كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أختفي من جديد.. لم يعد يظهر أو يتصل تليفونيا .. لا يهم .. لقد أعتدت علي ذلك علي أي حال.. سيعود .. أعرف أنه في لحظة ما سيقرر العودة .. لا يستطيع أن يبتعد عني طويلاً .. أنا واثقة من ذلك.. حتما سيعود .. بين الحين و الآخر كان قلبي يثور .. يصرخ هاتفا باسمه و لكنني أهدئه دائما .. اهدأ يا صغيري .. يوما سيعود.. تمر الأيام.. تتشابه كثيراً .. بلا لون .. بلا طعم .. بلا حياة .. مجرد نسخ باهتة مكررة لدواء مر أتجرعه في كل لحظة أقضيها بعيدا عنه .. و لكن حتى المرارة تتحول بالتكرار إلي شئ مستساغ .. فلأصبر مادام ليس لدي حل آخر .. فلأصبر فأنا علي أي حال مجبرة علي الصبر.
دائما كل ما يفعله غير متوقع .. كذلك كان ظهوره غير متوقع .. كنا نمشي أنا و بسنت متجهين لموقف السيارات .. كنت ذاهبة للجامعة.. أما هي فقد ظلت تلح علي طوال الطريق لأذهب معها.. كانت ذاهبة مع أصدقائها في رحلة للقناطر الخيرية .. صحيح أنني أحب الحدائق هناك و أعشق الرحلة النيلية إلا أنني كنت مضطرة لحضور الكثير من المحاضرات في ذلك اليوم .. قلت لها حتي تتوقف عن الإلحاح: أعرف يا عزيزتي أنها نزهة رائعة و لكنني للأسف أرغب في النجاح هذا العام. إنها سنتي النهائية و أحتاج للحصول علي تقدير متميز لأستطيع الحصول علي عمل بعد تخرجي .. قالت: تتحدثين و كأن اليوم هو يوم تحديد مصير البشرية. بعض اللهو لن يؤذي أحد. يمكنك حضور محاضرات الغد.. أجبتها: عدم حضور المحاضرات سيؤذي أحد. و بالتحديد أنا هو ذلك "الأحد". أنت تعرفين أن درجات أعمال السنة تتوقف علي نسبة الحضور .. قالت في ضيق : حسنا. سنري نتيجة كل ذلك آخر العام. و كأنك تنوين الحصول علي تقدير امتياز.. التفتت إليها و أنا أبتسم: لا تحزني هكذا . ربما في المرة القادمة.. إلتفاتتي تلك منعتني من النظر أمامي فكدت أصطدم بشخص ما .. رفعت بصري لأعتذر و لكنني فوجئت بقلبي يكاد يقفز من صدري.. إنه هو .. ذلك الهارب .. كان ينظر إلي في دهشة و كنت أقابلة بالمثل .. ها هي الصدفة التي أصبحت أعشقها تجمعنا من جديد .. أردت أن أقول شيئا و لكن صوتي فر من المفاجأة .. بسنت كانت أول من نطق كالعادة قالت: ها أنت من جديد. تحاول الهرب دائما و لكن القدر يأتي بك حيث يريد هو لا حيث تريد .. و كأنه انتبه فجأة لوجودها نظر إليها ثم ابتسم وقال: حسنا يا فيلسوفه عصرك إلي أين أنت ذاهبة؟ بالتأكيد ليس للجامعة بهذه الحقيبة الضخمة. ليست مليئة بالكتب بالطبع. قالت في مرح: بالطبع لا. لو كانت مليئة بالكتب لتركتها في وسط الشارع. إنها مليئة بالشطائر. أنا ذاهبة لرحلة للقناطر الخيرية. ابتسم لها وقال: كعادتك لا تكفي عن الرحلات. نظر إلي حقيبة يدي الصغيرة و ابتسم وقال: وأنت معها بالتأكيد؟ .. قلت: بالطبع لا.. أنا ذاهبة للجامعة عندي محاضرات.. نظر إلي بسنت وقال: انظري هذه صديقتك لماذا لا تكوني مثلها.. ضحكت بسنت و أجابت: تركت لها العلم كله فلتشبع به .. صمت طويلا و ظهرت عليه علامات التفكير العميق.. نظرت إليه و أنا أسأل نفسي تري بماذا يفكر في هذه اللحظة و تمنيت لو كنت أملك وسيلة أتسلل بها إلي داخل رأسه لأعرف ما الذي يحويه ذلك الرأس تجاهي.. هل من خطط جديدة لإقناعي بالرحيل.. و الحب .. أمازال هناك ؟؟ .. أمازال في قلبه؟؟.. عاد كلانا علي أرض الواقع علي صوت بسنت يقول: هيه.. أنتما.. أمازلتما علي كوكب الأرض؟!.. بدلا من الرد عليها فوجئت به يسألني: هل أنت واثقة أنك لن تذهبي معها؟؟ .. سؤاله الغريب دفعني للتساؤل تري ماذا يعني؟؟ .. لست أدري .. أجبته: بالطبع لا .. كرر سؤاله في لهفة أدهشتني قال : أواثقة أنت من عدم ذهابك؟؟ .. تري ما الذي يعنيه؟؟ لماذا يلح بهذا الشكل؟؟ و عاد إلي إحساسي بالرغبة في الدخول لعقله.. تري بما تفكر يا معذبي.. أجبته في استنكار: الطبع واثقة لماذا تسأل؟؟ .. تنهد في ارتياح و قال: لا شئ ..ثم قال في مرح بدا بوضوح أنه مصطنع: فقط كنت أتأكد إنها لن تضيع مستقبلك معها .. رده بدا غير مقنع حتي له شخصيا .. فصمت و هو يبتسم .. و لكنني لمحت شيئا غريبا في عيناه .. شئ يبدو كحزن شديد.. ربما كنت أهذي فما الذي يمكن أن يشعره بالحزن الآن.. يبدو أنه لاحظ تحديقي في عينيه فهرب من عيناي و نظر للأرض و قال: اعتنوا بأنفسكم .. يجب علي الذهاب .. وداعا .. ثم مضي .. شئ غريب.. لقد مشي في الاتجاه المعاكس.. المفروض أنه كان ذاهبا لعمله عندما قابلناه فلماذا يتجه الآن في اتجاه العودة لمنزله.. فليفعل ما يحلو له .. لن اتعب رأسي .. لقد كنت أفهمه بشكل رائع في الماضي .. أما الآن ففهمه بالنسبة لي أبعد من النجوم.. هززت كتفي في عدم مبالاة و أكملت طريقي للجامعة.
|