كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
نعم هذا هو الحل الوحيد.. إذا كان يمنعني أن أتقدم أو أتأخر فالحل الوحيد هو أن أقف في مكاني.. إذا لم أستطع أن أقول له أنني أحبه أو حتى أكرهه فليبقي الوضع كما هو عليه.. الحل الوحيد هو أن أظل أعامله بنفس الطريقة التي كنت أعامله بها و كأنه لم يقل شيئا و هكذا لن يشعر نحوي بأي التزام يمكن أن يعيقه فيسعى للتخلص مني.. نوع من أنواع المقاومة.. لا سلبية و لا إيجابية و لكنها حيادية .. أسلوب اللاشئ.. الذي سيجعلني إما أن أكسب كل شئ أو أخسر كل شئ..
اتصلت ببسنت لأسألها عما إذا كانت قد حددت لنا ميعاد لمقابلته فقالت: لا تتصوري كم كان ذلك متعبا لقد استعنت بمحمود حتي أستطيع الوصول إليه و قلت له أنني مضطرة أن أذهب في المساء لمحل التنظيف لأنظف بذلة أبي التي يحتاجها بشده غدا و أنني أخاف من الظلام و العفريت و أبو رجل مسلوخة و كل المسوخ التي يسمع عنها.. قلت لها بنفاذ صبر: هل ستحكي لي قصة حياتك؟؟ ؟اختصري .. ماذا قال لك؟ .. قالت : ألا تصبرين أبداً. حسنا لقد وافق علي أن يلاقيني اليوم في الثامنة بالقرب من محل التنظيف.. كاد قلبي يقفز من الفرحة .. أخيراً سأراه . كم اشتقت إليه .. كم أفتقد نظره عينيه التي تحتضني و تشعرني بالأمان .. قلت لبسنت: حسنا سأكون عندك في السابعة و النصف.
قمت ابحث بين ثيابي.. ماذا أرتدي؟ .. أريد أن يراني بهذا الثوب .. و هذا و ذاك .. كل هؤلاء .. أريد أن يراني علي كل شكل و في كل صورة .. ثم فكرت قليلا و اخترت في النهاية ثوبا عاديا .. لا أريد أن أبدو و كأنني استعددت للقائه استعدادا خاصة حتي لا أفسد خطتي.. ارتديت ثيابي و ذهبت للقاء بسنت .. منذ ركبنا السيارة و قلبي يدق بشده و كأنه ينوي مغادرة صدري ليسبقني إليه.. أحس برأسي يدور .. ها أنا علي بعد ثوان من اللقاء الذي يمكن أن يحدد مستقبلي و مصير حياتي القادمة .. نزلنا من السيارة و لا يزال قلبي يدق في جنون.. تلفت حولي فقد كنت أخاف ألا يأتي .. في البداية لم أره حتي أشارت إليه بسنت .. ما هذا التغيير العجيب الذي طرأ عليه؟؟ .. و كأن عمره قد قفز فجأة حتي وصل مئة عام... شحب وجهه بشده و ترك لحيته تطول بلا حلاقة أو تهذيب و يبدو أنه قد عاد للتدخين فقد رأيت السيجارة تحترق مثلي بين أصابعه.. و تضاعف الحزن الذي يملأ عينيه ملايين المرات .. ما أن رأيته حتي كادت الدموع تندفع من عيني .. و تمنيت لو استطعت أن أضمه إلي صدري كطفل صغير .. تماسكت و لملمت أشلاء قلبي الذي تفتت من الحزن عليه و رسمت علي شفتي ابتسامة حاولت أن تبدو جيده .. قلت له : أهلا متي خرجت من السجن .. نظر لي في دهشة و قال : أي سجن .. قلت: منظرك هذا يوحي بأنك خرجت الآن فقط من الزنزانة .. ضحك ضحكة حزينة و نظر إلي مثلما ينظر لطفل شقي و قال : هيا بنا .. مشينا بضع خطوات لم يتكلم فيها أي منا و وقفنا أمام الدرجات المؤدية لمحل التنظيف.. راحت نظراتي تتجول بينه و بين بسنت في تردد هل أنزل مع بسنت أم أبقي معه حتي تعود .. و كما يشعر بي دائما بدون أن أتكلم .. حسم هذا الصراع بكلمة واحدة: هيا أذهبي معها.. نزلت الدرجات مع بسنت في تردد فقد كنت بالتأكيد أفضل أن أبقي معه و لكنني أيضا لا أستطيع إلا أن أطيع ما يأمرني به .. وقف مع بسنت بضع لحظات و هي تعطي الملابس للموظف و تنتظر أن يكتب لها إيصال الاستلام و لكنني لم أستطع أن أقف معها أكثر من ذلك .. و جدت قلبي يطير إليه و أنا أطير معه .. و وجدتني أصعد درجات السلم قفزا حتي وجدت نفسي أقف أمامه .. نظر إلي و ابتسم .. يبدو أنه كان يعرف أنني لن أستطيع البقاء في مكان آخر وهو لا يبعد عني إلا بضع خطوات .. وجدت سيجارة جديدة تحترق بين أصابعه .. خفت عليه مما يفعله بنفسه ألم أعاهد نفسي أن أحميه حتي من نفسه؟؟ .. نظرت في عينيه و منحته أجمل ابتساماتي و قلت له : بالمناسبة التدخين ضار جدا بالصحة و لا يفيد أيضا .. و كأنه يسمع تلك الحقيقة للمرة الأولي .. أفلت السيجارة من بين أصابعه .. خرجت بسنت من المحل و أنا أطأ تلك السيجارة بقدمي في غيظ و كأنني أتخلص من عدو كان يبغي أن يسلبه مني.. قالت: لقد جذبت منه السيجارة و ألقيتها أليس كذلك؟ لا يصلح معه إلا ذلك الأسلوب.. ابتسمت و أنا أنظر إليه و قلت لها : بالتأكيد لا يمكنني أن أجبره علي فعل شئ رغما عنه .. لقد ألقاها بنفسه .. نظرت إليه في دهشة و لم تتكلم .. و نظرت أنا إليهما في استعطاف .. لقد انتهت المهمة التي جئنا إليها .. فهل سنرحل هكذا .. ألا يمكنني أن أبقي معه فقط بضع دقائق أخري .. فهمت بسنت الرسالة فقالت له في دلال: محمد لم تتمشي معي منذ وقت طويل ألا تريد أن تعيد أيامنا القديمة .. ابتسم لها وقال : من يسمعك الآن يظن أنا بيننا قصة حب .. علي أي حال هيا بنا .. قالت له وهي تضحك: طوال عمري أحبك ألا تدري؟؟ .. مشيا وهما يتمازحان و مشيت أنا بجوار بسنت و أنا لا أستطيع أن أصدق أنني أمشي في الطريق و هو إلي جواري.. تمنيت أن يرانا العالم كله معا و لكن أمنيتي لم تتحقق لأننا في فصل الشتاء ولا يوجد أحدا تقريبا يمر في الشارع .. و كان ذلك هو السبب في قبوله أن يمشي معنا .. فلو كان هناك بشر يمشون في الشوارع لما ظل معنا حتي لا تتلوث سمعتنا .. أعرف أنه يفكر دائما بهذه الطريقة .. دائما يفكر في الآخرين و ما يمكن أن يحدث لهم و لا يفكر أبدا فيما يمكن أن يحدث له .. يحبني و يعرف أنه من الصعب عليه أن يعيش بدوني و لكنه يود أن يتركني لأن ذلك في مصلحتي .. تضحية تضحية طوال الوقت .. لو كنت أعلم أين تباع الأنانية لاشتريت له بعضها ليفكر في نفسه قليلا .. وصلنا لسور منخفض أمام أحد المحلات الصغيرة .. قال لنا اجلسا قليلا .. سأحضر لكما بعض المياه الغازية .. كان لثلاثتنا طبع غريب .. فنحن نحب الأشياء المثلجة في الشتاء .. جلسنا و عندما رحل همست لي بسنت: لماذا لم تخبريه بأنك لا تشربين إلا الكولا فقط فربما أحضر إليك نوعا لا تحبينه .. نظرت لها و ابتسمت و قلت: أي شئ سيحضره سيكون رائعا.. نعم أي شئ سيحضره سيكون رائعا فلو احضر لي سما لشربته و أنا سعيدة فقط لأنه منه .. أحضر الزجاجات و أتي نحونا .. نظرت أنا و بسنت لبعضنا بدهشة.. ماذا تعتقدون أنه أحضر لي؟.. لقد أحضر لي الكولا التي أحبها .. كيف عرف .. من أخبره؟ .. ثم زالت دهشتي .. فأنا أيضا أعرف عنه آلاف الأشياء التي لم يخبرني بها أحد و هو كذلك يعرف عني أشياء كثيرة لم يخبره بها أحد .. فأنا أحسه و هو يحسني .. وما بيننا أكبر كثيرا من أي كلمات تقال.. و كيف يريدني بعد ذلك أن أبتعد عنه؟ .. أني نصف روحي الآخر.. أنه لي منذ الأزل .. فكيف يتوقع أن أطيق فراقه؟؟
أفقت من تخيلاتي.. كان يتحدث مع بسنت عن دراستها و أصدقائها في المعهد .. فجأة وجدته يقوم من جلسته ليقف أمامي .. و وجدتني أرتجف .. إنها المرة الأولي التي أرتجف فيها أمام شخص ما .. نظر إلي نظرة كلها وعيد و قال و أنت هل لك أصدقاء من الذكور في الجامعة؟؟ .. هل أستطيع أن أكذب عليه و أقول لا؟؟ بالتأكيد لا أجرؤ علي الكذب عليه .. أنه دائما يقرأ ما بداخلي .. رددت عليه و أنا أرتجف: نعم و لكن عدد قليل جدا.. لماذا أشعر بالخوف منه؟؟ لم أشعر بالخوف من أي شخص من قبل حتي أبي .. يبدو أنه قد لاحظ ارتجافي فضحك بشده ثم عاد للجلوس مكانه .. اكتفينا من الجلوس .. قمنا لنعاود المشي .. عاد هو و بسنت للحديث .. لاحظت أنه ينظر إلي كثيرا .. و في عينيه تساؤل .. و كأنه يسألني ألن تتحدثي في ذلك الموضوع حتي ننهيه؟؟ .. و كنت أتجاهل تساؤله و كأنني لا أراه .. يريد ن ينهيه؟؟ .. يريد أن ينهي حياتي .. بالتأكيد لن أسمح له .. تمسكت بالصمت الذي صاحبي معظم ذلك اللقاء .. و لكن يبدو أن صبره هو قد نفذ .. كنا نمشي بين صفين من المساكن الجميلة .. فتحدث و هو لا ينظر إلي و كأنه يحدث نفسه وقال: شخص مثلي لا يملك أن يشتري شقة في مثل تلك المساكن .. لا يملك إلا أن يسكن فوق سطحها .. ثم نظر إلي وقال بسخرية : أنظري حولك .. اختاري المبني الذي يعجبك و سأبني لك فوقه حجرة من الخشب .. لا تقلقي ستكون من الخشب الفاخر .. نظرت في عينيه فوجدتهما تلمعان بدموع محبوسة .. كدت أبكي .. عضضت علي شفتي حتي أتماسك .. لماذا يتحدث هكذا؟؟ .. لست أريد أي شقة .. أنا أريده هو فقط و لا شئ غير ذلك .. استجمعت قواي وقلت له بتحد: نعم و لم لا .. نظر إلي في عدم تصديق.. أردت أن أقول له أنني لا أبالي بكل ما يقول .. و أنني أرغب في أن أعيش معه حيثما كان .. و لكنني كنت أعرف أنني لو فتحت باب النقاش في ذلك الموضوع فلن يغلقه حتي ينهيه .. و .. و يتركني .. و أنا لن أتحمل ذلك أبد.. قلت له في سخرية: ولم لا أعيش فوق السطح ؟ علي الأقل سيكون الجو رائعا في الصيف .. أحست بسنت بتوتر الجو فالتقطت مني طرف الحديث و أخذت تمزح معه .. و استجاب هو لذلك المزاح و كأنه أيضا لم يعد يرغب في استمرار ذلك الحديث.. نظرت للسماء لكي أتمكن من السيطرة علي دموعي .. فوجده هناك .. صديقي القمر .. أترانا يا صديقي و نحن نسير معا .. أتراه؟؟ هذا هو من حملتك له بملايين السلامات و القبلات و عبارات الشوق .. هذا هو حبيبي الذي كنت أحكي لك عنه.. أتراه؟؟ .. صحيح أن كل شئ ينذر الآن بالفراق و لكنني أبدا لن أتركه و لن أسمح له بتركي .. .. فجأة قلت: في أي أيام الشهر نحن؟ .. قطع بسنت و محمد حديثهما و نظرا إلي في دهشة ثم سألني محمد: لماذا تسألين.. قلت: لا شئ فقط القمر اليوم بدرا.. نظرت لمحمد فوجدته يبتسم و يهمس لنفسه كي لا أسمعه و لكنني سمعته.. قال: هل تحصين النجوم في كل يوم مثلي؟ .. نظرت له و ابتسمت .. فيبدو أنه شعر باٌرتباك .. نظر في ساعته ثم قال: لقد تأخر الوقت جدا يجب أن تعودا للمنزل الآن .. نظرت إليه في إحباط .. لماذا يمر ذلك الوقت القاسي؟؟ .. ألا يمنح من كان مثلنا بضع لحظات نقضيها معا خارج حدود الزمن؟؟ .. أوقف لنا سيارة .. تمنيت أن يركب معنا و لكنه لم يفعل للأسف .. غادرت السيارة و غادرني قلبي معها ليقفز بين يديه.. و أخذت أسأل نفسي ذلك السؤال المعتاد .. تري ماذا سيحدث غداً؟؟؟
|