اتمنى ان تكون قد اعجبت الجميع............
الفصل الثاني ..
2- كذبة بيضاء .......اسودّت ..
مرّ اسبوع بكامله , لم تتبادل لورا خلاله الحديث مع دييغو رايمريز ,
ومع ذلك , فقد ظلت تعي وجوده في قربها , وعندما كانت تهتم بزبائنها ,
غالباً ما كانت تلاحظ شبح السينيور الممشوق يقف امام الواجهه .
وكلما ذهبت لتبتاع لنفسها شيئاً من المحلات , تراه هناك ,
على بعد أمتار قليلة منها .
حتى في الكنيسة حيث تذهب من وقت الى اخر لتبحث عن الهدوء ,
والصفاء اللذين شعرت بهما خلال السنوات التي عاشتها في دير الراهبات في لوس انجلوس ,
حيث امضت كل سنواتها الدراسية , كانت تلمحه من بعيد مستنداً الى احد عواميد البناء .
وكلما راته تشعر بتوتر مفاجئ ,
الى درجة انها بدأت تبحث عنه بنظراتها في أي مكان كانت تذهب اليه .
واذا لم تره صدفة , كانت تشعر بقلق غريب , كالاحساس بالفراغ .
" يا لحماقتها "!
كانت توبخ نفسها وهي ممدة على الشاطئ الرملي المحرق ,
امام الفندق . لن تذهب بعيداً الى الشعور بالقلق تجاه الاهتمام الودي الذي يظهره لها لاتيني يكرس حياته لامراة اخرى مرتبط بها وهي زوجته .
تربيتها الصارمة تفرض عليها الابتعاد عن رجل متزوج ,
مهما كان جذاباً وانيقاً وصاحب نفوذ . والسينيور دييغو راميريز هو كذلك حقاً !
إن رؤيته وحدها تكفي لإثارة لورا وتشويش أفكارها .
على بعد منها , على الشاطئ , كان يجلس شاب مكسيكي ,
يرتدي زي السباحة يظهر اسمرار جسمه النحيف , وقد نجح في جذب سائحة امريكية في سن متقدمة ...
وهي من تلك النساء الوحيدات , الثريات ,اللواتي جئن الى الريفيرا المكسيكية للبحث عن اللهو و كسر روتين حياتهن الرزينة .
ومنذ ان وصلت لورا الى الاكابولكو وهي ترى مثل هذا المشهد يتكرر يومياًَ ,
مما يزعجها و يجرح إحساسها التقليدي .
الشمس القوية ارغمتها على إغماض عينيها .
فهي لا تخاف هؤلاء الرجال . إنهم يعرفون أنها ليست غنية ولا تبحث عن مغامرة عاطفية ,
لذلك لا يضيّعون وقتهم في ملاحقتها بحضورهم المتواصل . ووراء جفنيها المغمضين ,
شعرت بظلٍ ينعكس على وجهها . فتحت عينيها قليلاً ,
وفوجئت بنظرات دييغو راميريز الحارة تحدّق فيها .
كان يرتدي زي سباحة أبيض . ولثوان عديدة تبادلا النظرات .
كأنهما يلتقيان للمرة الأولى .
قالت لورا بعد جهد :
" ماذا تفعل هنا " ؟.
"اني هنا مثلما انتِ هنا , للسبب نفسه ... كي أستحم , هذا مسموح , اليس كذلك ؟".!!
همست لورا بسخرية وهي تجلس :
" لا تريد إقناعي بانك لا تمتلك شاطئاً خاصاً بك ".
جلس دييغو قرب لورا التي تناولت نظارتيها من حقيبة يدها ووضعتها على عينيها بسرعة .
" ليس في المكسيك شواطئ خاصة . اني املك فيلا في الجنوب على بعد بضعة كيلومترات من هنا و لحسن الحظ أن السياح يفضلون اكابولكو ولا يذهبون بعيداً حتى هناك ".
قالت لورا بسخرية وهي تدع الرمل ينزلق بين أصابعها :
" ما اروع ان يملك المرء مالاً كثيراً يتيح له أن يتمتع بحياته الخاصة ".
فأجاب معترفاً :
" هذه حسنات المال , لكن ينبغي ألا تنسي ما يفرضه من أعباء ومسؤوليات ".
تردد عندما لفظ الكلمة الاخيرة , فنظرت اليه لورا في حيرة وارتباك .
ذكرتها كلمة المسؤوليات بزوجته التي احتفل بعيد ميلادها بطريقة ودية في الاسبوع الماضي ..
سالته ...
" هل لديك اولاد ؟!".
" كلا لسوء الحظ , لكن ذلك وارد ضمن مشاريعي المستقبلية ".
وبينما كانت لورا تتأمل السباحين يغطسون في البحر , ارتسسمت على وجهها ابتسامة ساخرة وقالت :
" أعتقد بان هدف الرجل اللاتيني , عندما يتزوج , هو أن يظهر رجولته ويفرض على زوجته انت نجب له ولداً بعد أقل من سنة ".
سكتت لحظة وتسائلت في نفسها , هل هو حقاً الحديث الذي يجب ان اتبادله مع انسان مجهول ؟
قال في مرح وهو يحدّق في عينيها :
"لا تنسي يا عزيزتي ان النساء اللاتينيات لا يعترضن على ذلك ".
ثم سالها فجاة :
" هل لديكِ صديق ؟".
" ماذ تعني ؟".
" غريب حقاً أن تجلس امراة جميلة على شاطئ البحر بدون شخص يحميها من نظرات الرجال الذين بيحثون عن طريدة جميلة مثلك ؟".
وبحركة من يده أشار ليس فقط الى الرجال المكسيكيين ,
بل الى السيّاح الامريكيين الذين لم يكفوا منذ أن وصلت الى الشاطئ , عن التحديق فيها .
قالت :
" سبق لي وقلت انني في سن ناضجة تسمح لي بالاتكال على نفسي .
اما الجواب عن سؤالك فهو نعم . لدي صديق وهو خطيبي , لكنه حالياً في لوس انجلوس ".
اطلق صفيراً مصحوباً بالدهشة ,
فقالت لورا لنفسها في غيظ .. كل الرجال وقحون ...
لا يتورعون عن سجن زوجاتهم ويعتبرون عدم اخلاص المراة للزوج او الخطيب شتيمة أو عار ..
قال في سخرية :
" لكنك لا تضعين خاتم الخطبة ".
" انني اضعه باستمرار , لكنني خلعته لانني أخاف ان يسقط مني في الماء أ, في ......"
"واظن انكِ تخشين ايضاً ان تفقديه خلال العمل ".
رمقته لورا بنظرة ساخطة و قالت :
"" اثناء عرض الازياء لا تضع العارضة سوى المجوهرات التابعه للمؤسسة التي تعمل فيها .
والآن يا سينيور , أرجو أن تعذرني لانني مضطرة الى الذهاب لأدعك تستمتع بالسباحة ".
قال ويهز كتفيه : " هذا غير مهم في الوقت الحاضر ".
نهض و أصر على أن يرافقها الى الفندق , وبرغم انزعاجها فانها لم تستطع أن تتجاهل نظرات النساء تلاحق السينيور في تحركاته .
فتح باب الفندق و ابتعد عنه ليدعها تدخل الى البهو المكيف وتبعها حتى المصعد .
سألها في لا مبالاة وهو يتكئ على الحائط :
" هل تحبين أن تتناولي طعام العشاء معي مساء اليوم . إن اكابولكو ليست المكان المناسب لامراة وحيدة ".
"أفضل أن اتتناول طعام العشاء وحدي .
على ان اكون مع رجل معروف جداً , فضلاً عن انه متزوج ".
صمتت لحظة ثم قالت وهي تشير في اتجاه الباب الزجاجي الذي يطل على الخليج :
" على الشاطئ عدد كبير من النساء اللواتي يسرهن قبول دعوتك الى العشاء ".
تنهد وهو يبتسم وقال :
" أعرف ذلك جيداً , ولكنني أحب أن العب دور الصياد , لا دور الطريدة ".
ارتعشت لورا بالرغم منها . ليس من الصعب تصوّر هذا الوع من الرجال ,
وهم يلاحقون الطريدة و يتمسكون بها الى أن تستسلم .
قالت :
" لا أرى مانعاً بان تلعب دور الصياد , شرط ألاّ أكون من بين الطرائد ".
قال وهو يتبعها بنظراته , وهي تدخل الى المصعد :
" انك تطلبين مني الكثير يا لورا . الى اللقاء ".
على مدى أسبوع اختفى السينيور دييغو رايميريز من اكابولكو .
وقد حاولت لورا اقناع نفسها بانها تشعر بارتياح بغيابه ,
لكن الحقيقة كانت عكس ذلك , فقد شعرت بشوق كبير اليه .
نادتها سكرتيرة المحل للرد على الهاتف .
وعندما تعرفت الى صوت دييغو . فقالت له في جفاء :
" هل تتكرم بالأ تضايقني بعد الآن ؟ اذا كنت مصراً على ازعاجي ,
فسأضطر الى الاستعانة بحارس خاص ".
لكن هذا التهديد لم يؤثر فيه فقال وهو يطلق ضحكة صغيرة :
" استغرب كيف ان امراة في مثل جمالك البارد تتصرف بهذا الغليان والتوتر ! لا أنوي ازعاجك .
أريد فقط أن أجدد لكِ دعوتي للعشاء ".
" هذا ما اعتبره ازعاجاً للناس يا سينيور . كم مرة ينبغي ان أقول إن دعوتك هذه لا تهمني أبداً ."
" لورا , بامكانك ان تؤدي لي خدمة كبيرة .
عليّ ان استقبل رجل أعمال وزوجته وهو مثلك امريكي الجنسية ,
و أفضل ألا اكون وحيداً من دون رفيقة ".
" هذا مستحيل يا سينيور , لانني ساتعشى مع خطيبي ".
ران صمت قصير قطعه السينيور قائلاً في جفاء :
" فهمت . ينبغي أن أبحث عن رفيقة اخرى ".
قالت في لهجة ثاقبة قبل ان تضع سماعة الهاتف بخشونة :
"سبق وقلت لك , انك لن تجد صعوبة في العثور على رفيقة ".
وبعد انتهاء المحادثة بقيت لورا تحدق في الهاتف في امعان وهي تعض على شفتيها بتوتر .
ان دييغو راميريز هو الذي سبب كل هذا التوتر .
فهي لا تحب الكذب . كما انها ستكون وحيدة هذه الليلة كالعاادة . بينما لو كانت رفقته لأمضت سهرة ممتعة . ليست في حاجه الى مخيلة واسعه لتدرك أنه فارس الاحلام الذي تتمنى كل امراة ان تكون رفيقة سهراته .
ولما دخلت الى شقتها , سمت رنين الهاتف , فتسائلت :
" يا الهي , ربما هذا دييغو راميريز الذي اكتشف ان خطيبها على بعد الف ميل من هنا .
لكنها عندما عرفت الصوت نسيت في الحال الرجلين وصرخت :
" ابي ! أين انت ؟ " .
ضحك دان ترانت وقال :
" إني هنا . في أكابولكو , رجلان استاجرا سفينتي في لوس انجلوس
وفكرت بانها الفرصة المناسبة لا اقوم بزيارة قصيرو الى ابنتي الوحيدة ".
"وكم من الوقت ستبقى هنا ؟".
" آه , أيام قليلة فقط , هذان الرجلان يصران على أن انقلهما الى مكسيكو في اسرع وقت ممكن .
من الافضل لهما ان ياخذا الطائرة الى مكسيكو لكنهما يحبان ممارسة هوايتهما المفضلة وهي صيد الاسماك . مع انهما لا يعرفان تماما كيف يحملان قصبة الصيد ".
" هذا لا يهم . متى أراك ؟ اني في شوق اليك ".
" ساقوم ببعض المشتريات للسفينة ....ايناسبك ان التقيك في الندق بعد ذلك ؟
يجب الاحتفال بهذا اللقاء كما ينبغي , يا صغيرتي . وانتِ تعرفين المطاعم المشهورة , اليس كذلك ؟".
أجابت لورا بفرح :
" يمكننا الذهاب الى الميرادور , وفي الوقت نفسه يمكننا ان نحضر مشهد الغطس , انه لا يمكن تفويته ".
" كما تشائين , هل في امكانك الاهتمام بحجز مكانين ؟".
" نعم " .
بعد ان اقفلت لورا سماعة الهاتف . طلبت رقم المطعم وحجزت طاولة للساعه الثامنه والنصف .
هكذا سيكون امامها الوقت الكافي لتناول العشاء بهدوء قبل حضور مشهد القفز و الغطس من اعلى الشرفات التي تطل على الشاطئ الصغير .
وبعد ان اخذت حماما سريعا ارتدت فستانا اسود يتلائ مع شعرها الاشقر بشكل بارز .
بعد وفاة زوجته , تخلى دان ترانت عن كل شئ , عمله في السمسرة البحرية ,
ومنزله وحتى ابنته . اذ بعد شهرين من وفاة والدتها دخلت لورا دير الراهبات واشترى والدها يختا . وعندما كان يشعر بحاجة الى المال كان يؤجر اليخت و يقترح على المستاجرين خدماته كقبطان السفينة .
وفي مخيلته ذكريات ساحرة عن العطلات التي كانت تمضيها على متن سفينة والدها التي دعاها بربارا على اسم والدتها .
كان ذلك ممتعاً لها ولو لاسابيع قليلة , لتتخلص من اجواء الدير المملة والكئيبة .
طرقات متواصلة على الباب جعلتها تدرك ان الطارق هو والدها الذي كثيرا ما خرجها من احلام المراهقة العاطفية بالطرطقة على الباب كانه يدق على الطبل .
صرخت لورا وهي تبكي وتضحك في ان واحد معا بينما كان والدها يعانقها بحنان في ذراعيه القويتين :
" ابي ! آآه, كم انا سعيدة لرؤيتك !".
لم يتسن لها الوقت لتعاين وجه والدها إلا بعدما جلسا مواجهة وراء طاولة المطعم , ما يزال يتمتع بالنظرات الزرقاء نفسها . لكن تجاعيد وجهه بدات بالظهور , وشعره البني الكثيف بدات تتخلله بعض الخصل الرمادية و خاصة حول الاذن .
لكنه ما زال رجلا بمظهر حسن وجذاب . وبينما كانت لورا تراقب نظرات بعض النساء المركزة على والدها . تساألت لماذا لم يتزوج دان مرة ثانية .
نساء كثيرات كانت تحمن حوله وخاصة الجميلات منهن .
لكن ولا واحدة كانت تتمتع باناقة والدتها وجاذبيتها وشعرها الاشقر كسنابل القمح .
ولا واحدةكانت قادرة على ان تحل مكانها .
قال دان ترانت وهو يبتسم :
"لا تلتفتي الى الوراء يا صغيرتي . هناك رجل وراء الطاولةالبعيدة يرمقني بنظرات غاضبة .
يبدو حتما انه مكسيكي . هل تعرفين احدا هنا ؟".
ومن دون ان تلتفت أدركت لورا ان الرجل الذي يحدق في والدها ليس سوى السينيور دييغو راميريز
. لماذا يظهر هذا الشيطان في اي مكان تذهب اليه .
وخصوصا هذا المساء بالذات . اذ من المفروض انها تتناول العشاء مع خطيبها !..
أجابت في جفاف :
" اني اعرفه من بعيد .. انه واحد من الذين يعتبرون ان كل شئ مسموح .
لقد دعاني مرّات عديدة الى العشاء من دون علم زوجته بالطبع ".
صرخ دان مستغرباً :
" هل هو متزوج ؟
وهذه المراة السمراء الجميلة معه . هل هي زوجته ؟
لكن لماذا ينظر اليّ هكذا ؟".
هزت لورا كتفيها :
" تجاهله , ا رجوك . هؤلاء المكسيكيين يتصرفون بوقاحة لا مثيل لها ".
" اذا حاول ان يعامل ابنتي بهذه الطريقة , بهذه الجراة الفظة ..."
قاطعته لورا قائلة :
" اني اعرف تماماً كيف اتصرف . لا تقلق عليّ . ولا تنسى أني مخطوبة ".
قال وهو ينظر الى خاتم الخطبة في يد ابنته :
" نعم صحيح . اني لا انسى ".
في لقائهما الاول ظهر بوضوح ان دان وبرانت لم يستلطفا بعضهما العض .
فالمحامي الشاب لم يكن راضيا عن طريقة حياة دان البوهيمية , هو الذي يعيش حياة منظمة .
ولاحظ دان هذا الشعور وحزن على ابنته . لكنه مع ذلك يحترم اختيارها |.
قالت لورا وهي تنحني نحو والدها :
" سأغيب لحظة صغيرة . وبعد ان اعود نبحث عن زاوية تطل على الخليج حتى نتمكن من مشاهدة الغطاسين جيدا ."
قال وهو يبتسم بحنان :
" كما تشائين يا صغيرتي ".
فكرت لورا وهي تمر بين الطاولات كيف ان والدها ما زال جذاباً واسفت لانه لم يتزوج بعد وفاة والدتها .
الحياة الروتينية التي يعيشها لا شك انها تزعجه . فهو يستحق حياة افضل .
وبعدما خرجت من الحمام اسرعت تغسل يدها وتضع على وجهها بعض الزينة والعطور .
ثم خرجت الى البهو خافضة الراس وهي تحاول اغلاق حقيبة يدها .
ولم تر الشبح الذي يرتدي البذلة السوداء يظهر من وراء شتلات ضخمة ويجابهها بعنف .
صرخت مستغربة بعدما شاهدت نظرات دييغو راميريز الشرسة :
" انت ! من اين اتيت ؟".
اجابها في غيظ لم يعرف انه يكبته جيداً :
" كنت اراقبك , لدي ما اقوله لك ".
" صحيح ! وماذا تريد ان تقول ؟ اختصر كلامك . لا انوي ان ادع .....رفيقي ينتظر ".
فقال في حدة متجاهلا نظرات الفضول التي رمقها بها الحضور :
" اريد ان اكلمك عنه ! انه يكبرك سناً في شكل ظاهر ".
" من يكبرني سناً ؟ هل تقصد .....؟".
اجاب في شراسة :
" خطيبك طبعاً . لا شك انه في سن والدك !".
كبتت لورا قدر الامكان رغبتها الملحة في الضحك .
دييغو يعتبر والدها خطيبها . اذا هو السبب الذي من اجله كان يرمق والدها بنظرات غاضبة .
بدات تقول بصوت متردد :
" لكنه ..و ......."
ثم توقفت لحظة مدركة ان كذبتها انفضحت . ثم تابعت تقول :
" ان له قلب شاب " .
قال دييغو راميريز في حقد :
" صحيح انه يكبرك في السن سنوات عديدة , فكيف ترتبطين به مدى الحياة ؟".
وبعدما القى نظرة خاطفة الى السيّاح الذاهبين والاتيين داخل البهو , أمسكها من معصمها و جذبها وراء مجموعة المشاتل الضخمة وعاد يقول:
" هل بامكانه أن يوفّر لكِ الحب و الشوق و اللهفة ؟
هل سبق أن عانقكِ ؟"
فجأة , جذبها نحوه وشدها الى صدره وراح يعانقها بشغف حتى جعلها تلهث خاضعة وتقول :
" دعني ! ارجوك ! ".
" ادرك تماماً انه لم يسبق له ان عانقكِ كما يجب !".
فقالت في غضب و هي تتخلص من قبضته :
" وانت يا سينيور , منذ متى لم تعانق زوجتك هكذا ".؟؟!!
عندما عادت الى والدها , كان وجهها ما زال مضطرباً وقدماها ترتجفان.
" آآه , ها انتِ قد عدتِ ! اجلسي واحتسي القهوة , مازال أمامنا بعض الوقت قبل ان يبدا مشهد الغطس ".
جلست في الكرسي وهي لا تزال متأثرة بالصدمة . وهنا مرّ السينسور في قربها .
فخفف من خطواته وحدحّق فيها ثم تابع طريقه .
نظر دان الى ابنته في حيرة وارتباك , كانه فهم ما حدث منذ لحظة ,على بعد امتار قليلة منه .
فسالها في قلق :
" اليس هذا الرجل هو المعجب بكِ ؟".
" كيف؟ آآة . نعم ".
" لو كان برانت ينظر اليكي كما نظر اليكِ هذا الرجل لكنت سعيداً جداً ".
بعد فترة صمت أجابت لورا :
"أبي , ان برانت يحبني . وهو ينوي الزواج منى , اليس هذا كافياً ؟".
فقال لها وهو يربت على يدها في حنان :
" لكن , يا حبيبتي , يجب ألا تخلطي الأمان والاستقرار بالحب و الرغبة .
إن برانت شاب لطيف , لن يضربكِ و سيكون زوجاً صالحاً لكِ .
وتتمتعين معه بحياة راغدة و ستسكنين في منزل صغير جميل في الضاحية ..
وستنجبين ولدين مثل الجميع ... لكن .... لا أعرف جيداً كيف أشرح لكِ ....
. لن تعيشي الحياة التي عشتها مع أمك ....كنا زوجين مثاليين وفي الوقت نفسه غير عاديين ...."
فقالت لورا في صوت مفاجئ ومبحوح وعينها تدمعان :
" اعرف ذلك تماماً . انت وامي كنتما زوجين رائعين واستثنائيين .
ومن النادر اليوم ان تجد مثلكما في هذا العالم . ماذا علىّ أن افعل ؟ يجب أن اقتنع بما عندي ....على الاقل ....."
" ربما انتِ على حق ... هيا بنا نتفرج على الغطس ".
تبعت لورا والدها خارج غرفة الطعام . غير انها لم تستطع ان تقاوم رغبتها في القاء نظرة خاطفة على مائدة دييغو راميريز .
كان معه الزوجان الامريكيان اللذان حدّثها عنهما ,
وامراة شابة سمراء رائعة الجمال , ابتسمت لها المراة . لم يجد دييغو صعوبة في ايجاد رفيقة له .
وفي حركة الية رفعت لورا يدها لتلمس شعرها وشاهدت ديغو يحدّق في خاتم الخطبة الذي يلمع في اصبعها .
أسرعت باللحاق بوالدها الذي ابتسم لها بحرارة وادخل الى قلبها العزاء و المواساة .
استرعى انتباهها الشاطئ الصخري الذي بدا يشع تدريجياً بالاضواء المختلفة الالوان .. شاهدت لورا رجلاً مستعداً لقفز , بشرته تلمع تحت تأثير الاضاءة الكثيفة ,
كان يقف على نتوء صخري من علو شاهق , احنى راسه وبدا انه يحدق في امعان الى المياه التي تغلي من تحته .
سبق للورا ان شاهدت باعجاب كبير مرات عديدة هذا المنظر الذي يحبس الانفاس .
فاسرعت تشرح لوالدها الوجه التقني للغطس :
" عليهم ان يصمموا قفزتهم بعناية . في الحالة العادية , لا يتجاوز عمق المياه اكثر من مترين ونصف متر بانتظار ان تاتي موجة قوية ترفع الماء الى علو اربعة امتار .
وهذا الحد الادنى المنتظر لتحقيق القفزة ".
" اريد أن أصدق ذلك . من المفروض اذاً ان يستعد لوثبة قوية ليتحاشى السقوط على الصخرة ".
" طبعاً . آه .. انظر انه يقفز ".
رفع الغطاس ذراعيه . وحبس المتفرجون انفاسهم وهم يشاهدون هذا النحيف يستعد للقفز ويحلّق مكتفاً ذراعيه مثل عصفور متألق , قبل أن يغطس مثل السهم في الماء التي تتصاعد منها الرغوة البيضاء .
التفتت لورا الى والدها الذي كان يمسك بيدها ويبتسم لها في حنان هامساً :
" ان هذا المشهد مثير حقاً " .
" انتظر رؤية الذين يقفزون من قمة الصخور , من علو ارعين متراً أو أكثر .
لقد شاهدت هذا المنظر مئات المرات وما زلت ارتعب كأنها المرة الأولى ".
همس دان وهو يبتسم في وجهها المتالق الذي يذكره بزوجته الراحلة :
" انني اتساءل ما اذا كان قلبي يتحمل هذا النوع من الانفعال ".
قالت لورا ضاحكة وهي تتطلع الى العدد الهائل من الناس المحيطين بهما :
" يجب ان تتحمل ذلك , اذ ليست هناك طريقة نستطيع فيها ان نغادر المكان وسط هذا الحشد ".
فجأة , ماتت الكلمات على شفتيها , فقد التقت نظراتها بنظرات راميريز التي كانت تشع باانفعال غريب .
فوجئ دان بسكوت ابنته فتطلع اليها وقال :
" لورا ,ماذا لكِ ؟".
" نعم ؟".
نفضت لورا جفنيها كانها تستيقظ من حلم , ثم قالت :
"انظر يا ابي , شاب اخر سيقفز الآن ".
تطلع دان نحو قمة الصخرة حيث راى غطاساً ينتظر في انتباه أن تاتي الامواج على علو ارعين متراً منه .
الجمهور الذي شاهد هذا الجسم النحيل الاسمر الملئ بالحيوية يلتطم بالموجة العالية ,
بدأ يصرخ بحماس ويطلق زفرات الارتياح .
وتسائلت لورا , ترى بماذا يفكر الرياضيون لحظة القفز في الفراغ .. ربما الى الابد .....رفعت عينيها الحالمتين , والتقت مرة اخرى بنظرات دييغو القوية ,
كانه لم يحوّل نظره عنها طوال الوقت , قارئاً كل ما يدور في أفكارها .
نهضت لورا تاركة المكان لغيرها من المشاهدين وبعد لحظات كانت مع والدها قد غادرا فندق الميرادوز .
وعندما أوصلها دان الى فندق بانوراما رفض ان يتناول اي شراب وقال مبتسماً :
" الى مساء غد يا صغيرتي . هل تتناولين العشاء معي على متن السفينة ؟".
" بكل سرور ".
" أخشى ألاّ اكون قادراً على أن أعِدّ لكِ وليمةً في الوقت الحاضر ".
ابتسمت لورا وقالت :
" فهمت , ساحضر معي كل ما نحتاج اليه للعشاء . لا تقلق يا ابي , فسأعد لك عشاءً لذيذاً ".
"هل يوافقك ان يكون الموعد الساعه السادسة ؟".
قالت لورا وهي تقف على رؤوس اصابعا لتقبيل والدها :
" اتفقنا ".
وعندما اصبحت في شقتها اخذت تذرع ارض الدار ذهاباً واياباً مئات المرات , مقطبة الجبين , قلبها الحزين العامر بالكآبة والقلق . ماذا جرى بينها وبين والدها ؟
خيّل اليها ان احاديث دان الودية تخفي قلقاً غامضاً ......
نهاية الفصل الثاني...............