لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-04-08, 05:01 PM   المشاركة رقم: 76
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطـــــــــــــــوة الرابعـــــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــــر

خطوات مرصودة ..! ║

أظافرها المطلية بعناية تربت على سطح المكتب الأملس و عيناها لا تفارقان شاشة جهاز الحاسوب اللامعة ..
تنتظر بفروغ صبر أن تدار الاسطوانة التي وضعتها للتو ..
ربما تكون مدللة .. فارغة الرأس كما يدعون
.. و لكنها بارعة في عملها .. تتقنه بشهادة التدريب التي أخذتها دون أن تحتاج لتدخّل واسطة من والدها ..
رغم هذا لازال أمامها الكثير لتقطعه .. تنهدت بملل .. تعلم أنها ستترك هذا العمل لا محالة بعد شهرين من العبث .. ليست هي من تلتزم بشيء ما ..
تتلهى بهذا العمل عن تجاهل ذاك البعيد .. تأوهت و هي تخبط الطاولة براحة يدها حين تبادرت صورة وجهه في ذهنها .. لا يمكنها أن تنكر ذاك الشوق الذي ينخر روحها ..
لرؤيته .. متلهفة .. تريد نظرة واحدة فقط .. و لكن أين ستجده ..؟ و هو لا يبارح مكانه ذاك مطلقا ..
تبا له .. ألا يعرف التمييز ..؟ يمكنها المراهنة بأيام حياتها القادمة على أنها أفضل بمائة مرة من تلك الزوجة الغبية ..
و سيدرك حتما مدى الفرق بينهما قريبا ..! عليها فقط ان تروي لهفتها له ..
و لكن أين ستجده ..؟ أيــن ..؟!
نفضت كل ذلك عن رأسها الجميل حال رؤيتها المجلد أمامها ينتظر الفتح ،،
المربع الأصفر الصغير يحمل إسما باهتا تحته .. فراحت تلوي شفتيها و هي تقرأه بشيء من السخرية ..
- ( قلم حر ) ..؟! مغبر هذا ..!
استعادت صوت مدير التحرير العجوز و هو يقول بنبرته المتضايقة أن أمامها الكثير لتتعلمه .. و ليس عليها أن تتوقع أن يتم الأخذ بما تكتب حتى تصبح متمرسة .. لذلك عليها أن تتبع نهج كبار المحررين في الجريدة ..
هه و كأنها تحتاج حقا لذلك .. الحقيقة أنها لا تبالي بعملهم العفن .. كل ما تفعله هو اللهو قليلا بدل الجلوس تحت وطأة الملل ..
و حتى يحين الرحيل .. عليها أن تلتزم بقراءة مقالات ذاك الإسم السخيف ..
ماذا كان يا ترى ..؟!
نعم ..
( قلم حر ) ،،

* * * * *
تندس تلك النسائم الباردة بين ثيابه .. تحتك بجسده الدافئ متحديّة ..
تشاغب ذاك الاسترخاء الذي اتخذه و هو يتّكئ على عتبة رحيل ..
تريده أن ينكمش .. أن ينطوي ..
تستميت لهزّه ،، فتعجز ..
فيما لا يزال هو جالسا قي مكانه ..
يحتضن بين أنملتين عقب سيجار ذاوي ..
و قلب ..
قلب تلك الفتاة المتوترة .. التي راحت تقطع الممر الفاصل بين المجلس و - حوش - بيتهم بخطوات متخبّطة ..
كشعورها المرتبك في تلك اللحظات ..
يحتضن قلبها بين أنملتين .. واثق بأنه سيشعله لهفة .. يستنشق دخانه إحساسا ..
فينفثه ببطء .. لينتشر في الهواء ..
فيختفي ..
مخلّفا وراءه .. رماد ما احترق من قلب ..!
لم تكلّمه .. منذ عاد من المستشفى .. و أجبرها على البقاء معه .. حتى أنها أوكلت مهمة السحور لأختها ..
راحت ترتعش و هي تحتضن نفسها .. لا يدري مما ..
برد .. أم خوف ..!
كانت قد رفضت معطفه .. لذلك لم يجد في نفسه رغبة لإرغامها على ارتداءه ..
اكتفى بالجلوس على العتبة .. و نظرته المتكاسلة معلّقة بحركتها تلك ..
تأبى الجلوس .. تأبى الكلام .. تأبى النظر لوجهه ..
يدرك أنها تخفي خوفا بين أضلعها لا تريده أن يشهده ..!
يستمتع بتلك الحركة العصبية .. منتظرا بصبر ..
لن يطول الوقت ..
هناك كلمات تتصاعد في حلقها .. لن تكون سوى خطوات أخرى لتنفجر ..
لذلك قال بصوته الرجولي الآمر ..
- حور ،، تعالي يلسي ..
انتفضت و هي تلتفت إليه .. و كأنما لم تتوقع أن يحدثها .. ربّت إلى جانبه .. فوقفت تنظر للمكان بشيء من الصمت ..
آخر مرة جلست على هذه العتبة .. راحت تهذي باندفاع .. فلم تعد تذكر ما قيل يومها حقّا ..!
أ تقترب ..؟!
قد تُكوى بما يلهب أحاسيسها التي راحت تردمها في هوّةٍ من الروح ..
تعاند أمره صمتا لبرهة قبل أن تنحني قواها .. ليست في مزاج لمناكشته .. و لا لتجاهله .. و لا حتى للنفور منه ..
هناك ما يشغلها الآن ..
شيء يفوقه أهمية بكثير ..!
تقدمت تسوق خطاها نحوه لتجلس بجانبه ،، فيما راح جسده ينفث حرارة بجانبها ..
راح التبغ المحترق تمتزج بأنفاسها الباردة لتخنقها .. فتعقد جبينها بضيق ..
عيناها مسمرتين للأمام .. لا تبارح ما لا ترى مطلقا ..
و روحها تتلوى في الجوف بقلق ..
ماذا حدث يا ترى ..؟ تأخروا كثيرا ..؟! كم مر من الوقت ..؟!
هل رقدن أخواتها حين أمرت بذلك .. أم أنهم غافلوها و النوم .. و لازلن ينتظرن ..؟!
شكرت ربّها بصمت أنهم لم يذهبوا إلا بعد خلود نايف و مزنة و هند للنوم .. لم تكن لتحتمل ضغط الأعصاب و أسئلتهم أيضا ..!
تنهدت بصوت مسموع حين راحت تعب دخان سيجارته بدل الهواء .. لتقول بضيق واضح لم تكترث بإظهاره ..
- ماداني ريحتاا ..!
لم تلتفت إليه .. حتى و هو يلقي السيجارة ببطء و يدهسها بقدمه دون رحمه .. تراجع في جلسته المسترخية يقول بهدوء مستفز ..
- خايفة عليها ..؟
نظرت له شزرا .. و كأنما تعاتبه على هذا السؤال السخيف .. فقابلها بابتسامة متهكمة ..
- ما عليها شر .. يابت ثمان يهّال قبله ..
اتسعت عيناها و هي تشهق بحدّة .. لا تردي لما بدت كلماته منافية للإحساس .. فقط اجتاحها إحساس بالبرود و هي تنهض من مكانها مجددا .. قبل أن تواجهه بحدة .. و هو يقول بهدوء ..
- ليش وقفتي ..؟!
انتظر إجابة من ملامحها المتجمدة .. علم انه ضايقها بكلماته تلك .. و لكن حدة توترها راحت تثيره بشكل غريب ..
انتقل إحساسها المبعثر له .. و هي تشيح بوجهها لتعود إلى قطع الطريق جيئة و ذهابا ..
و كأنما تفرغ اضطرابها في تلك الخطوات المهزوزة .. و هي تقضم إصبعها بشيء من الخوف ..
هل أخطأ حين أرغمها على البقاء معه ..؟! لا يهم .. كانت تلك نزعة عارضة أراد إرضائها بإرغام زوجته هذه التي تدعي الغضب على الجلوس معه في ذروة ضياعها و خوفها ..
يعلم أنها مسألة وقت فقط .. سرعان ما ستأتي لحظة تلتمس فيها الأمان قربه ..
قدميها اللتان راحتا تذرعان المكان و تلك الاهتزازات المضطربة ..جسدها الذي راحت تضمه بشيء من القلق ..
أعادته حالتها هذه إلى الخلف سنوات ..
كم مر على تلك الذكرى يا ترى ..؟! أربع ..؟ خمس سنوات ..؟!
بدت و كأنها حدثت البارحة ..!
.
.
.
يستطيع الآن رؤية وجه جده الشاحب و هو مستلقٍ على الفراش الأبيض بوهن .. لا يفصله عن عمليّته الخطيرة سوى لحظات التخدير الذي رفضها قبل التحدث إليه ..
طلبه شخصيا و رفض تماما أن يرافقه أحد ..
راحت عينا غيث تتعلقان بوجهه الحبيب .. هذا الرجل هو البرزخ الفاصل بين ضعفه و القوّة ..!
لن يتحمل أبدا فقده ..!
بدا مشغول الفكر رغم أنه على فراش المرض .. و لم تبدو بوادر أي ضعف أمام صحته و هو يبوح له بما يخفي ..
كلمة فقط من كل ما قال ،، كل لدويّها وقع الموت على مسمع غيث ..
رغم أنها ليست سوى ولادة روح جديدة بينهم .. قد تكون هنا منذ سنوات .. لكنّ الستار كشف عنها الآن ..
ليلجمه الذهول .. و هو يبحث عن أثر مزحة ما في وجه ذاك العجوز ..
- بنتك ..!
لم يهتز شيء من جمود ذاك الكبير و هو يتابع في قوة تعمدها كي تستر شيئا من مشاعره التي قد تبدو ضعيفة أمام صدمة حفيده ..
- هيه بنتي ..
تذكر ذاك التشوش البالغ الذي احتضن فكره .. و الأسئلة تتدفق تباعا من فم غيث المنفعل ..
- بنتك من وين ..؟ كم عمرها .. و شسمها ؟؟ وين حاطنها ..؟ أميه نورة تدري ..؟ ليش ما خبرتونا ..؟!
لكن تلويحه صارمة من يد الجد كان تخنق كل هذا و هو يقول بانفعال ..
- أنا ما عنديه وقت .. بس لازم تعرف وايد أشياء مهمة .. عقب ربع ساعة بيحدر دكتور التخدير .. و بيدخلونيه العمليات .. ما أظمن لو عمليّة الصمام بتنجح او لا ..
شحب وجه غيث بشدّة من إحتمال أن تكون النتيجة - لا - .. رغم ذلك تابع الجد يسرد سره باختصار و هو يقول بشيء من الضيق و كأنما يفضّل لو أنه لم يضطر إلى إخباره بشأنها ..
- قبل خمس و عشرين سنة .. أنا عرست بحرمة على أمك نورة .. و محد درا ابها ..
صر غيث أسنانه بغيظ رغما عنه ..
- ما وراها أهل .. و الا شوه ..؟
ضيّق الجد حاجبيه و هو يقول بقسوة ..
- لا وراها .. بس ريلها كان متوفي .. الحرمة لو ما تعرفها كان ماخذنها بن ظافي .. و عندها ولد و بنت .. يوم خذتاا كانوا عيالها صغار .. و عقب ثلاث سنين يابت بنت و توفت عقبها بشهرين .. !
لم يكن هناك حزن قديم و الجد يسرد هذه القصة بإختصار لا مبالي نوعا ما ..!
لو كان لغيث أن يسترخي و يظهر إنفعالا صادقا لضحك ملئ شدقيه على هذا السيناريو الدرامي المتكرر ..
شعر بأنه يشاهد فلما سخيفا مملا .. و أن حواره قد أعيد مرات و مرات في قصص أخرى ..
لماذا إذا لا يشعر الآن برغبة في الضحك ..
إبنة الجد ..! عمته ..؟!
من هي .. كيف شكلها .. أين تعيش ..؟
و ردا على أسئلته الصامتة قال الجد ..
- عقبها يت ختها من مصر .. و ربتهم .. و تميت أصرف عليهم .. و عيال بن ظافي يصرفون على خوانهم .. إلين كبر ولدها العود نهيّان و تخرج من الجامعة .. و خلّصت بنت بن ظافي الثنوية العامة .. سافرت خالتهم و ردت بلادها ..
تدلى فك غيث قبل أن يقول بصوت أبح من صدمة ..
- بلادها ..؟!
تجنب الجد النظر لحفيده و هو يقول بصوت متضايق ..
- هيه تراها كانت مصرية الله يرحمها ..
وقف غيث على قدميه و هو يصيح بذهول ..
- مصريـــة ..!!!!!! تاخذ وحدة على أمايا نورة .. من عرب يمكن نعرفهم و يعرفن حريمهن إنك معرس عليها .. و عندك بنت .. و أمها مصرية ..؟؟!
إسودّ وجه الجد من الغضب و هو يقول بصوت متزن و لكنه مخيف كي لا يؤذي صحته ..
- لا ترفع صوتك يا صبي ..
شد غيث قبضته و وجه أمّه نورة يعاود الظهور أمام عينيه .. بتلك الملامح المحفورة .. العتيقة .. الحبيبة ..
بدفق من الحنان لا يفارق عينيها الدافئتين .. و الجد يقول بنبرة صارمة ..
- بلاها المصرية ..؟ كافرة ..؟ أنا ما غلطت .. خذت وحدة على سنة الله و رسولها .. و ما خفت من أمك يوم خشيتاا .. لكنيه ما بغيت آذيها .. و أزعلها .. و أنا أدري إنها ما بترمس .. بس بتم تتويع ع السالفة .. المصرية لي هب عايبتنك .. أم عمّتك ..
بدا غيث على وشك الإنفجار .. و لكنه يهدئ من غيظه الذي راح يتدفق في عروقه .. و هو يلهث بحرارة ..
- وشوه تبانيه أسويبها بنت المصرية ؟؟!
انفجر الجد يقول بصوته الغليظ ناهرا ..
- غيث ..!
ثم لهث بقوة قبل أن ينحني ليضع راحته على جهة صدره اليسرى بألم فاضح .. فيقفز غيث نحوه بفزع ..
- عيّن خير و لا تعصب الله يهديك .. انته تعبان ..
رفع الجد رأسه مكابرا و هو ينفض يد غيث عنه و يقول بصوت أبح ..
- أنا ما زقرتك أخبرك السالفة عسب تعيّر عمّتك .. أنا يمكن ما أظهر من العمليات اليوم ..
- الله يطول بعمرك .. إن شا الله تنـ ..
قاطعه الجد بلا مبالاة ..
- أنا أبا أخبرك مكان عمتك و كل شي عنها .. لو استوابيه شي .. تكون انته لي تعرف انها بنتيه .. و ترتب أمورها و تييبها عند خوانها الكبار .. هيه تعرفهم واحد واحد .. و تعرفك .. بس محد يعرفها غيري ..!
- شسمها ..؟!
كانت صيغة المجهول التي يشار بها إليها غير مرضية لغيث الذي سرعان ما أتته الإجابة على سؤاله ..
- ميعاد ..
التوى فم غيث بسخرية مريرة من الإسم ..
- و ما لقيت أخير عن هالإسم ..؟؟
بدت نظرة الجد قاسية ..
- أمها الله يرحمها لي سمتها ..
تشدق غيث بنفور و هو يرفع حاجبا متكبرا ..
- أهااا .. عيل ما سمت عيالها الباقين ..!
لم يرد الجد فقط كان ينظر له بغيظ حقيقي .. قبل أن يمسح غيث وجهه بصبر و هو يقول بشيء من الضياع و اليأس الذي إجتاحه ..
- و الحين وينها البنية ..؟ هنيه في العين ..؟
أومأ الجد برأسه موافقا .. قبل أن يضيّق غيث عينيه محاولا تذكر ما قال جده ..
- كم عمرها ..؟
كان الجد أكثر هدوءا الآن ..
- اثنين و عشرين سنة ..
اتسعت عينا غيث بشيء من الإنفعال .. و فكرة تطرأ على باله .. في عمر قريب من عمر عوشة .. و في نفس المدينة تسكن ..؟ هل هناك إحتمال للمصادفة ..
- وين تدرس ..؟!!
قالها بشيء من القلق المفاجئ و هو يتخيّل وجود تلك الإبنة مع أخواته أو ابنة عمّه و إكتشافهن لإسمها بشكل ما..!
لكن إجابة الجد كانت أشبه بقالب ثلج مثقل على قلبه ..
- ما تدرس .. بـ .......
و قاطعته طرقات خفيفة على الباب قبل أن تطلّ ممرضة برأسها مبتسمة ..
- Time's over ..
نظر لها غيث بحيرة .. لا زالت المفاجأة ترتد في داخله بقوّة .. قبل أن يلتفت لجدّه الذي قال بسرعة و عينه على الممرضة التي إنشغلت بتفحص الأجهزة الموصلة بأسلاك معلقة في جسده ..
- أعمامك و أبوك بيوون الحين .. اسمع يا غيث .. فيه شي ما خبرتك اياه .. لازم تعرفه ..
لم يعد قادر على تخيّل مفاجأة لم يفصح عنها جده الآن .. ألا يكفيه إبنة في الخفاء .. لذلك قال بصوت عصبي ..
- أعرف شوه ..؟
قال الجد بهدوء .. و هو يسدد نظرة لما خلف كتف حفيده ..
- ميعاد عندها شلل أطفال ،،
و بدا رنين الإنكسار في صوته جليّا حينها ..!
.
.
.
الآن و عينه تستقر على جسدها المستند بالجدار في ضيق واضح و هي لا تكف عن ضم نفسها إتقاءا للبرد ..
تقطيبة شرود بين حاجبيها توحي بالبعد الذي وصلت إليه أفكارها ..
دفق من الأحاسيس الغريبة عاد ليسري في وريده و عيناه تتمهلان عليها صعودا و نزولا ..
شيء من الهواء البارد إحتقنت به رئتيه الواسعتين ..
ما الذي تفكر فيه يا ترى ..؟ ما الذي يشغلها ..؟ وضع أمها فقط ..؟!
لا يدري لما انتابه فضول عميق ليخترق أحاسيسها اللحظية ..
يريد أن يبلغ شيئا من أعماقها .. تمنى لو كانت حقا دانية منه .. أراد أن يلتمس قربها .. بلا سبب معيّن ..
لذلك عاد يقول بهدوء ..
- تعالي يلسي ..
رفعت عينين مشوشتين إليه و كأنما انتزعها من عمق ما تفكر .. قبل أن تعود للتقطيب و هو تقول بصوت خافت ..
- أنا مرتاحة هنيه ..
ربت بجانبه يحثّها ..
- انا هب مرتاح .. أباج عنديه .. تعالي ..
رمشت بعينيها الواسعتين للحظات .. قبل أن يصرّ بنعومة عكست الشك في عينيها ..
- تعالي ..
عضت شفتها السفلى بشيء من الإضطراب قبل أن تدفع قدميها بتردد و تجلس ببطء إلى جانبه .. كبح إبتسامة ملتوية حين رآها تنظر إليه شزرا .. قبل أن يقول بنبرة منخفضة ..
- عدج زعلانة ..؟
اتسعت عيناها بعدم فهم .. و هي تنظر إليه .. يعلم أنه يحيّرها بهذا السؤال و هو الذي يتجاهلها منذ مدة .. قبل أن تقول بارتباك ..
- آآ .. لا .. هب زعـ .. زعلانة .. أنا .. تحريتك .. انته زعلان ..
و نظرت إليه بحيرة تنتظر منه أن يقول شيئا .. فيما استمر هو بالتحديق في عينيها الواسعتين .. لم تكن جميلة .. يكاد يجزم بأن أخواته يفوقنها أناقة و جمالا .. قد تبدو بالية أمامهن ..
لكن لا أحد منهن لعينيها هذا البريق المختلف ..!
.
.
أربكتها نظرته الغريبة ..
لتبتلع ريقها بصعوبة .. يحاول ذهنها المشتت البحث عمّا كان تنتظر رضاءه لتقوله ..
ثقل وجوده هنا يربكها .. ما الذي كانت تسعى لقوله جاهدة ..؟!
نعم ..!
بشأن ...
شبكت أصابعها بقوة .. و هي تنر لأصابع قدميها .. لو كانت تواصل التحرك على طول الممر ..!
- يعني هب زعلان ..؟
رفع غيث حاجبا مفكرا .. قبل أن يقول بصوت هادئ ..
- لا ..
احتبست الهواء في رئتيها قبل ان تقول بصوت مخنوق ..
- انزين أبا أرمسك .. فـ .. فشي مهم ..
أراح أصابعه الطويلة على فمه و هو يتمتم دون أن يتزحزح ناظره عنها ..
- و شوه هالشي المهم ..؟
صمتت لبرهة .. قبل ان تقول ..
- الحين أول ما تربي أميه بننتقل ..؟
رفع حاجبه ببطء .. و شفتاه تلتويان و كأنما توقع ما تهدف إليه حقا ..
- هيه .. ليش ..؟
- أول ما تربي .. ؟! و الا بنتم فترة خلاف بنسير ..؟
- و شوه الفرق ..؟
ضيقت عينيها .. و هي تقول بخفوت ..
- خبرنيه أول ..
قال بحزم ..
- يوم بتربي أمج يلستكم هنه مالها معنى .. خلاص .. بتنتقلون البيت العود ..
رفعت عيناها نحوه بنظرة غريبة و هي تقول بصوت أبح ..
- انزين نحن نبا نتم هنيه الين ما توفي أميه الأربعين ..!
عقد جبينه و هو على وشك الرفض قبل أن تتوسله ..
- نبا نرتب أمورنا ع راحتنا .. بعدين .. وين ننتقل و أميه توها مربية .. هذا اذا انتو مستعدين انا نطب عليكم فجأة ..!
ابتسم ببرود ..
- لا تخافين .. ماخذين احتياطاتنا .. ما بيضيق البيت ..
أخفضت ناظرها و هي تشعر بأنه سيرفض بشكل ما .. تخيّلت الأمر لو أن لحظة الرحيل تدنو .. لا بد أنه متعجل .. و لا يطيق صبرا للعودة إلى رفاهية بيته التي اعتادها خلاف هذا الجُحر ..!
- غيث ..
انتفض شعور أحمق في صدره .. حين نادت إسمه بتلك النبرة المتوسلة .. قبل أن ترفع عينين مثقلتين بالرجاء نحوه ..
- نبا نتم هنيه الين ما توفي أميه الأربعين .. ما نبا نستعيل .. صبرتوا شهور ما ترومون تصبرون شهر ..؟! و الا انته متضايق من يلستك ويانا ..؟!
بدت كلماتها الأخيرة تخرج من بين شفتيها مكسّرة ،، محملة بشيء من الخيبة ..
أمال برأسه نحو وجهه المنخفض .. فلم يعد يفصل بينهما سوى أنفاس ..
و شيء من الإحساس ..
- أي شي يمكن انيه حسيت به و أنا عندكم إلا الضيقة ..
و التقط كفّها الصغيرة يضغط عليها بشعور مجهول يكتنف صدره من فكرة أن تظن أنه يكره قربهم ..
- يلستكم توسع الصدر ..
نظرت إليه لبرهة فاغرة فاهها .. متخبّطة .. لا تفهم كنه ما يخالجها ..
لا يفتأ هذا الرجل أن يتقلّب ..
كل لحظة بحال .. حتى أصبحت عاجزة عن فهمه .. !
عيناه التي راحت تستقر على وجهها بنظرة متمعنة .. تثقل على جوارحها .. حتى أضحى الفهم عسيرا ..
انتفضت بقوة حين ارتفع رنين الهاتف قاطعا ارتباط عينيهما العميق .. قبل أن تلملم بعثرتها باضطراب و هي تشيح بناظرها عن وجهه ..
تجيب على الهاتف .. ذهنها لا زال غارقا ..!
- آآلووه .. مرحب .. - ثم صاحت - اماااااااااااااااااه عذيييييييجه ..!!
و هبت واقفة من مكانها بفزع .. ليقف هو الآخر و هو يصيخ السمع لها .. و هي تقول بلهفة ..
- ربت ..؟!! شحالهااا .. الحمد الله .. الحمد لك يا رب .. يا الله نحمدك و نشكرك .. بخير ..؟؟ متأكدة .. ربها ما تعبت ..؟! فديتااا .. هيه .. شوه يابت .. لاااا ..؟ صدق و الله ..؟ بيتخبلن البنات .. الله يبارك في حياتج .. فديتج و الله تعبناااج .. ما بتردين البيت و تخلين ودوم تيلس عندها .. يا الله يعلنيه هب بلاج .. إن شا الله .. إن شا الله .. لا عقب ما يسرحون المدارس بييكم .. هاا ..؟
كانت تدور في المكان .. تخطو خطوتين و تعود للخلف ...تتحرك بانفعال .. و هي تلوح بيديها ..
و قد اصطفت أسنانها خلف ابتسامة عريضة .. تضم شفتيها لإخفائها لكن سرعان ما تزحزحها الفرحة بقوة ..
- لا تقوليلها .. بتحشرنا .. يشبهنيه .. و يشبهنيه .. ما ياكم دكتور اليهّال ..؟ باكر العصر .. آهاا .. انزين ..؟ و شوه قالوا .. ماشي فحوصات عليه عقب الولادة ..؟ ما بيّن ..؟ ان شا الله ما فيه الا العافية .. آمين يا رب .. هيه ..! شوه ..؟
ثم ضحكت بصوتٍ عالٍ ..
أعادت رأسها للوراء و هي تصفق رجلها .. و عيناها تضيقان ،،
تردد صوت ضحكتها كرقرقة مياه باردة ..
تمنى لو علم ما الذي قالته لها خالتها او أمها بالرضاعه .. أراد أن تعيد ما قالت مرارا .. و تكرارا ..
شيء كالراحة راح ينفرد على قسمات وجهها البسيطة ،، بريق خالص من الفرحة يلمع في عينيها الصافيتين ..
عضت شفتيها .. و هي لا تزال تبتسم ..
- لا إن شا الله .. هيه رتبتهن .. فديت روحج .. سلمي عليها .. الله لا يخلينا منج يا الغالية .. دعواتج .. الله يحفظج ..
و أغلقت الهاتف ..لتضمه لصدرها .. ابتسامتها لا تفارق شفتيها ..
شيء أحمق دفعه هو الآخر ليبادلها إبتسامتها دون معنى ..
فقط لأنها تبتسم ..!
- بشري ..؟!
قالها و هو يلتقط كفها يحتضنها بين راحتيه .. و عيناه لا تفارقان وجهها الذي كان يشع سعادة و هي تقول بصوت متهدج من ثقل السعادة ..
- يابت ولد ..
و شدت على يده بقوة دون إحساس .. و هي تضحك بخفّة ..
- هههههه ,, عدنا أخو يديد الحين .. ياااااي .. تخيل الياهل الصغيرون ..
شيء يتلوى في معدته .. و هو يخفض ناظره لبرهة .. مشيحا بإحساسه عن مشاعره الغريبة ..
دون أن تهجر إبتسامته الشفاه ..!

* * * * *

عيناها لا تفارقان وجهه المشدوه أمام الأخبار بعد تناوله السحور ،، فيما ينتظر أذان الفجر ..
- من زمان ما شفنا غيث ..؟!
قالتها بحذر و هي تناول زوجها فنجانا من القهوة .. ليلتقطه بهدوء و عينه لا تفارق شاشة التلفاز ..
- مشغول ..
أومأت برأسها و هي تقول بهدوء ..
- لول حتى لو كان مشغول يخطف علينا .. و يذكرنا .. الحين بيخطف شهر من شفناه آخر مرة ..!
بدا زوجها غير مكترث للموضوع و هو يجيب ببساطة ..
- انزين .. قلنا الريّال مشغول .. بلاج عليه ..؟ شي فخاطرج ..؟
شعرت بالضيق و هي تراقب جانب وجهه لتقول ببساطة ..
- لا .. ماشي فخاطريه .. بس غيث اخو عيالي .. و شرا ولديه ..
هز بو غيث رأسه ببرود ..
- هيه ..صح ..
رفعت حاجبها و هي تقول بنبرة غريبة ..
- بلاك اتقولها كانك هب مصدق ..؟ غيث شرا ولديه و لو يبتوه كان ربيته أنا .. مادري امنوه لي عزر يوديه ليدته ..!!!
التفت لزوجته بنبرة صارمة .. لا يدري لما تتعمد نبش شيء ما هنا ..؟!
- محد قال شي يا حرمة ..
همست ام حامد بشيء من الضيق ..
- حسبي الله عليج يا مديّة .. ما سويتي خير في الصبي ..!
وضع بو غيث الفنجان على الطاولة بشيء من العنف و هو يلتفت لزوجته بغضب ..
- انتي بلاج .. أذيتينا بهالطاري .. شوه مستوي بج ..
ارتجفت من نبرة الغضب التي في صوته قبل أن تقول بشيء من الاضطراب ..
- ماشي مستوي بيه .. يا غير أفكر .. يوم بتربي حرمة حمد .. و اتي هي و عيالها بيت عميه .. غيث وين بيسير ..؟
عقد جبينه بعدم فهم ..
- وين بيسير بعد .. بنى له بيت في حوش أبويه ..
قالت بحذر ..
- و البيت عده ما خلّص .. يباله أربعة شهور عسب يخلصونه .. و شهرين تأثثونه .. وين بييلس ولدك الين هاك اليوم ..؟!
ضيّق عينيه و هو يسلّط نظرة متشككة على وجهها ..
- سلامة .. شوه قصدج ..؟
فركت يديها بتوتر و هي تجيب بهدوء ..
- غيث ما بييلس في البيت يوم بييون عيال حمد .. وين بيسير في الست شهور ..؟ ما فكرت فيها .. خله ايي هنيه عدنا .. بنرتب حجرته لولية يوم سوى حامد الحادث ييلس فيها الين ما يخلص بيته ..
رفع بو غيث حاجبه متسائلا ..
- وايد مستهمة ع غيث و وين بييلس ..!
قالت بصوت واثق ..
- قلت لك .. غيث خو عياليه و ولدك .. يعني شرا ولديه .. و من زمان وديه انه ايي و ييلس ويانا هنيه .. يا غير انته و امك ما طعتونيه .. انا أقول لو تييبه البيت الين بيته يخلص .. تسوي خير .. وديه يشوفنيه شرا امه .. و الا يقرب من خوانه أكثر ..
بدت كلماته الأخيرة تتوسله قرب ذاك البعيد .. فأشاح عنها دون إجابة ..
ماذا عليه أن يقول لها ..؟ أو بما يجيبها ..؟!
لن يقطع وعدا لا يثق أنه قد يفي به .. فمنذ دهر لم يسكن بكره هذا البيت إلا حين اضطر لذلك بعد حادثة أخوه منذ سنوات خلت ..
اسبوعين فقط مكث هنا .. كان الأمر كالخدعة فلم يكونوا يرونه خلالها إلا قليلا ..
الآن يقتصر تجاوزه حدود هذا البيت زيارة لرؤية اخواته كلما شدّه الشوق ..
ما الذي عليه أن يشرح إذا كان هو لا يفهم كيف لتلك السنوات ان لا تمحو عن ذاكرته ما قد حدث ..؟!
لا زال ابنه بعيدا .. بعيدا .. ربما انشغل عنه .. أو السكن في البيت الكبير قد غرّبه ..
لكنه الآن روح أخرى .. شخص آخر ..
رجل ..
يرتدي ذاك الغموض .. و يرفع ياقته قسوة .. مخفيا الكثير في طيّاته .. و أسفله ..
أصبح رجلا .. بعيدا عنه ..
.
.
ذاك ماضٍ ليس سوى برزخ بينهما ..
فلا يلتقيان ..!

* * * * *

- أمج ربت ؟؟!
قالتها صديقتها و هي تنظر لها بذهول قبل أن تصر نورة على أسنانها بغيظ و هن يمشين خارجات نحو الساحة مع ابتداء الفرصة المدرسية ..
- ايييييه .. منووه .. قولي ما شا الله ..
رفعت نورة حاجبها ..
- عيني باردة ما صك حد أنا ..
- العين ما تصيب بالعاني .. قولي ما شا الله الحين .. يا الله ..
- افففف .. ما شا الله ..
- تبارك الله ..
ضيّقت منى عينيها ..
- تبارك الله ..
تابعت نورة بتسلية ..
- و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
بدا الغل جليا على وجه صديقتها و هي تردد ..
- و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
- الله يعطيكم من خيره و يكفيكم شرّه ..
قهقهت منى و هي تضربها ..
- شوه ثوب يديد بتلبسينه .. خبرينيه .. شفتيه ..؟
استمرت نورة في المشي متريّضة .. و هذا ما كانت تفعله أغلب الفتيات في الفرصة الرمضانية القصيرة ..
- لا بنسير كلنا عقب المغرب ..
- كم قلتيليه عمر أختج العودة ..؟
- حور ..؟ 24 تقريبا .. ليش ..؟
رفعت منى حاجبها مجددا ..
- ما شا الله .. و بعدها أمج اتييب عيال ..
ضيّقت نورة عينيها بغيظ ..
- مننننننى .. و الله لو استوا باميه شي .. يا ويلج ..
ضحكت منى ..
- هب صعبة .. ازقرينيه بتفّل ..
ظربتها نورة بقوة ..
- تخسين .. ها لي قاصر بعد ..
تأوهت منى و هي تفرك مكان الظربة ..
- آآآخخ .. اللهم انيه صايمة ..
.
.
- نوووووري ..
التفتت نورة و منى نحو الفتاة التي نادت نورة بصوتٍ عالٍ فتعرفتها بسرعة .. إحدى صديقات دانة المتعددات .. لتصافحها نورة بابتسامة ..
- هلااا و الله .. شحالج لطوف ..
ردت لطيفة بسرعة ..
- بخير الله يعافيج .. نورة .. دانة أختج بتظارب في كلدور المختبرات ..
اتعست عينا نورة بصدمة .
- اشووووه ..؟ بتظارب ..!! بتظارب امنوه ..؟ و ليش ..؟
قالت لطيفة بايجاز و هن يركضن نحو الممر المقصود و يلهثن على عتبات السلم الحجري الملتوي ..
- رناا أم الموبايل لي فتنت عليها دانة .. ميمعة خوياتها .. و ياية تبا تظارب دانة ..
زادت نورة من سرعة ركضها و هي تتخيّل دانة وحيدة أمامهن .. ستظرب بلا رحمة دون شك ..!
صاحت في لطيفة بذعر ..
- محد وياها ..؟؟
قالت لطيفة بلهاث متقطع ..
- الشلة كلها اهناك .. بس .. مادري .. قالت تبا ترمس دانة .. بس شكل نيتها شينة .. نوف قالت ليه أخبرج .. ما فينا ع المشاكل ..
ما أن بلغت نورة الممر المقصود و اقتحمته حتى أفزعها التجمهر في وسطه ..
بدا أن هناك مشادة في منتصف تحلّق الإزدحام و قبل أن تتحرك .. انفجر الوضع فجأة و بدا الجمع يهيج ..
فركضت بأقصى سرعتها لتقتحم الفتيات بقوة ..
راحت تبعدهن عن طريقها بقسوة .. تريد أن تبلغ المنتصف .. حيث اشتبكت الفتاتين بعنف .. و صراخهن و السباب المنطلق .. و تشبثهن الشرس ببعضهن كالقطط .. راحت أيادٍ كثيرة تحاول منعه .. فيما يجذب الجميع كلٌّ من الفتاتين جانبا ..
و لكنهن رحن يتفلتن باستماتة .. و ينقضضن على بعض .. رأت نورة كيف راحت الفتاة الأكبر سنّا و الأضخم جسدا .. تخدش وجه أختها .. و تشد شعرها .. فيما تحاول دانة بلوغها بركلات و هي تلوح بقبضتها محاولة الوصول شعرها ..
و قد انفلت شعر دانة الطويل .. يعد أن سقطت ربطته أرضا ..
هذا قبل أن تقفز نورة بينهن و هي تنشب مخالبها في أي جزء قد يصل لتلك المتنمرة التي راحت تشد شعر دانة للأسفل فتجبرها على الركوع ألما .. فيما دانة تحاول دفعها بعمى ..
انقضت نورة على الفتاة لتجر شعرها بقوة للخلف .. فتفلت الفتاة شعر دانة و تلتفت لنورة .. قبل أن تصفعها بقوة ..
شعرت نورة في غمرة غضبها بسخونة في خدّها ..و عقلها الثائر يتميّز غيظا مع سيل الكلمات و السباب الذي راحت تتلفظ به الفتاة بوقاحة ..
دانة تترنح جانبها قبل أن تجثو أرضا و قد بدا واضحا أنها ليست بخير .. مما فجّر غيظها و هي تحاول الإنقضاض مجددا على الفتاة ..
و في غمرة .. اللطمات .. و الخدش .. و ركل مقيّد بضيق الرداء المدرسي ..
إقتحمت أيادٍ أخرى الإشتباك لتفظه ،،
شعرت بيدٍ لمعلمتين تجذبها و هي لا زالت تحاول جاهدة بلوغ أذى ما من الفتاة التي قيّدت بيد معلمتين أيضا ..
و نورة تصيح بصوتٍ منفعل .. حين تحلّقن صديقات دانة على الأخيرة التي سقطت أرضا ..
- و الله لألعن خيرج لو تيين صوب ختيه مرة ثانية .. المسيها بعد مرة و شوفي شوه بيستويبج .. و الله أعيّفج حليب أمج ..
و راحت تنفض تلك الأيدي التي أمسكت بها متجاهلة كلمات المعلمة المهدّئة ،، و هي تندفع لدانة الجالسة على الأرض تسند رأسها بيدها ..
أمسكت يدها بقوة و هي تقول بخوف .. لا مبالية برعشة يديها .. أو الدم الذي رطّب خدّها .. أو شعرها المتناثر ..
متجاهلة يد ممدودة بغطاء رأسها الذي سقط أرضا أثناء الشجار ..
تنحني نحو دانة و هي تسألها بصوت مذعور ..
- دانة .. ؟؟ دانة ..؟!
رفعت دانة رأسها و قد تشعث شعرها حول وجهها المحمر لتلتقي بنظرة نورة الفزعة ..
كانت تنتفض إثر انسحاب الأدريالين من جسده .. و هي تجلس بوهن .. لكنها تمكنت من رسم إبتسامة ضئيلة على شفتها و بصوتٍ مرتعش ..
- لا تخافين .. انا دانة علمي .. ما شي يظرنيه ..!

* * * * *
تستلقي على ظهرها بهدوء .. و قد تناثرت بعض الأوراق حولها ..
عيناها تتأملان سقف الغرفة بعمق .. فيما ذهنها غارق في كآبة مختلفة ..
وجوه عدّة راحت ملامحها تتراقص أمام عينيها ..
بعضها غابر .. و البعض لم تعاصره إلى في الأيام الماضية .. ابتداءً بإستغلالية حقيرة لن تنساها ما عاشت ..
و انتهاء بأوجه مجنونة .. راحت ملامحها تتمزق أمامها ..
راية .. هدى .. حمدة أو حمدان .. أمها .. روضة ..
لماذا تشعر بهذا الضيق و التململ .. لماذا انبثق خوف من المجهول في روحها ..؟!
مرارة من العدم راحت تنتشر في جوفها .. فيما تتقمص ملابسها الخشنة .. و تستمر غلظة صوتها ..
و تتراقص بقوة على إيقاع الموسيقى الغربية الصاخبة ..
لتدوس بقدميها على كل ما هو جميل في هويّتها ..
جميل ..؟ أما زال للجمال شكل هنا ..؟
أصبحت الكثير من ركائز حياتها مشوّهة .. بالية ..
ماذا تنتظر .. و ما تحويه بين الأضلع ليس سوى خرابة ..!
صورة قذرة .. مقرفة قفزت في ذهنها .. لتغمض عينيها بقوة طاردةً إياها .. و هي تبلع إحساسها بالغثيان ..
أيعقل أن تصل لذلك ..؟! أيعقل أن تصبح مجرد نسخة من حمدان ..؟!
حمدان ..؟
ما زالت لا تعلم ما الذي كانت تصبو للوصول إليه تلك الفتاة المتصابية ..؟!
.
.
(( .. أنا ما أطلب منج شي الحين .. بس أبا اخاويج .. ابا أتعرف عليج و نغدي ربع .. صعبة ..؟ ))
.
.
أتاراها أرادت جرّها لتلك الأوحال التي تنغمس فيها .. أم أنها كانت تبحث عن شيء آخر ..؟
ربما كانت تفتقد الرفقة .. و وجدت أنها خير من يمكن إفساده ..!
لكنها لم تُمنح الفرصة لتنال ذاك الشرف ..! الآن و بعد إبتعادها عنها .. لم تكن تقلقها تلك التهديدات ..
فليس لديها شك بأن حمدان قادرة على إيذائها .. لكنها تعرف كيف ستصد الأذى ..
ما يثير ذعرها بعيد كل البعد عن وعيد تلك ..
شيء من التوجس دفعها لتجيل بنظرها حولها بقلق ..
و سؤال ينهض داخلها ببطء نافضا عنه ركاما من الملل المستمر .. و اللامبالاة ..
تعض شفتها السفلى قلبها بخفق بتوتر بالغ ..
ماذا لو كانت حقيقة في داخلها كحمدة ..؟ ماذا لو كانت منحرفة ..؟
ألم تحب راية ..؟ و تنجذب للكثيرات قبلها و بعدها ..؟
راحت تحك راحة يدها ببنطالها الخشن و هي تقفز من فراشها بذعر ..
نافضة عن ذهنها صور مخيفة لما قد يفعله تدهورها .. راحت تدور في الغرفة بجنون .. قبل أن تندفع للباب و تفتحه ..
خرجت للمر .. لتقف وسطه فجأة بضياع .. عيناها تلتفتان يمنة و يسره ..
قبل أن تشعر بأنها تقف هنا بغباء ..
لذلك توجهت مباشرة نحو السلّم الذي يتوسط المنزل الكبير .. لتهبط للردهة ..
كانت خالية تماما .. صوت من المطبخ أنبأها بأن أمها بدأت بالإشراف على الخدم ليحضّروا الفطور ..
التوت شفتها بسخرية و هي تلقي بجسدها على الأريكة و ترفع قدميها على الطاولة الصغيرة ..
تكاد تجزم بأنه لا أحد يبدأ بتحضير الفطور في الحادية عشر صباحا إلا أمها ..!
التقطت جهاز التحكم عن بعد تقلّب بعض قنوات التلفاز لتتوقف عند محطّة فضائيّة راحت تعرض أغنية تحبّها .. لما تعرض من أجساد تتراقص .. و تتمايل ..
شيء لا يهدف إلا ليرينا أي مدى قد نصل في السعي نحو لتجرّد ..
ليس التجرد عن الملابس فقط ..
بل التجرد عن ديننا .. معتقداتنا .. هويّتنا التي لا تشبه إطلاقا ذاك العري المثير للاشمئزاز ..
يعلمنا لأي مدى قد نتجرد عن إدراكنا في متابعة رخيصة لمثل هذه المشاهدات ..!
رغم أن هذا كله لم يخطر ببالها بل راحت قدمها تهتز بإيقاع رتيب مع الأغنية الصاخبة .. و رأسها يومئ دون توقف ..
سرعان ما التفتت للصوت الذي صاح من خلفها ..
- شيييييخة .. قصري حس هالخياس .. عنبوه حتى و انتي صايمة ..؟
لم تبالي بكلمات أختها التي وقفت خلفها تماما تغلق عبائتها و تلف غطاء شعرها .. بل تشدقت ببرود سائلة ..
- ع وين العزم إن شا الله ..؟
رفعت روضة حاجبها بهدوء ..
- سايرة بتشرى هديّة عنّا كلنا لحرمة عميه حمد .. بتين ويايه ..؟
شخرت شيخة ساخرة و هي تعود للنظر إلى الأغنية .. و قدماها لا تتوقفان .. فيما ضيّقت روضة عيناها و هي تسأل ..
- تعالي بنخطف ع المشغل انشوف فستانج لو يا عالقياس .. شوفيه لو يعيبج و الا بتغيرينه ..؟
لوحت شيخة بيدها لا مبالية و هي تقول دون اهتمام ..
- لو ألبس يونيه ما يهمنيه .. اختاري لي تختارينه ..
مطت روضة شفتيها فيما استرخت شيخة في جلستها قبل أن ترفع الأولى صوتها ليصل لأختها عبر صوت الأغنية ..
- ما بتيين ..؟
أشاحت شيخة بوجهها في ضجر .. لتترك روضة المكان و تخرج ..
ما إن أغلق الباب العملاق خلفها ..
حتى عضّت شيخة شفتها بمرارة .. متجاهله رغبة سخيفة باللحاق بروضة ..
أخفضت رأسها ..لحجرها ..
لماذا هما بعيدتان كل هذا البعد ..؟ لما تسعى لود أولئك الغرباء دون أن تكسبها هي ..؟
روضة ذات القلب الكبير .. ألن تكون أذنا متسامحة لسماع أخطائها ..؟
لكنها بعيدة .. بعيدة للغاية ..
كلهم بعيدون .. و لا يصل لها أحد أبدا ..
و على دمعة حمقاء كادت تنزلق .. خنقتها بغضب و هي ترفع صوت التلفاز على نفس الأغنية .. حتى أصبحت الجدران تهتز لها ..
لم تكترث بصراخ أمها القادم من المطبخ تطلب منها أن تخفض الصوت ..
تبا لهم ..
لا تبالي بهم البتة ..!

* * * * *

حين كانت تستلقي على الفراش الوثير في الجناح الخاص الذي قام زوج ابنتها بحجزه لها .. لم تفارق عيناها وجوههن السعيد .. ملامحهن المستبشرة ..
و جو أسرة أصبحت فجأة غارقة بالابتسامات الصافية .. الصادقة ..
كلّهن شعّت أوجههن حماسا .. حتى عفرا الذي كانت تذبل ببطء في أيامها الأخيرة دون سبب ..
ابنها الذي خرج للتو مع صهرها .. بدا باذخ الفرح ..!
تنقل بصرها بينهن .. و بين اللفافة البيضاء في يد إبنتها الكبرى ،، و وجه أختها الوحيدة ..
ابتسامة غريبة ناوشت شفتيها .. رسمت خطوطا متألمة على وجهها النحيل ،،
إحساس بوحدةٍ غريبة راح يزحف داخلها ،، حين راحت دموع تخز جفنها تنشد الإنزلاق ..
لكنها كبحتها بابتسامة .. و هي تبتلع غصّتها تلك ..
المرة الأولى هذه التي تنجب فيها طفلا و لا يكون قربها ..رحل دون أن يعلم ما الذي أنجبته ..
و من هو ،،
هذا الطفل سيكبر دون أباه ..!
غريب ..!
مرَّةٌ هي فرحة لم تأتِ إلا متأخرة ،،
أبطأت السير للحظة فلم تدركهم ،،
أولئك الذي حين انتصف الطريق بها ..علمت أنهم مضوا إلى البعيد ..
بلا عودة ..
فلن يعيشوها .. و لن تصلهم ..
لن تحفر خطوط البسمة على ملامح تلك الأوجه البعيدة ..
مرّة فرحة أثقلتها الوحــدة ..أقبلت تحمل على عاتقها شيئا من الوجع ..
و اليتم ..!
.
.
وضعت نورة يدها على خدها بابتسامة حلوة لم تخفِ خدوش عراك الصباح الذي تلقّت إثره محاضرة مجنونة صاخبة من حور .. رغم أن الخطأ لم يكن خطأهن و لم تعاقبهن الإدارة بشيء خلاف تلك الفتاة التي أجبرت على توقيع تعهّد .. قالت بحالمية و هي تتنهد ..
- فديته و الله .. يشابهنيه ..!!
ضحكت دانة بسعادة .. و هي تنظر للطفل بين ذراعي حور ..
- اتخسين .. يشابهج أونه .. لا طالعي خشمه .. سبحااااااان الله .. تقولين خشمي .. امرررة هالولد نسخة منيه ..!
عقدت عفرا جبينها تدقق في ملامح الطفل ذو الوجه الاحمر .. تفاصيل وجهه الصغيرة لم تتضح بعد .. لذلك ابتسمت بهدوء ..
- يا ويليه ع خرطكن .. لا يشابهج و لا يشابهها .. أصلا كيف اتميزن ..؟! أنا أقول شكله كوري .. يمكن يايبينه بالغلط ..
ضحكت حور بخفوت و المها تداعب طرف أنفه الصغير بأناملها الرقيقة و نظرة حنونة تسكن مقلتيها ..
- كوري فعينج .. طالعي ثمه .. يرد ع نايف شوي ..!
ضربت مزنة الأرض و هي تتذمر ..
- حور ابا اشله ..!
لكن نورة ظربتها على مؤخرة رأسها بيدها ..
- شوه حلاوة تشلينه .. لا ..
مطت مزنة شفتيها و هند تقول بهدوء و عيناها لا تفارقان الطفل ..
- نبا نشوفه زين .. حور نزليه شوي ..
الكثير من الابتسامات .. دفق من الفرح بهذه الحياة الجديدة ..
هنا من نسيت وجعها العميق .. ستتذكره فيما بعد .. حين تبتعد عن امتداد الأمل الوليد هنا ..
و منهن من نسيت مخاوف تغالبها في روحها .. حتما ستجد الوقت لتعالجها لاحقا ..
همست دانة لنورة بخفوت ..
- ما تبينا نظهر انحاوط في القسم شوي ..؟
ردت نورة بهمس و عيناها على حور المشغولة ..
- خلي مزنووه تلتهي .. بتفتن ..
عقدت دانة جبينها ..
- بيرد غيث .. خلاف ما بنلقى وقت ..
- خلاص أنا برقبج عند الباب أونيه سايرة الحمام .. و انتي لحقيني ..
قالتها و هي تنسل ببطء .. قطعت الممر الضيّق الذي يفصل غرفة المريض عن مجلس الضيوف الصغير في الجناح الخاص .. قبل أن تقف قرب الباب بانتظار دانة التي سرعان ما لحقت بها و هي تحمل حقيبتها .. لتضيّق نورة عينيها ..
- وين تبين بالشنطة ..
ابتسمت دانة قبل ان ترد الغطاء الثقيل على وجهها ..
- لزوم الكشخة ..
حذت نورة حذوها قبل أن يفتحن الباب ببطء شديد و يخرجن بهدوء .. ما إن ارتد الباب خلفهن و وجدن أنفسهن وحيدات في الممر حتى تنهدن براحة ..
لكن مهلا ..
لم يكنّ وحيدات .. في رأس الممر وقفت مجموعة كبيرة من الرجال يسدون الطريق لخارج القسم .. فقالت نورة بقلق ..
- رياييل ..يا الفشلللة ..!!
قالت دانة و هي تحاول تبين الأوجه البعيدة عبر غطاءها ..
- يا ويلنا تخيلي غيث و نايف حد منهم ..
أمعنت نورة النظر دون أن تتبين جسد أخيها الصغير ..
- لا ما ظنتيه .. - ثم شهقت و هي تدير رأسها بعيدا - يطالعونااا .. دانوووه بنحدر .. يا الله ..
قالت دانة بقوة ..
- لااا خليج .. ما عليج منهم نحن فحالنا ..بيسيرون الحين ..
ثم إنفصل أحد الرّجال من المجموعة ليقطع الممر نحوهن .. كان يسير بخطوات واثقة للمكان الذي توقفن فيه .. همست نورة بخوف ..
- الله يغربلج .. ياي قدانا ..!!!
عقدت دانة جبينها و هي تراقب الرجل الذي بدا في العقد الخامس من العمر ،، يدنو منهن بسرعة .. و هي تهمس ..
- لا .. لا ..
بدا وجهه مألوفا للغاية و هو يصل بسهولة و يلقي التحيّة .. مع تراجعهن للخلف ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
قالها و هو يصل إليهن بابتسامة .. لم ينتظر إجابة أخرى مع جمودهن و انكماشهن .. قبل أن ينحني نحو نورة ،،
حين بدأ وجهه يقترب من وجهها المختفي خلف الغطاء .. انتابها الذعر المجنون قبل أن تصيح بوجهه و هي تميل جانبا ..
- حووووه وين تبااا ..
و بردّة فعل تلقائيا .. لطمت دانة وجه الرجل الذي انحنى نحو نورة في وقاحة بحقيبة يدها .. و هي تلهث بخوف ممزوج بالغيظ ..
- صاااحي انته ..صدق قلة أدب .. شيبة كبر أبوية .. استح ع ويهك ..
بدا الذهول على وجه الرجل من ردّة الفعل الغير متوقعة إطلاقا .. عندها فقط لاحظن تقدّم غيث من المجموعة التي تقف على رأس الممر .. لتهمس نورة بخوف ..
- يا ويلناا .. غيث ..!!
ظل الرجل ساكنا في مكانه .. دانة تقول بتحدٍ أجوف .. فيما صوتها يرتجف ..
- هذا أخوناا ياي ..
التفت الرجل للخلف نحو غيث الذي بلغهم و الغيظ يلوح على وجهه .. فاندفعت نورة تقول له ..
- مادري بلاه هالريّال .. كان بيوايهنيه من شوي ..! شكله مغلّط ..
كانت خائفة مما قد يعتقد غيث أو يقول .. لكن الأخير صرّ على أسنانه بغضب صريح ..
- هذا عمكن مطر يا المخبّل ..!
التفتن معا نحو الرجل الذي أخذ يضحك بخفّة الآن .. و التسامح جليّ على وجهه و نورة تهمس بخجل ..
- عمنا ..!
.
.
- ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه .. ههههههههههههههههههههه .. ماروم الصراحة .. هههههه .. شفت البنت كيف ظربت عميه مطر ..
كان هزّاع هو الآخر يقهقه بصوتٍ عالٍ ..
- حليله عميه .. حشا هب بنية هوقهوقن ..!هههههههههههههههههههه ،، أسمينيه بتم أضحك على السالفة ..
قال سيف بحزم و عيناه تضيقان على الواقفين في آخر الممر ..
- بس خلاص .. - ثم التفت لأبيه بشيء من الوقار - ما بنسير قداهم الحين ..؟
التفت أبوه إليه متسائلا ..
- ما تبونا نرقب علي و أحمد و ولده ..؟
قال سيف بحزم ..
- لا برايهم بيلحقون عليهم خلاف .. خلونا نسلم و نظهر قبل صلاة العشا ..
تقدموا جميعا مع دخول مطر و غيث و الفتاتين للجناح المقصود ،، فيما يقطع بو سيف و سيف و أحمد و هزّاع الممر نحو الباب ..
ما ان دلفوا حتى وصلتهم الأصوات الآتية من الغرفة في آخر الممر .. فصاح بو سيف منبها ..
- هووود ،،
ليرد غيث عليه بصوته الرجولي العميق ..
- هداا .. اقرب ..
تقدم بو سيف يلحق به البقيه نحو الغرفة المخصصة للمريض متجاهلين المجلس الجانبي ..
- قريب .. السلام عليكم ..
و تتابعت تحيّة الإسلام من مَن دخل خلفه و الرد عليها من الموجودين .. اصطفّن خمس شابات بأغطيتهن في الجدار القريب من السرير الذي جلست عليه أم نايف باحتشام تقف قربها أختها الوحيدة .. و إلى جانبهن فتاتين أصغر سنا .. انزوين بعيدا عن الأنظار ..
فيما جلس على صف الأرائك القصير مطر و أخوه .. و ظل الشبّان واقفين بهدوء ..
عجّت الغرفة للحظات طويلة بالسلام و تبادل الأخبار و المجملات المتحفظة ..
قبل أن ينادي غيث حور ..
- هاتي الياهل ..
تقدّمت حور من بين أخواتها لتلتقط الطفل و تعطيه إياه .. لا تدري لما بثها وجوده هنا شعورا دافئا بالأمان ..
تعرفه على الأقل من بين كل هؤلاء الغرباء ..
حتى الرجلين اللذان سلّمت عليهما للتو .. بيد أنهما عمّها ..!
حمل الطفل بعناية .. متجها نحو الرجلين الجالسين على الأريكة اللذان تبادلاه بالإبتسامة .. و ذكر الله .. قبل أن يأخذه سيف بهدوء و هو يسأل بصوته الهادئ ..
- حد أذن في أذنه ..؟!
قالت أم مايد بهدوء ..
- لا ..
فأداره بحنان يزيح طرف الغطاء عن أذنه اليمنى ليأذن فيها بصوت مسموع ،، فيما صمت الجميع مراقبا قبل أن يدير الطفل فيقيم الصلاة في الأذن الأخرى ..
أعاد الغطاء حول رأسه جيدا و هو يقبّله بحنان ..
- ما شا الله .. الله يحفظه .. شوه بتسمونه ..؟؟
أجاب بو سيف و هو يعود لحمل الطفل مجددا ..
- بنسميه سيف على أبوية ..

حين كانت تنشج بقوة ،، و - الشيلة- ترتشف دموعها المنزلقة على وجهها المسن ..
استعاد في ذهنه وجعها يوم فقدها لإبنها ذاك ..
الآن و بعد أن وُلدَت فرحة واعدة .. لم تستطع سوى البكاء ..
لم يعلم حقا .. أكانت متألمة .. أم فرحة ..
ما الذي حقا يسعدها .. ولادة حفيدها الجديد .. أم دنو اليوم الذي سيجمعها بأبناء فقيدها تحت سقف واحد ..
عجز عن فعل شيء سوى إحترام عبراتها .. و الوقوف صمتا أمامها ..
هذه العجوز ..
كبيرة ..
كبيرة للغاية .. في إحساسها .. في حنانها ..
في إنكسارها الموجع الذي لم يجبر حتى الآن ..
و كأن موت ولدها أفقدها معنى الحياة ..!
إنسل بهدوء من بين تبعثرها . يغلق الباب بصوتٍ مكتوم خلفه .. قبل أن يشخص بصره للواقف أمامه مباشرة ..
دنا منه بسرعة يسلم عليه و يقبّل لحيته الحبيبة بإحترام ..قبل أن يستديرا معا و الجد يباغته بغموض ..
- بتتعشى هنيه ..؟
قال غيث بهدوء .. و صورة جدته الباكية لا تفارق مخيّلته .. كم يؤلمه بكاؤها ..
- لا .. بتعشى فبيت ابوية علي .. شحالك يا بويه ..
أومأ العجوز برأسه ..
- بخير الله يعافيك ..
ظل ينظر له مطولا قبل أن يسأل ..
- شحالها حرمة عمك ..؟
أمعن غيث النظر فيه ..
- أم نايف ..؟
بدا التردد لوهلة في عين الرجل قبل ان تقسوا و هو يقول بشيء من الحزم ..
- هيه
- بخير ..
- سميتوا الياهل ..؟
ارتكزت عينا غيث الآن .. تسعى لإلتقاط أي حركة قد تفضح ما يخالج جدّه ..
- سميناه سيف ..
انفرجت شفتي الجد المحاطة بالتجاعيد .. و نظرة ثقيلة مبهمة تلمع في عينيه .. و هو يومئ برأسه ..
- و متى العزيمة ..
أجاب غيث بعملية ..
- يوم الخميس .. عشا الرياييل هنيه .. و الحريم فبيت عميه ..
هز الجد رأسه يستدير تاركا غيث خلفه و هو يقول بغموض ..
- خير إن شا الله ،،

* * * * *

حين أطفئت الأضواء .. و استحالت كلمات أخواتها المعتادة قبل النوم لهسيس أنفاسهن البطيئة ..
ظلّت هي تحدق بعينين يائستين في الفراغ الأسود ..!
كل الأجفان قد أثقلت .. أسدلت أهدابها معلنة لحظة توقف ..
حيث ينتهي كل شي عند الظلام الذي يقبع خلفها ..
عالم داكن .. بلا أوان .. بلا أبعاد .. بلا أوجاع .. و لا أحزان ..
لا صدى لبشاعة الواقع فيه .. لا و لمرارة الأيام ،،
سواد لا يسكنه شيء سوى الأحلام ،،
لم ترى النوم رحمة قط كما أصبحت تراه في آخر أيامها .. لكم تمنت لو تغفو عينها قليلا .. لتترك حمولة تروح تحتها روحها عن حدود الرحيل عن الواقع للحظات ..
لحظات فقط تريد أن تنعم فيها بشيء من السلام ..
الغريب أن روحها أصبحت تزحف ببطء نحو الإستسلام الآن ..!
شيء من التسليم راح يستقر داخلها .. و هي تفتح راحتيها حاملة بينها كل أمنية .. كل حلم .. كل أمل ..
أحالتها المرارة إلى حطام ..
لتقف عند حدود الواقع ناثرة إياها في مهب الأيام ..
لتحملا بعيدا عنها ..
جل ما قد يقتلها هو أن تحتفظ في نفسها شيئا من تلك البقايا التي لم تعد سوى رمادا مستحيلا ..
برود راح يجمد أوصال إحساسها ..
و ألم صامت يكتنف روحها ..
ستدفع قدميها في ما قد لا يؤذيها ..ستمضي لأي مدى ستحملها إليها الأيام ..
و ستبرع فيما لا يتجاوز مأساتها ..
ابتسمت بمرارة ..
و ملوحة الدمع تتدفق في الظلام لفمها .. تكبح شهقتين في صدرها ..
لا زال أمامها دراستها .. ستنجح في الكثير .. ستجد طرقات قد تمجّد خطواتها دون عار تسببه لها ..
قطعا ..
ستدوس في طريقها الكثير ..طموح .. و كينونة ..
و هويّة أنثى ..
الكثير عليها أن تلقيه خلف ظهرها ..
لقد مزّق قذر ما .. مستقبلا بلون الزهر قد ينتظرها ..
فلم تعد الأمومة .. و الزواج .. و الحب .. و انطلاقة حياة امرأة ..
سوى أحلام محرّمة ..
.
.
هي ساعة للنسيان آنت ..
ستهجر تفاهاتٍ لم تعد تليق بها بعد الآن ..
تعرف أين حجمها .. و أين موضعها ..
لن تتطاول إذا ..
ربما يناوشها الأمل أحيانا .. لنكها ستحجم عن وجع السقوط إذا ارتقت ..
هي عفرا ..
تلك الطفلة التي غدت تتوسد الكتمان كل ليلة ..!

* * * * *

كان فجرا سعيدا ..
أ و لا يسمى بالعيد ..؟!
بهجة راحت تعبق في أركان البيت الصغير ،، تحتضنها جدرانه العتيقة ،، و حور تدور بالمبخرة في البيت و ابتسامة واسعة لا تفارق شفتيها ..
رغم الألم و الضيق الذي أمسى عليه الجميع أمس .. بحلول أول عيد بعد موت أبيهم ..
حيث أجهشت مزنة بالبكاء و شاركها البقية الدموع الصامتة .. لن يكون ذاك الوقور الصارم موجودا .. ليتهافتون على تقبيل أنفه الحبيب بعد عودته من صلاة العيد ..
و هو ينقدهم ( العيدية ) بابتسامته الخفيفة ..
لن يحملهم دفعتين بسيّارته الصغيرة نحو بيت خالتهم ليقضوا مساء العيد هناك ..
رغم هذا .. لازال عيدا ..
رحت حور تدير المبخرة في الصالة .. عقارب الساعة تشير للعاشرة .. غيث و نايف لم يعودا بعد من صلاة العيد .. فأدركت أنهما توجها لبيت الجد بالتأكيد ..
نشوة و حماس تثور داخل روحها ..
و رائحة الحنا التي لا تزال عالقة بالبيت من الأمس امتزجت برائحة البخور .. و القهوة ..
ثيابهن الجديدة الملوّنة .. و الكحل الأسود الذي صبغ مآقيهن ..
السجادة النظيفة التي فرشت في الحوش و وضعن عليها الحلوى و القهوة ،، و المأكولات التي تشاركن في اعدادها ..
أخواتها احتشدن في غرفة أمهن لتناول الفطور معها و مع خالتهن التي أصرّت على البقاء مع أختها حتى تتم الأربعين يوما ..
خرجت عفرا من باب المطبخ و هي تحمل وعاء طعامٍ مغطّى جيدا .. ابتسمت بهدوء لحور ..
و لمعانٌ باهت يتحدى ذبولها تألق في عينيها .. و هي تتحرك نحو الحوش ..
راقبتها حور و هي تضع المبخرة على طاولة جهاز التلفاز ..
أصبحت أكثر نحولا الآن .. حتى ثوب العيد بدا واسعا عليها .. لانت نظرتها و عفرا تتساند بإرهاق لتقف على قدميها .. و حور تقول ..
- عفاري فديتج .. سيري تريقي ..
مدت عفرا يدها لتقرص خد أختها الكبرى .. و نبرة الحنان لم تخفى عليها ..
- تريّقت فديتج .. انا و مهاوي ..
- يعل فوقه العافية ..
- الله يعافيج ..
نظرت حور حولها و هي تتنهد ..
- أحس العيد غير هالمرة .. مادري كيف ..؟! هادي شوي صح ..؟
أومأت عفرا برأسها .. و هي تنظر - للفوالة - بشرود ..
- صح ،، غير ..!
- الله يرحمك يا بوية ..
عضت عفرا شفتها السفلى بشيء من الألم ..
- الله يرحمه ..
ارتفع رنين هاتف حور لتخرجه من جيبها ،، و هي ترد بحبور ..
- هلاااا و غلاااا .. مباركن عيدج .. بخير الله يعافيج .. شحالج انتي .. هههههههههههههههه .. شفتي عاد ..
إحمر وجهها فجأة و هي تشيح بناظرها عن عفرا التي ابتسمت و حور تتابع بشيء من الإحراج ..
- سبالة وحدة .. أصلا ما شفته الين الحين ..
ثم شهقت و وجهها يحمر أكثر ..
- لااااااااا يا النذلة .. و الله ما أرمسج .. حرام رويض .. و الله أزعل ,,
ثم تنهدت براحة ..
- هااا ..؟ وين ..؟ منوه ..؟ انزين قربي بهم .. هيه .. في الحوش .. انا بظهر الحين ..
أغلقت الهاتف على عجل و هي تنظر لعفرا ..
- هاي روضة تقول إنها هنيه .. هي و أحمد خوها و هزّاع ولد عمها ..
عقدت عفرا جبينها ..
- امنوه هاييلا ..؟ لي شفناهم في المستشفى ..؟
هزت حور كتفيها ..
- اشدرانيه بعد .. بس عيال عمنا .. أنا ما حيدهم .. المهم ..حدري انتي خبري أميه عذيجة و أميه وديمة .. و قولي للبنات عسب محد منهن تظهر ..
دلفت عفرا و هي تقول ..
- ان شا الله ..
.
.
أجال هزاع و أحمد ناظريهما في جدران البيت قبل ان تقع عينا الأخير على باب المجلس .. ليضحك بمكر ..
- و الله ما اتخيل غيث خوية يعيش هنيه .. اتخيل هزاع موظفينه لي فالشركة شوه بيقولون ..
ابتسم هزاع هو الآخر ..
- صدق و الله .. امرررة هب لايق على غيث يعيش هنيه .. حالته صعبه هالبيت .. يطلب الرحمه ..!
هزت روضة قدمها بفروغ صبر ..
- شباب لو سمحتم .. ليكون يايين ويايه عسب تتأملون البيت .. خلصونا العرب يرقبوناا ..
رفع هزاع عينه للسماء ..
- و الليييييل .. ذليتيناا عاد .. يايين وياية .. يايين وياية .. كانا نحن يالسين نشحت زيارة و الا ما بيدخلونا لو ما كنتي ويانا آنسة رويض ..
رفع أحمد حاجبا و هو يتقدم من الباب نحو الحوش ..
- انتي تحمدين ربج انه نحن يايبينج ويانا ..
ثم دق الباب الحديدي بمفتاح سيّارته مصدرا صوتا عالي و هو يصيح منبها ..
- هوووووووود .. هوووووووووود ،،
صوت إمرأة كبيرة أجابه على الفور ..
- هدااا .. اقرب ..
دلف أحمد بسرعة و خجل غريب ..]راوده يتبعه هزّاع بنفس الاحساس .. لتدلف روضة خلفهم .. بابتسامة .. و هي تميز حور الواقفة في الطرف الأقصى .. و أمها التي تحمل طفلا بين يديها .. و خالتها التي كانت هي من أذن لهم بالدخول ..
تقدّمت روضة خلفهم و هما يسلّمان بصوتٍ عالٍ و يجلسان في نفس المكان يفصل بينهما متكأ واحد يستندان عليه .. و هما يتبادلان الأخبار و التهنئة بالعيد .. رغم الصعوبة التي واجهاها في التواصل مع أم نايف ..
فيما تصب الشابة المختفية خلف الغطاء القهوة لهما و هي تدني منهم أوعية الطعام بأدب ..
لم يستطع هزاع منع نفسه من تأمل جدران البيت المتقشف بشيء من الفضول ..
مرّت الزيارة بهدوء ظاهر .. لم يمكثا طويلا قبل أن يعتذرا و روضة توضح بأنها ستبقى هنا و تعود مع السائق ..
ودّعا الجميع قبل أن يمضيا .. و أم حور و خالتها يتوجهن للداخل لوقاية الطفل من البرد ..
فيما روضة تسأل بمرح ..
- وين البنات ..؟
وقفت حور تشير بيدها مبتسمة ..
- داخل .. يتريّقن ..
ظهرت المها أمامهن و هي تسلّم على روضة برقّة .. قبل أن تسأل حور بعينها .. فتلوح الأخيرة بيدها أنهم .. قد رحلوا ..
لتشير الأولى بأنها ستنظف المكان خلفهم .. و روضة تتبعها بعينها ..
- ما شا الله عليها .. الله يحفظها .. لو ميوزينها غيث أخوية ..
قرصتها حور بقوة و هي تنظر لها شزرا حين ضحكت ..
- آآآه .. عورتينيه .. أقول لووو ..
.
.
.
- لحظة ..!!
التفت هزّاع له بفضول ..
- بلاك ..؟
فتح أحمد الباب و هو يترجل من السيارة ..
- تلفونيه نسيته داخل ..
هز هزّاع رأسه بتذمر ..
- معثور ..
فيما يتحرك أحمد متوجها للداخل بسرعة .. و يده تثبّت - العقال - على رأسه ..
ما أن بلغ الباب حتى طرقه مجددا بصوتٍ عالٍ .. و هو يصيح ..
- هوووووود .. ..
لم يتلقى إجابة على صيحته ..
ليعود إلى الطرق و الصياح مرة أخرى .. حين لم يلقى الرد أيضا أيقن أنه ما من أحد في الطريق ..
لذلك آثر الدخول و استعادة الهاتف و الخروج بسرعة .. لكن ما ان تجاوز عتبة الباب حتى تجمد مكانه و عينه تتسلط على الفتاة التي انحنت على - الفوالة - و هي تعيد ترتيبها .. ليشيح بوجهه متوترا .. و هو ينبهها لوجوده ..
- آحمممم .. ياهل البيت ..!
لم يسمع صوتا خلفه فالتفت ليجدها واقفة أمامه تتجاهله ببرود .. و كأنها لا تراه ..
تعلم أنه هنا .. و لم تتحرك لرفع غطاء شعرها و ستره ..!
لاتزال في مكانها و لا يرى سوى جانب وجهها .. بدت غير مبالية بوجوده هنا ..
شعر بشيء من الخجل و الذنب و هو يقف ناظرا إليها متمعنا في جانب وجهها الجميل ..
حتى و لو كانت تتعمد الظهور هكذا .. ليس عليه أن يقف بغباء ناظرا إليها ..!
لذلك تحرك بتوتر نحو مكان جلوسه .. و هو يقول باعتذار ..
- السموحة منج .. نسيت تيلفونيه ..
لم ترفع رأسها حتى لتجيبه .. و هو يلتقط الهاتف .. بدا واضحا أنها غير راغبة في الرد ..
لكن ما إن تحرك بغيّة الخروج حتى هبّت هي واقفة لتلتفت ورائها .. فتجده أمامها مباشرة ..
كانت ردة فعلها هي الأغرب على الإطلاق .. اذ اتسعت عيناها برعب و هي تشهق بصوتٍ مرتفع و تسحب غطائها على وجهها بسرعة كبيرة كأنما لم تلاحظ وجوده إلا الآن .. و تركض لباب الصالة القريب ..
ظل ينظر خلفها مذهولا للحظات طويلة .. فكه يتدلى بعدم فهم ..!
لقد صاح مطولا .. و اعتذر منها .. تكلّم قربها و لم تبالي بوجوده ..!!!
ما خطب هذه الفتاة ..
ابتلع ريقه بشيء من التشوش .. و هو يحمل هاتفه و يتوجه للخارج بإضطراب ..!
بدا الأمر غريبا .. أو غير مفهوم .. و هو يبلغ السيارة لدلفها و هزّاع يقول بغيظ ..
- رحت اتييب تيلفونك و الا تدقها سوالف .. خيستنا يا ريال ..!
لكن أحمد لم يجبه و هو يشد على مقود السيارة بشرود ..
يديرها .. و ينطلق بها ..!
.
.
.
.
كانت لا تزال تنتفض بقوة و هي تضع يدها على قلبها .. دمعة تقف على أطراف الهدب .. تشير لحور بأن هناك رجل في الخارج .. قد رآها ..
- آهنااك .. آآياال .. شوفنيه ..
راح قلبها يخفق بجنون .. فيما الفزع يلجم روحها .. كيف لم تنتبه لوجوده في الحوش .. ألم تشعر بحركة ما ..؟ أدنى شيء قد يجذب ناظريها ..؟!
كان قريبا للغاية منها ..! رآها .. و أمعن النظر لوجهها ..
لم يبعد عنها سوى خطوتين ..
شعرت بعبرة تسد حلقها .. تخنقها ..
أ كان يختلس النظر إليها أولا دون أن تدري ..؟!
ماذا لو فعل ..؟
عادت حور من الحوش مع خروج روضة و نورة للصالة .. و الأولى تنظر لوجه المها الشاحب و هي تضع يدها بذعر على صدرها .. فيما حور تشير لها بيدها .. صائحة بصوتٍ عالٍ ..
- محد .. محد .. هنييييييييه ..!!
هزت رأسها رفضا و هي تشير لعينيها الكبيرتين .. و بدا أن الكحل سيسيل بعد لحظة دمعا أسود و شفتيها الرقيقتين ترتجف ..
- أنا شووفه .. آيااال .. داخيي هوووش ..
عقدت روضة جبينها فيما نورة تسأل ..
- بلاها المها ..؟
قالت حور بضيق ..
- اتقول ريال دخل الحوش .. و هي هناك ..؟!
شهقت نورة بقوة ..
- يميييييييه ..! منوه ..؟
التفتت روضة نحو حور ..
- يمكن أحمد و الا هزاع ردّوا .. انشديها شوه لابس ..؟!

راحت حور تشير بيدها للمها متسائلة .. قبل أن تلوح المها نحو لون الباب البني الحائل ..
فيحمر وجه روضة ..
- أحمدوووه الهرم .. دقيقة بس ..
و أخرجت هاتفها تتصل به .. لحظات فقط قبل أن يجيبها بصوت متوتر ..
- هلا رواضي ..
ابتسمت روضة لبنات عمها و هي تخرج للحوش بعيدا لتكلمه ..
- يا الهرم .. انته رديت مرة ثانية ..؟
بدا صوته غير واثقا ..
- آحم .. رديت وين ..؟
- رديت الحوش ..؟
- هيه نسيت تيلفونيه ..
- آهااا .. و ما لقيت حد في الدرب ..؟
أصبح متوترا ..
- شوه ..؟ آآ هيه .. ليش ..
صرّت روضة بأسنانها و هي تهمس ..
- عنلاتك يا السبال ..و تتنشد بعد .. كان اتصلتبيه و ظهرت لك التيلفون .. هب تعفد فبيت الخلق .. و بناتهم قدّامك ..
رد أحمد بصوتٍ غاضب ..
- انزين ترانيه هوّدت الين بح صوتيه .. و يوم شفتاا تحمحمت بعد .. و رمستاا .. و هي ولا عليها .. تبينيه أنا أسترها ..
شهقت روضة بخفة و هي تعاتبه ..
- حرام عليك .. ما سمعتك ..
- لا و الله .. اصارخ عند أذنها مساعة و ما سمعتنيه ..
همست روضة بقلق ..
- أحمد يا الهرم .. هاي الصمخاا من البنات .. ما سمعتك يوم تهود .. و الحين تتنافض من الروعة .. ما شافتك إلا و انته عندها ..!
.
.
كاد ينحرف بالسيارة حين سمع كلماتها .. لم يبالي بنظرات هزاع الفضولية و المتعجبة ..
قبل أن يوقف السيارة جانبا .. و هو ينظر للأمام بصدمة ..
الهواء يتعسر عليه بلوغ رئته .. و هو يلهث بذهول ..
- الصمخااا ..؟!
لامته روضة ..
- هيه ..
لم يستطع الرد عليها .. أسند جبينه بيده .. و هو يستعيد وجهها المذهول برؤيته .. عيناها الواسعتين ..
راح قلبه يخفق بثقل ..
ببطء مدوٍّ قبل أن يهمس بنبرة غريبة ..
- ماا كنت أدري ..!
ردت روضة بضيق ..
- الحين تدري .. حاذر المرة الياية .. قبل لا تحدر مكان .. هي ما طنشتك .. بس ما سمعتك ..
نظر لهزاع بشيء يشبه الإستغاثة و قد بدا الضياع على وجه الأخير .. قبل أن يهمس أحمد ..
- روضة ..
- همم ..
- قوليلها انيه آسف ..!
و أغلق الهاتف دون انتظار الرد منها .. قبل أن يدير المحرك و ينطلق من جديد .. و هزاع يسأل ..
- شوه السالفة ..
لوّح أحمد بيده عاجزا عن قول شي و هو يركّز في الطريق ..
- و لا شي ..

* * * * *

- ميعاد ..؟
كان ذاك الهمس قريبا منها ،، شعرت بصوت أختها الدافئ يخترق روحها .. تفتح عينيها ببطء .. لتجدها تقف على مقربة منها ،،
بثوب العيد الأنيق ..
كان غيث و أبوها قد غادراهما للتو ،، بعد أن أوغل الليل ظلامه ،،
جاهدت بقوة أن تخفي شيئا من حزن يخالجها .. لكنها تعلم أن لا مهرب من أختها ..
خولة تعرف كل تفاصيل روحها ..
ستدرك حتما أن شيئا ما .. يستنزف روحها ..
- بلاج حبيبتي ..؟
قالتها بصوتها الناعم و هي تمسك بيد أختها ..
- شي يعورج ..؟
ردت ميعاد بتعب ..
- لا ..
- ويهج أصفر ..!
أغمضت ميعاد عينيها تعيد رأسها للوراء مجددا ..
- ماشي .. بس متضايقة ..
استمرت خولة تمسح على رأس أختها بهدوء ..
- من شوه فديتج ..؟
قالت ميعاد بصوتٍ ضعيف ..
- خاطري أشوف سيف بن حمد الصغير ..
ثم التفتت لأختها دون أن تحاول إخفاء دمعتها ..
- أبا أشوف عيال حمد خويه كلهم ..

* * * * *

راح الهواء ينفلت من بين رئتيه .. لا يخترق صدره سوى الفراغ ..
الفراغ الأسود القاتم ..
يديه تخبط الجدران بلا توقف ..
و ظل الليل الثقيل يهبط ببطء عليه ..
.
.
فيما يفتح فمه ليصيح ..
و لا صوت يتجاوز الشفاه ..
أطرافه الثقيله لا حيلة لها لترتفع و تطرق الباب الذي لا يعرف مكانه ..
.
.
أصبحت أضلعه تضيق الآن ..
فيما يسود السواد نفسه ..
هل يختنق ..؟
.
.
سيموت لا محاله ..
راحت يده الثقيلة تتحرك ببطء مستميت ..
يريد أن يطبق على شيء من الهواء بأنامله .. ليدفعه إلى رئته ..؟
فمه يفتح على اتساعه بلا صوت ..
و ثقل غريب يطبق على صدره ..
لا يبعد الموت عنه سوى أنفاس ..
أنفاس لم تعد تصل لرئتيه ..
.
.
لكنه الآن يسمع صوت لهاثه ..
يشعر بالعرق يغرق رأسه .. جبينه ،،
و صدره العريض الذي راح يرتفع و ينخفض بجنون ،،
استوى جالسا بجهد بالغ .. و هو يعب الهواء باستماتة ..
فكرة واحدة راحت تدور في ذهنه ..
كان مجرد كابوس ..
كابوس فقط ..!
ها هو الهواء ينتشر حوله .. و تضيق به رئتيه ..
راح يمسح وجهه بيده الكبير ..
و صوته يهمس بقوة ..
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..

* * * * *
عيناها تتعلقان بعقرب الساعة الذي توقف أمام الثانية عشر إلا ربعا ..
تعلم أن جميع من حولها رقود .. و هذا ما كانت تنتظره من بداية المساء ..
لن تستطيع فاطمة الهرب بأي حجة الليلة .. عليها أن تضع حدا بنفسها لما يحدث ،،
تذكّرت تلك العبارات المختصرة التي أرسلتها في رسالة صغيرة لفاطمة حين لم تعد تستجب لضرباتهن على زجاج نافذة مطبخهم ..!
أصبحت تتهرب .. و خشيت عفرا أنها تعرف السبب ..!
رغم كل هذا لم تجد في نفسها رغبة سوى الاندفاع لتتيقن .. لذلك بعثت لها بالرسالة تلك تطلب رؤيتها في تمام الثانية عشر ليلا ..
لن تخاطر بالتحدث معها عبر فجوة الجدار .. خشية أن يسمعها أحد ,,
ليس على أي كان أن يعرف بالأمر .. ستنهي الموضوع بهدوء ..
تستشف من فاطمة عذرا لتملصها في آخر الأيام ..
و تعرف إن كانت قد وجدت طريقة لحل المشكلة رغم أن هذا ما تشك فيه حدوثه ..التقطت غطاء رأسها الأبيض الكبير تلفه حولها .. و هي تفكر في لو أن فاطمة تخلّفت عن المجيء ..
أم أنها عند وعدها و ستكون الآن في انتظارها في الزقاق الفاصل بين البيتين ..
تمنت من قلبها أن تكون كذلك .. أن تقطع الشك باليقين خيرٌ من أن تقتات على أملٍ بائس ..!
تسللت على أطراف أصابعها .. تغلق باب غرفتهن خلفها ..
صوت بكاء سيف الصغير يصلها من غرفة أمها .. لتنسل بسرعة للحوش ..
فركت يدها بخوف .. لا تدري مما هو ..
لكن الأمان لم يعد سوى وهمٍ في قاموس أيامها الآن ..
تشعر بأن أحدا يتربص بها في كل منعطف ما ..
هناك سرٌّ قد يفضح في أي لحظة .. يقتلها كتمانا .. و ذعرا من لحظة ستأتي يوما لتجد نفسها مجرّدة أمام أحدهم و قد كشف ما تخفي ..
ما إن تجاوزت الباب الفاصل لممر المجلس .. حتى توقفت بشيء من القلق .. ضوء ضئيل يتسرب عبر ستائر النافذة البالية ..
ألا يزال زوج أختها مستيقظا ..؟!
تذكرت تلك اللحظات المشؤومة بضبابية .. لم تعد لديها الكثير من الصور عن تلك الحادثة أو ما أعقبها ..
لكنها تعلم أنه كان شاهدا على تحطمها تلك الليلة ..
نفضت فزعها و هي تتقدم ..
اذا كانت فاطمة موجودة فستتأخر عليها .. و قد تظن تلك أنها لن تأتي ..
و اذا لم تكن موجودة ليس عليها سوى أن تعود أدراجها دون أن يعلم أحد بتسللها ،،
توسلت إلى الله أن تكون فاطمة في انتظارها .. تحتاج لواقع تقف عليه الآن .. و بشدة ..
تريد أن تعلم أين تقف قدماها بالضبط .. كي تتمكن من متابعة المسير ..
فتحت الباب الحديدي الذي أصدر تكّة مسموعة .. لتعض على شفتيها بذعر ..
لحظات دون أدنى حركة قبل أن تطمئن بأن أحدا لم يسمع الباب يفتح ..
تحركت ببطء خارجة من الباب .. و هي تعيده خلفها بهدوء تحسبا لملاحظة احدهم أنه مفتوح ..
خطوتين فقط قبل أن تطل على الزقاق المظلم .. لتتبين شبح أحدهم فتقول بصوتٍ خافت ..
- فاطمة ..؟!
تحرك الشبح بسرعة نحوها .. لتتراجع هي بذعر قبل أن يسقط ضوء الشارع على وجه فاطمة القلق .. و هي تقول بصوتٍ مهموم ..
- عفاري ..؟
تنهدت عفرا براحة قبل أن تشد على يدها و تسلّم عليها بتوتر ..
- و الله لو حد يدري انيه هنيه ليذبحونيه ..
أومأت فاطمة برأسها متوترة ..
- حتى أنا بس سلـ .. آآآ .. خوية هب في البيت .. و .. شحالج عفاري ..
ردّت عفرا بصوتٍ بائس ..
- الحمد الله .. انتي شحالج .. ليش ما تيينا شرات قبل ..
أطرقت فاطمة برأسها ..
- بخير .. انشغلت ويا الدراسة شوي .. و أماياا ..
- آهاا ..
ثم صمتت لدقيقة كاملة قبل أن تعود عفرا لتسأل بصوتٍ مرتجف ..
- فاطمة شوه سويتي في السالفة ..؟
عضت فاطمة على شفتها و هي تقول بصوتٍ خافت ..
- و الله مادري شوه أقولج يا عفرا .. مستحية منج .. بس عدها السالفة على حطت ايدج .. ما أشووفه .. يظهر من صباح الله و ما يرد الا في الليل .. و مرات يبات خاري البيت ..
وضعت عفرا يدا مرتجفة على فمها ..
- ما رمتي ترمسينه .. ما لقيتي فرصة وحدة ..؟!!!!!
بدت فاطمة خجلى من نفسها .. و عفرا تقول بانكسار ..
- معقولة ..؟
قبل أن تجيب فاطمة بأسى ..
- رمسته مرة وحدة ..
اتسعت عينا عفرا .. و هي تلهث ..
- رمستيه ....؟ متى ..؟
- عقب السالفة بيومين ..
ارتاعت عفرا ..
- و ليش ما خبرتينيه ..؟
سكتت فاطمة مطولا .. قبل أن تقول بصوتٍ خافت ..
- لن السالفة ما تستاهل ..يعني ما لقيت فايدة ..
- كيف ما تستاهل ..؟ انتي رمستيه ..؟ شوه قالج ..
- قال .. رمسة .. فاضية .. صدق عفاري .. الموضوع ما كان يستاهل .. بس أخبرج انيه رمستـ ...
قاطعتها عفرا و هي تلمس تهربا هنا ..
- فاطمة .. قولي .. شوه قال أخوج ..
اضطربت فاطمة ..
- ما عليج منه عفرا .. بيصطلب .. و ان شا الله نحـل الموضـ ....
- فاطمة شوه قال أخوج ..؟؟
- عفـ ..
- خبرينيه .. الصدق كله ..
شدت فاطمة بيدها على غطاءها بقوة ..
- قال .. انج .. كـ .. كذّابة .. و تتبلين عليه .. و ...... و .. عفرا دخيلج ما يحـ ..
قاطعتها عفرا بألم ..
- كملي ..
- قال انج ظاهرة ويا واحد و تبين تعقين بلاج عليه ..
أغمضت عفرا عينيها بقوة لتنهمر دموعها وجعا .. شيء كالنصل راح يمعن الطعن في قلبها و هي تقول بصوتٍ مرتجف ..
- انتي صدقتيه ..؟
- لااا .. و اللــ ..
تابعت عفرا بصوتٍ متهدج ..
- فاطمة شفتي شيلتيه في ميلسكم .. أخوج اعتدى عليّه .. ضيعنيه .. و ضيّع شرفي .. تعرفين شوه يعني اعتدى عليه ..؟ امنوه بيصدقنيه انه السالفة كانت غصب ..؟ بيتحرونيه خايسة .. و الله حرااام .. ما سويتله شي .. ما تدرين .. دمرني .. ذبحني .. كل يوم أموت مليون مرة .. و الحين ياي يتبلى عليّه ..!
بكت فاطمة و هي تقول بحسرة ..
- أدري عفرا .. و الله بحل الموضوع .. بس السالفة يبالها وقت شوي ..
- وقت الين متى ..؟ نحن شهر بس و بننتقل .. خبرينيه .. كم تبين وقت .. سنة .. عشر .. أنا خلاص .. يئست .. يئست ..
بلعت فاطمة ألمها و هي تعدها بصدق ..
- و الله بحل الموضوع .. بأسرع وقت .. بس الحين هو شارد .. ما نشوفه .. مادري هو خايف انج خبرتي حد ..
- ما بخبر حد .. فطووم قوليله .. و الله ما بخبر حد .. بس يصلح غلطته ..
مسحت فاطمة وجهها ..
- خلاص .. بس انتي لا تخافين ..
هزت عفرا رأسها و دموعها لا تتوقف ..
- سيري برايج .. بس لا تقطعينيه فاطمة . و الله اموت و أنا أحاتي ..
- لا تحاتين .. ان شا الله ما يستوي الا كل خير .. بيحلها ربج .. تبين شي ..؟
-لا ..
استدارت فاطمة و انطلقت نحو بيتهم بخطى مستعجلة متعثرة ..
فيما توقفت عفرا لوهلة فقط قبل أن تعود هي الأخرى خطوتين للوراء .. ما إن تركت الزقاق خلفها ..
حتى أطلقت صرخة صغيرة من حنجرتها .. و هي ترى الجسد المستند على جدار الزقاق بهدوء ..
دون أن تعلم بوجوده ..
كان هناك من هو في إنتظارها ..
يصيخ السمع لتلك الحكاية القذرة ..!

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 26-04-08, 05:06 PM   المشاركة رقم: 77
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الخطوه الخامسة عشر...[SIZE]

( خطوات على شوك..تدمي..)

مال أبوها يحادث شيخة الجالسة بجانبه بصوتٍ خافت .. و تعبير من الحنان الدافئ يعلو وجهه ،، فيما أحنت شيخة رأسها للأرض .. ترتدي بنطالا واسعا .. و فانلة طويلة تكاد تصل لركبيتها بأكمام طويلة ..
لم يكن الحديث الهامس يصلها .. فانتقلت عيناها لأمها التي كانت مشغولة بتقطيبة صغيرة في الإشارة لشعر حامد الذي يصل لياقة ثوبه بضيق .. و علمت في الحال أن تأمره بقصّه فيما يومئ حامد برأسه لها مجاريا خطبتها المعتادة بهدوء .. فهو لا يرى شعره بالطول المبالغ فيه ..
عينها تتعلق الآن بأحمد الذي استرخى في جلسته .. مباعدا بين ساقيه و مادا إياها للأمام .. يعيد رأسه للخلف و هو ينظر للسقف بشرود ..
مدت قدمها بخفّة لتضرب بطرفها قدمه الممدودة فينتفض ثم ينظر إليها ..
ابتسمت بهدوء .. و هو يقطب جبينه .. ثم تزحزحت قليلا تقترب منه ..
- علومه بو شهاب ..
رفع حاجبه ببرود ..
- علوم الخير .. من شوي شايفنج و مخبرتنيه قصة حياتج .. !
لكزته روضة بابتسامة ..
- انزين نتخبر ليش زعلان ..؟
- هب زعلان .. تخبري ع راحتج ..
- علومه هزّاع .. من العيد ما شفناه ..
- فنعمة .. بينفجر .. بتشوفينه و بتشبعين منه يوم بتعرسين .. لاصق عندكم في البيت ..
ابتسمت روضة بخجل ..
- أحلى ما في السالفة انيه بشوفك تقريبا كل يوم ..
رفع أحمد حاجبا ..
- قالوا لج ما عنديه شغله ..؟! بعدين انتي بتعرسين و بتنسيناا .. يقولج البنات عليهن منكر .. يوم الوحدة تعرس .. تسير بيت ريلها و تقول هذا بيتيه .. و هذاك بيت أبوية ..! يعني بيتج لي انتي فيه أكثر من عشرين سنة .. استوى بيت أبوج .. !!
ضحكت روضة بصوتٍ خافت ..
- سنة الحياة شوه بتقول .. و لو ها لي مزعلنك .. فالك طيب .. بيتم هذا بيتيه .. و هذاك بيت سيف ريلي ..
ضيق أحمد عينيه عليها ..
- صدق ما تخيلين .. حشمي أخوج يالس .. و تقولين ريلج .. عده ما استوى حبيبتي .. في أي لحظة أكنسل الموضوع أنا ..
رفعت روضة رأسها بغرور ..
- احلف و الله ..!
نفخ صدره ..
- عيل .. أنا مسويله واسطة الإرهابي .. و الا ما وافقوا أهلي .. حتى هب عسب سواد عيونه .. خفت يستهدفنا ..
مطت روضة شفتيها بعدم رضى ..
- ترى ما تعيبنيه هالتعليقات .. وايد بايخة ..
- حلفي و الله .. اذا هو عادي عنده و هب زعلان من السالفة .. انتي شلج ..؟ بس أنا الحين أهيئج نفسيا .. انتي ما تعرفين هاللحية وراها تبعات .. و لا ترمسينيه عنه المطوع هاليومين .. حاقد عليه ..
- هههههههههههه .. تستاهلون .. بعدين تعال بتخبرك .. ليكون رابطينك بذيل هزاع .. أخوه و هو حر فيه .. ما قال لك لا تسافر يا حمود لقطر ..؟!
نظر لها أحمد بغل ..
- حلفي انتي بس .. اولا أنا ماروم أسير مكان بلا هزّاع .. هذا شقيق الروح ..
- ههههههههههههههههههههههههههههه .. شقيق الروح ..؟ منوه حفّظك اياها ..؟
تشدّق أحمد ..
- سمعتها في المسلسل بس لا تخبرين حد .. – ثم ظربها بخفة على كتفها – لا تضحكين .. انا أييبها و أييب لي يابوها بعد ..
- ههههههههه انزين صدقت .. هو قال لهزاع لا تروح .. و انته ضحيت عشانه ..؟
مطت أحمد شفتيه ..
- لا الصراحة بغيت أسوي حركة نذالة و أسير بلا هزاع .. بس غيث درى ان هزاع هب مسافر .. و أصدر أمر بحظر التجوال خارج الحدود .. عنبوه رياييل بلحانا .. و عدهم يتأمرون علينا .. تعالوا و روحوا ..
- لمصلحتكم يا خوية ..
- فكيييينا زين .. مصلحتنا أونه .. شايفتنيه أشرب من مرضعة .. و الا ظاهر من الروضة .. لكن هاي خصلة شينة في العايلة .. كل واحد يتعنطز ع لي أصغر عنه ..
- دكتاتوريين ..؟
- شوي .. و أولهم بو لحيّة .. صاك على خوانه صكّة ..
- شرا ما غيث صاك عليكم .. يبونكم تظهرون رياييل ..
مسح أحمد على لحيته ..
- ليش ادافعين عنه الحين ..
- امنوه ..؟
- بن لادن ريلج ..
- أحمدووووه .. اصطلب .. (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) *،
- حي .. أثر عليج المطوع .. بالله رويض بس يوم بتسوين ليلة حمرا ع قولتهم و تحطين شموع .. طالعي في اليدار لي عدّاله .. – ثم وضع يده مفرودة أمام ذقنه و هو يحركها طلوعا و نزولا – بتشوفين اللحية داقة يابس ..
احمر وجه روضة بقوة ..
- ما عندك سالفة .. بعدين اللحية بياض ويه الريّال .. اخس ريّال أشوفه واحد يالدها و مافي الويه شعره ..
ربّت أحمد على لحيته بخفة ..
- الحمد الله هب طايح من عينج .. طلعتي داخله على طمع .. تبين لحية الريّال ..!
رفعت روضة حاجبا واثقا و هي تقول بخفوت ..
- سيف ريال ينشرى بفلوس ..
مد أحمد يده يقرصها بقوة ..
- حشمي يا مسودة الويه .. لا أنا نويت خلاص أكنسلها السالفة ..
ابتسمت روضة بهدوء ..
- حبيبي طلع الموضوع من ايدك .. مالك رمسة عقب أبوية .. و بعدين الحين طلعت اعتراضاتك .. ما بقى شي و ينتقلون قوم عميه ..
- مستعيلة على رزقج ..!! بس صدقتي .. ما خاب منطوقج .. سيف ريال ينشرى بفلوس .. ما عليج من رمستيه .. تراها امزوح .. و هو يدري بها .. يسدج انه ريال يخاف ربه في هله .. بيحشمج و لا بياذيج .. و بتظمنين ان عينه ما بتزيغ منيه و الا مناك .. هيه صح ..تعالي متى بينتقلون بني حمد ..؟
- ههه حلوة بني حمد .. يوم توفي أمهم الاربعين ... الحين يرتبون عمارهم .. و سامان البيت .. يعني أول ما تخلّص سيده بيشلون عمارهم .. و بييون هنيه .. أصلا غيث ما فيه صبر .. يبا يرد بسرعة ..
ضحك أحمد بخفة ..
- مالومه الصراحة ..

* * * * *

في لحظة واحدة .. توقف الزمن ،،
الإحساس ..
حتى الهواء من حولها .. لما يعد يصل لرئتيها ..
صرخات تتفجر احتبست في حلقها حين هوت يده الثقيلة تجر شعرها عبر الغطاء جرا ..
جذوره تقتلع تحت قسوة تلك اليد التي دفعتها لداخل البيت بعنف ..
لم تصرخ ..!
لم تستطع حتى التنفس و الألم يندفع في رأسها .. و هي تقاد كالبهيمة ..
نفس الموقف يتكرر في أقل من شهرين ..
تجر للمجلس .. فيما تكافح التقدم إليه بذعر رهيب ..
تحاول التملص من بين يديه ..
لقد سمعها .. سمعها .. لن يعاملها هكذا لمجرد خروجها من البيت في مثل هذه الساعة ..
راحت تتخبط و هو يخطو بسرعة نحو باب مجلس بيتهم المفتوح .. تحاول يدها عبثا إبعاد قبضته عن رأسها و يدها الأخرى تسعى بجنون لتغطية وجهها ..
لكن أنى لها ذلك ..؟ غطائها يسقط على كتفيها و هي تتجاوز عتبة المجلس ..
تأوهاتها و توسلها الخافت لم يلقى صدى لديه ..
- آآآآي .. عورتنيييييييييييه .. ودرنيه .. ودرنيه .. لحظة بس .. بفهمك .. و الله بفهمك .. لحظة .. آآآي ..
قذفها بقوة .. لتصطدم بالجدار المقابل و تسقط أرضا .. شعرت بأضلعها تسحق من قوة الصدمة ..
قبل أن تلتفت بسرعة .. ترتجف بشدّة .. و هي تلتقط غطائها بجنون .. تحاول ستر شعرها ..
و لكن يداها شلّت و عيناها تتسعان بفزع هائل .. حين التقط – العقال – يفرده ..
كان لا يزال بإزاره و الفانلة البيضاء .. شعره الكث تشعث بقوة .. ووجه الأسمر الصلب قسا و قد لمعت عيناه بغضب مجنون ..
راحت تهز رأسها بشهقات مفزوعة و هي تنكمش على الأرض ..
- لا .. لا .. لا ...
لكنه هوى به عليها .. يجلدها ..
مرة .. و مرتين ..
راح الألم يلسع كل جزء من جسدها يلامسه العقال بحرقة ..
و هي تتلوى .. بألم .. و تدفن وجهها بيديها لحمايته ..
- لااااا .. آآآآآآآآآه .. دخييييييييلك .. حراااااام .. و الله ما يخصنيه .. ما يخصنييييييييييه .. لحظة .. بفهمك ..
بكت بشدّة تتوسل رحمته .. و إحدى الجلدات تصيب يدها التي تحمي وجهها بقوة ..
- لاااا .. آآآآه.. بقولك .. و الله بقولك ..
.
.
لم يكن جلدها بالعقال يهدّئ شيئا من النار التي التهبت في صدره .. ما يريده حقا هو قتلها ..
تمزيقها بوحشية .. و دفنها .. ليطوي تلك الكلمات التي سمعها للتو ..
هذه الفتاة عار عليهم .. عليه أن يدفن كلماتها معها ..
أن ينهال بالتراب على تلك القصة القذرة ..
كل ما أراده الآن .. و يده تجلدها بالعقال .. بكل قوّته ..
هو إحاطة عنقها بقبضتيه .. ليهشمه ..
يريد أن يزهق انفاسها .. ان يمزق روحها .. أن يكتم شهقاتها الباكية .. و صوتها المتلوع الصارخ ..
- لاااااااااااااا .. هوووو .. هوووو الكللللب .. و الله ما سوييييييييت شي .. و الله .. و الله .. ما يخصنييييه .. آآآآآه .. الحيواااااااااااااان .. و الله ماليه دخل .. غصبا عنيه ..
راح صوتها يخفت و هي تلتصق بالأرض ساجدة.. فيما تتتابع ضرباته على ظهرها .. و صوتها الباكي اليائس .. يمزق مسمعه ..
- ما يخصنيييه .. ما يخصنييييه .. هو ظربنيييه .. غصب عنيييه و الله .. الكلللللب .. الكلللللب ..
راحت يده ترتجف و قد توقف فجأة .. و الجمود يكسو أطرافه ..
الكلــــب ..؟!
وجهها في الأرض ..
لم يعد بمقدوره التنفس بالانتظام بعد ضربها ..
فيما لا يزال في روحها ذرّات من قوة ..
بقي القليل .. لتزحف باستماتة .. يد واهنة تلتقط غطائها الذي سقط أرضا ..
لتعيده على رأسها بنحيب مفزع .. و تعيده على وجهها ..
مزّق جلدها بالعقال للتو ..! و لا زالت تخشى أن ينكشف غطاء وجهها ..
عادت لوضعية السجود .. وجهها المغطى يلتصق بالأرض ..
و صوت عويلها المخيف أعاده لتلك الليلة ..
نفس ذاك الحطام .. لكنه أمامه الليلة ..
صوت ميّت .. خافت .. مرتعش .. صدر من بقايا تلك الروح المتكومة أمامه ..
- ياااا رب أمووووت .. ياااا رب .. خذ روحيه ..ابااا أرتااااح .. ارحمنيه يا رب .. ارحمنيييه ..
.
.
كفى ..
فلتتوقف الأنفاس .. لم تعد تريد هذه الحياة التي ترتد في رئتيها ..
لماذا توقف عن ضربها ..؟
لماذا ..؟
لا تكترث الآن .. فليقتلها ..
بدا لها الموت راحة لذيذة .. شيئا بعيد المنال ..
أم تراها أمنية قريبة ..؟
لما لا يخنقها .. لن يكلفه ذاك جهدا ..
لن تقاوم .. تقسم أنها لن تفعل .. و لكن فليفعلها ..
لينهي سلسلة الألم هذه ..
لم يعد في جوفها شتات روح قد تحتمل اشراقة شمس جديدة ..!
- صارخت .. محد سمعنيه .. محد سمعنيه .. ليش..؟ شوه سويت انا ..؟ يكفي .. ما روم أتحمل .. خلاااااص .. اذبحنيه .. اذبحنيه ..
راحت الدموع تنزلق مع كلماتها المتوسّلة .. قبل أن يشيح هو بوجهه عنها ..
في لحظة واحدة .. وجدت نفسها وحيدة في المجلس ..
تكورت على الأرض .. تنشج ..
راح بكائها المرير يعلو على أنفسها ..
هي هنا .. على الأرض .. تنتظر موتا .. يبدو أنه يعاندها ..
لن يأتِ ..!
.
.
ذاك الهواء البارد راح يزيد الحرقة التي راحت تتصاعد في جوفه ..
صور مُرّة تعاد الآن أمام ناظريه ..
فتاتها الذي جمعه ذات يوم في نفس المكان الذي أنصت لاعترافها الليلة فيه ..
بكاءها ذاك .. و صرخاتها .. استغاثاتها .. مقاومتها .. و ضرباتها ..
كل ذلك راح يدور أمام عينيه الآن بجنون ..
لم يكن له ان يتخيل و في أسوأ أحلامه طرا أن يكون هذا السبب ..!
لطالما شك في أن هناك خطبا غير تلك القصة التافهة الغير قابلة للتصديق ..
تلك الحكاية الوهمية التي ألقتها على مسامعه زوجته العتيدة ..
أ كانت تعلم ..؟ هل أخفت الموضوع .. ؟ اللعينة ..
ألم رهيب يكتنف صدره .. هو من وجدها .. هو أول من اصطدم ببقاياها ..
بعد فعلة ذاك الحقير مباشرة ..
كيف ..؟ كيف تجرأ ..؟
كيف انتهك عرضهم .. و تحت أنفه !
أين كان هو ..؟
الجنون الذي يتصاعد في ذهنه راح يتفجر داخله في غضب اعمى من جديد ..
راحت قبضته تلكم الجدار الصلب أمامه بجنون ..
يتجاهل الألم الذي سرى في مفاصل أصابعه .. لكمة و اثنتين .. و ثلاث ..
قبل أن يشعر بجلده يتمزق تحت قسوة الجدار ..
فيلصق جبينه عليه بوهن .. و هو يلهث بمرارة ..
رغبة عارمة تكتنفه يريد أن يقتل شخصا ما ..
يريد أن ينهي حياة .. أن يمزق روحا ..
لا يهم روح من كانت ..
عادت نظرته المقهورة نحو باب المجلس ..
حيث تركها للتو ..صوت بكاءها يعود مرة أخرى لذهنه ..
أراد العودة .. ليمزق العقال مجددا على جسدها ..
بأي ذنب ..؟
و لأي سبب ..؟
لا يهم ذلك .. أراد أن يطفئ لهيبه المحرق ..
عيناه تحرقانه ..
و هو يصر على أسنانه حتى كادت تتخلخل ..
رغم ذلك أبت قدماه التحرك ..!
و رغبة أخرى تصارع ثورته ..
لم يرد العودة ليعاقبها على ما لم يكن لها ذنب فيه ..
لكن .. سكوتها .. تسترها ..
كان ذلك خطأ لا يغتفر ..
.
.
لحظات طويلة ..
ممتدة ..
مرّت و هو يستند على الجدار يكبح جماح غيظه .. قهره .. غضبه الأسود ..
قبل أن يلتفت لباب المجلس مجددا ..
يسحب نفسا عميقا ..
لا زال يحتاج لبعض الأجوبة ..!
لذلك دفع الخطوات نحو الباب الموارب خلفه ..
تمتد يده لتدفعه ببطء .. فينزاح جانبا ..
كاشفا خلفه ضيق المجلس الذي انزوت هي في زاويته البعيدة ..
تحتضن نفسها على الأرض ..
و قد أسدلت غطائها الكبير على شعرها و وجهها ..
تنتفض بقوة .. و صوت نحيبها المتقطع يصله بوضوح .. ترك مكانه بهدوء ليجلس على السرير ..
للحظات ظل يترنم بشهقاتها تلك .. بوجع ..؟ ربمـــا ..!
لكنّه قال بصوتٍ أجش انتزعها من غمرة بكاءها ..
- عفــــرا ،،
كتمت أنينها باستماتة مذعورة .. فيما يقول هو بصوتٍ خرج قاسيا رغم هدوءه ..
- قولي الحين .. شوه لي صار ..؟
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أسند مرفقيه على ركبتيه و هو يدفن وجهه بين راحتي يده .. جالسا على السرير .. يخفي عينيه عن منظرها ..
كل تلك الكلمات التي تناثرت من بين شفتيها للتو لتنغرس في صميمه ..
في كرامته .. في رجولته ..
أما كان يجدر به أن يكون هنا لحمايتها ..؟ ألم يترك بيت جده خوفا على هذه العائلة .. و لحمايتها ..
ماذا فعل اذا ..؟ ما الذي فعله باستثناء تلك اللعبة الغبية التي راح يمارسها على زوجة لن يُعجزه إجبارها على الزواج ..
بكائها ذاك لم يعد سوى شهقاتٍ متهدجة .. تهز جسدها المستند على الجدار .. لا يتبين وجهها من خلف الغطاء ..
متقين بأنه لم يعد خلف هذا الستار سوى تمزُّق ،،
سوى شبح..
ذاك الحقد الرابض في صدره.. يسعى لتحطيمها بشكل ما ..
و لكنه يتريث ..
عقله راح يدور بجنون .. يعمل في ذاك الصمت الثقيل الذي لا يخرقه سوى بكائها ..
شيء في داخله راح يتصاعد مع كل أنين يصدر عنها ..يريد أن يخنقها ليتوقف صوتها عن تعذيبه أكثر ..
دفق من الكراهية .. الحقد .. القهر ..
يسري بقوة في عروقه .. راح يهدّ ترابطه ..
من ..؟
من هو المسئول هنا عمّا حدث ..؟
قالت أنه أجبرها على ذلك .. و مظهرها في تلك الليلة لا يدل على غير ذلك ..
يصدقها ..
لماذا هذه الثقة ..؟
و من أين مصدرها ..؟
لا يهم .. يعلم أنها طاهرة .. و أنها انتهكت قسرا ..
هذه الشهقات التي انزلقت من كومة المرارة هناك ..
راحت تمزّق أعصابه بوحشية ..
كأنما تعيّره بما فعل ..
.
.
كان صوته أجشا.. بدا جليّا أنه يكبت رغبات مريرة في صدره .. يكبح غضبا أهوج يربض بين أنفاسه ..
- بس خلاص .. صخي ..
لكنها لم تستطع السيطرة على شهقاتها المتتابعة .. ظل صوتها ينفلت نشيجا مرهقا من بين شفتيها ..
شيئا أثاره أكثر فأكثر ..
لن يفيدها أن يحطّم وجهها الآن أبــدا .. عليها أن تتوخى الحذر حتى يهدأ ..
بدا صوته أكثر غضبا و هو يزمجر ..
- بااااااااس أقووولج .. صخي .. ما اباا أسمع نصخج ..
شهقت بقوة تبتلع بكائها وجسدها يرتجف كالورقة الخريفية المتراقصة ..
حتما ستدهس تحت الأقدام ..
ستتفتت .. و تتناثر ..
لتذروها الريح بعيدا ..
حيث لا أذى ..
ما الذي أوقفه عن قتلها ..؟ لا زالت تلك الرغبة تنبض بقوة ..
متأكد بأن لا ذنب لها .. كل ما ترى عينيه يشير لذلك .. كل ما سمع بأذنيه ..
تلك الليلة الغريبة ..
يعلم أنه لا ذنب لها .. و لكن ذلك لا يخمد نيرانه ..
هي وصمة .. وكفى ..
كيف و لماذا .. و ذنب من .. لا يهم ..
عليه فقط أن يهدأ .. أن يهدأ ..
عليه أن يستخدم عقله ..
الانفعال لن يفعل شيئا سوى تعقيد الأمور و فضحها ..
أغمض عينيه بقوة يسحب نفسا عميقا .. لبرهة فقط شعر بالإختناق وكتلة ثقيلة شائكة .. من كلماتٍ لا تروى ..
تسد حلقه .. قبل أن يخرجها بحشرجة .. وعينيه الحمراوين تلمعان بشيء يكبحه في جوفه ..
- أبا أعرف .. حد يدري ..؟ حور تدري ..؟
تمنى لو أنها تجيب بنعم .. تمنى ذلك بشدة ..
أراد فقط أن ينهض من مكانه ليقتحم بيتهم ثم يجرها من شعرها كما فعل بأختها قبل قليل ..
كم سيسره أن يمزّقها على استغفاله بهذه الحماقة ..
لكن صوتها المتقطع رغم خفوته حمل إجابة واضحة ..
- لااا ..
صرخ بها حاقدا ..
- لا تكذبين ..!
بكت مجددا .. و في صوتها الهامس نبرة يائسة .. أثقلت على روحه ..
- و .. و الله .. ما تعرف .. محد .. محد يعرف .. ما خبرت حد .. و الله ماخبرت حد ..
اعتصرت قبضة من الأسى فؤاده .. و هي تتابع بانكسار مؤلم ..
- كنت خاا .. خايفة .. خفت .. مادريت أخبر منوه ...؟
قال بمرارة راحت تنفث قهره ملوحة في فمه ..
- كان خبرتينيه .. ليش ما خبرتينيه ..؟
لم تجبه .. ترتج أركان جسدها مع كل شهقة تخنقها ..
.
.
تخبره ..؟!
من هو لتفعل ذلك ..؟
ليس سوى غريب يشاركهم السكن بحجّة لم ينجح في تحقيقها ..
أما كان له أن يحميهم ..
إمتداد حمايته لم يبلغها إذا ..
كان يجلس الآن متصلبا .. عبر الغطاء لا تتبين سوى وجه إسودّ من الغضب ..
و عينان بدتا تنفثان لهبا ..
شعرت بالوهن .. إن فكر في اللحظة التالية في قتلها لن ترفع إصبعا واحدة لتقاومه ..
لربما يمنحها هدّية عظيمة و يقوم بذلك متعجلا ..
كم ستشعر بالراحة بعدها ..
أي شيء يمكنه أن يصلها بعد الموت ..؟
لا شيء إلا جزاء من رب العالمين ..
هذا الرجل انتزع تلك التفاصيل القذرة من بين أسنانها .. يعلم كل شيء ..
هذا الغريب الذي لا يعني لها شيئا يدرك حجم مصيبتها و الفضيحة التي كانت تخفي ..
الخطب الذي خجلت و خشيت من إخبار أختها الأقرب لها .. غدى أمرا معروفا له ..
أغمضت عينيها بيأس شديد .. أي ذلٍّ قد يفوق هذا ..؟!
انتفض جسدها المتورم من الضرب و صوته الخشن يقول بقسوة ..
- ما فكرتي تقولين لحد ..؟
- كـ .. كنت بخبر حور ..
ثم أجهشت مجددا بالبكاء ..
- بس ما رمت ..
صرخ فجأة بقوة أجفلتها ..
- لا تصيحين .. و ردي عليه ..
ضغطت بيدها على فمها و الدموع تبلل غطاءها ..
فيما هب هو ينقل قدميه في المجلس الضيق ..
بدا كالليث الحبيس و هو يدور بيأس في المكان .. ابعاد يده عنها ..
و عدم التهجم عليها مجددا توجب منه قدرا كبيرا من ضبط النفس .. و ها هي النيران تلتهم صبره مجددا ..
- اسمعي .. و اسمعينيه عدل .. الرمسة لي بقولها مابا عيدها .. الموضوع مابا حد يدريبه .. و الله .. ثم الله .. لوأدري انج رمستي به بينج و بين عمرج .. ينه الذبح ما يسدنيه منج .. تسمعين ..؟
صرخ بالجملة الأخيرة بغضب مجنون ..و هي تومئ برأسها مع انفلات شهقة متلوعة ..
ها هي السيطرة ستولي بعد قليل .. أغمض عينيه بشدة .. كابحا رغبة مميتة في اقتلاع شعرها من جذوره .. و ركلها حتى تموت ..
همس بقوة ..
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
عاد ليجلس على طرف فراشه..و عينيه ترتكز عليها وهي تكتم أنفاسها و لكن ذلك لم يوقف ارتعاش الجسد و إحساسها ..!
فطر قلبه مظهرها .. شيء في تجردها هذا من الحياة أعاده لأيام أجبر فيها مرارا على ابتلاع أوجاعه .. و آلامه ..
على المعاناة بصمت تحت وطأة الخوف ..
لم أرسل القدر هذه الفتاة إلى طريقه ..؟ كل ما فيها راح يستفز مواطنا خفيّة من الروح ..
أشياءً جاهد على مر سنين عمره الطويلة في طمسها ..
في انتزاعها من الذاكرة ..
كان صوته عميقا .. يحمل ثقلا كبيرا يجثم الآن على صدره ..
نظر للأرض متجنبا النظر إليها ..
- الموضوع أنا بحله .. انا بحله .. كل شي لازم يتصلح ..
و لكن كيف ..؟
هذا حتما ما سيفكر فيه لاحقا ..

* * * * *

دفعت كرسيها ذو العجلات بقوة خارج الغرفة حين راحت أصواتهما تتعالى بقوة لتصلها ..
لكن ما إن بلغت الممر حتى فُتح باب غرفة أخيها الأكبر بشيء من العنف .. لتخرج أختها الكبرى منها مندفعة ،،
كان شعرها البني اللامع قد ارتخى في عقدة ناعمة على قمّة رأسها ،، ليحتضن رقة ملامحها التي انكمشت بألم واضح فيما راحت عبراتها تتدفق بلا توقف ..
اتسعت عينا ميعاد لرؤية أختها تبكي .. فارتجف صوتها و خولة تشيح بوجهها متوجهه لغرفتها ..
- خولـــــــة ..؟
- خولة ..!
كانت تلك صرخة نهيان الصادرة من الغرفة التي خرجت منها خولة للتو .. قبل أن تغلق الاخيرة بابها بقوة .. ثم يصدر تكّة ناتجة عن دوران المفتاح فيه ..
دفعت كرسيها تتقدم من باب غرفة الجلوس المفتوح .. لتتوقف أمامه ناظرة لنهيان الذي أخفض غترته على وجهه باستياء أخافها ..
- نهيـــان ..؟
أزاح نهيان الغترة ليكشف وجهه المتجهم .. عاقدا حاجبيه ..
- ميعاد ..؟
دفعت كرسيها بقوة نحوه و صوتها يرتجف بقلق ..
- بلاكم .. شوه مستوي ..؟
امتعق لونه لبرهة قبل أن يشيح بوجهه متجاهلا عينيها ..
- و لا شي .. ما رقدتي ..؟
قالت بتوتر تتجاهل سؤاله ..
- نهيااان شوه السالفة خبرنيه .. ليش خولة تصيح .. حد استوابه شي من خوانكم .. حد قال شي ..؟
- قلت لج و لا شي .. لا تخافين .. سيري رقدي ..
نظرت له ميعاد بلوم ساخط ..
- ماباا .. و مابا اتحرك من هنيه الا يوم تخبرنيه .. لا تخبّي عليّه .. ارمس ..
نظر لها مطوّلا قبل ان يزفر بقوة .. محملا أنفاسه شيئا من ثقل همّه ذاك ..
- اليوم واحد من الربع في الدوام كان يرمس عن موضوع .. يعني عن الزواج و كذيه .. و تكلموا عن زواج المتعة ..كيف انه بنية الطلاق .. و شكّيت في ..
صمت و هو يعتصر غترته بيده و ميعاد تنتظر أن يقول شيئا .. ثم تحثّه باصرار ..
- شكيت فشوه ..؟
نظر لمواطئ قدميه يقول بصوتٍ متألم ..
- اتصلت بمطوع و خبرته ظروف زواج أختج .. و انها هي و ريلها بيتطلقون أول ما يرتبون أمورج ..
اتعست عيناها صدمة .. و هو يتابع بشيء من الألم ..
- قال إن الزواج باطل ما دام بنيّة الطلاق .. حتى و لو لم يكتب هالشرط في العقد ..
شحب وجه ميعاد بقوّة و هي تهمس بصوتٍ متقطع ..
- بـ اا .. باطــ .. باطل ..؟؟
اومأ نهيان برأسه أسفا و هو يقول بصوتٍ متألم ..
- الزواج لازم يكون زواج طبيعي .. او يطلّقها .. و يخليها تشوف نصيبها .. خولة هب صغيرة .. لي بعمرها .. عندها درزن عيال .. نحن طاوعناها و طاوعنا غيث عشانج يا ميعاد .. بس الحين خلاص .. العلاقة غلط .. و الزواج باطل .. أنا برمس غيث و أشوف شوه رايه .. و الين ما يقرر .. تنسى انه حرمته .. العقد لي بينهم ما يعني شي ..
ارتعشت دمعة في مقلتها و هي تعجز حتى عن النطق ..
زواج باطل ..؟
باطل ..؟! باطل ..؟!
أين ألقت بأختها ..؟
لم تتخيل و لو مرة أن ....
يا إلهي ..
و كأنما تلك الفاجعة المؤجلة أقبلت تهرول على قدمين ..
ستدوس حتما كل أمل لأختها مع زوجها ..
كل حلم سخيف رسمته لن يصبح إلا غبارا ..!
خياران تعلم أن غيث لن يتردد كثيرا في الجزم بينهما ..
فهو لم يكن الا مضطرا للزواج منها .. و لن يضريه أبدا أن ينحيها جانبا إن أصبح الموضوع أكثر تطلّبا ..!
يديها المرتجفتين راحت تدير عجلات الكرسي للخلف ..
تخرج من الغرفة لتتقدم نحو باب أختها .. تلك الشهقات الباكية تنسل من تحت الباب و ميعاد ترفع يدها بألم لتقرعه ..
هي السبب .. هي السبب ..
ما كان لغيث أن يتزوجها لولا أنه مضطر لزيارتهم كثيرا .. حتى في غياب نهيّان ..
دوما كانت خولة تشعر بالخجل من زيارته .. تظل حبيسة غرفتها لساعات ما زال هنا ..
و كان يشعر إبن أخيها الذي أخذ يتردد عليهم بعد فترة طويلة من معرفته بوجودها بالحرج ..
و يحس بالضيق من احتمال أن يعيق حركتها في البيت .. او التواجد فيه و أخوها ليس هنا ..
حتى أتى أمر السفر ذاك ..
ذاك الموعد الذي حدده طبيبها الكندي للكشف على ساقيها بغيّة فحصها .. خوفا من أي عطب سيصيب تلك العضلتين الواهنتين
ساقيها اللتان لا تتجاوزان ساقي طفل في سمكها .. رغم طولها الطبيعي ..
لطالما شبّهتها في صغرها بعودي معكرونة مسلوقين ..
و كم كان يؤلمها مرآها ..
لم يكن الأمل يختبئ في مكان ما لتنتظر أن يخرج مفصحا عن نفسه ..
تعلم أنها عاجزة .. تماما ..
لا تستطيع الوقوف .. و لا المشي .. لن تركض كالأطفال .. و لن ترقص كالفتيات ..
لن تتباهى بمشيتها أو ما ترتدي ..
ليس لها حتى أن تمني نفسها بأحلامٍ كسيحة .. كل شيء في حياتها يتربع على هذا الكرسي .. لا تحركه إلا عجلات ..
و كان السعي إلى آخر العالم لمجرد الإطمئنان على ساقين نحيلتين .. لا فائدة منهما مجرد اهدار للمال و الوقت ..
لكن أباها لم يكترث ..
أصر على ذهابها .. و لم يكن سفرها إلا بعد شهرين من عمليّته الخطيرة تلك ..
ثم ماذا ..؟ من كان سيرافقها غيره ..
ابن أخيها الأكبر ..
ذاك المتعجرف الذي ظهر ذات يوم على باب بيتهم يطالب برؤية ابنة جدّه ..
لا تنسى قسوة تلك النظرة التي راح يسلّطها بكراهية نحوها .. متأملا جلوسها الصامت ..
حين راح ينفث حقده و صدمته .. و اعتراضه المتأخر .. كلماتٍ وقحة .. دفعت شجارا كلاميا ليشتعل بينه و بين نهيان الذي سرعان ما رافقه لخارج البيت طالبا منه عدم القدوم إلى هنا مجددا ..
تلك النظرة الكريهة على وجهه و هو يخرج .. أعلمتها بأنه لن يعود إلى هنا ..
و كم كانت مخطئة ..
لقد عاد ..
كثيرا .. ما فعل ذلك ..
بعدها بيومين فقط .. أتى نهيان للبيت يصطحب ذاك الرجل معه ..
هل اعتذر أبدا عن قسوته ..؟
هذا ما لا تعرفه ..!
في تلك المرة كان جافا ..و لكنه أكثر هدوءا ..جلس لمدة ساعتين ينظر اليها بصمت ..
و كأنما يدفع عينيه للاعتياد على مرآها ..
مر وقت طويل .. طويل للغاية .. قبل أن تجد نفسها على وفاق معه ..
و لم يكن ليجد مشكلة في السفر معها حينها .. لولا استحالة مرافقة أختها الكبرى لها مع غياب محرمها ..
ثم رمى هو الحل في وجوههم .. سرد اقتراحه ذاك بنفس البرود الذي يشرب به قهوة الصباح ..
طلب من أختها الزواج مقيدا الأمر بينهم بكرسيها هي ..!
و أعطاها الحريّة في أن تتجاهله .. و أن تغطي وجهها عنه ..
و تعامله كغريب ..
تتذكر الآن هياج نهيان و رفضه الشديد .. إعتراضها هي ..
و لكن خولة لها كلمة أخرى ..
أصرّت على المضي في الأمر ..
لم يكن لديها أدنى فكرة أين سيرمي بها هذا الزواج ..
و الآن ..؟!
باطل ..؟!
تبـــــا ..
ذلك سيسحق مشاعر أختها ..
رفعت يدها تقرع الباب مرات عديدة ..
و صوت خولة المبحوح يرتفع بحدّة ..
- ماريد أرمس حد .. خلونيه اروحيه ..
ضمت ميعاد قبضتها .. و دمعتين متمردتين تتطفلان على وجنتيها و هي تناجي بتعاسة ..
- خولة .. بطلي الباب برمسج شوي ..
لكن الصرخة تلك أصرت على ما تريد ..
- ماااااااااااااااااريـد .. ماريد أرمس حد .. مااااريد ..!

* * * * *

بعيدا ..
بعيداعن كل شيء ..
أوقف سيارته في أقرب مكان يمكن لها أن تجتازه عبر هذه الكثبان ..
ليترجل وحيدا عنها ..
يسير ببطء و قدميه تنغرس بين ذرّات الرمال الباردة ..
خيوط النور ترتعش بردا على حدود الكون ..
و الهواء يعبق برائحة الحياة ..
الحياة التي يمقتها في هذه اللحظة ..
لا يريد أن يشتم رائحتها النافذة مع نسائم الفجر الباردة التي اخترقت رئتيه الساخنتين ..
ليتمرد إنتعاش يومٍ جديد على تلك الكآبة التي ارتسمت بخطوط عريضة على جبينه ..
الريح الباردة .. تحرك ثوبه الثقيل .. تعبث بشعره الكث الطليق ..
تتحدى شموخ ذاك الأنف الذي رفعه و هو يصعد تل الرمال الصفراء ..
ليجلس على قمّته العالية ..
يشخص ببصره للسماء للحظات طويلة ..
السماء الداكنة ..
لم تمزق ستار ظلماتها سهام الفجر بعد ..
لكنها قد نالت من أفق دامي ..
صوت خوار .. صياح ديك .. و غثاء يأتي من البعيد .. البعيد ..
و تلك نجمة الصباح معلّقة لتزيّن السماء الزرقاء القاتمة ..
كيف تنظر الأمر من هذا العلو يا ترى ..؟
أتراه بالصغر الذي يراها به الآن ..؟
.
.
منهك ..
منهك ..
منهك ..
يخلع حذاءيه الفاخرين ببطء .. ليدس قدميه بين ذرات الرمال الباردة ..
لو كان للجنون معنى .. فهو ما يحدث الآن بين أضلعه ..
يتنازعه قهر .. و غضب ..
يمزقه ذنب عظيم ..
و يقتله ذاك الهدوء الذي ينتابه الآن ..
هذا الصمت الذي لا يفضح فوضى ما يشعر به ..
أحاسيسه و أفكاره المتخبّطة ..
فكرة واضحة تجلّت أمامه ..
وصورة ضبابية ليده الثقيلة و هي تهوي - بالعقال - على جسدها الضعيف ..
صيحاتها المتوسلة وهي تمزّق روحه ..
قبضة من تربة يعتصرها في يده ..
و ألم غريب راحت يسري في داخله ..
شيء من الحزن يتسلل ببطء لروحه ..
حين ضج سمعه بكلماتها اليائسة ..
(( يارب أموت .. يا رب ارحمنيه ))

تفكيره الآن بما قد تكون مرت به ..
خوفها .. حزنها .. وجعها ..
تلك اللحظات المريرة التي أعاد تمثيلها بالأمس ..
تستنجد به ..
وتتوسله أن تشرح ..
لم يكن بحاجة أن تشرح له .. حتى مع علمه بأنها ليست مذنبه ..
أراد شيئا يطفئ غليانه ..
غيرته التي لم ينفس عنها سوى على جلدها ..
ضغط براحتيه على عينيه ..
ذاك الحثالة سيجده ..
و سيندم على ما فعل ..
لن يكفيه تمزيقه إربا بأسنانه ..
عندها سيبرد هذا الغضب قليلا ..
سيسلط عليه جحيم ما يخالجه الآن ..
و سينتزع من عينيه سوء فعلته تلك ..
أما عنها ..
ماذا عنها ..؟ ما الذي سيفعله ..
هذا ما يحتاج للتفكير فيه ..
لكنه سيجد حلا لهذه المعضلة ..
سيعلم كيف عليه أن يحل الموضوع بهدوء تام ..
الأهم هنا هو التكتم ..
فكرة أن يعلم جده أو أعمامه .. أو أي حد بالموضوع .. لم ترق له ..
هناك الكثير من التبعات التي ستلحق بها ..
الكثير من الأذى الذي يمكن تجنبه ..
الحذر يجب توخيه الآن ..
حين يحين الوقت ..
سيفجّر غضبه كلّه ..
.
.
كل هذا لم يزح الضغط الهائل الذي ترزح تحته روحه ..
و هو يرفع رأسه مستنشقا الهواء ..
و يدفن قدميه أكثر بين الرمال ..
كم سيستمتع باقتلاع عيني ذاك الحقير ..
صر على أسنانه بشراسة حاقدة ..
سيمزّقه ..

* * * * *

اتسعت عينا مزنة و هي تفرد أصابعها و تثنيها مرارا ثم تنظر للأعلى بتفكير عميق قبل أن تميل رأسها أخيرا لحور ..
- يعني باقي عشر أيام .. صح حور ..
هزت حور رأسها مشغولة بالكي الذي بين يديها ..
- صح حبيبتي ..
هبت مزنة واقفة و اقتربت من حور تجلس بجانبها تماما ..
- و بنشل ثيابنا ويانا ..
- هيه ..
تساءلت الطفلة مجددا ..
- و البطانيات ..
عقدت حور جبينها تثني ثوب نايف الأسود .. الذي كان غيث قد اشتراه مع جموعة أخرى كبيرة من الثياب ..
ذاك القرب و التفهم الذي يغدقه على أخيها يخلّف إحساسا دافئا في قلبها ...
- لا حبيبتي عندهم بطانيات ..
- بيعطونا بطانيات نرقد عليها ..
اخفت حور ابتسامة ..
- هيه بيعطونا ..
- و الثياب بيعطونا ..
تنهدت حور مجددا ..
- لا بنشل ثيابنا ويانا ..
- انزين وين برقد انا عندكن و الا عند امايا ..
طوت حور الثوب الاخير تجيبها بحزم ..
- مزون فديتج هاك اليوم يصير خير .. بعدنا فبيتنا الحين ..
اسندت خدها بيدها الصغيرة و هي تقول بابتسامة ..
- حور بيتهم كبير ..
أطفات حور المكواة و اسندتها على الجدار.. قبل أن تجيب نورة التي تستلقي تحت التلفاز مباشرة و ترفع قدما على طاولة التلفاز ..
- أذيتيناا انتي .. عنبوه هب شايفة خير ..
نهرتها حور حين رأت انكماش أختها الصغرى ..
- مالج حاية فيها .. و نزلي ريلج ..
أنزلت نورة قدمها و هي تهدد ..
- بعد شوي بتسيرين تسوين الريوق .. بنشوف كيف بتستقوي هالياهل ..
الآن بدا الخوف على وجه مزنة و حور تصر أسنانها بغيظ ..
- نورة اصطلبي .. ما في فوادج رحمه .. عنبوه دوم و انتي ملعوزة هالمسكينة ..
التفتت نورة نحوها تشهق بمبالغة ..
- مسكيييييييييييينة ..؟ إلااا سكييينة .. ما تعرفينها هاي أم الدويس .. ما يضيع لها حق ..
وقفت مزنة خلف حور و هي تقول بتحدي ضعيف ..
- انتي أم الدويس ..
- هيه أنا أم الدويس .. بييبه داسي و انتي راقدة و بحش ريولج .. و خلاف بذبحج كذيه ..
و كشّرت بشراسة و هي تمرر يدها عرضا على عنقها .. لتصيح حور بضيق ..
- نوووروووه .. افففففف منج .. كبري عقلج ..
- ماروم الصراحة .. هو ينمو بروحه .. مزنة منوه هالشيبة لي واقف وراج ..
و تظاهرت بالخوف مع تصلب مزنة الحذر ..
- يماااااه طالعووو ريوله .. ريول حماااار ..!
أطلقت مزنة صرخة خوف مروعة و هي تبتعد قبل أن تتلفت حولها .. و هي تلهث باكية ..
- كذااابة .. نورة كذااابة .. حووور قوليلها تخوفنيه ..
قبل أن تقول حور شيئا تنهدت نورة و هي تعود للاستلقاء و رفع قدمها على الطاولة ..
- أنا هب كذابة .. كان وراج سيده .. و شفته يأشر يقول بييج يوم ترقدين .. أوووف ما شفتي ريوله كيف .. كانها ريولج مزنووه .. قصدي كانها ريول حماار .. طبعا انتي انسانه هب حماارة .. الا اذا انتي حمارة و انا مادري .. انتي حمارة ..؟؟
تقدمت حور لتنزل قدمها بقوة من على الطاولة و هي تنهرها مع ارتفاع صوت بكاء مزنة ..
- أقسم بالله يا نورة .. لو ما تودرين حركات النذالة هاي يا تندمين .. أذيتي البنية .. أذيتينا .. اففف .. خلينيه أسمع صوتها .. و الله لداويج ..
رفعت نورة حاجبا و عيناها تتعلقان بالتلفاز ..
- ما تلاحظين آنسة حور انج عصبية هالايام حبتين ..؟؟ اذا متضايقة من شي لا تفكين حرتج فيّه ..!
أغمضت حور عينيها تهدئ من نفسها ..
- يا صبر أيوب .. متى حطيت حرتيه فيج آنسة نورة ..؟
أجابت نورة بسرعة ..
- ما حطيتي حرتج .. بس انتي على وشك فعل ذلك ..
صفقت بيدها بحماس ..
- سلااااامي بس على وشك .. مادري كيف طلعت وياي .. المهم .. بعدين حنانج على ناس .. أشوفج تراعين و ادارين عفرا .. و لو بيدج يبتي سعفة و يلستي تهوينها .. و نحن النا السب و الهزاب .. تقولين عيال البطة السوداا .. ما تسويلنا سالفة ..
شهقت حور بقوة ..
- أنا ما سويلج سالفة .. و منوه لي عاطنج اجازة اسبوع من شغل البيت عشان امتحاناتج يا الشيخة .. انا أستاهل .. لو فينيه الخير كان خليتج اتشلين دورج في المطبخ غصب .. لنج هب ويه يماله ..
- انزين هاي عفرا من شهر ما تسوي شي ..
- عفرا تعبانة .. تعرفين انها أمس ما رامت تنش من مكانها .. و تشتكي من ظهرها و بطنها ..
عادت صورة عفرا بيدها المتورمة و الكدمة الزرقاء على جانب وجهها أمام عيني نورة ..
كانت قد سقطت بالأمس في الحمام بقوة على يدها لتنال ضربة أخرى على وجهها ..
أما آن لحوادث هذه الحبيبة أن تنقضي ..!
- أدري و الله أدري .. بس أغاار أنا .. عطيني حنان ..
رفعت حور حاجبها ..
- و كيف أعطيج حنان ان شا الله ..
قالت نورة بابتسامة واسعة ..
- ابتسامة .. ضمة .. كلمة و لا جبر خاطر ..
قطبت حور ..
- انقلعي زين .. يوم بملك عليج ذكرينيه بس ..
ضحكت نورة و هي تتنهد ..
- لو أنا عفرا .. كان عطيتينيه حنان .. بس شوه نقول ..
لوحت حور بيدها ..
- خلي عنج .. يوم انج فاضية نشي شوفي لج شغله ..
رمشت بأهدابها في براءة ..
- عنديه امتحان علم نفس .. لا تنسين انيه ثنوية عامة ..
- عندج امتحان علم نفس يام ثنوية عامة و يالسة هنيه ..؟
التفتت نورة للتلفاز ..
- هيه أغير جوو .. لو أنا عفرا كان خليتينيه أغير جوو ..
و ضحكت بصوتٍ مرح ..
- شكليه بعلق عليها ..
ثم استقامت في جلستها بسرعة و حور تتوجه للمطبخ ..
- لو أنا عفرا كان عطست ..
و عطست بقوة .. لتعقب العطسة بمدة طويلة متعمدة ..
- تشووووووووووو هووووووووووووو ..
ثم حكت أنفها ..
- لو أنا عفرا كان قلت الحمد الله .. وين مزنة .. أخخ .. شردت .. ما عليه اليايات أكثر ..
ثم وقفت لتطفئ التلفاز و تتوجه لغرفتهن ..
أمام مقبض الباب مباشرة توقفت يدها عن المسير ..
ببطء .. ببطء ..
راحت تتصاعد ..
تتضخم ..
ثم ،،
تبخّرت تلك الابتسامة المرحة و عبرة كالشوك تسد حلقها ..
ثقل هبط على قلبها .. و هي تزيح كل شيء جانبا .. و صورة وجه أختها تطفو أمامها في الفراغ ..
ما الأمر ..؟
أين رونق الحياة ..
بريق من الإحساس ..
لماذا لا ترى في مقلتيها إلا انعكاس الإنطفاء ..؟
كيف أصبحت فجأة مجرد طيف باهت .. يعمل على أوراق الدراسة بلا كلل ..
يحصر وقته في صمتٍ بين دروس تعزله عن العالم ..
ذاك البهتان لا يعجبها .. تكره خطوط يأس بلا معنى تحفر في أيام اختها ..
في كلماتها ..
في ضحكاتها الباردة ..
ابتسامة أصبح لها رنين صدئ ..
لا تحمل للفرحة صوت ..
ما الأمر ..
أصبح هذا يزهق أرواحهم جميعا هنا ..
يقتلهم مرارة على حالها ..
صدقا أختي .. ما الذي فعلها .. او من فعلها ..
من دثركِ تحت أتربة أحزانٍ مجهولة ..
.
.
ليش قلبج يا بعد عمري حزين والله مب لايق عليج هذا الزعل
يا حلاتج يوم انتي تضحكين.. افتحي قلبج وقولي وش حصل؟
من تجرأ من قطف هالياسمين؟ من حرمه الزين قبل لا يكتمل؟
منهو ارخص قيمة الغالي الثمين؟ ويدري انه في عيوني له محل
ومن يقول الورد ما يقطر حنين؟ ومن يقول اته وسط قلبي ذبل؟
.
.
ما نطقت بشي وانا ميت حزين.. والدمع من فوق وجناتي همل
قمت اشاهق ما ابي نوحي يبين .. كني خيل باعلى صرخاته صهل
.
.
في بعض الاوقات اقعد مستكين بس افكر لين يذبحني الملل
بالفعل قطفوا زهور الياسمين
قطفوا الزهرة قبل لا تكتمل **

* * * * *
عينيه القاسيتين كانت تجول في وجهيهما .. و جسده الكبير يستريح على الأريكة التي يألفها ..
هذا المنزل بشكل ما منزله ..
فيه فرد مهم من العائلة ..
و زوجته ..!
هه ..
أين هي هذه الليلة ..؟
إعتاد أن تهرول بلهفة كي تستقبله و تفتح الباب .. لا يرى لها أثرا الآن ..
رفض شرب القهوة .
و اكتفى باعتكاف الصمت .. عيناه تبحث عن إجابة ما لهذا الاستدعاء الغريب .. و لهذا التوسل الصامت في عيني ميعاد ..
و للتوتر الغريب الذي اكتسح جسد أخيها ..
لكن مهلا ..
ليس هو من سيسأل هنا .. سينتظر .. لا يهم كم من الوقت .. لكنهم سيتكلمون ..
و كأنما شعر نهيّان بما يفكر فيه استعجل بالقول و هو يفرك لحيته ..
- أكيد مستعيب ليش متصلبك يا بو سيف ..
رفع حاجبا .. و هو يهمهم بعدم اهتمام ..
- هممم ..؟
بدا أن هذه الاستجابة الباردة غير مشجّعة البتة ..
لكن نهيان تابع بصلابة أكبر ..
- الموضوع وايد مهم و ما كان ينفع إننا نرمس فيه بالتيلفون ..
هذه مقدمات تضجره .. لذلك التوت شفتيه بابتسامة باردة ..
- ارمس يا نهيان .. شعندك ..؟
صمت خيّم بعد هذه الكلمتين .. قطع أي طريقة للتمهيد .. لذلك مرت لحظات طويلة قبل أن يرفع نهيان عينيه ببطء ..
- يا غيث أنا اتصلت بمطوع اليوم .. و سألته عن حكم الزواج بنيّة الطلاق .. و قال إنه باطل ..!
تعلقت عينا الإثنين بوجهه الجامد الذي لم يبدو عليه أثرا واحدا لأي تأثر .. قبل أن يقول بهدوء ..
- انزين ..؟
قطب نهيان قبل أن يشرح ..
- زواجك بخولة كان بنية الطلاق .. يعني أول ما ترتبون أمور ميعاد كل واحد بيروح فطريقه ..
أعاد الكلمة بابتسامة كريهة ..
- انزين ..؟
شعر نهيان بأنه يستفزّه .. ضيق كبير راح يمد أوصاله بين أضلعه ..
أخذ نفسا عميقا و علة وشك شرح أهم نقطة ..
و أكثر جزء يضايقه في الموضوع .. شعر بأنه أمام ملامح غيث المتهكمة قد يرخص بأخته بشكل ما .. لذلك قال بقوة .. ليخرج صوته غاضبا بشكل ما ..
- الزواج باطل .. يعني لازم نصلّح الوضع ..
ضيّق غيث عينيه .. متجاهلا نظرة ميعاد الصامتة .. كأنها ستضغط عليه بشكل ما ..
- و كيف تبا تصلح الوضع ان شا الله ..
إنه لا يسهل الأمر أبدا ..!
أغمض نهيان عينيه لثانية قبل أن يفتحها و يقول بهدوء ..
- يعني لازم يكون الزواج طبيعي .. بنيّة شرعية .. في الارتباط و مواصلة الحياة ويا بعض ..
سحب نفسا عميقا مع اتساع ابتسامة غيث الماكرة .. قبل أن يستطرد ..
- و الا تطلق ..
أصدرت ميعاد صوتا متقطعا . قبل أن يسود الصمت ..
تعلّقت عينا الإثنين بوجه غيث .. الذي انحنى للأمام يسند كوعيه للركبتين و يعقد انامله بنظرة متكبّرة ..
.
.
تجنب متعمدا النظر لوجه عمته .. لن تؤثر فيه هذه المرة .. لن تفعل ..
تزوج تلك المرأة من أجلها ..
جميلة .. بل فائقة الجمال لا ينكر ..
لكنه لا يريدها .. يعلم كم هي متلهفة للحصول عليه ..
و لا يبالي بذلك البتة ..
لا تهمه ..
و هذه الخدعة الرخيصة التي يحاول أخاها من خلالها أن يحشره في الزاوية لن تنجح أبدا ..
لذلك تجنب النظر لميعاد و هو يرفع رأسه ليقطع السكون الذي جثم عليهم مطوّلا .. و يقول ببساطة ..
- خلاص .. و لا يهمّك ..
ثم هب واقفا و عينا ميعاد تسترخيان لبرهة .. فيما تلين ملامح نهيّان .. ليقول هو ببرود ..
- ورقة أختك بتوصلها باكر ..
شهقة ميعاد المصدومة .. و شحوب نهيان أكدت له أنهما كانا على ثقة بأنه سيضطر للزواج بها ..
لكنه لم يكن ليفعل ..
لديه إمرأة واحدة ..
لا تضاهي أختهم في شيء ..
لكنها تكفيه ..
و ليس بحاجة لغيرها ..
لذلك استدار بهدوء حين شعر بثقل دموع ميعاد .. و الخيبة التي علت وجه نهيّان تؤنّبه ..
ترك مكانا هنا ..
سيجد صعوبةً في العودة إليه لاحقا ..
.
.
أطرق الهدب وجعا .. لتنزلق تلك العبرتين الدافئتين على وجنتها ..
لم تلتفت لأخيها ..
لا داعٍ لذلك .. فلا ينقصها أن يمزقها اللوم على محيّاه ..
كل لديها فتات ..
القليل .. القليل من الأمل ..
بأنه سيكون شهما .. و لم يتخلى عن أختها بهذه البساطة ..
حتى و لو كان هو من فرض تلك الحدود سابقا ..
شعرت بأن رجولته قد تمنعه من تركها ..
رغم تجاهله إياها .. رغم نفوره ..
خيط من رجاء انقطع الآن بلا مبالاته ..
كيف لخولة أن تواجه الأمر ..
كيف ..؟
و كيف لها هي أن تعيش مع الذنب الذي راح يخنقها ..
يكتم أنفاسها ..
رحماك يا ربي ..!
.
.
.
.
عينيها تخترقان النافذة الزجاجية و هي تراقبه بحب ..
ظهره العريض يوليها إياه و هو يمشي بتلك الطريقة الواثقة ..
يقطع الطريق لسيارته المتوقفة أمام البيت ..
قلبها يخفق بعمق .. ما يحمل هذه الليلة ..
هل أخبروه ..؟؟
تضخم الخوف مجددا في صدرها .. و اللوعة ..
توسلت ربها أن نهيان تراجع و لم يخبره بالأمر ..
و تعلقت عيناها بلهفة تلقي نظرة أخيرة على ملامحه التي بدت غامضة إثر المسافة و الظلام ..
حين راحت السيارة تتراجع في الطريق الداخلي لخارج المنزل بسرعة .. ارتعش فؤادها وجعا ..
و هي تخنق دموعها باستماتة ..
شيء ما أنبأها بأنها تراه للمرة الأخيرة ..!
لذلك تلامس بأناملها الناعمة برودة الزجاج و هي تغمض عينيها ببطء ..
آذنه لدمعة باردة أن تنزلق على خدّها الصافي ..
هل علم بالأمر ..؟
ما الذي سيقدم عليه ..؟
سيتركها ..؟
هل سيفعل ..؟
.
.
ليه أحـــس إني وأنا اشوفــك حزين
وقــلبــي الـلـيـلــه بــهـــمــي ممتـلــي
كانهـــا الفــرقى طلبـــتك حـــاجتين
لا تـــعــلــــمنــي ولا تـــكـــذب عـلــيّ
خـلنــي مــا بـــين شكــي والــيقيــن
الــسـكــوت رضـــــاي عنــك وزعلــي
بــاكــر الـلــي خـــافــيٍ لازم يبيــن
والــوعــــد بـلقــى مكـــانك بــه خلــي
وانتظــــــر لــي ليلــة او لـــيلتيـــن
لين مـا يـقـفـــي الـسحــاب وينجلـــي
ولا طويت اليـــاس بـذرف دمعتين
للـهــوى الــغــــالــي وبـا وادع هـلـــي
صاحبي بمـــــوت من كثر الحنيـن
خــلـنــي بــخـــتـــار لــحظـــة مقتلـــي .. **
.
.
انتفضت مع طرقات الباب الذي انتشلتها لتمد أصابعها الطويلة مرتجفة و تمسح دمعتها تلك ..
قبل أن تبتلع حزنها و تجلي صوتها الرقيق ..
- امنوه ..؟
أجابها صوت نهيّان الأجش ..
- أنــــا ..
خطت بسرعة نحو الباب تفتح لأخيها .. انتفض قلبها ذعرا من تلك النظرة المتجهمة على وجه أخيها الصامت ..
حدّق فيها لبضع ثوانٍ مؤلمة ..
قبل أن تنزلق الكلمات من شفتيها ..
يائسة .. يائسة .. يائسة ..
- خبرتوه ..؟
انتظرت بأسى قبل أن يومئ نهيان برأسها .. و بريق الحزن في عينيه ..
لم تسأله هذه المرة ..
وحده غرس ذاك النصل في روحها ..
- يقول ورقتج بتوصلج باكر ..
.
.
انفجر قلبها ..
شظايا تبعثرت في جوفها آلاف القطع ..
لتشد على الباب بقوة حين راحت قدميها تعجزان عن الوقوف ..
و تعتصر جفنيها باستماتة ..
تمنع طوفانا من الدموع كان على استعداد للنزف لحظة الرحيل ..
لم يفكر حتى في الأمر ..
آثار زهق الأمل ببساطة و تحطيمها ..
.
.
إلهي ..
لا تريد أن تنفجر الآن .. لا تريد أن تتهاوى الروح في لحظة الذل هذه ..
لا ترغب في أن يركع الإحساس متوسلا بقاءه ،،
هي أبوابٌ للرحيل شرِّعت ..
هي مواكب للمضي تنتظر ..
تنتظـــــر ،،
تنتظــــــــر ..
و موطن في الروح استفحل فيه حبه ..أراد أن يُقتَطع منها ..
ليلتصق بظله الذاوي الذي استدار دون أن تراها ..
يهديها التفاتة ظهر أقفا .. عازما الإبتعاد ..
.
.
يمنحها أمنية كاذبة ..
و دمعة ..
و رحيل ..!

* * * * *

( و بهذا فكل إرتفاع للدخل لا يعني سوى إتساع ابتسامة التاجر الجشعة .. و ثقل جيبه .. هل يزداد مدخول الفرد هنا .. أم ان المقصود ليس إلا ازدياد ارباح المنتج .. و كيف للمستهلك سد حاجاته مع تزياد الاسعار الذي راح يلتهم الاخضر و الاحمر من العملات النقدية .. تلك البيضة الذي قد يحتاجها الطفل لاكمال هرمه الغذائي
.. او ليس من الاجدر استبدالها بدجاجة تسكن السطح ليضمن الواحد منا على الاقل ان الدجاجة لن ترفع انفها مطالبة بزيادة في الحَب مع كل فلس يضاف لتحفيزنا .. ام ان الدجاجة اصبحت حكرا على التجارات الداخلية ايضا .. اذ لن يضري نساء – الفريج – ان يخفضن نصف القيمة و تقديم عروض خاصة على كل بيضة تباع بين الجيران .. كيف لنا مقاومة طوفان ارتفاع الاسعار يا ترى .. لن ترك اعمالنا بلا شك لمقاطعة المنتجات و زرع ما نحتاجه في - حوش - البيت هذا ان استطاع اطفالنا مقاومة اقتلاعها .. حتما سياتي الوقت الذي نجد فيه ان كيس - الصمون - ليس سوى رفاهية لا تحتملها الميزانية .. هل سنجد حينها فنون زوجات الجيل الجديد في صنع - الخبز رقاق - نافعة ..!! )
.
.
- ساخر ..!!
قالتها بابتسامة و حاجب مرفوع .. قبل ان تلتقط كوب القهوة لترتشف منه جرعة كبيرة .. القت نظرة لا مبالية على ساعة يدها .. قبل ان تتسع عينيها بدهشة .. تجاوزت الساعة فرصة الغداء .. التفتت للمكتب الخالي جوراها .. كانت زميلتها قد تركته بصمت ..
الحقيقة انها لم تبني علاقة طيبة مع هذه الزميلة التي تشاركها الغرفة اطلاقا ..
بل رفضت ان تتدنى للتفكير حتى في التبادل مع تلك العجوز صاحبة النظرة المنتقدة .. رغم يقينها بانها لا تتجاوز الخامسة و الثلاثين الا انها بدت في الستين بحجابها الثقيل و ذاك الوجه الجاف .. و تعاملها الرسمي الكئيب .. لن تنسى عوشة قط نظرتها المتمعنة و لمعان الاحتقار في مقلتيها حين التقتها للمرة الاولى .. تلك البلهاء .. لا تعلم ان بامكان عوشة ان تشتريها و تشتري كل هذا المكان بنفوذ عائلتها ..
هه .. تلك الغبية ..
رغم هذا كله لا تنكر انها تسبب لها ازعاجا كافيا مذ حلت مقيمة في هذا المكتب ..
استطاعت استبدال مكتبها بواحد جديد و جهاز الحاسوب القديم بواحد أكثر حداثة ..
تشعر بتفوق مع ابراز كل تلك المزايا التي تمتلكها و يقدمها المال بسهولة ..
ربتت على سطح المكتب باناملها البيضاء الناعمة في رضا ..
لن تنكر ان جمالها يلعب دورا خلاقا هنا .. فرغم هذه العباءة المغلقة ،، و شعرها الذي تدسه بعناية تحت غطائها ..
إلا أن ملامحها الفاتنة لا تخطئها النظرات الملهوفة ..
تلك العجوز الشمطاء تكره نظرة الموظفين المعجبة لعوشة ..
خصوصا ..
أوه او كان عليها ان تفكر فيه ..
ها هو المغفل الوسيم اتى يهرول على عجل .. و نفس النظرة الجائعة تبرق في عينيه .. ليستند على حافة الباب بجسده الضخم ..
- مساء الورد ..
قالها بصوت تعمد ان يكون خشنا .. فيما تنهدت عوشة ..
المغفل .. انه قد يبدو كالذبابة امام غيث ..
لكنها اجباته بنعومة و هي تهب من على مقعدها في احترام كاذب تخفض اهدابها الطويلة في خجل مصطنع ..
- مساء النور .. هلا استاذ فلاح ..
ارتكزت عيناه النهمتين على تفاصيل وجهها المكشوف .. و قد ساعدت عباءتها السوداء و غطائها الداكن ذو النقش الوردي في ايضاح اللون الزاهي الذي صبغت به وجهها ايضا .. قبل ان يقول ببطء ..
- هلا بج زود .. شحالج انسة عوشة ..
- يسرك الحال استاذ .. احم .. شحالك ..
بدت ابتسامته جشعة بشكل ما .. اشعرتها بالقرف ..
- بخير يعلج الخير .. حصة وينها ..
القت نظرة اشمئزاز على المكتب الخالي بجانبها ..
- ظهرت تتغدا ..
- و انتي ..
- انا شوه ..
- ما بتتغدين ..
كانت تهدئ نفسها بصبر .. لازال بامكانها احتمال ثقل ظله قليلا .. لا تنكر انها تستمتع بهذا الاعجاب .. و لكن ان حاول ان يتمادى معها .. ستكون سعيدة بان تريه حجمه ..
اوه كم سيرضيها ذلك .. لذلك تخلت بهدوء عن خجلها الخادع و هي ترفع حاجبا ..
- لا .. اسوي ريجيم ..
حدج جسدها الملفوف بالعباءة بنظرة متمهلة قبل ان يعلق بخبث ..
- ما شا الله .. ما يحتاي ..
نفسا عميقا .. و نظرة محتقرة متكبرة .. قبل ان تقول و هي تنظر له بتعالي ..
- استاذ فلاح .. عندك شغل هنيه ..
ابتسامته الخبيثة لم ترق لها ..
لم ترق لها البتة ..
- مشغولة ..
ردت بوقاحة ..
- عطلتنا ..
ضحك بملئ فمه ..
- عطلتج .. عن شوه .. انتي ما عندج شغلة احين الا متابعة مقالات الكتاب الكبار عدنا ..
صرت على اسنانها بغيظ .. تكره ان يذكرها احد بذلك .. بدت و كانها تافهة بلا قيمة ..
- ما عليه اسمحليه استاذ .. لكن المقالات مالت الكتاب الكبار لي - و ضغطت على الاحرف بحلاوة زائفة - عندكم و اتابعهن اهم عن سوالفك الفاضية ..
فجاة اختفت ابتسامته الكريهة ليتصلب جسده الضخم و انتصب ليبدو اكثر طولا ..
- سوالفيه فاضية .. ما شوفج اشتكيتي قبل ..
و راح يمرر عيناه عليها من القمة الى القاع .. شعرت بشكل ما ببؤس غريب ..
لماذا حشرها في زاوية رخيصة بتلك النظرة المحتقرة .. جلست على كرسيها بهدوء .. و اشاحت بنظرها للجهاز امامها ..
تستطيع ردعه برد لاذع .. و لكنها احجمت عن ذلك ..
تكره ان تكتسبه عدوا لها .. و هو من الادارة .. هذا التافه .. الحثالة ..
لن يستطيع ان يجمع ربع ما يملك والدها و لو سعى لذلك طوال عمره ..
تعلم ان خلف هذه الثياب الفاخرة .. و المظهر المنهدم فقر مدقع ..
راحت تصدر صوتا عصبيا باظافرا على سطح الطاولة .. فيما يحدق هو فيها دون ان يرفع عينيه ..
فجاة شعرت بانها ستقفز لتقتلع تلك الكرتين النهمتين من مقلتين .. السافل ..
لكنها نظرت نحوه بادب لتقول بهدوء مستفز ..
- استاذ فلاح .. المكتب مكتبك .. لو عندك شي لا تخلينيه اشغلك ..
مرت لحظة متوترة قبل ان يرميها بابتسامة غريبة كرهتها .. و يستدير تاركا اياها لوحدها .. لتسحب نفسا مجنونا ..
تبا له .. تبا له ..
يخيفها كما يفعل الكثيرون باهتمامهم المتحذلق ..
لا تبالي و ان ابدى الملايين اعجابهم ..
اللعنة ..
لا تكترث ..
لا تريد سوى رجل واحد ..
رجل لا يتقن سوى تركها في منتصف الشوق ..
تنهدت ببطء .. الأحمق .. حتما سيأتي اليوم الذي يتلهف هو الآخر لها ..
تشاغلت بما يلمع في الشاشة من كلمات ..قبل ان تتلفظ بالإسم مرة أخرى ببطء ..
- قلم حر .. آمممم ..
ضيّقت عينيها بحدّة ..
غمار الكلمات الذي تخوضه مع هذا القلم مجنون ..
لا شيء تخرج به كالمتعة التي تخلّفه مقالاته الجريئة..!

* * * * *

هوت قبضته على المكتب بقوة و هو يصيح بصوتٍ رددت صداه الجدران لامرتفعه بغضب ..
- كيف ما لقيتوووه ..!!!!!
فرك بطي يديه بتوتر و هو يتجنب النظر لوجه رئيسه الذي احمرت عيناه بغيظ ..
- ما قلت ما لقيناه .. بس نحن مراقبين المكان من اسبوعين و الريال ما ظهر صوب هذاك البيت ..! تيلفونه بطاقة مدفوعة ما انروم نراقب فاتورته ..
- و رقم لوحة السيارة ..؟
- ندورها .. بس يبالنا شوي وقت .. طال عمرك انته قلت انك ما تبا حد يحس انك تباه .. و نحن متكتمين على الموضوع .. بس لو تعطيناا وقت شوية ..
صاح غيث بقهر ..
- وقت .. كم من الوقت تبون .. من اسبوعين و انتو ادورونه و الين الحين ما لقيتوووه ..
صمت بطي دون أن يرد عليه .. خشي ثورة غيث الذي راح يدور في المكتب بجنون ..
ذاك الحثالة لا يزال طليق ..
هاربا ..
هل يعلم بأنه قد اكتشف الموضوع ..
أ لذلك لاذ بالفرار و لم يستطع ايجاده حتى الآن ..؟
شعر بشيء شيطاني يتلوى داخله ..
سيجده .. حتما سيفعل ..
و حين ينال من تلك الحشرة ..
سيسحقه ببطء ..
سيرى كيف يكون الموت مجرد أمنية ..
حين يواجه مصيرا أسوأ من الموت ..!

* * * * *


تدير عينين ضجرتين في أرجاء المقهى الجامعي .. و هي تسترخي في مقعدها الخشبي .. قبل أن تعود لتستقر على شاشة هاتفها التي أضائت معلنة عن مكالمة صامته .. فتلتقط هاتفها فورا ..
- هااا هدوي .. مساعة يالسة أرقبج .. هيه في الكوفي ..
أغلقت الهاتف دون كلمة أخرى .. أحسنت فعلا بالإحتفاظ بتلك الفتاة كرفيقة ..
فلولاها لوجدت نفسها تتخبط وحيدة .. تكره أن ترى تلك - الحمدان - أنها بلا أصدقاء دونها ..!
شخصت بصرها نحو باب المقهى الذي دُفع للتو ترتقب دخول هدى .. لكن عيناها تجمدت على تلك المجموعة التي دلفت للتو ..
هه .. ماذا ..هل تجسدت أفكارها يا ترى ..؟
لم تخطئ عيناها التقاء تلك النظرات الكريهة التي سلّطت على وجهها مباشرة ..
و لا ذاك الوجه الذي كشّر أمامها باحتقار ..
جمدت ملامحها بلا مبالاة واضحة و هي ترفع حاجبا متحديا .. قبل أن تتقدم حمدة مع المجموعة التي تحيط بها و تجلس على طاولة ليست ببعيدة منها ..
لحظات فقط لتجد شيخة نفسها تبذل جهدها لتجاهل وجودهم .. فقد أخذن يضحك بصوتٍ عالٍ حين راحت حمدة تلقي بتعليقاتٍ خبيثة و عيناها لا تفارقان شيخة .. تحاول شغل ذهنها بأي شي .. لتصم أذنيها عن وقاحة حمدة و تنسى تلك النظرات الفضولية و المشمئزة التي توزعت بين طاولتها و طاولة حمدة ..
لن يفيدها حقا أن تنقض على تلك الفتاة و برفقتها ما يقارب العشر فتيات ..!
كانت يداها قد تقبّضت بقسوة .. و تصر أسنانها .. تأخرت هدى .. تأخرت كثيرا ..!
صوت حمدة راح يدفع صور شتى لذهنها .. تلك الرؤى المشوّهة ..
أمام عينيها الغائمتين الآن .. أوجــه ممطوطة .. و أصوات شتى تتداخل في ذهنها .. ضحكات .. و همس قبيح يدنو من أذنها ..
قهقهات مزعجة تمتزج بذاك الصخب الذي اعترى روحها ..
حين راحت الأنفاس تتصارع في صدرها ..
و قبضتها تشتد ..
نبضات قلبها راحت تضج في أذنيها .. تصمّها عمّا حولها ..
فيما يرتخي جفنيها ببطء ..
ببطء ..
تلك الظلال الثقيلة تكسو كل شيء أمـامها ..
تجثم على روحها ..
تثقل عليها .. و قد بدا أن كل شيء راح يتحرك ببطء ..
ببطء ..
- شيخة ..؟؟!!
انتفضت و قد انتشلها الصوت المتساءل من ذاك المستنقع الذي كانت تغرق فيه منذ لحظات ..
لتجحظ عيناها في حملقه غريبة ..
قبل أن يعود الصوت ليتساءل مجددا من خلفها ..
-شيخة علي ..؟ شيخة علي سيف ..؟؟
أدارت رأسها ببطء اتجاه مصدر الاستفهام .. وهن غريب اعترى روحها و هي ترى ذاك الوجه الغريب .. استطاعت بأن تخرج صوتها الغليظ أجشا ..
- نعم ..؟
قالتها و هي تنظر للفتاة الواقفة خلفها .. جالت ببصرها على جسد الغريبة السمين ..
من هذه ..؟ احدى صديقات حمدة ..؟
التفتت نحو طاولة الأخيرة باحتقار مرّ .. قبل أن تقول الفتاة بصوت طفلة مبتهج و ابتسامتها تتسع لتنتفخ أوداجها بسرور ..
- و الله شكيييت انيه غلطانة ..!!!
ثم انحنت تسلم على شيخة بسرعة .. فيما بدا العجب يخالط الضيق على وجهها ..
- شيخووووه .. تغيرتي .. لو ما سمعت اسمج في المحاظرة اليوم .. ما عرفتج .. قصيتي شعرج يا الهبلة ..
كانت كلماتها واضحة .. متضايقة ..
- منوه انتي ..؟
اتسعت عينا الفتاة قبل أن تضحك مجددا ..
- كلوديا شيفر .. أفاا .. ما عرفتينيه .. بس ما لومج .. شكل الريجيم عطى مفعوله ..
و أطلقت ضحكة مبتهجة اخرى .. واحدة رنّانة دفعت الكراهية لوجه حمدة التي كانت شيخة تختلس النظر اليها ...
- شيخوووه .. ما عرفتينيه ..؟
ضاقت ذرعا بهذه الفتاة ما خطبها .. من هي ..؟
- لاااا ..
- صدق هوش و ما تبين في عيونكن يماله .. خاصتن انتي يا أم مديحة ..
تلعثمت شيخة بحيرة ..
- أم .. مديـ ..
قبل أن تتسع عينيها بدهشة كبيرة و هي تتساءل بعدم تصديق ..
- أسماا ..؟ أسماا خميس ..؟؟
ضحكت الفتاة بانتصار ..
- و الله ما تين الا بالسب ..
لم تكن تنظر شيخة أو تهتم بوجه حمدة التي راحت تراقب المنظر من بعيد بتعبير مبهم ..
كل ما يهمها هو ..
حقا ..
من أين أتت هذه الفتاة بعد تلك السنوات ..!!

* * * * *

تدفق السائل الأبيض من فوهة الإبريق ليملأ الكوب .. يتصاعد البخار منه و نورة تمرره لحور التي كانت تجلس بجانب عفرا على فراشها .. و هي تهز كتفيها ..
- من ناحية زعلانة .. فأنا زعلانة .. و وايد زعلانة .. بس هب لا زم أصيح عسب يعرفون الناس انيه حزينة يوم بفارق بيتنا ..!
ثم التقطت قطعة خبزٍ ساخنة و هي تقضمها .. ثم تنتفض بتمثيل ..
- بناات و الله البرد موت هالمرة ..!!
هزت دانة رأسها موافقة و هي تحتضن كوبها بين راحتي يدها لتدفئها ثم تضعه على رجلها ..
- آآآه .. و الله صدق برد .. يقولون شبه الجزيرة العربية بينزل فيها ثلج عقب عشر سنين ..! بس هالمرة البرد خايس .. أول نستانس يوم نشب الضوو ..
ارتشفت رشفة من كوبها بشيء من الألم ..
- الله يرحمك يا بويه .. وايد أشياء تغيرت ..!!
قالت حور ببرود .. و هي تراقب المها التي راحت تخط بقلم على كتاب كبير بين يديها ..
- بعدج ما شفتي شي .. وايد أشياء بتتغير ..
ابتسمت نورة بهدوء ..
- قصدج يوم بننتقل ..؟
التفتت حور لعفرا و كأنها تسألها رأيها ..
- و الانتقال شي هين ..؟ كل شي بيتغير .. بيتنا .. و الناس لي حولنا .. طريقة حياتنا .. كل شي ..
ردت عفرا بهدوء .. و نظرة جامدة ترتسم على وجهها الشاحب ..
- و لو اتغير كل شي .. ما يهم .. أهم شي يحافظ الانسان على نفسه .. و ما يتغير لن الظروف لي حوله تغيرت ..
اتسعت عينا دانة باهتمام ..
- لا حبيبتي .. التغيير مطلوب لو كان القصد منه التأقلم مع ظروف حياتنا المطلوبة ..
عقدت عفرا جبينها بتعب ..
- ما اختلفنا .. شرط انج ما تغيرين مبادئج و تسلخين نفسج عن كل شي كنتيه .. لنج تبين تتأقلمين مع الجو لي حولج .. يعني لو ما توافقت روحج مع الظروف بتغيرين ذاتج ..؟
هزت دانة كتفيها ببساطة ..
- يمكن .. هاي حور غيّرت ذاتها ..!
أخفضت حور الحليب الذي كانت تشرب منه ..
- متى غيرت ذاتي يا الهبله .. و اشدراج انيه غيّرت ذاتي أصلا ..؟
التقطت دانة خبزة و هي تأخذ نفسا عميقا قبل أن تقول بحذر ..
- أدري .. يعني انتي ما تحسين انج غيرتي ذاتج ..
شخرت حور ساخرة ..
- أقول دانة علمي .. تعرفين أصلا شوه غيرت ذاتي يعني ..؟
- يمكن لا .. بس انتي غيرتي وااايد من أفكارج و قناعاتج ..
عقت حور ذراعيها باستهزاء ..
- انزين يا فيلسوفة زمانج .. و كيف غيرت أفكاريه و قناعاتيه ..؟
أصبحت دانة أكثر دقة الآن ..
- تبينيه أقول ..
- قولي ,,
- و لا بتعصبين ..؟!
- شوه بتسبينيه ..؟
- لا ..
زفرت حور بضيق ..
- ارمسي زين ..
أجالت دانة نظرها فيمن حولها بفخر ..
- انتو شاهدين .. غصبتنيه أرمس .. - ثم رفعت حاجبها - و جنت على نفسها براقش .. اسمعي مدام .. حور .. في نقطة فاصلة في حياتنا .. توقفتي انتي عندها .. و ودرتي وايد أشياء .. و يوم تجاوزتيها كنتي غير .. يعني غير عن حور لي نعرفها ..
ضحكت نورة ..
- يا عيني .. شهالتعبير ..
- جب .. عدنيه ما خلصت .. انزين حور .. خلينا نعتبر موت أبوية النقطة .. قبل ما يموت .. كنتي مغصوبة على ريلج .. ما يعنيلج شي .. و ما تحبين طاريه .. أهل أبويه .. ضمير غايب .. ما نرمس عنهم .. ما ندري بهم ..
ثم ضغطت على مخارج الأحرف مع نظرة الإهتمام التي راحت تعلو وجوههن ..
- و ما يعنون لنا شي .. كنا وايد نضحك .. و وايد نلعب .. مع انه ابويه ما يحب هالشي .. عايشين حياتنا يعني ..
سألت عفرا بصوتٍ مبحوح ..
- و الحين ..؟
لوحت دانة بيدها ..
- لأ .. بعدنا ما وصلنا النقطة المهمة .. يوم توفى أبويه كل شي تغيّر .. أهل أبوية دخلو في السالفة .. في يوم و ليلة .. صاروا هم أهل الميت .. و العزا فبيتهم .. عيالهم يراعوناا .. و بنتهم تزورنا .. و أخيراا .. ريل بنتنا لي مالك عليها سنة و نص .. يظهر على الساحة و يسكن عدنا .. و يتقرب منا ..!! و فوق هذا كله يبونا نسكن وياهم الحين ..
حكت نورة ذقنها بتفكير و هي تقاطع دانة ..
- هيه و الله أنا حتى فكّرت .. و قلت لج دانة تحيدين ..؟؟ ليش ما يكون أبوية هو لي كان الحاجز لي بيناا و بينهم .. و عقب موته هالحاجز انهار ..
ثم هتفت بسرعة .. حين رأت التجهم و الغضب على وجه أخواتها باستثناء المها التي كانت لا تزال تنظر للكتاب الذي بين يديها بشرود ..
- حوووه لا تفهمنيه غلط .. أنا قصديه .. يمكن كانوا خايفين من أبوية .. و الا أبوية هو لي رافض قربهم .. بس ..!
استرخت حور في مكانها دون أن تفارق عينيها الضيقتين وجه دانة ..
- انزين آنسة دانة .. و كيف غيرت قناعاتي ..؟؟
رفعت دانة سبابتها و هي تقول بتحذير ..
- انتي قلتي ما بتزعلين ..
أومأت حور برأسها ..
- ما بزعل .. اتحفيناا .. دانة علمي ..
فردت دانة أصابعها تشير لها ..
- واااحد .. كنتي ما تدانين قوم يدي .. أهل أبوية تكرهينهم .. كم مرة رغتي ولدهم من البيت .. هذاك شسمه ..؟ مادري .. المهم .. و الحين ..؟؟ الحين بننتقل بيتهم .. بنودر بيتنا و بنعيش وياهم .. و انتي .. يعني ..
ترددت قبل أن تقول بسرعة ..
- عادي عندج حور ..!!!!!
رفعت حور حاجبها ببرود .. فيما استمرت نورة و عفرا في مراقبة هذا الحوار المثير للاهتمام ..
- و اثنين ..؟
- اثنين .. ما كنتي تحبين طاري ريلج .. لي ملك عليج و من سنة و شي ما شفناه .. فجأة غديتي تيلسين وياه .. ترمسينه .. تروحين له .. يعني ..مادري .. - ثم سألت بحذر - تحبينه ؟؟
إحمر وجه حور على الفور .. و صوتها يتحشرج ..
- ما يخصج .. خليج في تحليلج ..
لكن نورة هي من تكلّم الآن بحماس ..
- تونيه قلت لكن .. يمكن أبوية كان الحاجز .. يمكن هو ما خلى غيث يتصل بحور و الا يشوفها ..؟
أمسكت حور رأسها ..
- نورة دخيل أمج .. انتي و تحليلاتج الغبية .. لو ما يباه يتصلبيه و الا يشوفنيه .. ليش يوزني اياه غصب ..؟
صفقت نورة مجددا ..
- يمكن أبوية ندم .. و الا يبا يتحدى أبوه .. و الا ..
قاطعتها حور بغيظ ..
- و الا يمكن هذا لي فراسج قوطي صلصة هب مخ .. اففف ..
مطت نورة شفتيها تصب لها كوبا آخر من الحليب ..
- أنا أستاهل .. يوم انيه أحلل الكن الموضوع .. اشوفج مستانسة برمسة دانة ..
ربتت حور على صدرها بسرعة .. و هي تقول بغية اسكاتها ..
- انزين آسفين أخت نورة .. دانوووه .. خلصينيه .. تراج بتسيرين تودين كشرة المطبخ انتي و نورة ..
ارتخا كتفي دانة باحباط ..
- حووور .. الدنيا تمطر الحين ..
-لا .. لا .. وقف المطر عقب المغرب .. بسرعة .. و ثالثا ..؟؟؟؟؟؟؟
صمتت دانة لبرهه قبل أن تقول بتفكير ..
- ثالثا .. انتي تغيّرتي .. يعني أول تصارخين .. و تضحكين .. تلعبين .. و ترابعين في البيت .. مادري .. أحسج الحين هادية .. وااايد هادية .. هب حور لي نعرفها قبل ..!!
نظرت لوجه حور الجامد للحظات طويلة .. اعقب كلام دانة صمت بارد .. فيما شعرت حور بنظراتهن تتعلق بوجهها .. حتى المها الصامتة راحت تراقب الوضع الآن ..
أعادت حور كوبها للصحن أمامها ببطء شديد .. قبل أن تعتدل مرة أخرى .. أجالت بصرها فيهن .. ثم ركّزت نظرها على دانة ..
- أولا .. دوام الحال من المحال .. الشي لي مرينا به هب شويه .. أبويه فجأة يموت .. و أميه تعبانه .. و أنا أروحيه لازم أدبر حاية البيت و خوانيه .. و أراعي أمي المريضة .. أصعب فترة مرت بيه كانت هاييك الفترة .. حسيت انيه عاجزة .. و خايفة .. شكيت انيه يمكن ما أعرف أدبر عمريه .. و لا أدير البيت و لا أربي خوانيه .. منوه بيصرف علينا .. و المعاش بالموت يسد البيت ..؟ منوه بيتابع نايف يوم يكبر و بيغدي ريّال .. امنوه الرقيب عليكن .. منوه بيربيكن و بيوزكن ..؟ يوم توفّى أبويه .. طاح كل شي كان يشلّه على ظهره .. مسؤوليات و حمل ما كنا نقدره .. و لقيت عمريه لازم ألعب هالدور .. بس كيف ..؟ أنا اروحيه كنت خايفة ..
ابتلعت غصّتها و احساسها بالألم يأتي مع تلك الذكريات ..
- وايد خايفة .. غير الحقد لي حسيت به يوم العزا ما كان فبيتنا .. كرهت العالم .. و كرهت أهل أبوية .. حسيت انيه ما شوف الا سواد الدنيا .. الحزن .. الكره .. و مستقبل قداميه ما أعرف شوه يايب ليه وياه ..
عضت نورة على شفتيها بقوة .. و نظرتها الممزقة تحكي أي وجع خلّفته كلمات أختها ..
- فيه حد قاليه عقب موت ابويه الله يرحمه .. ان كرهي للغير ما بيفيدنيه .. لكن التسامح يمكن يجنبنيه المشاعر الخبيثة لي يمكن أحس ابها .. الرمسة هاي يوم انقالت ما عنتليه شي .. بس عقب فترة فكرت ابها .. يوم قوم ابوية تدخلوا فحياتنا .. كنت أبا أطردهم .. اباهم يبتعدون عنا .. و يتمون ناسينا .. بس مع الوقت عرفت انيه هب قدهم .. هم أعمامنا .. و أحق ابنا .. و أي ريال فيه نخوة ما بيخلي أهل أخوه بلا والي .. أول مرة حسيت بسلطة العم ..!!! بعدين .. رياييل .. و كبار .. و أهل خير .. ما يصعب عليهم شي ..
التفتت لدانة بابتسامة حزينة ..
- يعني الاستسلام حزتها ما كان الا تفكير سليم .. لو تميت أعاندهم شوه بيصير ..؟ بيينيه طراق يطير مخي .. و لي يبونه غصب بيصير ..! أنا مادري بظروفهم .. و لا بظروف القطاعة لي بينا و بينهم عسب كذيه شفت انه من الأفضل انيه أفهم كل شي حوليه قبل لا أحكم ع الأمور .. بيتمون أهلنا .. لو بينا و بينهم ثار .. أمايا تقول انها ما تعرف شوه السالفة .. مع انيه أشك انها يمكن تاخذ ريال بدون ما تعرف أسراره .. و أمايا عذيجة نفس الشي .. فيه شي صار.. و محد يبا يرمس عنه ..! بس أكيد بعرف شوه هو ..
ثم تساءلت بألم ..
- بعدين منوه قال ان موضوع انتقالنا عادي ..؟ أنا أعرف السالفة هاي من يوم سكن غيث عدنا .. كم .. سبع شهور ..؟ سبع شهور و أنا على نار .. هب رايمة أرمس .. و لا أخبركم ... تعرفين شوه يعني أخلي البيت لي عشت فيه .. كبرت فيه .. و تيتمت فيه ..؟ و أنا أدري انه حياتنا كلها بتتغير .. بس ساكته .. لا تحكمين على شي ما تعرفينه ..
أصبحت أكثر هدوء و هي تخفض بصرها .. تعقد أصابعها في حجرها ..
- أما عن مشاعري لريلي .. فأعتقد هالشي خاص فيني .. و ما برمس عنه .. يكفي أقولج انيه أعرفه الحين عدل .. و أعرف انه هب شرا ما كنت أتوقع ..
كانت نبرتها متحدية أكثر مما كانت تريد ... رأت انعكاس ذلك في وجه دانة الذي احتقن بلونٍ قاني .. و شيء يشبه عبرة احتبستها خلف حدود الجفن .. و صوتها يهمس ..
- حور .. ما كــان قصدي و الله .. أنـــا ..
قاطعتها حور بسرعة و هي تشعر بأنها قد أثقلت على نفس أختها .. لتخفض رأسها و هي ترفع عينيها لوجه دانة بنبرة لطيفة ..
- دندن فديتج .. أدري شوه كنتي تقصدين .. بس أنا كذيه بسرعة أتنرفز من هالسالفة ..!! ما عليكن منيه .. خبرنيه شوه شعوركن و نحن بنودر البيت و بنسير بيتهم ..؟؟؟
شيء يشبه الأمتنان الكسير غشى مقلتي دانة .. و نورة تجيب بسرعة لتغيير دفة الحديث ..
- قلنالج زعلانين .. بس بعد الحزن في القلب .. بس تدرن شوه ..؟ قولن شوه ..؟
أسندت حور خدّها بابتسامة غريبة .. و هي تتشاغل بكلمات أختها عن دفق غريب من الإحساس .. راح يمتد في داخلها ..
- شوه ..؟
- في جوانب وايد زينة لروحتنا اهناك ... وايد .. غير الحالة الإقتصادية .. فكرن .. هلنا ..! خوان أبوية .. عماميه .. و الشباب .. هذاك المطوع لي شفناه في المستشفى شكله طيب .. غريبة ..!! أحيد كل واحد عنده فلوس يصيع ..!!!
ضحكن عفرا و دانة معا .. و حور ترد باستياء ..
- وجه نظر بايخة ..
لوحت نورة بيدها لا مبالية ..
- المهم .. و الاثنين لي وياهم شكلهم كشيخين .. و راعين سوالف .. يا سلاااام .. تخيلن عيال عمنا ..!!!! الله يرحم أبوية ما غصبنا نحن بعد ..!!
الآن كانت عفرا هي من تنهرها باستنكار ..
- نوراااه .. استغفري ربج ..
- أستغفر الله .. انزين .. عميه سعيد و عميه مطر طيبين .. صح ما نعرف عميه أحمد .. و عميه علي .. بس أكيد طيبين .. يعني عيال عمي علي شيوخ .. روضة .. و غيث .. لو بنات عمنا الباقياات ..؟؟ كم عددهن ..؟؟؟
أجابت دانة بسرعة ..
- ثنتين ..
تنهدت نورة باحباط ..
- هيه صح بس ثنتين .. لو بنات عمنا هالثنتين .. يكونن شرا روضة .. تخيلن .. بيق فاملي .. الله .. أنا متفائلة خير .. أحس اننا يوم بنروح وايد أشياء بتتغير للاحسن ..! شوه لي أخير عن لمتنا بهلنا .. نعيش وياهم و يداروننا ..؟
ارتفعت شفة حور بنبرة غريبة ..
- هيه صح .. شوه لي أخير عن هالشي ..!
برودة غريبة راحت تلتهم إحساسها ببطء .. و دوامة أفكار تكاد تبتلع عقلها ..
ما الأمر ..؟
لم تكن تكذب فيما قالت .. و لم تدّعي شيئا ..!
لمَ إذن يحتضن خواء مؤلم فؤادها ..؟
سحبت نفسا عميقا تملأ به صدرها قبل أن تطلقه ببطء ..
و هي تشعر بزخم متدفق من المشاعر على وشك ان يُسكب و يغرقها ..
راحت تكافحه بشدة و هي تركز على ما حولها ..
هناك العديد .. العديد من الأشياء ستعيد النظر إليها لاحقا ..
ركّزت بقوة على ما كانت دانة تقوله و هي تنظر لها ..
- حور تحيدين العشر دراهم لي خذتيهن السنة لي طافت منيه ..؟
عقدت جبينها بشيء من الضياع ..
- أي عشر دراهم ...؟
أكدت دانة ما تقول ..
- العشر دراهم لي عطيتج اياهن يوم تعشينا هذا اليوم من المطعم و كل وحدة تدفع لعمرها و انتي ما كان عندج شي ..؟
رفعت حور حاجبا في شك ..
- ما حيد ..
راحت دانة تلح بإصرار ..
- أنا حيدهن .. عشرتيه !! .. كان عنديه عشر زيادة و سلفتج اياهن .. قبل حتى ما يموت أبوية الله يرحمه ..؟ يوم شلينا التلفزيون حجرتنا نشوف الفلم .. و رديناه عسب لا يدري ابوية ..؟ كان يوم الخميس حتى .. نورة تذكرين يوم الفلم الهندي ..؟
تدخّلت عفرا بهدوء ..
- السنة لي طافت .. و عشر ربية ..؟ الله يسامحها فيهن .. شوه بتطاليبن برد الدين الحين ..؟
تمطّت دانة بكسل ..
- هيه بطالب برد الدين .. و الا بشل من حسناتها يوم القيامة ..
اتسعت عينا حور ..
- أعوذ بالله .. بنعطيج عشر يا شحفان القطو ..!!
لكن دانة لوحت ..
- لا .. لا .. صدق .. تحيدينهن .. أمس حلمتهن ..
- حلمتي العشر ربية ..؟
- هيه و الله .. حلمت حور ردتهن ليه مية ربية ..
ضحكت نورة ..
- خيبة .. حتى في الحلم طماعة ..!! شوه بالفوايد ..؟
- لا صدق و الله .. حلمت حور عطتنيه امية ربية تقول هاي حقج بدال العشر لي خذتهن .. أنا أقول إن تفسيرهن إن حور بتعطينيه امية ربية هبة لوجه الله ..
و رسمت ابتسامة واسعة لمع من خلفها صف أسنانها الأبيض لترد حور ابتسامتها بخبث ..
- للأسف أنا ما أتعامل بالربا في الحياة الواقعية .. يعني لازم ترضين بالعشر لي بتييج .. و نشي انتي و نورة ودن الكشرة .. الساعة تسع الحين ..
مطت دانة شفتها باحباط .. و نورة تستعطف أختها الكبرى ..
- خليها باكر بنوديها قبل لا نسير المدرسة ..
صفقت حور يديها بحزم ..
- على هندي حبيبتي .. اعرفها حركاتكن هاي .. كم مرة وديتها أنا و المها بدالكن ..؟؟ يا الله انتي وياها أشوف .. تحركن .. و نورة .. المواعين هاي اغسليها لا تخلينها الين باكر في المطبخ ..
- أنا أستاهل لي متعنية و مسوية حليب و خبز رقاق .. ما تستاهلن ،،
- يوم اننا ما نستاهل ليش سويتيه ..؟ حد مطج من خشمج و غصبج ..
حملت نورة بعد مناوشات عدّة صحنها .. و توجهت هي و دانة للخارج ..
تلتقط حور هاتفها المتحرك و تلعب به في شرود و هي تسأل عفرا ..
- شوه تانسين الحين ..؟؟
ابتسمت عفرا بشحوب شديد .. و على وجهها النحيل آثار التعب و الألم ..
- أحسن .. الحمد لله .. وايد أحسن ..
كانت تعني ذلك .. تعنيه بحق ..
شيء بثقل الخوف أُسقِطَ عن كاهلها ..
تبا لذلك الذل .. و هذا الخجل .. و الإحراج المميت الذي يخالجها كلما فكّرت بأن أحد يعلم بما حدث لها ..
لا يهمها أن يشمئز هو منها .. أو يحتقرها ..
كل ما يشعل شمعة بين أضلعها ..
هو أن ذاك الكبير قد علم بالأمر ..
و أنها لم تعد لوحدها ..
غاضب هو .. و يكرهها الآن ..
و لكنه يعلم .. يدري بكل تفاصيل مواجعها الخفيّة ..
يدرك أبعاد تلك المأساة و سينتشلها من عمق يأسها حتما .. لن يتركها فريسة أقدارها وحيدة ..
أضاء هذا اليقين قبسا من أمل أدفأ فؤادها ..
فللمرة الأولى منذ وقت طويل ..
تضع رأسها المثقل على المخدة .. لتطبق جفنيها المتعبين .. و ترقد ليلا .. لم يعد أسودا كيومها ..
سيحل الموضوع .. قال انه سيحلّه ..
ليس لديها خيار سوى أن تثق به .. فإذا كان هناك ما تعرفه .. فهو أنه سيكون أحرص منها على التكتم و معالجة الأمر بصمت ..
هذا الوضع يقتله الآن بقدر ما يقتلها ..
و احساسها بانه يشاركها المأساة خفف قليلا من وطأة احزانها ..
نظرت لحور التي انشغلت بهاتفها .. لتسألها بهمس ..
- شوه تسوين ..؟
تنهدت حور و هي تلوح بالهاتف ..
- أطرش مسج لمايد .. القاطع .. تولهت عليه ..!كم خطف من يوم العيد ..؟ اسبوعين .. و ليتنيه شفته زين .. سلام ع الباب .. و شرد .. !!
.
.
.
.
ألقت نورة بالحجرة الصغيرة نحو الحاوية الحديدية الكبيرة قبل ان تطلق صوتا حادا ..
- ميااااااااااو .. مياااااااااااو ..
نظرت دانة للحاوية باهتمام ..
- الحمد الله ماشي قطاوة ..
تقدمن و كل منهن تحمل طرف السلّة المهملات الكبيرة الخاصة بالمطبخ .. ليدنينها من الحاوية فيلقين الكيس الأسود المصرور بعناية .. قبل أن يعدن أدراجهن للبيت .. فتقول نورة بهدوء ..
- على فكرة .. الرمسة لي قلتيها لحور ثقيلة .. و مالها داعي ..
رفعت دانة عينيها للسماء دون أن تراها نورة من خلف الغطاء ..
- أنا قلت بتفهمونيه غلط ..! و الله .. و الله مالومها و هب قاصدة شي .. و ما أنتقدها .. بس لاحظت هالشي و بغيت أشوف اذا كان عندها سبب خاص .. صدق ما تشوفينها انتي تغيرت ..؟ يعني وين العداوة لي قبلا .. وين الحقد و الكره ..
- تبينها اتم حاقدة ..؟
- لا .. و الله .. و مرتاحة لنها فكّرت بهالطريقة .. لنيه أشوف انه أحسن لنا نتعرف على هلنا .. يسد السنين لي راحن و نحن مقاطعينهم ..
همست نورة مع اقترابهن من باب البيت ..
- صخي .. هذا غيث معسكر عن باب الميلس ..
شهقت دانة بخفة ..
- يدخن الحمار .. يتحراه بيت أبوه ..!! اشوف حلت له اليلسة .. و ما خذ راحته ..
- جب .. سلمي و امشي بسرعة .. ما فيناا يهزبنا ع سالفة عميه مطر ..
ابتسمت دانة تخفض صوتها أكثر ..
- يا الخبلة السالفة من رمضان مستوية .. تلقينه الريال ناسي ..
ثم قلن معا عندما تجاوزن الباب الحديدي ..
- السلام عليكم ..
رفع رأسه نحوهن قبل أن يجيب بهدوء ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. نبرته المتسلّطة بدت كريهة و هو يضيّق عينيه عليهن بقوة و يسأل بقوة ..
- من وين يايات ..؟؟
نظرت دانة بطرف عينها لنورة قبل أن تجيبه ..
- من عرس و الله .. بغينا نعزمك بس الدعوة لشخصين .. من وين يايات يعني .. ما تشوف - و رفعت سلة القمامة قليلا - سرنا نودي الكشرة ..
نظر لها غيث متسائلا بخشونة حين تعرف صوتها ..
- دانة ..؟
ردّت دانة بشيء من الفخر ..
- هيه نعم ..
- لمي ثمج و انطبي .. و مرة ثانية اصلبي عمرج يوم بترمسين ..
شعرت دانة باحراج بالغ و هي تلتزم الصمت قبل أن يسأل بنبرة فولاذية ..
- و انتي منوه ..؟ نورة ..؟
قالت نورة بنبرة ضعيفة و قد شعرت بأنها ستكون الضحية الثانية بشكل ما ..
- هيه ..
رفع حاجبه قبل أن يخرج صوته الرجولي العميق بشكل أرهبهن ..
- أنا ما لقيتكن من سالفة المستشفى .. بس و الله يا بنات حمد لو ما تحشمن عماركن انيه أنا لي بعلمكن السنع .. انتن ما تخيلن ..؟ اظربن ريال ..!! و ترادنه .. و الله لولا اننا في مستشفى ان كان داويتكن ..
شعرت نورة بالضيق و الحقد اتجاهه .. قبل أن تقول دانة بهدوء مصطنع تخفي خوفها منه ..
- اسمحلنا .. المرة الياية يوم ايي ريال غريب و ما نعرفه و يوخي على نورة يبا يوايهاا .. بنرد سلامه .. ترانا اخوة في الاسلام ..
حين رأت الغضب الأسود يلوح على وجه غيث استدركت بسرعة ..
- نحن ما كنا نعرف انه عمنا .. ريال و يبا يسلم على نورة .. يعني ردة فعل تلقائية ..
صر غيث على أسنانه و هو يقول بغيظ ..
- محد بيتعرض لج لو انتي حاشمة عمرج .. و ودرن الهياته ..
قالت نورة بحذر ..
- أي هياته ..
- شلي كشرتج .. و حدري انتي وياها .. يا الله أشوف ..
بدا و كأنهن أجبرن على ابتلاع كلماتهن .. قبل أن يحملن السلة تحت نظراته المهينة و يتوجهن للمكان و كل واحدة منهن تتميز غيظا ..
من يعتقد نفسه ..؟!
أيظن أنه له الحق في التحكم فيهن لمجـرد أنـ ..
- اييييه .. تعالن ..
توقفن مكانهن لبرهة قبل أن يتبادلن نظرة سريعة .. ثم يعدن أدراجهن نحوه في خطوات متعجلة ..
قبل أن يتفوه بشيء .. رفعت دانة راحته بهدوء و هي تقول بوقار ..
- لا تعتـــــذر ..
وافقتها نورة بلهفة ..
- خلاص سامحناك ..
.
.
لذقيقة كاملة جاهد بصبر و هو يضغط على أسنانه بقوة ..
يشعر بأنه سينفجر في وجه هاتين المجنونتين ..
هدأ رغبته الغريبة في الضحك و الصراخ عليهن معا ..
قبل أن يرفع رأسه بنفس عميق ..
- ذلفي انتي وياها داخل و خلن حور تطلع ليه .. اباها ..

* * * * *
* الحجرات / آية 11 ..
** من فطف هالياسمين / لطارق المحياس ..
*** لا تعلمني / للبدر ..

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة زارا ; 26-04-08 الساعة 05:14 PM
عرض البوم صور زارا  
قديم 26-04-08, 05:18 PM   المشاركة رقم: 78
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

نزلت لكم خطوتين وماااا بقي على الخطواات اللي بجعبتي شي.. خخخخ

استنى الردوود اللي توسع الصدر...

قرااااءه ممتعه للجميع..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 26-04-08, 05:23 PM   المشاركة رقم: 79
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ملكة الالماسية


البيانات
التسجيل: Jul 2006
العضوية: 8455
المشاركات: 10,839
الجنس أنثى
معدل التقييم: زارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالقزارا عضو متالق
نقاط التقييم: 2892

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زارا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

فراشة*


يااهلاا ومرحباا فيتس اختي وحيااتس الله..والله يعافيتس ياارب..

واستنى وجودتس القاادم بالرد... خخخخخ.. والله ماا يفككم مني شي...

فراشه.. مشكووره على المرور.. واتمنى فعلاا انتس ترجعين المره الجايه برد.. حيااتس الله..

 
 

 

عرض البوم صور زارا  
قديم 26-04-08, 08:13 PM   المشاركة رقم: 80
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2007
العضوية: 27124
المشاركات: 1,276
الجنس أنثى
معدل التقييم: reem99sh عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 45

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
reem99sh غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زارا المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

خلص زارا ولا يهمك باقي لك خطوتين .......وابد أعلق هنا ........علشان خاطر عيونك ......


وغيث .....غثني ....علشاني أحسه يميل انه يكون سلبي........وأناني في بعض المواقف......


و أعتقد انه معقد بسبب زوجة ابوه الثانية ......ويمكن ..يييييييييييييييييييييييييمكن عمه حمد

 
 

 

عرض البوم صور reem99sh  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليتني غريبة, ليتني غريبة ابداع مستمر, ليتني غريبة وحشتيني يا بنت ربي يفرج عنك ياحلوة (بندقة), من ارووع القصص وارقاها.., من ارقى وأجمل القصص الخليجية, الأدب الراقي المستقى من البيئة الاماراتية بواقعيه, القسم العام للروايات, الكاتبة ليتني غريبة, ابداع الكاتبة الكبيرة ليتني غريبة, احب حور وغيث, اشتقت لحوووووووووووووووور ولغيث اووووووه يارب صبرنا, اسطورة دوما يا ليتني, اعوذ عليكِ بكلمات الله التامه من شر ماخلق..مبدعه ورب الكعبه, اقسام الروايات, حفظك الله من عيون البشر, خطوات تغفو على عتبات, خطوات تغفو على عتبات الرحيل, خطوات تغفو على عتبات الرحيل لكاتبة ليتني غريبة, خطواتٍ تغفو على عتبات الرحيل للكاتبة ليتني غريبة, روآية غير شكل آحآسيس خجوله^^, روايات مميزة, روايات خليجية, روايات كاملة, رواية خطوات تغفو على خطوات الرحيل, رواية خطوات تغفو على عتبات الرحيل كاملة, سيدة الضاد ليتني غريبة, غيثاني وربي انك مخبل فييني .الله يوفقك يااعسل.توقيذر فور ايفر.( زارتك)هخهخه, وهـ بس .. فارس فرسان الفرسان الشيخ طويل العمر غيث بن علي. المعروف بغيث زارا.., قلبي قلبي قلبي .. فديــــــــت ابوو العسل غـــــــ غيث زارا ـــيــ غيثي اناــث, قصة اماراتية تحكي الحب والبؤس والحرمان, قصة خليجية اماراتية ابداع ×ابداع
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:10 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية