لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-01-09, 11:59 PM   المشاركة رقم: 811
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
قارئة مميزة


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 72508
المشاركات: 273
الجنس أنثى
معدل التقييم: فتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدافتاة طيبة عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 511

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
فتاة طيبة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

مبرووووك ريما بس يافرحة ماتمت المنتدى الأصلي قفلوه الآلالالالان ههههههههه الظاهر ناوين يجلطونك .....

 
 

 

عرض البوم صور فتاة طيبة  
قديم 24-01-09, 03:27 AM   المشاركة رقم: 812
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

صباحكم دفء ..

.
.
.

يجتاحني الحنين ..!
خطفني ظرفي ..
عجزت حتى عن الإعتذار .. و ابتعدت عن هنا كثيرا ..
جسدا .. و روحـــــا ..!
و لأكون أكثر صدقا ..
افترسني يأس ..
و إهتز قلمي ..
شعرت في وقتٍ ما بأنها قد تكون نهاية ..
و ظللت أرتقب ..
ثم مــــــــاذا ..؟!
أسوأ ما قد يجابهه المرء هو الانتظار ..
و أثناء ساعاتٍ طويلة من ذاك الموت البطيء ..
خطر لي بغرابة ..
أن هذه ليست أنا ..!!
لطالما كافحت .. و نسجت حكاياتٍ من أمل ..
لما أجدني عاجزة عن زرعه في داخلي ..
و انتفضت روحي مجددا ..
صدقـــــا ..
ما أسوأ شيءٍ قد يحدث ..؟!
أن أسقــــــــط ..؟!
فلأسقط إذا و بيدي قلمي ..

.
.
.
.

لن أعتذر ،،
سئمتم الإعتذار .. و مللته أيضا ..
فقط أردت أن أخبركم كم اشتقت لكم ..
ممتنة لكل من سأل عني .. دعى لي .. و فكّر فيّ ..
لمن ملأ ضياء قلوبهم الرسائل الخاصة ،، و أولئك الذين لم يتسع مخزون الرسائل الخاصة لهم فلم تعد تستقبل نبض قلوبهم ..
كل الأحبة الذين وصلني عبق أحاسيسهم في بريدي الالكتروني ..
شكرا لكم و الله ..
ها أنا أعود ،،
بعيدا عن الوعود ..
سأبقى ما كُتب لي ..
و سأحاول قدر الإمكان أن ألتزم بالحضور ..
فقط نقطة واحدة ،،
في الثلاثة الأشهر المقبلة قد يحدث انقطاع مفاجئ لي ،، و يستمر لشهرين أو ثلاثة قبل عودتي ..
لا أريد لقلوبكم الطيبة أن تجزع ..
ما زال نفس يرتد في صدري ..
سأجد الطريق دوما للعودة إلى هنا ،،




دوما لكم //
ليتني

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-01-09, 03:29 AM   المشاركة رقم: 813
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

► الخطـــــــــــــــوة الثلاثيـــــــــــــــــــن◄

║ خطوات تنطفئ ..! ║


بعد مرور شهر ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
طار الملف لثانية في الهواء قبل أن يرتطم بسطح المكتب ،،
يحط أمامها مباشرة دون أن تتبعثر أوراقه ،،
لم تطرف عينها التي كانت تتأمل ملامح الرجل العجوز الجالس خلف طاولة مكتبه العريضة .. و يطالعها من خلف نظّارته ..
متأكدة بأنه لا يرى ارتعاشة يدها بما أنها توشك على تهشيم أصابعها من فرط اعتصارها ..
و لن تبلغه نبضاتها المتوتّرة ..
وحدها نظرتها قد تفضح ترقبها لكلمته ..
لذلك استترت وراء عينين متكبّرتين .. و أنفٍ مرتفع .. تنظر من خلف غرورها ببرود شديد له ..
و كأن آخر ما قد تفكّر فيه هو سماع رجلٌ مثله ..
ربّما يكون مدير التحرير ،، لكنّ نفوذ والدها و اسمه وحده من أقحمها هنا .. لم يكن لهذا العجوز يدٌ في توظيفها ..
استرخى مدير التحرير في مقعده يسند ذقنه بيده .. و عينه تنظر للملف الذي ألقى توا أمامها من فوق زجاج نظارته الطبية ..
متجاهلا النظر إليها عمدا .. و هو يسأل بكلماتٍ بطيئة ..
- أول مرة تعرضينها ..؟!
أول مرّة ..؟!
هه ..!
كبحت ابتسامة مثقلة بالمرارة ..
عرضتها مرّة و تلقّت صفعة لا زال لدوي رنينها صخبٌ يبعثر أيـــامها ..!
طالعت العجوز بنظراتٍ لا مبالية .. خادعة .. تخفي التوتر الحاد خلفها ..
قبل أن تجيب بنبرةٍ متعالية ..
- أول مرّة ..
حكّ الشيب الذي يخط لحيته .. و هو يومئ لها ..
- و تشوفينها صالحة للنشر ..؟!
لماذا تشعر بأنه يسخر منها بشكلٍ ما ..؟!
لم تجد بدّا من أن يرتقي أنفها انشين إضافيين في الهواء و هي تكرر غير مبالية ..
- ليش لا ..؟! اذا كانت عبارة عن رسائل وهمية يوجهها اسم وهمي لشخص مجهول الهويّة .. يمكن انيه أستعرض من خلالها مشكلات معيّنة ..
أحنى العجوز رأسه ينظر لها من فوق زجاج نظارته .. و هو يميل للأمام مستندا بمفرقيه على سطح المكتب و يشير بسبابة متكاسلة للملف الملقى ..
- الحين هاي الرسائل .. وهميّة ..؟! يعني مبتدعة كليّا من خيالج .. ما تمت للواقع بصلة ..
لم يرفّ لها جفنٌ واحد و هي تكذب بصفاقة ..
- هيه نعم ..
أومأ بابتسامة بسيطة ..
- و تشوفين انج من خلالها بتعرضين مشكلة .. أو قضية .. يمكن تخدم العامود لي تطلبينه ..؟!
عيناها تلتصقان بحدقتيه الحذقتين ..
- هيه نعم ..
أمال رأسه بذات الإبتسامة الهادئة .. و لطخة من المكر تعكر صفو عينيه الضيقتين ..
- شي طيّب .. و شوه القضايا أو المشاكل اللي تعتقدين انج عرضتيها من خلال الرسايل لي كتبتيها و عرضتيها عليّه ..
زحفت تقطيبة على جبينها .. و راح رأسها يدور فجأة في حلقاتٍ متصلة ..
- آآآ ... ممم .. يعني . قضايا متنوعة .. مثل اندفاع بعض الناس وراء مشاعر يخلقونها بنفسهم .. أو يتوهمونها .. و .. آآآ .. عندك بعد اهمال الأهل .. اضطرابات نفسيّة .. شبه حيرة يمكن ان الناس تمر بها .. حتى يمكن انيه أعرض جانب تربوي فيها .. مثل استهداف الحجاب .. و الحديث عنه ..
ابتسامة العجوز الهادئة تحوّلت لضحكة صغيرة .. مستنكرة .. بترها و هو ينظر لها بغرابة ..
- انتي ترمسين عن الرسايل لي في هالملف ..؟ و بعدين أي حجاب بالضبط ..؟ و شوه الحدود لي يمكن انتي تشرحينها أو تحثين عليها أو تناقشينها عنه ..؟
اتسعت حدقتيها بصدمة من الإنتقاد المباشر و نظرة الرجل العجوز تضيق على خصلتين انزلقت من تحت غطاء رأسها .. و أهملت دسّها أو سترها ..
شعرت بأن الكلمات تنحشر في حلقها .. دون أن تستطيع النطق و الهواء يحرق عينيها الجاحظتين ..
كان يمارس هجوما مباشرا حين أنكر حقها في أن تناقش هي بالذات شيئا عن الحجاب ..
فيما يشير بأنها تجهله ..!!
- عـ.. عفواا ..! شــ .. شــــوه قصــ..ــدك ..؟!
تبخّرت كل معالم اللين من وجهه .. و هو يتصلّب فجأة قائلا ببرود ..
- قصدي واضح أخت عوشة .. الرسائل لي انتي تشوفينها صالحة للنشر و تناقش قضايا مجتمع ،، انا أشوفها أقل من إنها تنوصف بمشاكاة شخصية بحتة بأسلوب نثري ،، حتى اذا تجاهلنا ضعف الأسلوب فيها .. الفكرة معدومة ..!! وين القضايا لي تناقشينها ..؟
ثم استرخى في جلسته يعيد ظهره للوراء .. و نظراته ترشقها بقسوة ما يقول ..
- أخت عوشة .. نحن ما نصدر مجلة اجتماعية .. و لا واحة خواطر .. وايد مجلات تعتني بالشعر و الكتابات الأدبية المعتمدة على المشاعر الشخصية يمكن انج تراسيلنها و تعتمد فكرتج .. لكن نحن جريدة يومية أخبارية .. أسس التقديم عندنا المقال التام .. هل تشوفين كتاباتج أقرب للمقال أو التقرير ..؟! لي أشوفه بذخ مشاعر خاصة ما يمت للمجتمع بأي صلة .. كل لي كان مكتوب في الرسائل المقدمة أحاسيس شخصيّة جدا ..
شعرت بزوايا أحداقها على وشك التشقق من فرط جحوظها و هي تستوعب هجوم العجوز ..
كلماته كانت تصفعها بقسوة ،، مؤكّدة كل ما قد سبق و قيل لها ..!!
ضعف الأسلوب .. الاتجاه الشخصي ..
غير صالحة ،،
غير صالحة ،،
غير صالحة ،،
شعرت بالكلمة تقتحم رأسها بحدة .. لتنتفخ داخله كالبالون ..!!
و رئيس التحرير يؤكد لها دون أن يدري أن عزمها على قذف نجاحها في وجه الحر .. لم يكن سوى حلمٍ بعيد المنال ..
فكّرت بأنه يجب تجاهل رأي واحدٍ لشخصٍ تجهله .. و ليس لديه الجرأة حتى لمواجهتها بنقده ..
و عليها أن تسعى لنشر ما كتبت .. و لو كان ذلك على حساب نشر غسيلها المتسخ ..
لكن يبدو أنها لم تجتهد إلا بما يكفي لتحصل على صفعة جديدة ..
الذهول الذي انتظرته بتشفٍ بالغ .. و تمنت رؤيته على وجه قلم حر حين يرى كتاباتها تنشر بعد أن رفضها هو ..
غدى من نصيبها هذه المرّة و هي تمد أصابعا مرتعشة ،، تلتقط الملف الذي يحتوي ضآلة تلك الوريقات العفنة التي لم تعد تساوي لها فخرا .. لم تعد تعادل في نظرها أكثر من حفنة تراب ..!
و رئيس التحرير ينهي كل اندفاعٍ مغفلٍ و ايمانٍ بقدرتها على كتابة ما يستحق أن ينافس ذاك الحر .. و هو يقول بحزمٍ أخير ..
- اسمحيلنا أخت عوشة .. الرسائل المكتوبة غير صالحة للنشر ..
نفور ،، حقد ،، و كراهية متضخّمة .. ملأت نفسها فورا بعد هذه الكلمات ..
و ادراك خبيث جعلها على يقين بأن العجوز يشكّ بأنها رسائل حقيقية و غير مؤلّفة لغرض النشر ..
للمرة الثانية قوبل ما تكتب بالرفض القاطع ..
و انبثق الغضب من أقصى بقاع روحها ..
و هي تعتصر الملف بين يديها بابتسامة ساخرة .. تستر خيبتها القاسية .. و شعورها المر بالخذلان ..
ما الذي ظنته ..؟!
أنها ستفاجئ ذاك المتعجرف و تصفعه برأيه الشاذ ..
إلا أنها من صفعت أمام هذه التصريح الذي أعادها لكلماتٍ لازالت ترن في ذهنها ..
أمالت رأسها ببرود و هي تنهض ببطء .. فيما ينهض رئيس التحرير بدوره من خلف مكتبه ..
- على كذيه .. وصلنيه رايك .. و مثل ما قلت .. المجلات الأدبية على استعداد أكثر بإنها تنشر الفكرة .. و تساعدها ..
لم تلن ملامح العجوز .. و هو يقول برسمية ..
- بالتوفيق ..
شعور بالإذلال .. أتخم مشاعرها و هي تدير ظهرها لوجهه متوجهه للباب الخشبي العريض المفتوح على مصراعيه .. تتبين وجه طاقم السكرتاريا من خلف فتحته .. هل بلغ أحدهم رفضه لها ..
و افحامه فكرها ..؟!
هل شعر أحد بالضآلة التي راحت تستحيل لها ..؟!
رغم هذا لم تنثني رقبتها المتشامخة و هي تقطع المكتبين .. و الممر الطويل الموصل لمكتبها البعيد ..
على ايقاع ارتطام كعبها المرتفع الحاد بالأرضية الصلبة ..
راحت تتراقص الرؤية المهزوزة أمامها ..
تبا لهم .. ربما لا تملك موهبة الحر ذاك ..
لكنّها تكتب .. و تحب ما تكتب كثيرا ..
تشعر بأنه أفضل ما قد يكتب على الإطلاق ..
ألا يكفيهم أن تقتطع من مشاعرها .. لتطعم تلك الوريقات اليابسة ..
تروي جفافها بأدمع لم تسكبها يوما ..؟!
هل يتوقّعون أن تخرج من بطن أمها محنّكة في الكتابة ..؟!
هذا أفضل ما يمكنها تقديمه ..
لا يمكنها إلا أن تنتزع خوالج نفسها ،، و تسكبها ..
و لا تعجبهم ..
أ تصطنع ..؟!
تتقن ذلك في الواقع ،، لكنها لا تنجح في إصطناع المشاعر على الورق ..
لا يمكنها أن تزيّف الكلمات ..
و هي تلتمس قدسية للبوح الذي تنقشه على الورق ..
لا يمكنها تدنيسه ..
هذه الفرجة الوحيدة اليتيمة التي يمكنها أن تدس عبر ثقبها حقيقة ذاتها ..
و لا شيء آخر ..
أيمكنها أن تكذب في الواقع و على الورق ..
كذبة على كذبة .. على كذبة ..
و تنهمر الأكاذيب على رأسها حتى تطمس روحها للأبد تحت أكوامٍ من الخداع .. و النفاق الذي يزيف حياتها دون أن تحتاج إلى موردٍ آخر له ..!
على مقعدها تثني قدّها لتجلس بأناقة ترفع ساقا على ساق .. و ابتسامة باردة تزيّن وجهها أمام نظرات حصّة المتهكّمة ،،
وجود هذه المرأة يصبح يوما بعد يوم أشد ثقلا على نفسها ..
كم تبغضها ..!!
بنعومة تضع ملفّ الرسائل على زاوية المكتب ،، و كأنها تمنحه السلام الأخير ..
ما زال أمام هذه الوريقات بعض الوقت و الأمل .. قبل أن تقذفها في آخر المطاف .. أو تحرقها ..
صدقـــا ..!
ربما كانوا محقين ..
ربما سذاجة أو سخافة ما تشعر به غير جديرة بالإهتمام ..!
تمتد يدها بتلقائيّة لتلتقط سمّاعة الهاتف المكتبي .. متجاهلة وجود حصّة الثقيل ..
أظافرها بطلائها اللماع تتقافز على الأزرار البلاستيكية بسرعة مدروسة ..
معتادة على ارتياد هذا الرقم ..
الرقم الذي لم يكن سوى اختصارٍ لغرفةٍ في المشفى ..
اختصارٍ أصبح منقوشا في ذهنها ..
و الاتصال به .. و مقابلة المكالمة بالصمت ..
طقسٌ لا بد منه كل صباح ..
تلصق السماعة بأذنها في حرص شديد ..
و بؤبؤ عينيها يتسع لثانية واحدة ..
و تترقب ،،
الرنين المتقطّع الرتيب ينتهي في أقل من دقيقة ..
و صوت الرجل المألوف يتدفق عبر خطوط الهاتف ..
- ألــووه ..؟!
لينعقد لسانها في عقدة ..!
فلا تنطق ،،
أنفاسها فقط تلفح السماعة كعادتها ..
ما الذي تريده .. أن تتأكد بأنه لا زال في ذات الحجرة ..؟!
ثم ماذا ..؟!
خفقاتها تتعالى بجنون خشيت أن يبلغ مسامع الطرف الآخر ..
و الصوت الرجولي يهتز بتأتأة غدت لها مألوفة مع الوقت ..
- هااا ..؟! ببـ.. ببـ.. ببديينااا آآآ الـ .. الـ .. الــحررركااات ... الـ الــ اللي .. ممااال أممـ .. أمـمهااا دااااعي ..
دون أن تشعر .. بزغت بسمة صغيره على شفتيها و هي تنصت للصوت .. و تمرر أظافرها المقوّسة على حدود طاولتها ببطء ..
فيما يكمل الصوت بذات التاتأة ..
- مااا .. مااا .. ماااببـ .. ببـترمسوون يعني ..؟؟ هاا .. ماا عليه .. هب مششـ .. مشـكلللة .. باااقي اسبووع بس و نظهر .. و نفتك .. ممـ ... ممن الحشرة ..
و أغلق الهاتف في وجهها ..
لتطالع هي السماعة بذهول ..
أسبوع و يخرج ..؟!
ما الذي يعنيه ..!!
سيترك الغرفة .. المكان الوحيد الذي تعلم أنه يمت لذاك الحر بصلة ..!!
كيف ستصل له إذا ..؟
هي حتى لم تفهم مغزى ارسال عنوان الغرفة لها ..؟!

