المنتدى :
الارشيف
فصل من رواية " حمدى بيه و معشوقتى "
حمدى بيه و معشوقتى
فصل من رواية سوق اللبن
غاص فى تواريخ وتباريح ، غاص حتى قاع القاع ، يسحقه توارد الصور ، وينحت كيانه ، ويثقله، فتدب جيوش القباقيب على مدارج الرأس والفؤاد، فى رحلتيها اليوميتين ، رحلة الصبح ، ورحلة المساء 00تحارب أساطيل من الفرنجة والانكليز واليهود العتاة المدججين بالعلم و والبنوك متعددة الجنسيات، ومدينة بأكملها تهتز تحت دوى الرقصات ، فى قاعات منسوجة من حرير وقز، ورجال جبابرة أنهكهم الأرناؤط والفرنسيس والغز ، والولاة المسلمون، فصبوا رهق الروح ، وازورار الحياة، وتطحلب الركود فى عصى أطلقوا عليها النبابيت ، على أتفه الأسباب وأوهنها قامت معاركها !!
كان تابعا صغيرا فى حى سوق اللبن ، مثل الكثير من الفلاحين المشابهين له والعاطلين، يقدم له نائب فتوته طربوشاً وعصا وقطعة بنص فرنك ، ويدفعون به : " يللا .. ارجع لى بخبر كام شركاوى " يتصيدون الغرابة من العاملين فى شركة الغزل ، يترصدونهم على منافذ العطف والحارات، يدهمونهم فرادى وجماعات ، حتى الأولاد الصغاركانوا هدفاً لهم .. فيضطر الشركاوى – نسبة إلى عمله فى شركة الغزل - إلى التخلص من قبقابه ، والرمح بنفسه بعيدا عن الشرك ، والعصي تطارده وتنال منه، وهو يقرر ألا يسير فى البلدة إلا وبيده عصا قوية يدفع بها غائلة المطاردين .
مرات كثيرة اضطر لفعل هذا ، وهو مفعم باللعبة ، وحين يكون فى غيطه ، يتذكر كل شيء، الأولاد الممزقى الثياب ، الحفاة .. من طاردهم هو ورفاقه ، ونال منهم .. كم بكوا وطلبوا رحمة ما وجدوها ، الأولاد الهزيلى الأبدان، يحملون إلى المستشفى عقب انصرافه .. وهو سعيد فرح بقوته وعنفوانه !!
لكن الطفل الكبير إبراهيم ، ما كان يهمه أمر هؤلاء ؛ فقد حشوا رأسه بكلام كثير عن الغرّابة .. و أنهم أقبلوا لاحتلال مدينتهم مثل الفرنسيس والإنجليز والغز ، وشعللة السوق عليهم ، وتضييق أرزاقهم !
فى المرة الأخيرة كان أكثر شراً وغماً ، واستطاع ضرب خصمه حتى انهار كتلة من اللحم تحت قدميه ، يبكى ويصرخ .. وكان فى عالم آخر ، عالم من التمرد على واقع أليم ، كأنه ينتقم لأبيه من البيومى الكبير .. من كل أولاده .. من حرسه .. وجيش خفرائه ، لم يوقفه سوى صاحبه رمضان ، وكان لقاؤهما معاً.
ضاربه ، هجم عليه ، احتضنه : "كفاية .. حرام عليك .. هو عمل لك إيه يا أخى .. ارحم .. لا وقف على بابك .. وقال لك ادينى .. ولا أكل .. ومسح فى راسك ؟!! ".
انفعل : "ما لك وماله يا رمضان ، ليه بتدافع عنهم ؟ كنت من شوية بتعمل زيى ، إيه إللى جرى لك، عايز تعمل عليه رجل ؟ ".
هب فى وجهه ، فعاد رمضان إلى مواجهته ، ولمه بين ذراعيه : " اهدى ..ما لك بتتنفض كده ليه ؟ دول غلابة يا إبراهيم ، أغلب من الغلب ، الفقر هو اللى حدفهم على بلدنا ، بعد ما خانهم الملوك زينا، أنت تكره يكونوا شرفا ، يرضيك يعنى يكونوا حراميه وقتالين قتلا ؟ هيه رد عليه ؟ ".
لم ينم ليلتها بل طحنت رأسه الصور ، ونسى جدته التى نشف ريقها من النداء عليه وهو لا يسمع ولا يرى ، فدفعت بنبوية للوقوف على ماألم به ، وكشف خبايا صدره المختنق ؛ فرمحت خلفه، وبعد قليل كانت تعود ومعها قبضة من الملح ، ورقته ، وهى تتثاءب ، حتى أفلحت فى جره خارج الحجرة، ووقف أمام محبوبته : " تعالى يا ولد .. كبرت عليه .. تعالى لحجر ستك " وجرى ، دفن وجهه فى حجرها، وجرت دموعه ، جرت نهراً غرق فيه ، فنام هو الكبير ابن الرابعة عشرة ، بينما وجه الجدة يضحك : " اقفلى الدار يا نبوية لحسن ملايكته تهرب ، اقفلى لحسن شياطينه تهل ، فينقلب علينا ، أصبح غلامك رجلاً .. افرحي يا بنت المرسى " .
خاصم القوم ، فتوته ونوابه ، خاصم المقاهى وخرائب بلدة ضامرة ، وراح يدور بين قاعات القزازين ، ويشهد أنوالا تنام على هديلها البلدة ، وتدميها صخبا ، كأنها تأتى من أزمنة سحيقة ضواها الحب .. وأنهكها طول الرقاد والركود ، ولا يعرف إلى الآن لماذا كان يؤدى هذا المشوار !!
يتذكر ليلتها حين كانت الوردية تدبدب وتطغى قباقيبها على أصوات المآذن ، كان يتابع سيرها.. الوجوه..الثياب.. القامات ، ويسمع ما يدور بينها : " حماده بيه بيضحك علينا بالمطبخ .. وهو عارف احنا بنقبض قد إيه .. قال إيه الوجبة بعشر قروش .. هو لو ناوى على خير ما كانش عبى العيال فى الكراتين ".
:"على قولك ..دا ممشينا بالجلابية والقبقاب .. وغير كده .. والله والله أبقى كاتب 20 متر ألقى مكتوب عندهم عشرة .. دول حرامية !! ".
:"المستعمرة اللى لم العمال فيها دى عشان يعرف يعدنا كويس !! ".
:"بس دى للغرابة بس ؟ ".
:"طب ما احنا غرابة !!".
:"بس المسرح بقى حاجة تانية .. بيقول ها يجيب فرقة الريحانى الشهر الجاى".
كلام وحديث طويل لا ينتهى ، وأسئلة أيضاً لا تنتهى ، وتباريح لا تتوقف ، وبوح كلعب " الدومينو " لحد القبقاب والجلباب الأزرق الممزق .. وآهات سرها بئر الدم ومضخته !!
ليلتها رمته قدماه فى البوظة ، وهناك كانت البلدة تعب عبيب الموت سما، وتجشآت تتلاحق ، وقرف فى بقاليل متهالكة تزرى الوقت والمقت، والنوم الحوام الشائط فى الأبدان ، وهو لا يعرف إليما كانت الريح تسبى وتقهر !!
أغرق حمدى بيه مدير المصنع البلدة بالحرير ، وهو يقهقه ، ثم يمتد وجهه عالياً ، ويبدد سحائب الدخان المتطاير بين دهشة القوم : " أنا هاخليها لانكشير الشرق.. أنا.. وهيه تستحق ".
افرحي أيتها النجمة الذائبة فى سرة المدينة ، وارقصي، فالسعد وعد ، والسعد جاء بعد غياب سعد وبعد غياب الغياب ، ارقصي أيتها الأنتيكة ، والبسي أحلي وأجمل ثوب لعرسك.
افرحي يا دروب ، يا نهر يا ترع يا أسبلة ، يا بيوت ، حمدي بيه يرغب فيك ، و يحلم ، وأنت تنامين على وسادته ، فكونى طيعة جميلة ، بنت أصل ، إذا طلب منك التعرى تعرى ، إذا حن لمضاجعتك ضاجعيه بلا تردد ، بل اذبحى أولادك تحت فيض فحولته .
لا تخجلي ، ولا تكثرى من اللف والدوران ، والتخابث ، وابتلعى لسانك ، أعرف .. لسانك طويل مفلوت ، لا تقولي أنشأ الجمعية ليجنى من ورائها الكثير ، المال والطين ، والمصنع الخاص ، تعلمى .. اعشقى لله وتفانى فيه ، يتفانى فيك ، ويذوب كقطعة سكر .
يلبسك تاج الملك على بقاع مصر ، كشف ألاعيب السماسرة ، وفرز المكن الجديد فى الكراتين ، وباركه ، المكن لم يكن جديدا .. لايهم ، يخطف كل يوم عاملا مسكينا ، لا يهم ، تعلمي ، تعلمى كيف ترتفعين بمحبتك وتعشقك إلى مصاف الملائكة ، هيه .. وماذا يضيرك أيتها المنكودة .. قسا عليك ، ابدل ملامحك ، وقتل فيك الطموح ، ألم يعدل المعووج ، أبهجك باللحن السرمدي ، فشربت القاعات وأكلت الشهد بعد المش ؟ بينما الإنجليز يحاصرون قصر فاروق المظفر ، لتكتمل لعبة الحرية على الطريقة السكسونية ، قولى لهم .. الإنجليز لا يريدون وفدا ولا أحرارا ولا مصر الفتاة ، قولى للرجال .. حمدى بيك يدخركم ليوم ، فكونوا طوع أمره ، يحرقون الورق "أبو مدنة" على لهيب الجوزة ، يخلعون أحزمة الفقر ، البلغ ، الشيت والدمور ، يلبسون الجوخ والموخ ، ومسخ المسوخ ، و707 بطروخ النوق الحمر.
قولى للرجال .. يارجال إياكم والافتراء ، إياكم والبطر بالنعمة ، قولى لهم البطران سكة قطران .. يرتجيك لانكشير الشرق .. افرحى يا دروبها الشقية ، افرحي وافتحى شبابيكك للريح ، وقولى لملاك الأرض موتوا بغيظكم ؛ فالمارد يستوى واقفاً ، سيخلع العمال القباقيب والجلابيب الزرقاء ، يلبسون أحذية وبنطالونات كعمال أروبا .. حين تنالين الرضى ، يا توبة يا عمرية يا أبا دعبس ياشوافعية.... يا خبي يا مخبى الوجع يا طيب الراحة ، يا عاشق الذات فى المحيا والممات .. ياقاضى .. يا أبا القاسم .. يا صندفا00 يا محب !!
كان إبراهيم تائها فى خضم ملم ، يبتليه بلزوجة عجيبة ، وكأنه يعود إلى نوباته ، وسعدية تشاغل ومضات البرق المنبعث من روحه ، وهو يتذكر الحد الفاصل بين الحب والنقمة ، التمني والتسنى، والتشظى والوهج المدمر ، حمدى بيك وانقلابه على المدينة كلها ، كانت الانتخابات الحد الهد تم .. وكان ، حمدى بيه وحماده بيه فى قائمة المرشحين ، وعلى الضفة الوفدية كانت البلدة بنعرتها الكاذبة وتواريخها المحملة بالعزة والقرآن والقاعات ورع وأحباش على أسياخ أسوارها حطوا بلا روح ، وفرس، وفرنسيس غادرين التهمتهم فأثقلوها موتا ، وخواجات جائرين ومجرمين، ويهود يحلبون بقرتها أولا بأول ، وهم فى الغفلة يرتعون ، يكرهون أنفسهم .
كان عبد الحى باشا خليل وعلى الشيشينى أولاد البلد ، وعزوتها ، وكان الصراع يهز جنبات البلدة ، وقلبها على جنبها ، تتقلب فى آتون الوحشة والفقر ، كانت المعركة العاركة الرهيبة ، وحمدى بيه يريدها لانكشير الشرق ، وهى تتأبى عليه ، وترفض اليد االممدودة ، بل وتطحن ما دونهما ، فتطارد المهزولين الجائعين المقهورين ، وتقطع عليهم الطريق إلى صناديق رد الجميل ، وحمدى بيه لا يسمح لهم بالتراجع ، الفالت الجسور يكتب بالطباشير على ظهره ، وحين عودته تصليه ناراً ، فيتركون المتاحة مباحة خالية للمحلاوية المهاويس ، وحمدى بيك ينتظر رد الجميل ، وتهرع الوردية تلو الأخرى ، الأصوات تجرى ، تتخاذل ، وتخذل ، وتستنقذ بالبيوت ، بعربات القطارات ، والهتافات تدوى: " شيشينى.. الباشا .. شيشينى .. الباشا .. الوفد الوفد .. ولو فيها رفد .. الوفد " !
حمدي بيه يدميه القلق ..والبلق .. وصبوة المرق فى حدقات العطف ، ويضنيه التخيل .. والتعيل ويستبطحه !
تخلع المدينة أثواب بهجتها، تلبس على الشيشينى وعبد الحى باشا خليل كل حريرها ، وترقص على جثث من طحنت أجسادهم ضربا بالعصي والسلاسل والمدى .. وهى غبية لا تدرك .. أن موتها يحل الآن .. آن للرجال بعد الصولة الفرح ، والرقص على صخب البلادة .. تمنع الحرير على الأنوال ، وطارت أبراج لانكشير الشرق .. وما بقى غير بومة الخراب تدبدب فى قاعات البلدة ، والأنوال الهاجعة ..باكية العز الغارب ، والوز الطائر .. تباع أخشابها واحداً بعد واحد . ومحلات الأقمشة تبصق فى وجوه بعضها البعض ، تبكى بختها المائل ؛ فحمدى بيه قرر صرف طاقة دبلان وطاقة دمور لكل عامل .. والعمال جوعى .. العمال باعوا الأقمشة ؛ ليشتروا الرغيف .. تماماً كما قدر ودبر.
وعبرت المواسم الحوانيت وهى جائعة ، جافة ، تبكى عيارها الفالت ، وحمدى بيه يخسف بها الأرض ، يزلزلها ، يقلب موازينها ، هاهو يوقع بإدخال المعدن الجديد مدينة تأكل النحاس ، تتغذاه فى قائمة العرائس والأفراح ، فتدوى الدقات ، ينام طباجة مبيض النحاس جار الزريبة، يقرر حمدى بيه تعبيد الطريق للدراجات والملابس الجاهزة ..!
وها أنت عارية تستلقين بين فخذيه، وتتمنعين عليه، وهو على صدرك ينتصب كقدر نافذ ، وتتمنعين عليه ، وهو يسحبك عارية أمام الدنيا، يطوف بك على زنات العالم ، يقرر ما يزال .. يقرر فالوجع لا حد له ولا قرار ، قرر قتلها ، ومحو أثرها القديم ، لن تكون لأحد .. عمال أو شغيلة ، أو فلاحين ، أو عرب ، أو غجر .. هو يريدها هنا عند موطئ قدميه جارية معدمة قذرة لا تملك لنفسها قراراً .. فريسة لضباع من نوع جديد قد يأتى بهم الوقت ، هكذا قرر وهكذا أراد ، ليأتي من بعده رجال ، يسيرون على دربه حتى لو تحولت المملكة إلى جمهورية ، حتى لو تشبعوا بأفكار الغرب المتحررة ، ولو سكن المقابر ، يظل حمدى بيه السراج والسراج !!
يشنق عطا الله نفسه على منسجه فى القاعة ، ويشعل أبو رشوان النار فى جسده فى محل المانيفاتورة ، كما يترك الوزة حلله تسعى على أحجار البازلت ، بعد أن أعطاها حريتها ، أطلقها فى الشوارع ، وبعد شهور شوهد على ترعة الملاح يحول الطين إلى قوالب من الطوب والحلل النحاس ، ثم يعود يسحقها ، ويغطس فى الترعة يلاعب كائنات ويطعنها بعناد ما تعوده ، من بعد يسبح ، ويغطس حتى ينام فيحمله نوتى عجوز إلى الساحل ، و يلفظه بين الحياة والممات !!
تآوه إبراهيم ، وخطا تائهاً ، والأصوات تتعالى : " شركاوى أهوه .. شركاوى أهوه .. حس عليه .. تجوزى بنتك لشركاوى يا دى العيبة يا ولاد .. الشركاوى أهوه .. الشركاوى أهوه " .
أطلت نفس الأحلام تخايله ثانية : البعد عن الفلاحة .. والعمل بعيداً ، تعليم الأولاد ، والمستقبل المأمول .. أطل من عينى جمال فى تليفزيون المقهى الكبير، زوجة المأمور فى المعتقل وهى توصيه بأولاده " ربيهم وعلمهم كويس يا إبراهيم .. أوعى تعمل زى ما عمل أبوك ، رمضان .. والحريق الذى أتى على كل أحلامه ، رفاقه فى المصنع ، بدر .. آه .. ها هو بدر أمامه ، يتصدى لـ رمضان ، يبذل المستحيل لإنقاذه كأنه يكفر عن ذنبه .. ها هو يدنو منه ، ها هو يزعق .. يصرخ .. يلتصق به .. يقذفه رمضان بعيداً .. بدر يحترق .. يحترق .. يهرول فى اتجاه معاكس .. امرأته تلهث وراءه، تتعقب خطواته دون تعب .. فاقدة العقل كأنها مخدرة ، وتظل أمام المصنع ساعات طويلة ، يخرج لها بدر ، يدفعها بسحره إلى الابتعاد والعودة .. يراها إبراهيم الآن تحول بيتها إلى كومة رماد ..تحرق كل شىء .. كل شىء .. تنتقم من أبيها الذى دفع بدر إلى تطليقها .. تدميه قتلاً .. تمضى بلا غاية .. تمضى غير واعية .. تبكى .. تجرى أمام أسراب أطفال ملعونة بدون عقل .
أخيراً كانت " سعدية " أمامه .. ينادى عليها .. تعطيه ظهرها وترحل .. ترحل .. ينادى .. لا تستجيب لرجائه .
ساعة حطت قدما إبراهيم على أرض الشارع ارتفعت صرخات " سميحة " ، حامية الوقع ، فافتر ثغر إبراهيم عن ابتسامة لم تر النور .. تعود مثل هذه الصرخات صباحاً ، إذا ما حاولت إيقاظ زوجها ، هاهو بدير يثأر لنفسه من تباريح الليلة الماضية .. الصرخات لا تنقطع .. وليس معها أصوات ضرب أو لطم.
غزا إبراهيم الدار جريا ، أصبح فى حجرة بدير ، رآه مسجى ، خامد الأنفاس ، محتقن الوجه .. بانت بقع من دماء على شفتيه رغم عناية سميحة بإزالة آثار الدم أولاً بأول .
صرخات سميحة لا تتوقف . يدنو منه ، يتسمع نبضاته . لاشىء .. يعود يتسمع منقطع الأنفاس .. مازال يتنفس .. خافت ضعيف تنفسه : " بس يا بت .. بس " .
هرول نازلا من بين جموع المحتشدين .. إلى الدار ، أخرج الحمار من حظيرته ، نادى على إبراهيم الصغير بسرعة ، حمل بدير مع بعض الجيران ، وضعوه على بردعة الحمار ، ركب إبراهيم خلفه ، وبدير منهك .. لا أنفاس له. استحث الحمار.. استحثه بالعصا ، اتجه إلى المصحة. إبراهيم الصغير يجد فى أثره، يتعلق بذيل الحمار، يجهده التعب، يبكى، تؤلمه ساقاه ، تدور به الأرض ، وكلما التفت أبوه ليرقب سيره يعتدل ، ويزيل دموعه . كانت المصحة بعيداً عند أطراف البلدة الجنوبية . إبراهيم يستحث الحمار .. يضربه .. يردد بين وقت وآخر محدثا الصغير : " اعرف السكة كويس عشان ها ترجع بالحمار ". ترك بديرفى المستشفى، ورجع الصغير بالحمار ، وركض ليدرك عمله؛ فالوقت أزف والساعة تقترب من السابعة والنصف.
التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب ; 13-04-08 الساعة 10:52 PM
|