كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
في بيت بسنت بكيت حتى أنهيت رصيد دموعي لهذا العام و الأعوام العشرة القادمة .. أحضرت لي بسنت مشروبا دافئا ثم جلست معي لتشاركني وجدانيا بدموعها.. قالت: يجب أن تتركيه.. إنه يستحق ذلك .. نعم لما لا أتركه؟؟ .. هذا هو ما يريده بالفعل .. لذلك لم يأتي .. يريدني أن أكرهه و أشعر بالملل منه .. أكرهه .. أنا بالفعل أكرهه الآن .. صرخ قلبي: كاذبة .. و لكنني تجاهلت صراخه و كأنني أصبت بالصمم.. يجب علي أن أكرهه.. خصوصا بعد ما فعل.. تركني أنتظره كالبلهاء لساعات.. لماذا ليوهمني بأنه حقير ولا يستحق حبي؟؟ .. تباً.. أنه بالفعل حقير .. أحقر إنسان رأيته في حياته .. قلت بصوت مسموع: أتمني أن يموت.. شهقت و وضعت يدي علي فمي.. ما الذي قلته؟؟ هل أتمني له الموت بالفعل؟؟ .. اعترفت لنفسي أنني أتمني أن أفتديه بحياتي ولا يصاب هو بأدنى أذي.. حمقاء أنا .. ضعيفة .. تافهة غبية.. لماذا أنا غبية لهذه الدرجة .. يجب أن أنساه و إن كان آخر ما أفعله في حياتي.. يجب.. قاومي يا حمقاء .. قاومي .. يجب أن تحاولى نسيانه بكل ما استطعت من قوة .. هذا إن كنت تملكين أي قوة علي الإطلاق .
أتصل محمود في اليوم التالي لمواساتي .. قال لبسنت أن ما فكرت فيه كان صحيحا .. لم يأتي لأنه أرادني أنه أكرهه و أنساه بالفعل.. قلت لبسنت: حسنا سأحقق له ما أراد.. سأنساه .. نعم سأنساه و لا أريد أن أراه بعد اليوم.. توقعت أنه بالطبع لن يظهر في الأيام القادمة .. كيف سيظهر بعد ما فعل؟؟ .. و لكن خابت توقعاتي .. بعد يومين كنت أذاكر أو أتظاهر بالمذاكرة مع بسنت .. كانت أفكاري ليس لها أي صله بالكتاب الذي كنت أمسكه في يدي.. أفكاري كانت تطير هناك .. علي بعد عدة مئات من الأمتار حيث يقبع منزله .. و بدلا من صورة شكسبير السخيفة التي تزين غلاف الكتاب كنت أري صورته .. كنت أريد أن أهرب من كل هذا .. أن أمحوه من ذاكرتي .. و لكنني لم أستطع بعد أن أجد ذلك الزر الذي أضغط عليه فيمحو كل ذكرياتي عنه .. لا زال هناك في الذاكرة يطل علي في كل لحظ ليفسد علي حياتي .. كالعادة رن جرس الهاتف و ظهر علي الشاشة ذلك الرقم المألوف .. نظرت إليه في دهشة و إن كنت أتظاهر بأنني لا أهتم.. يتصل؟؟ الآن؟؟ في موعد يعرف أنني غالبا موجودة فيه عند بسنت؟؟ بعد كل ما فعل؟؟ ملايين من الأسئلة و علامات الاستفهام بلا إجابة .. رفعت بسنت السماعة و ضغطت عل زر الهاتف لأستطيع الاستماع للطرف الآخر و قبل أن يفتح حتى فمه لينطق انهالت عليه بالصراخ و اللوم و التقريع لما فعل و أخذت تلومه علي تلك الأمانة التي سألته أن يحفظها فأضاعها بتلك الطريقة .. انتظر حتى انتهت تماما و علي عكسها جاء صوته هادئا ليحاول امتصاص غضبها .. ما أن سمعت صوته حتى جرت دموعي رغما عني .. أخذ قلبي يمتص كل حرف ينطق به .. كم أشتاق إليه.. انهارت كل السدود و الحواجز التي جاهدت لأضعها أمامه في الأيام الماضية .. و سامحته .. سامحته حتى قبل أن ينطق بذلك العذر الواهي الذي لم تقتنع به بسنت و لكنني لاقتنعت .. قال أن عمته جاءت فجأة من السفر لتزورهم و أنه لم يستطع أن يتركها و يأتي ليراني .. لم تصدقه بسنت و لكنني صدقته .. قلبي يصرخ دائما إنه لا يكذب .. و لو كذب علي العالم أيستطيع أن يكذب علي؟؟ .. سألها: ذكري عندك؟ .. قالت: نعم .. قال لا تتركيها ترحل .. سأحضر لأعتذر لها .. و هل كانت ساقي ستطاوعانني في الرحيل إن أردت؟؟ .. وشعرت بأنني لم أعد ملك نفسي .. لقد تسلل و استعمر كل جزء في جسدي دون أن أدري فلم يعد لي أي سلطة عليه .. أصبح هو الحاكم و المتصرف الوحيد .. أين قوة شخصيتي تلك التي كنت أتباهي بها.. لقد أنهار الجبل و أصبح مجرد ذرات تراب يتلاعب بها الهواء .
وانتظرته.. لم انتظر طويلا هذه المرة .. دقائق و دق جرس الباب و وجدتني .. أجري.. لا بل أطير لأفتحه .. و وجدته أمامي .. ما أروعه .. يرتدي قميصا أبيض و بنطلون أسود .. و كأن هذان اللونان لم يوجدا في العالم إلا له .. رائع .. شديد الروعة .. وهل يمكن أن أحمل له في قلبي أي ضغينة بعد ذلك .. ابتسم فانتبهت إلي أنني لم أسمح له بالدخول .. دخل و تبادل بضع كلمات مع بسنت . ثم نظر إلي و بدا كأنه يريد أن يتحدث ثم نظر لبسنت و صمت .. أحسنت بسنت بذلك فقالت: أحتاج لحمام ساخن الآن .. و الآن بدون مطرود أخرجا للحديقة لتتحدثا كيفما تشاءان .. خرجنا للحديقة .. مشينا بضع خطوات وهو صامت .. قررت أن أكثر الصمت فقلت له في صوت أردته أنا غاضبا و لكن صوتي أبى علي ذلك فخرج حنونا خافتا: أنا غضبانة منك جدا .. لماذا لم تأتي .. قال برقته المعهودة: آسف جدا .. صدقيني لم أقصد .. كنت آتيا لمقابلتك و لكنني قابلت شخصا كان مدين لي بمبلغ من المال فأضررت أن أبقي معه لبعض الوقت لأحصل علي مالي .. أليس هذا عذر آخر غير الذي سمعته منذ قليل يخبر به بسنت؟؟ .. أعتقد ذلك .. و لكن الغريب أن قلبي صدقه مرة أخري بشده و كأنه نسي ما سمعه يقوله لبسنت منذ دقائق .. هو لا يكذب أبدا .. مهما قال فهو صادق .. و وجدتني و كأنني أتصرف رغما عني ابتسم له و أجيب علي سؤال لم يسأله .. قلت: حسناً .. علي أي حال لقد سامحتك .. ابتسم و نظر إلي قليلا ثم قال: الآن عودي للمنزل.. ضربت بقدمي الأرض في قهر .. ألا أستطيع البقاء معه بضع دقائق أخري .. مجرد بضع دقائق .. قطرة في بحر الزمن .. و لكنه نظر إلي نظره صارمة جعلتني أقول له: إذا مع السلامة و رحلت و لكنني في كل خطوة كنت انظر خلفي لأملأ عيني منه قبل أن يغيب.
عدت للمنزل و بدأت أفيق قليلا و أسترجع الأحداث .. هل حدث ذلك حقاً .. هل جاء ليعتذر بالفعل ؟؟؟ .. شعرت بالدهشة لما حدث ..إذا كان يريدني حقا أن أغضب منه لأنه تركني أنتظره فلماذا أتي ليعتذر.. أجابني قلبي :لأنه يحبك .. إذا كان يحبني بالفعل فلماذا يريد أن يتركني؟؟ .. يبدو أنني سأحتاج لأكثر من مئة عام حتي أفهم ذلك اللغز المدعو محمد.
|