* * * * *

عينيه الثاقبتين تضيقان بتأمل حاد للجسد الصغير الذي راح يتنقل بخفّة في أرجاء المطبخ ،،
حريّة اكتسبها مؤخرا للاستغراق في النظر إليها دون أن تعلم ..
لسبب واحد لا أكثر ..
أنها لم تعد تنظر إليه لترى أين يوجّه نظراتها ..
ذات المظهر الذي اعتاده مؤخّرا .. السطح البارد الرسمي ..
المهذّب المستسلم أمام ميعاد .. و الجليدي القارص بين جدران جناحهما ..
و التوى طرف شفته بسخرية باردة ..
لا ينكر أنها تتم واجباتها بشكلٍ مثالي مبالغٍ فيه ..
الآلية التي راحت تتحرك بها ،، تثير جنونه .. و لو أظهر لا مبالاته بها ..
يوما بعد يوم .. حرصت على أن يرتفع حاجزٌ أسود بينهما ..
يستر ما كان يلتقط من شفافية إحساسها في لحظات غفلتها ..!
عازلٌ بينهما لا يسرّب إلا أنفاسا من جليد تلفحه ،، حين يحرقها ..
يتأمل تقاسيم وجهها الصافي ،، و الملامح الصغيرة المتصلّبة ،،
ينبشها بجهد كعادته مؤخرا .. يبحث عن شيءٍ يفتقده ..
لا يعلم ما هو ،،
شيء تبخّر منذ آخر نزاعٍ لهما ..
لا يعلم هل كان بريق عينيها الواسعتين .. و بقايا دفءٍ كان يلتمس حرارته فيهما ..
أم إختلاج أحاسيسها الفاضح على ملامحها المضطربة لحظات قربه ..
ربما هو القلق .. الخوف أو الضياع الذي يجتاح جسدها و يهزّه لحظات سطوته عليها ..
تفر بنظراتها .. بأحاسيسها .. بخطواتها ..
تبتعد عنه ..
تتملص من قربه ..
تصدّه برداءٍ من جليد يكسيها .. ليقشعر بروده من حالهم ،،
لم ينسَ بعد لمَ تزوجته .. و لا العقاب الذي لا زال في أوله ..
الحقيقة أنها اتخذت هذا الجانب بذكاء .. اذ أصبح التجاهل و الإنزواء أكثر أذى من تحديها الساذج في بعض الأحيان ..
ما دفعه للغضب أكثر .. و أوصل مشاعره الهائجة للغليان ..
تبا لها ..
يشتاق لأن تلتمس قوته لحظات ضعفها .. أن يبعثرها .. ليجمعها ..
يهشّمها .. ليجبرها مرة أخرى ..
يشتاق للثورة في عينيها ..
أن تصرخ .. تبكي .. تتحدى ..
و تقذف بسم كلماتها في وجهه ..
لشد ما يكره برودها هذا ..
و يكره ابتسامتها الصغيرة المغتصبة أمام ميعاد ..
يكره الذبول الذي راحت تستحيل له يوما بعد يوم ..
يكره أن تذوي بصمت فيما تدّعي القوة ..
رغم هذا ..
لا يدّخر ثانية لاستفزاز ما هو دفينٌ تحت ركام ما خلّفته ليلة بدت سرمدية ..
أحداثها مجنونة .. مبهمة .. و صاخبة ..
لا يعرف لها بداية من نهاية ..
هناك خيطٌ بُتر في تلك الليلة ..
و لا زالت أطرافه تنتفض نازفة ..
ستهمد عمّا قريبٍ دون شك ..!
.
.
و كأنها بشيءٍ سُحق بينهما ..
داسته عنف خطوةٍ ما بين جبروته .. و ذلّها ..
شيءٌ أسقطته من محاجرها بعد أن أنهكه السكن فيها ..
و لم تتلقفه خشونة أنامله ..
أ كانت دمعة ..؟! نظرة ..؟!
أو حتى رمشٌ مقتلع كان يؤذيها..
يبكيها .. ؟!
ما الذي قد يستوطن الأعين بخلاف ذاك ..؟
أحرفٌ ربّما ..؟!
هي بكماء إذا ..
بقاياها تلك التي تزحف في المكان ..
أطيافٌ من انكسارٍ قديم تجره في أذيالها و هي تتحرك بنشاطٍ زائف ،،
ذاك الدفء الذي كان يمارسه أمام عيني عمته .. لم تستطع مجاراته .. و لم تكترث لذلك ..
لم تعد تقابله الا ببرودها الرسمي الذي قد تفسره ميعاد بخجل العروس ..
لا تتقن نفاقه .. و لم يخلِّف فيها قوة للتمثيل بعد اذلاله الأخير ..!
كل ما تؤمن به الآن هو أنها لن تهدر فتات كرامتها المتبقية مجددا تحت قدمي رجل لن يتوانى لحظة في دهسها و هجر حطامها بعد ذلك ..
يمكنها أن تلتزم جانبا بعيدا عنه ،، حتى يدنو فراقهما الحتمي ..
و حتى ذاك الحين .. كل أواصر الارتباط بينهما تقطع .. إلا ما شرع الدين لها في طاعته ..
رفعت عينيها للطاولة التي تتوسط المطبخ ،، مكانهم الذي اعتادوا على تناول الطعام عليه لأجل ميعاد ..
لم يكن يشاركهم هو إلا وجبة الفطور قبل ذهابه إلى العمل ،،
التقطت ملامح ميعاد الساهمة ،، و مسحة من التعاسة لا زالت تلقي بظلها على وجه الشابة ..
كانت تلف أصابعها في قبضتين و هي تنظر بتركيز للطعام أمامها مما أوحى لحور بأنها تبعد اميالا عن هنا ..
التقطت حور - دلة القهوة - و هي تتقدم منهما متأملة نظرتها الساهمة ،،
غريب كيف أن يهون عليك معرفة أن هناك بالقرب من يعاني أكثر منك ..
و أن أوجاعك تتلاشى أمام مصابه ..!
انزلق السائل الداكن من فوهة - الدلّة - مبعثرا أطيافا من الأبخرة قبل أن يستقر في قعر الفنجان الصغير ..
كفّها الصغيرة التي تحتضن الفنجان .. تمتدّ ناحيته .. فيما تضع الأخرى الدلة على الطاولة أمامها ..
تقطيبة شرودٍ صغيرة تعلو جبينها الصافي ،، مفكّرة بأن جدّها بجفاءه اتجاه هذه المسكينة لا يخفف من أحزانها ..
بل يزيدها هما على هم ..!
لثوانٍ طوال ظلّت يدها معلّقة في الهواء ..
.
.
عجبي ..!
ما خطب فناجين القهوة تُملأ ،،
ذُلاًّ ،،
تُملأ أملا ..
و انتظــــــار ،،
ما بالهـا لا تُرتَشف ..؟!
تهوي جميعا بانكسار ..؟!
.
.
أناملها تشتد بقسوة مع تجاهله يدها الممدودة و تمنعها من النظر إليه أخيرا ..
تجر نظراتها للأعلى تزحف على طول الطاولة امامها .. لتتسلّق صدره .. تقاسيم وجهه الملتوي بسخرية خفيّة .. تلمع تحت أجفانه الثقيلة و هو يسند فكّه بيده يراقبها ..
لتثقب عينه المتمعنة جمجمتها بقوّة ،، تخترق دماغها ،،
تنسل في عروقها ..
لتنخر قلبها بمرارة كريهة .. ملأت فمها و هي تمنعه من الالتواء في وجهه باحتقار ..
جل ما استطاعت فعله هو أن تجمّد أحاسيسها ،، و هي تنظر إليه .. تتحدى نظرته الساخرة ببرود ،،
و يده ترتفع ببطء اتجاه فنجان الانتظار ذاك ،،
فيما توشك على تهشيمه و هي تمنع يدها من قذف محتوياته الساخنه في قسوة ملامحه الداكنة لتحرقها ..!
الأصابع السمراء الويلة تتجاهل الفنجان لتلتف على معصمها بنعومة ثعبانٍ أفزعتها .. و هو يشد يدها بخفّة نحو وجهه ،، ملتقطا بالأخرى الفنجان من بين أصابعها ..
تيارٌ قوي سرى على طول ظهرها و هي تشعر بنبضاتها تتسارع حين أحنى رأسه ليلثم باطن كفّها الصغيرة بحنانٍ دافق ،، و هو يهمس ..
- تسلم يمينج ،،
قفز قلبها في حلقها رغما عنها و هي تطمس مشاعرها بعنف ،،
تلعن في داخلها نفاقه و قدرته المدمرة على التمثيل ،،
يمعن في إيلامها بمثل هذه الايماءات أمام ميعاد ،،
يزعزع ثباتها و برودها الذي تلتحف كي تحمي نفسها من شرور نفسه ..!
حررت يدها من بين أصابعه .. و هي تشتت نظراتها في المطبخ ..
- الله يسلمك ،،
الكلمة التي تحشرجت و هي تُلفظ رغما عنها خالطت صرير دواليب كرسي ميعاد التي تراجعت عن الطاولة و قد بدا جليا على وجهها انها أبعدت ما تكون متفرجة على هذه المهزلة و هي تقول بهدوء ..
- أنا بسير أييب عباتيه ،،
بتوتر جاهدت حور لتخفيه راحت تلتقط بعض الصحون من على الطاولة حين أومأ غيث لميعاد بهدوء .. و هو يسترخي في مقعده مرتشفا القهوة ،، و عينه تتبع تحرّكات حور المضطربة ..
تقدمت تضع الصحون على المغسلة بغية غسلها ..
تتهرب كعادتها من مجابهته قدر الإمكان ،،
ثوانٍ ثقيلة من صمت أعقبت خروج ميعاد ،، قبل أن يرنّ صوته القوي بين جدران المطبخ الباردة ،،
- متى بتردون على ابوية ..؟
انزلق فنجانٌ من يدها المغرقة بالصابون ،، ليستقر في قعر المغسلة بدويٍ خافت ،،
و شدت اناملها النحيلة على الاسفنجة الرطبة لتغرغر أنفاسها فقاعاتٍ من توتر ،،
لم تفكّر مرتين في ايهامه بأنها لم تفهم قصده ..
ظهرها الذي تديره له كان درعا منيعا أمام أي اهتزازاتٍ لمشاعرها .. و هي تقول بصلابة ،،
- يوم نقرر ..
ارتفع حاجبه الأيسر فوق نظرةٍ جليدية ،، و هو يكرر ببطءٍ متكبّر ،،
- يـــــوم تقـــــــررون ..؟!
و التوى طرف فمه بسخريه و هو يقف عن مقعده متقدما بخطواتٍ صامته نحوها ،،
- و متى بتقررون ان شا الله ..؟!
وخزتها نبرته الهازئة بقوّة و كرهت احساس الدونية الذي خلفته كلماته ،،
نفضت الصابون عن يدها بقوّة و هي تصر على أسنانها تخفي إحساسها الأسود ،، ثم أجابته ببرودٍ بعيدٍ عن قهرها دون أن تلتفت له ،،
- يوم نتأكد ان خوك ريّال و يستاهل ،،
و استلزمها الثبات كلّه لتتصلب بقسوة حين شعرت بأنفاسه الثقيلة تبعثر شعرها و صوته الغليظ يقول ببطء مستفز فيما اصبعه تلامس جانب وجهها،،
- عندج أخوه و ما تأكدتي ريال و الا لا ..؟!
تصاعد الغثيان حتى سقف حلقها .. و شعرت بدموع مباغتة تلذغ ما خلف عينيها ،،
سئمت اسلوبه الكريه المستعرض الذي يهدف من خلاله دفعها للشعور بأنها رخيصه ..
تكره كلماته ،، عجرفته .. و تنفر من غطرسته ،، و يقرفها تبجحه الفارغ ..
من أعماقها راحت تنفث دعاءً صادقا تتقي به شرّه ،،
.
.
( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم )
.
.
بجلدٍ حقيقي ،، و من عمق ذاك البرود الذي راح يجمد مشاعرها ،،
نفحته تلك اللامبالاة دون تردد ،،
- اذا كان على خوه فمتأكدة انه ذكر .. لكن ريّال ..؟ أشك الصراحة .. و في فرق بين الاثنين ..
هواء بارد لفح مؤخرة عنقها مع ابتعاده خطوة للوراء ،، و ارتعشت بذعرٍ خفي حين بلغتها حدة أنفاسه الغاضبة ..
علمت أنها أثارته ..
و لكنها أيقنت بأنه لن يؤذيها هذه المرّة ،،
كف يده عنها منذ تلك الليلة المشؤومة ،، و أصبح الصراع مقتصرا على حدة الكلمات التي لم تعد تؤثّر في قلبها المثخن بالجراح ..
لم تعد تفعل سوى تعجيل موته في كل اصطدام ..
أعقب كلماتها صوت زحف كرسي ميعادٍ على الأرض يعلمهم بقدومها مما سلبه الوقت في أي ردٍ قد يفعله ..
و لكنه ما كان ليتركها دون وصمة أخيرة تتذكرها نهاره كله ..
لذلك قفزت يده الكبيرة تمسك رأسها بغلظة لتجذبه نحوه بحركة سريعة ،، و أخفض رأسه نحوها و هي تواجه ،،
استطاعت أن تستشف ذاك الظلام الذي غشى عينيه الحادتين ..
و أدركت بأنه غاضب .. غاضب للغاية .. و لسبب ما شعرت بأنه محبط ..!!
لذلك همس متوعدا أمام وجهها بنعومة مخيفة ،،
- خلج ع هالحال .. و ما بيكسر هالخشم غيري ..
ثم مسح خدها بابهامة و هو يكمل بنبرة مخيفة ..
- من زمان ما علّمتج قدرج يا بنت حمد ..و صبري وصل حده ..
عن أي صبرٍ يتحدث ..؟!
لا ينفك عن الانفجار في وجهها و اذلالها ..!!
كانت في داخلها خائفة .. و خائفة جدا .. تعلم أي أذى قد يلحق بها ..
رغم هذا قاتلت كي لا تهتز قوتها الباردة أمامه .. و هي تثبّت عينيها على - طربوش - ثوبه .. متجاهله النظر اليه ..
الكلام الذي تفوّهت به كان الحق وحده ،، و ما يخالجها منذ علمت باستغلاله لمشاعرها في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية ..
و هذا ما لن تغفره له ما بقيت حيّه ..!
.
.
في عمق عينيها الواسعتين التقط ضعفها الذي فشلت في ستره وراء جمود ملامحها المصطنع ..
ارتعاشه الهدب تلك .. و رجفة شفتيها المزمومتين ثقبت قلبه بقسوة ،،
و هو يرى خوفها الكبير منه ،،
شعر بقوتها الزائفة هشّة ،،
و بدت فجأة ضعيفة بشكلٍ لا يصدق .. و قريبة من الروح ..
لكن حادة ،، و خادشة ..
تمعن في غرس نصالها بغتة ..
لذلك اختلجت مشاعره دون سبب و هو يلثم صدغها أمام ميعاد ..
لمسة صادقة .. أراد أن تظن هي أنها تمثيل متقن أمام عمّته ،، فيما يسترق هو لحظة يدفن فيها شيئا من إحساسٍ مجنون لا يفهمه ..!
يحرر رأسها .. و البرود الذي يعتلي وجهه الصلب لا يفصح عن جنون أحاسيسه ..
ما لن تعرفه و لن يبلغها يوما ..
أن خداعها الكريه ذاك لا زال يمزّقه حتى لحظته هذه ..
لذلك سيكيلها الجراح الباردة طويلا ..
حتى يشفى ..!

* * * * *

تتزاحم بين أناملها النحيلة حبيبات مسبحتها .. و لسانها لا يتوقّف عن الإستغفار المتعاقب بهمسٍ خافت ..
عينين كان الدفء قد هجرها مؤخرا .. ترفعها لوجهه بجفاءٍ جلي ،،
فيما يطالعها هو بثبات .. ينتظر ردا على ما قال للتو ،،
لم يكن سبب استشارته لها الأول لها غير وسيلة يائسة لاستجلاب الفرحة .. أو السلام لأحداقها الجافة ..
غير أن البرود كان يحفر ملامحها المجعّدة .. و صوتها يقول بنبرة ثابتة ..
- و الصبي كان من خاطره يباها ..؟ هو لي طلبها ..؟ و الا حد حادنه عليها ..؟!
محاولة فاشلة يحاول فيها استفزازها لتخالف تيبسا يكسوها منذ خيبة ..!
- و لو حديناه عليها ..؟! بنت عمه و هو أولى بها .. يستر عليها .. و يضمها ..
لم يهتز لها جفنٌ واحد ..
لا زالت حبيبات المسبحة تنزلق تباعا من بين أصابعها العتيقة ..
و الاستغفار لا يهجر لسانها ..
فقط تقطعه ببرود نظرة .. مجيبة ..
- و بنت عمّه ما فيها قصور .. وافية .. و لا تقول أولى بها .. هي لي أولى انها اتنقى من بين خيرة الرياييل .. حافظ عليها بنت حمد .. بخت من بيظويها ..
تنهد بضيق و هو يقول ..
- الولـــــد يباها من خاطره .. و مرمسنيه ويا أبوه رباعة .. و رد أبوه و ذكرنيه بالسالفة .. انتو شاورتوا البنية ..؟! هذا اسبوع خطف و ما رديتولنا خبر ..
أمام تصلّبها .. و النظرة الفارغة التي راحت تسلّطها عليه ..
شعر بأنه لا يعرف هذه المرأة التي يعاشرها منذ ما يقارب الشهر ..
هذا الجمود غريب عليه ..
لا يجد الدفء و حنين يائس كان لا يفارق مآقيها ..
لا شيء سوى البؤس القاسي الذي راح ينخر روحه بعمق كلما التقى اللوم الصامت .. و الخيبة في نظراتها ..
صوته يرتفع بقوّة و كأنه يصرخ القهر الذي راح يستبد به يوما بعد يوم ..
- خلصوا الأمور فيما بينكم .. و ردولنا خبر .. أنا ساير العزبة ..
أومأت ببرود ..
- بيي من الله خير ،، الرب حافظ ..
أوصد الباب خلف طيفه الذي ذوى مبتعدا عن عينيها ،، قبل أن تتهاوى القوّة الهشّة في عينيها ..
و مع انزلاق حبّة مسبحتها التالية ،، و تمتمة الإستغفار ،،
التصقت دمعة باردة اختبأت طويلا في زاوية عينها بهدبٍ هزيل كان قد تساقط على مرّ السنين كأوراق أيامها اليابسة ..

* * * * *

يدٌ مرتعشة تلك التي مسحت بها قماش الفستان الأبيض برفق ،،
تربّت على بياضه ..
كأنها تبثّه مواساتها ..
تعسٌ هذا الفستان ..
لن يلفّ فرحة عروسٍ كغيره ،،
كتب له أن يستر شقاءها .. و لطخةٌ من قذارة خلّفها قبح فعلة الغير ..!
تمنّت لو كانت في زاويةٍ مظلمة الآن .. بعيدة عن الأعين المحيطة بها ..
لتحتضن الفستان و تبكي ..
ستعتذر لأنه لم يكن سوى خدعة كبيرة ..أكذوبةٌ عليها تقمّصها و التباهي بها أمام أعين أحبتها ..
لربّما انتحب هو بدوره .. يرثي فقدانه لنقاءه ..
فرصته بأن تلتحفه عروسا حقيقية ..
لا هي ..
ربّـــــــاه ..!
عضّت بثقل أجفانها على أطراف دموعها خوفا من أن تنزلق أمامهن ..
و صوت حور يخترق وشائج أحزانها .. متأثرا ..
ليوغل الوجع أكثر في أعماقها ..
- فديتج عفاااري ،، غديتي عروس .. يخبّل الفستان .. طالعة فيه و لا أميرة ..!
تنظر لها نورة المستلقية على سرير عفرا بحس فكاهة لا تشعر به ..
- أميرة و الا سعاد .. هه هه هه ..
فتهز حور رأسها بضجر ،، و برود أصبح لا يفارقها مؤخرا ..
- سبحان لي خلقج ما أسخفج ..!! من متنتي ثقل دمّج ..!!
طغى الإحباط على ملامح نورة فورا ..
- تغارين انتي أصلا من خدوديه .. ودج بهن عقب ما راحن خدودج .. لكن تحلمين ..
نظرت لها حور بطرف عينها ..
- أي خدود .. ويا هالويه لي بيتفجّر ..
- تعايبين ع خلقة الله ..!!
نظرت لها حور بجديّة ..
- نورة .. و الله بالموت وسعنا الفستان .. لو نعدله مرة ثانية بيخترب .. راقبي وزنج .. غديتي تتضخمين .. أمتن وحدة فينا .. و طولج ما يساعد ..
فُتح الباب على اتساعه لتظهر دانة من خلفه .. الوجه الذابل لها الذي اعتادوه منذ أسبوع طالعهم ببؤس و هي تحمل كوبا من الحليب الساخن في يدها .. و تفتح فاهها بشيءٍ من البلاهة اتجاه عفرا ..
قبل أن تنهض ملامحها في فرحة متكاسلة ..
- اللـــــــه ..!!! عفااري ،، و الله روعة الفستااان ،، أحلى عن فستان حور .. بس هب كأن خصره واسع شوي ..
شعرت بكتلة عملاقة تسد مجرى الأحرف في حلقها .. لم تستطع الا أن تمنح دانة ايماءة صامتة ردا على كلماتها و هي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة العملاقة أمامها ..
نظرت حور للفستان بعينٍ ناقدة قبل أن تقول بهدوء..
- عفاري ضعفت وايد .. عسب كذيه طاح خصر الفستان .. يبالنا نسويله تعديلات شويه .. حتى الصدر شوي واسع ..
التفتت نورة لدانة التي تقدمت نحوها ..
- هاا أم ضروس حديد .. شوه تشربين ..؟!
نظرت لها دانة شزرا .. حين انتزعت الكوب الساخن من بين يديها لترتشف منه جرعة .. فيما تقول الأولى ..
- ضروس حديد ..؟! اتحمدي ربج ع النعمة .. و الله لو تذوقين الويع لي آنسه الحينه ما تطيب لج عيشة لا ليل و لا نهار .. أنا حتى الماي البارد غديت أتحسس منه .. أحس انه بيكسّر ظروسيه ..!! لقمة العيش لازم أحط فوقها قوطي روب عسب اسرطها ..
قالت نورة و هي تمد رقبتها لتنظر اليها ساخرة ..
- سبحتينا انتي و تفالج .. شوه حادنج ع الشين ..؟؟ شوه تبين بالتقويم و العبالة .. لي يشوفج ايقول مركبة دعامية حديد انتي و هالضريسات .. كان حمدتي ربج ع النعمة اضروسج ما بهن الا العافية .. مصفوفات صف .. لكن البطرة و ما تسوي ..
ألقت دانة عليها نظرة مجروحة معذّبة و هي تقول بأحرف مبهمة بعض الشيء مع حرصها على عدم الضغط على أسنانها ..
- با الله عليكن .. منوه يبا الشدّة .. خبرنيه بس .. انتن ما تشوفن .. أنا دوم أحس ضرسينيه هاييلا شالات تايرين .. يباليه أشدهن شويه عسب أحصل على ابتسامة كرست .. أنا وراية مستقبل .. و زواج .. و ريال بيقبّل في ضريساتيه .. بس و الله تعذيب ..
ثم تأوهت و هي تنتزع الكوب من يدي نورة عنوة ..
- آآآه .. و الله أحس انيه مركبة أثقال في ضروسيه ..
ضحكت نورة و هي تنقلب على بطنها .. و تنظر لعفرا مرة أخرى ..
- بيعظلن خدودج ..
ثم استطردت و هي تنسد خدها بيدها ..
- عفاري ،، على هالحال .. ما بيي يوم العرس الا و انتي مختفية .. ما صار توتّر يختي .. ثاني مرة تعدلون في الفستان .. و تم واسع ..!!
وقفت حور و اتجهت نحوها تشد أطراف فستان عفرا .. في محاولة لتضييق خصره ..
- ما عليج منها .. بس ريحي عمرج شويّه .. أصلا المادة لي انتي ماخذتنها الصراحة وقتها بالمرة غلط ..!! يعني ما رمتي تأجلينها للكورس الياي .. ناقصة هم انتي على هم العرس .. وايد ضعفتي ..
ثم ضربت بإصبعها عظام كتف عفرا النحيلة البارزة بعتب هادئ ..
- شوفي كيف غادية جلد على عظم ..!! غذي عمرج .. طاح ويهج قبل العرس حتى الهالات غادي لونها أغمج عن قبل .. انتي ما ترقدين ..؟!
هه ..
ترقد ..؟!
على أي همٍّ وثير تجد هذا الترف يا ترى ..؟!
ابتلعت غصتها .. دون أن تجيب .. و دمعة قويّة تزحف و تتفلت من قبضتها المتمنعة لتلمع في مقلتها اليمنى ..
ما ان واجهت حور بريقها حتى احتضنت خد أختها براحتها في حنانٍ دافق و هي تهمس بحب أعاد لملامحها الدفء الذي اعتادوه و غدى يهجرها مؤخرا..
- عفاري غناتيه .. بلاج ..؟! شي مضايقج ..؟!
لو تعلمين أختي ..
مساحاتٌ شاسعة من وجع .. و خزي تفترش أعماقي ..
أي وجه قد أقابل به رجلا يعرف تفاصيل عاري الأسود ..!
لكن هزّة رأسها المبتسمة رغم دمعتها .. و الصوت المبحوح المختنق . خرج منكرا أي ضيق و هي تقول ..
- لااا .. بس الفستان حسسنيه انيه قريب بظهر من البيت .. و ببعد عنكم ..
اشتدت يد حور على جانب وجهها و هي تغرس ثقة نظراتها في عيني أختها ..
- ما بتبعدين .. انتي بيننا .. و أقرب من النصخ حتى ..
أومأت عفرا بانكسارٍ خفي ..
لا أحد يعلم أي ثقلٍ يرهق أكتافها ..
هذا الوضع يقتلها ببطء ..
ستموت قبل أن تنتهي هذه المهزلة دون شك ..!
اقتربت دانة بدورها منهن .. و هي تقول بأسف ..
- خسارة .. ما شافت المها الفستان .. عفاري خليج لابستنه الين ترد من المركز ..
لترفع عفرا عينا مرهقة بنظرتها الساخرة و هي ترد ..
- حلفي ..؟ شرايج أتغدى به بعد ،، انتي ما رمتي لسلك حديد في ظروسج .. تبينيه أخيس في هالخيمة .. الين ترد المها ..؟؟!
ضحكت دانة بتعب و هي تملّس بيدها قماش الفستان الناعم ..
- تراج بتخيسين بتخيسين .. اليوم و الا عقب اسبوعين ،،
ثم رفعت عينيها لعفرا .. بابتسامة أخرى ،،
واحدة تختلف عن ما اعتادوا رؤيته على شفتيها ..
بعيدة عن المزاح .. و السخرية ..
و تبخّر المرح من عينيها التي انكسرت نظرتها .. و حزنٌ يغفو في بسمة شفتيها و هي تلف ذراعها الحرة حول خصر شقيقتها النحيل و تسند رأسها على كتفها .. و الكوب يهتز في يدها الأخرى .. متنهدة ..
- عفاري .. عفاري .. عفاري .. باقي اسبوعين بس ..؟! يا الله ..!!
رفعت عفرا رأسها للأعلى .. خشية أن تبدأ دموعها في التدفق .. و هي تقول بصوتٍ مختنق ..
- الـ.. الحليب .. لا تيخسين الفستاان ..
ابتعدت دانة قليلا عنها بابتسامة أخرى .. و هي تقول ..
- و اذا خيسته .. حليب و فستان أبيض .. يعني غير الريحة ما فيه أي مشاكل ..
نظرت لها عفرا بزاوية عينها مقاومة شعورها بالحزن ..
- بالله عليج ..؟! و الريحة شوه يخوّزها .. عاد الحليب يوم يعفّن و ترد ريحته يصك الراس ..
ضحكت دانة بخبث وهي تتحرك مجددا نحو نورة ..
- أخير لج يا الخبلة عسب لا يخترب الميكب و التسريحة من أول ليلة ..
شهقة عظيمة كان مصدرها بعيدا عن عفرا التي التوت ملامحها بقسوة بعد هذه الطعنة الغير مقصودة من أختها .. و راحت تداري عِظَم وجعها باستدارة نحو المرآة تخفي وجهها عن أخواتها .. و حور تصيح بغضب في دانة ..
- عنلااااتج يا قليلة الأدب .. انتي وين قد وصلتي ويا هالرمسة ..!!
عضت دانة على شفتها السفلى و هي تجلس جوار نورة .. تمنع نفسها من الضحك ..
- بسم الله .. بسم الله ..!! شوه قلت أنا .. انتي تفكيرج وصخ ..!! أنا قصدي ان الوحدة يوم تخسر ع الميكب و التسريحة اتخليها ع الأقل اسبوع .. و شوي .. تحلل الفلوس لي صرفتهن عليها .. خص ان كل شي يكون ثابت .. بعدين ليش عصبتي ..؟؟! أنا ما رمستج .. كنت أمزح ويا عفرا بس ..
ثم نظرت لانعكاس وجه عفرا في المرآة قبل أن تعود لمراقبة احتقان وجه حور العصبي ..
- حور انتي ليش زعلانه ..؟! كم تمت التسريحة .. هههههههههههههههههههههههه ..
ضحكت نورة بدورها و هي تنظر لحور التي التفتت لها بغضبٍ أخرس .. قبل أن تقول بقوّة ..
- انتي فرحانة بسوالفج الماصخة هاي ..؟!
وضعت دانة يدها على فمها فيما انقلبت نورة على ظهرها .. و هي تهتز بضحكٍ صامت ..
و صوت حور يرتفع مرة أخرى ..
- عيب .. استحي ع ويهج .. الرمسة لي تقولينها نستحي نحن نقولها و نحن معرسات .. عنبوه يا بنات هاليومين الوحدة منكن ما فيها حيا .. امررررة امورها طيبة .. اتقول لي تقوله ..ثمني رمستج .. انتي بنية و كل شي اتحاسبين عليه قدام الناس .. لحظة .. شوه قدام الناس .. قدام ربج أول .. يختي الوحدة تكون نظيفة في أفكارها .. في رمستااا .. شوه هاا ..؟؟!
ارتفعا حاجبي دانة باستنكار ..
- عنبوووه .. حور أنا شوه قلت .. كنت أمزح بس ..!! ما انحرفت .. و هالرمسة بس امبينا لنا خوات و الا عند العرب ما ...
ألقت حور جسدها على الأريكة و هي تقاطعها بضيقٍ فاضح ..
- و الله مزحج ماصخ .. لا تمزحين مرة ثانية في هالمواضيع .. و بعدين اليوم يوم استسهلتيها قدامنا عادي اتخورينها قدام العرب لغراب ..
اتسعت عينا دانة أمام انفجار حور ،،
- أعصابج انزين .. ما ترزا هالكلمتين لي قلناها .. بلاج ..!! محد يمزح يعني ..
نفخت حور بغضب ..
- امزحي بأدب ..
شعرت دانة بأن حور تفرغ غضبا لا يتعلق بها .. لذلك تصلّبت ملامحها ببرود و يدها تشتد على الكوب و هي تقف ..
- خلااص أخت حور .. آسفين ع الغلط .. السموحة بس كان لوّثنا مسامعج النظيفة الراقية .. مرة ثانية ما بنمزح ..
ثم توجّهت نحو الباب خارجة بضيقٍ واضح .. و نورة تصيح في أثرها ..
- دندن .. واحد من فصوص التقويم طاح وراج ..
صاحت دانة بغضب و هي تتجاوز الباب ..
- جب يا الدرام ..
و انصفق الباب مع خروجها الثائر .. لترفع حور رأسها بحدة و هي على وشك السباب ..
لكن نظرات عفرا التي التقتها ألجمتها .. و هي ترى نورة تدير رأسها بدورها نحوها ..
- خير ..؟!
أدارت عفرا ظهرها لها مرة أخرى لتنظر اليها عبر المرآة .. و كأنما هي بحاجة لوضع مسافة بينهما خشية أن تنفجر حور مرة أخرى .. ثم تقول بحذر ..
- شديتي عليها ..
ردّت حور على الفور ..
- خليها تتأدب ..
تكلّمت نورة بتهور ..
- تتأدب ع شوه حور .. البنية ما لحقت تمزح بكلمتين .. الا و انتي كلتيها بقشورها ..
التفتت حور لها بغيظ .. و اللوم يستفز احساسها بالذنب أكثر فأكثر ..
- محد سألج .. ترى علومها تشابه علومج ..
تقلّبت نورة حتى وصلت حافة السرير و وقفت على قدميها بتثاقل ..
- أقول أميه .. انتي محترقة .. و ياية تفكين الحرة فيناا .. و أنا وحدة وزنيه ما يتحمل الصريخ و هز البدن ع قولة الشاميين .. سلاااام ..
ثم راحت تتحرك بعجل نحو الباب قبل أن تهب حور فيها بدورها ..
صرت الأخيرة أسنانها بقوة و الضيق يكتنف صدرها ..
ظلت أنظارها معلّقة بالباب الذي ارتد خلف نورة .. متجنّبة وجه عفرا ..
شعرت بالدم يجري ثائرا في عروقها ..
و حرارة تنضح من مسامها .. و هي تزفر بقوة ..
مرت دقائق طويلة .. كانت حور تتجنب فيها مواجهة عفرا .. لكن الصوت الهادئ الذي أتى من خلفها جعلها تستدير مرغمة نحوها .. تراقب كتلة البياض التي استوت على طرف السرير الفسيح ..
- تعوذي من الشيطان و قولي لا إله الا الله ..
سحبت حور نفسا طويلا شعرت به يتغلغل في أعماقها ..
- لا إله إلا الله .. أعوذ بالله منك يا إبليس ..
و أسندت جبينها بيدٍ متعبة ..
فيما تتساءل عفرا ..
- شي مضايقنج ..؟ انتي تعرفين ان لي قالته دانة ما يستاهل كل هالانفعال .. اترومين تفهمينها باسلوب أهدا .. هذا هب اسلوبج حتى مع اليهال .. رب ما شر حور ..؟
رفعت حور كفّها بتلويحة مبهمة ..
لا تجد تفسيرا لانفجارها الذي استنكرته في داخلها قبل الجميع ..
ما خطبها ..!!
شعرت فجأة بالدموع تتدافع في مآقيها .. و إحساس ثقيل يطأ أنفاسها ..
أشاحت بوجهها بعيدا عن عفرا ،، و شدت قبضتها تسد بها فمها لثانية .. و هي تبتلع عبراتها ..
ما تعرفه أن وجعا ساحقا داهمها فجأة ..
و هي ترى أن قهرها و الكبت الذي تمارسه على مشاعرها يتفلّت لحظات غفلتها من قبضتها ..
تبحث عن أي شيءٍ تافه لتنفجر من أجله ..!

* * * * *


تسند ذقنها بأصابعها المتشابكة .. و مرفقيها يغوصان في نعومة سرير المشفى ،،
عيناها تمسحان الجسد الممدد بحب جارف .. يخالطه ألم لم يعد يفارقها ..
قبل أن تحرر يمناها و تمسح رأسه الساكن برفق .. و هي تهمس بحنان ..
- صباحك خير يا الغالي ،، ما مليت رقاد ..؟
و ارتجف صوتها ..
- اشتقت لعيونك ..
بلا حراك ..
يرتفع ضجيج الآلة التي تزرع رئتيه أنفاسا ،،
و طنين جهاز تخطيط القلب يناشدها أن تشهد تعاريج نبضاته ،،
لتشمخ بانكسار نظراتها إليه ..
و خطوط خضراء تتحطّم على استقامة غير متصلة ،،
رفعت اصبعا مهتزا بسرعة لتتدارك دمعة كادت تنزلق ،،
لو اسقطتها .. لن يتوقّف طوفان قد يتدفق خلفها ..!
بيدها الأخرى تمسك بيده العريضة .. تمسح عليها بإبهامها .. و هي تهمس بصوتٍ متحشرج ..
- حبيبي و الله ..
رفعت رأسها تكابد دموعها الدانية .. و ابتلعت ريقها بقوّة .. تضغط على فمها بيدها بقوة ..
قبل أن تحني رأسها نحوه بابتسامة ميّتة و بريق الدموع لا يختفي من مآقيها ،،
- مادري ليش أحس انك تسمعنيه ..؟! انته تسمعنيه ..؟ نهيان ..؟!
و عضت شفتها بقوة .. و شهقة تصاحب انزلاق عبرة على خدّها تعلو الصمت الذي رد صدى سؤالها ..
تعلم أنها تخدع نفسها بهذه الأوهام ..
نهيان بعيدٌ عن هنا ..
يهجر هذه البقاع الخصبة بالخداع .. و الغدر ..
يسكن الظلام ..
لكنه ظلام يختلف عن سوادٍ ملأ قلوب من منحتهم الثقة ..
ظلام هادئ .. لا يبثه الا سكينة ..
فضل الرقاد فيه حين لم يستطع استيعاب فداحة ما حدث ..!
رغم ذلك رفعت كفّه لشفتيها تلفظ على ظاهرها الحزن الذي راح يلوّن حياتها في تلك اللحظات مع خوفها لفقدانه ..!
- لو تسمعنيه .. لو تسمعنيه بس و تدري ..!! نهيان محتايتنك يا خوية .. أنا هب زعلانة ع لي صار .. خلاص و الله .. بنسى .. أصلا .. أصلا نسيت .. بس انته رد .. و لا تضيق صدرك .. و لا يهمك .. نهيــــان ..؟!
نداءها الأخيرة كان مهزوما أمام صمته ..
و انتكس رأسها ..
لينساب اليأس بحرارة ..
يلذع موارد البسمة على وجهها ..
همست بصوتٍ مبحوح .. و الرؤية أمامها تحتضر خلف غلالة الدمع الضبابية ..
- نهيان يا بعد هليه ..أنا لحالي .. مالي غيرك يا خوية .. غريبة حتى فدار أبوية .. نش .. مابا الا انته .. ابا أحس ان ليه أهل .. ابا خوية .. أبااك ..
غريب أن تشعر بالوحدة القاتلة وسط جموع الأقارب تلك ..
أن تدرك بأن دمٌ يجمعهم لا يعني أن يكونوا هم العائلة .. بتاتا ..!
عجبي كيف تغدو قطرات تجري في عروقها هي سر نفورهم ..
كيف يتحفّظ إخوتها في معاملتها .. و يتوجّس أبناءهم من وجودها ..
فيما يتظاهر أباها بأنها ليست في المكان ..!
رنين هاتفها المحمول يقطع الصمت بصخبٍ كريه .. لتجفل بقوة ..
ثم تسارع لكتم أنفاسه ..
تكره أن يزعج هدوء راحة أخاها شيئا ..!
تلصق الهاتف بأذنها و تهمس فيما عينها تمسح ملامح نهيان المنطفئة برفق ..
- ألوه ..؟!
لحظة صمتٍ ردّت كلمتها ظنت فيها أن لا أحد قد يجيبها قبل أن يتدفق صوتٌ حيوي قويّ ضج مسامعها ..
- يـــا مرحبـــــــا بالجمــــــال اللي يهـــــــــز السلاطـــــــــين ..
انعقد جبينها بعدم فهم و هي تبعد الهاتف عنها بتوتر مستنكرة غلظة الصوت الرجولي .. تدقق في الإسم الذي يعلو الشاشة .. قبل أن تطفو ابتسامة صغيرة على ثغرها طمست شيئا من حزن عينيها ..
- هلا و الله ،،
عاد الصوت الرجولي يتساءل بذات الحيوية ..
- الشيخة ميعاد سيف علي الــ ××××× ..؟!
لم تجد ردا على سؤاله الممازح سوى ضحكة خفيفة خجولة ،، و احساسٌ بالحرج لا زالت تقابلهم به ..
- هيه نعم ،،
- ممكن نتعرف ..؟
ابتسمت بخفّة دون أن تجيب .. لا يمكنها مطلقا مجاراة مرحه أو مزاجه العالي دوما ..!
حين اعتدل صوته لينطلق حيويا مجددا و هو يتساءل ..
- هاا عمتيه .. اعلوم ..؟
ردت بصوتٍ خافت ..
- علوم الخير .. و من صوبك ..
أجاب بسرعة ..
- عال العال .. حد عندج ..؟
- لا ..!
- ليش تساسرين .. أحمد أنا هب بن لادن ..
ابتسمت لترد بعفوية حانية ..
- نهيان خوية راقد ..
لحظة صمتٍ انفجرت في الطرف الآخر .. قبل أن يهدأ صوت أحمد و يقول بعمق ..
- الله يعافيه و يشفيه و يقومه بالسلامة ..
انتقل لأذنها صوتٌ آخر لأحد يقبع بجانب أحمد و هي ترد ..
- آمين ..
لتختلط الأصوات برهة و هي تحاول التقاط شيءٍ من الحديث .. قبل أن يعود صوت أحمد للتساؤل ...
- انزين الساعة 12 الا ربع ،، بو سيف مطرشنا نوصلج البيت يقول لازم تظهرين قبل 12 ..
التوت ملامحها بحزنٍ مجددا .. و هي تقول ..
- انتو هنيه ..
- عند بوابة الخاص و لو خاطرج اتمين بنرقبج ما عدنا خلاف ..
ابتلعت غصتها و صوتها يخفت بانكسار ..
- لا الحينه لازم أظهر لنهم بيشيكون عليه .. دقيقة و أنزل لكم ..
كان التعاطف يثقل صوت أحمد و هو يجيبها بحنان هادئ ..
- ع راحتج ،، لا تستعيلين ..
أومأت و هي تشد على شفتيها .. تطبق عبرة عملاقة على خناقها .. ثم تنهي المكالمة دون كلمة أخرى ،،
يدها ترتعش و هي تشد على الهاتف المحمول .. تسنده لجبينها بتعب .. و هي تغمض عينيها بقوة ..
فتنبثق دمعة واحدة ،،
باردة ..
لم تكن سوى طقسٍ معتاد عليها ان تمارسه قبل أن تهجر جسد أخيها لوِحدَه ..!
ترغم على أن تترك فريسة الضياع في الجانب الآخر ..
يتخبّط في الظلام ..
أَ جائع أخي ..؟!
أَ خائف ٌ ..؟!
أ من وجعٍ تشتكي ..؟!
أ و يجرؤ البرد و الوحدة على احتوائك .. و أنت الدفء و الوطن ..؟!
بربك ألم تجد سبيلا للعودة ..؟!
هناك بقاع تشتاق حضورك ..
و ديار يهجرها الدفء و الضوء بغيابك ..
هناك صمتٌ قادم ..
مخيف ..
أشعر به سيجتاحني ..
سيهدمني ..
سيجرفني لهاوية ملؤها غربة ..
أشتاق حضورك يا كبير ..
ألم يحن الوقت لتحزم ألمك و الخيبة .. و تنتكس بك الخطى عودةً للنور ..؟!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
في أقصى الممر يعقد ذراعيه على صدره ،،
من خلف زجاج نظارةٍ داكن لا يحتاج إلا إخفاء نظراته خلفه ..
راح يراقب آخر أفاليل رحيلها تذوي في نهاية الممر ،،
في زحف دواليب عجزها .. انكسار جلي ،،
شيء راح يستفز شفقة تسكنه .. ينحيها بعيدا على عجل ..
آخر ما يحتاجه الآن هو ثقلٍ يزيد به شعور بالذنب لا يفاقه ..!
يستدير اتجاه الجسد الساكن خلفه ،،
التصق ظهرها بالكرسي الجلدي الذي تشغله .. و مفاصل أصابعها تستحيل للبياض و هي تشد يديها بقوة ..
من خلف غطاءٍ ثقيل .. يعلم أي أنهارٍ تزحف على وجهها تشق أخاديد من وجع في روحها قبل الوجه ,,
و هي تراقب مضيّ أختها بعيدا عنها ..
يؤلمه أن تزهق التعاسة روحها ..
حطّم قلبها سقوط نهيان بعد ما فعلت ،، ليزيد إحساسها بالذنب بعد كشفها لأمر أختها سوءا ..!
لطالما تساءل في داخله هل يقع الذنب كلّه على عاتقه كونه كان اليد الخفية التي تتحكم بالأمور خلف الستار ..؟!
أم أن خولة لم تكن تحتاج سوى لمن يدفعها لتنهي تلك المهزلة التي كانت ستستمر حتى يطويها التراب ..!
- راحـــــــــت ..!
استدار نحو الرأس الذي انتكس ببؤس حين تسلل وجع الكلمة إلى مسامعه ..
هذا حالها كل يوم مذ عادوا من السفر بعد سقوط نهيان باسبوعين ..
ترتقب هذه النظرة الخاطفة لطيف أختها ،، و هي تدير ظهرها غير عالمة بوجودها في المكان ..
ما الذي قد تفعله تلك المقعدة يا ترى لو سنحت لها الفرصة لمواجهة أختها ..؟!
ما موقفها غير اللوم يا ترى ..؟!
شكر ربّما لأنها أنهت فصولا من النسيان و الهجر من حياتها ..؟!
- هيه راحت .. ما تبينا نحدر ..؟!
لملمت بقاياها ببؤس ،، و هي تقف على قدميها بوهن ،،
قبل أن تجرّ الخطى خلف ابن أخيها ،،
ستولج روحها في مدخلٍ من حسراتٍ بعد ثوانٍ ،،
لتبدأ فصلا جديدا لحكايةٍ من ألم ،، كانت هي من ابتدأها ،،
و لا تلوح نقطة نهايةٍ لها في أفق ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
مراقبا بوابة القسم الخاص من الموقف الذي ركن سيارته فيه و هو يتساءل باهتمام ..
- انزين هو مريض بالقلب .. و سالفة الهبوط فيه فهمناها ،، لكن داخل غيبوبة ليش ..؟! يعني أحيد الراس يتدخل في الوعي و اللا وعي .. هب القلب ،،
نظر له هزّاع ببطء قبل أن يقول بنظرة ضيّقة ،،
- لنّك غبيّ و كلمة الحق تنقال .. بخبرك ،، يقولك انه يوم ياه الهبوط ما دري الأزمة ،، مادري شوه صابه في قلبه ،، الضخّ من القلب تباطأ و الدم ما وصّل الأكسجين للدماغ ،، و تأثر الدماغ ،، و تعطل .. كيف و ليش و متى ،، الله العالم ،، ادعيله يا ريّال ،،
تنهّد أحمد و هو يميل على المقود ،،
- الله يشفيه و يعافيه ،، و يشفي جميع مرضى المسلمين ،، يا الله بالعافية ..
وضع هزاع ذراعه خلف رأسه ،،
- آمين يا الله ..
ثم و كأنه تذكّر شيئا مختلف ..
- تعال .. ما خبرتنيه .. اعلومك ويا الوالدة ..؟!
سحب أحمد نفسا عميقا قبل أن يطلقه زفرة ضيق ..
- خلها ع ربّك يا ريال ،، مول هب طايع الحال ينصلح .. تقول هب سادنيه هالأسبوع لي أرقب فيه الرد ،، عسب أزيد ع عمريه بزعلها .. المشكلة انيه أدري من قبل انها ما بتطيع ،، أعرف موقفها من السالفة .. انت ما شفتاا يوم حامد خطب عفرا شوه سوّت .. و الحين قالبة البيت ع راسيه .. لا ترمسنيه و لا تسلّم عليه .. و لا ترد ليه كلمة من خبرها ابوية .. لنيه ما شاورتاا .. تعرف انها ما بتروم ترمس قدام أبوية و الا تعايب ع البنية .. لكنها هب راضية و لا موافقة .. قالتاا بصريح العبارة .. أحمدوه يا الهرم بنت الصمخا ما أباها ..
ثم التفت لهزاع بقهر حقيقي ..
- يخرب بيتهم هالناس .. ذبوحنا بهالعلم .. صمخا .. صمخا .. صمخاا .. كرهت الكلمة من كثر ما أسمعها .. بخبرك بو سلطان .. العرب ادوّر عيوب غيرها عسب تماري باللي عندها .. يعل كل من قال عنها صمخا يفدا مواطيها .. و لو صمخا .. خير ..؟
عض هزاع على نواذجه و هو يفتح نظارته الشمسية ليرتديها .. داسا نظراته و شيئا من الخزي خلفها ..
كان هو ممن كانوا يعارضون ،،
و يقولونها ..
( صمخـــــا ..! )
ثم ابتسم بشيءٍ من التوتر ،،
- متحمس أشوفك ،،
سحب أحمد نفسا عميقا قبل أن يطلقه مرتجفا بابتسامة مهزوزة ،،
- هيييييييه يا هزاع ،، الا متحمس .. بس لو يترفقون بفواديه ،، أخخخ ،، مخلينيه ع نار ،، مادري متى بيرحمونيه و يردون ،،
ضحك هزاع بخفة ،،
- انزين إصبر عليهم ،، بيسألون عنك أول ،، و يشوفون تصلح لبنتهم و الا لا ..
- تستهبل انته ..؟!
- لا أستعبط .. انته شوه عايلنك ،، بتموت لو ترييت اسبوع يعني .. تراها بتخيس عندك العمر كله ..
انبثقت ابتسامة كبيرة على شفتي أحمد ،، و عينيه المرحتين تلمعان بقوّة ..
- و الله يا هزاع مستعد أصبر سنة لو انيه ظامن انها بتكون ليه العمر كلّه ،،
ثم خبا بريق مآقيه و تنهد ،،
- لكن رمسة الشياب لولية ما تبشر بخير يا خوك ..
لوح هزّاع بيده دون اكتراث ..
- لا اتسمع لهم ،، كل واحد اييب الرمسة من عنده ،، لكن شور البنية هو لي عليه العمد .. وين بتحصّل شراتك ..
ثم ابتسم بسخرية جانبية ..
- مال و جمال و أخلاق .. و من البيت للمسيد و من المسيد للبيت ..
ابتسم أحمد بخفّة ..
- تعال اخطبني ..
أشار هزاع برأسه لزجاج السيارة الأمامي ،،
- قدم الموتر لعمّتك ،،
رفع أحمد رأسه لتلتقط عيناه مرأى الجسد الذي يحويه كرسي ذو دواليب راح يقطع الممر المحفوف بالمزروعات ،،
ليحرّك سيارته بسهولة نحو المدخل المسقوف ،، و هو يقول بابتسامة صغيرة ،،
- عمتيه ..؟!! أحسها أصغر بناتيه ..
لكن هزاع كان ينظر لانزلاق كرسيها عبر المدخل بعين الشفقة ،، و هو يتمتم ،،
- مسكين حالها و الله ،، تغمضنيه .. الله يشفي خوها ..
تنهد أحمد و هو يوقف سيارته بمحاذاة الممر ،،
- آمين ،، صعب تتلته في دنيتك و لا من عضيد ..
التفت هزاع نحوه بسرعة ..
- و نحن وين سرنا .. أبوها .. و أخوانها بدال الواحد أربعة .. غير عيال خوها ..
مال احمد ينظر عبر زجاج نافذة هزاع يراقب اقترابها .. و هو يقول بهمسٍ خافت ،،
- تقص عليّه و الا ع عمرك ،، و أبوها و أخوانها الأربع من زود الرحمة في قلوبهم ،، و الا الحب البيّن ،، أنا ما ظنتيه حد منهم قبّل صوبها من يوم يت البيت أكثر من مرتين ،، ما تحيد أول مرّة ساروا لها عقب ما ردت أميه نورة البيت كيف ويوههم تقول حد يارنهم من خشومهم غصب ،، أقسم بالله ما راح بين الريول الا هي ،، لا طلعت من خوانها من أمها و لا أبوها و عياله ،، اذا ابويه سيف ما نشوف اللين فيه علينا ،، تقول بيرحمها ..؟!
زفر هزّاع ببطء و هو يراها تتوقف في منتصف المدخل الحجري بكرسيها ثم تتلفت يمنة و يسرة دون أن تتعرف على سيارة أحمد ،،
- يعني الخير فينا ..؟ ترانا مقصرين شراتهم ،، محد قايم بها غير غيث خوك ..
عقد أحمد جبينه و هو يطالع نافذة هزاع ،،
- الله يصلح الحال ،، ليش وقّفت ..؟ شكلها ما عرفت الموتر ..!
.
.
.
.
.
.
فتشت بعينيها في السيارات المتوقفة أمامها لثانية ،، كيف لها أن تعرف سيارته ..؟!
هل تعيد الاتصال بالرقم لتسأله ..؟!
مجددا ترفع عينيها للسيارات ،، لتصطدم بمرأى الرجلين المتقدّمين نحوهما ،،
سمات الزهو ،، و فتوّة الشباب الناضحة من طريقتهم في المشي ،، ذكّرتها بالتكبر الذي يسري في عروق هذه العائلة ،،
لكنها تعلم خير العلم بأن أوصالها لا تمتد لقبي هذين الشابين ،،
لقاءاتها المتعددة معهم دفعتها مرّاتٍ و مرات للضحك من بين دموعها ،،
و رغم سخط غيث الدائم عليهما ،، و الطيش الجلي في تصرفاتها .. رغم اندفاعهما و التهوّر ،،
أيقنت بأن لكل واحدٍ منهما قلبا من ذهب ،،
حبّ الحياة يتدفق صادقا من ضحكاتهم ،، و كلماتهم ،، من الحيوية المشعّة في مآقيهم ،،
إحساسٌ يزرعونه بمهارة في نفوس الغير ،، يخفون خلفه ما يجول صدقا في نفوسهم ..!
و من وسط أحزانها الجافة ،، تسللت بسمة هادئة لتلتصق بشفتيها ،، مع دنوهما ..
تساءلت إن كان أحدهما يعرف الإحباط أو الحزن خلف أقنعة البشاشة هذه ..؟
أم أن الضحك في وجه كل الظروف هي فطرة فيهما ..؟!


* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-01-09, 03:31 AM   المشاركة رقم: 814
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

- خلاااص قلت لك .. عقب اسبوعين ما عنديه خلااف .. لكن الحينه هب فاضية ..
رفعت عينيها بملل نحو التلفاز الذي تقلّب قنواته قبل أن تقذف جهاز التحكم على الأريكة ،، و هي تستمع لصوت حمدة أو حمدان كما تطلق على نفسها يلح عليها ..
- انزين انتي شوه بيضرج الحينه .. و الا عقب اسبوعين ..
حركت شعرها القصيرة و هي تتأفف بضجر ..
- الحينه مشغولين بعرس ختيه و خوية ..
- حلااااته يا الخبلة .. عسب تاخذين راحتج و محد يحاسبج ..
كانت تأخذ راحتها بالحديث في صالة الطابق العلوي .. و هي تعلم بأنها تخلو الا منها و من روضة القابعة بهدوء داخل حجرتها ..
- أنا أقول عقب اسبوعين و الا بكنسل السالفة .. امبونيه رافضة سالفة الحفلات و هالخرابيط لا تخلينيه الحينه صدق أكنسل ..
سكون أجابها لثوانٍ طويلة علمت خلالها بانها تتمادى في نظر حمدان ..
فلا أحد قد يعارض رغباته مثلها ..
ثم أتى الصوت بطيئا .. قذرا ..
- هب مشكلة حبّووو .. لي صبّرنا شهور يصبرنا اسبوعين .. بس ..
قاطعتها شيخة بسرعة و هي ترى روضة تفتح غرفتها ..
- خلااااص .. أوكيه .. انا برمسج خلااف ..
و دون انتظار اجابة أنهت المكالمة مع اقتراب روضة .. و جلوسها على الأريكة المجاورة ..
لم يتبادلن كلمة واحدة و روضة تلتقط جهاز التحكم لتبدّل القناة ..و تستقر على أخرى تدير عرضا للأزياء ..
نظرت شيخة إليها بحاجبٍ مرفوع قبل أن تقول بغلظة و هي ترفع ساقها المكسوة بالبنطال على الطاولة المجاورة ..
- حوووه .. ما تشوفينيه أطالع المباراة ..
لم تهتم روضة كثيرا و هي تهز كتفيها ..
- المباراة مخلصة .. و انتي كنتي ترمسين في التيلفون ..
ابتلعت شيخة رغبتها في التحرش و هي تتأمل جانب وجه روضة الفاتن ..
قريبا ستفقدها و تفقد تواجدها .. رغم العلاقة المعدومة بينهما ..
لما كان عليهن أن يكنّ بعيداتٍ عن بعض بهذا الشكل ..
لم يكن الاختلاف فقط ..
لكن روضة لم تفكر قط بمد أواصر العلاقة بينهما ..
الغريب أنها سعت للتقرب من بنات حمد ..
ألم يكن لديها المقدرة على التقرب منها قبلهن ..؟
.
.
يقفن على أبعد من قطبين متنافرين ..
و هي على وشك أن تفقد روضة ..
دون أن تشعر بانها قد كسبتها يوما ..!

* * * * *

و سرق الدهر يومين ..
في غفلةٍ منهم ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
- الين متى بتمين زامة بعمرج انتي و هالضروس .. خطفن يومين ع السالفة .. ليش ما طعتي تسيرين لبيت حور ويا عفاري و رويض .. تعرفين انه ميعاد ما تروم اتيي هنيه .. و مالها الا نحن نسير عليها و تشوفنا ..
كان الضيق جليا في صوت نورة و هي تخاطب أختها ..
لم يكن الوضع يريحها البتة ..
فعلى مر السنوات اعتدن تقبّل نقد حور و عتابها بصدرٍ رحب .. و كلهن ثقة بأنها لا تنشد الا مصلحتهن ..
لكن البرود لم يتزعزع من عيني دانة و هي تصلب نظراتها على شاشة التلفاز ..
- كيفي عاد .. ماريد أسير بيتاا عقب الموشح لي سوت لي اياه .. و ليت السالفة ترزا .. لو المسبة ع قدر المغبة كان قلت ما عليه .. لكن أكره ما عليّه انه ايي واحد و محتر من غيري و يفرغ غيظه فيّه .. حتى ما فكرت تطيب خاطريه بكلمتين .. يعني انها تشوف ان السالفة ما تستاهل .. و لو زعلت و الا قعدت بالطقاق ..
ثم نظرت لنورة و نظرة مجروحة تسكن عينيها ..
- دام زعليه عادي ،، و لمراضاتي أحلى طاف .. خلينيه أفكها من حشرتيه .. و ألزم حدوديه .. أخاف خلاف أضايق الشيخة حور برمستية الماصخة و الا شي ..!!
قطبت نورة و هي تستنكر أسلوب دانة في الحديث عن أختها الكبرى ..
- حوووه .. دانة .. شهالأسلوب الخايس لي ترمسين به .. هاي حواري .. طول عمرها تخشعنا بالرمسة و ما قد اشتكينا .. و حتى لو كثّرت في الرمسة آخر مرة .. لا تنكرين ان لي قالته صح .. نحن مرات نبالغ في المزح .. و نطوف حدودنا ..
التفتت لها دانة .. و الألم يختلط بالغضب في عينيها ..
- أنا ما قلت صح و الا لا .. لكن أكره هاك الإسلوب لي رمستنيه به .. من متى و حور تهازب بصريخ عسب كلمتين ..؟؟ لو حور ختيه لي أعرفها .. و تعرفنيه و متأكدة انها خايفة عليّه ميودة داس و اتحش رقبتيه ما بَوِن و الله لا أحني الراس .. و تنحرنيه .. ما بقول لااا .. لكن هاي هب حور .. هاي وحدة ثانية .. وين حور لي نعرفها ..؟؟ حور ختيه لي ربت ويانا و ربتنا .. الطيبة .. القوية .. حور الحنونة .. لي تدارينا .. تخاف علينا .. لااا اتقولين هاي هي .. هاي وحدة باردة .. ميتة .. حور من عرست تغيرت علينا .. و عافتنا ..
ابتلعت ريقها بقوة .. تنزل الغصة التي تصاعدت في صدرها .. قبل أن تقول بصوتٍ متوجع ثائر ..
- شوفي ويهها ،، يوم اتيي عدنا .. كنها مغصوبة و الا حد يارنها من خشمها .. كل شي غدت تسويه من دون نفس .. أقل شي ينرفزها .. و يعصب بها .. من عرست حتى الضحكة تطلع منها بالغصب .. انقلب حالها بالمرة و غدت وحدة ما نعرفها .. وحدة بس تبا تتحكم .. و تتأمر .. و تتعنطز علينا.. !
- أنا بس أبا أتحكم و أتأمر و أتعنطز عليكم ..؟!
رفعت نورة و دانة رؤوسهن نحو الصوت الهادئ بصدمة حقيقية ..
ليجدن حور تقف عند فتحة المدخل المضفية إلى الردهة ..
تعقد ذراعيها أمام صدرها بهدوء .. فيما تتحجر ملامحها ببرودٍ شديد ..
كان صوت دانة المنفعل يجرّها جرا إلى هنا منذ اللحظة التي دخلت فيها الردهة .. تستغل وجود عفرا و روضة لتسلية ميعاد ..
السبب الأول الذي دفعها للقدوم إلى هنا لم يكن أكثر من دانة .. تعذّر حضورها معهن .. دفعها للاحساس بالذنب .. و قاد خطاها إلى هنا بغيّة استرضائها بعد نزاعها الأخير لها ..
لكن المفاجأة أن دانة لم تكن تنتظر قدومها الا بهياجٍ ساخط راحت تقذفه بأعلى صوتها ..
ليرتطم بقلب حور .. فيشجّه ..
آخر ما كانت تنتظره هو كلماتٍ كهذه ..
اضطربت ملامح نورة بشدة .. و هي تنقل بصرها بين حور و دانة قبل أن تستقر على الأولى ..
- مرحبا حواري .. ما حسينا بج يوم حدرتي ..
أشاحت دانة بوجهها نحو التلفاز تتجاهل وقوف حور .. فيما الأخيرة تقول بصوتٍ يتقاطر منه البرد .. ناقض النيران التي راحت تلتهم أحاسيسها ..
- أدريبكن ما حسيتن .. و الا ما كانت الأخت - و أشارت برأسها إلى دانة - ماخذه راحتها و تعبر عن شعورها بهالصراحة ..!
وقفت نورة على قدميها تستدرك أي احتدامٍ قد يحدث ،،
- لااا حور .. فديتج .. دانة ما كانت تقصد لي سمعتيه .. يمكن هي .. يعني .. كااانت ....
و راحت تلوّح بيدها في الهواء بشكلٍ عشوائي في محاولة فاشلة للتبرير .. فيما استمرت دانة في النظر للتلفاز بلا مبالاة واضحة ..
ضيقها من تجاهل حور لها اليومين الفائتين أثار حنقها .. و أرادت ارضاء غيظها بشيءٍ من التجاهل ..
لكن صوت حور البارد كان مستفزا أكثر و هي تقول بسخرية جليدية .. راحت تلسع قفا دانة المغتاظة ..
- لاا اترقعين لها .. لو ما كانت قد رمستاا و تعنيها .. ما يلست تزاعق و تسمع الكون انها ضحيّة ،،
كانت المرارة تملأ فمها و هي تتكلّم .. شعور بالغدر باغتها و هي تمسك بلسان دانة يغتابها في غفلةٍ منها ..!
عقدت ذراعيها و هي تحوّل عينيها لمؤخّر الرأس الذي كان يتجاهلها .. ترفع صوتها بلهجةٍ لاذعة ..
- انزين أخت دانة .. ليش صخيتي يوم وصلت ..؟ عبري عن شعورج و خذي راحتج .. متى تحكّمت فيج و تأمرت عليج ..؟!
استمرت دانة في التمسك بالصمت .. متجاهله نبرة حور الاستفزازية .. فيما سألت الأخيرة بقسوة ..
- ارمسي .. و الا شاطرة تتعنترين بالرمسة و تحشين اذا ما كنت موجودة .. شي فخاطرج طلعيه .. لا تخافين ..
قفزت دانة من مكانها تنظر لحور بقوة ..
- أنا هب خايفة .. و الرمسة لي قلتها أعنيها ..
وضعت حور يدها على ذقنها و هي ترفع حاجبيها باستنكار ..
- و متى تأمرت عليج ان شا الله .. و الا لنيه أعلمج تلمين ثمج عن الرمسة الوصخة غديت أتعنطز عليكن ..؟!
اتسعت عينا دانة و الضيق يتفجر في وجهها ..
- الحين انتي بتمين ميودة هالكلمتين عليه طول العمر .. ما ترزا هالمزحة لي قلتها ..
رفعت حور صوتها و هي تفرغ شيئا من انفعالاتها الحبيسة ..
- مزحتج بااايخة .. و ما فيها من الأدب و الاحترام شي .. و مرة ثانية تعلمي تلزمين حدودج ..
نظرت نورة لوجه حور بغرابة ..
كان الاختلاف ينطق من ملامحها الصافية التي بدت غريبة عنهن تماما في تلك اللحظة .. لم تكن حور من قبل تتكلم بهذا البرود الكريه المطبق للنفس ..
- حور .. دانة .. عينن من الله خير ,، السالفة ما تستاهل و انتهت ..
نظرة الجرح العميق التي سكنت مقلة دانة عكست شعورا بالخيبة .. و هي تقول لنورة ..
- يوم أقولج انها هب لولية ..
شعرت حور بالغيظ يتفجّر منها ..
غضب من الذات يفوق غضبها من الوضع الذي راحت تحشر نفسها فيه ..
احساس بالضيق و كراهية مطلقة للنفس .. جعلتها على وشك اطلاق النيران مع أنفاسها .. و هي ترد بقسوة ..
- خير الأخت .. غادية محللة شخصيات بعد ..
نظرت نورة لحور بحذر ..
- حور .. شوه ياج .. بتيلسين لها ع كل كلمة اتقولها ..
نظرت لها حور بشراسة .. آخر ما تريده في تلك اللحظات فرد آخر من أحبتها يستنكر وجعها الصامت ..
- يالسة تستعرض فراستها .. و تبينيه أسكت لها .. شوه شايفة عليّه ..
صاحت دانة و الدموع تهتز فجأة في عينيها ..
- انتي تشوفين اسلوبج الحينه و انتي ترمسين ..؟؟ ليش هالاحتقار .. شوه لي سويته و يستاهل .. و الا عسبة كلمتين قلتها .. خلاص خذتيهن عذر .. انتي وااايد تغيرتي .. غديتي بااردة و قاسية .. كل شي تسوينه بدون نفس .. اترمسينا بدون نفس .. و تيلسين ويانا غصبن عنج .. دوم نفسج فخشمج .. شوه ياج و قلب حالج .. ما يرزا علينا هالعرس لي غير علومج ..
ضغطت حور على أسنانها بقوة .. و الحقيقة الفجة تصفعها بهذا الشكل ..
إلا أنها لم تكن مستعدة للتنازل و الاعتراف في تلك اللحظة ..
كان ضيقها يخنقها من كل شيءٍ حولها ..
كل شيء ..
حتى أنفاسها ..
الذهول طفح على وجه نورة لثانية قبل أن ترفع صوتها نحو دانة ..
- دانة بس .. خلااااص .. شوه بتقلبونها ظرااابة الحين ..
لكن حور هي من ردت عليها ..
- و ليش اتسكتينها ..؟؟ خليها تكمل .. و متحكمة و متأمرة بعد ..
ثم نظرت لدانة بسخرية مريرة ..
- صح ..؟
صاحت دانة و دمعة تنساب على وجهها مسحتها بظاهر كفها غاضبة ..
- صح و نص ..
صاحت نورة بينهن ..
- بنااااات خلااااااااص .. عنبوووه ما تستاهل السالفة .. تعوذن من ابليس ..
صرخت حور بعنفٍ حقيقي نبع من قهرها ..
- متى اتأمرت على وحدة منكن .. و اتحكمت فيها ..؟؟ هااااااااه ..؟؟
ردت دانة تلوح بيدها ..
- و لي تسوينه في المها شوه يسمونه ..؟؟؟ اتعرفين انها تميل لأحمد .. و عادي توافق عليه لو ما انتي تضغطين عليها ..
اتعست عينا حور بصدمة و هي ترفع سبابتها لصدرها ..
- انا أضغط ع المها ..؟؟ أناا ..؟؟
ردت دانة بثقة ..
- هيه انتي .. اروحها قالت انها تفكر بالموضوع لكن انتي مهب راضية عنه .. و هي شكلها بترفض عشانج .. ليش دوم تبين تتحكمين في حياتها .. مرة ما تبينها تدخل الدورة .. و مرة ما تبينها اتسير بروحها .. و الحين ما تبينها تعرس و تعيش شرات البنات ..
ألجم هذا التفسير حور و لم تعد قادرة على النطق لثانيتين ..
مذهولة ..
و تابعت دانة بصوتٍ أكثر هدوءا ..
- و الا لنج عرستي و عايشة حياتج .. عادي المها تيلس تحت ظلج طول العمر .. ترا انتي هب دايمة لها .. لاا اتكونين أنانية .. اتعرفين انها تتبع شورج و لو اتحس بس احساس انج ما تبين أحمد بترفضه .. انتي غديتي تتخذين كل قراراتهاا كأنها ياهل مع انها أكبر مناا .. لو تحطينها في قوطي و تبندين عليها هب أحسن ..؟
انفجر شيء في صدر حور ..
خوفها و حرصها على المها .. أصبح .......
و ردّت بغير تصديق في نبرة مستنكرة مهزوزة ..
- أنانية ..؟؟؟؟!
نظرت لنورة التي غطت وجهها بيديها .. و تمتمت بصوتٍ كسير ..
- يا ربيييه ..
سحبت نفسا تطمس به شيئا من الألم و الحرقة التي تدافعت داخلها ..
لكنها لم تفلح الا بزيادة اشتعالها ..
- أنا أنانية ..؟؟ يوم أخاف عليها .. و أفكر في مصلحتاا غديت أنانية ..
ركزت دانة عينيها المحمرتين في عيني حور المتألمتين ..
- و ليش اتخافين عليها .. تراها هب ياهل .. خليها تعيش حياتها .. و تاخذ قراراتها .. بلااه أحمد ..؟؟ ريال و سنافي .. و طيب .. هب أخو ريلج ..؟؟ ما شوفج اعرضتي ع حامد يوم خطب عفرا .. الا شجعتيها ... و وقفتي وياها ..
هذه هي المصيبة ..
أنه أخوه ..
ما الذي يضمن بأن سيلا من القسوة لا يجري في عروقه كحال أخيه ..
هي لم تحتمل ..
و ها هي تتهاوى ببطء ..
ماذا عن المها اذا ..؟!
تلك النسمة الرقيقة ..
ستبعثرها خشونة أنفاسه ..
و سيسحق روحها الهشة ان كان كأخيه ..
شعرت فجأة بأنها تقف هنا .. و يفصل العالم بينها و بين أحبتها ..
هل تحرم المها من حق الاختيار ..؟
أ هي من يخنق أحلامها ..
ليس بيدها ..
تخشى عليها حتى الموت من أن تعيش ما تكابده هي الآن ..
نظرة خيبة مريرة ،، حملت كل الخذلان الذي شعرت به في تلك اللحظة ،،
و إحساسٌ بالظلم يراودها و هي تنظر لدانة قبل أن تقول ..
- و انتي تشوفين أحمد هو لي مناسب لها .. و تبينها توافق ..؟!
رفعت دانة رأسها تستعيد هدوئها فيما انغرست نظرة حور في قلبها بقسوة ..
لتشعرها بأن لا تساوي شيئا ..
- أنا ما أفكر في أحمد و لا في غيره .. أنا أفكر في المها .. عطيها حقها .. عطيها حياتها .. حسسيها بالحرية شويّة .. ليش دايما انتي لي تاخذين عنها قراراتها ..؟؟
ارتفع طرف شفة حور العليا و هي تهز رأسها بابتسامة بالية ..
- يعني هالحشرة كلها عشان المها ..؟ و الا فخاطرج شي ثاني .. و ترقعينه بسالفتاا ..؟!

* * * * *

بعيدا عن هامات المباني ،،
عن زحام السيارات في شوارع المدينة أسفلا ..
عن انعكاسات الصباح ،، و اشراقات الشمس البهيجة على زجاج العمارات المقابلة ،،
نظراته تصل لحدود الأفق ،، تفتّش عن ثغرةٍ قد تندس فيها ،،
يبحث عن طوقٍ من الهدوء لتتعلق روحه به لحظاتٍ من راحة ..
بعيدا عن تلك القيود التي تكبّله الآن ،،
تلك التي ستحني ظهره بعد اسبوعين ثقلا لا يحتمل ..!
من خلفه كان صوت أخيه الأكبر يحدّث سكرتيره بنبرة مسيطرة قويّة .. ذكرته بإحكام المأزق الذي يلفّه الآن ،،
شيءٌ كالوتد راح يشقّ صدره بقسوة ،، و هو يتخيل لثوانٍ كيف سيجمعهما سقف .. و اسم ،،
كيف سيعاملها .. و كيف سيبتلع غصّته مما حدث لها و يتجاهل الأمر ليمضي في حياته ببساطة ..؟
هل بإمكانه صدقا أن يحتمل رؤية وجهها كل صباح لتذكّره بأن أحدهم صفعه على قفاه و سلب عرضه ..؟!
أن حثالة ما غرس إصبعا ليفقأ عين شرفه فيعميه .. و فرّ دون عقاب ..؟!
هل سيستطيع التنفس بهدوء في حضورها دون أن يفكّر بأن أنفاسه تخالط قذارة أنفاس ذاك الوغد ..؟
و هل سيحادثها .. و ينظر إليها .. من غير أن يتخيّل أي وضعٍ كانت به يوما ..!!
رفع إصبعه ليبعد ياقة ثوبه عن رقبته بضيق و هو يزفر بقوة ،،
إحساسه بالإختناق يزداد يوما بعد يوم مع دنو موعد الزفاف الوشيك ..
خشيته بأنه لن يستطيع إتمام لعبه لدور ابن العم الشهم المنقذ .. توتره ..
تبا لكل ذلك ..!!
لا يستطيع التطلع في الوجوه المترقبة لهذا الحفل التعس بسعادة ..
يقتله إحتفالهم الباذخ بطعنةٍ في الظهر عليه أن يحمل ندبتها ألما دون ذنبٍ منه ..
سوى أنه الرجل المناسب في المكان المناسب ..
- التفكير بيتعبك ..!!
دس يديه في جيبه دون أن يستدير نحو أخيه الأكبر ..
انعكاسٌ باهت للحجرة في الزجاج أمامه أعلمه بخلوّها إلا منهما ..
لذلك سحب نفسا عميقا يملأ به صدره دون أن يرد ..
هناك نارٌ تستعر .. وقودها الوقت المتقلّص .. الذي راح ينفذ بجنون ..!!
عاد الصوت العميق يصله من وراء ظهره ،،
- حالك هب عايبنيه هالأيـــــام ..!!
تساءل في سرّه إن كان شيئا ما قد يعجب غيث قط ..؟!
لذلك ارتفعت شفته بسخرية مريرة دون شعور ..
- و ليش ما يعيبك .. ريال و ع ويه عرس .. حدي متحمس ..
و صر على أسنانه بغيظ حين لمس جرحه بقوة ،،
خطوات مختنقة على شعر السجادة الفخمة سبقت الظل العريض الذي وقع على النافذة ..
كان صوت غيث قريبا للغاية .. و هادئا و هو يتساءل ..
- ندمت لنك وافقت ع الموضوع ..؟
أيصدقه القول يا ترى ..؟!
بأي حجمٍ سيتركه ذلك أمام أخيه ..؟!
صوته خرج من قرار الجوف ميتا بلا إحساس .. يجيب على سؤال تساءل عن إجابته ملايين المرات في داخله دون أن يصل لحلّه ..
- لااا ،، أندم ع شوه ..؟! هه .. حد يحصل له يستر على فضيحة و يقول لا ..؟!
ثم التوت رقبته بقوة و هو يرفع رأسه للأعلى بألم مبرح ..!!
ذاك النصل الذي يهوي به عبثا في كل إتجاه .. لا يمزّق إلا روحه ..!
و من وراءه شد غيث على قبضته بقوّة و غضبٌ يعتمل في داخله ..
كان الوضع كريها للغاية ..
شعوره بأنه يقمع حياة أخاه في قمقم من تعاسة و لو لحقبةٍ قصيرة .. جعل القهر يتفجر في داخله ..
و أكثر ما يسحقه هو إحساسه بأنه ظلم ابنة عمه في هذا الأمر بشكلٍ ما ..
نفور حامد الواضح من الموضوع و ازدراءه لوضعها ..
تركها أشبه بالمغدورة في نظره و لا يعلم لم ..
لا ينكر بأن تلك الغصة الأبدية لا زالت تزهق أنفاسه ،، لكن شفقة هائلة تستبد به كلما فكّر بها ..
شيءٌ من الرحمة يغلب صورا عديدة تتزاحم في مخيلته ..
لو كان في قلبه ذرة شك بأن لها يدٌ فيما حصل لها لمزّقها بأظافره ..
لكن يقينه بأنها بريئة لم يجعلها طاهرة في نظرة ..
لازالت لطخة السواد تصبغ اسمها ،، شيءٌ في داخله يرفض إلا أن يذكّره بأنها موجودة على وجه الأرض .. و أنها تحمل وصمة عارٍ طمست طهارتها للأبد ..
تساءل في سرّه ان كان سيختار أحدا غير حامد لو عاد له الخيار مرّة أخرى ..؟!
ثم زحفت قشعريرة باردة على ظهره ..
كلا ..
كان حامد هو الخيار الوحيد ..
هو الشخص الوحيد الذي كان موجودا نصب أعينه .. الحل الأمثل ..!
لكنه قلق الآن ..
و قلق عليها أكثر من قلقه على أخيه ..
إذ أن حامد رجل و سيتجاوز الأمر .. غدٍ أو بعده ..
فكيف لها هي أن تتجاوزه أبدا ..؟!
خشي عليها من شهامته ،، من غيرته ..
من وجعه الفاضح .. و شعوره حيال ما جرى لها ..
و لم يدّخر وقتا في التفكير ،، كان القول أسبق من حدّ السيف ،،
- حامد .. عادك ع البر ،، لو تشوف انك هب قد المسؤولية .. و لا مستعد تاخذها .. عاده اسبوعين قدامنا ع العرس .. و وايد ظروف تستوي بين العرب و تخليهم يأجلون .. و خلاف ينفصلون سكّاتي ..
ثم ارتفعت نبرته بقوّة .. في قسوة غير متعمّدة ،،
- لكن انك تمن عليها ،، و تذل أسلافها على هالسالفة و تاخذها عذر تجرح ع الطالعة و النازلة .. لاااا .. تراك هب الضحية الوحيدة ،، انته شوه خسران غير اسمك و وجودها في حياتك شرا وحدة من خواتك .. باكر انته بتسير و بتنقي بنت الحلال لي خاطرك فيها و بتمشي حياتك .. و هي اروحها لي بتاكلها .. لاا حياة شرات العالم و لا راحة بتلقاها ،، لاا تسويلنا فيها المضحي و الشهيد .. لو ندمان خبرنيه و الحينه بظهر من هنيه و أكنسل الموضوع بكبره ..
لم يهتز رمق من قفى حامد الجامد ،، و شعر غيث بالغضب يتصاعد في داخله مرة أخرى ،،
- لاا تيلس تطري هالسالفة كل شوي .. تحرق يوفي .. و تقهر عمرك و تذل المسكينة لي متكلة على الله ثم عليك .. ذليتنا ياخي .. شف شكلك .. ما تقول معرس .. الا عنز يارينها المصلخ .. العرب كلها درت انك ما تبا تعرس .. نادم لنك وافقت ..؟؟ أنا أبري ذمتك الحينه .. هاذوه الباب .. اظهر منه و لك منيه انيه أنا أخلص السالفة شرا ما بديتاا .. لكن انيه أشرّد البنية من ذل عسب أفرها فذل فهالشي لي ما أباه ..
استدارة بطيئة كانت الاستجابة الأولى من حامد .. لتصدم عينا غيث ملامحه الباردة .. و صوته الهادئ يقول بجمود ..
- ليش ..؟ منوه قالك ان السالفة بيدك ..؟ و منوه انته عسب تحكم و تقضي فيها ..؟ الموضوع طلع من نطاقك الحول .. أنا اروحيه لي أحكم فيه الحينه .. لا تيلس تسوي ليه مواعظ و انته هب عايش الوضع لي أنا فيه .. البنية باخذها ،، عاد أعاملها كيف ..؟ و ليش ..؟ هالشي ما يخصّك ..
كان عرضه لأخيه بأن يترك عفرا مقامرة كبيرة ..
قصد منها استفزاز نخوته و شهامته ليحصل على وعدٍ باكرامها ..
لكن ردُّ حامد هذا أثار قلقه أكثر من قبل ..
تخشّب وجهه الأسمر بقوّة ،، و صوته المتكبّر يردّ ،،،
- يمكن ما يخصنيه يوم بتغدي في بيتك ..
ثم انخفض صوته بشكلٍ منذرٍ و خطير .. و ملامحه تلتوي في شراسة مخيفة ..
- لكن أقسم بالله العظيم .. لو سمعت انها اشتكت منك مرة و الا أذيتها و الا ذليتهاا يا حامد .. حرام يا أخليك تعيف عمرك ..
و لم يهتز رمقٌ لحامد أمام هذا التهديد .. كان رد فعله الأخير هو ابتسامة صغيرة جليدية ..
- انته هب أحرص منيه ع بنت عميه .. و هاي آخر مرة نفتح فيها هالموضوع .. ماريد أرمس عن هليه و ياك ..
عصفت مشاعرٌ سوداء بملامح غيث .. لكنّه لم يظهر ثورته و هو يقول بهدوءٍ بارد ..
- وصلتك الرمسة ..
كان قد وضع حد القصاص لأذية عفرا نصب عيني أخيه ..
و لم يعد لديه شيءٌ يضيفه ..
ابتسامة حامد الميتة لم تتبدل و هو يربّت بخفة على كتف غيث ،، منهيا حديثا شعر بأنه يأخذ منحنى بعيدا و ثقيلا عليه ..
- هييييه يا بو سيف .. ما تحرق النار الا ريل واطيها ..

* * * * *


في حجرها تستقر حقيبةٌ جلديّة سوداء ،،
واحدة تستطيع احتوائها بين أكفّها ،،
إلا أن ما تعنيه لا يمكن لأضلعها أن تطبق على انفلاته ،،
بين أناملها يغفو الحلم ,, الأمل .. العطاء ..!
يتوسّد رقّة تلك الأصابع يقينها بأنها قادرة على فعل شيء ،، على الإبداع ..
لذلك رنت بلمسة حنونة ،، تمسح أطراف حافظة الكاميرا بحب ,,
قبل أن تضعها بلطف على طاولة السرير ..
طوال دقائق الصمت الطويلة كانت تتشاغل بالكاميرا عن حور التي وقفت تستند على اطار النافذة تنظر للخارج ..
تعلم جيدا لما هي هنا ..
و هذا ما ضاعف ارتباكها ..
نظرت لأناملها الناعمة في حجرها و هي تعقدها ..
لا تنكر تلك الفرحة العظيمة التي تضيق بها أضلعها كلما استعادت الموضوع و اختلت بنفسها ..
نشوة فتاةٍ تشعر بأنها مميزة ،، مختلفة ..
بهجةٌ خالصة تستعمرها .. و تستوطن أركان قلبها الطاهر ..
مع ادراكها بأنها ليست مختلفة عن بقية الفتيات .. و هناك من يراها أفضلهن .. و يخطب ودها ..
شعورٌ حلو بالخجل يتغلغل في روحها ،،
هناك رجلٌ يريدها ..
يريدها هي دون سواها ..
ليس عليها أن ترتقب واحدا قد لا يأتي ،، و ان أتى فلن يكون ذاك الفارس الذي يغزو أحلامها ..
هي كغيرها من الفتيات ..
ربما لا يرى أحدٌ مما حولها ذلك ..
و ربما يقمع الغير فكرها تحت مفهوم الإعاقة ..
إلا أنها أنثى ..
و ان نسوا ذلك ..
لها أحلامها .. و أمنياتها ..
لها مشاعرها ..
و لها قلبٌ عطش ،، و روحٌ ظامئة .. تتوق لتعيش الحياة الحقيقية ..
ارتعشت أهدابها الطويلة و هي تلتصق بخدّها المتورّد الناعم ،،
و شفتيها الورديتين تزهران ابتسامة صغيرة حالمة ،،
فيما يخفق قلبها بعنف ..
خجلا .. و ارتباكا .. و خوفا لا تنكره ..
كلما استحضرت في ذهنها صورة ذاك الرجل الذي ظهر فجأة يطالب بها ..
يتوق للقياها و مشاركتها حياتها ..
و يرتقب الآن ردّها على نار ..
سرعان ما ذَبُلت ابتسامتها على شفتيها .. و رفعت نظرة منهزمة لظهر حور ..
تأملتها طويلا ..
لا يمكنها إلا أن تشعر بضيق و توجّس حور من هذا الأمر ..
لن تمضي فيه ان شعرت بأن مجرد ذرّة من رفض تسكن نفس هذه الحبيبة ..
و هذا ما تركها في تناقض كريه .. شتت مشاعرها بقوة ،،
زفرت بهدوء .. لتحين من حور التفاتة بطيئة نحوها ..
فاحمر وجهها على الفور ..
و شعرت بأن حور قد تقرأ لهفتها للموضوع في عينيها ..
فأخفضت أهدابها بخجلٍ فاضح ..
شعرت بظل حور يسقط عليها .. قبل أن تجلس بجوارها على الفراش ..
و رفعت هي رأسها رغما عنها حين التقطت حور كفها بين يديها ..
فالتقطت ابتسامة حور الناعمة ،،
ابتسامة خالفت البرود الذي كان يكسو ملامحها مؤخرا ..
و انحنت لتطبع على خدها المتورد قبلة دافئة بثّتها كل الثبات الذي كانت تحتاجه في تلك اللحظات ..
.
.
.
.
قد تكون مندفعة خلف اتهامات دانة ..
لكنها على الأقل استطاعت تبين شيءٍ مهم ..
هو تقبّل المها و تحمسها للموضوع ..
و رغما عن ذلك هي على استعدادٍ برفض الأمر برمته دون تردد ان شعرت بانها هي لا توافق على ذلك ..!
و هذا ما مسها بعمق ..
أيحق لها أن تتخذ عنها هذا القرار أيضا ..؟
أن تسلبها حقها في الإختيار .. ؟!

* * * * *

(( تبكيكِ البقاع ..
بكمـــاء هي الأحرف أمام حزنكِ غزة ،،
لا تطرقي خيبةً لسكوتهم ..
و لا تصفقي كفا بكف ..
هم هكذا ..
يرتقبون دوما اشتداد الأذى .. ليتنحنحوا متظاهرين بأنهم لم يعلموا بغائر جراحك إلا توا ..
هم هكذا ..
يرفعون أصواتهم ،، و يحركون أيديهم .. يتشاغلون .. و يتناسون ..
و يغضون البصر .. خشية ..
هم هكذا .. عاجزين عن إيجاد السلام فيما بينهم ..
يرفع أحدهم غصن زيتون ..
و يطلق آخر بياض حمام ..
فيما هم غارقين حتى خيبتهم .. في صراعاتهم الداخلية ..
يرفعون أكفا من استسلام ،،
فإذا انفجر بكِ الوجع ،، و ارتفع الصراخ ..
راحوا يتلفتون حولهم بغباء ..
بحثا عمّا ينتهك فيهم ..
أواهٍ يا غزة ..
لكِ الله ..!
ففيما يجتمعون هم على مائدة الإقتصاد تنديدا بسلام لأجلكِ ..
يموت أطفالكِ .. و تبكي نساؤكِ .. و يذبح رجالكِ ..
و عنّا ..
نحن اولئك القابعين في بيوتنا ..
ماذا عنا ..
لأخبرك الموجع المضحك غزة ،،
كوب القهوة ذاك الذي ارتشفه لسنواتٍ من احدى الشركات الداعمة لتمزيقك ..
أتركه مرغما بغيّة المشاركة في مقاطعة ..
لأعود له بعد يومين ..
حين أنسى أن أشاهد الأخبار .. او أطلع على جريدة ..
فإن ذكرتك و الكوب فارغ ..
هززت كتفا متهاونا .. ما الذي ستفعله دراهمي بأهلها ..؟
متغافلا حتى عن رفع يدي حتى بدعاءٍ صامت ..
.
.
عذرا أطفال غزة ..
عليكم أن تُقتلوا كل عام ..
فقط ليتذكّر العالم الغافل بأن فلسطين لا زالت محتلة تنتهك ..
و لا سلام ..! )) *
.
.
.
.
طوت الصحيفة ببطء قبل أن تضعها بهدوءٍ جوارها ..
يكتب ..
كيف ..؟!
و ما علاقة غرفة مريض القلب بقلم حر ..
لما تلك الرسالة المبهمة ..
لم يكن أمامها سبيلا للحل ان كانت ستخلى الأسبوع القادم ..
فهي ستقطع الخيط الوحيد الذي قد يقوده إليها ..
عليها أن تجد سبيلا لمعرفة ساكن الغرفة .. و علاقته بقلم حر ..
تراها تغامر بالذهاب إلى هناك .. و معرفة من هو ..؟!
رغم هذا .. و بعيدا عن اهتمامها به ..
كان المقال الذي كتب موجعا للغاية ..
لما تشعر بأنها بعيدة كل البعد عن ألم ذاك الشعب .. و أنه لا يصلها منه شيء ..
كانت قد نسيته تماما إلى أن تذكّرته حين قرأت المقال ..
لوت شفتيها بسخرية ..
تماما كما قال ..!
هذا هو حالهم .. اذا اشتدت الأوجاع تذكروا بأن فلسطين لا زالت تحت خط النار ..
.
.
.
.
و تبكي أحجار ،،
ينوح الشارع المطمور و الأشجار ..
و أي أشجار ..؟
ترى الباقي غصن مكسور .. و أوراقٍ كلتها النار ..
و يبكي بيته العصفور ..!!
قبل يطلق جناحاته .. هرب خايف ..
عسى انه لا يجيه الدور ..!
و قبل لا يرتفع لأعلى ،، على غزة رمى نظرة ،،
يطالع كل ما فيها ،، وسط جفنه بيحويها ..
بغى هالذكرى يحفظها لآخر يوم في عمره ..!
لجل لا ضاقت الدنيا .. و ملت كل أراضيها ..
ذكر ان له وطن فيها ..
و إن العش ينتظره ..!
تأملها من العالي .. و بكت عينه من الحسرة ..
بيوتٍ ما بقى منها سوى الآثار ..
و دمعة شايبٍ مقهور .. جلس يبكي حطام الدار ..
و صراخ أمٍّ ثكّلوها ..
أحلام عذرا بعثروها .. طموح شابٍ اكسروها ..
و أعراض قومٍ اهتكوها ..
رموا طهر العرب بالعار ..!
و لا أنصار ..!
شوارع امتلت بغبار ..
رماد الهد ..
طمس شوف الأمل في الغد ..
و أصبح يومهم في الليل ،،
و قنابل تمطر فظلمة .. و تقلب ليلهم قنديل ..!!
على صوت انفجار أمسوا ،،
من اللي نام ..؟
على صوت الرصاصة قام ..
من اللي يخدع عيونه ..؟
يقول الخيرة استسلام ..؟
و غض بعينه يعميها ..
عن أجسادٍ ذرتها رياح ..
ما بين الموت و الا جراح ..
مذاق الويل ..
مذاق الويل ..
أذانه سدّ ..
و لا يسمع صدى لصياح ..
يبكّي حيل ..!
و لا أنصـــار ..
أمانة يا عرب شوفوا ..
مناظر ما بقت أسرار ..
في شاشات العرب و الغرب ..
في المذياع .. و الأخبار ..
جرايد تنشر الذلّة ..
و لا دم العروبة فار ..
لا فزعة .. و لا نخوة .. لا غيرة ..
و لا ينطق لسان بـ لا .. سوى قلّة ..!
أمانة يا عرب شوفوا ..
قلب الأم فوسطه كم حمل علّه ..؟
على فقد السند و البيت ..
يتيم الطفل .. بقى من له ..؟!
هوان القوم هز جبال ..
ذل شعوب و قهر رجال ..
و حيرة نظرة الأطفال ..
تنشدنا عن اللي صار ..؟
هنا بالأمس مدرستي .. و هذا مكان للملعب ..
و هذي الكومة كانت بيت عمي فلان ..
أطيب جار ..!!
من اللي هدّم الأسوار ..؟!
من اللي أحرق الأشجار ..؟!
من اللي يخنق الأزهار ..؟!
من الخاين ..؟ من الغدار ..؟!
علام السما تمطر هم ..
تروي القاع سيول الدم ..
بدل الأمطار ..؟!
يا ربي ليه ..؟ ما أفهم ..
اذا ما فيه مكان للعب ..
و لا باقي وقت للحب ..
و أصبح ضحكنا ممنوع ،،
بدال البسمة شرب دموع ..
حتى الدين يفنونه ..؟!
و خلّوا له بقايا جدار ..
و قبة مسجدٍ انهار ..؟!
.
.
و غمّض عينه العصفور ..
بقى فترة ..
يغالب دمعه اللي يثور ..
نفذ صبره ..
على قاع الطهر و النور ..
زرع عبره ..
قبل يطلق جناحاته ..هرب خايف ..
عسى انه لا يجيه الدور ..!
بعد عنها .. كسير القلب ..
و شبت وسط روحه نار ..
غصب .. مجبور ..!
كره انه يفارقها .. و رغما عنه طار ..
طار ..
طار ..
طار ..
و لكن قبل لا يبعد ..
خط رصاص تبع أثره ..
قبل لا يبتعد عنها ..
لحق به .. و اخترق صدره ..
و ناظر قلبه المثقوب ..
ضحك فرحة .. ضحك منكوب ..
و هز الراس بالحسرة ..
ذرف عبرة ..
و على أرضه حفر قبره ..!!
.
.
وش اللي صار ..؟
من اللي ينهي هذا العار ..؟
من اللي يحتوي غزة ..
من اللي يعود بالعزّة ..
و على ايده يرد الثار ..؟! **

* * * * *

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 24-01-09, 03:37 AM   المشاركة رقم: 815
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 



الوحــــدة ..
شعور مفعم بالمرارة ..
خانق ..
يورث رثاءً بالنفس ،، فتشتهي البكاء ..
شعور بأنك تجلس على ذاك المقعد الخشبي الخالي في قارعة الطريق ..
لا صوت إلا ترنيمة ريحٍ تعبث بأوراق الشجر الجافة المتراقصة عند قدميك ..
لا دفء .. خلا بردٍ يجمد أحاسيسك .. لتضمّ كفين باردتين لصدرك .. و تنفحها أنفاسك المثقلة بالغربة ..
لا حركة سوى إيماءاتك الغبية .. و التفاتاتك المترقّبة نحو أفقٍ لن يجلب قدوم شاغلٍ آخر لهذا المقعد الموحش ..
لا إحساس غير طوفانٍ موجع من الذكريات ،، التي تنبذك .. تلفظك ..
الوحدة ،،
هي الرغبة في الصراخ بالمتشاغلين حولك لتذكّرهم أن لا ينسوك ..
هي جرّك لطيفك الباهت تبغي الإختباء في ثقب زمن .. ثقب مكان .. ثقب وجود ..
هي جيوش الدموع الغير مبررة .. حين تتضخم في عينيك تصرفات الآخرين ..
فتكره أن يعيشوا حياتهم فيما أنت تموت .. أن يلهوا و كأن حزنك الصارخ في عينيك لا يستنجدهم ..
أن تنفلت أيديهم من قبضاتك .. واحدة تلو الأخرى ..
لتتمسك أخيرا بهواء ..!
الوحدة هي جلوسك اليائس أرضا ..
ترتقب أناملا تجمع حبات الدمع من مآقيك .. أو كفا عابرا قد تربّت على كتفك في مشاركة ..
.
.
الوحدة وحدها ما يغزوها الآن ..
شعورها بأنها وحيدة في ألمها .. فيما تستمر الحياة خارج حدود الألم داخلها بشكلٍ أو بآخر ..
لم يعد أحدٌ بحاجتها ..
واحدة تتزوج ..
و أخرى على وشك ..
الصغار يكبرون .. و الكبار يرفضون تطفّلها ..
فقد غدوا كبارا بما يكفي ليعيشوا بعيدا عن - تسلّطها - ..!
شعرت فجأة بعرقٍ بارد يتسلل لظهرها ..
و تمنت لو أنها تضع رأسها على مخدتها بذات البرود الذي تتقن تظاهره .. على أن يكون صادقا ..
تمنت لو أنها تنسى كل شيءٍ حولها ..
هويتها .. إسمها .. من تكون .. و ما حدث لها .. و ما قد ينتظرها غدا حين تفتح عينيها ..!
أن تنسى كل ذكرياتها .. سواءً كانت حلوة أو مرة ..
أن تترك خلفها كل خطواتها السابقة ..
لتضع رأسها على مخدةٍ من إنعدام إحساس ..
و تنام ..
لا يهم كم قد يطول نومها ..
لا تشاء الإستيقاظ إلا بعد أن تنجلي كل هذه الهموم .. هذه المعمعة التي تجتاحها ..
هذا الضياع الذي يؤرّق إحساسها ..
لكنّ لا فرق ..
ها هي تجاور ألمها على طاولة المطبخ ،، تتأمل أنفاس كوب الشاي الساخن تتصاعد لتتلاشى في الهواء ببطء ..
لو كان لها أن تبخّر الألم بهذه الطريقة ..
أن تشتت تعاستها الفظيعة و وحدتها في الهواء هكذا ..!
تطفّل برود دمعة يشرف من عينها على العالم بجرأة نستها منذ شهرٍ بارد مر ثقيلا عليها ..!
فرفعت أنملة لتطمسه في مكانه لكن إصبعها تجمد في الهواء و هي ترى تلك القابعة عند الباب بهدوء تراقب تعابير وجهها البائسة ..
قبل أن تمدّه بسرعة أكبر و تمسح تلك الدمعة و هي تبتسم في وجهها بتصنّع ،،
- عاد يوم أفكّر أنسى عمريه و ما حس بحد .. حتى عيني أنساها مفتوحة و ما أذكرها الا لو حرقتنيه ..
ثم طالعتها و هي تلملم بقايا الوجع من زوايا وجهها الصافي ،، بمزاحٍ لميعاد التي تقدمت بكرسيها نحو الطاولة ..
- طولتي تتأملين ..؟؟
كانت ملامح ميعاد هادئة للغاية و هي تتقدم ..
- سمعت صوتج يوم دخلتي البيت و ما مريتي الصالة ..
تنهدت حور و هي تلامس حافة الكوب بهدوء ..
- سمعت حشرة البنات هنيه .. و بغيت أيلس بروحيه شوي ..
انطفأت ملامح ميعاد باحراج في اللحظة التي لم يعد يفصل فيها بينها و بين الطاولة سوى خطوتين .. ثم ابتسمت متوترة باعتذار ..
- سمحيليه .. خربت عليج الـجـ .....
قاطعتها حور متداركة بسرعة .. و عيناها تتسع ..
- لا ميعاد فديتج .. هب قصديه .. تعالي بخبرج .. قربي .. تبين جاهي ..؟
عادت ميعاد تدفع كرسيها نحو الطاولة بخجلٍ طفيف ..
- ما نقول لا ..
و ابتسمت حور بحب .. و هي تنهض لتلتقط كوبا و تغسله ..
- أنا يوم سمعت حشرة روضة و عفاري متأكدة انها موجودة قلت مليون بالامية ان الموضوع عن ترتيبات العرس .. و هالشي لي أنا ماليه خاطر موليه أرمس عنه ..و ما فيه لصدعة الراس ..
ثم ملأت الكوب قبل أن تعود لتحتل المقعد المجاور لميعاد و هي تضع الكوب أمامها ..
- أكيد حشرنج بتفاصيل العرس ،، و الترتيبات و الإستعدادات ..
ابتسمت ميعاد بخفة و هي تحتضن الكوب بين كفيها ..
- لا و الله بالعكس .. أستانس لسوالفهن .. أو بالأحرى سوالف روضة عن الموضوع .. لن عفرا ما ترمس عن السالفة الا لو حد سألها .. ما فيها حماسة روضة ..!!
ابتسمت حور بحب .. و هي ترد ..
- روضة شفافة لي فخاطرها ع لسانها .. لكن عفرا كتومة .. و متحفظة شوية .. هذا طبعها .. بعض الناس يحسوبها باردة و متباعدة .. لكن هي بطبعها هادية و رزينة .. تصدقين .. أول مرة تعرفنا على روضة ما كانت كذيه ..!! كانت وايد هادية .. و وايد رقيقة .. لكن الحينة من تشوفنا تخترش .. هي أول وحدة من قوم أبوية شفناها و عرفناها.. و الا الباقين ما عرفناهم الا يوم يينا هنيه ..
تنهدت ميعاد .
- مبين عليها .. يسد انها الوحيدة لي زارتنيه أكثر عن مرة .. بنت مطر ما قد شفتها الين الحينه .. و شيخة بنت علي .. غير المرة لي يت ويا أمها فيها .. ما وايقت علينا ..
و اصفرّ وجهها بكآبة .. و هي تستعيد جفاء إخوتها الذي لم تراهم خلال هذا الشهر طوله و منذ قدومها الا مرة أو مرتين ..
هزت حور كتفيها و هي تقول ببساطة ..
- عوشة بنت مطر ذِكِر بلا شوف .. نادرا ما تيي البيت العود مع ان روضة قالت ليه مرة انها كانت مرابطة هنيه قبل لا نيي .. فما ظنتيه بتقبل صوب هالبيت يعني لو بتيي بتشوف أميه نورة و أبوية سيف و تسير .. هاي البنية و فهد ولد عميه أحمد شرا المنبوذين .. مادري كيف .. بس ما نشوفهم وايد .. و لا نتداخل وياهم .. عيال عميه سعيد دوم هنيه .. شفتي سيف كيف طبعه طيب و هادي .. في تعامله رحمة .. و دوم واصل و ما يقطع الشياب .. و هزاع و أحمد بن علي .. ما يتفارقون .. دوم نشوفهم .. بس حارب لي يمكن ما ينشاف الا في آخر الاسبوع بسبة الكلية ..
- في الطيران هو ..؟
- هيه .. تحسين عيال عميه علي و عميه سعيد بينهم رابطة قوية شوية .. لكن فهد تشوفينه بعيد عنهم .. شرا ما عوشة بعيد عنا .. و شيخة بعد .. شفتيها يوم يتج هنيه .. فرق السما عن الأرض .. ما فيها من رويض شي ..!!
أسندت ميعاد وجهها بكفها ..
- حسيتاا محاذرة شوي .. و نظراتاا متشككة .. مادري متوجسة ..
ابتسمت حور بسخرية و هي تنظر للسائل الذي يملأ الكوب أمامها ..
- في المرات لي شفتاا فيهن .. دوم كذيه .. تحسينها بعيدة ,, و الا كارهة المكان و العرب لي حولها .. عيال عمي علي كل واحد غير عن الثاني أحمد حبوب سوالف .. و رويض دلع .. و حامد تحسينه ثقل و غامض .. و شيخة متبرية من الأمة ..!!
ابتسمت ميعاد ..
- و غيث ..؟
رفعت حور عيبنها عن الكوب بسرعة ..
- بلاه ..؟
ضحكت ميعاد ..
- من عيال عمج علي .. ما عطيتينا موجز صفاته ..
توتّرت حور من ذكره ،، ما الذي قد تتظاهر بأنه يمثل بالنسبة إليها .. و صفاته التي تعرف ..؟!
هناك الكثير من الكلمات البذيئة الشائنة الحاقدة قد تطلقها عليه .. لكنها ستكسر الصورة المثالية التي تحافظ عليها أمام ميعاد منذ شهرٍ بتصرفاتها الباردة ..
حاولت إلهاء ميعاد عن الأمر و هي تقول بابتسامة صغيرة مضطربة ..
- أنسى مرات انه من عيال عمي علي .. تصدقين ..؟
أومأت ميعاد موافقة ..
- تحسينه ولد الشيبه .. صح .. ماخذ منه وايد .. يعني الشخصية .. و أسلوبه في الرمسة ..
وجدت حور نفسها تبتسم بمرارة موجعة موافقة في داخلها على كلمات ميعاد التي تابعت بابتسامة باهتة بدورها ..
- هيبة .. و قوي باس .. تحسين فيهم كلهم شي واحد .. كيف أشرح لج ..؟؟! هب القوّة و لا العناد . يعني .. آممم ..
بصقت حور الكلمة دون تفكير و ملامح وجهه الداكنة تختزل تصرفاته الخشنة في عقلها ..
- القسوة ..؟
ذهلت ملامح ميعاد و هي تردد ببطء ..
- القســـــوة ..؟!
نكست حور نظرتها و هي تعض على شفتها بقوة .. ما الذي اقترفه تهورها ..؟!
تبـــا ..!
عقدت ميعاد جبينها بغرابة ..
- بس غيث هب قاسي ..!!
لا تعرفينه إذا ..!!
لم تستطع إلا أن تلفظ شيئا من قهرها .. حتى و هي تحاول تدارك غلطتها الأولى ..
- متسلط ..
رفعت ميعاد حاجبيها بخفة و هي تبتسم ..
- متسلّط ..؟! يمكن ..!! بس هالشي راجع لقوة شخصيته و لنه بطبعه قيادي فيحب انه يكون دايما صاحب القرار لول .. و الناس يطيعونه ..
اهتز الكوب في يد حور و هي تدس فمها في طرفه لتلذع لسانها حرارته .. و يحرقها التوتر ..
هذا بالضبط ما أشار إليه حين نعتها بعبدته ..!!
فيما تابعت ميعاد بهدوء .. و الإحساس الحيوي الذي كان يسكن ملامحها للتو ينسحب ببطء ..
- بس على الأغلب هالصفة متوارثه في العايلة .. أحيانا أحس أبوية و عيالة فيهم برود في التعامل .. و عمليّه .. ما يعرفون يعبرون عن مشاعرهم أو ما يريدون يعبرون أصلا .. مادري ليش ..؟!
هزت حور كتفيها ببساطة ..
- يمكن يشوفون ان المشاعر الانسانية و التعاطف .. و الحب و المشاركة .. حركات حريم .. و ضعف .. و ضياع وقت ..!! كلهم نفس التصرفات و التعامل .. و البرود ..
عقدت ميعاد جبينها ..
- ما أظن .. أحس مطر خوية غير .. وايد طيب .. و الرحمة في ويهه ..
هزت حور رأسها موافقة ..
- هيه عميه مطر صدق غير .. لكن الباقين نسخ مصغرة من أبوهم .. أصلا تلقين معاملة أبوهم أو التربية لي تلقوها هي سبب حالتهم هاي .. لاحظي ان غيث تربى عند يدي .. و طبعه يقارب طبع أبوه و أعمامه .. نفس العصبية .. و التسلط ..
- ليش اتقولين متسلّط ..؟
اتسعت حدقتي حور متفاجئة ..
- شوه ..؟
نظرت لها ميعاد بحذر و هي تقول بخفوت ..
- قلتي عن غيث متسلّط مرتين .. مع انيه ألاحظ من لي أشوفه انه وايد يحبّج و يراعيج .. يمكن يتسلّط ع العرب كلهم الا انتي ..!
غصّت حور بريقها الذي كانت تبلعه بحذر .. لتنفجر السعلة المتفاجئة بقوّة في حلقها ..
يحبّها ..؟!
سحقا له .. انه يستعبدها .. !
لم تكن سوى تذكرة للوصول نحو القمة .. و ها هو يذيقها المرار و الذل دون توانٍ ..
تنحنحت بتوتر .. و راحت تشتت نظراتها في الفراغ .. و صوتها يخرج مبحوحا .. يستر تمزق مشاعرها ..
- أنا ما أرمس عن معاملته ليّه .. أطري طبعه بشكل عام .. ويا الناس لي يشتغل وياهم .. ويا هله ..
أومأت ميعاد بهدوء موافقة ،، و هي تهز كتفيها ..
- من هالناحية .. صدق .. غيث يخلي البرود و قوة الشخصية و التسلط حاجز بينه و بين الناس .. و يمكن السبب في هالشي ظروف حياته لولية .. قبل أو بعد ما سكن عند أبوية سيف ..
رفعت حور رأسها نحو ميعاد ..محاولة أن تكبح سخرية تراودها ..
- أي ظروف ..؟!
نظرت لها ميعاد لثانيتين طويلتين ،، قبل أن تخفض عينيها للكوب .. و هي تقول بحيادية حذرة ..
- أقصد أي ظروف يمكن مر بها في حياته .. انتي قلتي انهم تطبعوا بطباع أبوية سيف ،،
ثم قالت بابتسامة متداركة تدير اهتمام حور بسرعة عن زلّة لم تلتقطها ..
- خبرينيه عن حمد الله يرحمه .. هو كان كذيه .. نفس الطبع ..؟
مجرّد ذكر والدها أذاب شيئا في داخلها ..
الحنين ..؟
ربما ..!
سحبت نفسا عميقا تملأ به جوفا .. قبل أن تزفره ببطء .. و هي تقول بابتسامة مهزوزة ..
- آمممم أبوية ..؟ ترومين تقولين هيه .. و ترومين تقولين لا .. في التربية كان صارم وايد ويانا .. شاد علينا في الدين .. يعني في اللبس .. و الصلاة .. جدّي وايد .. الله يرحمه .. كنا نحترمه و نهابه وايد ..
ثم نظرت لميعاد مؤكّدة ..
- هب يعني اننا ما كنا نحبّه ،، بالعكس ،، أظن ان كل واحد منا كانت مشاعره تتجاوز الحب العادي ،، أبوية كان المحور ،، الركيزة الثابتة في حياتنا .. الريال الوحيد حولنا .. ما أنكر ان عميه سلطان و خوانيه عبيد و مايد كانوا يلعبون دور مهم لنهم العايلة الوحيدة لي نعرفها .. لكن أبوية كان الأساس .. الأمان المعنوي و المادي ..
رفعت عينها و ابتسامتها تختفي مع التنهيدة التالية ..
- الله يرحمه ،، كان الصخرة الثابتة في كل الظروف لي مرت بنا .. على قلّت الرزق لي عدنا .. عمرنا ما حسينا اننا قاصرين عن الغير .. و عمر عيوننا ما تلهّفت للقمة في ثم غيرنا .. هو لي زرع فينا القناعة و الرضا بما عدنا .. تعرفين شوه .. مرات أشوف عميه علي ويا بنات .. و الا معاملة عميه مطر لعوشة .. طريقتهن في التدلع ،، الحرية لي ياخذنها في الضحك و السوالف .. الزعل .. و مادري شوه .. و لهفة عماميه عليهن .. و أحس اننا صدق غير عنهن .. نحن ما كنا كذيه ويا أبوية .. يمكن كان يعاملنا بشكل صارم .. و نحن نتعامل وياه بكل احترام .. ما قد يلست في حظن أبوية أدلع عليه .. و لا قد زمت حد من خواتيه بخشمها زعلانة لنه ما عطاها لي تبا .. و الا ما ياب لها شي .. لكن احاسيسنا و حبنا له كان أقوى ..
ثم ابتسمت بحب دافق .. إحساسٍ حي ،، لازال يسكنها .. و سيعيش داخلها أبدا حتى بعد رحيله .. فيما غصّة تنعقد في داخلها ..
- كان يظهر من الصبح للدوام ،، و لا يرد الا الساعة ثلاث الظهر ..
قاطعتها ميعاد بلهفة موجعة و هي تلتهم كل التفاصيل الحبيبة ..
- و شوه كان يشتغل ..
ابتسامة فخرٍ لا تدري مصدرها ارتسمت على شفتيها ..
- كان سوّاق شاحنة في مواقع مقاولات البلدية .. نحن نتغدى قبل ايي كلنا رباعة في صحن واحد مع ان ابوية ما كان يحب نايف يخالطنا نحن البنات وايد .. عسب لا يتطبع بطباعنا ع قولته .. و ننظف المكان ،، و نتم نرقبه ..
ثم أشارت بيدها فيما ابتسامتها الدافئة تتسع مع دفق الذكريات ..
- نيلس كلنا في الصالة .. و ايي هو .. و يتغدى .. و يتخبرنا شوه سوينا في المدرسة ،، يعصب على نايف لو كان يلعب و الا يسولف ويا مزنوه و هنوده ،، و يخليه يدرس ،، عقب الغدا يقيل له شويّة قبل الصلاة ،، و العصر يوم يرد من المسيد نيلس كلنا في الحوش ،، لي منا يدرس ،، و لي يسولف .. و نقزر الوقت الين المغرب ،، تصدقين حتى يوم كنا نسولف و الا نمزح ما نرفع الصوت و هو يالس .. يمكن تقولين مسوي رعب لعياله .. لا و الله .. لكن الاحترام لي كنا نحسبه صوبه ،، كان يخلينا نحترم يلسته عدنا ..
هي تسترق لحظاتها السكرية من تلك الأمسيات ..
تكتم الأصوات في روحها .. و تحتفظ بفتات تلك النظرات ..
و ألوانٍ زينت الحياة لغفوةٍ ..
و ضحكات ..
ستعيدها الأيام بؤسا باحثة عن فرحةٍ ..
لتنبش الإحساس لهفة ..
لن تحب .. و ستنكسر ..
إن لم تجد غير .. الشتات ..!
ضمّت الكوب بقوّة بين كفّيها ..
- الله يرحمه ،، كان وايد يتعب ،، من نشّة الصبح الين يرقد عقب العشا ،، تحسينه يشقى عشاننا .. و عسب يسد حايتنا .. كل شي هو يسويه .. حتى سامان المطبخ هو يتقضاه ،، بس نكتب القاصر في ورقة و يسري هو نايف و اييبونه ،، المكان الوحيد لي يسير له غير المسيد و الدوام هو بيت عميه سلطان .. أبوية لن حياته كانت حدودها تقتصر علينا .. هو كان كل الحياة لي نحن نعرفها .. الأمان ،، و القوة .. و الثقة .. هو الدافع و الحامي ،، هو الإيد الوحيدة لي نعرف منها العطا .. الجانب الصارم منه هو لي يمكن خذاه من أبوه .. لكن الجانب الثاني ما كان الا من داخله .. حبه لأمي .. و صبره عليها .. حبه لنا .. خوفه علينا .. كنت أفكر لو انه كان شخص ثاني .. بنفس الشخصيّة .. نفس الإسم .. نفس القوة .. ما كان تحمّل يعيش ويا وحدة معاقة و اييب منها عيال ،، و يتعلم كيف يتواصل وياها ،، كيف يعيش حياته دون ما يحسّ انه قاصر عن باقي الرياييل .. كان في تعامله وياها رحمه ،، و حب ،،
- كان يحبّها ..؟!
نظرت لعمق عيني ميعاد المتأثرتين بتأكيدٍ مخنوق ..
- كان يحبّها ..! أنا أعرف الحب يوم أشوفه .. ما كان لي بينهم شفقة .. الريال ما يشفق على وحدة و يتزوجها خمس و عشرين سنة و اييب منها عيال .. يمكن بدا الموضوع شفقة أو حاية أبوية لحرمة و هو في هاييك الظروف و بعده عن هله .. لكنه تغيّر ويا الوقت .. لي كنت أشوفه ان صرامة أبوية ويانا .. و عصبيته أحيانا ما قد شفته عليها ..!! غير انه كان وايد يراعيها و يحابيها .. و لا يحبها تتعب ..
ابتسمت بألم ،،
موجع الفقد ،،
لكنه جرحٌ نستلذّ دوما بنكئه ..!
- أيام كانت تتوحم و هي حامل بسيفاني ،، و تعبانة .. كنا يالسين مرة ع العشا ،، و كان هو يشل من الخبز و يقصّه و يعطيها اياه عسب تاكل .. مادري ليش يوم شفت حركته هاي غصتنيه العبرة ..!! رغم انه شديد .. كان فيه حنان علينا .. و لو ما كان يبينه دوم ..
ثم ابتسمت و عيناها تلمعان فجأة ..
- كل خميس كان اييب لنا بطيخة .. أذكر اننا كنا نفصّل لعيد الفطر كندورة و عقب العيد ندسها لعيد الأضحى ،، لكن عمريه ما حسيت انيه قاصرة بشي عن باقي البنات .. مرة و أنا صف خامس ابتدائي .. كان يوم عيد الأضحى .. و يوم نشينا الصبح لقينا عند راس كل وحدة منا عروسة ،، حتى نايف رغم انه كان صغير ماله سنة حتى .. ياب له سيارة و سيف بلاستيكي ..!! أذكر كل وحدة منا تسمي العروسة أونهن بناتنا .. و تفصخها و تلبسها عشر مرات .. و عفاري سبحت بنتها .. خلااف ما رامت تسحي شعرها ..
ثم ضحكت فجأة ...
مع الصور التي غزت فكرها في تلك اللحظة ..
لم تعد قادرة على اعادة شفتيها إلى مكانها ..
أصبحت الكلمات دون سبب واضح حلوة الطعم ..
- مرة و دانة صف سادس .. كان عندهم حفلة في المدرسة و يوم خبرتنيه كانت تصيح .. لنها قالت بتييب علبة ماكنتوش .. و كانت تمزح ويا خويتها .. لكن خويتها تمت تطنز عليها انها ما تروم اتييب علبة ماكنتوش و هي حتى مصروف للمدرسة ما تييب .. و أمايا تحط لها سندويجة و عصير في الشنطة .. تعرفين اليهال .. كل واحد يحب يسوي عمره أحسن من الثاني .. و مادري ليش السندويجة و العصير لي من البيت كانت تسوي لدانة احراج قدام ربيعتاا .. المهم .. دانوه قالت انها بتغييب و ما بتسير الحفلة عسب ربيعتاا ما تتطنز عليها قدام البنات اذا ما يابت العلبة لنها ما تروم تقول لبوية انها تبا ما كنتوش ..
عضّت ميعاد على شفتها السفلى .. و هي لا تفهم سببا لابتسامة حور ..
كان الحديث ينحدر للألم القاسي .. و حالة بيت أخيها السابقة تتجلى فجأة بهذا الوضوح الموجع ..!
فيما تابعت حور بابتسامة حانية ..
- حاولنا وياها .. يمين يسار .. يسار يمين .. سيري يا بنت الحلال .. بنسويلج كيكة في البيت و شليها وياج .. لكن مول ما طاعت ... بتغيب .. بتغيب .. خلاف بتقول انها كانت مريضة و الا كان يابت علبة الماكنتوش ..! اليوم الثاني الصبح وعانيه أبوية كالعادة عسب أنششهن كلهن لصلاة الفير و نسرح المدرسة .. يوم ييت أبا أوعي دانة .. لقيت عند راسها كيس من الجمعية ..!! بطلته و حصلت فيه علبة ما كنتوش عودة ..!!
اتسعت عينا ميعاد .. و حور تبتسم ..
- و الله العظيم ما أألف من عنديه .. مع ان دانة يوم قالت السالفة كان أبوية مقيّل .. مادري كانه سمعها .. و الا حد قاله .. و أنا أستبعد هالشي .. ما ظنتيه حد من البنات سارت و خبرته السالفة ..!! المهم ان الشيخة دانة سارت اليوم الثاني .. تراكض بكيسة الحلاوة .. مستانسة لنها بتسكّت ربيعتاا و تراويها انها تروم تييب ما كنتوش و علبة عودة بعد ..!!
سحبت نفسا عميقا مختلفا .. لتطلقه بقوة هذه المرة ..
- اللــــــــــه يرحمــــــــــه ..!! خلى وراه فراغ كبير .. كل شي تغيّر .. كل شي انقلب حاله عقب عينه ..
خفضت ميعاد عينيها للطاولة تخفي دمعة باغتتها و هي تهمس بدورها ..
- الله يرحمه ..
لامست حور باصبعها الكوب الذي برد بسرعة أثناء ثرثرتها .. لتقول بمودة لرأس ميعاد المنحني ..
- عاد انتي طرحتي سؤال .. و أنا يبت قصة حياتيه كلها ..!!! سمحيليه كانيه صدعتج بهذرتيه ..
ابتلعت ميعاد عبرة كالشوك تسد مجرى أنفاسها .. و هي تواجه حور بابتسامة ..
- بالعكس و الله .. من زمان كان خاطريه أسمع عنه الله يرحمه .. أبا حد يسولف ليه كيف كان .. و كيف عاش .. تعرفين .. أنا حياتيه كلها ما عرفت فيها الا أبوية سيف و غيث .. و غيث بس كان يسولف ليه عن هليه .. و يخبرنيه عن كل واحد .. الا حمد و عياله ،، عقب ما توفى حمد و يلس غيث عندكم ،، بدت تيينيه علومكم .. لكن انحرمت انيه أعرف شي عن حمد الله يرحمه ،، و ما كان غيث قريب منه عسب يخبرنيه بشي عنه ..
هزّت حور رأسها بهدوء و هي تبعد أسمه عن حديثها قدر الإمكان ..
- تصدقين ظهرتينيه من الجو لي كنت فيه ..!! رديت من البيت العود و أنا ضاربتنيه الغبنة .. و صاكه الدنيا فويهي ،، الحينه أحس المود تغيّر ويا الذكريات ..
أزاحت ميعاد كوبها و هي تسأل بحذر خشية أن تتطفل على شيءٍ لا يعنيها ..
- و ليش الغبنة ..؟ رب ما شر ..؟
سحبت حور نفسا عميقا ..
و إحساسها السابق يعود ببطء ..
الوحدة .. الرثـــاء ..
شعورٌ خالص بأن أحبابها يلفظونها .. و يغلقون الباب دونها..
و أنها ابتعدت كثيرا بخطاها عن الطرقات المألوفة ..
لتجد بأنها تمر على نوافذٍ مغلقة .. مظلمة .. في شارعٍ معتم .. مهجور ..
خليط غريب من الوحشة .. و النبذ .. و حزنٌ عميق ينخر روحها .. تسلل مجددا لداخلها .. لتجد الكلمات تنساب بوجعٍ ساخرٍ من بين شفتيها ..
- و لا شر .. بس اكتشفت فجأة ان خواتيه كبرن ،، و ما عاد ليه حاية ..!! ترومين تقولين أحالوني تقاعد عقب العرس .. و كلن غدى شوره فراسه ..!!
بدت كلماتها بالنسبة لميعاد مبهمة .. و فضفاضة تحمل ألف معنى و معنى ..!!
لذلك تجرأت الأخيرة لتسألها مجددا بهدوءٍ مأدبٍ مهتم ..
- شوه شكلج تواقعتي ويا حد من البنات ..؟
زفرت حور بقوة .. و سخريتها تتبخر ..
نظرت لوجه ميعاد اللطيف .. المهتم ..
- تقريبا .. و صار اهتمامي بهن فرض سيطرة .. تخيلي ..؟
و حاولت مجددا ارتداء الاستهزاء بابتسامة لكنها لم تقدر ..
فتصلّبت ملامحها بتعاسة جليّة ..
لا تعلم ميعاد لما شعرت بأن الموضوع يتعلق بشيءٍ أخبرها عنه غيث ..!
أيعقل أن تكون حور معارضة للأمر ..؟
لم تستطع الا أن تسأل بخجل و هي ترى أنها شيئا فشيئا تستحيل لنزقة فضولية ..!
- الموضوع يخص المهــــا ..؟
رفعت حور عيناها بدهشة نحو ميعاد ،، التي هزت كتفيها بحرج .. و شعورها بأنها متطفّلة يتبلور بقوة حول إحساسها ..
- غيث خبرنيه أمس ..
دامت حملقة حور في وجهها ثانيتين قبل أن تهز رأسها ببطء ..
و هي تقول بصوتٍ مختنق ..
- اترومين تقولين انه يخصها ..
ثم رفعت عينها مجددا و قد احمرّت أحداقها و بات جليا أنها تكبح رغبة في البكاء ..
- يمكن خوفيه عليهن غدى يخنقهن .. مادري ..!! بس أحس هالدنيا تخوف .. الدنيا مالها أمان .. ايينيه الموت من أحس ان حد منهن يمكن تعاني و الا تتغربل في حياتاا .. و الا تعيش هب مرتاحة .. وديه .. وديه انـ .. خواتي ماا ..
و فجأة عجزت عن الكلام .. رفعت سبابتها و الابهام و راحت تضغط على عينيها تردع الدموع باصرار .. و هي تسحب أنفاسا طويلة ..
فيما صوتها يتهدج ..
- ماريد حد منهن تنجرح .. و الا تتويع من شي .. ماريدهن يعيشن الظيم .. و الا الخوف .. البنات صغار و ما يعرفن شوه لي يرقبهن من الدنيا .. أخاف عليهن من بااكر .. و شوه بيي وياه .. لكن خوفيه يخنقهن .. مادري .. أناا ماادري .. شوه أسوي .. ماادري كيف .. كيف ...
ثم ابتلعت ريقها و رفعت رأسها للأعلى ..
انفطر قلب ميعاد بقوة و هي تراها هكذا ..
و مدت يدها تعتصر كفها في راحتها الناعمة ..
- حور .. وسعي صدرج .. ليش خايفة عليهن .. محد بييها الا لي مكتوب لها .. انتي لو تربعين ليل و نهار .. و لو تسوين ما تسوين .. ما ترومين تردين قضى ربيه فيهن .. بعدين الويع .. و الحزن .. أشياء لازم اتيي الانسان .. كيف تبين تحمينهن من هالشي .. تخبينهن من العالم ..؟! حور كلنا ما نبا شي من المضرة ايي الناس لي نحبهم .. لكن هالشي ما نروم عليه ..
وضعت حور رؤوس أصابعها على شفتيها .. و تقاطر الألم من عينيها خالصا ..
- ما تتخيلين كيف أفكر فيهن .. مابا شي اييهن .. لكنهن.. هن .. يا الله ..!!!
و دفنت وجهها بين كفيها تخنق عبراتها .. و هي تهز رأسها ..
شعرت بأنها عاجزة ،، و قد شلّت كل أحاسيسها ..
تراها بالغت في خشيتها على المها ..؟
كانت تشعر بانها مجروحة بشكلٍ رهيب ،،
هل ينظرن جميعهن للأمر من ذات الزاوية التي تقف فيها دانة ..؟!
صمت ميعاد أعلمها بأنها لا تجد ما قد تقوله ..
ربما هي محقّة ..
عاجزة هي أن تقيهن كل شرور العالم ،،
لكن ليس هذا ما يؤلمها بحق ،،
ما يمزّقها الآن هو الوحدة ..
شعورها بأنها وحيدة ..
منفيّة على أرضٍ ليست لها ..!

* * * * *

خصلات شعرها الحريرية المقصوصة بعناية تناثرت حول ملامحها المصدومة ،،
و عيناها الواسعتين تتسعان بصدمة حقيقية ..
انفرجت شفتيها الورديتين في محاولة يائسة لايجاد ما قد تقوله .. ثم عادت لتقفله ..
اعتصرت قبضتها نعومة قميصها .. قبل أن ينطلق صوتها الناعم أخيرا في شك .. و هي تضيّق عينيها في وجهه ..
- تمزح .. صح ..؟ أكيد تمزح ..!!
ثم انفرجت شفتيها عن ابتسامة حذرة و هي تميل برأسها نحوه ..
- باااااايخة ،، و أصلا مبين انك ميود ضحكتك ..
رفع نظره لها يطالعها بهدوء .. قبل أن يرد ببساطة ،،
- فاضي لج أمزح وياج .. لي سمعتيه هو لي بيصير ،، و أنا أخبرج بس .. عسب تدبرين عمرج في سالفة الزفة و ما دري شوه من خرابيط الحريم ..
ضحكت بخفّة و هو تهزّ رأسها .. فتتحرك غرّتها الناعمة على جبينها ..
- حامد ترى ما يركب عليك المزح و المقالب .. خل الدور لأحمدوه ..
التفت أحمد نحوها بصعوبة من حيث يستلقي على أريكة قرب التلفاز ..
- أحمدوه ..؟ أصغر عيالج شوه ..؟ بعدين ليش هب مصدقة ..؟ ريّال و حر في عرسه .. يسوي لي يباه .. و الا تبينه من زود الفرحة بج يهز لج على معلاية .. و ينسى لولي و التالي .. بو لحية ما عنده شغل النفاق هذا ،، الريال عنده مبادئ ..
عقدت جبينها بشدة ..
- مبادئ ..؟ مبادئ شوه ..؟ شوه دخّل الـ ..
ثم استوعبت من تحدّث .. لتقول بقوة ..
- أحمد .. خلك برا السالفة .. لن الواحد يضيع ويا خراطك .. و ما ياخذ منك لا حق و لا باطل .. الحين منوه ياب طاري المبادئ و معلاية ..
ثم التفتت لحامد ..
- حديه مزحومة .. و طفرانه .. و ما عنديه وقت للمزح .. ليش زاقرينيه ..؟
رفع حامد بصره لأحمد الذي ترك التلفاز ليتابع خطابها .. ثم ابتسم الأخير بحلاوة ..
- نتأمل هالجمال البديع .. شوه ما تفهمين انتي ..؟ الريال ياب لج العلوم كلها .. لكن اظاهر انتي ما تفطنين الا الأوردو .. آري بيا .. متوع لحياا ما ريد سوي دقدقاا داخل شادي مشان هو .. قرقر زيادا ما في .. كلاس ..
شقت ابتسامة صغيرة شفتي حامد .. و فك روضة يتدلى بذهول و هي تكرر دون شعور ..
- دقدقااا ..؟؟!!
ثم استدارت لحامد بعدم تصديق ..
- شوه يعني ..؟؟
رفع أحمد رأسه للسقف ..
- و الليييييييييل .. بتخبرج ماكلة فول انتي ..؟؟ و نحن شوه يالسين نقول مساعة ..؟؟
كررت روضة بذهول ..
- ماشي أغاني ..؟؟!!
و أسند حامد ظهره للخلف يرد بهدوء ..
- و لا تصوير ..
صاحت روضة بارتياع ..
- شوووووووه ..؟؟ أغاااني .. و لا تصوير ..؟؟ منوه قال ..
رد أحمد بابتسامة مضحكة ..
- بعلج الغالي ..
و التفتت روضة اليه بعنف ..
- ليش ع كيفه هو ..؟؟ اروحه بيعرس ..؟؟ لااا بويه .. هذا عرسيه بعد و عرس عفاري و حامد ..
قطب حامد في وجهها ..
- و أنا واحد ما عنديه خلاف .. آثام العرب ما باها في رقبتيه ..
- ما تباها ..؟؟ احلف بس ..؟؟ سلام عليك .. و حضرتك بتفهمنيه انك ما تسمع أغاني ..؟؟ و بعدين ع كيفك تقرر .. شاورت عفرا .. و الا حد من هلها عسب يوصل لها المعلومة .. ؟؟!
انقبضت ملامحه بجمود حقيقي ..
- أنا و حرمتيه متفاهمين .. و بعدين ما شوف الأخ سيف شاورج ..؟!
- نعم .. نعم ..؟! انته و حرمتك متفاهمين .. و ولد عمك راعي الفكرة .. و أنا شوه ..؟؟ مسكة العروس .. ابوية . .أنا ليه راي .. و رايي يقول ان فيه أغاني و زفة .. و طرب .. و تصوير بعد .. و أشوف منوه بيقول لاااا .. و عفروه دواها عنديه السبالة .. تونيه ياية من عندها ما قالت ليه عن هالسخافة ..
ثم رفعت اصبعها نحو حامد و ثورتها لم تخمد بعد ..
- اسمع حامد .. الحينه .. الحينه .. تتصل بولد عمك و تقوله انك قد دفعت للفرقة عربونها من شهر و ما تروم تكنسل .. هذا الصدق ..!! هب ايي قبل العرس باسبوعين و يتشرط ..!
ارتفع صوت حامد فجأة ينهرها بغلظة ..
- روضــــــــــة ..
لكن وفقتها المائلة لم تعتدل .. و لم تمسح عن وجهها نظرة العناد .. حتى و حامد يزمجر بغضبٍ في وجهها ..
- اسلوبج الخايس هذا لي ترمسين به عن ريلج .. اصلبيه لا أصلب لج اياه .. الريال قال ما شي أغاني و تصوير .. خلاااص .. اقطعي الرمسة .. و لا تزيدين في الموضوع .. رمسته لي بتمشي .. و الا حضرتج تبين تكاسرينه في الرمسة .. و عنيه أنا و حرمتيه فلااا تخبرتها و لا فكّرت أرد لها الشور .. لنيه أعرف ان عفرا ما لها في هالسخافات .. و انيه لو قلت شي بتمشيه و لو ع رقبتاا سيف ..
ضحك أحمد في غير وقته و هو يعود للاسترخاء ..
- يا هالسيف لي قطّعتوه بالحش .. و قطعتو به رقاب الخلق ..!!!
لم يعره حامد اهتماما و نظراته تنصب على ملامح روضة التي اكتسحها الألم ..
- أنا ريال ما يهمنيه لو كان فيه أغاني و الا لا .. و التصوير آخر ما أفكّر فيه .. يعني من الآخر ما فرقت وياية .. كان في خاطرج انتي شي .. هاذوه التيلفون .. اتصلي بريلج و تفاهمي وياه ،، هو ما وكلنيه أخبرج الا لنج ما ترمسينه الحينه ..
و عاد أحمد للتدخل بفضول ..
- يا هالمنكر لي عليكن يا الحريم .. الحينه شوه فرق هالشهر لي قبل العرس .. يشتاق أونه .. تلقين الريّال يحمد ربه ليل و نهار يوم افتك شهر من الصدعة و التدلع .. و سوالف البنات الماصخة ..
برقت دمعة غاضبة في مقلة روضة و هي لم تعد تحتمل مزاح أحمد ..
- أحمدوه و الله هب ناقصتنك .. و لا ناقصة سخافتك .. و انته حامد .. أنا ما عليّه من سيف .. و لا برمسه .. ما يبا أغاني .. برااااااااااااايه .. ان شا الله يكنسل العرس كله ..
و انزلقت دمعتها الباردة و هي تعبس بشدّة فيما صوتها يتهدّج ..
- لكن ما يتحكّم في لي يصير فبيت أبوية .. أنا حجزت المصورة من زمان .. و بتيي في العرس .. و بتصورنيه .. و لو هو ما يبا يتصوّر .. يكون أحسن بعد .. و قلّه .. قلـ ....
ثم نشقت بقوّة ..
- و الا أقولك .. لا ترد عليه بشي .. لن حركته هاي سخيفة .. و أكثر من سخيفة .. كان أخير له ياخذنيه بيته بليا عرس .. شوه هالعرس لي بلا أغاني ..؟؟؟ خله اييب وياه أشرطة محاضرات نفتح ندوة في القاعة بعد ..
.
.
و هنا تعثّرت الروح في هوّة من مفارقات الحياة المضحكة ..
المبكية ..!
خطأ ..
حين لا نحتمل الصواب ..
و نرشق الإستقامة ببذاءة سخرية ..
.
.
خطواتها الغاضبة ترتقي السلم العريض بعجلٍ غاضب ،،
تاركة زوجين من الأعين يتابعان ذويان آخر أفاليل غيظه أعلاه قبل أن يتنهد أصغرهما ..
- تصدق انيه ما قد فكرت كيف بتمشي ختك أمورها ويا سيف ..؟!
التفت له حامد بهدوء ..
- كيف بتمشي أمورها يعني ..؟؟ ريلها و الحياة بتمشي ..
هز أحمد رأسه بـلا ،،
- ما ظنتيه يا بو علي .. الريال ملتزم و شااد في بعض الأمور ،، و ختك لو تلاحظ لي ألاحظه شوي فري ،، شف سالفة الأغاني .. و التصوير الحينه .. باكر بتظهر علوم غيرها .. يعني لو ما غيث قال لهن يتغشن .. كان سيف هو لي خلاها تتغشى .. أحس انها فشرق .. و هو فغرب .. مادري يا ريال .. لو تفكر شويه .. روضة تحب تظهر .. و تروح و تيي .. و السوق بيتها .. و موتها الأغاني و الأفلام .. و الخرابيط لي تقراها في القصص .. حتى عباتها لازم طقم ويا الشيلة و النعول و الشنطة ،، و سيف غير بيت أبوه و المسيد و دوامه ما يدل مكان ..!! التلفزيون عنده كلام فاضي .. و الأفلام و الأغاني منكر .. و الطلعات لي مالها داعي يتعذر منها الواحد أخير له ..!!
رفع حامد حاجبه ..
- و انته تشوف منوه لي ع الصح .. سيف و الا رويض ..
ابتسم أحمد ..
- ما عنديه شك في انه سيف ع الحق .. حتى و لو ما كنت شراته .. لكن الصدق صدق .. و بعدين أنا قصديه ان فيه فرق السما عن الأرض ،، الله يستر من الضرابات لي عقب العرس ..
رد حامد بثقة كبير تتملكه نحو الموضوع ..
- اسمع يا بوية .. سيف ريال يخاف ربّه .. و لا يمكن انه يتعدى حقوق اختك حتى لو كانت غلطانه .. أنا هب خايف عليها .. و لو بغى يصلبها و هي ع الغلط فهالشي من حقه .. غير انها حرمته .. الواحد لو يشوف الغلط لازم ينصح فيه و يحاول يصلحه .. بيني و بينك أصلا نحن مفلتينهن البنات وايد .. و الا شوف الفرق امبينهن و بين بنات عميه حمد .. هاييلاك من عرفناهن و الستر شيمة فيهن ،، و الا خواتك لو ما قال غيث غطن ويوهكن كان شرّعن الشيفة عادي .. روحة الأسواق و مسايير صوب ربيعاتهن شغلتهن .. و بنات عميه حمد حتى السوق ما يطيعن يسيرن له غير ويا حد منا ..
ضحك أحمد ..
- بنات عميه حمد .. بنات عميه حمد ..
ثم تنهد و هو يسند فكّه ..
- و العوق شوه غير بنات عمك حمد ..
تسللت ابتسامة خفيفة لشفتي حامد رغما عنه ..
- حالتك صعبة يا خي ..
رفع أحمد رأسه فجأة ينظر لباب المدخل الرئيسي ثم انخفض صوته و هو يتحدث بسرعة فيما عيناه تراقبان الجسد الذي دلف للتو ..
- بو علي .. طلبتك .. دخيلك يا ريال ليّن راس أمك خلها ترضى علينا ..
ثم رفع رأسه مع استدارة حامد للخلف ينظر لأمه التي وصلت من الخارج للتو .. تتبعها خادمتين يحملن الكثير من الأكياس ..
فيما راح أحمد يصيح بصوتٍ مرتفع ..
- يا مرحباا ترحيبة الصبح للشمس .. حزة عناق الليل مع طلعة النور .. مرحباااااا السااااااع ،، حيّا الله ..
و تباطأ صوته و انخفضت نبرته .. و أمّه تمرّ من أمامه دون أن تعيره انتباها ..
- أحلى يا الطااااااف ..!
ما دفعها لتجاهل حامد أيضا بسبب وجوده و هي تتوجه رأسا للمطبخ ..
نظر أحمد لحامد بيأس ..
- حامد يا خوي .. تعال لقّط ويهي .. الوالدة حتى السلام رافعة عليه حظر ..
كان حامد يهز رأسه مبتسما .. و هو يقول ..
- يزاتك ..
- أفااا ..
نظر له حامد و هو يقف بهدوء ..
- مالك الا الصبر ،، صدقنيه من تنتهي السالفة .. و يستقر الوضع ما بطوّل و هي زعلانة ..
اتسعت عينا أحمد ..
- و أنا شوه يصبرنيه الني ما تنتهي السالفة .. يا بوك هب راضية عليّه .. يمكن الله ما يوفقني ..!! الا أكيد ما بيوفقنيه .. !!!

* * * * *

ابتسمت له بحب دافق ،، حال رؤية جسده الضخم يسد الباب ،،
تتأمل تقاسيم وجهه القوية الحبيبة ،، و هو يطالع التلفاز القابع أمامها بصمتٍ كاسح ،،
قبل أن يلتفت لها و يلتقط ابتسامتها ليرد عليها بواحدة لم تنجح في إخفاء خطوط التعب عن وجهه ..
- سلااام عليج بنت سيف .. شوه اتسوين يالسة اروحج ..
تابعت اقباله قبل أن ينحني ليقبّل رأسها كالطفلة ثم يرمي بجسده الثقيل على أقرب أريكة ..
- و عليك السلام و الرحمة ،، و لا شي .. أطالع الفيلم ..
نزع - الغترة - من على رأسه يحرر شعره الكث الذي تشعث بجنون و هو يحركه بيده .. و يتنهد ..
- وين الحور عنج ..؟؟
أشارت برأسها اتجاه السلّم الأنيق الذي يتوسط البيت الصغير ..
- توها طالعة فوق ..
هز رأسه بخفّة ،،
- شفت رويض مساعة فبيت أبوية سيف ..
- هيه كانت هنيه ،، يت هي و عفرا ،، و يلسن من المغرب الين العشا ..
- يا حيهن و الله .. و علومها بنت سيف ..
ابتسمت له بجهد ،،
بنت سيف ..
بنت سيف ..
ترى أين سيف ..؟!
- علوم الخير .. شكلك تعبان ..
انتفخ صدره العريض و هو يسحب نفسا عميقا .. و صوته يزداد غلظة مع احتباسه لأنفاسه ..
- هيه و الله .. كان عنديه شغل اليوم و زيارات ميدانية في أكثر من مكان .. و أنا راد من الشركة خطفت ع نهيان ،،
ارتعشت أهدابها و هي تلتفت نحوه بلهفة ..
- و شحاله ..؟!
نظر لها بهدوء ..
- ما شفتيه اليوم ..؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة .. و هي تهز رأسها بلا ..
- ما سرت اليوم ..
أومأ برأسه هادئا ..
- الحمد لله ..
سألت بلهفة ممزقة ..
- ما قالوا الدكاترة شي .. ؟؟
مد يده الكبيرة يلتقط ضآلة كفها .. ليشد عليها ببطء ..
- الحالة مستقرة هالشي الوحيد لي يقولونه من شهر .. و انتي تعرفين .. الدماغ ما يعطي أي اشارات حيوية .. و كل شي بيد الله .. ما به يديد .. لكن الواحد يخلي أمله كبير بالله ،، ادعيله كل شي بيد ربه ..
وضعت يدها على فمها و هي تهمس ببؤس ..
- و نعم بالله .. يا الله .. يا رب .. تقومه بالسلامة و تعافيه ..
أطرق غيث بدوره ..
- آمين ...
هذا كل ما تحتاج لمعرفته ..
لن يخبرها بأنه تعرف على إحدى النساء اللواتي خرجن من غرفة أخيها هذا المساء ..
و أنه يعرف تلك القامة .. و تلك المشية جيدا ..
لا يخطئ في شأن إمرأةٍ كانت تخصّه يوما ما ..
لكن آخر ما كانت ميعاد تحتاجه هو أن يذكّرها بفعلة تلك الحقيرة .. و غدرها بها ..
شعر بيدها الصغيرة تنفلت من قبضته لتمسح على ظاهر كفّه و هي تقول بهدوء ..
- ما بتنش اتريح عمرك ..
تريد الإختلاء بألمها ..؟!
لها الحق في ذلك ..
التعلق بالأمل يوهن عزائمها يوما بعد يوم ..
أومأ ببطء .. و هو يشعر بأن عضلات ساقيه تئنّ من التجوال طوال هذا اليوم العصيب ،،
الراحة التي ترتقبه في الأعلى بدت مضحكة فجأة ،،
فعليها أن يستغرق وقتا لا بأس به يتابع تحرّكها المكانيكي البارد ،،
يمارس هوايته الأولى ،،
نبش شيءٍ مما تطمس خلف سطح البرود ذاك ..
اي انفعالٍ طفيف قد يعلمه بأن تلك الروح التي يشتاق لا زالت تنطوي خلف الواجهة الزجاجية الهشة ..
أي حركةٍ قد تمكنه من أن يطبق عليها ..
ليقتلها حبا ..
زفر بقوة ،، لكن أنفاسه علقت في صدره ما ان سمع ميعاد تقول بهدوء ..
- ترى حور متضايقة شوية ..
أول مرة تبدي ميعاد مثل هذه الملاحظة ..
و التوت رقبته و هو يلتفت بقوة اليها .. فيما يخفق قلبه باضطراب .. و هو يسأل بصوتٍ قوي ..
- بــــلاها ..؟!
تنهدت ميعاد و هي لا تريد أن تفشي شيئا مما أسرت به حور ..
- مادري الصراحة .. ردت من البيت العود و ويها منقلب امية و ثمانين درجة .. ما قالت شي .. و تمت تسولف و تحاول تسوي الوضع عادي .. بس واضح انه شي فخاطرها .. و مغبونة ..
عقد حاجبيه بقوة .. و هو يهب على قدميه ..
- بسير أشوفها ..
ثم انحنى مجددا يقبّل رأسها بشرودٍ عَجِل ..
- تصبحين ع خير ..
نظرت له بحب .. و هي ترد ..
- قدامك الخير فديتك ..
- أوديج حجرتج ..
أشارت للتلفاز بجهاز التحكم عن بعد ..
- لا بشوف الفيلم و اذا خلص اروحيه بسير ..
- ع راحتج ..
ثم خطى نحو الدرج بخطواتٍ واسعة ..
متضايقة ..؟
الحقيقة أن القلق أصابه ما ان سمع هذه الكلمة ..
مؤخرا لم تعد تشعر ..
لم تعد تضحك .. و لا تصرخ .. و لا تبكي ..
مجرّد أشلاءٍ ميتة تنجر بخطى مدروسة على الأرض ..
شيءٌ كان يقتله هو الآخر ببطء ..
يدفعه للجنون ..
يشتاق للمحات طفلة فيها كان يعرفها ..
توقف لثانيتين أمام باب جناحهما ،، يمسح كل أثرٍ من مشاعره قد يلطخ شدّة ملامحه القاسية ..
دلف الجناح الخالي ،، يجيل عيناه ببرود في المكان قبل أن يلتقط صوت جريان الماء في الحمام ..
يتقدم نحو غرفة النوم ليلقي نظرة سريعة نحو باب الحمام و هو يلقي - بالغترة - التي كان يحملها بيده على الأريكة المائلة قرب السرير ..
ثم يخلع ثوبه الثقيل الذي شعر فجأة بانه يزن أطنانا يحملها على ظهره ..
ألقى ثقل جسده على السرير الوثير الذي اهتز بقوة تحته ،، ليعلق نظره بالسقف ،،
كان دماغه مزدحما بجنون في تلك اللحظات ..
أعماله التي لا تنتهي ،، و الصعوبات التي يجدها في بعض المشاريع التي يقوم بها ..
عفرا و حامد ،،
ميعاد ..
مرض نهيان ..
جدّته و حالها مع جده ..
ارتباط أحمد بالمها ..
و أخيرا حال زوجته الذي أصبح يوما بعد يوم أكثر ما يؤرقه ..
زفر ببطء .. و هو يمدد قدميه .. و يتأوه واضعا ذراعيه تحت رأسه ..
كان يومه هذا طويلا للغاية ..
تسائل بشبه ابتسامة ساخرة متعبة ان كان تفكيره الدائم في كل تلك الأمور قد يجعلها تصبح أفضل ..؟
أم أنه يهلك نفسه و طاقاته دون طائل ..
شيئا فشيئا أخذ ت أفكاره تبتعد عن متناول التفكير ،، و غمامة من الظلمة تلفّ رأسه ..
جفنيه اتخذت ثقلا غير طبيعيا .. و هو يجاهد لمقاومة الاحساس بالخدر متأملا السقف الذي أخذ يهبط عليه ،،
راح السقف يدنو منه ببطء ،،
لا يعلم ان كان هو الذي يطفو للأعلى .. أم أن السقف راح ينزل بثقله ..
تلك الخفة راحت تحف حواسه ،،
لتعدم كل شيءٍ من حوله ..
.
.
.
.
بيدها تمسح البخار العالق بالمرآة ..
و تراقب صورتها المنعكسة أمامها ..
ملامحها المحتقنة تفضح أي رغبةٍ في البكاء تسكنها ..
و قبل أن تبعد هذه الفكرة ..
انزلقت دمعة متمردة على جانب وجهها . تفضح حزنها الذي راحت تصارع .. فسارعت تمسحها بقوة ..
سحبت نفسا عميقا و هي تربت على شعرها الذي لفته بمنشفة كبيرة لتجففه ،،
و احساسها بالألم الذي ملأ صدرها لا يفارقها ..
لما تشعر بانها ابتعدت فجأة عن كل الأماكن المألوفة لتجد أنها تقف غريبة على هذه الأرض ..
و وحيدة ..
يقتلها هذا الاحساس و لا تجد سبيلا للتخلص منه ..
بيدٍ مرتجفة تمررها على بيجامتها القطنية ،، تفتح باب الحمام ،،
فور خروجها اصطدمت عيناها بذاك الجسد الذي استحل معظم مساحة السرير بضخامته ،،
و انفجر التوتر في صدرها ..
لم تستطع تبين أنه كان نائما من مكانها ..
لذلك تحرّكت بهدوءٍ نحو طاولة الزينة و هي تنتزع المنشفة من رأسها تحرر شعرها الذي تبعثر في خصلاتٍ مبتلة ..
و تساقطت غرتها على جبينها ..
أبعدت المنشفة .. و هي تمرر يدا مرتجفة في شعرها .. تنتظر منه تعليقا أو كلمة قد يتفوه بها ..
لكنه استمر في رفع رأسه نحو السقف بصمتٍ كانت هي الأحوج له في تلك اللحظات ..
لم تكن في أفضل حالاتها و لا طاقة لها في مواجهته بالبرود الذي اعتادت ..
شدت على شفتيها بقوة ..
و شعورها بالضعف يزداد .. مع قوة حضوره الكاسحة ،،
راحت تتحرك في المكان بهدوء و مع كل خطوة و أي حركة تشعر بأنها ستتلقى تعليقا بصوته الفظ ..
أو كلمة ترتعد لها فرائصها ..
احساس الترقب و التوجس جعلها ترهف السمع لأي حركة قد يقوم بها ..
لذلك لم يكن صعبا عليها التقاط ذاك التغير الحاد في أنفاسه ..
تجاهلت الأمر في البدء .. فقد بدت كتنهيدات أو زفراتٍ متتالية ..
عبر مرآة الزينة راحت تنظر لجسده الملقي على الفراش ،، بهدوء .. دون ان تبالي ،،
استمرت في وضع المرطب على يديها و فركهما بهدوء ،،
لكنها توقفت عن ذلك عاقدةً جبينها و هي تصلب نظراتها على جسده ..
قشعريرة سرت على طول ظهرها حين استحالت التنهيدات فجأة إلى أنين خافت ،،
لتتجمد يديها .. و هي غير قادرة عن تحويل نظرها عن المرآة ..
لحظاتٍ فقط نجحت في تجاهل الأمر .. الا أن احساسها بالرعب راح يتزايد مع استمرار ذاك الأنين الضعيف ..
وضعت عبوّة الكريم بتوتر على الطاولة .. و هي تتساءل بقلق من مكانها بصوتٍ مرتجف ..
- بــــــلاك ..؟!
لكنه لم يرد ..
كان الصوت الصادر منه ضعيفا للغاية . و مثيرا للخوف و الشفقة ..
ما أثار ذعرها أنها اعتقدت لبرهة بأنه يصدر عن شيءٍ آخر خلاف الرجل الملقى على الفراش ..
و حين لم يجبها .. استدارت نحوه و تقدمت بخطى مرتجفة ..
صوتها يهتز و هي تحاول التحدث بلا مبالاة ..
- شوه ياك ..؟ شي يعوركـ .....
و علقت أنفاسها و هي تتبين ملامح وجهه ..
كان لصدمتها نائما ..
ملامحه تنكمش بضيق و فمه مفتوح .. فيما رأسه مرفوعٌ لأعلى ..
و صوت الأنين يتقطع من حلقه ..
راقبت برعب صدره الذي يعلو و يهبط بجنون .. الصوت الذي راح يصدره لا يشبه غلظة صوته التي اعتادت ..
صوتٌ ضعيف أفزعها للغاية ..
فجأة رفع يدا ترتجف و لوح بها أمام وجهه و كأنه يدفع أحدا أو يبحث عن شيءٍ يتشبث به.. ثم أسقطها بوهنٍ إلى جواره ..
جبينه الذي يتفصد عرقا كان ممتللأً بالعقد .. و أكثر ما أذهلها هو شيءٌ كالدمعة راح يرتعش على زاوية جفنه المطبق ..
كانت ملامحه مسودّة بشدّة ..!!
وضعت يدها المرتجفة على فمها .. و هي تهمس بخوف ..
- غيث ..؟!
بدا و كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ..
رفعت شعرها المبعثر عن وجهها و هي تمد يدها لصدره تهزه قليلا بخوف ..
و كأنه سينقض عاويا عليها ..!!
- غيث ..؟ غيث ..؟ بسم الله ..
دنت أكثر لتجلس جواره على الفراش .. و هي تهز كتفه بقوة أكثر ..
- غيث ..؟؟ غيث .. شي يعورك ..؟؟ نش .. يا الله ..!! غيــــث ..
و هزته بقوة أكثر .. ثم أطلقت صرخة خافتة خنقتها بيدها حين انتفض شاهقا ليجلس بسرعة .. و هو يلهث بقوة و كأنه توقف للتو من عدوٍ طويل ..
وضعت هي يدها على صدرها بخوفٍ شديد ..
و صوته يتحشرج بقوة غير منتبه لوجودها ،، كانت كلماته المبحوحة تتقطع مع لهاثه ..
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. أعوذ بالله منك يا ابليس ..
ثم راح يخلع الفانيلة الداخلية و ما ان انتزعها حتى انتبه لتلك الجالسة بجنبه تطالع ملامحه برعبٍ فاضح ..
صدره القوي و عضديه الصلبين ابتلوا بالعرق الذي نضح من جسده ..
و بحركة غريبة مسح وجهه بالفانيلة القطنية يمسح العرق متجاهلا علبة المحارم الموضوعة على جانب السرير ..
جلوسها جواره هكذا لذع جسدها بحرارة ..
فانكمشت إلى رأس السرير ببطء ..و التفت إليها يتابع حركتها المضطربة ..
وضع يده الكبيره على وجهه مغمضا عينيه و هو يحاول جاهدا السيطرة على أنفاسه ..
و أتاه صوتها من وراء ظهره مرتعشا ..
- شي يعورك ..؟
شعر بكلمتها تلك تخترق صدره بعنف .. لتلامس شغاف قلبه برقة فائقة ..
التفت لها دون أن يجيبها ..
ذاك القلق و الخوف الذي كان يغشى عينيها .. لم يكن منه ..
بل كان عليه ..
لم يرد عليها .. استمر في النظر إليها يحملق في عينيها .. رغم عنف مشاعره الممزقة في تلك اللحظة ..
رأى تململها المعهود تحت وطأة نظرته .. و ابتلعت ريقها تعيد السؤال مجددا ..
- شي يعورك و الا كنت تحلم ..؟
بدت صغيرة للغاية ،، نظيفة ..
و طاهرة ..
تلملم جسدها الصغير الذي نحل كثيرا خلال هذا الشهر .. و تبعد شعرها المبعثر المبتل عن وجهها الصافي بخوفٍ لم تستطع اخفاءه ..
فجأة عادت حور ..
تلك الحبيبة التي يعرف ..
الروح النقية الفريدة التي قضى ليالٍ يسامرها ..
ينغمس حتى الغرق في لذّة أحاسيسه بقربها ..
و لم يعد في لحظة ضعفه تلك سوى التماس الحنين فيها مجددا ..
لذلك جرّ جسده نحوها ..
متجاهلا الفزع الذي لمع مجددا في مآقيها .. و تقلّص وجهها المذعور ..
قبل أن يدنو منها مستلقيا .. يلقي برأسه على دفء صدرها ..
لتخترق مسامعه عنف ضربات قلبها المجنونة ..
و علم أنها متأثرة بقربه ..
حتى و هي تحاول التظاهر بالبرود و ترفع يديها بعيدا عنه ..
خرج صوتها مرتجفا ..
- يوم ما فيك الا العافـ .......
و اختنقت كلماتها حين أمسك بكفّها يقبل باطنها .. و صوته الأجش يخرج من أعماق تبعثره .. و ضياعه بعد كابوسه ذاك .. ثم التماس الدفء فيها ..
- أووشششش ..!! بس صخي .. لااا تفكرين .. و لا ترمسين ..
و وضع نعومة كفّها الصغيرة الباردة على حرارة خدّه .. و هو يغلق عينيه بثقل ..
.
.
.
.
باتت عاجزة عن التنفس ،،
و قلبها يثب بجنونٍ في صدرها ..
غير قادرة حتى على منع الرجفة عن يدها التي ترتاح على خدّه ..
و قد لانت ملامحه الشرسة .. متعبة بشكلٍ رهيب ،،
حاجبيه الكثين .. و شاربه و لحيته الخشنة .. استطاعت تبين جذور شعيراتها من هذا القرب ..
أنفه المتكبّر و شفته يرتخون بارهاق ..
ما فجّر في داخلها دفقٌ هائل من الحنان ..
و لا تدري لما تدافعت الدموع لمآقيها في تلك اللحظة ..
احساسٌ غامرٌ بالحزن على حالها و حاله أنهكها ..
حتى نسيت كل شيءٍ آخر ..!!

* * * * *


تتناقص الأيـــــــام ..
و يدنو الموعد ..
قريبا للغاية ،،
ستترك دفء هذا المكان ،، و من يسكنوه ،،
لتجر خطاها ذلّةً بحثا عن الستر تحت سقفه ،،
و هو الذي فُضِحَت أمامه ..!!
يا الله ..
خائفة ..
و موجوعة ..
و يائسة حد التحطّم ..
و حين شعرت بأنه لا سبيل ..
و لا خلاص ..
راحت كفّها تلتمس بحثا عن نعومة سجّادتها ..
لتلتجئ إليه ..
وحده ..
.
.
حين يغدو وسع الكون بضيق خرم الإبرة ..
و تتمطى تلك الضيقة بين أضلعنا ..
تنتفخ ..
تحتك بالأحاسيس .. تزاحمها .. تدهسها ..
تتضخم ..
و توشك على الإنفجار ،،
حين لا يصبح في العالم ألوانٌ سوى الأسود ،،
كآبته .. و ظلمته ..
ما الذي قد نطمح له ..؟!
ما الذي قد يهوّن عظائم الأمور و المصاب ..
حين تصبح الأنفاس مجرد نفخٍ يائس في جسدٍ أهلكه اليأس ..
و تتضاءل الحياة ..
تنكمش .. لا تسعنا ..
من هو أهلٌ ليمسك بأكفنا .. ينفحها شيئا من الأمل ..
ليرمم تشققات جدران قلوبنا .. و يفتح نوافذ الروح و أبوابها للنور القادم ..
من يربت على الإحساس .. يحتضنه .. و يمسح رأسه ..
من يشد على أكتاف الإنكسار ..
و يهمس بأن فرجا قريبا ينتظر ..
و أن كل الأمور ستصبح على خير ما يرام ..
من يَعِدُنا بأنه ما جُعل ضيق إلا و يتبعه فرج ..
من ..؟!
من ..؟!
من ..؟!
من ..؟!
لا أحـــــد ،،
إلا هو ..
الفرد .. الصمد ..
و نوقن بأن تلك الشتلة التي راحت تنتفض تحت كثبانٍ من قنوط ،،
تورق ،، و تشتد اخضرارا ..
هي الصبر ..
أو أكثر ..
هي إيماننا ..
بأنه .. مهما امتدّت الأحقاب ..
و طالت الأزمنة ..
مهما اعتصرنا ضيق الوقت و ضنكه ..
.
.
.
.
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }***

* * * * *
* تبكيك البقاع غزة / من بوح قلمي ،،
** و تبكي أحجار / من بوح قلمي ،،
*** سورة الزمر / آية رقم ( 10 ) ،،

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:33 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية