس غيري اتجاهه .. نفسي عنه في من حولج .. صبيه على لي يستاهل ..نحن نحبج كلنا .. أخوانج و خواتج .. و عيال أخوانج .. لا تحرقين هالشعور .. و تغدين رماد من عقبه .. اذا تحبّين .. حاولي تميزين منوه لي بتحبينه .. بتشوفين ان مشاعرج تنصب في الإتجاه الصح ..
بدت تشهق الآن بقوة .. فيما ربّت على ذراعها يتابع بصوتٍ هادئ ..
- خولة .. خولة ..! اسمعينيه .. هو هب في حايتج .. و لو كان يباج ما فرط بج .. بس نحن محتايينج .. محتايين خولة .. و حبّها .. و حياتها .. محتايين وجودج ويانا .. نحن أهلج .. و هو حيّا الله ريّال دخل حياتج و ظهر .. ليش ما تنسينه ..؟ انسيه و بترتاحين ..
ارتجف صوتها و هو يتهدج في همس متوجع ..
- ماروم .. و الله ماروم ..
صر بأسنانه في غيظ ..
- ليش ما ترومين ..لا تقولين تحبينه .. لنه ما يستاهل .. لو هو ريّال .. ما علّقج ثلاث سنين .. و آخرتاا يطلقج .. بس هالأشكال كذيه طبعها .. تتحرا بنات الناس لعبة .. الواحد يخطب .. و يعلّق البنية .. خلاف يغير رايه .. هذا هب ريّال .. لو فيه ذرة مـ ...
شهقت خول تقاطعه بألم ..
- لا يا عمر .. لااا .. غصبن عنه .. غصب .. غيث هب كذيه ..
عقد عمر جبينه ..
- غصب ..!!
بدا نشيجها واضحا الآن ..
- هيه .. هو ما يخصه .. انا لي اخترت ..
الآن هو لا يفهمها ..
- اخترتي ..؟ اخترتي شوه ..؟؟
ثم تتسع عيناه بشيء من المفاجأة ..
- انتي لي طلبتي الطلاق ..؟؟ ليش ..؟؟
لكنها هزت رأسها نفيا بمرارة ..
- لاااا .. ما طلبته و لا أباه .. بس ما كان فيه حل غير انه يطلقني ..
- حل شوه ..؟؟ خولة ارمسي .. شوه السالفة ..
.
.
و أمام إصراره راح يجرّ الخيوط كلها من بين أنامل الكتمان ..
فيما تبصق هي تلك الحكاية المرة التي لم تكن سوى تعيث خرابا في جوفها مع كل لحظة تمر ..
و أمام إتساع عينيه .. و ذهوله .. و غضبه ..
سرد له كل شيء ..
انجذابها له .. و اندفاعها نحوه .. دخوله العاصف إلى حياتهم ..
و إضطراره للسفر مع عمّته ..
و رغبتها في الموافقة و اتفاقية الزواج المجحفة بحق كرامتها ..
و قتالها للقبول ..
كل شيء ..
حتى تفاصيل الختام المسرحي .. حين صُلِب فؤادها ..
على أنغام هطول عبرات الذل الذي تجرعته ..
و هو يستدير مختارا المضي على تحمّلها ..
.
.
بعد كل هذا لم يفلح بكاءها الممزق في لجم غضبه الهادر و هو يصيح بقوة ..
- انتي صااااااااحية .. كيف استوى كل هذا ..!! متى صار .. من ثلاث سنين و انتو تكذبون عليه ..
- محد .. محد .. يدري .. الا أنا و نهياان ..و ميعاد .. بس .. عمر .. دخيلك .. لا تخبر حد ..
لكنه انفجر في وجهها ..
- أخبرهم بشوه ..؟ سواد ويوهكم .. كيييييييف .. ؟؟ كيف طااااااااع نهيااااااااان .. كيف هنتي عليه ..
راحت تنشج مدافعة ..
- أنا لي عندت و ما طعته .. كنت أبــ .. ابااه .. و بعدين ما كان في حل الا هذا ..
عاد يصرخ بقهر ..
- حل لشوووه ..؟ انتي تدورين عذر .. شوه هالسخافة لي انتو فيها .. و الا فاضين بس كل واحد يدور له سبب .. تاخذين واحد بس عسب ياخذ راحته فبيتكم ..!!! عنلااااااااته الهرم .. و الله لو كنت أدري .. نهياااان كيف .. كيف رضي بهالشي ..
شد قبضتيه بقوة يمنع نفسه من لكم أي شيء امامه ..
- كيف أرخصبج .. و يوزج اياه .. و عشان شوه ..؟ عشان ياخذ راحته .. الله يلعنه .. الكلب .. شوه ياخذ راحته .. بيت أبوه عسب ياخذ راحته ..؟ و الله لربيه الكلب ..
تشبثت به خولة باكية ..
- عمر .. دخيلك .. دخيلك .. حلفتك بالله .. و الله ما تييه و لا تخبر حد انيه خبرتك .. انا أستاهل ..
أزاح يديه بقهر ..
- تستاهلين .. !!
أمسك بلحيته و هو يقول بحقد ..
- و الله انها هب لحية ريّال لو ما ندم الحيوان .. يتحرا بنات الناس وقف لعيونه ..
أمسكت خولة رأسها و هي تصيح .. غير مبالية بالمكان الذي هي فيه ..
- باااااااااااااس .. بسسسسس .. بس ..
تهدج صوته مجددا يفقد قوّته ..
- بس .. حرام عليك .. و الله حرام .. اروحيه هب قاهره لي فيّه .. هو ما غلط بشي .. انا لي كنت أبا أسافر و نهيان هب موجود .. و أنا لي وافقت ع الاقتراح .. أنا لي كنت أبا .. محد غصبنيه .. محد غصبنيه ما تفهم .. انا لي يبت هالشي لعمريه .. و هم قالو له ان الزواج باطل .. و طلقنيه .. يبانيه أشوف نصيبيه .. افهمنيه يا عمر .. افهمنيه .. دخيلك .. أنا مابا شي خلاص ..
همست بوجع و هي تضع يدها على فمها .. و وجهها المبتل يئن حزنا ..
- مابا شي .. بس أبا أنسى .. تعبت .. أبـ ....
و قبل أن تتم عبارتها .. شعرت بذراعيه الصلبتين تحيط بجسدها المرتجف .. يضمها بقوة .. و هو يقول بألم ..
- خلاص .. خلاص خولة .. تعوذي من ابليس .. أنا آسف لنيه صارخت عليج .. بس نرفزتنيه السالفة ..
بكت و هي تذفن وجهها في صدره ..
- السالفة انتهت .. يا عمر .. و كل واحد راح فطريق ..
هز رأسه و هو يخنق القهر في داخله ..
- ما عليه .. بس انتي هدي شوي .. تعالي .. بنرد السيارة ..
لكنها استقامت في وقفتها قليلا .. تهدئ من روعها ..
راحت تمسح دموعها .. و ترتشف من الماء الذي جلبه لها من سيارته ..
مرت دقائق طويلة قبل أن تتماسك مجددا ..
شعرت لحظتها براحة شديدة .. كانت بحاجة ماسة لهذا الانفجار ..
رفعت عينيها .. تناظر وجه ابن أخيها بامتنان ..
- تصدق .. كنت محتاية أرمس حد .. محتاية أفضفض .. و ما لقيت حد يسمعني ..
عقد جبينه بقسوة ..
- ليش .. وينها عنج ختج ..؟ و الا شاطرة تخلي العرب يضحون عشانها بس ..
هزت خولة رأسها بسرعة ..
- لااا .. بس أنا هالفترة ماحب أرمس وياها وايد .. أتهرب منها ..
- ليش ..؟
نظرت له خولة ببؤس ..
- مادري كل ما أشوفها أتذكر لي استوى .. و بعدين هي متلومة .. و تقول انها السبب .. و أنا هب ناقصة عقد ذنب .. اروحيه ما قهر لي فيّه ..
ثم مسحت وجهها بقوة ..
- ذكرتنيه .. ما اتصلت بها أطمن عليها ..
لكن عمر لا يزال متأثرا بما سمع للتو .. لذلك قال ببرود ..
- ما عليها شر .. شوه بيستوي بها يعني ..
التقطت هاتفها الخلوي .. و راحت تدق أزراره بسرعة ..
- اروحها في البيت .. نهيّان في بوظبي ..
انتظرها .. و هو يصرّ على أسنانه بقهر ..
قبل أن ترفع رأسها و هي تقول بأسى ..
- ما ترد عليّه ..!!

* * * * *


- حور السالفة استوت عقب ما يينا هنيه بيومين .. و الحين خطف اسبوع و نص تقريبا ..!
لكن الغضب الملتهب راح يشع في عيني حور التي تقف في منتصف حجرتها الواسعة و هي تلتفت لهن بقوة ..
- و ليش ما خبرتنيه .. هاا ..؟؟ انتن ما بتيوزن عن حركاتكن الماصخة .. تبن لي يسنعكن .. تلعبن ع مزنوه قلنا ما عليه .. بس توصل بكن لطولة اللسان ع يدي ..
اتسعت عينا دانة و هي تدافع عن نفسها ..
- أي طولة لسان .. الا هو لي هد علينا و طير فواديه .. قسم بالله انيه بغيت أشيّب ..
قالت عفرا التي كانت تجلس بهدوء على الأريكة جوار المها التي تراقب الوضع أمامها بقلق ..
- حتى و لو .. فيه اسلوب ترمسين به ويا خواتج و ربيعاتج .. و احترام يوم يكون حد عود و الا غريب عندج .. ما حيدكن ترمسن بقواة العين هاي عند ابوية الله يرحمه ..!
لكن حور اعترضت بقهر ..
- و من اسبوع و نص .. الحين اتذكرتن تخبرنيه .. و ليش هنودة و مزنة ما قالن ..
نظرن دانة و نورة إلى بعض بشيء من القلق .. قبل أن تجيب نورة بقلق ,,
- نحن قلنا لهن ما يخبرنج .. خفنا تعصبين علينا ..
- يعني تعرفن ان لي سويتنه غلط ..
تويلتها دانة بيأس ..
- و نحن شوه سوينا .. دوم نمزح ويا مزنوه و نلعوزها .. بس هو شب ضو مرة وحدة و يلس يزاعق علينا ..
وافقتها نورة بسرعة ..
- هيه و الله .. حور لا تعصبين .. و الله ما كنا قاصدات .. و ما بنعيدها ..
وضعت حور يديها على خاصرتها و هي تتنهد بقوة .. قبل أن تقول بهدوء تحاول التزامه ..
- انتن ما تفهمن .. هاييلا ما قد تعودوا علينا .. و عدهم يتعرفون علينا و ع شخصياتنا و أخلاقنا .. تبونهم ياخذون فكرة شينة و يقولون بنات حمد قليلات أدب ..
قلن معا ..
- لا ..
- اففف .. خلاص عيل .. حسن شوي بالمسؤولية .. و احترمن المكان لي انتن فيه .. برايكن استهبلن عندنا ع كيفكن .. بس فيه حدود تلتزمين بها عند العرب ..
لكن عفرا اعترضت بهدوء ..
- لحظة حور .. ما ظنتيه انج تبينهن يتعاملن ويا هلهن برسمية ..؟؟ بنات خذن راحتكن .. بس اركدن سوي .. تعلمن الرزانة .. و ما بتموتن و الله ..!
مطت نورة شفتيها بتذمر ..
- لا و الله ع آخر زمانيه تعطينيه ناقة محاضرة ..
رفعت عفرا حاجبها ببرود و هي ترد ..
- الناقة عمتج و تاج راسج .. انا أستاهل لي دافعت عنكن ..
نظرت لها دانة شزرا ..
- أعوذ بالله .. صدق الحاية بنت حرام .. نحن يايبينج واسطة انتي و المها اللي اسمها في الدلع مهاو .. فرفورةٍ تسّلـف الشمـس السنـا .. مغويةٍ و يطرد وراها كـل غـاو ..
نظرت نورة للمها التي لم تكن تسمع شيئا مما قيل .. فقط تتابع حركة شفاههن و تعابير أوجههن بجهدٍ بليغ ..!
- إن وقفت كل شـي متباعـد دنـا .. و إذا مشت كل شي متلخبط تسـاو .. و اليا مشت قـال النمـل الله لنـا .. تقاو يا صبري على جوعي تقـاو ..
هزت حور رأسها بيأس مع تغيّر الموضوع بسرعة .. حين سألت نورة بشيء من الحماس ..
- حور باكر بنسير للسوق ..
نظرت لها حور و هي لا تزال غاضبة من الامر الذي عرض عليها منذ قليل ..
- لا هب ياكر و أنا خبرتج انه يوم الخميس .. بس شكلها السيرة بتتكنسل و بنسير انا و مهاوي و عفاري بس .. اذا تميتن ع حركاتكن هاي ..
عقدت دانة جبينها ..
- عنبوه حور .. ذليتينا و الله .. مساعة تهازبين و تخشعين .. ما سامحتينا .. قلنا آسفين و ما بنعيدها ..!!
نظرت لها حور شزرا و قبل أن تقول شيئا ارتفع رنين هاتفها الحاد .. الذي راح يهتز على الطاولة الأثرية القابعة بجانب السرير ..
لتلتقطه نورة الأقرب إليه بسرعة .. تمعن النظر إلى شاشته و هي تتلفظ باسم المتصل ..
- غييييث ..!!
ثم نظرت لوجه حور الذي احتقن بالإحمرار فجأة ..
- مسودة الويه شوه بينج و بين الريال عسب ترمسينه ..
قالت لها حور بغل يغالب إحراجها .. و هي تنتزع الهاتف من بين يديها ..
- ريلي يا السخيفة . و اظهرن لو سمحتن أبا أرقد ..
قالت دانة بخبث ..
- بترقدين و الا بتلحقين ع السهرة ..!
- جب .. براااا ..
ضحكت نورة و عفرا و دانة .. و المها تهب واقفة مع اشارة حور لتشير لها بفمٍ متثاءب عن رغبتها في النوم .. فتبتسم حور بوجه خجول تحت وطأة نظرات البقية ,,
- يا الله لو سمحتن ..
ثم تنهدت بإحباط لم تستطع إخفاءه حين انقطع رنين الهاتف دون أن ترد عليه ..
- اففف .. مالت عليكن بند ..
ضحكت نورة عليها بشدّة ..
- حشى مستلغثة ..
و توجهت عفرا للباب تهز رأسها باسمة ..
- تصبحن ع خير سامحنيه ..
قالت حور بصوتٍ نزق و عينها تعود للنظر إلى شاشة الهاتف منتظرة أن تضيء مجددا بإسمه ..
- و انتي من هله .. بالحل .. يا الله شنقل و منقل .. آوت سايد ..
رفعت نورة حاجبا ماكرا .
- حور اثقلي ..
و أيدتها دانة ..
- خلج رزينة ..
صاحت حور بسرعة حين عاد الهاتف إلى الرنين ..
- جب .. جب .. براااا .. بسرعة ..
خرجت نورة و هي تجلجل بالضحك .. و صوتها يصل لحور ..
- خيييييبه حور .. ما بيطير ..
شعرت حور بالحرج .. و راحت تبرر كاذبة ..
- لاااا .. هو يبانيه في موضوع ضروري ..
لكن نورة التي خرجت لم تسمعها فقط دانة قالت و هي تتوجه للباب ..
- موضوع شوه ..؟؟ حبني و أحبك .. امففف عليج يا بنت حمد .. طلعتي سهلة المنال ..
قالت حور لها بغل و هي تشعر أن المكالمة ستنتهي للمرة الثانية ..
- جب .. و بندي الباب وراج ..
راحت دانة تغلق الباب ببطء و هي تترنم بأغنية ما أثارت جنون حور ..
- حايرة .. و الشوق بين عيونج .. خايفة تحبين و يلومونج .. باقية بنص الدرب محتارة .. ما تعرفين هذا العشق و أسراره ..
لم تنتظر من دانة أن توصد الباب و هي تأخذ نفسا عميقا .. قبل أن تجيب على تلك المكالمة و قد استلزمها كل جهدها لتخرج الصوت من جوفها بقوة ..
- ألووه .. مرحبا ..
- مرحب حواري ..
لم يكن هو .. عادت للنظر إلى الشاشة بفزع تحوّل لخيبة و هي ترى ذاك الاسم يتألق عليها ..
لتقول بصوتٍ خائبٍ لم تستطع أن تزرع فيه إحساسا بالحماس ..
- هلا رويض ..!

* * * * *

في ذاك البيت الصغير ..
الخالي من كل شيء عدا عجز أحدهم ..
كانت الأبواب مغلقة ..
و النوافذ موصدة ..
الشمس قد ولّت منذ ساعاتٍ طوال معلنة الرحيل بتعب ..
فيما بقي القمر وحده يتهجّد وسط السماء ..
تناجيه النجوم المتفرقة ..
نسمة عابرة داعبت الشجرة العجوز التي كانت تتكئ أمام الباب بوهنٍ ..
و قد نخر أوراقها الخريف قبل قدوم الشتاء ..
.
.
في ذلك البيت الصغير ..
لم يكن أحد هنا ..
لم يكن أحد في البيت سوى جسد افترش أرضيّة المطبخ الصلبة الباردة ..
و قد انقلب قربه كرسيّ بعجلاتٍ راحت تدور بحركة بطيئة بعد أن استلقى على احد جانبيه ..
و وعاء القهوة الساخن الذي اندلق على الأرض قربها ..
لتتناثر قطراته الساخنة في كل مكان ..
تصيب شيئا من جسدها اللاواعي ..
و قد غطّى الشعر وجهها تماما ..
.
.
كانت تغفو هنا بعد أن سقطت لوحدها ..
لم يكن أحدٌ يعلم بما جرى لها ..
فكلٌّ وراء همّه يسعى ..!

* * * * *
* عقارب الساعة / للمبدعة الراحلة عابرة سبيل





























.
.
.
.

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 28-04-08, 01:40 AM   المشاركة رقم: 93
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

هناا اكوون نزلت كل الخطوات اللي عندي بالتجوووري.. خخخخخ
وباذن الله من الخطوه 18 بنكوون متابعينها مع الكاتبه.. وراح يكون باذن الله تنزيل الخطوات خميس ايه وخميس لأ.. يعني خميسين بالشهر..

واول خميس راح انتاابع مع الكاتبه القصه راح يكون الخميس الجاي..
اتمنى انكم تستمتعوون بالقصه.. وانا باذن الله كل مانزلت الكاتبه جزء.. على طوول بانقله هنااا..

تمنيااتي للجميع بقرااءه ممتعه.. واتمنى ان عدد القرااء يزيد ويكون الدليل بزيااده الردود.. الله يعطيكم العافيه جميعاااا..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 30-04-08, 12:30 PM   المشاركة رقم: 94
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

يتيمة فرحتها..

يامرحباا ملاايين.. وش هالرد اللي يبرد القلب.. فعلااا .. دانه ونوره انا معتس انهن ملح القصه..

بس ياختي ليش هالقسوه على غيثااني.. لاا تقسين عليه مره ثانيه.. خخخخ

وباذن الله الباقي احلى وارووع..

يتيمة فرحتهاا .. لاااا هنتي على هالحظوور الطاغي والمليان رقي..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 01-05-08, 03:19 AM   المشاركة رقم: 95
المعلومات
الكاتب:
dew
اللقب:
قطر الندى



البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32556
المشاركات: 8,339
الجنس أنثى
معدل التقييم: dew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسيdew عضو ماسي
نقاط التقييم: 5602

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dew غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



مرحبا زارا ,,,كيفك يا قمر ؟ قرأت الخطوات الاربع ..ولسه خلصتها ....

كل ما أستطيع قوله هو مذهل و رائع جدا ,,,أجزاء تحتوي على دفق من المشاعر الرائعة لكل شخصية في القصة ,,, لم تهمل الكاتبة أي شخصية بل أعطت كل منها حقها ,,,رائع جدا


الجد بدأت أشفق عليه ,,,فقد أحزنتني حالته وقطع قلبي همه الذي لن يستطيع التخلص منه ,,كم هو مؤلم أن تفقد أحبابك وانت لا تعلم ان كانوا سامحوك على ما حدث
مشاعره تجاه أحفاده الجدد ورغبته أن يكون قريبا منهم ,,كانت واضحة جدا ,,التشتت وخوفه أن يحكموا عليه لأنه قد طرد أباهم ,,جعلتني أحس بالشفقة عليه ,,, أكثر مقطع جلب الدموع إلى عيني هو هذا

اقتباس :-  
كان قد وصل إلى الردهة حين تفاجئ بذاك الجسد الصغير الذي يقف في أقصاها عند الباب بتردد ..
ضيّق عينيه الحادتين على ذاك الطفل .. متجاهلا الوخز الذي راح يخز فؤاده ..
لتتصاعد نبضات قلبه ..
تتصاعد .. تتصاعد ..
كيف لنظرة طفلٍ حذره أن تعيده سنواتٍ للوراء ..
تغمره رائحة الماضي العتيقة .. و ألوانه الباهتة ..
و مرارته ..
يلتهب شيء ما في صدره الآن ..
و هو يبعد عن ذهنه صورة طفلٍ كان يعرفه ..
يشبه هذا الجسد الصغير كثيرا .. بنفس تلك الخطى المترددة ..
و نفس النظرة الحذرة .. الشكاكة ..
طفل إعتاد على تأديبه .. و تعليمه ..
أنشئه بيديه هاتين .. و لكن لسبب لم يعرفه .. أُفسدت تلك النشأة ..!!
كيف .. و متى .. و لماذا ..
هذا ما لم يجد له إجابة حتى الآن ..
أكان الذنب ذنبه يوما ..؟؟
أهو السبب في فقدانه لابنه قبل كل شيء ..
ذاك السؤال سيظل عمرا بلا إجابة ..
حتى يوم يبعثون ..
عندها فقط ..
سيجد نفسه أمام خالقه .. وجها لوجه مع إبنه..
محاسبا على كل ذلك .. كل ذلك ..
عيناه الآن تحتدان على وجه الصبي الذي راح يدنو منه بقلق ..
لا يمكنه أن يخطئ هذه التفاصيل .. معالم وجه هذه الطفل حفرت دهرا في فؤاده .. حتى و إن شاخ صاحبها ..
و إن ولّى ظهره للدنيا تاركا إياها .. لا يبتغي سوى رحمة من ربه ..
تلك الملامح هي نفسها التي فاجأته بعد رحيله .. ليجد أنها استحالت وجها متعبا .. أرهقته السنون ..
الآن يتشقق قلبه بقوة ..
كعادته كلما جال ذاك الخاطر المفزع في خلده ..
أ و أسدل ابنه الأجفان مثقله بهجرانه .. غافيا قبل إن يغفر له ..؟!
.
.
يخنق خفقتين خائنتين راحت تتفلتان بقسوة من سيطرته ..
لتضج ألما و وجعا ..
تكاد تنوح بيأس .. إثر ذاك الشعور الذي يبّس قلبه ..
شيء يحرقه .. يحرقه ..
حتى و ذاك الوجه الصغير يتطلع إليه .. ينشد طلبا واضحا ..
ليجد نفسه ينحني عليه ..
سامحا للأنف الصغير أن يلامس أنفه .. و أن تداعب القبلة لحيته المبتلة .. ليقوم بحركة بعدها .. لا يفعلها الا حفيده الأكبر ..
يدنو من الكتف المنحني فيطبع قبلة أخيرة عليه .. قبل أن يتراجع بهدوء .. و صوته الطفولي .. يرتفع بخشونة مفتعلة دفعت بسمة خفيّة لمناوشة شفتيه الجامدتين ..
- صبحك الله بالخير يا بوية ..
ليرد بصوتٍ أمعن في إخلاءه من كل خواطره تلك .. فبدا قاحلا .. كحال روحه الآن ..
- صبحك الله بالنور ..
- شحالك ..
- بخير .. الحمد الله ..
تردد خجل .. بدا على وجهه الصغير ..
- آآ .. بتسير تصلي الفير ..
- هيه نعم ..
- بخاويك .. لازم أصلي جماعة ..
دفء إحتضن قلبه و هو يمعن النظر لذلك الشاب الصغير .. أراد أن يمد يده ليربت على رأسه باستحسان .. أو أن يومئ له ..
أو ..
أو أن يعتصره بين ذراعيه حتى تبلل دموعه وجهه .. ليغسل بها سنوات من الذنب الذي يثقل كاهله الآن ..!
لكنه صرف النظر عن كل ذلك ..
إكتفى بأن يومئ برأسه ..قائلا بحزم ..
- توكلنا على الله ..
ليسير بسرعة نحو الباب .. ينشد اللحاق بعماد دينه ..
فيما تهرع القامة الصغيرة بجانبه ..
خطوات تسعى على طريق من الفرج إن شاء خالقها ..
تتعاقب ..
تتلاقى معا ..
لتتشارك الخير ..
على ذات المسلك الذي تحذوه ..
ترى ..! أ يكون لتلك القدمين الصغيرتين أن تتبع أثر تلك الكبيرة يوما ..؟!


مشاعر رائعة جدا ,,فيها مكابرة مشبغة بالخوف من القيام بخطوة تجعله ضعيف السطوة أمام ذلك الطفل البرئ ,, لكن كل ما أقوله أيها الجد هو أن تكسر الحواجز وتعوض مافقده ابنك من حنان لأبنائه


غيث أعجبني جدا في هذه الخطوات ,, وأخافني أيضا ,,رد فعله عندما علم بما حصل لعفرا أراحني لكن في نفس الوقت كرهته لثوان عندما بدأ يضربها ,,,لكن عندما أخذت أقلب الموقف في عقلي أجد أن ردة فعله كانت طبيعية جدا ومتوقعة من شخص لا يقبل الضيم وخصوصا في شرفه ,,ويكره استغفاله ,,

عندما ضرب ذلك الحثالة ,أحسست بنشوة لذلك ,وكأنني أنا من كان يضربه ,لكن عندما سحب غيث المسدس أخافني جدا ,,أخافني هذا الجانب المظلم والمخيف وخصوصا هذا المقطع

اقتباس :-  
ليمد يده نحو الدرج الصغير في سيارته الفارهة ..
يتلمس بأنامله الجسم الحديدي الصلب .. و يلتقطه بسرعة ..
يستدير نحو سالم مجددا .. صراخه المتوجع و سبابه القذر يختلط بنشيج عفرا الذي راح يدوي في داخل غيث بقوة ..
ليقف فوق سالم تماما ..
يجذب مشط مسدسه محدثا تكّة مسموعة .. قبل أن يوجه ماسورته نحو سالم الذي لم يكن يفصل بينه و بين غيث سوى انشات ..
ليرقب الفزع المميت ينتشر في وجه سالم بسرعة رهيبه فيخرسه ..
الوجه النحيل راح يرتعش فزعا و هو يستوعب كنه الحديد الصلب اللامع تحت أشعة القمر الشاحبه ..
و الجسد المرتجف الملقي أرضا عند ساقي غيث الطويلتان ينتفض بخوف مخزي ..
ليصرخ بفزع ..
- لا لا لا لا لا لا لا... لاااااااااااااااا .. لحظااااااااه .. آسف .. و الله آآآآآآآآآآآسف .. غصبن عنييييييييه .. دخيييييييييييلك .. دخييييلك لا تقتلنييييييه ..
ثم نشج باكيا .. و هو ينحني ليقبل قدم غيث ..
- أحب ريوووووولك .. بسترر عليهااااااااااااا .. و الله بستر عليهااااااااااا ..محد بيدري باللي استواااا .. بسوي لي تبااااااه .. كل لي تباااااااه .. لا تذبحنييييييه ..
لكن صرخاته لم تجد الصدى لدى غيث ..
كل الذي كان يفكر فيه هو كم توسلت عفرا قبل أن ينتهكها هذه الحثالة .. كيف كانت لحظاتها المميتة تلك ..
حين صرخت .. و توسلت .. و استنجدت ..
حين راحت تخدش بأظافرها .. و تعظ بأسنانها .. فيما هي تُضرب بقسوة .. لتُجرَّد من أحلامها .. و أنوثتها ..
تحت وطأة فعل هذا الحقير ..
لذلك كان صوته واثقا .. صارما .. يرتفع فوق نشيج سالم المذعور ..و توسلاته ..
- انته سكران .. و حتى لو ما كنت سكران .. انته جبان .. و بتخاف تخبر الشرطة منوه لي ظربك .. عسب لا يكون الحكم لك إعدام و انته تعرف هالشي ..
ثم مالت نبرته لسخرية شرسة ..
- لكن لو قررت تضحي بحياتك .. و تخبّر عنيه مع انه محد بيصدقك و انته فاقد.. إعرف انيه بييب غير الشاهد عشرة انك كذّاب و انيه كنت فمكان ثاني .. مليون واحد مستعد يكون مكاني و يعترف انه هو لي كان هنيه الليلة .. هالفرد هب مسجل .. فلا تضيع وقتك ..
بدأ اللون يرجع لوجه سالم الذي أدرك أن غيث بهذا التهديد سيتركه حيّا ..!
لكن حيّا كيف و المسدس الأسود لا يزال مصوّبا نحو رأسه .. لا يفصله عن رأسه سوى بوصة واحدة ..
فيما تشد اصابعه على الزناد ..
تدفعه .. آلامها .. أوجاعها .. و كل ما عانت ..
هذا الرجل هدم أمنياتها .. و مزّق براءتها ..
فليعش بقيّة أيامه البائسة بأحلامٍ كسيحة إذا ..

.

صحيح أنه أخافني لكني أعجبت به جدا ,, فليعش كل من يستغل الفتيات كسيحا الى الأبد

ملاحظة :: في بعض الأحيان أشعر أن غيث يشبه أحد إخوتي اسمه عادل ,,وكأنني أقرأ عن عادل عندما أقرأ عن غيث


عوشة في بعض الأحيان هذه الفتاة تثير شفقتي ,لاأعرف لماذا ؟ وخصوصا في هذا المقطع

اقتباس :-  
(( إليك ..
لكِ إنتِ فقط دونهم .. لمَ كانت أنتِ من أكتب لها .. هذا ما لا أعلمه .. لربما كان سبب جهلي هو أني لا أعرفك .. ستُكتب الكلمات هنا لوحدها .. سأسكب سيلا من روحي يغرق الورق .. يبلله ..
و لتختار وحدها أيضا لمن ستكون ..
أ حبرا كان ما أكتب به .. أم دمعا ..
لا يهم ..
ما يحيرني هو لمَا .. لما كانت أنتِ من أكتب لها .. و ليسَ .. أنتَ ..؟؟
لما إخترتها أنثى تلك التي سأسوق لها أحرفي يوما .. حين ينضج الهذيان .. و يغدو بيده القرار ..
مستعدا لاختيار الانامل التي ستقلب الأوراق .. و العين التي ستلتهم الكلمات .. و القلب الذي سيتذوق حزني و الفرحة ..
ماذا عساي أن أقول في أولى رسائلي إليك ..
لو كان لي .. لأخترت أن تصلكِ الوريقات بعد إحراقها .. فتلامس أصابعكِ الرماد ..
عجبي ..!
ما بال تلك الكَسرة تحطم كل تاءٍ لتأنثها رغما عنها ..
ما أعرفه أن بي لهفة لتكون الأذن المصغية لي إنثى ..
أريد إمرأة تفهم طبيعة جنسها ..
تعذر غيرتي .. و شكّي .. كل مشاعري المتملكة .. و جنوني ..
تتفهم غروري .. و تبجحي ..
و تدرك لما اللهفة تسكن عيني لرجل لم يكن لي ..
.
.
أريدكِ أنتِ .. أن تصغي لي ..
فيما تتخبط كلماتي هنا .. كحكايات طفلة .. تتبعثر أحرفها على الأسطر ..
أحلامها المتقطعة .. و أفكارها التي تأتي من العدم .. لتأوي أيضا إلى العدم ..
أريدكِ أن تكوني أمي ..
أن تحتضني وريقاتي بين يديكِ فتضميها إلى صدركِ .. لتقبلي جبينها بعد حكاية النوم ..
و تهمسي بصوتكِ لها .. أحلاما سعيدة يا ورق ..
.
.
أم لكِ ان تكوني لي صديقة ..؟
لا .. لا تكوني صديقة .. لم أعرف الصديقة يوما ..
يكفيني أني أجهلكِ الآن ..
فإن سميّتكِ صديقة .. أضحيتِ ضمير غائب ..
مجرد لقب يترنم به الآخرين ..
له وقع في أذني .. و تطرب له روحي ..
صديقة ..
طيف روحٍ لم ألتقه ..
و لن أفعل ..
أعلم ذلك جيدا .. لأنني بلا أصدقاء ..!
لا أعرف أصدقاءً أبدا ..
لم يكن لي أحدهم ..
هناك من العثة ما كانت تعشش على محفظة نقودي .. أسايرهم في مراحل حياتي المتعددة ..
لكنهم ليسو أكثر من عثّة ..
أحدثت ثقبا في حياتي ..
شيء لم أجد ما يسده حتى الآن ..!
أعتذر يا أنتِ ..
لستِ أنتِ بصديقة ..
.
.
ماذا عن أخت ..
سحقا ..
تلك أيضا لم أعرفها ..
لكنني رأيتها ..
رأيت أشكالا و ألوانا منها تخص الآخرين ..
و آخر واحدة إلتقيتها ..
لم تكن إلا واحدة رغم عدّتهن ..
كن كثيرات في واحدة ..
هي أخت .. و أخت .. و أخت .. و أخت ..
و لكنهن واحدة ..!
هل سئمتِ ..لم أبدأ بعد ..
ما رأيكِ بأن ننسى مسألة الأخت أيضا ..
فآخر مرة رأيت فيها أولئك الأخوات ..
خالجتني رغبة غبية بأن أجهش بالبكاء .. و أصرخ للجميع بأن لا أخت لدي ..!
لذلك انسي الأمر ..
لا أريد أختا ..
.
.
أتكونين معلمتي ..
مرشدة ..؟
تمسكين بالكف لتدليني إلى ذاك الطريق ..؟
لا .. لا أعتقد ..
فمعلمة عليها أن تضغط على كتفي .. لتوجهني إلى الصواب ..
تكلمني بنبرة عميقة لتولج شيئا من الحقيقة في دماغي الفارغ ..
لكنكِ صامتة ..
لا ترشدين .. و لا تردين ..
تصغين أنتِ فقط ..
لا .. لن تكوني معلمة ..
فالمعلمة أكثر من أذنٍ صامتة ..!
.
.
من أنتِ إذا ..
أ أعرفكِ حقا ..؟
لم أكتب لكِ يا أنتِ ..؟
قد تكونين أي أحد .. أي أحد ..
لست أنا من سأصل إليكِ
هي الأوراق ستتركني بعد الختام لتقع بين راحتيك ..
أتظنين أنني سأعرفكِ يوما ..؟
لن أكترث بردٍ لهذا السؤال ..
كل ما أراه الآن و يهمني .. هو كتابتي لكِ
لن تعلمي أنه قد يتفاجئ الكثيرون إن قرأوا هذه الرسالة ..
لا .. ليس ما تحويه هو ما قد يذهلهم .. انما طريقتي في صف أحرفي ..
كثيرون هم من لا يعلمون أنني أكثر من وجه جميل ..
بل أهم أكثر بكثير من الجميع ..
لكنني لم أقض سنوات دراستي كلّها في التبجح بما أرتدي ..
استهلكت ما يكفي منها لأحصل على شهادة و لو كان لدعم أبي نصيب ..
.
.
تتساءلين لما الليلة ..!
لم أقرر أن أبوح لكِ ..
لن أرثي نفسي إن كان هذا ما تتوقعين ..
و لكن لسبب ما .. وجدتني أغرق في فقاعة تحجبني عمن حولي هذا اليوم ..
شيء من السكون راح يطبق علي و أنا ألتقي بإمرأة رجلي ..
ذاك الذي اخترته ..
و اخترت أن أحبه ..
أو تعتقدين بأننا قد نملك القرار في من نحب .. و من نكره ..؟
كنت أظن هذا لوقت طويل ..
اذ وقع اختياري على الرجل الذي أحب .. و مارست حبّه بيني و بيني ..
و استعددت لكره تلك الجاهلة التي سلبته مني ..
لأجدني فجأة مسلوبة .. عاجزة حتى عن الحقد عليها ..
لا .. لن أدعي بأنني أصبحت أحبها .. و أنني سأتركه لها ..
بل سأواصل القتال حتى أحصل عليه .. ثقي بذلك ..
لكن تلك المرأة ..!
أحتار فيما قد أكتب بشأنها ..
وددت لو أني لم أرها .. بدت كطيف باهت .. و عجزت عن ايجاد سبب واحد يدفعه لتجاهلي و حبّها ..!
بدت .. بدت إنسانة ..
إنسانة بقوة ..
في بساطتها تلك .. و في هدوئها ..
فتنتني أختها الصماء أكثر منها .. و كدت لا أشعر بوجودها حتى ..
لن تعلمي كيف كانت تجلس بظهرٍ منحني يدل على الإرتباك و تمشي بخطى متعثرة اثر التوتر ..
كانت مجرد فتاة .. ليس أكثر ..
بحثت جاهدة عن ميزة ليحبها هو و أكرهها لأجلها ..
لكنني بشكل ما .. وجدت أن قبح مشاعري نحو تلك المجهولة التي تزوجته قد أفلت من عقاله حين رأيت وجهها الصافي .. و عيناها الهادئتين ..
تساءلت للحظة ..
أ و لم تشعر هي بالغيرة مني ..؟
تمنيت أن تفعل .. أن تشعر بأنني خطر عليها ..
لتستعد ..
لأنني لن أتركه و لو لدقيقة ..
ذاك رجلي يا أنتِ .. لن أعتق حبّه أبدا ..
.
.
سأتوقف هنا ..
لم يعد لدي ما قد أقوله ..
هي الأولى هذه الرسالة ..
و لن تكون الأخيرة ..
دوما سأسرد لكِ خلجات روحي ..
كل ما سيحيرني .. ما يخيفني .. و ما يثيرني ..
كل ما سأشعر به ..
سأضعه بين يدي الكلمات لتحمله لكِ ..
ليس لشيء .. صدقيني ..
ليس الا لأنكِ أنتِ وحدكِ من ستصغين ..
بلا كلمات ..
.
.
أو تعلمين ..
يإعتقادي أنه حتى ( قلم حر ) سيصفق طويلا أمام هذا الهذيان المتقن ..
و كأنني أنمق الحرف هنا .. و ليست الكلمات من تتبعثر من بين الشفتين بلا إرادة .. ))


أحزنتني كلماتها كثيرا ,لاأعرف شعرت بأنها بحبها لغيث تملأ الفراغ الذي تشعر به والوحدة ,فهي لاتجد من يشغلها فوجدت في غيث المتنفس لوحدتها


نعود الى غيث مرة أخرى ,,مالذي سيفعله من أجل عفرا ومالذي يعنيه في هذا المقطع

اقتباس :-  
كل ما راح يستعيده في ذهنه الآن هو الحل الذي توصل إليه بعد ليلة متعبة من التفكير ..
حلا .. بدا معقولا بعد السهر المتواصل بالأمس ..
أما الآن و في وضح النهار .. بدا غير قابل للتصديق ..
لولا أنه ليس باستطاعته تنفيذ الأمر .. لقام به بنفسه ..
و لكن ...
عليه أن يولي هذه المهمة لأحد آخر ..
شخص فكر فيه طويلا بالأمس ..
و لم يستطع التوصل لتخمين ما قد ينتج عن اختياره ..

أرجو ألا يكون أحمد لأني أشعر أن أحمد بدأ يحب المها ,,ربما هو حامد ,,

دانة ونورة ,,لاداعي للكلام عنهم لأنهم أحلى شخصيتين عندي

أحمد وهزاع :: أحمد كما قلت أريده وأتمنى أن يحب المها أما هزاع فأظن أنه يحب شيخة

شيخة : أرجو أن تعود الى عقلها !!!



اقتباس :-  
هناك من الطرقات في حياتنا ..
ما لا تعرف الخطوات سوى هجرانها
..!

ماأجمل هذه العبارة !!! صدقت الكاتبة


حور :: في هذه الخطوات أحسست أن مشاعرها غامضة بشكل ما , مرتبكة وخائفة ,أحسست أنها تراجعت بشكل ما أمام غيث وجده ,,وكأنها ارتاحت من المسؤلية التي خافت منها ,,شخصيتها معتدلة تقريبا ليست بالسطحية التي تحدث لبعض الفتيات لوجود شخص مثل غيث في حياتهن ولا القوة التي تجعلها مثل اللوح أمام غيث ,,


مرة أخرى *ليتني غريبة * أبدعت حقا في كتابة هذه التحفة الفنية وشكرا لك على هذه المشاعر الدافئة التي تبثينها في هذه الصفحات البيضاء ,,مبدعة

شكرا لزارا الحبيبة ,,وعذرا على الإطالة

 
 

 

عرض البوم صور dew  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:42 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية