لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-05-09, 08:23 PM   المشاركة رقم: 866
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

فريال.. هلاا وغلاا واحبك الذي احببتني فيه.. تسلمين ياا عسل.. والله اني مرات خدوودي تصيـــــــــر بيضاااء مثل الفرااوله.. هخهخهخه
اتمنى يستمر توااجدتس معناا هناا ونشووف ردوودتس عليها..

وبالنسبه للي يسألون عن الخطووه.. انتم مااتعرفون الصبر.. التزموا الصبر .. الله سبحانه خلق الدنيا بست اياام عشان يعلم النااس الصبر.. ومع ان سبحانه كان يقدر يخلقها بكلمه كن .فيكون..


فهمتواا وش ابي اوووصل له من هالمحاااضره البسيطه.. يعني التزموا الهدوووووء.. >> بسم الله علي وانا احدّث والله اني اعرف اسووي اقناع واوول من اقنعته بهالكلام انــا..هخهخهخه
شووفي ياا حبيبااتي الكاااتبه غاالبااا تنزل الجزء بعد نص الليل يعني السااعه 1 او 2 او 3 بتووقيت السعووديه.. ومن قلت لكم انهم فتحوا موقع القصه.. وهم راادين ومسكرينه عشان الردود المخالفه. يعني القصه الحين مسكره.. فااذاا ماانزل بهذاا الوقت بتلقووني اسووووي اشين من اللي انتن سوويتنه الحين.. وخصووصا اني كل هالمحااضره اللي قلتهاا قبل ماا اعرف اطبقهاا؟هخهخهخهخه

الهدوووووووووووووء ياا عرب الهدوووووووووء.. هع هع هع..

بنات باذن الله من تنزل الكاااتبه الخطووه وانا جااايبتها لكم.. بس انتم لااتخلون موقعناا هناا يلحق الموقع اللي هناك وتقوم ابلاا اراده وتسكر الموقع هناا..اتفقناا يااعسولاات..


► الخطـــــــــــــــوة الثلاثيـــــــــــــــــــن◄

║ خطوات تنطفئ ..! ║


بعد مرور شهر ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
طار الملف لثانية في الهواء قبل أن يرتطم بسطح المكتب ،،
يحط أمامها مباشرة دون أن تتبعثر أوراقه ،،
لم تطرف عينها التي كانت تتأمل ملامح الرجل العجوز الجالس خلف طاولة مكتبه العريضة .. و يطالعها من خلف نظّارته ..
متأكدة بأنه لا يرى ارتعاشة يدها بما أنها توشك على تهشيم أصابعها من فرط اعتصارها ..
و لن تبلغه نبضاتها المتوتّرة ..
وحدها نظرتها قد تفضح ترقبها لكلمته ..
لذلك استترت وراء عينين متكبّرتين .. و أنفٍ مرتفع .. تنظر من خلف غرورها ببرود شديد له ..
و كأن آخر ما قد تفكّر فيه هو سماع رجلٌ مثله ..
ربّما يكون مدير التحرير ،، لكنّ نفوذ والدها و اسمه وحده من أقحمها هنا .. لم يكن لهذا العجوز يدٌ في توظيفها ..
استرخى مدير التحرير في مقعده يسند ذقنه بيده .. و عينه تنظر للملف الذي ألقى توا أمامها من فوق زجاج نظارته الطبية ..
متجاهلا النظر إليها عمدا .. و هو يسأل بكلماتٍ بطيئة ..
- أول مرة تعرضينها ..؟!
أول مرّة ..؟!
هه ..!
كبحت ابتسامة مثقلة بالمرارة ..
عرضتها مرّة و تلقّت صفعة لا زال لدوي رنينها صخبٌ يبعثر أيـــامها ..!
طالعت العجوز بنظراتٍ لا مبالية .. خادعة .. تخفي التوتر الحاد خلفها ..
قبل أن تجيب بنبرةٍ متعالية ..
- أول مرّة ..
حكّ الشيب الذي يخط لحيته .. و هو يومئ لها ..
- و تشوفينها صالحة للنشر ..؟!
لماذا تشعر بأنه يسخر منها بشكلٍ ما ..؟!
لم تجد بدّا من أن يرتقي أنفها انشين إضافيين في الهواء و هي تكرر غير مبالية ..
- ليش لا ..؟! اذا كانت عبارة عن رسائل وهمية يوجهها اسم وهمي لشخص مجهول الهويّة .. يمكن انيه أستعرض من خلالها مشكلات معيّنة ..
أحنى العجوز رأسه ينظر لها من فوق زجاج نظارته .. و هو يميل للأمام مستندا بمفرقيه على سطح المكتب و يشير بسبابة متكاسلة للملف الملقى ..
- الحين هاي الرسائل .. وهميّة ..؟! يعني مبتدعة كليّا من خيالج .. ما تمت للواقع بصلة ..
لم يرفّ لها جفنٌ واحد و هي تكذب بصفاقة ..
- هيه نعم ..
أومأ بابتسامة بسيطة ..
- و تشوفين انج من خلالها بتعرضين مشكلة .. أو قضية .. يمكن تخدم العامود لي تطلبينه ..؟!
عيناها تلتصقان بحدقتيه الحذقتين ..
- هيه نعم ..
أمال رأسه بذات الإبتسامة الهادئة .. و لطخة من المكر تعكر صفو عينيه الضيقتين ..
- شي طيّب .. و شوه القضايا أو المشاكل اللي تعتقدين انج عرضتيها من خلال الرسايل لي كتبتيها و عرضتيها عليّه ..
زحفت تقطيبة على جبينها .. و راح رأسها يدور فجأة في حلقاتٍ متصلة ..
- آآآ ... ممم .. يعني . قضايا متنوعة .. مثل اندفاع بعض الناس وراء مشاعر يخلقونها بنفسهم .. أو يتوهمونها .. و .. آآآ .. عندك بعد اهمال الأهل .. اضطرابات نفسيّة .. شبه حيرة يمكن ان الناس تمر بها .. حتى يمكن انيه أعرض جانب تربوي فيها .. مثل استهداف الحجاب .. و الحديث عنه ..
ابتسامة العجوز الهادئة تحوّلت لضحكة صغيرة .. مستنكرة .. بترها و هو ينظر لها بغرابة ..
- انتي ترمسين عن الرسايل لي في هالملف ..؟ و بعدين أي حجاب بالضبط ..؟ و شوه الحدود لي يمكن انتي تشرحينها أو تحثين عليها أو تناقشينها عنه ..؟
اتسعت حدقتيها بصدمة من الإنتقاد المباشر و نظرة الرجل العجوز تضيق على خصلتين انزلقت من تحت غطاء رأسها .. و أهملت دسّها أو سترها ..
شعرت بأن الكلمات تنحشر في حلقها .. دون أن تستطيع النطق و الهواء يحرق عينيها الجاحظتين ..
كان يمارس هجوما مباشرا حين أنكر حقها في أن تناقش هي بالذات شيئا عن الحجاب ..
فيما يشير بأنها تجهله ..!!
- عـ.. عفواا ..! شــ .. شــــوه قصــ..ــدك ..؟!
تبخّرت كل معالم اللين من وجهه .. و هو يتصلّب فجأة قائلا ببرود ..
- قصدي واضح أخت عوشة .. الرسائل لي انتي تشوفينها صالحة للنشر و تناقش قضايا مجتمع ،، انا أشوفها أقل من إنها تنوصف بمشاكاة شخصية بحتة بأسلوب نثري ،، حتى اذا تجاهلنا ضعف الأسلوب فيها .. الفكرة معدومة ..!! وين القضايا لي تناقشينها ..؟
ثم استرخى في جلسته يعيد ظهره للوراء .. و نظراته ترشقها بقسوة ما يقول ..
- أخت عوشة .. نحن ما نصدر مجلة اجتماعية .. و لا واحة خواطر .. وايد مجلات تعتني بالشعر و الكتابات الأدبية المعتمدة على المشاعر الشخصية يمكن انج تراسيلنها و تعتمد فكرتج .. لكن نحن جريدة يومية أخبارية .. أسس التقديم عندنا المقال التام .. هل تشوفين كتاباتج أقرب للمقال أو التقرير ..؟! لي أشوفه بذخ مشاعر خاصة ما يمت للمجتمع بأي صلة .. كل لي كان مكتوب في الرسائل المقدمة أحاسيس شخصيّة جدا ..
شعرت بزوايا أحداقها على وشك التشقق من فرط جحوظها و هي تستوعب هجوم العجوز ..
كلماته كانت تصفعها بقسوة ،، مؤكّدة كل ما قد سبق و قيل لها ..!!
ضعف الأسلوب .. الاتجاه الشخصي ..
غير صالحة ،،
غير صالحة ،،
غير صالحة ،،
شعرت بالكلمة تقتحم رأسها بحدة .. لتنتفخ داخله كالبالون ..!!
و رئيس التحرير يؤكد لها دون أن يدري أن عزمها على قذف نجاحها في وجه الحر .. لم يكن سوى حلمٍ بعيد المنال ..
فكّرت بأنه يجب تجاهل رأي واحدٍ لشخصٍ تجهله .. و ليس لديه الجرأة حتى لمواجهتها بنقده ..
و عليها أن تسعى لنشر ما كتبت .. و لو كان ذلك على حساب نشر غسيلها المتسخ ..
لكن يبدو أنها لم تجتهد إلا بما يكفي لتحصل على صفعة جديدة ..
الذهول الذي انتظرته بتشفٍ بالغ .. و تمنت رؤيته على وجه قلم حر حين يرى كتاباتها تنشر بعد أن رفضها هو ..
غدى من نصيبها هذه المرّة و هي تمد أصابعا مرتعشة ،، تلتقط الملف الذي يحتوي ضآلة تلك الوريقات العفنة التي لم تعد تساوي لها فخرا .. لم تعد تعادل في نظرها أكثر من حفنة تراب ..!
و رئيس التحرير ينهي كل اندفاعٍ مغفلٍ و ايمانٍ بقدرتها على كتابة ما يستحق أن ينافس ذاك الحر .. و هو يقول بحزمٍ أخير ..
- اسمحيلنا أخت عوشة .. الرسائل المكتوبة غير صالحة للنشر ..
نفور ،، حقد ،، و كراهية متضخّمة .. ملأت نفسها فورا بعد هذه الكلمات ..
و ادراك خبيث جعلها على يقين بأن العجوز يشكّ بأنها رسائل حقيقية و غير مؤلّفة لغرض النشر ..
للمرة الثانية قوبل ما تكتب بالرفض القاطع ..
و انبثق الغضب من أقصى بقاع روحها ..
و هي تعتصر الملف بين يديها بابتسامة ساخرة .. تستر خيبتها القاسية .. و شعورها المر بالخذلان ..
ما الذي ظنته ..؟!
أنها ستفاجئ ذاك المتعجرف و تصفعه برأيه الشاذ ..
إلا أنها من صفعت أمام هذه التصريح الذي أعادها لكلماتٍ لازالت ترن في ذهنها ..
أمالت رأسها ببرود و هي تنهض ببطء .. فيما ينهض رئيس التحرير بدوره من خلف مكتبه ..
- على كذيه .. وصلنيه رايك .. و مثل ما قلت .. المجلات الأدبية على استعداد أكثر بإنها تنشر الفكرة .. و تساعدها ..
لم تلن ملامح العجوز .. و هو يقول برسمية ..
- بالتوفيق ..
شعور بالإذلال .. أتخم مشاعرها و هي تدير ظهرها لوجهه متوجهه للباب الخشبي العريض المفتوح على مصراعيه .. تتبين وجه طاقم السكرتاريا من خلف فتحته .. هل بلغ أحدهم رفضه لها ..
و افحامه فكرها ..؟!
هل شعر أحد بالضآلة التي راحت تستحيل لها ..؟!
رغم هذا لم تنثني رقبتها المتشامخة و هي تقطع المكتبين .. و الممر الطويل الموصل لمكتبها البعيد ..
على ايقاع ارتطام كعبها المرتفع الحاد بالأرضية الصلبة ..
راحت تتراقص الرؤية المهزوزة أمامها ..
تبا لهم .. ربما لا تملك موهبة الحر ذاك ..
لكنّها تكتب .. و تحب ما تكتب كثيرا ..
تشعر بأنه أفضل ما قد يكتب على الإطلاق ..
ألا يكفيهم أن تقتطع من مشاعرها .. لتطعم تلك الوريقات اليابسة ..
تروي جفافها بأدمع لم تسكبها يوما ..؟!
هل يتوقّعون أن تخرج من بطن أمها محنّكة في الكتابة ..؟!
هذا أفضل ما يمكنها تقديمه ..
لا يمكنها إلا أن تنتزع خوالج نفسها ،، و تسكبها ..
و لا تعجبهم ..
أ تصطنع ..؟!
تتقن ذلك في الواقع ،، لكنها لا تنجح في إصطناع المشاعر على الورق ..
لا يمكنها أن تزيّف الكلمات ..
و هي تلتمس قدسية للبوح الذي تنقشه على الورق ..
لا يمكنها تدنيسه ..
هذه الفرجة الوحيدة اليتيمة التي يمكنها أن تدس عبر ثقبها حقيقة ذاتها ..
و لا شيء آخر ..
أيمكنها أن تكذب في الواقع و على الورق ..
كذبة على كذبة .. على كذبة ..
و تنهمر الأكاذيب على رأسها حتى تطمس روحها للأبد تحت أكوامٍ من الخداع .. و النفاق الذي يزيف حياتها دون أن تحتاج إلى موردٍ آخر له ..!
على مقعدها تثني قدّها لتجلس بأناقة ترفع ساقا على ساق .. و ابتسامة باردة تزيّن وجهها أمام نظرات حصّة المتهكّمة ،،
وجود هذه المرأة يصبح يوما بعد يوم أشد ثقلا على نفسها ..
كم تبغضها ..!!
بنعومة تضع ملفّ الرسائل على زاوية المكتب ،، و كأنها تمنحه السلام الأخير ..
ما زال أمام هذه الوريقات بعض الوقت و الأمل .. قبل أن تقذفها في آخر المطاف .. أو تحرقها ..
صدقـــا ..!
ربما كانوا محقين ..
ربما سذاجة أو سخافة ما تشعر به غير جديرة بالإهتمام ..!
تمتد يدها بتلقائيّة لتلتقط سمّاعة الهاتف المكتبي .. متجاهلة وجود حصّة الثقيل ..
أظافرها بطلائها اللماع تتقافز على الأزرار البلاستيكية بسرعة مدروسة ..
معتادة على ارتياد هذا الرقم ..
الرقم الذي لم يكن سوى اختصارٍ لغرفةٍ في المشفى ..
اختصارٍ أصبح منقوشا في ذهنها ..
و الاتصال به .. و مقابلة المكالمة بالصمت ..
طقسٌ لا بد منه كل صباح ..
تلصق السماعة بأذنها في حرص شديد ..
و بؤبؤ عينيها يتسع لثانية واحدة ..
و تترقب ،،
الرنين المتقطّع الرتيب ينتهي في أقل من دقيقة ..
و صوت الرجل المألوف يتدفق عبر خطوط الهاتف ..
- ألــووه ..؟!
لينعقد لسانها في عقدة ..!
فلا تنطق ،،
أنفاسها فقط تلفح السماعة كعادتها ..
ما الذي تريده .. أن تتأكد بأنه لا زال في ذات الحجرة ..؟!
ثم ماذا ..؟!
خفقاتها تتعالى بجنون خشيت أن يبلغ مسامع الطرف الآخر ..
و الصوت الرجولي يهتز بتأتأة غدت لها مألوفة مع الوقت ..
- هااا ..؟! ببـ.. ببـ.. ببديينااا آآآ الـ .. الـ .. الــحررركااات ... الـ الــ اللي .. ممااال أممـ .. أمـمهااا دااااعي ..
دون أن تشعر .. بزغت بسمة صغيره على شفتيها و هي تنصت للصوت .. و تمرر أظافرها المقوّسة على حدود طاولتها ببطء ..
فيما يكمل الصوت بذات التاتأة ..
- مااا .. مااا .. ماااببـ .. ببـترمسوون يعني ..؟؟ هاا .. ماا عليه .. هب مششـ .. مشـكلللة .. باااقي اسبووع بس و نظهر .. و نفتك .. ممـ ... ممن الحشرة ..
و أغلق الهاتف في وجهها ..
لتطالع هي السماعة بذهول ..
أسبوع و يخرج ..؟!
ما الذي يعنيه ..!!
سيترك الغرفة .. المكان الوحيد الذي تعلم أنه يمت لذاك الحر بصلة ..!!
كيف ستصل له إذا ..؟
هي حتى لم تفهم مغزى ارسال عنوان الغرفة لها ..؟!

* * * * *

عينيه الثاقبتين تضيقان بتأمل حاد للجسد الصغير الذي راح يتنقل بخفّة في أرجاء المطبخ ،،
حريّة اكتسبها مؤخرا للاستغراق في النظر إليها دون أن تعلم ..
لسبب واحد لا أكثر ..
أنها لم تعد تنظر إليه لترى أين يوجّه نظراتها ..
ذات المظهر الذي اعتاده مؤخّرا .. السطح البارد الرسمي ..
المهذّب المستسلم أمام ميعاد .. و الجليدي القارص بين جدران جناحهما ..
و التوى طرف شفته بسخرية باردة ..
لا ينكر أنها تتم واجباتها بشكلٍ مثالي مبالغٍ فيه ..
الآلية التي راحت تتحرك بها ،، تثير جنونه .. و لو أظهر لا مبالاته بها ..
يوما بعد يوم .. حرصت على أن يرتفع حاجزٌ أسود بينهما ..
يستر ما كان يلتقط من شفافية إحساسها في لحظات غفلتها ..!
عازلٌ بينهما لا يسرّب إلا أنفاسا من جليد تلفحه ،، حين يحرقها ..
يتأمل تقاسيم وجهها الصافي ،، و الملامح الصغيرة المتصلّبة ،،
ينبشها بجهد كعادته مؤخرا .. يبحث عن شيءٍ يفتقده ..
لا يعلم ما هو ،،
شيء تبخّر منذ آخر نزاعٍ لهما ..
لا يعلم هل كان بريق عينيها الواسعتين .. و بقايا دفءٍ كان يلتمس حرارته فيهما ..
أم إختلاج أحاسيسها الفاضح على ملامحها المضطربة لحظات قربه ..
ربما هو القلق .. الخوف أو الضياع الذي يجتاح جسدها و يهزّه لحظات سطوته عليها ..
تفر بنظراتها .. بأحاسيسها .. بخطواتها ..
تبتعد عنه ..
تتملص من قربه ..
تصدّه برداءٍ من جليد يكسيها .. ليقشعر بروده من حالهم ،،
لم ينسَ بعد لمَ تزوجته .. و لا العقاب الذي لا زال في أوله ..
الحقيقة أنها اتخذت هذا الجانب بذكاء .. اذ أصبح التجاهل و الإنزواء أكثر أذى من تحديها الساذج في بعض الأحيان ..
ما دفعه للغضب أكثر .. و أوصل مشاعره الهائجة للغليان ..
تبا لها ..
يشتاق لأن تلتمس قوته لحظات ضعفها .. أن يبعثرها .. ليجمعها ..
يهشّمها .. ليجبرها مرة أخرى ..
يشتاق للثورة في عينيها ..
أن تصرخ .. تبكي .. تتحدى ..
و تقذف بسم كلماتها في وجهه ..
لشد ما يكره برودها هذا ..
و يكره ابتسامتها الصغيرة المغتصبة أمام ميعاد ..
يكره الذبول الذي راحت تستحيل له يوما بعد يوم ..
يكره أن تذوي بصمت فيما تدّعي القوة ..
رغم هذا ..
لا يدّخر ثانية لاستفزاز ما هو دفينٌ تحت ركام ما خلّفته ليلة بدت سرمدية ..
أحداثها مجنونة .. مبهمة .. و صاخبة ..
لا يعرف لها بداية من نهاية ..
هناك خيطٌ بُتر في تلك الليلة ..
و لا زالت أطرافه تنتفض نازفة ..
ستهمد عمّا قريبٍ دون شك ..!
.
.
و كأنها بشيءٍ سُحق بينهما ..
داسته عنف خطوةٍ ما بين جبروته .. و ذلّها ..
شيءٌ أسقطته من محاجرها بعد أن أنهكه السكن فيها ..
و لم تتلقفه خشونة أنامله ..
أ كانت دمعة ..؟! نظرة ..؟!
أو حتى رمشٌ مقتلع كان يؤذيها..
يبكيها .. ؟!
ما الذي قد يستوطن الأعين بخلاف ذاك ..؟
أحرفٌ ربّما ..؟!
هي بكماء إذا ..
بقاياها تلك التي تزحف في المكان ..
أطيافٌ من انكسارٍ قديم تجره في أذيالها و هي تتحرك بنشاطٍ زائف ،،
ذاك الدفء الذي كان يمارسه أمام عيني عمته .. لم تستطع مجاراته .. و لم تكترث لذلك ..
لم تعد تقابله الا ببرودها الرسمي الذي قد تفسره ميعاد بخجل العروس ..
لا تتقن نفاقه .. و لم يخلِّف فيها قوة للتمثيل بعد اذلاله الأخير ..!
كل ما تؤمن به الآن هو أنها لن تهدر فتات كرامتها المتبقية مجددا تحت قدمي رجل لن يتوانى لحظة في دهسها و هجر حطامها بعد ذلك ..
يمكنها أن تلتزم جانبا بعيدا عنه ،، حتى يدنو فراقهما الحتمي ..
و حتى ذاك الحين .. كل أواصر الارتباط بينهما تقطع .. إلا ما شرع الدين لها في طاعته ..
رفعت عينيها للطاولة التي تتوسط المطبخ ،، مكانهم الذي اعتادوا على تناول الطعام عليه لأجل ميعاد ..
لم يكن يشاركهم هو إلا وجبة الفطور قبل ذهابه إلى العمل ،،
التقطت ملامح ميعاد الساهمة ،، و مسحة من التعاسة لا زالت تلقي بظلها على وجه الشابة ..
كانت تلف أصابعها في قبضتين و هي تنظر بتركيز للطعام أمامها مما أوحى لحور بأنها تبعد اميالا عن هنا ..
التقطت حور - دلة القهوة - و هي تتقدم منهما متأملة نظرتها الساهمة ،،
غريب كيف أن يهون عليك معرفة أن هناك بالقرب من يعاني أكثر منك ..
و أن أوجاعك تتلاشى أمام مصابه ..!
انزلق السائل الداكن من فوهة - الدلّة - مبعثرا أطيافا من الأبخرة قبل أن يستقر في قعر الفنجان الصغير ..
كفّها الصغيرة التي تحتضن الفنجان .. تمتدّ ناحيته .. فيما تضع الأخرى الدلة على الطاولة أمامها ..
تقطيبة شرودٍ صغيرة تعلو جبينها الصافي ،، مفكّرة بأن جدّها بجفاءه اتجاه هذه المسكينة لا يخفف من أحزانها ..
بل يزيدها هما على هم ..!
لثوانٍ طوال ظلّت يدها معلّقة في الهواء ..
.
.
عجبي ..!
ما خطب فناجين القهوة تُملأ ،،
ذُلاًّ ،،
تُملأ أملا ..
و انتظــــــار ،،
ما بالهـا لا تُرتَشف ..؟!
تهوي جميعا بانكسار ..؟!
.
.
أناملها تشتد بقسوة مع تجاهله يدها الممدودة و تمنعها من النظر إليه أخيرا ..
تجر نظراتها للأعلى تزحف على طول الطاولة امامها .. لتتسلّق صدره .. تقاسيم وجهه الملتوي بسخرية خفيّة .. تلمع تحت أجفانه الثقيلة و هو يسند فكّه بيده يراقبها ..
لتثقب عينه المتمعنة جمجمتها بقوّة ،، تخترق دماغها ،،
تنسل في عروقها ..
لتنخر قلبها بمرارة كريهة .. ملأت فمها و هي تمنعه من الالتواء في وجهه باحتقار ..
جل ما استطاعت فعله هو أن تجمّد أحاسيسها ،، و هي تنظر إليه .. تتحدى نظرته الساخرة ببرود ،،
و يده ترتفع ببطء اتجاه فنجان الانتظار ذاك ،،
فيما توشك على تهشيمه و هي تمنع يدها من قذف محتوياته الساخنه في قسوة ملامحه الداكنة لتحرقها ..!
الأصابع السمراء الويلة تتجاهل الفنجان لتلتف على معصمها بنعومة ثعبانٍ أفزعتها .. و هو يشد يدها بخفّة نحو وجهه ،، ملتقطا بالأخرى الفنجان من بين أصابعها ..
تيارٌ قوي سرى على طول ظهرها و هي تشعر بنبضاتها تتسارع حين أحنى رأسه ليلثم باطن كفّها الصغيرة بحنانٍ دافق ،، و هو يهمس ..
- تسلم يمينج ،،
قفز قلبها في حلقها رغما عنها و هي تطمس مشاعرها بعنف ،،
تلعن في داخلها نفاقه و قدرته المدمرة على التمثيل ،،
يمعن في إيلامها بمثل هذه الايماءات أمام ميعاد ،،
يزعزع ثباتها و برودها الذي تلتحف كي تحمي نفسها من شرور نفسه ..!
حررت يدها من بين أصابعه .. و هي تشتت نظراتها في المطبخ ..
- الله يسلمك ،،
الكلمة التي تحشرجت و هي تُلفظ رغما عنها خالطت صرير دواليب كرسي ميعاد التي تراجعت عن الطاولة و قد بدا جليا على وجهها انها أبعدت ما تكون متفرجة على هذه المهزلة و هي تقول بهدوء ..
- أنا بسير أييب عباتيه ،،
بتوتر جاهدت حور لتخفيه راحت تلتقط بعض الصحون من على الطاولة حين أومأ غيث لميعاد بهدوء .. و هو يسترخي في مقعده مرتشفا القهوة ،، و عينه تتبع تحرّكات حور المضطربة ..
تقدمت تضع الصحون على المغسلة بغية غسلها ..
تتهرب كعادتها من مجابهته قدر الإمكان ،،
ثوانٍ ثقيلة من صمت أعقبت خروج ميعاد ،، قبل أن يرنّ صوته القوي بين جدران المطبخ الباردة ،،
- متى بتردون على ابوية ..؟
انزلق فنجانٌ من يدها المغرقة بالصابون ،، ليستقر في قعر المغسلة بدويٍ خافت ،،
و شدت اناملها النحيلة على الاسفنجة الرطبة لتغرغر أنفاسها فقاعاتٍ من توتر ،،
لم تفكّر مرتين في ايهامه بأنها لم تفهم قصده ..
ظهرها الذي تديره له كان درعا منيعا أمام أي اهتزازاتٍ لمشاعرها .. و هي تقول بصلابة ،،
- يوم نقرر ..
ارتفع حاجبه الأيسر فوق نظرةٍ جليدية ،، و هو يكرر ببطءٍ متكبّر ،،
- يـــــوم تقـــــــررون ..؟!
و التوى طرف فمه بسخريه و هو يقف عن مقعده متقدما بخطواتٍ صامته نحوها ،،
- و متى بتقررون ان شا الله ..؟!
وخزتها نبرته الهازئة بقوّة و كرهت احساس الدونية الذي خلفته كلماته ،،
نفضت الصابون عن يدها بقوّة و هي تصر على أسنانها تخفي إحساسها الأسود ،، ثم أجابته ببرودٍ بعيدٍ عن قهرها دون أن تلتفت له ،،
- يوم نتأكد ان خوك ريّال و يستاهل ،،
و استلزمها الثبات كلّه لتتصلب بقسوة حين شعرت بأنفاسه الثقيلة تبعثر شعرها و صوته الغليظ يقول ببطء مستفز فيما اصبعه تلامس جانب وجهها،،
- عندج أخوه و ما تأكدتي ريال و الا لا ..؟!
تصاعد الغثيان حتى سقف حلقها .. و شعرت بدموع مباغتة تلذغ ما خلف عينيها ،،
سئمت اسلوبه الكريه المستعرض الذي يهدف من خلاله دفعها للشعور بأنها رخيصه ..
تكره كلماته ،، عجرفته .. و تنفر من غطرسته ،، و يقرفها تبجحه الفارغ ..
من أعماقها راحت تنفث دعاءً صادقا تتقي به شرّه ،،
.
.
( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم )
.
.
بجلدٍ حقيقي ،، و من عمق ذاك البرود الذي راح يجمد مشاعرها ،،
نفحته تلك اللامبالاة دون تردد ،،
- اذا كان على خوه فمتأكدة انه ذكر .. لكن ريّال ..؟ أشك الصراحة .. و في فرق بين الاثنين ..
هواء بارد لفح مؤخرة عنقها مع ابتعاده خطوة للوراء ،، و ارتعشت بذعرٍ خفي حين بلغتها حدة أنفاسه الغاضبة ..
علمت أنها أثارته ..
و لكنها أيقنت بأنه لن يؤذيها هذه المرّة ،،
كف يده عنها منذ تلك الليلة المشؤومة ،، و أصبح الصراع مقتصرا على حدة الكلمات التي لم تعد تؤثّر في قلبها المثخن بالجراح ..
لم تعد تفعل سوى تعجيل موته في كل اصطدام ..
أعقب كلماتها صوت زحف كرسي ميعادٍ على الأرض يعلمهم بقدومها مما سلبه الوقت في أي ردٍ قد يفعله ..
و لكنه ما كان ليتركها دون وصمة أخيرة تتذكرها نهاره كله ..
لذلك قفزت يده الكبيرة تمسك رأسها بغلظة لتجذبه نحوه بحركة سريعة ،، و أخفض رأسه نحوها و هي تواجه ،،
استطاعت أن تستشف ذاك الظلام الذي غشى عينيه الحادتين ..
و أدركت بأنه غاضب .. غاضب للغاية .. و لسبب ما شعرت بأنه محبط ..!!
لذلك همس متوعدا أمام وجهها بنعومة مخيفة ،،
- خلج ع هالحال .. و ما بيكسر هالخشم غيري ..
ثم مسح خدها بابهامة و هو يكمل بنبرة مخيفة ..
- من زمان ما علّمتج قدرج يا بنت حمد ..و صبري وصل حده ..
عن أي صبرٍ يتحدث ..؟!
لا ينفك عن الانفجار في وجهها و اذلالها ..!!
كانت في داخلها خائفة .. و خائفة جدا .. تعلم أي أذى قد يلحق بها ..
رغم هذا قاتلت كي لا تهتز قوتها الباردة أمامه .. و هي تثبّت عينيها على - طربوش - ثوبه .. متجاهله النظر اليه ..
الكلام الذي تفوّهت به كان الحق وحده ،، و ما يخالجها منذ علمت باستغلاله لمشاعرها في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية ..
و هذا ما لن تغفره له ما بقيت حيّه ..!
.
.
في عمق عينيها الواسعتين التقط ضعفها الذي فشلت في ستره وراء جمود ملامحها المصطنع ..
ارتعاشه الهدب تلك .. و رجفة شفتيها المزمومتين ثقبت قلبه بقسوة ،،
و هو يرى خوفها الكبير منه ،،
شعر بقوتها الزائفة هشّة ،،
و بدت فجأة ضعيفة بشكلٍ لا يصدق .. و قريبة من الروح ..
لكن حادة ،، و خادشة ..
تمعن في غرس نصالها بغتة ..
لذلك اختلجت مشاعره دون سبب و هو يلثم صدغها أمام ميعاد ..
لمسة صادقة .. أراد أن تظن هي أنها تمثيل متقن أمام عمّته ،، فيما يسترق هو لحظة يدفن فيها شيئا من إحساسٍ مجنون لا يفهمه ..!
يحرر رأسها .. و البرود الذي يعتلي وجهه الصلب لا يفصح عن جنون أحاسيسه ..
ما لن تعرفه و لن يبلغها يوما ..
أن خداعها الكريه ذاك لا زال يمزّقه حتى لحظته هذه ..
لذلك سيكيلها الجراح الباردة طويلا ..
حتى يشفى ..!

* * * * *

تتزاحم بين أناملها النحيلة حبيبات مسبحتها .. و لسانها لا يتوقّف عن الإستغفار المتعاقب بهمسٍ خافت ..
عينين كان الدفء قد هجرها مؤخرا .. ترفعها لوجهه بجفاءٍ جلي ،،
فيما يطالعها هو بثبات .. ينتظر ردا على ما قال للتو ،،
لم يكن سبب استشارته لها الأول لها غير وسيلة يائسة لاستجلاب الفرحة .. أو السلام لأحداقها الجافة ..
غير أن البرود كان يحفر ملامحها المجعّدة .. و صوتها يقول بنبرة ثابتة ..
- و الصبي كان من خاطره يباها ..؟ هو لي طلبها ..؟ و الا حد حادنه عليها ..؟!
محاولة فاشلة يحاول فيها استفزازها لتخالف تيبسا يكسوها منذ خيبة ..!
- و لو حديناه عليها ..؟! بنت عمه و هو أولى بها .. يستر عليها .. و يضمها ..
لم يهتز لها جفنٌ واحد ..
لا زالت حبيبات المسبحة تنزلق تباعا من بين أصابعها العتيقة ..
و الاستغفار لا يهجر لسانها ..
فقط تقطعه ببرود نظرة .. مجيبة ..
- و بنت عمّه ما فيها قصور .. وافية .. و لا تقول أولى بها .. هي لي أولى انها اتنقى من بين خيرة الرياييل .. حافظ عليها بنت حمد .. بخت من بيظويها ..
تنهد بضيق و هو يقول ..
- الولـــــد يباها من خاطره .. و مرمسنيه ويا أبوه رباعة .. و رد أبوه و ذكرنيه بالسالفة .. انتو شاورتوا البنية ..؟! هذا اسبوع خطف و ما رديتولنا خبر ..
أمام تصلّبها .. و النظرة الفارغة التي راحت تسلّطها عليه ..
شعر بأنه لا يعرف هذه المرأة التي يعاشرها منذ ما يقارب الشهر ..
هذا الجمود غريب عليه ..
لا يجد الدفء و حنين يائس كان لا يفارق مآقيها ..
لا شيء سوى البؤس القاسي الذي راح ينخر روحه بعمق كلما التقى اللوم الصامت .. و الخيبة في نظراتها ..
صوته يرتفع بقوّة و كأنه يصرخ القهر الذي راح يستبد به يوما بعد يوم ..
- خلصوا الأمور فيما بينكم .. و ردولنا خبر .. أنا ساير العزبة ..
أومأت ببرود ..
- بيي من الله خير ،، الرب حافظ ..
أوصد الباب خلف طيفه الذي ذوى مبتعدا عن عينيها ،، قبل أن تتهاوى القوّة الهشّة في عينيها ..
و مع انزلاق حبّة مسبحتها التالية ،، و تمتمة الإستغفار ،،
التصقت دمعة باردة اختبأت طويلا في زاوية عينها بهدبٍ هزيل كان قد تساقط على مرّ السنين كأوراق أيامها اليابسة ..

* * * * *

يدٌ مرتعشة تلك التي مسحت بها قماش الفستان الأبيض برفق ،،
تربّت على بياضه ..
كأنها تبثّه مواساتها ..
تعسٌ هذا الفستان ..
لن يلفّ فرحة عروسٍ كغيره ،،
كتب له أن يستر شقاءها .. و لطخةٌ من قذارة خلّفها قبح فعلة الغير ..!
تمنّت لو كانت في زاويةٍ مظلمة الآن .. بعيدة عن الأعين المحيطة بها ..
لتحتضن الفستان و تبكي ..
ستعتذر لأنه لم يكن سوى خدعة كبيرة ..أكذوبةٌ عليها تقمّصها و التباهي بها أمام أعين أحبتها ..
لربّما انتحب هو بدوره .. يرثي فقدانه لنقاءه ..
فرصته بأن تلتحفه عروسا حقيقية ..
لا هي ..
ربّـــــــاه ..!
عضّت بثقل أجفانها على أطراف دموعها خوفا من أن تنزلق أمامهن ..
و صوت حور يخترق وشائج أحزانها .. متأثرا ..
ليوغل الوجع أكثر في أعماقها ..
- فديتج عفاااري ،، غديتي عروس .. يخبّل الفستان .. طالعة فيه و لا أميرة ..!
تنظر لها نورة المستلقية على سرير عفرا بحس فكاهة لا تشعر به ..
- أميرة و الا سعاد .. هه هه هه ..
فتهز حور رأسها بضجر ،، و برود أصبح لا يفارقها مؤخرا ..
- سبحان لي خلقج ما أسخفج ..!! من متنتي ثقل دمّج ..!!
طغى الإحباط على ملامح نورة فورا ..
- تغارين انتي أصلا من خدوديه .. ودج بهن عقب ما راحن خدودج .. لكن تحلمين ..
نظرت لها حور بطرف عينها ..
- أي خدود .. ويا هالويه لي بيتفجّر ..
- تعايبين ع خلقة الله ..!!
نظرت لها حور بجديّة ..
- نورة .. و الله بالموت وسعنا الفستان .. لو نعدله مرة ثانية بيخترب .. راقبي وزنج .. غديتي تتضخمين .. أمتن وحدة فينا .. و طولج ما يساعد ..
فُتح الباب على اتساعه لتظهر دانة من خلفه .. الوجه الذابل لها الذي اعتادوه منذ أسبوع طالعهم ببؤس و هي تحمل كوبا من الحليب الساخن في يدها .. و تفتح فاهها بشيءٍ من البلاهة اتجاه عفرا ..
قبل أن تنهض ملامحها في فرحة متكاسلة ..
- اللـــــــه ..!!! عفااري ،، و الله روعة الفستااان ،، أحلى عن فستان حور .. بس هب كأن خصره واسع شوي ..
شعرت بكتلة عملاقة تسد مجرى الأحرف في حلقها .. لم تستطع الا أن تمنح دانة ايماءة صامتة ردا على كلماتها و هي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة العملاقة أمامها ..
نظرت حور للفستان بعينٍ ناقدة قبل أن تقول بهدوء..
- عفاري ضعفت وايد .. عسب كذيه طاح خصر الفستان .. يبالنا نسويله تعديلات شويه .. حتى الصدر شوي واسع ..
التفتت نورة لدانة التي تقدمت نحوها ..
- هاا أم ضروس حديد .. شوه تشربين ..؟!
نظرت لها دانة شزرا .. حين انتزعت الكوب الساخن من بين يديها لترتشف منه جرعة .. فيما تقول الأولى ..
- ضروس حديد ..؟! اتحمدي ربج ع النعمة .. و الله لو تذوقين الويع لي آنسه الحينه ما تطيب لج عيشة لا ليل و لا نهار .. أنا حتى الماي البارد غديت أتحسس منه .. أحس انه بيكسّر ظروسيه ..!! لقمة العيش لازم أحط فوقها قوطي روب عسب اسرطها ..
قالت نورة و هي تمد رقبتها لتنظر اليها ساخرة ..
- سبحتينا انتي و تفالج .. شوه حادنج ع الشين ..؟؟ شوه تبين بالتقويم و العبالة .. لي يشوفج ايقول مركبة دعامية حديد انتي و هالضريسات .. كان حمدتي ربج ع النعمة اضروسج ما بهن الا العافية .. مصفوفات صف .. لكن البطرة و ما تسوي ..
ألقت دانة عليها نظرة مجروحة معذّبة و هي تقول بأحرف مبهمة بعض الشيء مع حرصها على عدم الضغط على أسنانها ..
- با الله عليكن .. منوه يبا الشدّة .. خبرنيه بس .. انتن ما تشوفن .. أنا دوم أحس ضرسينيه هاييلا شالات تايرين .. يباليه أشدهن شويه عسب أحصل على ابتسامة كرست .. أنا وراية مستقبل .. و زواج .. و ريال بيقبّل في ضريساتيه .. بس و الله تعذيب ..
ثم تأوهت و هي تنتزع الكوب من يدي نورة عنوة ..
- آآآه .. و الله أحس انيه مركبة أثقال في ضروسيه ..
ضحكت نورة و هي تنقلب على بطنها .. و تنظر لعفرا مرة أخرى ..
- بيعظلن خدودج ..
ثم استطردت و هي تنسد خدها بيدها ..
- عفاري ،، على هالحال .. ما بيي يوم العرس الا و انتي مختفية .. ما صار توتّر يختي .. ثاني مرة تعدلون في الفستان .. و تم واسع ..!!
وقفت حور و اتجهت نحوها تشد أطراف فستان عفرا .. في محاولة لتضييق خصره ..
- ما عليج منها .. بس ريحي عمرج شويّه .. أصلا المادة لي انتي ماخذتنها الصراحة وقتها بالمرة غلط ..!! يعني ما رمتي تأجلينها للكورس الياي .. ناقصة هم انتي على هم العرس .. وايد ضعفتي ..
ثم ضربت بإصبعها عظام كتف عفرا النحيلة البارزة بعتب هادئ ..
- شوفي كيف غادية جلد على عظم ..!! غذي عمرج .. طاح ويهج قبل العرس حتى الهالات غادي لونها أغمج عن قبل .. انتي ما ترقدين ..؟!
هه ..
ترقد ..؟!
على أي همٍّ وثير تجد هذا الترف يا ترى ..؟!
ابتلعت غصتها .. دون أن تجيب .. و دمعة قويّة تزحف و تتفلت من قبضتها المتمنعة لتلمع في مقلتها اليمنى ..
ما ان واجهت حور بريقها حتى احتضنت خد أختها براحتها في حنانٍ دافق و هي تهمس بحب أعاد لملامحها الدفء الذي اعتادوه و غدى يهجرها مؤخرا..
- عفاري غناتيه .. بلاج ..؟! شي مضايقج ..؟!
لو تعلمين أختي ..
مساحاتٌ شاسعة من وجع .. و خزي تفترش أعماقي ..
أي وجه قد أقابل به رجلا يعرف تفاصيل عاري الأسود ..!
لكن هزّة رأسها المبتسمة رغم دمعتها .. و الصوت المبحوح المختنق . خرج منكرا أي ضيق و هي تقول ..
- لااا .. بس الفستان حسسنيه انيه قريب بظهر من البيت .. و ببعد عنكم ..
اشتدت يد حور على جانب وجهها و هي تغرس ثقة نظراتها في عيني أختها ..
- ما بتبعدين .. انتي بيننا .. و أقرب من النصخ حتى ..
أومأت عفرا بانكسارٍ خفي ..
لا أحد يعلم أي ثقلٍ يرهق أكتافها ..
هذا الوضع يقتلها ببطء ..
ستموت قبل أن تنتهي هذه المهزلة دون شك ..!
اقتربت دانة بدورها منهن .. و هي تقول بأسف ..
- خسارة .. ما شافت المها الفستان .. عفاري خليج لابستنه الين ترد من المركز ..
لترفع عفرا عينا مرهقة بنظرتها الساخرة و هي ترد ..
- حلفي ..؟ شرايج أتغدى به بعد ،، انتي ما رمتي لسلك حديد في ظروسج .. تبينيه أخيس في هالخيمة .. الين ترد المها ..؟؟!
ضحكت دانة بتعب و هي تملّس بيدها قماش الفستان الناعم ..
- تراج بتخيسين بتخيسين .. اليوم و الا عقب اسبوعين ،،
ثم رفعت عينيها لعفرا .. بابتسامة أخرى ،،
واحدة تختلف عن ما اعتادوا رؤيته على شفتيها ..
بعيدة عن المزاح .. و السخرية ..
و تبخّر المرح من عينيها التي انكسرت نظرتها .. و حزنٌ يغفو في بسمة شفتيها و هي تلف ذراعها الحرة حول خصر شقيقتها النحيل و تسند رأسها على كتفها .. و الكوب يهتز في يدها الأخرى .. متنهدة ..
- عفاري .. عفاري .. عفاري .. باقي اسبوعين بس ..؟! يا الله ..!!
رفعت عفرا رأسها للأعلى .. خشية أن تبدأ دموعها في التدفق .. و هي تقول بصوتٍ مختنق ..
- الـ.. الحليب .. لا تيخسين الفستاان ..
ابتعدت دانة قليلا عنها بابتسامة أخرى .. و هي تقول ..
- و اذا خيسته .. حليب و فستان أبيض .. يعني غير الريحة ما فيه أي مشاكل ..
نظرت لها عفرا بزاوية عينها مقاومة شعورها بالحزن ..
- بالله عليج ..؟! و الريحة شوه يخوّزها .. عاد الحليب يوم يعفّن و ترد ريحته يصك الراس ..
ضحكت دانة بخبث وهي تتحرك مجددا نحو نورة ..
- أخير لج يا الخبلة عسب لا يخترب الميكب و التسريحة من أول ليلة ..
شهقة عظيمة كان مصدرها بعيدا عن عفرا التي التوت ملامحها بقسوة بعد هذه الطعنة الغير مقصودة من أختها .. و راحت تداري عِظَم وجعها باستدارة نحو المرآة تخفي وجهها عن أخواتها .. و حور تصيح بغضب في دانة ..
- عنلااااتج يا قليلة الأدب .. انتي وين قد وصلتي ويا هالرمسة ..!!
عضت دانة على شفتها السفلى و هي تجلس جوار نورة .. تمنع نفسها من الضحك ..
- بسم الله .. بسم الله ..!! شوه قلت أنا .. انتي تفكيرج وصخ ..!! أنا قصدي ان الوحدة يوم تخسر ع الميكب و التسريحة اتخليها ع الأقل اسبوع .. و شوي .. تحلل الفلوس لي صرفتهن عليها .. خص ان كل شي يكون ثابت .. بعدين ليش عصبتي ..؟؟! أنا ما رمستج .. كنت أمزح ويا عفرا بس ..
ثم نظرت لانعكاس وجه عفرا في المرآة قبل أن تعود لمراقبة احتقان وجه حور العصبي ..
- حور انتي ليش زعلانه ..؟! كم تمت التسريحة .. هههههههههههههههههههههههه ..
ضحكت نورة بدورها و هي تنظر لحور التي التفتت لها بغضبٍ أخرس .. قبل أن تقول بقوّة ..
- انتي فرحانة بسوالفج الماصخة هاي ..؟!
وضعت دانة يدها على فمها فيما انقلبت نورة على ظهرها .. و هي تهتز بضحكٍ صامت ..
و صوت حور يرتفع مرة أخرى ..
- عيب .. استحي ع ويهج .. الرمسة لي تقولينها نستحي نحن نقولها و نحن معرسات .. عنبوه يا بنات هاليومين الوحدة منكن ما فيها حيا .. امررررة امورها طيبة .. اتقول لي تقوله ..ثمني رمستج .. انتي بنية و كل شي اتحاسبين عليه قدام الناس .. لحظة .. شوه قدام الناس .. قدام ربج أول .. يختي الوحدة تكون نظيفة في أفكارها .. في رمستااا .. شوه هاا ..؟؟!
ارتفعا حاجبي دانة باستنكار ..
- عنبوووه .. حور أنا شوه قلت .. كنت أمزح بس ..!! ما انحرفت .. و هالرمسة بس امبينا لنا خوات و الا عند العرب ما ...
ألقت حور جسدها على الأريكة و هي تقاطعها بضيقٍ فاضح ..
- و الله مزحج ماصخ .. لا تمزحين مرة ثانية في هالمواضيع .. و بعدين اليوم يوم استسهلتيها قدامنا عادي اتخورينها قدام العرب لغراب ..
اتسعت عينا دانة أمام انفجار حور ،،
- أعصابج انزين .. ما ترزا هالكلمتين لي قلناها .. بلاج ..!! محد يمزح يعني ..
نفخت حور بغضب ..
- امزحي بأدب ..
شعرت دانة بأن حور تفرغ غضبا لا يتعلق بها .. لذلك تصلّبت ملامحها ببرود و يدها تشتد على الكوب و هي تقف ..
- خلااص أخت حور .. آسفين ع الغلط .. السموحة بس كان لوّثنا مسامعج النظيفة الراقية .. مرة ثانية ما بنمزح ..
ثم توجّهت نحو الباب خارجة بضيقٍ واضح .. و نورة تصيح في أثرها ..
- دندن .. واحد من فصوص التقويم طاح وراج ..
صاحت دانة بغضب و هي تتجاوز الباب ..
- جب يا الدرام ..
و انصفق الباب مع خروجها الثائر .. لترفع حور رأسها بحدة و هي على وشك السباب ..
لكن نظرات عفرا التي التقتها ألجمتها .. و هي ترى نورة تدير رأسها بدورها نحوها ..
- خير ..؟!
أدارت عفرا ظهرها لها مرة أخرى لتنظر اليها عبر المرآة .. و كأنما هي بحاجة لوضع مسافة بينهما خشية أن تنفجر حور مرة أخرى .. ثم تقول بحذر ..
- شديتي عليها ..
ردّت حور على الفور ..
- خليها تتأدب ..
تكلّمت نورة بتهور ..
- تتأدب ع شوه حور .. البنية ما لحقت تمزح بكلمتين .. الا و انتي كلتيها بقشورها ..
التفتت حور لها بغيظ .. و اللوم يستفز احساسها بالذنب أكثر فأكثر ..
- محد سألج .. ترى علومها تشابه علومج ..
تقلّبت نورة حتى وصلت حافة السرير و وقفت على قدميها بتثاقل ..
- أقول أميه .. انتي محترقة .. و ياية تفكين الحرة فيناا .. و أنا وحدة وزنيه ما يتحمل الصريخ و هز البدن ع قولة الشاميين .. سلاااام ..
ثم راحت تتحرك بعجل نحو الباب قبل أن تهب حور فيها بدورها ..
صرت الأخيرة أسنانها بقوة و الضيق يكتنف صدرها ..
ظلت أنظارها معلّقة بالباب الذي ارتد خلف نورة .. متجنّبة وجه عفرا ..
شعرت بالدم يجري ثائرا في عروقها ..
و حرارة تنضح من مسامها .. و هي تزفر بقوة ..
مرت دقائق طويلة .. كانت حور تتجنب فيها مواجهة عفرا .. لكن الصوت الهادئ الذي أتى من خلفها جعلها تستدير مرغمة نحوها .. تراقب كتلة البياض التي استوت على طرف السرير الفسيح ..
- تعوذي من الشيطان و قولي لا إله الا الله ..
سحبت حور نفسا طويلا شعرت به يتغلغل في أعماقها ..
- لا إله إلا الله .. أعوذ بالله منك يا إبليس ..
و أسندت جبينها بيدٍ متعبة ..
فيما تتساءل عفرا ..
- شي مضايقنج ..؟ انتي تعرفين ان لي قالته دانة ما يستاهل كل هالانفعال .. اترومين تفهمينها باسلوب أهدا .. هذا هب اسلوبج حتى مع اليهال .. رب ما شر حور ..؟
رفعت حور كفّها بتلويحة مبهمة ..
لا تجد تفسيرا لانفجارها الذي استنكرته في داخلها قبل الجميع ..
ما خطبها ..!!
شعرت فجأة بالدموع تتدافع في مآقيها .. و إحساس ثقيل يطأ أنفاسها ..
أشاحت بوجهها بعيدا عن عفرا ،، و شدت قبضتها تسد بها فمها لثانية .. و هي تبتلع عبراتها ..
ما تعرفه أن وجعا ساحقا داهمها فجأة ..
و هي ترى أن قهرها و الكبت الذي تمارسه على مشاعرها يتفلّت لحظات غفلتها من قبضتها ..
تبحث عن أي شيءٍ تافه لتنفجر من أجله ..!

* * * * *


تسند ذقنها بأصابعها المتشابكة .. و مرفقيها يغوصان في نعومة سرير المشفى ،،
عيناها تمسحان الجسد الممدد بحب جارف .. يخالطه ألم لم يعد يفارقها ..
قبل أن تحرر يمناها و تمسح رأسه الساكن برفق .. و هي تهمس بحنان ..
- صباحك خير يا الغالي ،، ما مليت رقاد ..؟
و ارتجف صوتها ..
- اشتقت لعيونك ..
بلا حراك ..
يرتفع ضجيج الآلة التي تزرع رئتيه أنفاسا ،،
و طنين جهاز تخطيط القلب يناشدها أن تشهد تعاريج نبضاته ،،
لتشمخ بانكسار نظراتها إليه ..
و خطوط خضراء تتحطّم على استقامة غير متصلة ،،
رفعت اصبعا مهتزا بسرعة لتتدارك دمعة كادت تنزلق ،،
لو اسقطتها .. لن يتوقّف طوفان قد يتدفق خلفها ..!
بيدها الأخرى تمسك بيده العريضة .. تمسح عليها بإبهامها .. و هي تهمس بصوتٍ متحشرج ..
- حبيبي و الله ..
رفعت رأسها تكابد دموعها الدانية .. و ابتلعت ريقها بقوّة .. تضغط على فمها بيدها بقوة ..
قبل أن تحني رأسها نحوه بابتسامة ميّتة و بريق الدموع لا يختفي من مآقيها ،،
- مادري ليش أحس انك تسمعنيه ..؟! انته تسمعنيه ..؟ نهيان ..؟!
و عضت شفتها بقوة .. و شهقة تصاحب انزلاق عبرة على خدّها تعلو الصمت الذي رد صدى سؤالها ..
تعلم أنها تخدع نفسها بهذه الأوهام ..
نهيان بعيدٌ عن هنا ..
يهجر هذه البقاع الخصبة بالخداع .. و الغدر ..
يسكن الظلام ..
لكنه ظلام يختلف عن سوادٍ ملأ قلوب من منحتهم الثقة ..
ظلام هادئ .. لا يبثه الا سكينة ..
فضل الرقاد فيه حين لم يستطع استيعاب فداحة ما حدث ..!
رغم ذلك رفعت كفّه لشفتيها تلفظ على ظاهرها الحزن الذي راح يلوّن حياتها في تلك اللحظات مع خوفها لفقدانه ..!
- لو تسمعنيه .. لو تسمعنيه بس و تدري ..!! نهيان محتايتنك يا خوية .. أنا هب زعلانة ع لي صار .. خلاص و الله .. بنسى .. أصلا .. أصلا نسيت .. بس انته رد .. و لا تضيق صدرك .. و لا يهمك .. نهيــــان ..؟!
نداءها الأخيرة كان مهزوما أمام صمته ..
و انتكس رأسها ..
لينساب اليأس بحرارة ..
يلذع موارد البسمة على وجهها ..
همست بصوتٍ مبحوح .. و الرؤية أمامها تحتضر خلف غلالة الدمع الضبابية ..
- نهيان يا بعد هليه ..أنا لحالي .. مالي غيرك يا خوية .. غريبة حتى فدار أبوية .. نش .. مابا الا انته .. ابا أحس ان ليه أهل .. ابا خوية .. أبااك ..
غريب أن تشعر بالوحدة القاتلة وسط جموع الأقارب تلك ..
أن تدرك بأن دمٌ يجمعهم لا يعني أن يكونوا هم العائلة .. بتاتا ..!
عجبي كيف تغدو قطرات تجري في عروقها هي سر نفورهم ..
كيف يتحفّظ إخوتها في معاملتها .. و يتوجّس أبناءهم من وجودها ..
فيما يتظاهر أباها بأنها ليست في المكان ..!
رنين هاتفها المحمول يقطع الصمت بصخبٍ كريه .. لتجفل بقوة ..
ثم تسارع لكتم أنفاسه ..
تكره أن يزعج هدوء راحة أخاها شيئا ..!
تلصق الهاتف بأذنها و تهمس فيما عينها تمسح ملامح نهيان المنطفئة برفق ..
- ألوه ..؟!
لحظة صمتٍ ردّت كلمتها ظنت فيها أن لا أحد قد يجيبها قبل أن يتدفق صوتٌ حيوي قويّ ضج مسامعها ..
- يـــا مرحبـــــــا بالجمــــــال اللي يهـــــــــز السلاطـــــــــين ..
انعقد جبينها بعدم فهم و هي تبعد الهاتف عنها بتوتر مستنكرة غلظة الصوت الرجولي .. تدقق في الإسم الذي يعلو الشاشة .. قبل أن تطفو ابتسامة صغيرة على ثغرها طمست شيئا من حزن عينيها ..
- هلا و الله ،،
عاد الصوت الرجولي يتساءل بذات الحيوية ..
- الشيخة ميعاد سيف علي الــ ××××× ..؟!
لم تجد ردا على سؤاله الممازح سوى ضحكة خفيفة خجولة ،، و احساسٌ بالحرج لا زالت تقابلهم به ..
- هيه نعم ،،
- ممكن نتعرف ..؟
ابتسمت بخفّة دون أن تجيب .. لا يمكنها مطلقا مجاراة مرحه أو مزاجه العالي دوما ..!
حين اعتدل صوته لينطلق حيويا مجددا و هو يتساءل ..
- هاا عمتيه .. اعلوم ..؟
ردت بصوتٍ خافت ..
- علوم الخير .. و من صوبك ..
أجاب بسرعة ..
- عال العال .. حد عندج ..؟
- لا ..!
- ليش تساسرين .. أحمد أنا هب بن لادن ..
ابتسمت لترد بعفوية حانية ..
- نهيان خوية راقد ..
لحظة صمتٍ انفجرت في الطرف الآخر .. قبل أن يهدأ صوت أحمد و يقول بعمق ..
- الله يعافيه و يشفيه و يقومه بالسلامة ..
انتقل لأذنها صوتٌ آخر لأحد يقبع بجانب أحمد و هي ترد ..
- آمين ..
لتختلط الأصوات برهة و هي تحاول التقاط شيءٍ من الحديث .. قبل أن يعود صوت أحمد للتساؤل ...
- انزين الساعة 12 الا ربع ،، بو سيف مطرشنا نوصلج البيت يقول لازم تظهرين قبل 12 ..
التوت ملامحها بحزنٍ مجددا .. و هي تقول ..
- انتو هنيه ..
- عند بوابة الخاص و لو خاطرج اتمين بنرقبج ما عدنا خلاف ..
ابتلعت غصتها و صوتها يخفت بانكسار ..
- لا الحينه لازم أظهر لنهم بيشيكون عليه .. دقيقة و أنزل لكم ..
كان التعاطف يثقل صوت أحمد و هو يجيبها بحنان هادئ ..
- ع راحتج ،، لا تستعيلين ..
أومأت و هي تشد على شفتيها .. تطبق عبرة عملاقة على خناقها .. ثم تنهي المكالمة دون كلمة أخرى ،،
يدها ترتعش و هي تشد على الهاتف المحمول .. تسنده لجبينها بتعب .. و هي تغمض عينيها بقوة ..
فتنبثق دمعة واحدة ،،
باردة ..
لم تكن سوى طقسٍ معتاد عليها ان تمارسه قبل أن تهجر جسد أخيها لوِحدَه ..!
ترغم على أن تترك فريسة الضياع في الجانب الآخر ..
يتخبّط في الظلام ..
أَ جائع أخي ..؟!
أَ خائف ٌ ..؟!
أ من وجعٍ تشتكي ..؟!
أ و يجرؤ البرد و الوحدة على احتوائك .. و أنت الدفء و الوطن ..؟!
بربك ألم تجد سبيلا للعودة ..؟!
هناك بقاع تشتاق حضورك ..
و ديار يهجرها الدفء و الضوء بغيابك ..
هناك صمتٌ قادم ..
مخيف ..
أشعر به سيجتاحني ..
سيهدمني ..
سيجرفني لهاوية ملؤها غربة ..
أشتاق حضورك يا كبير ..
ألم يحن الوقت لتحزم ألمك و الخيبة .. و تنتكس بك الخطى عودةً للنور ..؟!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
في أقصى الممر يعقد ذراعيه على صدره ،،
من خلف زجاج نظارةٍ داكن لا يحتاج إلا إخفاء نظراته خلفه ..
راح يراقب آخر أفاليل رحيلها تذوي في نهاية الممر ،،
في زحف دواليب عجزها .. انكسار جلي ،،
شيء راح يستفز شفقة تسكنه .. ينحيها بعيدا على عجل ..
آخر ما يحتاجه الآن هو ثقلٍ يزيد به شعور بالذنب لا يفاقه ..!
يستدير اتجاه الجسد الساكن خلفه ،،
التصق ظهرها بالكرسي الجلدي الذي تشغله .. و مفاصل أصابعها تستحيل للبياض و هي تشد يديها بقوة ..
من خلف غطاءٍ ثقيل .. يعلم أي أنهارٍ تزحف على وجهها تشق أخاديد من وجع في روحها قبل الوجه ,,
و هي تراقب مضيّ أختها بعيدا عنها ..
يؤلمه أن تزهق التعاسة روحها ..
حطّم قلبها سقوط نهيان بعد ما فعلت ،، ليزيد إحساسها بالذنب بعد كشفها لأمر أختها سوءا ..!
لطالما تساءل في داخله هل يقع الذنب كلّه على عاتقه كونه كان اليد الخفية التي تتحكم بالأمور خلف الستار ..؟!
أم أن خولة لم تكن تحتاج سوى لمن يدفعها لتنهي تلك المهزلة التي كانت ستستمر حتى يطويها التراب ..!
- راحـــــــــت ..!
استدار نحو الرأس الذي انتكس ببؤس حين تسلل وجع الكلمة إلى مسامعه ..
هذا حالها كل يوم مذ عادوا من السفر بعد سقوط نهيان باسبوعين ..
ترتقب هذه النظرة الخاطفة لطيف أختها ،، و هي تدير ظهرها غير عالمة بوجودها في المكان ..
ما الذي قد تفعله تلك المقعدة يا ترى لو سنحت لها الفرصة لمواجهة أختها ..؟!
ما موقفها غير اللوم يا ترى ..؟!
شكر ربّما لأنها أنهت فصولا من النسيان و الهجر من حياتها ..؟!
- هيه راحت .. ما تبينا نحدر ..؟!
لملمت بقاياها ببؤس ،، و هي تقف على قدميها بوهن ،،
قبل أن تجرّ الخطى خلف ابن أخيها ،،
ستولج روحها في مدخلٍ من حسراتٍ بعد ثوانٍ ،،
لتبدأ فصلا جديدا لحكايةٍ من ألم ،، كانت هي من ابتدأها ،،
و لا تلوح نقطة نهايةٍ لها في أفق ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
مراقبا بوابة القسم الخاص من الموقف الذي ركن سيارته فيه و هو يتساءل باهتمام ..
- انزين هو مريض بالقلب .. و سالفة الهبوط فيه فهمناها ،، لكن داخل غيبوبة ليش ..؟! يعني أحيد الراس يتدخل في الوعي و اللا وعي .. هب القلب ،،
نظر له هزّاع ببطء قبل أن يقول بنظرة ضيّقة ،،
- لنّك غبيّ و كلمة الحق تنقال .. بخبرك ،، يقولك انه يوم ياه الهبوط ما دري الأزمة ،، مادري شوه صابه في قلبه ،، الضخّ من القلب تباطأ و الدم ما وصّل الأكسجين للدماغ ،، و تأثر الدماغ ،، و تعطل .. كيف و ليش و متى ،، الله العالم ،، ادعيله يا ريّال ،،
تنهّد أحمد و هو يميل على المقود ،،
- الله يشفيه و يعافيه ،، و يشفي جميع مرضى المسلمين ،، يا الله بالعافية ..
وضع هزاع ذراعه خلف رأسه ،،
- آمين يا الله ..
ثم و كأنه تذكّر شيئا مختلف ..
- تعال .. ما خبرتنيه .. اعلومك ويا الوالدة ..؟!
سحب أحمد نفسا عميقا قبل أن يطلقه زفرة ضيق ..
- خلها ع ربّك يا ريال ،، مول هب طايع الحال ينصلح .. تقول هب سادنيه هالأسبوع لي أرقب فيه الرد ،، عسب أزيد ع عمريه بزعلها .. المشكلة انيه أدري من قبل انها ما بتطيع ،، أعرف موقفها من السالفة .. انت ما شفتاا يوم حامد خطب عفرا شوه سوّت .. و الحين قالبة البيت ع راسيه .. لا ترمسنيه و لا تسلّم عليه .. و لا ترد ليه كلمة من خبرها ابوية .. لنيه ما شاورتاا .. تعرف انها ما بتروم ترمس قدام أبوية و الا تعايب ع البنية .. لكنها هب راضية و لا موافقة .. قالتاا بصريح العبارة .. أحمدوه يا الهرم بنت الصمخا ما أباها ..
ثم التفت لهزاع بقهر حقيقي ..
- يخرب بيتهم هالناس .. ذبوحنا بهالعلم .. صمخا .. صمخا .. صمخاا .. كرهت الكلمة من كثر ما أسمعها .. بخبرك بو سلطان .. العرب ادوّر عيوب غيرها عسب تماري باللي عندها .. يعل كل من قال عنها صمخا يفدا مواطيها .. و لو صمخا .. خير ..؟
عض هزاع على نواذجه و هو يفتح نظارته الشمسية ليرتديها .. داسا نظراته و شيئا من الخزي خلفها ..
كان هو ممن كانوا يعارضون ،،
و يقولونها ..
( صمخـــــا ..! )
ثم ابتسم بشيءٍ من التوتر ،،
- متحمس أشوفك ،،
سحب أحمد نفسا عميقا قبل أن يطلقه مرتجفا بابتسامة مهزوزة ،،
- هيييييييه يا هزاع ،، الا متحمس .. بس لو يترفقون بفواديه ،، أخخخ ،، مخلينيه ع نار ،، مادري متى بيرحمونيه و يردون ،،
ضحك هزاع بخفة ،،
- انزين إصبر عليهم ،، بيسألون عنك أول ،، و يشوفون تصلح لبنتهم و الا لا ..
- تستهبل انته ..؟!
- لا أستعبط .. انته شوه عايلنك ،، بتموت لو ترييت اسبوع يعني .. تراها بتخيس عندك العمر كله ..
انبثقت ابتسامة كبيرة على شفتي أحمد ،، و عينيه المرحتين تلمعان بقوّة ..
- و الله يا هزاع مستعد أصبر سنة لو انيه ظامن انها بتكون ليه العمر كلّه ،،
ثم خبا بريق مآقيه و تنهد ،،
- لكن رمسة الشياب لولية ما تبشر بخير يا خوك ..
لوح هزّاع بيده دون اكتراث ..
- لا اتسمع لهم ،، كل واحد اييب الرمسة من عنده ،، لكن شور البنية هو لي عليه العمد .. وين بتحصّل شراتك ..
ثم ابتسم بسخرية جانبية ..
- مال و جمال و أخلاق .. و من البيت للمسيد و من المسيد للبيت ..
ابتسم أحمد بخفّة ..
- تعال اخطبني ..
أشار هزاع برأسه لزجاج السيارة الأمامي ،،
- قدم الموتر لعمّتك ،،
رفع أحمد رأسه لتلتقط عيناه مرأى الجسد الذي يحويه كرسي ذو دواليب راح يقطع الممر المحفوف بالمزروعات ،،
ليحرّك سيارته بسهولة نحو المدخل المسقوف ،، و هو يقول بابتسامة صغيرة ،،
- عمتيه ..؟!! أحسها أصغر بناتيه ..
لكن هزاع كان ينظر لانزلاق كرسيها عبر المدخل بعين الشفقة ،، و هو يتمتم ،،
- مسكين حالها و الله ،، تغمضنيه .. الله يشفي خوها ..
تنهد أحمد و هو يوقف سيارته بمحاذاة الممر ،،
- آمين ،، صعب تتلته في دنيتك و لا من عضيد ..
التفت هزاع نحوه بسرعة ..
- و نحن وين سرنا .. أبوها .. و أخوانها بدال الواحد أربعة .. غير عيال خوها ..
مال احمد ينظر عبر زجاج نافذة هزاع يراقب اقترابها .. و هو يقول بهمسٍ خافت ،،
- تقص عليّه و الا ع عمرك ،، و أبوها و أخوانها الأربع من زود الرحمة في قلوبهم ،، و الا الحب البيّن ،، أنا ما ظنتيه حد منهم قبّل صوبها من يوم يت البيت أكثر من مرتين ،، ما تحيد أول مرّة ساروا لها عقب ما ردت أميه نورة البيت كيف ويوههم تقول حد يارنهم من خشومهم غصب ،، أقسم بالله ما راح بين الريول الا هي ،، لا طلعت من خوانها من أمها و لا أبوها و عياله ،، اذا ابويه سيف ما نشوف اللين فيه علينا ،، تقول بيرحمها ..؟!
زفر هزّاع ببطء و هو يراها تتوقف في منتصف المدخل الحجري بكرسيها ثم تتلفت يمنة و يسرة دون أن تتعرف على سيارة أحمد ،،
- يعني الخير فينا ..؟ ترانا مقصرين شراتهم ،، محد قايم بها غير غيث خوك ..
عقد أحمد جبينه و هو يطالع نافذة هزاع ،،
- الله يصلح الحال ،، ليش وقّفت ..؟ شكلها ما عرفت الموتر ..!
.
.
.
.
.
.
فتشت بعينيها في السيارات المتوقفة أمامها لثانية ،، كيف لها أن تعرف سيارته ..؟!
هل تعيد الاتصال بالرقم لتسأله ..؟!
مجددا ترفع عينيها للسيارات ،، لتصطدم بمرأى الرجلين المتقدّمين نحوهما ،،
سمات الزهو ،، و فتوّة الشباب الناضحة من طريقتهم في المشي ،، ذكّرتها بالتكبر الذي يسري في عروق هذه العائلة ،،
لكنها تعلم خير العلم بأن أوصالها لا تمتد لقبي هذين الشابين ،،
لقاءاتها المتعددة معهم دفعتها مرّاتٍ و مرات للضحك من بين دموعها ،،
و رغم سخط غيث الدائم عليهما ،، و الطيش الجلي في تصرفاتها .. رغم اندفاعهما و التهوّر ،،
أيقنت بأن لكل واحدٍ منهما قلبا من ذهب ،،
حبّ الحياة يتدفق صادقا من ضحكاتهم ،، و كلماتهم ،، من الحيوية المشعّة في مآقيهم ،،
إحساسٌ يزرعونه بمهارة في نفوس الغير ،، يخفون خلفه ما يجول صدقا في نفوسهم ..!
و من وسط أحزانها الجافة ،، تسللت بسمة هادئة لتلتصق بشفتيها ،، مع دنوهما ..
تساءلت إن كان أحدهما يعرف الإحباط أو الحزن خلف أقنعة البشاشة هذه ..؟
أم أن الضحك في وجه كل الظروف هي فطرة فيهما ..؟!

* * * * *

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة ارادة الحياة ; 22-05-09 الساعة 11:38 PM سبب آخر: مشرفة القسم تستأذن من زارا لاستغلال مشاركتها
عرض البوم صور زارا  
قديم 22-05-09, 11:29 PM   المشاركة رقم: 867
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زارا مشاهدة المشاركة
  

الوحــــدة ..
شعور مفعم بالمرارة ..
خانق ..
يورث رثاءً بالنفس ،، فتشتهي البكاء ..
شعور بأنك تجلس على ذاك المقعد الخشبي الخالي في قارعة الطريق ..
لا صوت إلا ترنيمة ريحٍ تعبث بأوراق الشجر الجافة المتراقصة عند قدميك ..
لا دفء .. خلا بردٍ يجمد أحاسيسك .. لتضمّ كفين باردتين لصدرك .. و تنفحها أنفاسك المثقلة بالغربة ..
لا حركة سوى إيماءاتك الغبية .. و التفاتاتك المترقّبة نحو أفقٍ لن يجلب قدوم شاغلٍ آخر لهذا المقعد الموحش ..
لا إحساس غير طوفانٍ موجع من الذكريات ،، التي تنبذك .. تلفظك ..
الوحدة ،،
هي الرغبة في الصراخ بالمتشاغلين حولك لتذكّرهم أن لا ينسوك ..
هي جرّك لطيفك الباهت تبغي الإختباء في ثقب زمن .. ثقب مكان .. ثقب وجود ..
هي جيوش الدموع الغير مبررة .. حين تتضخم في عينيك تصرفات الآخرين ..
فتكره أن يعيشوا حياتهم فيما أنت تموت .. أن يلهوا و كأن حزنك الصارخ في عينيك لا يستنجدهم ..
أن تنفلت أيديهم من قبضاتك .. واحدة تلو الأخرى ..
لتتمسك أخيرا بهواء ..!
الوحدة هي جلوسك اليائس أرضا ..
ترتقب أناملا تجمع حبات الدمع من مآقيك .. أو كفا عابرا قد تربّت على كتفك في مشاركة ..
.
.
الوحدة وحدها ما يغزوها الآن ..
شعورها بأنها وحيدة في ألمها .. فيما تستمر الحياة خارج حدود الألم داخلها بشكلٍ أو بآخر ..
لم يعد أحدٌ بحاجتها ..
واحدة تتزوج ..
و أخرى على وشك ..
الصغار يكبرون .. و الكبار يرفضون تطفّلها ..
فقد غدوا كبارا بما يكفي ليعيشوا بعيدا عن - تسلّطها - ..!
شعرت فجأة بعرقٍ بارد يتسلل لظهرها ..
و تمنت لو أنها تضع رأسها على مخدتها بذات البرود الذي تتقن تظاهره .. على أن يكون صادقا ..
تمنت لو أنها تنسى كل شيءٍ حولها ..
هويتها .. إسمها .. من تكون .. و ما حدث لها .. و ما قد ينتظرها غدا حين تفتح عينيها ..!
أن تنسى كل ذكرياتها .. سواءً كانت حلوة أو مرة ..
أن تترك خلفها كل خطواتها السابقة ..
لتضع رأسها على مخدةٍ من إنعدام إحساس ..
و تنام ..
لا يهم كم قد يطول نومها ..
لا تشاء الإستيقاظ إلا بعد أن تنجلي كل هذه الهموم .. هذه المعمعة التي تجتاحها ..
هذا الضياع الذي يؤرّق إحساسها ..
لكنّ لا فرق ..
ها هي تجاور ألمها على طاولة المطبخ ،، تتأمل أنفاس كوب الشاي الساخن تتصاعد لتتلاشى في الهواء ببطء ..
لو كان لها أن تبخّر الألم بهذه الطريقة ..
أن تشتت تعاستها الفظيعة و وحدتها في الهواء هكذا ..!
تطفّل برود دمعة يشرف من عينها على العالم بجرأة نستها منذ شهرٍ بارد مر ثقيلا عليها ..!
فرفعت أنملة لتطمسه في مكانه لكن إصبعها تجمد في الهواء و هي ترى تلك القابعة عند الباب بهدوء تراقب تعابير وجهها البائسة ..
قبل أن تمدّه بسرعة أكبر و تمسح تلك الدمعة و هي تبتسم في وجهها بتصنّع ،،
- عاد يوم أفكّر أنسى عمريه و ما حس بحد .. حتى عيني أنساها مفتوحة و ما أذكرها الا لو حرقتنيه ..
ثم طالعتها و هي تلملم بقايا الوجع من زوايا وجهها الصافي ،، بمزاحٍ لميعاد التي تقدمت بكرسيها نحو الطاولة ..
- طولتي تتأملين ..؟؟
كانت ملامح ميعاد هادئة للغاية و هي تتقدم ..
- سمعت صوتج يوم دخلتي البيت و ما مريتي الصالة ..
تنهدت حور و هي تلامس حافة الكوب بهدوء ..
- سمعت حشرة البنات هنيه .. و بغيت أيلس بروحيه شوي ..
انطفأت ملامح ميعاد باحراج في اللحظة التي لم يعد يفصل فيها بينها و بين الطاولة سوى خطوتين .. ثم ابتسمت متوترة باعتذار ..
- سمحيليه .. خربت عليج الـجـ .....
قاطعتها حور متداركة بسرعة .. و عيناها تتسع ..
- لا ميعاد فديتج .. هب قصديه .. تعالي بخبرج .. قربي .. تبين جاهي ..؟
عادت ميعاد تدفع كرسيها نحو الطاولة بخجلٍ طفيف ..
- ما نقول لا ..
و ابتسمت حور بحب .. و هي تنهض لتلتقط كوبا و تغسله ..
- أنا يوم سمعت حشرة روضة و عفاري متأكدة انها موجودة قلت مليون بالامية ان الموضوع عن ترتيبات العرس .. و هالشي لي أنا ماليه خاطر موليه أرمس عنه ..و ما فيه لصدعة الراس ..
ثم ملأت الكوب قبل أن تعود لتحتل المقعد المجاور لميعاد و هي تضع الكوب أمامها ..
- أكيد حشرنج بتفاصيل العرس ،، و الترتيبات و الإستعدادات ..
ابتسمت ميعاد بخفة و هي تحتضن الكوب بين كفيها ..
- لا و الله بالعكس .. أستانس لسوالفهن .. أو بالأحرى سوالف روضة عن الموضوع .. لن عفرا ما ترمس عن السالفة الا لو حد سألها .. ما فيها حماسة روضة ..!!
ابتسمت حور بحب .. و هي ترد ..
- روضة شفافة لي فخاطرها ع لسانها .. لكن عفرا كتومة .. و متحفظة شوية .. هذا طبعها .. بعض الناس يحسوبها باردة و متباعدة .. لكن هي بطبعها هادية و رزينة .. تصدقين .. أول مرة تعرفنا على روضة ما كانت كذيه ..!! كانت وايد هادية .. و وايد رقيقة .. لكن الحينة من تشوفنا تخترش .. هي أول وحدة من قوم أبوية شفناها و عرفناها.. و الا الباقين ما عرفناهم الا يوم يينا هنيه ..
تنهدت ميعاد .
- مبين عليها .. يسد انها الوحيدة لي زارتنيه أكثر عن مرة .. بنت مطر ما قد شفتها الين الحينه .. و شيخة بنت علي .. غير المرة لي يت ويا أمها فيها .. ما وايقت علينا ..
و اصفرّ وجهها بكآبة .. و هي تستعيد جفاء إخوتها الذي لم تراهم خلال هذا الشهر طوله و منذ قدومها الا مرة أو مرتين ..
هزت حور كتفيها و هي تقول ببساطة ..
- عوشة بنت مطر ذِكِر بلا شوف .. نادرا ما تيي البيت العود مع ان روضة قالت ليه مرة انها كانت مرابطة هنيه قبل لا نيي .. فما ظنتيه بتقبل صوب هالبيت يعني لو بتيي بتشوف أميه نورة و أبوية سيف و تسير .. هاي البنية و فهد ولد عميه أحمد شرا المنبوذين .. مادري كيف .. بس ما نشوفهم وايد .. و لا نتداخل وياهم .. عيال عميه سعيد دوم هنيه .. شفتي سيف كيف طبعه طيب و هادي .. في تعامله رحمة .. و دوم واصل و ما يقطع الشياب .. و هزاع و أحمد بن علي .. ما يتفارقون .. دوم نشوفهم .. بس حارب لي يمكن ما ينشاف الا في آخر الاسبوع بسبة الكلية ..
- في الطيران هو ..؟
- هيه .. تحسين عيال عميه علي و عميه سعيد بينهم رابطة قوية شوية .. لكن فهد تشوفينه بعيد عنهم .. شرا ما عوشة بعيد عنا .. و شيخة بعد .. شفتيها يوم يتج هنيه .. فرق السما عن الأرض .. ما فيها من رويض شي ..!!
أسندت ميعاد وجهها بكفها ..
- حسيتاا محاذرة شوي .. و نظراتاا متشككة .. مادري متوجسة ..
ابتسمت حور بسخرية و هي تنظر للسائل الذي يملأ الكوب أمامها ..
- في المرات لي شفتاا فيهن .. دوم كذيه .. تحسينها بعيدة ,, و الا كارهة المكان و العرب لي حولها .. عيال عمي علي كل واحد غير عن الثاني أحمد حبوب سوالف .. و رويض دلع .. و حامد تحسينه ثقل و غامض .. و شيخة متبرية من الأمة ..!!
ابتسمت ميعاد ..
- و غيث ..؟
رفعت حور عيبنها عن الكوب بسرعة ..
- بلاه ..؟
ضحكت ميعاد ..
- من عيال عمج علي .. ما عطيتينا موجز صفاته ..
توتّرت حور من ذكره ،، ما الذي قد تتظاهر بأنه يمثل بالنسبة إليها .. و صفاته التي تعرف ..؟!
هناك الكثير من الكلمات البذيئة الشائنة الحاقدة قد تطلقها عليه .. لكنها ستكسر الصورة المثالية التي تحافظ عليها أمام ميعاد منذ شهرٍ بتصرفاتها الباردة ..
حاولت إلهاء ميعاد عن الأمر و هي تقول بابتسامة صغيرة مضطربة ..
- أنسى مرات انه من عيال عمي علي .. تصدقين ..؟
أومأت ميعاد موافقة ..
- تحسينه ولد الشيبه .. صح .. ماخذ منه وايد .. يعني الشخصية .. و أسلوبه في الرمسة ..
وجدت حور نفسها تبتسم بمرارة موجعة موافقة في داخلها على كلمات ميعاد التي تابعت بابتسامة باهتة بدورها ..
- هيبة .. و قوي باس .. تحسين فيهم كلهم شي واحد .. كيف أشرح لج ..؟؟! هب القوّة و لا العناد . يعني .. آممم ..
بصقت حور الكلمة دون تفكير و ملامح وجهه الداكنة تختزل تصرفاته الخشنة في عقلها ..
- القسوة ..؟
ذهلت ملامح ميعاد و هي تردد ببطء ..
- القســـــوة ..؟!
نكست حور نظرتها و هي تعض على شفتها بقوة .. ما الذي اقترفه تهورها ..؟!
تبـــا ..!
عقدت ميعاد جبينها بغرابة ..
- بس غيث هب قاسي ..!!
لا تعرفينه إذا ..!!
لم تستطع إلا أن تلفظ شيئا من قهرها .. حتى و هي تحاول تدارك غلطتها الأولى ..
- متسلط ..
رفعت ميعاد حاجبيها بخفة و هي تبتسم ..
- متسلّط ..؟! يمكن ..!! بس هالشي راجع لقوة شخصيته و لنه بطبعه قيادي فيحب انه يكون دايما صاحب القرار لول .. و الناس يطيعونه ..
اهتز الكوب في يد حور و هي تدس فمها في طرفه لتلذع لسانها حرارته .. و يحرقها التوتر ..
هذا بالضبط ما أشار إليه حين نعتها بعبدته ..!!
فيما تابعت ميعاد بهدوء .. و الإحساس الحيوي الذي كان يسكن ملامحها للتو ينسحب ببطء ..
- بس على الأغلب هالصفة متوارثه في العايلة .. أحيانا أحس أبوية و عيالة فيهم برود في التعامل .. و عمليّه .. ما يعرفون يعبرون عن مشاعرهم أو ما يريدون يعبرون أصلا .. مادري ليش ..؟!
هزت حور كتفيها ببساطة ..
- يمكن يشوفون ان المشاعر الانسانية و التعاطف .. و الحب و المشاركة .. حركات حريم .. و ضعف .. و ضياع وقت ..!! كلهم نفس التصرفات و التعامل .. و البرود ..
عقدت ميعاد جبينها ..
- ما أظن .. أحس مطر خوية غير .. وايد طيب .. و الرحمة في ويهه ..
هزت حور رأسها موافقة ..
- هيه عميه مطر صدق غير .. لكن الباقين نسخ مصغرة من أبوهم .. أصلا تلقين معاملة أبوهم أو التربية لي تلقوها هي سبب حالتهم هاي .. لاحظي ان غيث تربى عند يدي .. و طبعه يقارب طبع أبوه و أعمامه .. نفس العصبية .. و التسلط ..
- ليش اتقولين متسلّط ..؟
اتسعت حدقتي حور متفاجئة ..
- شوه ..؟
نظرت لها ميعاد بحذر و هي تقول بخفوت ..
- قلتي عن غيث متسلّط مرتين .. مع انيه ألاحظ من لي أشوفه انه وايد يحبّج و يراعيج .. يمكن يتسلّط ع العرب كلهم الا انتي ..!
غصّت حور بريقها الذي كانت تبلعه بحذر .. لتنفجر السعلة المتفاجئة بقوّة في حلقها ..
يحبّها ..؟!
سحقا له .. انه يستعبدها .. !
لم تكن سوى تذكرة للوصول نحو القمة .. و ها هو يذيقها المرار و الذل دون توانٍ ..
تنحنحت بتوتر .. و راحت تشتت نظراتها في الفراغ .. و صوتها يخرج مبحوحا .. يستر تمزق مشاعرها ..
- أنا ما أرمس عن معاملته ليّه .. أطري طبعه بشكل عام .. ويا الناس لي يشتغل وياهم .. ويا هله ..
أومأت ميعاد بهدوء موافقة ،، و هي تهز كتفيها ..
- من هالناحية .. صدق .. غيث يخلي البرود و قوة الشخصية و التسلط حاجز بينه و بين الناس .. و يمكن السبب في هالشي ظروف حياته لولية .. قبل أو بعد ما سكن عند أبوية سيف ..
رفعت حور رأسها نحو ميعاد ..محاولة أن تكبح سخرية تراودها ..
- أي ظروف ..؟!
نظرت لها ميعاد لثانيتين طويلتين ،، قبل أن تخفض عينيها للكوب .. و هي تقول بحيادية حذرة ..
- أقصد أي ظروف يمكن مر بها في حياته .. انتي قلتي انهم تطبعوا بطباع أبوية سيف ،،
ثم قالت بابتسامة متداركة تدير اهتمام حور بسرعة عن زلّة لم تلتقطها ..
- خبرينيه عن حمد الله يرحمه .. هو كان كذيه .. نفس الطبع ..؟
مجرّد ذكر والدها أذاب شيئا في داخلها ..
الحنين ..؟
ربما ..!
سحبت نفسا عميقا تملأ به جوفا .. قبل أن تزفره ببطء .. و هي تقول بابتسامة مهزوزة ..
- آمممم أبوية ..؟ ترومين تقولين هيه .. و ترومين تقولين لا .. في التربية كان صارم وايد ويانا .. شاد علينا في الدين .. يعني في اللبس .. و الصلاة .. جدّي وايد .. الله يرحمه .. كنا نحترمه و نهابه وايد ..
ثم نظرت لميعاد مؤكّدة ..
- هب يعني اننا ما كنا نحبّه ،، بالعكس ،، أظن ان كل واحد منا كانت مشاعره تتجاوز الحب العادي ،، أبوية كان المحور ،، الركيزة الثابتة في حياتنا .. الريال الوحيد حولنا .. ما أنكر ان عميه سلطان و خوانيه عبيد و مايد كانوا يلعبون دور مهم لنهم العايلة الوحيدة لي نعرفها .. لكن أبوية كان الأساس .. الأمان المعنوي و المادي ..
رفعت عينها و ابتسامتها تختفي مع التنهيدة التالية ..
- الله يرحمه ،، كان الصخرة الثابتة في كل الظروف لي مرت بنا .. على قلّت الرزق لي عدنا .. عمرنا ما حسينا اننا قاصرين عن الغير .. و عمر عيوننا ما تلهّفت للقمة في ثم غيرنا .. هو لي زرع فينا القناعة و الرضا بما عدنا .. تعرفين شوه .. مرات أشوف عميه علي ويا بنات .. و الا معاملة عميه مطر لعوشة .. طريقتهن في التدلع ،، الحرية لي ياخذنها في الضحك و السوالف .. الزعل .. و مادري شوه .. و لهفة عماميه عليهن .. و أحس اننا صدق غير عنهن .. نحن ما كنا كذيه ويا أبوية .. يمكن كان يعاملنا بشكل صارم .. و نحن نتعامل وياه بكل احترام .. ما قد يلست في حظن أبوية أدلع عليه .. و لا قد زمت حد من خواتيه بخشمها زعلانة لنه ما عطاها لي تبا .. و الا ما ياب لها شي .. لكن احاسيسنا و حبنا له كان أقوى ..
ثم ابتسمت بحب دافق .. إحساسٍ حي ،، لازال يسكنها .. و سيعيش داخلها أبدا حتى بعد رحيله .. فيما غصّة تنعقد في داخلها ..
- كان يظهر من الصبح للدوام ،، و لا يرد الا الساعة ثلاث الظهر ..
قاطعتها ميعاد بلهفة موجعة و هي تلتهم كل التفاصيل الحبيبة ..
- و شوه كان يشتغل ..
ابتسامة فخرٍ لا تدري مصدرها ارتسمت على شفتيها ..
- كان سوّاق شاحنة في مواقع مقاولات البلدية .. نحن نتغدى قبل ايي كلنا رباعة في صحن واحد مع ان ابوية ما كان يحب نايف يخالطنا نحن البنات وايد .. عسب لا يتطبع بطباعنا ع قولته .. و ننظف المكان ،، و نتم نرقبه ..
ثم أشارت بيدها فيما ابتسامتها الدافئة تتسع مع دفق الذكريات ..
- نيلس كلنا في الصالة .. و ايي هو .. و يتغدى .. و يتخبرنا شوه سوينا في المدرسة ،، يعصب على نايف لو كان يلعب و الا يسولف ويا مزنوه و هنوده ،، و يخليه يدرس ،، عقب الغدا يقيل له شويّة قبل الصلاة ،، و العصر يوم يرد من المسيد نيلس كلنا في الحوش ،، لي منا يدرس ،، و لي يسولف .. و نقزر الوقت الين المغرب ،، تصدقين حتى يوم كنا نسولف و الا نمزح ما نرفع الصوت و هو يالس .. يمكن تقولين مسوي رعب لعياله .. لا و الله .. لكن الاحترام لي كنا نحسبه صوبه ،، كان يخلينا نحترم يلسته عدنا ..
هي تسترق لحظاتها السكرية من تلك الأمسيات ..
تكتم الأصوات في روحها .. و تحتفظ بفتات تلك النظرات ..
و ألوانٍ زينت الحياة لغفوةٍ ..
و ضحكات ..
ستعيدها الأيام بؤسا باحثة عن فرحةٍ ..
لتنبش الإحساس لهفة ..
لن تحب .. و ستنكسر ..
إن لم تجد غير .. الشتات ..!
ضمّت الكوب بقوّة بين كفّيها ..
- الله يرحمه ،، كان وايد يتعب ،، من نشّة الصبح الين يرقد عقب العشا ،، تحسينه يشقى عشاننا .. و عسب يسد حايتنا .. كل شي هو يسويه .. حتى سامان المطبخ هو يتقضاه ،، بس نكتب القاصر في ورقة و يسري هو نايف و اييبونه ،، المكان الوحيد لي يسير له غير المسيد و الدوام هو بيت عميه سلطان .. أبوية لن حياته كانت حدودها تقتصر علينا .. هو كان كل الحياة لي نحن نعرفها .. الأمان ،، و القوة .. و الثقة .. هو الدافع و الحامي ،، هو الإيد الوحيدة لي نعرف منها العطا .. الجانب الصارم منه هو لي يمكن خذاه من أبوه .. لكن الجانب الثاني ما كان الا من داخله .. حبه لأمي .. و صبره عليها .. حبه لنا .. خوفه علينا .. كنت أفكر لو انه كان شخص ثاني .. بنفس الشخصيّة .. نفس الإسم .. نفس القوة .. ما كان تحمّل يعيش ويا وحدة معاقة و اييب منها عيال ،، و يتعلم كيف يتواصل وياها ،، كيف يعيش حياته دون ما يحسّ انه قاصر عن باقي الرياييل .. كان في تعامله وياها رحمه ،، و حب ،،
- كان يحبّها ..؟!
نظرت لعمق عيني ميعاد المتأثرتين بتأكيدٍ مخنوق ..
- كان يحبّها ..! أنا أعرف الحب يوم أشوفه .. ما كان لي بينهم شفقة .. الريال ما يشفق على وحدة و يتزوجها خمس و عشرين سنة و اييب منها عيال .. يمكن بدا الموضوع شفقة أو حاية أبوية لحرمة و هو في هاييك الظروف و بعده عن هله .. لكنه تغيّر ويا الوقت .. لي كنت أشوفه ان صرامة أبوية ويانا .. و عصبيته أحيانا ما قد شفته عليها ..!! غير انه كان وايد يراعيها و يحابيها .. و لا يحبها تتعب ..
ابتسمت بألم ،،
موجع الفقد ،،
لكنه جرحٌ نستلذّ دوما بنكئه ..!
- أيام كانت تتوحم و هي حامل بسيفاني ،، و تعبانة .. كنا يالسين مرة ع العشا ،، و كان هو يشل من الخبز و يقصّه و يعطيها اياه عسب تاكل .. مادري ليش يوم شفت حركته هاي غصتنيه العبرة ..!! رغم انه شديد .. كان فيه حنان علينا .. و لو ما كان يبينه دوم ..
ثم ابتسمت و عيناها تلمعان فجأة ..
- كل خميس كان اييب لنا بطيخة .. أذكر اننا كنا نفصّل لعيد الفطر كندورة و عقب العيد ندسها لعيد الأضحى ،، لكن عمريه ما حسيت انيه قاصرة بشي عن باقي البنات .. مرة و أنا صف خامس ابتدائي .. كان يوم عيد الأضحى .. و يوم نشينا الصبح لقينا عند راس كل وحدة منا عروسة ،، حتى نايف رغم انه كان صغير ماله سنة حتى .. ياب له سيارة و سيف بلاستيكي ..!! أذكر كل وحدة منا تسمي العروسة أونهن بناتنا .. و تفصخها و تلبسها عشر مرات .. و عفاري سبحت بنتها .. خلااف ما رامت تسحي شعرها ..
ثم ضحكت فجأة ...
مع الصور التي غزت فكرها في تلك اللحظة ..
لم تعد قادرة على اعادة شفتيها إلى مكانها ..
أصبحت الكلمات دون سبب واضح حلوة الطعم ..
- مرة و دانة صف سادس .. كان عندهم حفلة في المدرسة و يوم خبرتنيه كانت تصيح .. لنها قالت بتييب علبة ماكنتوش .. و كانت تمزح ويا خويتها .. لكن خويتها تمت تطنز عليها انها ما تروم اتييب علبة ماكنتوش و هي حتى مصروف للمدرسة ما تييب .. و أمايا تحط لها سندويجة و عصير في الشنطة .. تعرفين اليهال .. كل واحد يحب يسوي عمره أحسن من الثاني .. و مادري ليش السندويجة و العصير لي من البيت كانت تسوي لدانة احراج قدام ربيعتاا .. المهم .. دانوه قالت انها بتغييب و ما بتسير الحفلة عسب ربيعتاا ما تتطنز عليها قدام البنات اذا ما يابت العلبة لنها ما تروم تقول لبوية انها تبا ما كنتوش ..
عضّت ميعاد على شفتها السفلى .. و هي لا تفهم سببا لابتسامة حور ..
كان الحديث ينحدر للألم القاسي .. و حالة بيت أخيها السابقة تتجلى فجأة بهذا الوضوح الموجع ..!
فيما تابعت حور بابتسامة حانية ..
- حاولنا وياها .. يمين يسار .. يسار يمين .. سيري يا بنت الحلال .. بنسويلج كيكة في البيت و شليها وياج .. لكن مول ما طاعت ... بتغيب .. بتغيب .. خلاف بتقول انها كانت مريضة و الا كان يابت علبة الماكنتوش ..! اليوم الثاني الصبح وعانيه أبوية كالعادة عسب أنششهن كلهن لصلاة الفير و نسرح المدرسة .. يوم ييت أبا أوعي دانة .. لقيت عند راسها كيس من الجمعية ..!! بطلته و حصلت فيه علبة ما كنتوش عودة ..!!
اتسعت عينا ميعاد .. و حور تبتسم ..
- و الله العظيم ما أألف من عنديه .. مع ان دانة يوم قالت السالفة كان أبوية مقيّل .. مادري كانه سمعها .. و الا حد قاله .. و أنا أستبعد هالشي .. ما ظنتيه حد من البنات سارت و خبرته السالفة ..!! المهم ان الشيخة دانة سارت اليوم الثاني .. تراكض بكيسة الحلاوة .. مستانسة لنها بتسكّت ربيعتاا و تراويها انها تروم تييب ما كنتوش و علبة عودة بعد ..!!
سحبت نفسا عميقا مختلفا .. لتطلقه بقوة هذه المرة ..
- اللــــــــــه يرحمــــــــــه ..!! خلى وراه فراغ كبير .. كل شي تغيّر .. كل شي انقلب حاله عقب عينه ..
خفضت ميعاد عينيها للطاولة تخفي دمعة باغتتها و هي تهمس بدورها ..
- الله يرحمه ..
لامست حور باصبعها الكوب الذي برد بسرعة أثناء ثرثرتها .. لتقول بمودة لرأس ميعاد المنحني ..
- عاد انتي طرحتي سؤال .. و أنا يبت قصة حياتيه كلها ..!!! سمحيليه كانيه صدعتج بهذرتيه ..
ابتلعت ميعاد عبرة كالشوك تسد مجرى أنفاسها .. و هي تواجه حور بابتسامة ..
- بالعكس و الله .. من زمان كان خاطريه أسمع عنه الله يرحمه .. أبا حد يسولف ليه كيف كان .. و كيف عاش .. تعرفين .. أنا حياتيه كلها ما عرفت فيها الا أبوية سيف و غيث .. و غيث بس كان يسولف ليه عن هليه .. و يخبرنيه عن كل واحد .. الا حمد و عياله ،، عقب ما توفى حمد و يلس غيث عندكم ،، بدت تيينيه علومكم .. لكن انحرمت انيه أعرف شي عن حمد الله يرحمه ،، و ما كان غيث قريب منه عسب يخبرنيه بشي عنه ..
هزّت حور رأسها بهدوء و هي تبعد أسمه عن حديثها قدر الإمكان ..
- تصدقين ظهرتينيه من الجو لي كنت فيه ..!! رديت من البيت العود و أنا ضاربتنيه الغبنة .. و صاكه الدنيا فويهي ،، الحينه أحس المود تغيّر ويا الذكريات ..
أزاحت ميعاد كوبها و هي تسأل بحذر خشية أن تتطفل على شيءٍ لا يعنيها ..
- و ليش الغبنة ..؟ رب ما شر ..؟
سحبت حور نفسا عميقا ..
و إحساسها السابق يعود ببطء ..
الوحدة .. الرثـــاء ..
شعورٌ خالص بأن أحبابها يلفظونها .. و يغلقون الباب دونها..
و أنها ابتعدت كثيرا بخطاها عن الطرقات المألوفة ..
لتجد بأنها تمر على نوافذٍ مغلقة .. مظلمة .. في شارعٍ معتم .. مهجور ..
خليط غريب من الوحشة .. و النبذ .. و حزنٌ عميق ينخر روحها .. تسلل مجددا لداخلها .. لتجد الكلمات تنساب بوجعٍ ساخرٍ من بين شفتيها ..
- و لا شر .. بس اكتشفت فجأة ان خواتيه كبرن ،، و ما عاد ليه حاية ..!! ترومين تقولين أحالوني تقاعد عقب العرس .. و كلن غدى شوره فراسه ..!!
بدت كلماتها بالنسبة لميعاد مبهمة .. و فضفاضة تحمل ألف معنى و معنى ..!!
لذلك تجرأت الأخيرة لتسألها مجددا بهدوءٍ مأدبٍ مهتم ..
- شوه شكلج تواقعتي ويا حد من البنات ..؟
زفرت حور بقوة .. و سخريتها تتبخر ..
نظرت لوجه ميعاد اللطيف .. المهتم ..
- تقريبا .. و صار اهتمامي بهن فرض سيطرة .. تخيلي ..؟
و حاولت مجددا ارتداء الاستهزاء بابتسامة لكنها لم تقدر ..
فتصلّبت ملامحها بتعاسة جليّة ..
لا تعلم ميعاد لما شعرت بأن الموضوع يتعلق بشيءٍ أخبرها عنه غيث ..!
أيعقل أن تكون حور معارضة للأمر ..؟
لم تستطع الا أن تسأل بخجل و هي ترى أنها شيئا فشيئا تستحيل لنزقة فضولية ..!
- الموضوع يخص المهــــا ..؟
رفعت حور عيناها بدهشة نحو ميعاد ،، التي هزت كتفيها بحرج .. و شعورها بأنها متطفّلة يتبلور بقوة حول إحساسها ..
- غيث خبرنيه أمس ..
دامت حملقة حور في وجهها ثانيتين قبل أن تهز رأسها ببطء ..
و هي تقول بصوتٍ مختنق ..
- اترومين تقولين انه يخصها ..
ثم رفعت عينها مجددا و قد احمرّت أحداقها و بات جليا أنها تكبح رغبة في البكاء ..
- يمكن خوفيه عليهن غدى يخنقهن .. مادري ..!! بس أحس هالدنيا تخوف .. الدنيا مالها أمان .. ايينيه الموت من أحس ان حد منهن يمكن تعاني و الا تتغربل في حياتاا .. و الا تعيش هب مرتاحة .. وديه .. وديه انـ .. خواتي ماا ..
و فجأة عجزت عن الكلام .. رفعت سبابتها و الابهام و راحت تضغط على عينيها تردع الدموع باصرار .. و هي تسحب أنفاسا طويلة ..
فيما صوتها يتهدج ..
- ماريد حد منهن تنجرح .. و الا تتويع من شي .. ماريدهن يعيشن الظيم .. و الا الخوف .. البنات صغار و ما يعرفن شوه لي يرقبهن من الدنيا .. أخاف عليهن من بااكر .. و شوه بيي وياه .. لكن خوفيه يخنقهن .. مادري .. أناا ماادري .. شوه أسوي .. ماادري كيف .. كيف ...
ثم ابتلعت ريقها و رفعت رأسها للأعلى ..
انفطر قلب ميعاد بقوة و هي تراها هكذا ..
و مدت يدها تعتصر كفها في راحتها الناعمة ..
- حور .. وسعي صدرج .. ليش خايفة عليهن .. محد بييها الا لي مكتوب لها .. انتي لو تربعين ليل و نهار .. و لو تسوين ما تسوين .. ما ترومين تردين قضى ربيه فيهن .. بعدين الويع .. و الحزن .. أشياء لازم اتيي الانسان .. كيف تبين تحمينهن من هالشي .. تخبينهن من العالم ..؟! حور كلنا ما نبا شي من المضرة ايي الناس لي نحبهم .. لكن هالشي ما نروم عليه ..
وضعت حور رؤوس أصابعها على شفتيها .. و تقاطر الألم من عينيها خالصا ..
- ما تتخيلين كيف أفكر فيهن .. مابا شي اييهن .. لكنهن.. هن .. يا الله ..!!!
و دفنت وجهها بين كفيها تخنق عبراتها .. و هي تهز رأسها ..
شعرت بأنها عاجزة ،، و قد شلّت كل أحاسيسها ..
تراها بالغت في خشيتها على المها ..؟
كانت تشعر بانها مجروحة بشكلٍ رهيب ،،
هل ينظرن جميعهن للأمر من ذات الزاوية التي تقف فيها دانة ..؟!
صمت ميعاد أعلمها بأنها لا تجد ما قد تقوله ..
ربما هي محقّة ..
عاجزة هي أن تقيهن كل شرور العالم ،،
لكن ليس هذا ما يؤلمها بحق ،،
ما يمزّقها الآن هو الوحدة ..
شعورها بأنها وحيدة ..
منفيّة على أرضٍ ليست لها ..!

* * * * *

خصلات شعرها الحريرية المقصوصة بعناية تناثرت حول ملامحها المصدومة ،،
و عيناها الواسعتين تتسعان بصدمة حقيقية ..
انفرجت شفتيها الورديتين في محاولة يائسة لايجاد ما قد تقوله .. ثم عادت لتقفله ..
اعتصرت قبضتها نعومة قميصها .. قبل أن ينطلق صوتها الناعم أخيرا في شك .. و هي تضيّق عينيها في وجهه ..
- تمزح .. صح ..؟ أكيد تمزح ..!!
ثم انفرجت شفتيها عن ابتسامة حذرة و هي تميل برأسها نحوه ..
- باااااايخة ،، و أصلا مبين انك ميود ضحكتك ..
رفع نظره لها يطالعها بهدوء .. قبل أن يرد ببساطة ،،
- فاضي لج أمزح وياج .. لي سمعتيه هو لي بيصير ،، و أنا أخبرج بس .. عسب تدبرين عمرج في سالفة الزفة و ما دري شوه من خرابيط الحريم ..
ضحكت بخفّة و هو تهزّ رأسها .. فتتحرك غرّتها الناعمة على جبينها ..
- حامد ترى ما يركب عليك المزح و المقالب .. خل الدور لأحمدوه ..
التفت أحمد نحوها بصعوبة من حيث يستلقي على أريكة قرب التلفاز ..
- أحمدوه ..؟ أصغر عيالج شوه ..؟ بعدين ليش هب مصدقة ..؟ ريّال و حر في عرسه .. يسوي لي يباه .. و الا تبينه من زود الفرحة بج يهز لج على معلاية .. و ينسى لولي و التالي .. بو لحية ما عنده شغل النفاق هذا ،، الريال عنده مبادئ ..
عقدت جبينها بشدة ..
- مبادئ ..؟ مبادئ شوه ..؟ شوه دخّل الـ ..
ثم استوعبت من تحدّث .. لتقول بقوة ..
- أحمد .. خلك برا السالفة .. لن الواحد يضيع ويا خراطك .. و ما ياخذ منك لا حق و لا باطل .. الحين منوه ياب طاري المبادئ و معلاية ..
ثم التفتت لحامد ..
- حديه مزحومة .. و طفرانه .. و ما عنديه وقت للمزح .. ليش زاقرينيه ..؟
رفع حامد بصره لأحمد الذي ترك التلفاز ليتابع خطابها .. ثم ابتسم الأخير بحلاوة ..
- نتأمل هالجمال البديع .. شوه ما تفهمين انتي ..؟ الريال ياب لج العلوم كلها .. لكن اظاهر انتي ما تفطنين الا الأوردو .. آري بيا .. متوع لحياا ما ريد سوي دقدقاا داخل شادي مشان هو .. قرقر زيادا ما في .. كلاس ..
شقت ابتسامة صغيرة شفتي حامد .. و فك روضة يتدلى بذهول و هي تكرر دون شعور ..
- دقدقااا ..؟؟!!
ثم استدارت لحامد بعدم تصديق ..
- شوه يعني ..؟؟
رفع أحمد رأسه للسقف ..
- و الليييييييييل .. بتخبرج ماكلة فول انتي ..؟؟ و نحن شوه يالسين نقول مساعة ..؟؟
كررت روضة بذهول ..
- ماشي أغاني ..؟؟!!
و أسند حامد ظهره للخلف يرد بهدوء ..
- و لا تصوير ..
صاحت روضة بارتياع ..
- شوووووووه ..؟؟ أغاااني .. و لا تصوير ..؟؟ منوه قال ..
رد أحمد بابتسامة مضحكة ..
- بعلج الغالي ..
و التفتت روضة اليه بعنف ..
- ليش ع كيفه هو ..؟؟ اروحه بيعرس ..؟؟ لااا بويه .. هذا عرسيه بعد و عرس عفاري و حامد ..
قطب حامد في وجهها ..
- و أنا واحد ما عنديه خلاف .. آثام العرب ما باها في رقبتيه ..
- ما تباها ..؟؟ احلف بس ..؟؟ سلام عليك .. و حضرتك بتفهمنيه انك ما تسمع أغاني ..؟؟ و بعدين ع كيفك تقرر .. شاورت عفرا .. و الا حد من هلها عسب يوصل لها المعلومة .. ؟؟!
انقبضت ملامحه بجمود حقيقي ..
- أنا و حرمتيه متفاهمين .. و بعدين ما شوف الأخ سيف شاورج ..؟!
- نعم .. نعم ..؟! انته و حرمتك متفاهمين .. و ولد عمك راعي الفكرة .. و أنا شوه ..؟؟ مسكة العروس .. ابوية . .أنا ليه راي .. و رايي يقول ان فيه أغاني و زفة .. و طرب .. و تصوير بعد .. و أشوف منوه بيقول لاااا .. و عفروه دواها عنديه السبالة .. تونيه ياية من عندها ما قالت ليه عن هالسخافة ..
ثم رفعت اصبعها نحو حامد و ثورتها لم تخمد بعد ..
- اسمع حامد .. الحينه .. الحينه .. تتصل بولد عمك و تقوله انك قد دفعت للفرقة عربونها من شهر و ما تروم تكنسل .. هذا الصدق ..!! هب ايي قبل العرس باسبوعين و يتشرط ..!
ارتفع صوت حامد فجأة ينهرها بغلظة ..
- روضــــــــــة ..
لكن وفقتها المائلة لم تعتدل .. و لم تمسح عن وجهها نظرة العناد .. حتى و حامد يزمجر بغضبٍ في وجهها ..
- اسلوبج الخايس هذا لي ترمسين به عن ريلج .. اصلبيه لا أصلب لج اياه .. الريال قال ما شي أغاني و تصوير .. خلاااص .. اقطعي الرمسة .. و لا تزيدين في الموضوع .. رمسته لي بتمشي .. و الا حضرتج تبين تكاسرينه في الرمسة .. و عنيه أنا و حرمتيه فلااا تخبرتها و لا فكّرت أرد لها الشور .. لنيه أعرف ان عفرا ما لها في هالسخافات .. و انيه لو قلت شي بتمشيه و لو ع رقبتاا سيف ..
ضحك أحمد في غير وقته و هو يعود للاسترخاء ..
- يا هالسيف لي قطّعتوه بالحش .. و قطعتو به رقاب الخلق ..!!!
لم يعره حامد اهتماما و نظراته تنصب على ملامح روضة التي اكتسحها الألم ..
- أنا ريال ما يهمنيه لو كان فيه أغاني و الا لا .. و التصوير آخر ما أفكّر فيه .. يعني من الآخر ما فرقت وياية .. كان في خاطرج انتي شي .. هاذوه التيلفون .. اتصلي بريلج و تفاهمي وياه ،، هو ما وكلنيه أخبرج الا لنج ما ترمسينه الحينه ..
و عاد أحمد للتدخل بفضول ..
- يا هالمنكر لي عليكن يا الحريم .. الحينه شوه فرق هالشهر لي قبل العرس .. يشتاق أونه .. تلقين الريّال يحمد ربه ليل و نهار يوم افتك شهر من الصدعة و التدلع .. و سوالف البنات الماصخة ..
برقت دمعة غاضبة في مقلة روضة و هي لم تعد تحتمل مزاح أحمد ..
- أحمدوه و الله هب ناقصتنك .. و لا ناقصة سخافتك .. و انته حامد .. أنا ما عليّه من سيف .. و لا برمسه .. ما يبا أغاني .. برااااااااااااايه .. ان شا الله يكنسل العرس كله ..
و انزلقت دمعتها الباردة و هي تعبس بشدّة فيما صوتها يتهدّج ..
- لكن ما يتحكّم في لي يصير فبيت أبوية .. أنا حجزت المصورة من زمان .. و بتيي في العرس .. و بتصورنيه .. و لو هو ما يبا يتصوّر .. يكون أحسن بعد .. و قلّه .. قلـ ....
ثم نشقت بقوّة ..
- و الا أقولك .. لا ترد عليه بشي .. لن حركته هاي سخيفة .. و أكثر من سخيفة .. كان أخير له ياخذنيه بيته بليا عرس .. شوه هالعرس لي بلا أغاني ..؟؟؟ خله اييب وياه أشرطة محاضرات نفتح ندوة في القاعة بعد ..
.
.
و هنا تعثّرت الروح في هوّة من مفارقات الحياة المضحكة ..
المبكية ..!
خطأ ..
حين لا نحتمل الصواب ..
و نرشق الإستقامة ببذاءة سخرية ..
.
.
خطواتها الغاضبة ترتقي السلم العريض بعجلٍ غاضب ،،
تاركة زوجين من الأعين يتابعان ذويان آخر أفاليل غيظه أعلاه قبل أن يتنهد أصغرهما ..
- تصدق انيه ما قد فكرت كيف بتمشي ختك أمورها ويا سيف ..؟!
التفت له حامد بهدوء ..
- كيف بتمشي أمورها يعني ..؟؟ ريلها و الحياة بتمشي ..
هز أحمد رأسه بـلا ،،
- ما ظنتيه يا بو علي .. الريال ملتزم و شااد في بعض الأمور ،، و ختك لو تلاحظ لي ألاحظه شوي فري ،، شف سالفة الأغاني .. و التصوير الحينه .. باكر بتظهر علوم غيرها .. يعني لو ما غيث قال لهن يتغشن .. كان سيف هو لي خلاها تتغشى .. أحس انها فشرق .. و هو فغرب .. مادري يا ريال .. لو تفكر شويه .. روضة تحب تظهر .. و تروح و تيي .. و السوق بيتها .. و موتها الأغاني و الأفلام .. و الخرابيط لي تقراها في القصص .. حتى عباتها لازم طقم ويا الشيلة و النعول و الشنطة ،، و سيف غير بيت أبوه و المسيد و دوامه ما يدل مكان ..!! التلفزيون عنده كلام فاضي .. و الأفلام و الأغاني منكر .. و الطلعات لي مالها داعي يتعذر منها الواحد أخير له ..!!
رفع حامد حاجبه ..
- و انته تشوف منوه لي ع الصح .. سيف و الا رويض ..
ابتسم أحمد ..
- ما عنديه شك في انه سيف ع الحق .. حتى و لو ما كنت شراته .. لكن الصدق صدق .. و بعدين أنا قصديه ان فيه فرق السما عن الأرض ،، الله يستر من الضرابات لي عقب العرس ..
رد حامد بثقة كبير تتملكه نحو الموضوع ..
- اسمع يا بوية .. سيف ريال يخاف ربّه .. و لا يمكن انه يتعدى حقوق اختك حتى لو كانت غلطانه .. أنا هب خايف عليها .. و لو بغى يصلبها و هي ع الغلط فهالشي من حقه .. غير انها حرمته .. الواحد لو يشوف الغلط لازم ينصح فيه و يحاول يصلحه .. بيني و بينك أصلا نحن مفلتينهن البنات وايد .. و الا شوف الفرق امبينهن و بين بنات عميه حمد .. هاييلاك من عرفناهن و الستر شيمة فيهن ،، و الا خواتك لو ما قال غيث غطن ويوهكن كان شرّعن الشيفة عادي .. روحة الأسواق و مسايير صوب ربيعاتهن شغلتهن .. و بنات عميه حمد حتى السوق ما يطيعن يسيرن له غير ويا حد منا ..
ضحك أحمد ..
- بنات عميه حمد .. بنات عميه حمد ..
ثم تنهد و هو يسند فكّه ..
- و العوق شوه غير بنات عمك حمد ..
تسللت ابتسامة خفيفة لشفتي حامد رغما عنه ..
- حالتك صعبة يا خي ..
رفع أحمد رأسه فجأة ينظر لباب المدخل الرئيسي ثم انخفض صوته و هو يتحدث بسرعة فيما عيناه تراقبان الجسد الذي دلف للتو ..
- بو علي .. طلبتك .. دخيلك يا ريال ليّن راس أمك خلها ترضى علينا ..
ثم رفع رأسه مع استدارة حامد للخلف ينظر لأمه التي وصلت من الخارج للتو .. تتبعها خادمتين يحملن الكثير من الأكياس ..
فيما راح أحمد يصيح بصوتٍ مرتفع ..
- يا مرحباا ترحيبة الصبح للشمس .. حزة عناق الليل مع طلعة النور .. مرحباااااا السااااااع ،، حيّا الله ..
و تباطأ صوته و انخفضت نبرته .. و أمّه تمرّ من أمامه دون أن تعيره انتباها ..
- أحلى يا الطااااااف ..!
ما دفعها لتجاهل حامد أيضا بسبب وجوده و هي تتوجه رأسا للمطبخ ..
نظر أحمد لحامد بيأس ..
- حامد يا خوي .. تعال لقّط ويهي .. الوالدة حتى السلام رافعة عليه حظر ..
كان حامد يهز رأسه مبتسما .. و هو يقول ..
- يزاتك ..
- أفااا ..
نظر له حامد و هو يقف بهدوء ..
- مالك الا الصبر ،، صدقنيه من تنتهي السالفة .. و يستقر الوضع ما بطوّل و هي زعلانة ..
اتسعت عينا أحمد ..
- و أنا شوه يصبرنيه الني ما تنتهي السالفة .. يا بوك هب راضية عليّه .. يمكن الله ما يوفقني ..!! الا أكيد ما بيوفقنيه .. !!!

* * * * *

ابتسمت له بحب دافق ،، حال رؤية جسده الضخم يسد الباب ،،
تتأمل تقاسيم وجهه القوية الحبيبة ،، و هو يطالع التلفاز القابع أمامها بصمتٍ كاسح ،،
قبل أن يلتفت لها و يلتقط ابتسامتها ليرد عليها بواحدة لم تنجح في إخفاء خطوط التعب عن وجهه ..
- سلااام عليج بنت سيف .. شوه اتسوين يالسة اروحج ..
تابعت اقباله قبل أن ينحني ليقبّل رأسها كالطفلة ثم يرمي بجسده الثقيل على أقرب أريكة ..
- و عليك السلام و الرحمة ،، و لا شي .. أطالع الفيلم ..
نزع - الغترة - من على رأسه يحرر شعره الكث الذي تشعث بجنون و هو يحركه بيده .. و يتنهد ..
- وين الحور عنج ..؟؟
أشارت برأسها اتجاه السلّم الأنيق الذي يتوسط البيت الصغير ..
- توها طالعة فوق ..
هز رأسه بخفّة ،،
- شفت رويض مساعة فبيت أبوية سيف ..
- هيه كانت هنيه ،، يت هي و عفرا ،، و يلسن من المغرب الين العشا ..
- يا حيهن و الله .. و علومها بنت سيف ..
ابتسمت له بجهد ،،
بنت سيف ..
بنت سيف ..
ترى أين سيف ..؟!
- علوم الخير .. شكلك تعبان ..
انتفخ صدره العريض و هو يسحب نفسا عميقا .. و صوته يزداد غلظة مع احتباسه لأنفاسه ..
- هيه و الله .. كان عنديه شغل اليوم و زيارات ميدانية في أكثر من مكان .. و أنا راد من الشركة خطفت ع نهيان ،،
ارتعشت أهدابها و هي تلتفت نحوه بلهفة ..
- و شحاله ..؟!
نظر لها بهدوء ..
- ما شفتيه اليوم ..؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة .. و هي تهز رأسها بلا ..
- ما سرت اليوم ..
أومأ برأسه هادئا ..
- الحمد لله ..
سألت بلهفة ممزقة ..
- ما قالوا الدكاترة شي .. ؟؟
مد يده الكبيرة يلتقط ضآلة كفها .. ليشد عليها ببطء ..
- الحالة مستقرة هالشي الوحيد لي يقولونه من شهر .. و انتي تعرفين .. الدماغ ما يعطي أي اشارات حيوية .. و كل شي بيد الله .. ما به يديد .. لكن الواحد يخلي أمله كبير بالله ،، ادعيله كل شي بيد ربه ..
وضعت يدها على فمها و هي تهمس ببؤس ..
- و نعم بالله .. يا الله .. يا رب .. تقومه بالسلامة و تعافيه ..
أطرق غيث بدوره ..
- آمين ...
هذا كل ما تحتاج لمعرفته ..
لن يخبرها بأنه تعرف على إحدى النساء اللواتي خرجن من غرفة أخيها هذا المساء ..
و أنه يعرف تلك القامة .. و تلك المشية جيدا ..
لا يخطئ في شأن إمرأةٍ كانت تخصّه يوما ما ..
لكن آخر ما كانت ميعاد تحتاجه هو أن يذكّرها بفعلة تلك الحقيرة .. و غدرها بها ..
شعر بيدها الصغيرة تنفلت من قبضته لتمسح على ظاهر كفّه و هي تقول بهدوء ..
- ما بتنش اتريح عمرك ..
تريد الإختلاء بألمها ..؟!
لها الحق في ذلك ..
التعلق بالأمل يوهن عزائمها يوما بعد يوم ..
أومأ ببطء .. و هو يشعر بأن عضلات ساقيه تئنّ من التجوال طوال هذا اليوم العصيب ،،
الراحة التي ترتقبه في الأعلى بدت مضحكة فجأة ،،
فعليها أن يستغرق وقتا لا بأس به يتابع تحرّكها المكانيكي البارد ،،
يمارس هوايته الأولى ،،
نبش شيءٍ مما تطمس خلف سطح البرود ذاك ..
اي انفعالٍ طفيف قد يعلمه بأن تلك الروح التي يشتاق لا زالت تنطوي خلف الواجهة الزجاجية الهشة ..
أي حركةٍ قد تمكنه من أن يطبق عليها ..
ليقتلها حبا ..
زفر بقوة ،، لكن أنفاسه علقت في صدره ما ان سمع ميعاد تقول بهدوء ..
- ترى حور متضايقة شوية ..
أول مرة تبدي ميعاد مثل هذه الملاحظة ..
و التوت رقبته و هو يلتفت بقوة اليها .. فيما يخفق قلبه باضطراب .. و هو يسأل بصوتٍ قوي ..
- بــــلاها ..؟!
تنهدت ميعاد و هي لا تريد أن تفشي شيئا مما أسرت به حور ..
- مادري الصراحة .. ردت من البيت العود و ويها منقلب امية و ثمانين درجة .. ما قالت شي .. و تمت تسولف و تحاول تسوي الوضع عادي .. بس واضح انه شي فخاطرها .. و مغبونة ..
عقد حاجبيه بقوة .. و هو يهب على قدميه ..
- بسير أشوفها ..
ثم انحنى مجددا يقبّل رأسها بشرودٍ عَجِل ..
- تصبحين ع خير ..
نظرت له بحب .. و هي ترد ..
- قدامك الخير فديتك ..
- أوديج حجرتج ..
أشارت للتلفاز بجهاز التحكم عن بعد ..
- لا بشوف الفيلم و اذا خلص اروحيه بسير ..
- ع راحتج ..
ثم خطى نحو الدرج بخطواتٍ واسعة ..
متضايقة ..؟
الحقيقة أن القلق أصابه ما ان سمع هذه الكلمة ..
مؤخرا لم تعد تشعر ..
لم تعد تضحك .. و لا تصرخ .. و لا تبكي ..
مجرّد أشلاءٍ ميتة تنجر بخطى مدروسة على الأرض ..
شيءٌ كان يقتله هو الآخر ببطء ..
يدفعه للجنون ..
يشتاق للمحات طفلة فيها كان يعرفها ..
توقف لثانيتين أمام باب جناحهما ،، يمسح كل أثرٍ من مشاعره قد يلطخ شدّة ملامحه القاسية ..
دلف الجناح الخالي ،، يجيل عيناه ببرود في المكان قبل أن يلتقط صوت جريان الماء في الحمام ..
يتقدم نحو غرفة النوم ليلقي نظرة سريعة نحو باب الحمام و هو يلقي - بالغترة - التي كان يحملها بيده على الأريكة المائلة قرب السرير ..
ثم يخلع ثوبه الثقيل الذي شعر فجأة بانه يزن أطنانا يحملها على ظهره ..
ألقى ثقل جسده على السرير الوثير الذي اهتز بقوة تحته ،، ليعلق نظره بالسقف ،،
كان دماغه مزدحما بجنون في تلك اللحظات ..
أعماله التي لا تنتهي ،، و الصعوبات التي يجدها في بعض المشاريع التي يقوم بها ..
عفرا و حامد ،،
ميعاد ..
مرض نهيان ..
جدّته و حالها مع جده ..
ارتباط أحمد بالمها ..
و أخيرا حال زوجته الذي أصبح يوما بعد يوم أكثر ما يؤرقه ..
زفر ببطء .. و هو يمدد قدميه .. و يتأوه واضعا ذراعيه تحت رأسه ..
كان يومه هذا طويلا للغاية ..
تسائل بشبه ابتسامة ساخرة متعبة ان كان تفكيره الدائم في كل تلك الأمور قد يجعلها تصبح أفضل ..؟
أم أنه يهلك نفسه و طاقاته دون طائل ..
شيئا فشيئا أخذ ت أفكاره تبتعد عن متناول التفكير ،، و غمامة من الظلمة تلفّ رأسه ..
جفنيه اتخذت ثقلا غير طبيعيا .. و هو يجاهد لمقاومة الاحساس بالخدر متأملا السقف الذي أخذ يهبط عليه ،،
راح السقف يدنو منه ببطء ،،
لا يعلم ان كان هو الذي يطفو للأعلى .. أم أن السقف راح ينزل بثقله ..
تلك الخفة راحت تحف حواسه ،،
لتعدم كل شيءٍ من حوله ..
.
.
.
.
بيدها تمسح البخار العالق بالمرآة ..
و تراقب صورتها المنعكسة أمامها ..
ملامحها المحتقنة تفضح أي رغبةٍ في البكاء تسكنها ..
و قبل أن تبعد هذه الفكرة ..
انزلقت دمعة متمردة على جانب وجهها . تفضح حزنها الذي راحت تصارع .. فسارعت تمسحها بقوة ..
سحبت نفسا عميقا و هي تربت على شعرها الذي لفته بمنشفة كبيرة لتجففه ،،
و احساسها بالألم الذي ملأ صدرها لا يفارقها ..
لما تشعر بانها ابتعدت فجأة عن كل الأماكن المألوفة لتجد أنها تقف غريبة على هذه الأرض ..
و وحيدة ..
يقتلها هذا الاحساس و لا تجد سبيلا للتخلص منه ..
بيدٍ مرتجفة تمررها على بيجامتها القطنية ،، تفتح باب الحمام ،،
فور خروجها اصطدمت عيناها بذاك الجسد الذي استحل معظم مساحة السرير بضخامته ،،
و انفجر التوتر في صدرها ..
لم تستطع تبين أنه كان نائما من مكانها ..
لذلك تحرّكت بهدوءٍ نحو طاولة الزينة و هي تنتزع المنشفة من رأسها تحرر شعرها الذي تبعثر في خصلاتٍ مبتلة ..
و تساقطت غرتها على جبينها ..
أبعدت المنشفة .. و هي تمرر يدا مرتجفة في شعرها .. تنتظر منه تعليقا أو كلمة قد يتفوه بها ..
لكنه استمر في رفع رأسه نحو السقف بصمتٍ كانت هي الأحوج له في تلك اللحظات ..
لم تكن في أفضل حالاتها و لا طاقة لها في مواجهته بالبرود الذي اعتادت ..
شدت على شفتيها بقوة ..
و شعورها بالضعف يزداد .. مع قوة حضوره الكاسحة ،،
راحت تتحرك في المكان بهدوء و مع كل خطوة و أي حركة تشعر بأنها ستتلقى تعليقا بصوته الفظ ..
أو كلمة ترتعد لها فرائصها ..
احساس الترقب و التوجس جعلها ترهف السمع لأي حركة قد يقوم بها ..
لذلك لم يكن صعبا عليها التقاط ذاك التغير الحاد في أنفاسه ..
تجاهلت الأمر في البدء .. فقد بدت كتنهيدات أو زفراتٍ متتالية ..
عبر مرآة الزينة راحت تنظر لجسده الملقي على الفراش ،، بهدوء .. دون ان تبالي ،،
استمرت في وضع المرطب على يديها و فركهما بهدوء ،،
لكنها توقفت عن ذلك عاقدةً جبينها و هي تصلب نظراتها على جسده ..
قشعريرة سرت على طول ظهرها حين استحالت التنهيدات فجأة إلى أنين خافت ،،
لتتجمد يديها .. و هي غير قادرة عن تحويل نظرها عن المرآة ..
لحظاتٍ فقط نجحت في تجاهل الأمر .. الا أن احساسها بالرعب راح يتزايد مع استمرار ذاك الأنين الضعيف ..
وضعت عبوّة الكريم بتوتر على الطاولة .. و هي تتساءل بقلق من مكانها بصوتٍ مرتجف ..
- بــــــلاك ..؟!
لكنه لم يرد ..
كان الصوت الصادر منه ضعيفا للغاية . و مثيرا للخوف و الشفقة ..
ما أثار ذعرها أنها اعتقدت لبرهة بأنه يصدر عن شيءٍ آخر خلاف الرجل الملقى على الفراش ..
و حين لم يجبها .. استدارت نحوه و تقدمت بخطى مرتجفة ..
صوتها يهتز و هي تحاول التحدث بلا مبالاة ..
- شوه ياك ..؟ شي يعوركـ .....
و علقت أنفاسها و هي تتبين ملامح وجهه ..
كان لصدمتها نائما ..
ملامحه تنكمش بضيق و فمه مفتوح .. فيما رأسه مرفوعٌ لأعلى ..
و صوت الأنين يتقطع من حلقه ..
راقبت برعب صدره الذي يعلو و يهبط بجنون .. الصوت الذي راح يصدره لا يشبه غلظة صوته التي اعتادت ..
صوتٌ ضعيف أفزعها للغاية ..
فجأة رفع يدا ترتجف و لوح بها أمام وجهه و كأنه يدفع أحدا أو يبحث عن شيءٍ يتشبث به.. ثم أسقطها بوهنٍ إلى جواره ..
جبينه الذي يتفصد عرقا كان ممتللأً بالعقد .. و أكثر ما أذهلها هو شيءٌ كالدمعة راح يرتعش على زاوية جفنه المطبق ..
كانت ملامحه مسودّة بشدّة ..!!
وضعت يدها المرتجفة على فمها .. و هي تهمس بخوف ..
- غيث ..؟!
بدا و كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ..
رفعت شعرها المبعثر عن وجهها و هي تمد يدها لصدره تهزه قليلا بخوف ..
و كأنه سينقض عاويا عليها ..!!
- غيث ..؟ غيث ..؟ بسم الله ..
دنت أكثر لتجلس جواره على الفراش .. و هي تهز كتفه بقوة أكثر ..
- غيث ..؟؟ غيث .. شي يعورك ..؟؟ نش .. يا الله ..!! غيــــث ..
و هزته بقوة أكثر .. ثم أطلقت صرخة خافتة خنقتها بيدها حين انتفض شاهقا ليجلس بسرعة .. و هو يلهث بقوة و كأنه توقف للتو من عدوٍ طويل ..
وضعت هي يدها على صدرها بخوفٍ شديد ..
و صوته يتحشرج بقوة غير منتبه لوجودها ،، كانت كلماته المبحوحة تتقطع مع لهاثه ..
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. أعوذ بالله منك يا ابليس ..
ثم راح يخلع الفانيلة الداخلية و ما ان انتزعها حتى انتبه لتلك الجالسة بجنبه تطالع ملامحه برعبٍ فاضح ..
صدره القوي و عضديه الصلبين ابتلوا بالعرق الذي نضح من جسده ..
و بحركة غريبة مسح وجهه بالفانيلة القطنية يمسح العرق متجاهلا علبة المحارم الموضوعة على جانب السرير ..
جلوسها جواره هكذا لذع جسدها بحرارة ..
فانكمشت إلى رأس السرير ببطء ..و التفت إليها يتابع حركتها المضطربة ..
وضع يده الكبيره على وجهه مغمضا عينيه و هو يحاول جاهدا السيطرة على أنفاسه ..
و أتاه صوتها من وراء ظهره مرتعشا ..
- شي يعورك ..؟
شعر بكلمتها تلك تخترق صدره بعنف .. لتلامس شغاف قلبه برقة فائقة ..
التفت لها دون أن يجيبها ..
ذاك القلق و الخوف الذي كان يغشى عينيها .. لم يكن منه ..
بل كان عليه ..
لم يرد عليها .. استمر في النظر إليها يحملق في عينيها .. رغم عنف مشاعره الممزقة في تلك اللحظة ..
رأى تململها المعهود تحت وطأة نظرته .. و ابتلعت ريقها تعيد السؤال مجددا ..
- شي يعورك و الا كنت تحلم ..؟
بدت صغيرة للغاية ،، نظيفة ..
و طاهرة ..
تلملم جسدها الصغير الذي نحل كثيرا خلال هذا الشهر .. و تبعد شعرها المبعثر المبتل عن وجهها الصافي بخوفٍ لم تستطع اخفاءه ..
فجأة عادت حور ..
تلك الحبيبة التي يعرف ..
الروح النقية الفريدة التي قضى ليالٍ يسامرها ..
ينغمس حتى الغرق في لذّة أحاسيسه بقربها ..
و لم يعد في لحظة ضعفه تلك سوى التماس الحنين فيها مجددا ..
لذلك جرّ جسده نحوها ..
متجاهلا الفزع الذي لمع مجددا في مآقيها .. و تقلّص وجهها المذعور ..
قبل أن يدنو منها مستلقيا .. يلقي برأسه على دفء صدرها ..
لتخترق مسامعه عنف ضربات قلبها المجنونة ..
و علم أنها متأثرة بقربه ..
حتى و هي تحاول التظاهر بالبرود و ترفع يديها بعيدا عنه ..
خرج صوتها مرتجفا ..
- يوم ما فيك الا العافـ .......
و اختنقت كلماتها حين أمسك بكفّها يقبل باطنها .. و صوته الأجش يخرج من أعماق تبعثره .. و ضياعه بعد كابوسه ذاك .. ثم التماس الدفء فيها ..
- أووشششش ..!! بس صخي .. لااا تفكرين .. و لا ترمسين ..
و وضع نعومة كفّها الصغيرة الباردة على حرارة خدّه .. و هو يغلق عينيه بثقل ..
.
.
.
.
باتت عاجزة عن التنفس ،،
و قلبها يثب بجنونٍ في صدرها ..
غير قادرة حتى على منع الرجفة عن يدها التي ترتاح على خدّه ..
و قد لانت ملامحه الشرسة .. متعبة بشكلٍ رهيب ،،
حاجبيه الكثين .. و شاربه و لحيته الخشنة .. استطاعت تبين جذور شعيراتها من هذا القرب ..
أنفه المتكبّر و شفته يرتخون بارهاق ..
ما فجّر في داخلها دفقٌ هائل من الحنان ..
و لا تدري لما تدافعت الدموع لمآقيها في تلك اللحظة ..
احساسٌ غامرٌ بالحزن على حالها و حاله أنهكها ..
حتى نسيت كل شيءٍ آخر ..!!

* * * * *


تتناقص الأيـــــــام ..
و يدنو الموعد ..
قريبا للغاية ،،
ستترك دفء هذا المكان ،، و من يسكنوه ،،
لتجر خطاها ذلّةً بحثا عن الستر تحت سقفه ،،
و هو الذي فُضِحَت أمامه ..!!
يا الله ..
خائفة ..
و موجوعة ..
و يائسة حد التحطّم ..
و حين شعرت بأنه لا سبيل ..
و لا خلاص ..
راحت كفّها تلتمس بحثا عن نعومة سجّادتها ..
لتلتجئ إليه ..
وحده ..
.
.
حين يغدو وسع الكون بضيق خرم الإبرة ..
و تتمطى تلك الضيقة بين أضلعنا ..
تنتفخ ..
تحتك بالأحاسيس .. تزاحمها .. تدهسها ..
تتضخم ..
و توشك على الإنفجار ،،
حين لا يصبح في العالم ألوانٌ سوى الأسود ،،
كآبته .. و ظلمته ..
ما الذي قد نطمح له ..؟!
ما الذي قد يهوّن عظائم الأمور و المصاب ..
حين تصبح الأنفاس مجرد نفخٍ يائس في جسدٍ أهلكه اليأس ..
و تتضاءل الحياة ..
تنكمش .. لا تسعنا ..
من هو أهلٌ ليمسك بأكفنا .. ينفحها شيئا من الأمل ..
ليرمم تشققات جدران قلوبنا .. و يفتح نوافذ الروح و أبوابها للنور القادم ..
من يربت على الإحساس .. يحتضنه .. و يمسح رأسه ..
من يشد على أكتاف الإنكسار ..
و يهمس بأن فرجا قريبا ينتظر ..
و أن كل الأمور ستصبح على خير ما يرام ..
من يَعِدُنا بأنه ما جُعل ضيق إلا و يتبعه فرج ..
من ..؟!
من ..؟!
من ..؟!
من ..؟!
لا أحـــــد ،،
إلا هو ..
الفرد .. الصمد ..
و نوقن بأن تلك الشتلة التي راحت تنتفض تحت كثبانٍ من قنوط ،،
تورق ،، و تشتد اخضرارا ..
هي الصبر ..
أو أكثر ..
هي إيماننا ..
بأنه .. مهما امتدّت الأحقاب ..
و طالت الأزمنة ..
مهما اعتصرنا ضيق الوقت و ضنكه ..
.
.
.
.
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }***

* * * * *
* تبكيك البقاع غزة / من بوح قلمي ،،
** و تبكي أحجار / من بوح قلمي ،،
*** سورة الزمر / آية رقم ( 10 ) ،،

السلام عليكم
حبيت تتسلو بأخر جزء نزل قبل انقطاع الكاتبة
حتى تتواصلو مع احداث الجزء القادم
بس ياريت الالتزام بالهدوء حتى نزول الجزء القادم
واتمنى ما اشوف رد بعد ردي هذا
وخلو الردود بعد ان ينزل الجزء الجديد
شاكرة لكم التزامك الذي يخجلني دائما

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة  
قديم 23-05-09, 06:05 PM   المشاركة رقم: 868
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،



مساؤكم لقيا .. ملؤه البهجة ،،



البعض هجر مقاعد الانتظار يأسا من عودة ..



لكن ها أنا هنا .. أجرجر حقيبة أحرفي ..



ترتد بي الخطى دوما الى هذا المكان ..



لأتربع على عتبة .. و اسرد لكم رحيل ..



أولئك القابعين على حدود الأمل ..



مدوا أيديكم لأشد عليها بصدق ..



أيكفيكم الشكر ..؟



كلا بل هو قليل بحقكم .. !



الأسبوع الماضي راسلت احدى المراقبات لفتح القصة لعلمي أنه في موعد نزول الجزء ..



لن يمهلني الاتصال وقتا لفتحها ..



لأفاجأ يوم الجمعة بأنها مغلقة بسبب الردود المخالفة ..



و لا يسعفني الوقت و اعاقات الاتصال مراسلة المراقبات مجددا ،، فارتددت بخيبة ..



و وجدتني أخلف وعدا ..!



بصدق ،،



يربكني دفق أحاسيسكم الدافئ .. و أجدني خاوية دونه ..



و لكم من الامتنان ملأ روحي أمام كلماتكم ..



جمعنا الله و اياكم تحت ظلال وارفة ..
















ليتني ..

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 23-05-09, 06:09 PM   المشاركة رقم: 869
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

► الخطـــــــــــــــوة الحاديـــــــــــــــــــة و الثلاثـــــــــــــــــــون◄

║ و خطوات تشتعل ..!║







(( قبل أي شيء .. و كل شيء ..
سنقف هنا ..
تنتكس أحاسيسنا حزنا .. و نضم الأكف في ابتهال صادق ..
من يوشك على القفز عن هذه الأسطر فليتجاهلها ..
و من يحوي في قلبه من الصدق ما يكفي .. تنحيت أوسع له مكانا بجانبي ..
هدوءا .. هدوءا ..
لننفح الريح دعواتنا ..
تحملها .. فتقرع أبواب السماء ..
( غيوم الشوق )
مصابك جلل أخيه ..
و لن أسهب في الحديث عن فقدك ..
قد قيل مرة على لسانٍ قلمٍ راحل ،،
( لا أصعب من الفقد .. إلا سماع نقد الفقد... ممن لم يجربه )
رحم الله والدك و أسكنه فسيح جناته ..
لك الصبر يا طيبة ..
أعانك الله و آجرك في مصيبتكِ .. وأخلفكِ خيرا منها ..
كل ثقة بأن أي روحٍ ستطوف من هنا .. ستترك دعوة صادقة في ظهر الغيب ..
لتحف الرحمة مثواه ..
.
.
اللهم أغفر لهُ وأرحمهُ وعافهِ واعفوا عنهُ , وأكرم نزلهُ ووسع مدخلهُ

وأغسله بالماء والثلج والبرد , ونقهِ من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضُ

من الدنس , اللهم أوسع عليهِ قبره , وفرش قبره من فراش الجنة ,
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرةً من حفر النارِ يا رب العالمين , اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه , وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار .

اللهم عاملهُ بما أنت أهله ولا تعامله بما هو أهله , اللهم أجزهُ عن الإحسان إحساناً وعن الإساءةِ عفواً وغفراناً .

اللهم إن كان محسناً فزد في حسناته وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه يا رب العالمين .

اللهم أدخلهُ الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقةِ عذاب , اللهم آنسهُ في وحدته
وآنسه في وحشته وآنسهُ في غربته , اللهم أنزلهُ منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين .

اللهم أنزلهُ منازل الصديقين الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً , اللهم أعذه
من عذاب القبر وجاف الأرض عن جنبيه , اللهم املأ قبره بالرضا والنور والفسحةِ
والسرور , اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ) , اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقِهِ فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفرلهُ وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم , اللهم اغفر له في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور لهُ فيه ,
اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبيها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه , كان يشهدُ ألا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به , اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزولٌ به وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غنيٌ عن عذابه آته برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وآته برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين .

اللهم أنقله من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلود ,اللهم ارحمه تحت الأرض واستره يوم العرض ولا تخزه يوم يبعثون , اللهم يمن كتابه ويسر حسابه وثقل بالحسنات ميزانه وثبت على الصراط أقدامه وأسكنه في أعلى الجنات في جوار نبيك ومصطفاك .

اللهم اجعل عن يمينه نوراً وعن شمالهِ نوراً ومن أمامهِ نوراً ومن فوقهِ نوراً حتى تبعثهُ آمناً مطمئناً في نورِ من نورك , اللهم انظر إليه نظرة رضا فإن من تنظرإليه نظرة رضا لا تعذبه أبداً , اللهم أسكنه فسيح الجنان واغفر له يا رحمن , اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الله الأعز الأكرم .. اللهم اعف عنه فإنك أنت القائل ( ويعفوا عن كثير ) .
اللهم إنه جاء ببابك وأناخ بجنابك , فجد عليه بعفوك وإكرامك وجودك وإحسانك ,
اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء وهو شيء فارحمه رحمةً تطمئن بها نفسه وتَقَر بها عينه .

اللهم احشره مع المتقين إلى الرحمن وفدا , اللهم احشره في زمرة المقربين وبشره بروحِ وريحان وجنة نعيم , اللهم احشره مع أصحاب اليمين واجعل تحيته سلام لك من أصحاب اليمين.

اللهم بشره بقولك ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) , اللهم اجعله من ( الذين سُعدوا ففي الجنةِ خالدين فيها مادامت السموات والأرض ) , اللهم لانزكيه عليك ولكنا نحسب أنه آمن وعمل صالحاً فاجعل لهُ جزاء الضعف بما عمل واجعلهُ في الغرفات من الآمنين , اللهم إنهُ خاف مقامك فاجعل لهُ جنتين ذواتى أفنان بحق قولك ( ولمن خاف مقام ربهِ جنتان ) , اللهم إنه صبر على البلاء فلم يجزع فامنحهُ درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب فأنت القائل ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) , اللهم إنهُ كان مصلياً فثبتهُ على الصراط يوم تزل الأقدام , اللهم إنهُ كان لك صائماً فأدخلهُ الجنةَ من باب الريان , اللهم إنهُ كان لكتابك تالياً فشفع فيهِ القرآن وارحمه يا رحمن من النيرآن واجعلهُ يا رحمن يرتقي في الجنة إلى آخر آية قرأها وآخر حرفٍ تلاه . اللهم ارزقه بكل حرفٍ من القرآن حلاوة وبكل كلمةٍ كرامة وبكل آيةٍ سعادة وبكل سورةٍ سلامة وبكل جزءٍ جزاء.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان , سبحان ربك رب العزةِ عن ما يصفون وسلامٌ على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , وصلى اللهم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا

.
.

أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ..

إنا لله و إن إليه راجعون ))


* * * * *

بصدمة تكتسح حواسها ،، لا تبعد عينيها عما ترى ..
ينتفض قلبها بقوة ،، لتسري تلك النفضة في أوصالها ،، عبر شرايينها ..
تمر بجسدها الصغير بأكمله .. و تهزّه بقوة ..
فيما أهدابها ترفرف بجنون و هي تبدد دموعا طمست الرؤية في عينيها ..ا
ساقيها المرتعشتين عجزت عن تحملها لذلك تهاوت جالسة على الأرض و هي تضم ركبتيها لصدرها ..
بفزع طفلة بوغتت بما لا تنتظر ..
يدها المهتزة تسدّ فاهً يشهق بصدمة ،،
و دمعة تهاوت على خدها الصافي تعلن قطعا بأن الأمر لا جدال فيه ..
تلك الحقيقة تصرخ في وجهها ..
غطت بيديها عيناها الدامعتين و كأنها تستطيع الإختباء منها ،،
و تنفست بعمق تمنع تدفق الدموع المتخاذل .. و هي تهمس بصوتٍ ممزق ..
- يـــــــ..ــااا اللــــــ..ــــــــــــ..ــه ..!
قبل أن تلتمس القوة من الجدار البارد الذي تسند ظهرها عليه .. تقف على قدميها المهزوزتين ..
و تجر خطاها المتعثرة نحو فراشها المشعث ..
و يدها تنتفض باحثة بغير ثبات عن هاتفها ..
قبل أن تجده .. لتعتصره بين أناملها النحيلة .. و رؤوس أصابعها تلتمس الرقم المألوف ..
تضغط على الأزرار بضعفٍ شديد ..
كان ينبع من روحها أكثر من أي شيءٍ آخر ..
قبل أن تلصق أذنها بلهفة اليائس للهاتف ..
تحتبس أنفاسها فلا تكاد تتنفس ..
ترتقب ..
و ترقب ..
و ترتقـــــــب ..
يستمر الرنين لثوانٍ طويلة خالتها دهرا أعسر .. يأبى إلا أن أيطول ..
ليهلكها انتظارا ..
لكن ما ان اُخرِس الرنين ،، و انزلق الصوت الأنثوي الرخيم ..
يستحث انهيارها ..
حتى تفجّرت ينابيعٌ محرقة من عينيها .. و صوتها يتهدّج بقوة ..
- وديييمة .. ودييييمة .. آآآآه .. وديييمة .. أبــــــااااااااج ..

* * * * *

طالعت نورة التي كانت تحدق في شاشة التلفاز و الاشمئزاز لا يفارق وجهها فيما تطلق عبارات السخط ..
- افففف .. أكرهها .. مصدقة عمرها ويا هالويه المنفخ ..
نظرت دانة لها بمكر ..
- ليش ..؟ أنا أول ما شفتاا .. قلت نفس ضحكتج ..
ثم راحت تقلد ضحكتها ..
- ها ها ها ها ..
نظرت لها نورة بحقد ..
- فعينج .. نفس ضحكتيه أونه .. يا الله ما أسخفها ... ودي أصفعها ..
رمشت دانة بعينيها ..
- ليش .. ليش .. تصفعين هالرقة .. و هالدلع .. هاي حتى اسمها موسيقي .. حليمة بولند .. يوم انتي متضايقة .. فري ع قناة ثانية نتفرج .. تسبين بنت العرب .. و تكسبين إثم ..
غيرت نورة القناة .. و هي تواصل التذمر ..
- اتخيلي بس يحطونها في برنامج مناقشات .. و الا برنامج سياسي .. اول ما بيبدون المناقشين التخشيع ..
ثم راحت تقلد نعومتها .. و هي تشير بيدها للجهتين ..
- بس .. بس خلاااس .. آرجووكم .. خلااااس ..
ثم وضعت يدها على رأسها بصرخة يائسة ..
- لالاااا مااا آآكدر .. حرااام .. بتنخش خلااف تحت الطاولة ..
ضحكت دانة ..
- أبا أعرف ليش متضايقة من دلعها .. شوه ذنب الحرمة لو انتي دفشة و ويهج لوح ..
- محد لوح غيرج ..
- انزين أنا لوح ..بس شرايج اتشغلين troy نشوفه ..
نظرت لها نورة شزرا ..
- لوعتي بنا .. انتي ما تملين ..؟؟ شايفة الفلم فوق الستين مرة .. أنا آخرتاا بشله و بكسره .. و بعدين ما رديتي ع سؤاليه ..
عقدت دانة جبينها تتساءل ..
- أي سؤال .. وايد تسألين انتي ..
- السؤال اللي سألته قبل لا تظهر حليمة .. انتي متى بتتنازلين و بترمسين حور ..
تبخرت ابتسامة دانة .. و انعقد جبينها ببطء .. قبل أن تلتفت لنورة ..
- الحين انا لي ما أرمسها و الا هي لي ما تعبرنيه ..
رفعت نورة حاجبها ..
- تستاهلين كسر راس .. هب تطنيش وبس .. تطولين لسانج ع ختج العودة شوه ترقبين منها ..
زفرت دانة بضيق شديد ..
- نورة هب ناقصة محاظرات بليز .. أنا من أشوف الوقت مناسب اتعذرت منها ..
- و متى بيناسب الوقت ان شا الله ..؟ هاي اربع أيام خطفن و لا انتي رمستيها .. ولا تعذرتي منها ..
كان هذا الموضوع يؤرق راحتها .. يخزّها بعنف ..
لم تعتد يوما على مقاطعة حور .. و لا عدم رضائها ..
اشتاقت لتلك الحبيبة ..
و كثيرا ما خزّها الدمع كلما رأتها تمر أمامها دون كلمة ..
- خلااص ازهلينيه .. انا و حور بنتفاهم ..
.
.
تستقر عينيها على شفافية ذاك الطيف الذي استكان بهدوءٍ ملائكي خالص على أريكةٍ قريبة منها ..
شيءٌ يشبه الطمأنينة القانعة كان يلفّ الهواء حولها .. و هي تتأمل وريقات الكتاب الذي تحتضن بين يديها ..
من كان يصدّق بأنها قد تخرج من ظل تلك الكبيرة لترسم ملامح حياتها القادمة دون مساعدة أحد ..
شعرت بها كفراشة شقّت شرنقتها للتو .. تتمطى هشاشة أجنحتها .. بحذر ،،
و خشيت هي كثيرا ..
من قسوة ما قد تحمله الأيــــام ..
تخاف من أن تهتك شراستها رقة الأجنحة ..
تنهدت بهدوء ،، متسائلة إن كان ما سمعته من نورة عن جدال حور و دانة هو ما دفع حور للوقوف بحيادية .. و رفع يديها عن الموضوع ..
تاركة مطلق الحرية للمها في القبول أو الرفض دون حتى أن تتدخل بنصيحة ..
استاءت من شقاقٍ راح يلوح في أفق علاقتهن ..
عليها أن تجد طريقة لنزع الجفاء القائم بين حور و دانة ..
ترى الوحدة و الغربة تصرخ من عيني حور كلما أتت إلى هنا .. و الذنب المطلق يمزّق دانة تاركا اياها فريسة دموعٍ تكابرها كل ليلة ..
انتشلها ضياء لمع ينعكس عن ثنايا تلك الحبيبة التي التقطت نظرتها الساهمة ،،
لتجد نفسها تردّ ابتسامتها بحبٍّ عميق ،،
قبل أن تنهض من مكانها فارة من زوبعة أفكارها تلك لتجاور أختها الصامتة بهدوء ،،
هكذا .. فجأة أصبحت المها هي الأقرب لها من كل أخواتها ..
أن يجمعهما بيتٌ واحد مستقبلا .. هو أفضل ما قد يساعدها على اجتياز السنوات القاحلة التي تلوح في أفق مستقبلها القادم ،،
و بعين الخيال .. رأت صغارا يشبهون هذه الطاهرة .. وجوهٌ حلوة صافية و بريئة ،،
و تثقب الغمازات وجناتها فرحا ،،
ابتسمت بمرارة ،، هذا ما عليها اعتياده .. ترقب أطفال الغير بدلا عن إنجاب أحدهم ..!
رفعت رأسها تلتقط نظرة المها التي خطت الابتسامة شفتيها ..
هل يخيّل إليها ..؟!
أم أن بريقا مختلفا أصبح يستوطن مآقي المها ..
شيءٌ من القوة ..؟
الثقة ربّمــــا ..؟!
ضربت أنف المها الصغير بسبابتها في حركةٍ مرحة .. قبل أن تدس يدها في ذراعها ..
دون أن تتخلى المها عن ابتسامتها أو الكتاب الذي بين يديها .. و هي تطالع وجه عفرا بترقب ..
ثم ربتت الأولى بإصبعها السبابة على صدغها في اشارة الصامتة تتساءل عمّا تفكّر أختها ..
ضيّقت عفرا عينيها بمرح و هي تطالع السقف تتظاهر بالتفكير .. ثم غمزت لها بمكر و هي تشير لبنصرها الأيسر بحركة ادخال خاتم ..
مما دفع الدماء لوجه المها على الفور و هي تغضّ طرفها بخجلٍ فاضح ..
ضحكت عفرا بحب .. و قلبها يخفق بشدّة ..
يا الله ..!!
لو يعرف أحمد أي درّة بهذا الصفاء سيقتني ..!!
مسحت على ذراع المها تستدعي انتباهها .. ثم أخفت معالم ضحكتها .. و هي تقول بجديّة .. رافعة صوتها و ابهامها للأعلى في إشارة مشجّعة ..
- أحماااد ريااااال زيييين .. وااااايد زيييييين ..
قضمت لآلئ صافية شفتها السفلى القانية و هي تبعد عينيها الواسعتين بأهدابها الثقيلة عن وجه عفرا ..
فيما يقرع قلبها بجنون ..
لو تعلم فقط ان كان القرار الذي اتخذته عين الصواب .. أم أن تعجّلها هو خطأ ..؟!
كان انسحاب حور بتلك الحيادية الهادئة .. و رفع يدها عن الموضوع تاركة القرار بين يديها ..
هو أكثر ما شتتها ..
هل خشيت حور أن تنحاز في صفّ أخو زوجها .. و تدفعها للموافقة .. فيما هي تؤثر الرفض ..؟!
ربّما كان هذا هو السبب ..؟
فقد خيّل اليها في بداية الأمر أن حور تمتعض عند ذكر الموضوع .. و لم تكن راضية عن الفكرة .. ربما لاعتقادها بأن أختها غير مؤهّلة للزواج ..
لكن يبدو أنها أعادت التفكير لتدرك بأن المها لم تعد طفلة ..
و آثرت عدم التدخل في قرارها تاركة لها مطلق الحريّة لتشق طريقا جديدا لها في هذه الحياة ..!
السؤال الآن هل دوافعها هي للزواج كانت صوابا ..!
أم انها تعجّلت لتدرك حلما قد يفوتها ..
في مخيّلتها استحضرت صورة ذاك الرجل .. و هذه عادة أصبحت تمارسها مؤخرا ..
مجاهدة لخلق نوعٍ من الطمأنينة في داخلها ..
الملامح الرجوليّة الباسمة دوما .. ضحكته و ايماءات راحت تستعيدها بشيءٍ من الجهد .. محاولة أن تكون صورة حية في ذهنها لرجل ستعيش تحت ظله ..
و بدا المستقبل فجأة أمامها .. ضخما .. و مجهولا .. و ملؤه الرهبة ..
هل الاعجاب دافع كافٍ للزواج ..؟
أم يفترض بها أن تجد مقوامات أخرى تتجاوز خشيتها من أن تكون هذه فرصتها الوحيدة المميزة ..؟
الحقيقة أن الأمر كان يخيفها و يسلبها الثقة ..
قرارها الأول الذي تتخذه وحيدة دون مساعدة كان مصيريا ..
حدد لها شكلا معينا من الحياة التي ستعيشها مستقبلا ..
لو أن حور ساعدتها على اتخاذ القرار .. لما مزقتها الحيرة بهذا الشكل العنيف ..
لكن رفضها للاحتفال بعقد القران و طلب أن تكون خطبتهما دون البهرجة التي رأت في احتفال العائلة بروضة و عفرا ..
انعكس عليها سلبا .. فلم تجد معارضة حقيقية لها في ذلك ..
لكن تعجيل العقد ليكون مساء الغد أفزعها أيما فزع ..
لتدرك أن الأمر بات حقيقيا ..
وشيكا ..
أن الحلم الذي طالما خجلت من التفكير به ..
أقرب من الوريد لها الآن ..
و أنه غدا ..
في ليلة ستكون مختلفة و ان التحفت صمتا يناقض ما تحمل ..
ستغيّر مجرى حياتها الى الأبد ..
و سترسم لها قدرا يكون نهجا لأيامها ,,
ستكون ليلتها الأولى ..
ليلة فضّلت أن تشبهها ..
صامتة ..
دون صخب ..
و ليلة أحب هو أن تشبهه ..
متعجلا ..
كاسحا ..
يداهمها بما يحمل ..
تشتعل عواطفه ..
.
.
لهب ..!

* * * * *

الشحوب الذي كسا وجه أختها خلع قلبها ..
رعشة من الخوف سرت على طول ظهرها بلا سبب .. و وديمة تهمس مصدومة .. عينيها المذعورتين تطالعان حور الجالسة على طرف فراشها ..
- حور ..!! حور انتي تمزحين و الا صادقة ..؟ حور انتي تدرين شو يالسة تقولين و الا صابج شي ..؟!
رفعت يديها لتمسك بجانبي رأسها بذهول مطلق .. و تحرّكت في وسع الغرفة الفخمة بجنون ..
الرفض .. و عدم التصديق ..
حتى الاستنكار ..
يتقاطرون من نظراتها التي راحت تتوسل بها حور أن تكذّب كل ما قالت للتو ..
و هي تتمتم بصوتٍ مهتز ..
- يا الله بالعون .. يا الله ..!! حور .. حور قولي غير هالرمسة يختيه ..
انزلقت دمعة دافئة تتبع سير أخيّاتها على خدّها الندي و هي تقول بصوتها المبحوح بإنكسار ..
- و الله يا وديمة ان كل لي قلته صار .. ما نقصت و لا زدت شي من عنديه .. تخيلي ..!! تخيلي ماخذني وسيلة كسب ..!!
أشارت بسبابتها المرتجفة لصدرها بألم مبرح .. و هي تشهق باكية ..
- يعني فرتيه في بيت أبوية و تطنيشة من قبل هب لشي .. الا لن الفايدة كانت مأجلة .. و أنا فاره عمريه عليه .. و كانيه ما صدقت انه يعطينيه ويه .. و طلع آخرتااا يلعب عليّه .. يقص عليه عسب ياخذني و ياخذ من ورايه ملكية شركة ..
كانت نظرات وديمة تتحجر ببطء على ملامح أختها بالرضاعة ..
تتأمل سيل الدموع ..
تصيخ السمع لنشيجها .. و المشاكاة ..
و من أعماق القهر الذي راح يتوالد في داخلها .. انفجر الهمس الذي تلفّظت به في وجه حور المتألم ..
- الحين ها لي حارق فوادج ..؟؟ انه ماخذنج عسبة الشركة ..؟؟
هزت حور رأسها بلا كالطفلة ..
- أقولج ذلنيه .. ظربنيه .. أناا يمد ايده عليه الحيوان .. ابوية لي هو أبوية الله يرحمه .. ما قد سواها و هو يموتنا من الرعب ..
و انكسر الباقي من الثبات .. لتنهار بوجعٍ حقيقي ..
- وديمة .. سبنيه .. يقول انيه بهيمة .. أنااا .. أأ .. أنااا ........
غطت وديمة وجهها بيديها و هي تقول بخفوت ..
- بس .. بس حور .. بس .. دخييييل الله .. صخيي ..يكفي .. يكفي .. يا الله ..!!! شوه سويتي ..!! حور شوه سويتي ..!! ليش انزين ..؟؟ هذا و انتي العودة و العاقل و الرزينة .. شوه خليتي من خفة عقل لدانة و نورة .. حرااام عليج .. ليش هدمتي حياتج قبل لا تبدين بها حتى ..؟؟!
من خلف غلالة الدموع الضبابية طالعتها حور بعدم فهم ..
و وديمة تبعد يديها عن وجهها المحمر .. و تقول بقوّة خافتة من بين أسنانها ..
- بالله عليج خبرينيه .. فشوه كنتي تفكرين يوم سريتي للريال أنصاف الليالي اطلبين منه فلوس ..!!! وين مخّج ..؟؟ حد تسري لريلها و اتقوله عطنيه فلوس و الا ماباك ..؟؟ يعني افهمها يا فلان أنا ماخذتنك عشان فلوسك .. و انتي ما خليتي فيها تخمين .. عطيتيه اياها كاش في الويه .. يااا الله ..!! ما أصدق .. و الله لو انه فلم ما صدّقته ..
نظرت بحرقة لحور .. و هي تهمس ,,
- وين عايشة انتي .. هذا هب فلم .. و لا من مصاخة المسلسلات لي تشوفنها .. هاي حياتج .. سمعتي رمسة ما تعرفين ساسها من راسها .. و ربعتي تتصرفين من راسج ..!!
ارتفع صوت حور المتهدج من بين دموعها .. و لوّحت بيدها ..
- شوه تبينيه أسوي ..؟؟؟؟ أسمعه يقول انه ما يبانيه .. و لو ما عطوه الملكية ماله حاية فينيه .. كل الحركات لي كان يسويها .. و المكالمات .. رمسته .. و نظراته .. كل شي بنيت عليه مستقبليه يطلع كذبة .. انتي تعرفين شوه حسيت في هاييك اللحظة .. حسيت انيه .. انيه مقصة .. و غبية .. فرحانة باللعبة لي يلعبها عليه .. اتخيلي .. كل ردات فعليه قدامة .. أكيد كان يضحك عليها .. يتمصخر عليه بينه و بين نفسه كل ما تذكر مستحاية و الا ردوديه .. و فرحتيه بشوفته .. بس ما طول و طلع ع حقيقته .. أول ما واجهته .. فر القناع و بان كل شي .. سب و سبنيه .. و ايده و مدها عليه .. ذلنيييييه .. ذلنيييييه يا وديمة .. و حسسنيه انيه رخيصه .. انيه ولاااا شي ..
ارتفع صوت وديمة بقهر ..
- و شوه تتوقعين من ريال يايتنه حرمته و اتقول انها ما خذته الا ع سبة فلوسه .. انتي ما تفكرين .. ريال هذاااا .. أبدى ما عليه كرامته .. زين منه لي خلاج اتظهرين من بيته هاييك الليلة سالمة .. لو غيره دق اظلوعج الين اييج الموت .. هاي رمسة تنقال .. انتي هدمتي حياتج .. و كل شي بهالحركة السخيفة .. ما أصدق .. من وين لج الجرأة اتسوين هالشي ..؟؟ حور ما حيدج متهورة .. و لا خفيفة لي فراسج اتسوينه .. شوه قوات العين هاي ..؟؟ اتشارعين ريال عسبة فلوس .. انتي من ارخصتي بعمرج يوم رحتي تساومين نفسج بفلوسه .. كيف يتج القوة ..؟؟ انتي الهادية .. و العاقلة .. كيف خبصتي الدنيا و قومتيها ع راسج ..؟؟
و رفعت عيناها للسقف بعدم تصديق مطلق ..
- ادفع فينيه يا فلااان ..!! ياا رب صبرك .. معقولة ..!!! انتي .. انتي لي تسوين كذيه ..
مسحت حور خدّها بظاهر يدها في عنف .. و هي تقول لوديمة بقوة ..
- لا و الله ..؟؟ شرايج يعني ..؟ أكمل اللعبة وياه و أسوي عمريه ما سمعت شي ..؟؟ واحد يقول انه ماخذنيه لحاية و هب بعيدة يفرنيه لو انقظت حايته .. كذب عليه قرب السنة .. و عادي عنده يكررها .. و الا يمددها .. أناا ما رمت أسكت .. من حر ما فيه .. ما حقيتها ع نفسي .. داس ع كرامتيه ..
مال رأس وديمة و هي تضيق عينيها بصوتٍ مستنكر ..
- كرامتج ..؟؟؟ شوه رمسة الهنود هاي ..؟؟ أي كرامة و أي خرابيط .. و الله انيه أحس السالفة كلها مقلب .. أو كذبة بايخة .. مستحيل ..!! حور هاي حياتج .. و هذا ريلج .. ما فيه كرامة و ركزة خشم بين الريال و حرمته ،، انتي ما خليتي فيها تفاهم .. خربتي الدنيا .. ليش ..؟؟ حرااام عليج .. ليش هدمتي حياتج قبل حتى لا تبدينها ..
انفجرت حور بلوعة حقيقية ،، و طوفان مالح .. ساخن ،، راح يحرق وجنتيها ..
- ودييييييييمة .. ارحمييييييييينييييه .. دخيل الله .. انتي واقفة فصف منوووه ..؟؟!! أقولج السباااااااال يساوم عليّه شرا العنز .. يبيع و يشتري في حياتي .. و أحلامي .. و مشاعري .. غصبنيه .. ظربنيه .. سبنيه .. هدم كل شي في حياتيه .. ثقتيه بالناس ..فرحتيه .. كل شي يا وديييمة .. كل شي ..!!!
ضربت صدرها بقوّة و هي تنتحب ..
كانت المرارة تنهمر أحرفا موجعة من بين شفتيها ..
ترسم لوحة من وجع ساحق كانت ترزح تحت ثقله ..
- أي تفاهم ويا ريّال يستغل حبي له عسب يوصل للي يباه ..؟! كيف ..؟ كيف ما فكّر بيه و هو يدوس ع قلبيه عسب ياخذ لي يباه ..؟ ليش ما حشّمنيه .. قدر لي عطيته من روحيه ..
أغمضت وديمة عيناها بقوّة من هجوم حور المتألمة ،،
و انزلقت دمعة حارة على جانب وجهها ..و هي تشد قبضتها لفمها ..
أشارت حور برأس سبابتها بانهيار .. و صوتها المبحوح ينخفض شيئا فشيئا مع انزلاق كل تلك الذكريات المفجعة ،،
- حسيت انيه و لا شي .. و لا شي .. و أنا أسمعه يتفاخر قدام أبوية سيف انه بيخلينيه لو ما عطوه الملكية .. أنا ما أسوى في عيونه لدرجة انه ما يهمه لو العالم يدري شوه حايته منيه .. كان يقولها بكل ثقة .. بنت حمد ماباها .. و أنا عاقة عمريه عليه طول هالفترة .. تعرفين شوه لي يقهرنيه ..؟ ابوية سيف بعد كان ايشوفنيه و انا اتلصق به .. ياااااا الله ..
غطت وجهها بكفيها الصغيرتين .. و نشجت بقوة ..
- حرااام .. و الله حرااام .. شوه ذنبيه .. شوه سويت له ..؟ غلطة منوه هاي ..؟ غلطة ابوية سيف لي يدز ولده عسب ياخذنيه .. و الا أبوية لي فرنيه عليه .. و الا غلطته هو لي شافنيه أسهل درب عسب ياخذ لي يبا .. ليش أنااا ..؟ ليش ما اختاروا حد غيريه يلعبون عليه .. ليش أنا لي انحكم عليّه أروح بين ريولهم .. كلن يشوتنيه ع حساب مصلحته .. واحد يبا يستدرج ولده .. و الثاني يبا يراضي أبوه .. و التالي ما كان يبا غير فلوس .. محد منهم فكّر فيّه ..؟؟
مسحت بكفها وجهها في طريقة عشوائية .. بعثرت الدموع بشكلٍ محزن على صفاء بشرتها ..
- تعرفين شوه لي أحس به .. الخيبة .. خيّبونيه يا وديمة .. خيّبونيه يا ختيه .. شوه لي صار الحينه ..؟! شوفي وين وصلت الأمور .. آآآآآآه ليته كااابوس و ينقضي ..
ليت الفجر يدرك بؤس أيامها المظلمة..
بصدق ..
لم يعد في روحها رمقٌ يوشك على الفرح ..
نشقت وديمة بوجع ،،
كلمات حور لم تكن سوى رماح تنغرس بقسوة في قلبها ..
تحرّكت بثقلٍ تحت وطأة آخر شهور حملها ،، و يدها تتدارك دمعة تتعلّق بذقنها قبل السقوط ،،
كان الألم الصارخ الذي ينطق من عيني حور ،، كاسحا ،،
لفّ احاسيسها .. لتشعر بأنها تعيش ذات المعمعة الكريهة ..
تنهشها الأقدار من كل صوب ..
جلست على حافة الفراش الذي شهد مرار ليالي أختها التعسة بهدوء .. و هي تمد كفّها ناحية وجه حور المبتل ..
تحتضن وجنتها الندية .. فيما عيناها تتعلّقان بزخرفة السقف المترف ،،
و في استجابة منهزمة ،، انهار جسد حور النحيل يتكوّر في استلقاءه متعبة .. تضع ثقل رأسها .. و همّها على فخذ أختها ..
يدٌ حانية راحت تمررها على الشعر الحالك المتهدّل على الوجه الصافي ،،
و تمنّت لو أنها بذات الكف تبعد كل هذا الأذى عن هذه الروح الطيبة ..
يا الله ..!
أين حور المنطلقة ..؟!
حور المسؤولة ..؟
حور القويّة .. المندفعة ..؟
حور .. البهجة .. الطيبة ..
حور الطفلة الدفينة تحت أكوامٍ من مسؤوليّة تنتظر ..؟!
لما لا ترى سوى انعكاسٌ باهت لطيفٍ أغبر .. يكسوه الرماد ،،
ارتقبت لحظاتٍ طويلة أن تهدأ قليلا ،،
أن تنجح مجددا في خنق أنفاسها .. و إعلان الإنسحاب لجيوشٍ من أدمع راحت تغزو رقّة خديها الشاحبين ..
و شيئا فشيئا ..
راح النشيج يستحيل لشهقاتٍ قصيرة ..
تتقطع ..
رويدا .. رويدا ..
ثم تنتهي ،،
و ابتلّ ثوب وديمة القطني بأحزانها ..
شعرت بوجع حور الذي تسكبه من مآقيها يلذع فخذها ملوحه ،، ليخترق عظامها ..
بأصابع رقيقة مسحت دموعا لا تجف عن خد تلك الحبيبة .. و أعادت خصل غرّتها الناعمة خلف أذنٍ محمرّة من فرط البكاء ..
ربّما فاقتها الصدمة ،، فاندفعت في الشرح دون مراعاة وجع حور ..
لكن ذلك لا ينفي أن لها موقفا مغايرا ،، و ما يدفعها للثبات عليه هو ذات الظرف الذي استجد و دفع حور للجوء إليها الآن ..
و لو أنها تأخرت كثيرا ..و وقع الكثير من الضرر ..
شعور محرق بالأسى خالط حقدا صافيا راح يتبلور فجأة اتجاه الرجل الذي أحال الروح الوردية لهذه الطفلة حطاما لا يُجبر ..
شعور نحته جانبا بقسوة ،، فآخر ما تحتاجه الآن هو السلبية في ارشاد أختها التائهة ..
حين تغلغل الهدوء روح حور التي انكمشت أكثر تضم نفسها بضعف ..
و أحست بأنها أكثر تماسكا ..
علمت أن ساعة للحقيقة قد آنت ،،
قد لا تعجب أختها ..
و مؤكد بأنها ستبتلع الكلمات خذلانا مرا بعد قليل ،،
الصوت الذي أرادته أن يخرج قويّا ..
تكسّر على حدود الشفاه ،، فتعثّرت الكلمات ،،
و خرج الصوت هامسا ،،
يخشى بعثرة شتات النفس التي توسّدت شيئا الطمأنينة قربها .. تلتمس أمانا سُلب منها ..
- تعرفين حور .. بعض الناس يشوفون الحياة بلونين .. أبيض .. و أسود .. خير و شر ،، زين و شين .. ما عندهم أبدا أي خيارات ثانية .. الصح بيّن و الخطا بيّن .. و تشوفينهم محصورين ،، يا في الصح .. و الا في الغلط ..
و استمرّت في التربيت بأنامل من سكينة على صخب أوجاع أختها ..
- هالناس ما تعرف الرمادي .. ما تعرف انه أحيانا نحن لازم نقدم تنازلات .. نعتذر لو ما كنا غلطانين .. نعطي و نحن لي محتايين .. نضحك لو كنا مستويعين ..
و أخفضت ناظرها تراقب جانب الوجه العذب ..
- ليش ..؟ لن الحياة عسب تمشي ،، لاازم فيه أخذ و عطا .. و لو كان على حساب عمارنا ..
بسمة مرّة تهشّمت بوجع بين أسنان حور .. و صوتها المتحشرج يقول متسائلا ..
- لازم يكون فيه دايس و منداس ..؟
أغمضت وديمة عينيها لثانية .. قبل أن ترد ،،
- الحياة ما تمشي على كيف ما نريد ،، و لا تمشيها عواطفنا .. لازم الهم له من أيامنا نصيب .. و الفرح له نصيب ،، الذكي منا لي يخلي الهم وراه ،، و لا يشل وياه الا الفرح .. كم بنعيش ..؟ يوم ..؟ شهر ..؟ سنة .. و الا عشر ..؟ و عقب ..؟! ما بيضمنا الا ضيق لحودنا .. الحياة هب هيّنة .. الحياة عسرة ما تلين بلعب و طيش .. و الا تهوّر ،،
و مسحت بظاهر أصابعها خد حور .. و هي تعاتبها برقة ..
- انتي يا الغالية .. حكّمتي عواطفج و خليتيها تقودج شرات العميا ،، ما فكّرتي ،، رغم ان لي كنتي فيه ما كان يباله الا عقل حرمة .. قهرج لي عرفتيه و تصرفتي بدون لا تفكرين.. كل لي كنتي تبينه تردين الصاع له صاعين .. و تكسرين خشمه شرا ما كسر قلبج .. و شوه كانت النتيجة ..؟! هدمتي حياتج قبل حتى لا تبدينها ..
أرخت حور أهدابها بتعب .. و خرج صوتها ضعيفا للغاية ..
منهزمـــا ،،
لا يطيق فلسفةً ،، و لا حيـــــــاة ..!
- ليش أحس انج تلومينيه ..؟ و كأنيه غلطت يوم وقفت بويهه ،، و قررت آخذ حقيه بايديه .. شوه الصح لي كنتي تبينيه أسويه ..؟ أصمّ أذنيه عن الرمسة لي سمعتاا و أبلع المهانة و أيلس عند ريوله أرقب اللحظة لي يمل فيها من التمثيل و يشوتنيه ..؟!
و ارتجفت دمعة هزيلة راحت ترسم لها طريقا على وجنتها المحمرة ،،
- ما رمت .. كسر قلبيه .. تمنيت في هاييك اللحظة انيه أخنقه بايديه .. أنهيه من العالم و لا أسمع انه كان يتسلى بيه .. لكن كل حيلتي كانت الحركة لي سويتها .. لا تنشدينيه في شوه كنت أفكّر .. لنيه ما كنت أفكّر .. ما كنت أشوف .. حتى ما كنت أتنفس .. شرا الميتة أحاول بأي طريقة أهدي الويع لي آنسه من لي قاله ..
اعتصرت قبضة من ألم قلب وديمة ،،
كان الضرر قد وصل حدا تعجز هي عن إصلاحه ،،
- ما ألومج حواري .. بس تمنيت انج لجأتي ليه .. و سألتينيه .. و شرت عليج .. بدل لا تتصرفين من راسج .. اذا اتحريتي انج بهالطريقة بتكسرين راسه فانتي غلطانه .. كل لي كسبتيه حقده عليج .. و عطيتيه العذر عسب يكمّل لي سواه .. و ياذيج ..
ثم عاندت بريق دموعها بابتسامة كسيرة ..
- تعرفين شوه عيبج ..؟ انج شفافة .. و ينقصج دهاء الحريم .. هذا ريلج .. و على قد ما حبيتيه على قد ما عورج فوادج يوم دريتي باللعبة .. كان بيدج تسكتين عن الموضوع .. و تندمينه على مهل .. من غير لا تبيعين عمرج و الا تعطينه الفرصة انه ياذيج و يذلّج ..
و هوت دمعة جديدة لتتلاشى على ثوب أختها المبتل حزنا ..
- كان بيدي ..؟! لا و الله .. ما كان بيدي شي غير لي سويته .. لو كنتي مكانيه و سمعتي ريلج يرمس عنج بهالطريقة .. يقول لي سمعته .. شوه بتسوين .. ؟؟
أخفضت وديمة ناظريها بحزمٍ هادئ ..
- أي شي .. الا انيه أشوّه صورتيه و الا أحط من قدريه قدامه ،، عسب لا ياخذها عذر و يطعن فيّه .. انتي خذتي الموضوع .. موضوع كرامة .. نسيتي الرابط لي بينكم .. وضعج بالذات .. نسيتي حتى مشاعرج صوبة .. و نسيتي مشاعره هو صوبج ..
اعتدلت حور جالسة بسرعة ..
- مشاعر شوه .. هذا كذّاب .. عمره ما حس بشي صوبيه كل لي كان يسويه تمثيل في تمثيل ..
- شوه دراج ..
صاحت حور بمرارة ..
- سمعته أقولج .. قال بصريح العبارة انه يبا الشركة .. و ان الشيبة يباه ياخذنيه ..
ردّت وديمة بهدوء .. و هي تحاول اتمتصاص هياج حور ..
- يمكن كان يقول هالرمسة بس عسب يقنع يدج .. و ما يبا يعترف هو نفسه ان في خاطره شي لج .. عسب لا يستغل يدج هالشي ..
- يدي ..؟؟ شوه خص يدي في السالفة ..؟؟ و بعدين ليش ما يقوله لو صدق يحس بشي صوبيه ..؟؟ شوه مستحي ..؟؟ كيف يمكن يدي يستغل مشاعره صوبيه ..؟؟ انتي ما سمعتي لي سمعـ .....
رفعت وديمة يدها تقاطعها ..
- سمعت لي قلتيه ليّه .. انتي ما قلتي انه قال انه ما خذج الا لن يدج هو لي قاله .. و انه بياخذ الملكية يوم وافق .. عدتيها و زدتي فيها مليون مرّة .. شدراج ان الريال ما غير رايه عقب ما عرفج ..؟؟ يمكن عيبتيه .. حس بشي صوبج غير انج كرت الملكية لي يباها ..؟؟ و خاف ان يدّج لو عرف هالشي و حس بانه يمكن ياخذج بدون الملكية .. يستغل هالشي و يحرمه من الشي لي يباه من البداية .. لي هو الشركة ..؟؟ عادي يقول هالكلمتين و يحسس اليد انه مستعد يتخلى عنج خص انه متأكد انج ما بتسمعينه .. يعني ما يخسر شي من لي يباه .. لا انتي .. و لا الشركة ..!!
غطت حور وجهها بكفيها .. و نشجت بقوة ..
- وديمة ليش ..؟؟ ليش تحاولين تبررين له ..؟؟ ما كفاج لي قلتلج عليه .. و شوه سوابيه عقب العرس .. بالله هذا يحس ..؟؟ هذا حيوان ..
قطبت وديمة باستياء شديد ..
- استغفري ربّج .. ما ايوز ترمسين كذيه عن ريلج .. ريّال .. و جرحتيه و يمكن هذا دليل على انه صدق مجروح منج .. لو كنتي ما تهمينه كان خذ الشركة .. و سوالج أكبر طاف .. و حركتج البايخة ما هزت فيه شعره ..!
رفعت حور وجهها المتألم عن كفيها ..
- عشان الفلوس لي خذتها .. يموت ع الفلس .. مقهور ع المليونين ..
سرحت وديمة في ملامح أختها .. و هي تقول بصوتٍ غريب ..
- و هذا أكثر شي يحيرنيه .. هالشي لي خلانيه أشك ان في خاطره شي غير الشركة ..
بدت حور بعيدة كل البعد عن تفكير وديمة .. و هي تتحسر بصوتٍ مبحوح ..
- و شوه بيكون في خاطره غير الشركة ..
نظرت لها وديمة بحيرة حقيقية .. و التشتت يبزغ في مآقيها ..
- ليش ريّال .. بعمره .. و خبرته .. و قوّة شخصيته .. يطيع الطلب الغريب لي طلبتيه .. و يعطيج الفلوس ..؟؟ يعني الشدة لي توصفينه بها .. و انه عسر .. و قاسي .. كان عادي يتلّج من شعرج .. و ياخذ منج لي يباه بلا عرس و لا هم .. عسب يكسر عينج .. محد كان غيركم هنيه .. هذا واحد .. اثنين يروم يفرج بيت يدج .. و يوم العرس غصب عن خشمج بتحضرين .. تظنين تهديدج السخيف أثّر فيه ..؟؟ ما أظن واحد شراته صدق انج انتي .. الياهل في نظره يمكن تسوين لي قلتي عليه .. و حتى لو سويتيه .. منوه بيطيعج من عمامج و يكنسل العرس و هو ما بقى عليه غير اسبوع ..؟؟ الموقف كان و لا فلم هندي .. وضع بايخ .. و لا ينطلي على ياهل .. انتي لي مقاطعتنه شهرين .. تظهرين فجأة قدامه و هب باقي ع العرس غير اسبوع عسب تاخذين منه فلوس .. ظنتج ليش صدّق السالفة .. ؟؟
عينا حور الدامعتين ترتقبان نتيجة أخيرة لهذا التحليل الذي لم تفكّر فيه مسبقا ..
و ارتعشت أحرف السؤال خائفة من الإجابة على شفتيها ..
- ليش ..؟
لانت نظرة وديمة بغرابة و هي تهز رأسها بأسف ..
- يمكن لنه كان يفكّر بقلبه هو الثاني .. و ما شغّل مخه .. و تدرين شوه لي يحيّر أكثر ..؟؟ انه توعد لج .. و عطاج الفلوس .. و خلاج اتروحين .. ما سوى شي من لي توقعت انه يسويه .. يغصبج .. و الا يطردج .. ليش عطاج الفلوس ..؟؟ ليش ..؟؟
شخرت حور ساخرة و هوت دمعتها ..
- يمكن حس بالذنب ..؟ و يبا يعفي نفسه من ذنوب استغلالي .. قال أعطيها المليونين يسدن ثمها ..؟
ضيقت وديمة عيناها بشك ..
- يعطيج المليونين بدافع الاحساس بالذنب .. خلاف يذلج عليهن ..؟؟ ما رمت أفهم هو ليش سوى كذيه .. لكن تبين نصيحتيه ..؟
و نظرت لحور التي فجأة بدت ملامحها الساهمة أكثر هدوءا ..
قبل أن ترد عليها ..
- و أنا لشوه ساعية لج فيه غير النصيحة .. شوري عليه يا وديمة .. شوه أسوي .. الوضع انقلب الحينه .. انقلب .. لي ما كنت حاسبة حسابه صار ..
و ارتجفت شفتيها و ترقرقت دموعها في عينين لم تجفا منذ قدوم أختها .. و هي تشير للقطعة البلاستيكية الصغيرة .. التي ترقد بهدوء على طاولة السرير ..
ذات القطعة التي لم تستطع رفع عينيها عنها بصدمة .. حتى وصول وديمة ..
و انهمرت دموعها بغزارة مجددا ..
و كأن كبت الليالي الطوال راح يتدفق اليوم ..
و تفر عبراتها غير مصدّقة أنه حل الإفراج ..
بخوف طفلةٍ لا تعرف كيف تتصرف .. ضمت ركبتيها لصدرها بخوف .. و رفعت وجهها الذي التصق به شعرها ممتزجا بملوحة الدمع ..
- يا ربيه شوه أسوي ..؟؟ شوه أسوي ..؟ لو .. لو .. لو طلقنييييه .. أناا .. آآآه ......
تحركت وديمة قليلا .. لتحويها بين ذراعيها برأفة ..
- هااااه حور ..؟؟ شوه قلنا .. مشيئة رب العالمين حد يعترض عليها ..؟؟ هاي نعمة من الله .. تعوذي من ابليس ..
بكت حور و هي تدفن وجهها في صدر أختها ..
- أي نعمة يا وديمة و هذا حاليه مع هالريال .. استغفر الله .. استغفر الله العظيم من كل ذنبٍ عظيم .. اللهم لا اعتراض .. الحمد لله ع كل حاال .. الحمد لله ع كل حاااال .. يااارب استرها .. يااارب سهلها عليّه .. شوه آخرة هالحياااة لي أنا عايشتنها ..
هزتها وديمة بعتب ..
- حور .. اسمعي .. اسمعي .. انسي شويه ان غيث هو أبوه .. انسي كل لي سواه فيج .. كل لي صار .. بس ركزي ع هالياهل لي فبطنج الحينه .. بالله عليج ما تبين تكونين أم ..؟؟ ما تبين لج ياهل .. هب فرحانة بهالعطية لي من رب العالمين .. يمكن الله طارح بركة حياتج كلها فيه ..؟؟ يعوضج الهم لي شفتيه .. يكون تغيير أبوه على ييته ..؟
أبعدتها قليلا عن صدرها ..
- حور طالعينيه .. طالعينيه ..
رفعت حور عينيها الكسيرتين .. لها ..
لتبتسم وديمة بحب .. و صوتها الناعم يرسم لكآبة عيني أختها صورة أخرى ،،
جانبٌ مشرق قد لا تنجح في رؤيته ..
- تخيّلي انتي .. بيبي صغيرون .. ولدج .. قطعة منج .. شي لج .. محد له خص فيه غيرج .. ياهل تشلينه في حشاج تسع شهور .. تحسين به و هو يكبر فداخلج .. و يتحرّك .. كل يوم ترسمين له ألف صورة .. تخيليه حور يوم بيطلع .. كيف بيكون صغير .. و ناعم .. مخلوق محتاينج انتي من بد كل العالم .. لنج انتي أمه .. ما يبا غيرج .. شي لج .. كيف بتضمينه .. بتحبينه .. بتسبحينه .. و تلبسينه .. تخيليه يوم بيكبر .. يحبي .. و الا يتخطى .. تخيليه حور .. هذا ظناج .. يوم بيسير المدرسة .. و اييب الكتب .. و تدرسينه .. كيف تعلمينه ع الصلاة .. كيف يخرّب عليج .. و يتعبث بأغراضج .. تخيلي ضحكته .. صوته .. ياهل حور .. ياهل يخصج انتي .. انسي أبوه .. و انسي حياتج .. و الهم .. انتي هب فرحانه ..؟؟ هب فرحانه لن ربيه أكرمج بهالنعمة ..؟
نظرة سارحة غريبة بزغت من خلف الدموع التي تغيّم عينيها ..
و انفرجت شفتيها بتأثر واضح ..
قبل أن تعض شفتيها بألم ..
- فرحانة ..؟ وديمة .. أنا لو تطلقت عند منوه بيتم الياهل ..؟؟ هذا ظالم ما يهمه حد .. عادي يشلّه منيه .. يشل ظناية .. و يخلينيه أتلته بلاه .. و تسألينيه لو فرحانة ..؟ لو الظروف غير الظروف كان .........
قاطعتها وديمة باصرار ..
- لكن الظروف هي الظروف .. و لو تفتح عمل الشيطان .. بعدين انتي قلتي انه قال ما بيطلقج ..
هزت حور رأسها نفيا بألم ..
- قال ما شبع منيه عسب يطلقنيه .. و هنيه الفرق .. أول ما يقضي حايته بيفرنيه شرا الـ .....
كانت نبرة حور و انهزاميتها تغيظ وديمة بحق .. لذلك قالت بحنق ..
- و ليش تعطينه الفرصة انه يطلقج ..؟؟ انتي ما قلتي الأمور بينكم الحينه هادية ..
- قصدج باردة ..
- و شوه الفرق .. أهم شي ان التوتر خف عن قبل .. و انتي ترومين الحينه تتقربين منه .. و تكسبينه ..
اتسعت عينات حور بمزيج من الرفض و الاستنكار ..
- يخسي أتقرب منه .. كل لي سواه .. و تبينيه أربع وراه .. و الله ما ذل عمريه له لو حايتي في ايده ..
- الحين رضا ربج غدى مذلة ..؟!
- و شوه دخل رضا ربيه في الموضوع ..
- رضا ربج من رضا ريلج .. تصبح الملائكة و تمسي تلعنج لو هو غاضب عليج ..
زمّت حور شفتيها المرتعشتين .. و برقت دموع القهر في مآقيها ..
- لا استريحي من هالناحية .. أنا سادة كل حاياته .. و ما ظنتيه عليه قاصر عسب يغضب و الا يشوف له عذر .. شوه لي ذابحنيه غير انيه أدوس ع عمريه عسب أرضيه .. حتى كرامتيه ساويت بها القاع ..
نظرت لها وديمة بقوّة ..
- تعرفين ..؟ هاي هي مشكلتج .. كل ما قلت لج شي .. قلتي كرامتي .. و ذلني .. شوه أساس الحال لي انتي فيه غير هالكرامة لي انتي ذابحتنا بها .. سمعتي كلمتين ما تعرفين أساسهن .. و قلتي كرامتي .. و خربتي الدنيا ع راسج .. حور .. بس يا أميه .. خلي عنج خرابيط المسلسلات و الأفلام .. الريال و حرمته ما بينهم كرامة و ما كرامة .. من يتزوج الواحد حرمة .. تنهد بينهم كل الحواجز .. لو كل واحد راعى كرامته ع قولتج .. و مستواه .. و عيّا يتنازل قدام أي مشكلة . و زم بخشمة .. كيف بيعيشون ويا بعض . كرامتج هاي ويا ختج ... ربيعتج .. بنت ييرانكم .. بس ريلج تنسين هالشي وياه ..
مسحت حور عينيها بعنف ،، و صورٌ لم تشهدها وديمة تتدافع في مخيلتها ..
سهلٌ هو التحدث بهذه الأريحية و هي تتكئ بعيدا عن ذاك الوجع ..
ماذا يقول من سُقيَ المر كؤوسا مترعة ..
حتى أُتْخِم ..؟!
- راس مالي هالكرامة .. هذا و أنا بالموت أكابر مستعبدني ،، تبينيه أدلي له رقبتيه .. و الله ليدوس عليها .. أصلا لو الانسان يبيع كرامته شوه بيقى له .. كيف يعيش منكوس الراس ..؟
تنهدت وديمة .. و شعرت بيأس يتغلغل روحها ..
قد لا يكون هناك ما هو قابل للاصلاح ..
- حد قالج عفري ويهج بالتراب ..؟؟ حبي ريوله ..؟ حشى و الله ..!! أنا ما قولج تذللي له .. بس ليني شويّه .. خلي العناد .. بالله بشوه بتنفعج هالكرامة لو تميتي ع هالحال وياه و أصبحتي باكر مطلّقة و ياهل متلته بينكم ..؟ شوه بتستفيدين هاا ..؟؟ خسرتي بيتج .. ريلج .. و خسرتي الأمان لي يمكن انتي تعطينه ظناج و انتي موجودة ،، بدل لا يتغربل بينج و بين أبوه ..
هزت حور رأسها بـلا و هي تمنع عبراتها من التدفق .. صوتها خرج مقهورا من غياهب الظلم الذي قاست ..
- صدقينيه أنا هب مستعدة أتنازل عن أي شي .. و لا أسوي خطوة وحدة قداه .. و لو حد ملزوم انه يعتذر .. و الا يغير في نفسه فهو غيث .. هو البادي .. ما أقدر أعطيه أكثر من لي عطيته .. ما أقدر أنزل من نفسيه أكثر .. سهل تيلسين و تقولين هالرمسة .. لن النار ما تحرق الا ريل واطيها .. و النار ما وطيتها الا شابه في يوفي .. أحرقت كل شي في داخليه صوبه .. ما روم أعطي أكثر .. و لا أتنازل أكثر .. خلاااص .. صبري وصل حده .. الياهل ليّه .. هو ماله حق فيه .. لنه من الأساس ما كان يبا هالزواج بكبره .. ليش يبا نتيجته ..
صاحت وديمة بيأس ..
- و شوه دراج انه ما كان يباه ..؟؟!
رفعت حور يدها في وجه أختها ..
- ما ريد أعيد نفس الاسطوانة .. هو ما يباني من الأساس .. و أنا عايفتنه .. ليش أحاول أبني .. و مصير لي أبنيه الهد ..؟
ابتسامة مرّة حُفرت على شفتي وديمة .. و هي تريح يدا على بطنها ..
- عايفتنه ..؟ هه .. عليّه ..؟ و الا ع عمرج تلعبين ..؟ و الله لو انتي عايفة شي .. فانتي عايفة عمرج .. تعرفين ليش ..؟ لنج على كل لي سواه ما رمتي تظهرينه من خاطرج ..
ثم نظرت مباشرة لعيني أختها .. و نبرتها القويّة تخرج من بين أسنانها ..
نظراتها تتسلّط على ملامح حور الباكية بسطوة .. و كأنها على وشك غرس ذاك اليقين الكريه ..
- بعدج تحبينه .. تبينه .. و ميته عليه بعد .. و ان قلتي غير هالرمسة بقولج كذااابة في ويهج ..
صاحت حور بعذاب و دموعها تنزلق مجددا و قد توقفت عن محاولة ردعها ..
- لااااااا .. ماااااا حبه .. و لاااا أداني شيفته الكريهة .. شوه دراااج ..؟؟ دخلتي قلبي ..؟؟ شفتي شوه فخاطريه ..؟؟ انتي ما تعرفين غير لي قلته لج .. و اسمعيها مني .. أناا خلااااص .. مشاعريه الغبية صوبه كلها انتهت .. هو ذبحهاا هوو ........
قاطعتها وديمة باصرار ..
- كذااابة .. ما انتهت .. و هاا لي ذابحج و قالب حياتج جحيم .. انتي ما سألتي عمرج ليش غديتي بهالبرود ..؟؟ ليش كارهة عمرج و حياتج .. ليش خايفة الحينه ..؟؟ لنج تعرفين في داخلج انج تحبينه .. و تتمنين انه يحبج .. لكن لي يذبحج تفكيرج انج و لا شي عنده غير ورقة كسب و سد حاية مثل ما قال لج .. و خص عقب لي سويتيه و الفلوس لي خذتيها .. تعرفين انج طحتي بالمرة من عينه .. خايفة يطلّقج .. و خايفة انه ما يتقبل خبر حملج ..
هزّت رأسها بأسف ..
- اتحرينيه ما أدري انج ندمانة لنج خذتي منه الفلوس .. و سويتي هاك الفلم الهندي ..؟ اتحرينيه ما أحس بج و انتي تتمنين لو انج انطميتي و رضيتي به .. تتمنين لو انه يرد الريال لولي لي حبيتيه حتى لو كان ....
صاحت حور تقاطعها و هي تسد أذنيها براحتيها ..
- لاااااااااا ,, لاااااا ..
سحبت وديمة احدى راحتيها بعناد ..
- بلى .. استغلّج .. و لعب عليج .. و بعدج تحبينه ..
عضت حور شفتها السفلى حتى كادت تمزقها .. و هي تجذب يدها من قبضة وديمه ..
فيما سلسبيل مالح يرسم خطوط القنوط على وجهها ..
- لاااااااااا .. انتي ما تعرفين شوه الحقيقة .. لي صار غير كل شي .. كل شي .. حرام فيه الحب هالريال ..
فيما تابعت وديمة باصرار ..
و هي ترى هدفها يبزغ فجأة من خلف أكوام البؤس القابعة أمامها ..
- ظرب و ظربج .. و سب سبّج .. كسر فرحتج .. و ما رمتي تكرهينه .. عايبنج الذل لي تقولينه ..؟ تبينه ..؟
انهارت الأحرف بمرارة تتقاطر من بين شفتيها ..
- لاا .. ما أحبه .. مااا أبــاااه ..
و هدأ صوت وديمة .. لتصيبها في مقتل ..
- ليش يوم دريتي انه خذج عسبة الفلوس ما سرتي له بكل بساطة .. و خبرتيه .. و انسحبتي من حياته .. لااا تقولين كرامتي .. كنتي خايفة انه يأكد لج انه ما يحبج .. خايفة يقول الرمسة في ويهج .. ليش لفيتي و درتي و طلبتي فلوس و سويتي له فلم .. ليش ما كنسلتي العرس يوم انج اتنافخين أونها هب صعبة عليج .. اناااا بقولج ليش .. لنج ما ترومين تخلينه .. حتى عقب لي عرفتيه .. كنتي تبينه .. شوه تسوين في بيته الحينه ..؟؟ عايشة حياتج وياه عقب ما ظربج و سبج .. عقب ما استغلج ..؟ مرتاحة لنج حرمته ..؟ عايبنج الوضع وايد هاا ..؟
و قبضت يدها على كتف أختها النحيل لتهزّها .. و هي تشخر بسخرية ..
- و عايفتنه ..؟ اصدقي بالقول .. و لو مرّة ..!
ألم مُهلك ..
ليس كأي ألم سبق أن شاهدته وديمة .. كان يطفح من عيني حور ..
و هي تضع راحتها لتسد فمها .. و شهقات عنيفة تهز نحولها ..
تنصهر أحزانها على خدّها الصافي .. و قلبها على وشك أن ينفجر من فرط الحزن ..
و بانكسار ..
هزت رأسها بانكار أخير .. قبل أن تسقط مقاومتها ..
فتنفجر أحاسيسها المحترقة دفعة واحدة ..
و تجهش بعميق البكاء كطفلةٍ بلا حيلة ..
أن تُفضح مشاعر كانت نفسها تنكرها لأمر موجع بحق ..
الحضن الدافئ الذي جرّت له .. و يد وديمة الحانية تضمّها .. لم يفلح الا في زيادتها انهيارا ..
و أنفاسها تتقطع بجنون ..
صوتها ينبعث من الجرح العفن الذي راحت تواريه .. و تغطيه نديا عن الأعين طوال الوقت ..
حتى عاثت رائحته .. تصرخ كل الكراهية للمشاعر التي عانت في طيّها دون أن تفلح ..!
- حراااااااام علييييييه .. لييييييش سوابييييه كذيييييه ..؟؟ ليييييش ..؟ أنا شوه سويت له ..؟ ماااروم اتحمل .. و الله ماااااااروم .. تعبت .. لييييييش ..؟؟ ما أستااااهل منه كل هذاااا .. شوه ذنبيه يوم حبيته .. ليش يدوس ع قلبيه .. و يستغلنيه ..؟
.
.
خبرتوا حدٍ يبكــي على واحدٍ يبكيه؟ .. و خبرتوا حدٍ مسجون و ما يبغي افراجه ؟..
أحبه .. و لا بغظته على شيٍّ يسويه .. و لا زالـــت رقـــاب الرجــا فيه منعاجـه ..*
.
.
راحت تصارع احتضان وديمة لترفع وجهها المتورم المغرق بالدمع ..
- وديمة .. ليش ما يحبنيه ..؟ أنا شوه قاصرنيه .. عطيته كل شي .. حتى قلبيه داس عليه .. أناا ,, أنااا مااباا منه شي .. بس لا يجرحنيه زود .. و الله .. و الله ....
ثم انفجرت في عويل مريع .. مزق نياط قلب أختها ..
- و الله ايينيه الموت من حركاته و رمسته .. حرااام عليه .. ما خذ لي يباا ..؟ أناا هب قدّه .. ماروم لواحد شراته .. هذا شايف الدنيا و شابع منها .. ماخذنيه لعبة .. و باكر بيفرنيه .. تعرفين ليش مخلنيه الين الحينه ..؟ يبا يكسر راسيه لنيه اتحداه .. و انتي تبينيه اتقرب منه ..؟؟ عادي ترى يحس بالملل و يطلقنيه ..
ثم أمسكت بيد وديمة التي تحاول احتضان رأسها لتبعدها ..
في لحظة الانفجار تلك لم تكن تريد أن يلملم بعثرتها أحد ..
لم تكن ترجو سوى التلاشي بعيدا عن كل الجنون الذي يسكنها ..
راحت تضرب يسار صدرها بعجزٍ حقيقي ..
- بس أنا أستاهل لي يستوي بيه .. أستاهل زود .. و الا حد يحب واحد ظالم شراته .. هذا ما فيه من الانسانية شي .. كيف فواديه يعصانيه ..؟ أحس بالقرف من عمريه ..؟ ما لومه يوم قال بهيمة .. ثرها الا البهايم لي تحب الذل .. الله ياخذ هالقلب و أرتاح ..!!
عضت وديمة شفتها السفلى .. و دموعها لم تعد ملك يمين الكتمان ..
- لااا .. حور .. استغفري ربج .. ما ايوز تمني الموت .. خلاااص .. قلنا توكلي على الله .. هو بيصلح الحال .. ليش تحبين تقلبين فرحتج نكد .. ؟لااا تغدين مأساوية كذيه .. عيشي هاللحظة .. انسي غيث و اللي سواه .. بس خلاااص .. بالله ما تعبتي من الهم .. ردي حور لولية و لو لحظات .. اظهري من حزنج .. افرحي .. و فرحي لي تحبينهم وياج .. عيشي اللحظة .. لاا اتفكرين .. لا بماضي .. و لا مستقبل ..
ثم همست بحنان دامع .. أرهق أحاسيس حور ..
- خلي الحلم يحتويج و لو مرة ..!
عيشي اللحظة ..
عيشي اللحظة ..
عيشي اللحظة ..
.
.
و اذا مضت اللحظة بعد حين ..
ما الذي قد تعيشه و يسكنها خلا فراغٍ ..
سيقتلها ..!
من عمق تخاذلها انتشلتها كف وديمة و هي تعتصر كتفها .. تقول بلهفة مفاجئة ..
- حووور .. حوووور ..
رفعت حور عيناها الذابلتين نحوها بسرعة .. لكن كف وديمة انزلقت على طول ذرعها بسرعة .. و هي تمسك بيدها .. لتريحها على بطنها .. و عيناها تبعثر الحزن بعيدا .. و شيء من الأمل الكسير يزحف لمآقيها ..
لوهلة لم تدرك حور ما مقصد وديمة من ان تدفعها لتحسس بطنها المنتفخ ..
لكن في الثانية التالية .. هدرت نبضات قلبها بجنون ..
و أهدابها المبتلة ترفرف بقوة .. تنفض عنها الدمع الثقيل ..
ليتقاطر بعيدا عن نوافذ الروح .. التي شرّعت فجأة ليتسلل إلى الداخل احساسا آخر .. بعيدا عن اليأس الي يكتنفها في تلك اللحظة ..
قبل أن تتعثر احرفها غير مصدقة .. و هي عاجزة عن جذب يدها التي التصقت بتلك التموجات الغريبة ..
- يتحرك ..!! يتحرك .. ودوووم .. يماااه ..!!
ثم ألصقت يدها بصدرها .. و هي تشير بيدها الأخرى نحو بطن اختها البارز التي شدّت ثوبها عليه لتظهر حركة الطفل القوية ..
- وديمة شوفيه .. تشوفينه ..؟؟! تبيّن الحركة .. يا الله ..!! سبحان الله .. سبحان الله .. شوفي وديمة .. يميييه ..!! وديمة .. شوه تحسينه ..؟؟ يعورج .. ؟
و بضحكة دامعة بدت غريبة للغاية .. و هي تترنم بها وسط أشلائهن التي تناثرت منذ دقائق على الأرض ..
- هههههههه .. لا ما يعوّر .. لمستيه حور ..؟؟ حسيتي به ..
انطفأت عيني حور بشيءٍ من الخوف .. و هي تشير بسبابتها ..
- وقف ..!! وقّف .. ما يتحرك .. بسم الله عليه .. وديـ ...
قاطعتها وديمة .. و هي تنفض ثوبها ..
- عادي حوري .. هو يتحرك شويه بس .. هب دوم ..
تقطعت الكلمة من بين أنفاسها و هي تهمس غير مصدقه ..
- لمسته ..! يتحرك بقو ..!
كان خد حور لا يزال نديا من طوفان الدمع الذي سكبت ..
و كأن الرب شاء أن يسوق لها شيئا من الفرحة وسط هذه الأحزان ..
يزرع فيها لذّة الاحساس بتلك الروح التي ستحتويها قريبا ..
رحمة .. انتشرت في داخلها ..
فردت أطرافها لتغشى روحها .. و تغطي أي احساس آخر ..
رحمة .. و أنس غريب تملّكها .. و هي عاجزة عن انتزاع نظرتها عن بطن وديمة ..
ضمّت كفيها لصدرها .. و يقين يداهمها فجأة ..
شيء من الحقيقة راح يتغلغل في داخلها ..
قريبا سيصبح بطنها بهذا الحجم ..
أشهر فقط ..
و ستتحسس احتجاجات ذاك الكائن الذي ستضيق به نواحيها ..!
و أغمضت عينيها بقوة تختبئ في الظلمات القابعة خلف جفنيها ..
إلا أن صورة واحدة بزغت من العدم ..
صورة قدمين صغيرتين للغاية .. لا يتجاوز طولها الانشين ...
تلك البشرة الثلجية مخمليّة الملمس ،،
و عبقت في أنفها رائحة من العدم ،،
خليط من الطهارة و البراءة ..
و راح شيءٌ بعذوبة تلك الصورة يسري في عروقها ..
شيء ملأ الظلمات التي حاولت أن تدس روحها فيها نورا ..

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
قديم 23-05-09, 06:10 PM   المشاركة رقم: 870
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الاسطوره


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 71967
المشاركات: 63
الجنس أنثى
معدل التقييم: ليتني غريبة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 13

االدولة
البلدUnited Arab Emirates
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ليتني غريبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

أن يندفع المرء خلف المجهول .. هو بحد ذاته لجنون مطبق ،،
الهرولة نحو العدم ..
نعم هذا ما تفعله ..
و هذا ما تملكه ..
العدم ..
لا تحمل في جعبتها .. سوى رسالة قد يكون مرسلها نسي أنه بعثها يوما ..
لا تدري لها معنى .. و لا هوية صاحبها الحقيقية ..
و لا مقصده منها .. و لا حتى مغبة اندافعها بهذا الشكل خلفها ..!
لكن الأمر الذي أرقها ليالٍ طوال ،، علمت أنه على وشك أن ينتهي ،،
الخيط الوحيد الذي تملكه و قد يوصلها لقلمٍ غرس رأسه في روحها بحدّة .. و جُر عنوة ،،
ليمزق قناعاتها دون حق .. على وشك الانقطاع ..
لتجد نفسها مجددا على جانب المجهول .. ذات المجهول الذي تسعى خلفه الآن ..
فرق أنها تقف أمام الباب الأصم لمفتاحٍ قد تجد خلفه تأويل ما يحيّرها ..
فيما ذاك المجهول الآخر .. هو انعدام الاحساس الذي خلّفته كلمات الحر في نفسها سابقا ..
وقوفها الحائر وسط الممر و تأملها العاجز للباب المغلق .. أشعرها فجأة بأنها مثيرة للريبة بشكلٍ ما ..!
و عينيها الواسعتين تختبئان خلف نظارة شمسية كبيرة لا لزوم لها ..
سوى أنها تشكل حاجزا هشا لأي عينٍ على وشك النفاذ لروحها ..
نداءٌ بمكبر الصوت انطلق من مكانٍ ما لينفض أوصالها .. فترتعش ..
لن تبقى واقفة هكذا لما تبقى من عمرها بالتأكيد ..!
و رفعت يدها بصعوبة نحو الباب فيما تشعر بأن الخشية و الترقب أثقالٌ تتدلى من رسغها تعيقها و تحذرها مما هي مقدمة عليه ..!
لكن قبل أن تخدش نعومة أناملها الباب ..
كان الباب يفتح فجأة على اتساعه أمامها ..
و كأن من يقف خلفه يرتقب فقط أن تجرؤ على الاقتحام ليباغتها ..
علّقت الصدمة يدها لثوانٍ في الهواء .. و شقّت فمها لتدلي بفكها في شيءٍ من البلاهة ..
فيما اتسعت أحداقها المثقلة بالكحل من وراء نظّارتها ..
فتّشت لوهلة عن نفسين تزرع بها ثباتا في نفسها .. و نظراتها تنبش الوجه الأسمر النحيل ذو الخدين الغائرين .. و العينين الجاحظتين المتضخمتين من خلف زجاج نظارة طبية سميكة ..
عينين تضاعف حجمها و تحديقها الفج ملايين المرات مع الزجاج المكبّر ..
ما أفزع عوشة لثوانٍ و هي تشعر بانها حشرة .. تحت مجهر ..!
لكن سرعنا ما تحوّل المتفرج النحيل إلى الحشرة .. و هي تطالع نحول الجسد الماثل أمامها .. رافعة أنفها قليلا في الهواء بتكبّر معتاد ،،
راحت تختبئ خلفه عن النظرة الفضولية التي راحت تستنطق حضورها الغريب ..
لم تمنع شفتها من الالتواء تتأمل الثوب الأصفر الخفيف الذي استرخى باستسلام يستر ضئالة جسدٍ انحنى ظهره قليلا و هو يقف بطريقة غريبة .. رافعا رأسه بميلانٍ فظ يطالع وجهها الفاتن الذي زخر بأفخر تعابير الاشمئزاز و الترفع .. و صوتها الرفيع يتساءل بخيلاء ..
- منوه انته ..؟!
ابتسامة بلهاء طبعت على وجه الرجل الأسمر ،، فيما لوت هي شفتيها تمعن النظر لوجهه الغريب اللون .. لم يكن سماره اعتياديا اطلاقا ..!
كان شاحبا للغاية .. مع شفتيه الرقيقتين زهريتي اللون ..
بدا و كأنه مغطى بطبقة رقيقة من السخام رمادي اللون .. و شعرت بأنها لو مررت اصبعها على جلده ستخلف خطا ممسوحا يظهر أسفله لونه الحقيقي ..!
ثم فجعت بقوة .. و اتسعت احداقها حتى اوشكت على التشقق ..
حين تقطع من حنجرته صوت رجولي عميق بدا ابعد ما يكون عن تلك الملامح المهزوزة ..
- أأأناا .. ممــ ممنووه ..؟ اا ..اننـ.. ااننتي للي .. ممننوووه ..؟
و رغم حقه في السؤال .. بدا مرتبكا فجأة و هو يسألها .. و يبعثر نظراته في كل اتجاه بعيدا عن الصدمة المتجلية على ملامحها المستنكرة ..
صدمة عظيمة اجتاحتها .. لتنحسر ببطء حاملة معها شيئا من الحماس و مخلفة وراءها خيبة عميقة لم تدرك لها سببا ..
أ هذا الكائن الغريب الذي بدا شاذا عن كل ما حوله هو من كانت تترنم بعمق صوته متجاهلة تحطم الاحرف على شفير لسانه طوال الشهر المنصرم ..
لا تصدق بانها كان تضيع كل صباح في طرق ابواب الصمت تستحث صوته راسمة ملايين الاخيلة له ..
هذا الشيء لو صادفها يوما ما كان لها ان تراه الا لو تعثرت به ..عضت نواذجها و هي تبتلع أول مفاجئة ..
الزخارف المشبعة بالكريستال الرقيق اللامع راح يتبارق بجنون في عينيه من كم عبائتها المتدلي و هي ترفع باصبعين غطاء شعرها الذي انزلق قليلا بلامبالاة ..
من هذا ..؟!
و ما علاقته بذاك الحر ..؟
يعمل لديه ..؟ أم هو قريب له ..؟!
أ يعقل أن يكون هذا الشيء مرافقا له ..؟!
ربما كان قلم حر هو المريض الذي يشغل هذه الغرفة ..!! ألم تدر في خلدها هذه الفكرة ملايين المرات ..؟
التوت شفتها بشيءٍ من القرف ..
تفضل الموت وحدةً على أن يرافقها هذا الشيء في ساعات وجعها ..
وجهه الكئيب لن يزيدها إلا مرضا ..
ملامحها المترفعة بعثرت ثقته و هو يقف منزويا قليلا .. و يكاد يختفي تحت عتبة الباب ..
لينسى السؤال الذي ألقاه توا أمام تجاهلها .. و يبتلع ريقه بصوتٍ مسموع ..
- تتــ.. تببين الـ.. الــ... الـــوالللدة ..؟
والدة ..؟
و اتسعت عيناها بشيء من الحيرة و هو يلوح بيده نحو الباب متمتما بشيء يشبه الحرج ..
- تتــ .. تتتـ ... تترراااهاا و .. واا وواا ... وااعية ..
ثم تراجع خطوتين للوراء لعود للغرفة التي كان سيتركها للتو ..
أما هي فانتابها شعور الماشي في حقل الألغام ..
مفاجآت متعاقبة ..
و لا تدري أي منها قد تطيح بها ..
امرأة ..!!!!!
ساكنة الغرفة كانت امرأة
كم مرة فكرت بأن القابعة في غرفة المجهول تلك هي أنثى ..؟!
و لا مرّة ..
إمرأة ..!
ان دخلت الآن اليها ..
ما الذي ينتظرها .. او الأحرى ما الذي ينتظرونه منها ..
أتقوم بالتعريف بنفسها ..؟!
أم عليها السؤال عنه .. أم ماذا ..؟!
تخيلت لو انها تدخل لامرأة مجهولة لا تعرف عنها و لا عن صاحب الرسالة شيئا ..
لتقول بنبرة فارغة حمقاء ..
( مرحبا .. أبحث عن قلم حر ..)
أي جنون سيحوم في هالة حول رأسها بنظرهم ..
تبا ..!
ما بال الأمور تزداد تعقيدا ..
ابتعلت ريقها و رفعت ذقنا يرتجف في وجهه الغريب ..
لن تتراجع الآن و قد بلغت هذا المدى ..
خرج صوتها الناعم من حنجرة جافة و قد بدأت تفقد بعض الثقة ..
- درب شوية .. بحدر ..
و لوحت بأناملها الطويلة في وجهه في تكبّر جلي ..
قبل أن يتلفت حوله لثانيتين بغباء .. ثم يخرج من الغرفة مسرعا بطريقة خرقاء ..
لا تدري لما أورثتها شعورا بالغا بالشفقة و الرثاء ..
أعادت نظرها للباب المفتوح و صوتٌ عميق لأمرأة يأتيها من الداخل ..
- يابر ..؟؟! يـــــــابر ..؟!
جف حلقها و هي ترى الرجل يمشي بخطواتٍ غريبة مبتعدا في آخر الممر ..
تاركا اياه تقف على عتبة الحقيقة الاخيرة ..
هل هذه هي نهاية البحث المطول ..
أم أنها البداية فقط ..
تباغت التردد بخطوتين للأمام ،، تدهس بهما أي تعقل متأخر قد يداهمها ..
لتكتسح المجهول بقدميها ..
تتجاوز الباب ببطء .. و عينها تستقرئ الجدران ..
لتجد أنها تجاوزت الممر القصير .. تقتحم هدوء الغرفة ..
لتصطدم عينيها من خلف النظارات بجسد إمرأة يحتل السرير .. بدت متقدمة قليلا في العمر ..
وجه المرأة طالعها بشيءٍ من الفضول و العجب .. قبل أن تنتزع عوشة نظارتها و تدسها في حقيبة يدها الضخمة المتدلية من ذرعها ..
ابتلعت ريقها قبل أن ترفع صوتها قليلا ..
- مرحبــــــا ..
هذا كل ما كانت تحمله ..
و لا كلمات لديها لتعقب بها هذه الكلمة ..
انحنت المرأة على الطاولة المجاورة للسرير .. لتلتقط نظارة طبية سميكة .. و تدسها فوق أنفها لتطالع عوشة من وراء زجاجها ..
برقت عينيها .. و ابتسامة بطيئة تشق وجهها ..
فيما صوتٌ عميق واثق ينبثق من حنجرتها ..
- مرحبا مليون .. حيا الله عوشة ..
و تعثرت أنفاس عوشة بصدمة .. و هي تطالع وجه المرأة الأسمر .. بنظارتها الضخمة .. و ابتسامتها الخفيفة ..
و شعور يتملكها بانها لا تراها للمرة الأولى ..
سبق و أن التقتها ..
أين ..؟!
أو بالأحرى .. متى ..؟!
قبل أشهر ..؟ سنوات ..؟!
ام حيــــــاة أخرى .. جمعتها بها ..؟!
ابتلعت عوشة ريقها و هي تستوعب الأهم ..
هذه المرأة تعرفها ..!! لقد نطقت باسمها توا ..!
و أصبحت ابتسامة المرأة أكثر ثقة أمام ذهول عوشة المطلق ..
- توقعتج اتزورينيه قبل شهر .. هب في آخر يومين ليه هنيه ..
جف حلق عوشة .. و تبخرت الكلمات من ذهنها ..
و كانت تنتظرها أيضا ..!!
ما أدراها بانها تعرف هذا المكان ..!
شحب وجهها بقوة .. و هي لا تزال واقفة في مكانها .. تقول بحذر مصدوم ..
- قلم حر ..؟
و لا زالت الابتسامة تعلو الوجه ذو التجاعيد الداكنة ..
- بلاه قلم حر ..؟
ارتجفت الكلمات على لسان عوشة .. و قد بدأت تفقد ثباتها بحق ..
- اانتي ..؟ انتي قلم حررر ..؟؟؟!!!!
لكن المرأة لم تجيب .. بسمتها المغيظة معلقة على شفتيها الباهتتين .. و هي تشير للطاولة التي توسطت الغرفة ..
- بلاج يا بنتيه واقفة ع الباب .. قربي .. و قربيليه دلة القهوة السودا هاييك .. الله لا يهينج ..
دلة قهوة ..؟
ظلت عوشة للحظاتٍ طوال تطالعها دون أن ترمش .. قبل أن تميل المرأة رأسها بحذر ..
- عوشة ..؟
انتفضت عوشة .. و خرج صوتها حادا في ردٍّ فوري ..
- انتي من وين تعرفيني ..؟
تملقتها بابتسامة اخرى .. و يدها لا زالت تشير ..
- قربيليه القهوة .. و أخبرج ..
نظرت عوشة للدلة المقصودة بعدم فهم ..
هي الآن في موقف مجنون .. تصارع أحاسيسها .. و ما تجابه ..
و هذه المرأة ترغب في شرب القهوة ..
لكن رغما عنها وجدت أنها تتقدم بخطواتٍ بطيئة .. نحو الطاولة .. تلتقط الدلة السوداء .. و تضعها على طاولة السرير ..
هكذا أصبحت دانية من ذاك الوجه الغريب ..
و تبينت تجاعيدا أكثر نقشها الزمن على ملامحها الكئيبة ..
تجاعيد زادتها بابتسامة .. و هي تشير مجددا للطاولة ..
- فنيال فديتج ..
صَلَبَت عوشة ابتسامة المرأة بنظرة متكبّرة ..
لكن الابتسامة اللطيفة لم تهتز .. لذلك ابتعلت عبارة – هب خدامة أبوج – و دفعت قدميها مجددا لتلتقط فنجانا .. و تمده لها بشيء من العنف ..
أوحى برغبتها في قذفه في وجه المرأة المسالم ..
بحبور راحت المرأة تصب فنجانا من القهوة لتمده لعوشة التي رفعت حاجبها ببرود ترفض القهوة ..
و المرأة تثرثر بهدوء ..
- تقهوي ..؟! ما تبين ..! ما عليه .. استريحي يا بنتيه .. هاتي هاك الكرسي هنيه و يلسي عليه ..
لكن عوشة لم تهتز و هي ترى المرأة تراوغ سؤالها الأسبق .. فترد بزدراء ..
- مرتاحة في وقفتيه .. من وين تعرفينيه ..؟
ارتشفت المرأة قليلا من فنجان القهوة بتلذذ واضح .. تتجاهل السؤال للمرة الثانية ..
- هممم .. هيييييه .. و الله ان القهوة اترد الروح .. انا ما تعب قلبي الا يوم امنعونيه منها ..! كيف يبونيه أرتاح .. و أنا الصوع يصك راسيه صك ..
قطبت عوشة بقلق من كلماتها ..
لقد أعطت مريضا محفزا خطرا للتو ..!
لكن سرعان ما استوعبت أن المرأة .. تتجاهل أسئلتها للمرة الثالثة ..
فعادت للسؤال الأول ..
الأهم ..
بصوتٍ متحجر .. و نظرة باردة عجزت اخفاء خوفها من الحقيقة خلفها ..
- انتي قلم حر ..؟
لاح المكر من وراء النظارة الغليظة ..
- من اللي يرقبج ..؟
بهتت ملامح عوشة ،، و هي ترد بعد ثانيتين من صمت ..
- من دعانيه ..!
و جف حلقها .. و هي تتمعن في الملامح الغريبة ..
- يعني .. آآ .. انتي .. انتي ..
و لم تستطع التلفظ بذاك اللقب مجددا .. و هي رأت المرأة أن عوشة تكاد تختنق بأحرف تحتشد في حلقها ..
أومأت بشفقة ..
- أنا لي طرشت الرسالة ..
كانت عوشة تطالعها بصدمة ..
و صور تنهار في داخلها ..
كل ظلٍّ رسمته لذاك الحر .. راح يتهاوى أمام هذه التجاعيد السمراء ..
آخر ما خطر ببالها أن يكون الحر إمرأة ..
و أي إمرأة ..!
كانت ساقيها أكثر ضعفا الآن .. و شعرت بنظرات المرأة الثقيلة تلتصق بوجهها ..!
ذاك الوجه القوي .. و القامة الممتدة ،، و الصوت الغامض الذي لطالما ملأت مخيلتها ..
تبخرت فورا أمام هذه التجاعيد الباهتة ..
صفعت عوشة بسخافة مخيّلتها .. و المرأة ترتشف فنجان القهوة الثاني بهدوء ..
تنتظر بصبر أن تُرغم عوشة نفسها على ابتلاع الصدمة .. و الاخيرة تهمس بشبه خيبة مؤلمة ..
- لـيش انزين ..؟
و ارتد صدى السؤال ملايين المرات في جوفها ..
لماذا اذا كتبت تلك الكلمات المجحفة ..؟
اذا كانت امرأة مثلها .. ؟
ألم تفهم احتياجاتها و ذاك الضياع الذي اجتاحها ..؟
ابتلعت ريقها بصعوبة .. و صوتها يخرج مبحوحا ..
- ليش كتبتي هاييك الرسالة ..؟ ليش ما رديتي رسايلي عليّه و اعتذرتي و بس ..؟ ليش الحينه تطلبينيه أييج و تقولين ترقبينيه فوق الشهر ..؟
الحقيقة أن أهم سؤال تلفظت به هو الأول ..
شعرت فجأة بأن حياتها معلقة بالاجابة عليه ..
و في أعماقها ..
اوقدت شعلة هزيلة ..
ترتعش من قسوة المشاعر التي راحت تعصف بها ..
رغم ذلك راحت تتقد شيئا فشيئا .. تزداد حُرقة ..
طيف حرجٍ ألقي ظله على وجه المرأة التي طالعها .. و هي تتنحنح قبل أن تقول ..
- و الله يا بنتيه .. أنا علشان هالشي طرشت لج الرسالة و طلبتج تيين ..
هزت عوشة رأسها ..
- كيف عرفتينيه أصلا أول ما دخلت ..؟!
ابتسامة صغيرة علت شفتي المرأة ..
- هب أول مرة أشوفج فيها ..
قطبت عوشة تسأل بحذر ..
- قد شفتينيه من قبل ..؟ أنا ما أذكر انيه شفتج في مكان ..
ارتفعت شفة المرأة بسخرية باهتة ..
- شفتج ..؟ انتي صدمتينيه مرة في ممر الجريدة ..
تفكير عوشة المشلول لم يستطع استحضار أي ذكرى من هذا النوع في ذهنها ..
فاكتفت بالهمس ..
- ما أذكر ..!
ثم ابتلعت ريقها .. و كلها لهفة لإجابة تجاهلتها المرأة للمرة المليون ..
- انتي ليش رديتي عليه بهاذيك الطريقة يوم راسلتج ..؟ ليش طرشتي هاذيك الرسالة ..؟
ابتلعت المراة ريقها و قد بدا الاضطراب فجأة على وجهها .. و عوشة تندفع قائلة ..
- انتي كتبتي رمسة ثقيلة بالمرة ..من وين عرفتينيه عسب تكتبينها ..؟ أنا كنت بالنسبة لج مجرد اسم .. ما تعرفين أي شي عنيه .. ما يحق لج تهاجمينيه بهاييك الطريقة لنيه بس طلبت رايج في كتاباتيه ..
نظرت لها المرأة بثبات الآن ..
- لا أعرف .. سألت عنج شخص قريب منج ..
اعتصرت أناملها مقبض الحقيبة .. و انغرست أظافرها الطويلة اللامعة في الجلد الفاخر .. و هي تسأل ببهوت ..
- شخص قريب منيه ..؟! منوه هالشخص ..؟!
رشقت المرأة اجابتها الهادئة أعصاب عوشة لتشجّها بقسوة ..
- حصة الفضل ..
انقطعت أنفاس عوشة لثوانٍ تستوعب الاسم ..
ثم داهمتها ضحكة مجنونة .. كبحتها بعنف .. فيما يدها ترتجف ..
- حصة الفضل ..؟ حصة العانس ..؟
تلك الحشرة الطفيلية التي تقتات على الأوراق في المكتب المشترك ..
قطبت المرأة باستياء .. و هي تقول بهدوء ..
- حصة بنت خالتيه .. و أظن انها مالكة هب عانس مثل ما تقولين ..
فجعت عوشة بما سمعت .. و راحت تكرر بصوتٍ مهزوز ..
- بنت خالتج ..؟ الحين انتي سألتي عنيه حصة الفضل .. و غديتي تعرفينيه ..؟ كتبتي هاذيك الرسالة ع أساس الأشياء لي كانت هي اتقولها لج ..؟
سحبت المرأة نفسا عميقا و هي تقول ..
- انتي بس لو تعطينيه فرصة أشرح فيها لي ابا أقوله .....
كانت عوشة تشعر بغصة عملاقة .. و المفاجآت تتوالى عليها ..
فيما تتنحنح المرأة مجددا ..
- الرسالة لي كتبتها لج .. كانت وايد قاسية .. أنا أدري .. لكن رسايلج كانت توصلنيه في فترة كنت تعبانة فيها نفسيا .. ولديه يابر .. آحم .. هو توه ظاهر يوم كنتي حادرة مادري لو شفتيه .. عقب ما عظه كلب مسعور كانوا الدكاترة خايفين من العدوى و لو ان الأعراض ظهرت عليه قبل لا المصل يلعب دوره كان قد مات .. لكن لحقنا عليه قبل ظهور الأعراض ..
تصلب ظهر عودة و هي تقول ببرود ..
- و أنا شوه اللي يخصنيه في هالموضوع ..؟
وضعت المرأة فنجانها على الطاولة المجاورة .. و هي تتابع ببرود ..
- أنا هاييك الفترة لي كنت أتابع رسايل القراء ..
ماذا تقصد بتلك الفترة ..؟
قطبت عوشة و هي تترجم تفكيرا لكلمات ..
- بس هاييك الفترة ..؟ و في العادة من اللي يتابعها ..؟
أجابت المرأة ببساطة ..
- يابر ..
احتقن وجه عوشة باستنكار ..
- الحين هذاك اللي كان يرد على رسائل القراء ..؟!
و حمدت ربها بان رسائلها وقت بيد هذه العجوز .. و ليس تحت ناظري ذاك الشيء ..!
- شفتيه انتي ..؟! هيه هو لي كان يرد .. بس يوم تعب أنا قمت أرد عليها .. و رسايلج .. كانت وايد اتييينا .. و تلح علينا .. و نفسيتي كانت في الحضيض .. أنا ما أدري كيف كتبت هاذيك الرسالة .. بس من زود ما كنت متضايقة و زاد لي سمعته من حصة .. كتبت كلام ما كنت اعنيه ابدا لمجرد انيه كنت متضايقة و ابا افش غلي في شي مثل ما يقولون ..
تهاوت عوشة على الكرسي اليتيم الذي كان في الغرفة ..
صدمة شلت تفكيرها و هي تطالع احساس الذنب الكريه يملأ وجه المرأة ..
تردد بهمس مصدوم ..
- تفشين غلّج ..؟
و شعرت بوتدٍ يثقب قلبها ..
لو ان المرأة قالت فقط أنها عنت الكلام و لكن قست في الاسلوب ..
أو حتى أشارت بأنها لا تكترث ان أصابت عوشة في مقتل .. و ان جرحتها .. لأنها عنت الكلام ..
و لأنها وجدت أن هذا ما يجب أن يقال ..
لكن أن لا يعدو الأمر كونه – فش غل - .. أي أن تلك الحربة التي أتت ملفوفة ببياض مرسلة لها عبر بريدها الالكتروني ..
تلك التي خزّت روحها بعمق مأساوي .. أنهى آخر رمق من ثقتها بمجريات .. و مجديات حياتها ..
لم تكن أكثر من كلمات غاضبة من امرأة لا تقصدها ..
لا تعنيها ..
و أوشكت مجددا على الضحك ببكاء مفجع ..
أ لهذه الدرجة كانت مكشوفة ..
لتصيبها كل رمية غير مقصودة ..؟!
تلك الكلمات التي تعتذر عنها هذه المرأة ..
كانت الحقيقة المجردة .. و لا شيء آخر ..
رغم أنها لم تكن سوى زفرات ضيق غير معنية ..
الا أن عوشة اختنقت بها ..!
ما أوجعها .. و أكثر ما أوجعها ..
أن تكون تلك الكلمات غير مقصودة ..
أن يكون ذاك الأذى الذي مزق روحها مجرد تفريغ عن ضيق الغير ..
و لم يكن المقصود منه اصلاح حالها أو انهاء التيه الذي تتخبط به ..
لم تكن تلك الصفعات التي وجّهت لها .. سبيلا لايقاظها على واقعٍ تتلهى عنه كما أيقنت في داخلها رغم استيائها ..
الآن هي تنتفض من الصدمة المؤلمة التي تجتاحها ..
و قدميها تهتز تحتها ..
توشك على التهاوى ..
راح صوتها الهامس يردد الكلمة اللامعقولة .. بوجعٍ هادر ..
- تفشين غلّج ..؟ تفشين غلّج ..؟
بدا الحرج على وجه المرأة ..
و لثانية .. بدت كطفلة مذنبة و هي تنزل ناظريها لحجرها بخجل ..
لكن عوشة فجعت بما سمعت .. فانهدت حواجز العمر و أسوار الاحترام الذي لم تعرفه يوما ..
- بالله عليج ..؟ بس كنتي تفشين غلج ..؟ أفاا عليج ..! عادي و الله .. ترا ما استوى شي .. مول ما استوى شي ..
ثم التفتت بعنف للمرأة و هي ترفع صوتها بغضبٍ متألم ..
- ما استوى شي غير انج عفستي حياتيه فوق حدر .. و تقولين ما كنتي قاصدة ..
ثم انفجرت الكلمات ..
راحت تنهال ..
تنهمر مطرا غاضب ..
ملامح الفتنة تتلوى بانفعال مهزوم .. متألم .. يكافح صارخا ..
- حتى لو كنتي قاصدة .. انا ياية أقولج اليوم انتي منوه عسب تحكمين ع الناس و انتي ما تعرفينهم .. منوه عطاج الحق تكتبين هاييك الرمسة و انتي ما تعرفين شي عنيه .. عن أحلاميه .. طموحاتيه .. عن ظروف حياتيه .. عن أحزانيه .. منوه لي نصبج حكم ع مشاعر الناس .. الحياة لي انتي شفتيها فاضية .. و ما تستاهل حد يعيشها كانت حياتي انا .. حياة انتي ما تعيشينها .. و ما تعرفين تفاصيلها .. تقولين سألتي عنيه ..؟ و حد قريب ..؟ حصة الفضل أكثر شخص أكرهه في العالم .. و أعرف انها ما ادانينيه .. اكيد ما بتزكينيه .. هي ما تعرفنيه أصلا .. كيف تحكمين عليه انتي وياها ..؟!
كانت تشد قبضتها على يدها .. و دمع مفاجئ راح يلسع عينيها .. اللتان احمرتا بقوة .. فيما صوتها يتهدج .. و هي تكافح انكسارا عميقا .. راحت شقوقه تمتد في روحها ..
متعرّشة ..
تضعفها ..
- انا ياية أسالج .. أبا سبب واحد يخليج تكتبين بهاييك القسوة .. بدل لا تردين رسايليه ويا نصيحة بدون اهانات .. و آخر شي تقولين انج تفشين غلج لن نفسيتج تعبانة ..؟! انتي بأي منطق تفكرين .. احزانج المهمة .. و الباقي بالطقاق ..؟ و الا لنج كتبتي مقالين في جريدة غديتي أكبر من العالم كلهم .. و أفهم منهم .. انتي .. انتي ..
و ابتلعت غصتها ..
- أنا كنت ضايعة يوم طرشت الرسايل .. كنت أرقب نصيحة من شخص لأول مرة في حياتيه شفت ان فيه شي يتجاوز المظاهر .. كنت محتاية كلمة .. توعية .. حتى لو سكوت ما عنديه خلاف .. لكن لي وصلنيه كان شي هد حياتيه بكبرها .. انتي شرحتينيه .. و خليتينيه بلا قيمة .. قللتي حتى من قيمة الويع لي أحس به و من قيمة حياتيه .. و كل شي أسويه .. خليتينيه أحس انيه عايشة سبع و عشرين سنة بدون هدف .. و ان وجوديه غلط في هالحياة .. انتي كتبتي هاييك الرسالة و فشيتي غلج و خلااااص .. ارتحتي و تابعتي حياتج .. لكن أنا وقفت عندها و ما رمت عقبها أواصل ..
ثم هزّت رأسها و دمعتها توشك على الانزلاق ..
- انتي انسانة حقيرة ..
و فتحت المرأة عينيها بصدمة من تلك الكلمة ..
و عوشة تتابع بقهرٍ ممزق ..
- الحين شوه تبين ..؟ ليش مطرشة تبينيه ..؟
تنهدت العجوز بثقل ..
- ابا أعتذر .. الكلام لي كتبته ما قصدته ..
ابتسمت عوشة بوجع ..
- لا و الله ..!! صدق ..؟ ليش اتحرين السالفة بهالسهولة .. أنا ما عنديه خلااف .. بسامحج .. بس رديليه حياتيه لولية .. لامبالاتيه .. و تفكيري .. و روتيني .. انتي قلتي كلام ما تقصدينه . لكنه كان كل شي بالنسبة ليه ..
رفعت المرأة رأسها بأسى ..
لم تكن تتوقع عمق هذا الجرح الذي خلفته كلماتها ..
- يا بنتيه .. أنا قلبيه تعبان .. و ما أظمن أعيش اليوم و الا بكرة .. طرشت لج لنيه حسيت صدق بانيه قسيت عليج في الرسالة و الذنب و الله ما يفارقنيه .. خص انيه كتبتها عقب ما شفتج .. يعني الاسم لي كانت توصلنيه منه الرسايل له صورة حية في راسيه .. ما توقعت ان الرسالة يمكن تقلبج كذيه ..!!
رفعت عوشة ناظريها بقسوة ..
- و الله ما يهمنيه لو تموتين الحينه قدام عينيه .. الله لا يسامحج ع اللي سويتيه .. أنا مادري كيف كنت مخدوعة بقلم حر كل هالفترة .. آخر شي تطلعين شخص لا مبالي .. ما يشوف لمشاعر الناس قيمة .. ابا أعرف بس لو القراء يعرفون ان قلم حر المبجل بهالدناءة ..!!
عقدت المرأة جبينها باستياء ..
- و قلم حر شوه يخصه ..
رفعت عوشة رأسها رغم الألم الذي أثقل ملامحها ..
- خصه و نص .. دام انه طلع شخص منافق شراتج ..
و ابتسمت المرأة ..!!
أمام وجع عوشة المذهول .. برزت تلك البسمة الصغيرة الكريهة على شفتيها و هي تسأل ..
- و الحين انتي متأكدة بانيه قلم حر .. ؟ منوه لي عطاج هالفكرة ..
لثوانٍ طويلة .. انخرست الأحرف .. و لم تنطق عوشة ..
حين لم يتبين لها مغزى واضح من هذه الكلمات ..
- شوه قصدج ..؟
- قصديه انج فاهمة غلط ..
الآن أخذ الحذر زمام القيادة ..
- فاهمة غلط ..؟!
هزت المرأة كتفيها تقول بتعب ..
- انتي تقولين انيه قلم حر ..
الآن أتى الخوف يمشي على قدمين ..! لسبب لا تعرفه .. شعرت عوشة بالذعر مما هو قادم ..
- هذا الشي لي قلتي لي اياه ..
اتسعت عيني المرأة بعجبٍ هادئ ..
- انا قلت انيه قلم حر ..؟ حشى و الله ..
لم تستطع عوشة استعادة الحديث الذي تبادلته و اياها .. لم يسعفها عقلها الهائج في تلك اللحظات ..
لذلك لم تستطع الا أن تلفظ أحرفها متقطعة ..
- اا .. منوه اانتي ..؟
السؤال الصحيح الذي تطرحه للمرة الأولى ..
لتواجهها الاجابة الباردة ..
- نوال خميس .. دكتورة أدب و لغة عربية ..
ارتجفت عوشة ..
- انتي قلم حر ..؟!
لتصفعها الاجابة ..
- لاا ..!
وقفت عوشة عن المقعد ببطء ..
- انتي قلتي انج ...
هزت المرأة رأسها بهدوء ..
- أنا ما قلت شي .. روحج خمنتي هالفكرة .. سألتينيه اذا كنت قلم حر .. و قلت لج انيه من طرش الرسالة ..
شعرت عوشة بالدوار ..
هذا كلّه .....
بهتت الكلمات ..
و تعثرت الأحرف ..
- انتي قريتي رسايلي اللي ما كانت موجهة لج و لا يحق لج تطلعين عليها .. و رديتي عليها بهاذيك الطريقة الخايسة .. و آخر شي تطلعين انتي هب قلم حر ..
هزت رأسها بصدمة غير مصدقة ..
- انتي من شوه مخلوقة .. احاسيس الناس لعبة بين ايديج .. أصلا رسايلي كيف وصلتج و انا مطرشتنها لقلم حر .. و الا بالاساس منهو قلم حر ..؟!
فأتتها الاجابة زحفا الآن ..
تتربص بها منذ دخولها ..
تبلغها ..
فتلدغها ..
- ولديه يابر ..
لتنتفض روح عوشة انتفاضتها الأخيرة ..
قبل أن تسقط في قعر جوفها ..
منتهية ..!

* * * * *

- حور يا أميه .. شي فخاطرج ..؟ ويهج هب عايبنيه اليوم ..
اقتحمت شرودها تلك العبارة القلقة .. لترفع عينها اتجاه ذاك الجسد الضئيل ..
تناظر وجهها العتيق الذي انهكته السنون ..
يا الله ..
لن يغيب عن عيني هذه الحبيبة آثار فاجعة هذا اليوم ..
فاجعة ..!
و استعاذت بالله من الشيطان ..
هذه نعمة لن تكون بها جاحدة ..
عينيها المتورمتين فضحت مآسي نثرتها هذا الصباح .. و انفجار كبتٍ امتد لشهرٍ بارد ..
اغتصبت ابتسامة ذابلة في وجه جدتها .. و هي تصب لها فنجانا من القهوة تمده اليها ..
- لا فديت روحج .. ماشي فخاطريه .. بج عيونيه وارمات و حمر ..؟ هذا من الصابون دخل فيهن و أنا اخوز المكياج يوم رقدت به أمس ..
لا تعلم هذه الكبيرة ..
أن لها رجلا لا يستحق أن تتزين له ..
و تحترق انتظارا لحضوره ..
نظرة حانية سكنت عيني العجوز و هي تقول بعتب محب ..
- و حق شوه تسوين هالخربطان .. طاعي ويهج بلا مكياج .. حافظ عليج .. غرشوب ايي الزين عندها و يقول بس .. مادري شوه الزين لي تشوفونه في هالألوان لي تتصبغن بها ..
كانت المرة الأولى التي تواجهها جدتها بانتقاد ما .. دائما كانت تستسلم لكل ما حولها .. الخنوع كان طبعا متأصلا فيها ..
قبل أن تصفع بخيانة زوجها ..
أصبحت تعبر عن رأيها الآن .. و حور تلمس شيئا من القوة في تعابيرها ..
ابتسمت حور بصدق .. كثيرا ما تميل لهذه القوة الوليدة ..
ليتها وُجدت فقط قبل أن يرحل ذاك الفقيد ..
لربما كٌتب لها لقاء بطيفه حينها ..
- فديتج .. شوه نسوي .. شباب هاليوم ايحبونه .. و كل وحده تبا تغني ريلها عن الشوفة ..
ارتشفت الجدة قهوتها بهدوء ..
- غيث هب من شباب اليوم .. غيث ربيب الشياب .. و عوقه خط الكحال .. ما يحبهن هالخرابيط ..
اعتصرت فؤادها المرارة ..
لو تعلمين أنه لا - يحب - شيئا على الاطلاق الا نفسه ..
أومأت بهدوء .. تجاري جدتها ..
- خلااص فديت روحج .. امررة بودرهن .. ما بتشوفينيه أحط شي غير الكحال ..
ابتسمت العجوز بحب ..
- هيه .. يعلنيه هب بلاج .. يعلنيه أسد عوقج .. و أفرح بعيالج ..
و انتفضت روحها ..
الكثيرون قد يترقبون بذرة تنتج عن هذا الزواج ..
وحده من لا يملك الحماسة اتجاه الأمر ..
ارتجفت ابتسامتها الهزيلة .. ماذا لو انها تشعل شمعة من فرح في جوف هذه العجوز و تزف لها بشائر ما تنتظر ..
ماذا لو أنها تترك لها زمام إبلاغه بهذا الأمر ..
لا ..
لن تضيع فرصة مراقبة رد فعله الحقيقي دون رياءه و نفاق تمثيله ..
سترمي قفازها في وجهه متحدية رفضه ..
و سترى ما الذي قد يقدم عليه أيضا بعد نجاسته تلك ..
انتفضت بعنف حين داهمها صوتٌ آتٍ من لخارج منبها ..
- هووووووود هوووووووووود ..
و صوت جدتها الباسمة بحب يعيّر اطمئنانها ببعد لقاءه ..
- يا الله يعلنيه فدا هالحس .. الطيب عند طاريه ..
ثم رفعت صوتها المهزوز مع تبعثر أشلاء روح تلك القابعة أمامها ..
- هدااااا ,, اقرررب ..
شعرت بالدم يجف في عروقها .. و هي تطالع جدتها بعينين خاويتين ..
لا تريد أن تلقاه الآن ..
ليس قبل أن تعود روحها المضطربة لاستقرارها .. و تشحذ كل قواها في مراكز الدفاع ..
الصوت الأجش القادم من خلفها .. بعث شعورا مرعبا في أوصالها ..
حتى و هي تقف على قدمين مرتجفتين احتراما لقدومه ..
رغبة غريبة عصفت بها .. في أن تنطوي في أحد الزوايا .. تختفي من أمامه ..
لا تقوى الآن على مجابهة نظراته الثاقبة ..
قد يكشف ما تخفيه ..!
.
.
.
.
اختل هدوء نبضاته .. و هو يميز ظهرها ،، بجديلة طويلة ربطت آخرها بشريطٍ وردي طابق لون الثوب الذي ترتدي ..
تقف ببطء على قدميها تدير وجهها الصافي بعيدا عنه .. فيما تلتصق نظراتها بالأرض ..
يقطع هو المسافة بخطواته الواسعة .. و عينه تعود لتحتضن تفاصيل جدته الحبيبة ..
التي أشرق وجهها المجعد عند رؤيته ..
- مرحبااا .. مرحبااا الساااع ..
انحنى بطوله على ضآلتها .. و خيوط من حنان تلتف حول قلبه ..
فيما رحمة مؤلمة تجتاحه ..
يا الله .. !
كم أصبحت ضعيفة ..
جسدا .. و نفسا رغم قوّتها الزائفة ..
يقوى على حملها بيدٍ واحدة ..
و لن يشتكي ..
يقبّل رأسها المغطى فتعبق رائحة - مخمرية - أزلية عرفها مدى الدهر ..
و صوته العميق ينهمر على رأسها بدفء ..
- الله يرحبج ع فضله ..
ثم يجلس جوارها متربعا على الفراش الأرضي الموضوع في زاوية الغرفة ..
الفراش الذي لم تعد تفارقه كثيرا منذ سقوطها الأخير ..
و كأنما تأبى نفسها الطواف ببيتٍ أُسُسُه خدعة ..!
بيدٍ واحدة يقتلع - غترته و العقال - .. ليضعها جانبا .. و يحرك شعره الكث ليتنفس بعض الهواء ..
فيما تمسك يده الثانية بيدها يرفعها و يطبع عليها قبلة عميقة بحركة اعتاد عليها ..
و صوتها الهزيل يتخلخل مسامه ..
- شحالك فديتك .. ربّك بخير .. و المعونة ..
بدت ضئيلة للغاية أمام ضخامته المهيبة ..
و أوجعه تعب السنين الذي سكن مآقيها ..
نوعٌ من استسلامٍ كرهه .. شيء ينبئه بأنها لا تنتظر الا نهاية ..
رغم قوة باردة تتظاهر بها ..
فينكسر جبروته على يدي حنانها .. و هو يرد بحب خالص ..
- بخير يعلج الخير .. ما نشكي باس .. كفيتي المهونة .. شحالج .. شصبحتي اليوم .. رب الضغط زين ..؟
هزت رأسها تربت على يده ..
- له الحمد .. في نعمة .. الضغط زين .. عفرا قاسته و تقول زين ..
أطلق زفرة و هو يرد متفحصا اياها بحثا عن أي آثارٍ لتعبٍ تخفيه .. لتقابله شعله مهزوزة من صحةٍ تذوي ,,
- الحمد لله .. الحمد لله ..
ثم حوّل عينيه إليها .. ليسلّط أنظاره .. يقرأ تفاصيلها ..
فتختلج نبضاته ..
ليكرهها أكثر و أكثر كلما أدرك تأثيرها الكاسح عليه ..
الوجه الصافي المطرق تحتضنه خصلتين سوداوين التفتا أطرافهما لتداعب عنقها الطويل ..
لا ترفع عينيها اتجاهه .. .. تبعثر نظراتها في المكان .. فيما يستلّ هو صوته الغليظ .. موجها حديثه لها ..
- شحالج يا بنت حمد ..
فترد عليه بذات الرأس المطرق .. يخرج صوتها مبحوحا ..
خافتا ..
يدغدغ أوتار قلبه المتصلّبة برقّة ..
- بخير الله يعافيك ..
شعر بأن نبضاته تصدح في الأجواء .. و هو يقتلع نظراته الملتصقة بها اقتلاعا .. و يوجهها نحو جدتها .. متسائلا بهدوء ..
- أماية.. خذتي دواج ..؟
- لا بعدنيه .. بتغدى .. خلااف باخذه ..
قطب غيث و هو يلتقط فنجان القهوة الذي تمده له زوجته ..
- لا .. تاخذينه قبل الأكل ..
ثم التفت لحور التي كادت تمزق طرف - شيلتها - من فرط ما تعبث به و تلفه حول اصبعها .. بتوتر فاضح ..
ليأمرها ..
- حور هاتي ماي لأمي نورة .. و هاتي الكيس الأصفر لي بتلقينه في الثلاجة ..
ارتعشت نبرتها .. و هي ترد بسرعة ..
- ان شا الله ..
و دارت على عقبيها و هي تقف ،،
لثانية فقط استوعب الشي الذي افتقده ..!
لم تحتضن عيناه برود نظراتها .. و لم يرتشف البَرَد من عينيها اليوم ..
حتى صوتها الجليدي اهتز ببحة قديمة .. كان يعرفها ..
لسبب يشبه تعثر خطواتها المتوترة .. كانت تنأى بنفسها بعيدا عن متناول دقة ملاحظته ..
- غيث يا بوية ..
رد عليها بشرود و عيناه تطرد آخر أفاليل طيفها الذي اختفى في غرفة ملحقة بغرفة أمه نورة ..
- يا لبيه ..
- حور بها شي ..؟
اقتحم السؤال الهادئ تمعنه ..
ليسقط بثقله مكونا دواماتٍ و دواماتٍ من أسئلة ..
اذاً لم يكن يضخّم ايماءاتها كالعادة ..!
التفت لأمه بهدوء ..
- ما بها الا العافية .. ليش ..؟
هزت العجوز رأسها لتنظر الى الباب الذي اختفت حور وراءه ..
- ويهها هب عايبنيه اليوم ..
ألا تكثر الملاحظات مؤخرا حول انتكاس مزاجاتها ..!
لا تقابله الا برودا فكيف له أن يجد فرقا ..؟
- تقول انـ ......
و بترت عبارتها .. مع صوت تهشّم الزجاج القادم من الحجرة الملحقة ..
ليقفز غيث على قدميه دون شعور ..
و جدته ترد ..
- بسم الله .. بسم الله .. طاح الشر .. طاح الشر ..
و رفعت صوتها الهزيل منادية بضعف و هي تشد على مسبحتها .. مع قطع غيث للغرفة بخطواتٍ واسعة اتجاه الصوت ..
- حور ..؟!
كان قد بلغ عتبة الملحق الضيق ليجدها توليه ظهرها و تنحني على شيءٍ قرب الثلاجة القابعة في الركن ..
و صوتها يرتفع مبحوحا .. يرد على نداء جدته ..
- لبيه ..
و ترفع يدها قليلا تحتضن وجنتيها بيديها و هي تطالع سائلا أسود راح ينتشر أسفلها ..
- شوه لي كسرتيه ؟؟
اجفلت و هي تستدير له .. لتجد جسده يسد الباب ..
ترفع يدٌ مرتجفه تعدّل وضع - شيلتها - على رأسها .. و يدٌ أخرى تشير للزجاجة المحطمة على الأرض و قد سيّلت شظاياها سائلا ثقيلا راح يزحف ببطء ..
و ارتعشت نبرتها التي حاولت اخراجها ثابته و هي ترفع صوتها قليلا ..
- غرشة عسل .. مادري منوه حاطنها في باب الثلاجة .. اول ما بطلته طاحت ..!
قطب و هو يحني نظرته اتجاه العسل ..و يرد على سؤال جدّته عمّا انكسر ..
- غرشة العسل ..
ليأتيه الرد من جدّته فورا ..
- فداها ..
رد غيث عنها و هو يرفع نظره لحور التي كانت تلتصق بالجدار و نظراتها مثبّته على العسل المندلق أرض و بقايا الزجاجة المتناثر ..
- فداج اللاش ..
ثم وجّه نبرته لتلك المتصلبة بصوتٍ جاف ..
- تعورتي .. ؟!
لا تنظر إليه و هي ترد بصوتٍ أبح خافت .. ارتجف له قلبه ..
- لااا .. بس انكسرت ..
بدت الكلمة خرقاء بلا لزوم .. لكنّه رد عليها ببرود ..
- ما عليه .. الا عسل .. اظهري لا ادوسين عليها ..
و تحرك خطوتين للداخل يراقبها تتزحزح على مضض و تجر أقدامها تجاه الباب تقطع المسافة الضيقة ..
على يقين الآن بأنها ليست على ما يرام ..
لذلك يرتقب فقط ان تقطع ما تبقى بينهما من مساحة ليطبق بأصابعه الطويلة على ذقنها يستوقفها بقبضة محكمة و هو يرفع وجهها نحوه ناظرا إليها ..
فتتسع عيناه و هو يتنفس بحدة ..
- بلاها عيونج ..؟؟!
.
.
و ارتعد قلبها بفزعٍ مجنون ..
منذ دخوله و هي تتجنب النظر اليه أو التقاء عينيه ..
حتى خطواتها راحت تحاذر فيها .. و خاطر غبي يخبرها بانه قد يكتشف ما تخبّئ فور رؤيته لها و هي تمشي ..
و كادت تطلق ضحكة باكية مخنوقة ..
حقا ..!
كم هي حمقاء ..
هي وحدها تجتذب الانتباه بتصرفاتها ..
الآن و نظراتها تلتصق بعيناه الحادتين و هي تبعد قبضته عن ذقنها و تشرد بعينيها بعيدا .. مجيبة بسرعة ..
- ما شي ..
و ما ان خطت خطوة على طريق الهرب .. حتى وجدت أنها تلتصق بالجدار المقابل ..
احدى يديه تثبّت كتفها بالجدار ..
و الأخرى تحتجز رأسها ..
فيما صوته يرد ببرود .. و رأسه يميل اتجاهها ..
- عيونج منتفخة من الصياح و تقولين ماشي ..؟ شوه لي خلاج تصيحين ..
و تساءل في داخله بصدق ..
ما الذي قد يدفعها لهد جدران الجليد التي احتجزت شيئا من روحها داخلها ..
فيما شعرت هي بأن قربه يخنقها ..
شيء ثقيل راح يطبق على أنفاسها ..
و شعور بالرثاء يجتاحها ..
هه ،،
هو الذي أبكاها ملايين المرّات ..
استباح أدمعا كانت كرامتها تأبى الا أن تبتلعها الأجفان ..
و تفنن هو في غرس حراب خداعه .. و قسوته .. و جفاءه ..
ليسيّلها أنهارا لا تجف ..
الآن يسألها سببا لبكائها ..
لا شيء ..!
سوى انها عاجزة عن اقتلاع قلبها الصغير و ما يحويه من مشاعر ذليلة ..
أشاحت بوجهها بعيدا عنه و هي تقاوم دموعها مستميته .. فيما تتابع بهمس تهدّج رغما عنها ..
استيقافه لها .. و سؤاله هذا رغم بروده .. مس أعماقها بعنف ..
- قلت لك ماشي .. ما كنت أصيح .. هذا مزيل المكياج دخل فعينيه و ......
و برقت السخرية في عينيه و هو يتلقف باصبعه دمعة كريهة نجحت في التمرد على احتجازها ..
لتصرخ بمشاعره أن ينتبه لها ..
و رفع حاجبا يطالع وجهها المحمر .. و هي تعض على شفتها مع فشلها في كبح جماح دمعة ..!
- ما تصيحين ..؟
هذا السؤال كان مفتاحا لبوّابات الدموع ..
شعرت بقرب هطول ملوحة ستجتاح وجنتيها ..
لذلك التقطت طرف - الشيلة تضغط به عينيها بغية منعٍ فاشل لعبرات راحت تتدافع بلهفة لمآقيها ..
عقد هو جبينه أما حركتها هذه ..
شيء في داخله انكسر لبكاءها الذي غاب شهرا بأكمله ..
أو أن سخونة الدمع التي راحت تذيب أكوام الثلوج .. أحرقته بدورها .. ..
انتزع يدها عن عينيها فيما تشيح في بوجهها بعيدا عنه .. و بيده الأخرى ثبت رأسها و رفعه اليه ..
و نبرته الصارمة منذ لحظة تلين قليلا .. فيما تنشق هي بهدوء .. مظللة عينيها بيدها الحرة ..
- حور ..! حور ..؟؟ ليش تصيحين ..؟ شي يعورج ..
نعم ..
قربك الكاذب هذا ..
انتكست رايات القوة في داخلها .. كل البرودة التي تسلحت بها طويلا .. تبخرت ..
و لمرة واحدة خضعت لرغبة أنثى في داخلها .. تشتاق أن تتكئ بضعفها على رجولته ..
.
.
.
.
لا ..!
لا يخيب الظن فيك ..
و تنكسر نفسي عليك ..
و أذرف دموعي خسارة ..
و ما تكفكفها ايديك ..!
.
.
بس ..
كافي ما عطيت ..
كافي أشقيت و عنيت ..
هم زار القلب مرة ..
ينقلب يوم و يجيك ..
.
.
أقبل و لملم حطامك ..
يكفي بعثرتي أمامك ..
نصف قلبي عاف اسمك ..
و نصفه الثاني يبيك ..
.
.
اكذب .. اكذب .. ما أبالي ..
قل حياتي .. قول غالي ..
اخدع الاحساس لحظة ..
قول قلبي ما نسيك ..
.
.
بعدها عادي تروح ..
و املي قلبي بالجروح ..
إنهي بعد اللحظة حلمي ..
و هذي ما تصعب عليك .. **
.
.
.
.
تبا ..
هي تحمل طفله ..
كيف لشيءٍ أن يجمعهما و هما في شقاق دائم ..
هي تعرف بأنه انتهازي لا يأبه بالدوس على مشاعر الغير ..
و هو لا يراها أكثر من استغلالية وضيعة .. محبة للمال ..
هل تجرؤ على الأمل بأن كل شيءٍ سيتخذ منحنى آخر ..؟!
هل تستطيع غفران كل ما انزل بها من عقاب دون ذكر استغلاله الدنيء ..؟!
رفعت ظاهر كفها تمسح دموعها بطريقة خرقاء .. مست شغاف قلبه .. و اشتاق أن يعتصرها بين ذراعيه ..
لكنّ شيئا بطول ليالي صراعهما امتدت بينهما .. تعزله عن أي فعلٍ قد يشي بقلبه ..
جاهدت تجفف براحتيها وجهها المبلل ..
تمسحه بقوة .. مزيلة كل دلائل ضعفها .. و شفتيها ترتجف هامسة ..
- لا ماشي يعورنيه ..
سألها بقوة ..
- ليش اتصيحين انزين ..؟
كرهت نبرته المتصلبة .. فيما تتبعثر هي تحت وطأة نظراته ..
- متضايقة شوي ..
صر على أسنانه و هو يشعر بأنه يجر الأحرف من فاهها جرا ..
- متضايقة من شوه ..؟
ابتلعت غصتها تحاول ببسالة استعادة ثباتها ..
- ما شي معين .. حسيت بالضيق و بكيت ..
نظر لها متشككا ..
فراحت تفر بعينيها بعيدا عن نظرته الثاقبة ..
ابتعد عنها قليلا و هو يلوح اتجاه الباب بشيء من البرود ..
- انزين سيري غسلي ويهج .. روعتي امي نورة بدون سبب ..
أومأت برأسها بسرعة و هي تتحرك على عجل اتجاه الباب هربا من هيمنته ..
منذ متى لم تجمعهم رحمة كهذه ..؟!
متى آخر مرة كان مهتما مما قد يؤلمها ..؟!
.
.
نظر هو للعسل المندلق على الأرض بشرود ..
من الذي تجرأ و آلمها غيره ..؟!
من سلبه هذا الحق ..؟
يعلم يقينا بأنها كاذبة ..
و أن هناك ما يوجعها بصمت ،،
لكن على مهل ،،
سيقتلع تلك القشور القبيحة التي تتغطى بها ..
حتى يصل لمواطن الاحساس حيث يربض الألم ..
هو وحده الأحق باجتياح خوالج نفسها ..
وحده له الحق بأن يكون الجلاد ..؟
و لا يحتمل أن يشاركه أحد اياها ..
حتى في إيذائها ..!

* * * * *


بعد ساعاتٍ من زحف الليل .. و سطوته على السماء ..
ساعات من اغفاءات المخلوقات ..
حين تدرك الأرواح الحلم مستقرا لها ..
و يتوسّد المتعبين وسائد يودعون فيها شقاء يومهم .. و أنفاسهم المرهقة ..
و عرق ..
و يفترس آخرين همٌّ ثقيل .. يشغلهم تفكيرا ..
و أرق ..
و بعضٌ يتخذ الليل عباءة سوداء يلتحف بها ليستر ذنوبه التي لا يقترفها الا ليلا ..
يجيد التسلل تحت سلامٍ ينفحه الرب عباده لراحتهم ..
فيحوّله غطاءً حالكا لفسوقه ..
و آخرين لا يتقنون فن النوم ..
فن إلقاء كل ما تحويه أيامهم عند عتبة باب الغرفة قبل دخولها ..
فيتجردون من كل تفكير .. و كل احساس .. و يسقطون صرعى الانهاك ..
لا يتقنون ذاك الفن ..
تمزقهم أفكارهم .. و ذكرياتهم ..
و تفاصيل ما يمر بهم ..
فيقتلهم التفكير يوما ليناموا بعينين مفتوحتين ..
و آخرين مختلفون ..
كإياه ..
{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}***
ها هو الليل قد زحف ليلفه سكونه ..
يعلم أن سكّان الدار نياما ..
وحده يبتل بماء الطهر استعدادا ..
لتقوده خطوات من نور نحو القبلة ..
يفترش سجّادة من خشية .. و يقف عليها ..
بين يدي الربّ هو الآن ..
يقف تذللا و خشية ..
لو أن هذه وقفته الأخيرة ..؟!
أنفاسه تتناقص بعدٍّ تنازلي يحسب لحظاته الأخيرة ..
ملك الموت يقف خلفه تماما ..
بهيبته .. و هيمنته .. يحمل معه أمرا لا رجوع عنه ..
أجلٌ سُمِّي ..
ملك الموت يحمل معه السكرات .. و ما وراءها ..
ينتظر منه أن ينهي فقط سلامه من هذه الصلاة .. ليقبضه ..!
ملك الموت ينظر له بعين العارف أن هذه هي صلاته الأخيرة ..
فيما هو لاهٍ غير مدرك ..
لو أن الله رزقه بأن يتمّ هذه الصلاة فقط .. يمنحه طمأنينة أخيرة قبل رحيله ..
لو أن هذه هي النهاية ..
هنا تنتهي حياته الحافلة ..
سنواتٍ طوال .. تتوقف هنا ..
ليترك جسده مسجى على حدود ( دنيا )
و تحمل روحه على عاتقها ما قد يكون خبأه للحدٍ يرتقبه ضيقه ..
و ضمّة قبرٍ تنتظر ..
لا متاع يجرجره سوى الصالحات من أعماله و السيئات ..
هنا فقط سيترك حياة بأكملها ..
أمه .. و أبـــاه ..
إخوته ..
ضحكاتهم .. و أيامهم .. و مزاح لا يدري كم تخلخله من كلماتٍ مذنبه ..
سيترك وراءه زوجه ترتقب أن تزف إليه ..
فيما يزف هو لقبره ..
ليواروه بالتراب .. وحده ،، ثم تطرق الأرض خطاهم مبتعدين ..
تاركينه لوحشة اللحد ..
مخلّفينه لمنكرٍ و نكير ..
لو أن اللحظات تتناقص ..
تتناقص ..
تـ .. ـتـ .. ـنـ .. آآ .. قــ ..ً ص ..
لا صلاة بعد هذه ..
ها هي وقفته الأخيرة بين يدي ربّه ..
ما الذي سيسأله فيها ..
و عن أي شيءٍ سيطلب غفرانا ..؟!
كم سيكفيه ليدّخر في رصيده ذكرا لله ينير بها قبره ..
و كم من ذنوبٍ سيستغفر لها ..
أ يمهله ربّه ..؟
لو انها الأخيرة ..
الأخيرة ..
أ يختمها باستغفار ..؟
هناك من الذنوب ما لا يحصيها ترتقبه حسابا عسيرا ..
أم يختمها حمدا ..
فمن النعم ما أغدقها عليه ربّه نسي أن يشكره عليها ..
أم يسبّح بملكوت ما رأى طوال حياته .. و لم يفعل ..
أم يكبّر بعظمة ربّه .. و ما خلق ..
ما هو الذي سيملأ به آخر لحظاته ..
طلبا لمغفره .. و حمدا لمقدره ..
و دعاء لأبوين ..
يترك أمه على بعضٍ من جهلٍ لم يتنسى له أن ينبهها إليه ..
و يخلّف أباه على اسرافٍ نسي أن يثنيه عنه ..
و اخوانه وراءه ..
لم يذكّرهم بزوال هذه الدنيا ..
لحظتين ..
ستنتهيان ..
أ ويمهله الرب يا ترى ..؟!
لو أن ملك الموت لا ينتظر إلا سلاما ..
و هذه هي النهاية ..
النهاية .. و لا شيء وراءها من متاع الدنيا الزائل ..
لا شيء ورائها سوى حساب بكل ما جنت يداه ..
و انفلتت أدمعه خوفا .. و خشية ..
لو أنها النهاية ..
يبتهل ربّه غفرانا ..
فيتذلل خانعا لعظمته ..
لو أنها النهاية ..
يحمده .. يشكره ..
يسأله ثباتا ..
( اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك )
تبتل لحيته و جبينه يلتصق بالأرض سجودا ..
لحظاته السريّة التي يتقرّب بها من الله ..
ربّه الذي يرتقب ..
من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ..
يا الله ..!
يا الله ..
و تبتل مواقع السجود ..
فتسقي مآقيه جفاف سجّادة ..
و هو يبتهل ..
لو أنه لن يرفع رأسه عن هذه السجدة ..؟!
فما الذي قد يطلبه من الرب ..؟!
فتحتشد الكلمات في صدره ..
ما بين مغفرة .. و خشية .. و توبة ..
و نعمٍ ألهته و لم يشكر عليها ..
.
.
.
.
.
.
{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }****

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور ليتني غريبة  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:19 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية