عروس الوقت الضائع
روايات احلام
رينيه روزيل
عندما مات جدها مات معه السبب الذي دفع كالي الى القبول بالزواج بنيكولاس فاروس ,,,
وقررت ان تلغي هذا الزواج في صبيحة العرس .....
-سيد فاروس ..... لا يمكن ان اتزوج بك ....
اصرف كما تشاء واغضب كما تشاء !
انا اعتذر , لكنني لا استطيع فعل شئ للتعويض عن ذلك ......
هذا الرفض حطم كبرياء نيكولاس فاروس امام المدينة بأسرها ...
وبدلا من ان يغضب , عرض عليها مشروع عمل مغريا .......
....... ثم انتظر ان يجمعه مع كالي سقف واحد ,
حتى يفرض التعويض الذي يرضيه .....
وماذا بيد كالي ان تفعل ؟؟
1- قرار لا رجوع عنه
دخلت كالي مكتب نيكولاس الخاص , وهي تشعر بارتباك شديد . لحسن الحظ لم تصادف اي سكرتيرة في مكتب الاستقبال لتسألها عن سبب زيارتها ,
فقد كانت عاجزة عن اعطاء اي تفسير .
كانت بحاجه الى رؤيته بسرعة قبل ان تصيبها نوبة بكاء هستيرية .
منعها اضطرابها من ملاحظة فخامة مكتبه . كانت تعرف ان السيد فاروس غني لكن وضعها النفسي حال دون تأثرها بالديكور من حولها .
جاهدت لتمنع الدمعة من ان يسيل من عينيها .
واتجهت نحو رجل نحيل وطويل يقف خلف مكتب زجاجي وضعت يديها على المكتب البارد ونظرت اليه بعينين خجولتين .
ايتها الجبانة ! انظري في عينيه , فعلى أي واحدة تتراجع عن قرارها ليلة زفافها , ان تواجه لا ان تنظر الي الأرض كالفأرة !
رفعت عينيها اخيراً وقد صم صوت نبضات قلبها المتسارعة اذنبيها , فخيل لها انها لن تتمكن من سماع ماستقوله .
"سيد فاروس ..."
وتفاجأت بنبرة صوتها التي بدت مقنعة .
-"لا يمكنني ان اتزوج بك ! "
بدت الدهشة على الرجل وحاول ان يتكلم لكنها لم تعطه أي فرصة .
-"لقد توفي جدي الليلة الماضية .. وحين نقلت لي امي خبر وفاته ادركت أنني قبلت بهذا الزواج لانني احببته فقط . كان هو من رتب هذا الزواج وأراده . لم اكن اريد هذا الزواج قط , لقد وافقت عليه من اجل عائلتي ."
حاول ان يتكلم مجددا لكنها رفعت يدها بسرعة لتمنعه من ذلك .
-"اعرف , أعرف ان عائلتي يونانية وعريقة وكذلك عائلتك . كما اعلم ان زواج امي التقليدي كان ناجحاً . وصحيح ان جدينا كانا صديقين حميمين لفترة طويلة . وانهما حلما بلم شمل عائلتينا . لكنني امريكية , ياسيد فاروس ."
كانت تبحث عن الكلمات اي كلمات تجعل موقفها اقوى وتابعت تقول :
(( لقد ولدت في الولايات المتحدة , ولا يمكنني القيام بهذه الخطوة ! ارجوك افهمني وحاول ان تسامحني يوما! )).
ثم خرجت من المكتب ووجدت أنها اشبه بطفل جبان. لن يسامحها على خروجها ولكنها ستصاب بالهستيريا اذا ما خاضت جدالا معه .
قالت فين نفسها إن ذلك افضل لكليهما .
كان ذلك الزواج أشبه بصفقة تجارية وقد رُسخ اعتقادها المؤلم هذا وجود مايسمى ((بخطيبها )) في مكتبه منذ السابعة صباحاً , ومتى ؟؟!!
يوم زواجه ! من جهة اخرى, هذه اول مرة تراه فيها . فقد حالت صفقاته المالية الدولية دون وجوده في البلاد حتى آخر لحظة قبل الزواج .
لابُد انه مستاءٌ الآن , ولكن عليه تخطي ذلك . حين عادت كالي الي رشدها اخيراً وانجلى حزنها قررت ان تكتب له رسالة اعتذار .
شعرت انها وحيدة . آه! لقد اهتمت زو انجيليس لأمر حماها لعدة سنوات . واضطرت للبقاء الي جانبه حتى تدهورت حالته الصحية ففاتها حفل زفاف ابنتها الوحيدة الذي كان سيقام اليوم . تعرف كالي ان زو كانت بين نارين . لكنها ماكانت لتترك حماها يفارق الحياة وهو وحيد . فهمت كالي ذلك وهاهي الآن تشعر بالأسي والضياع , وتحتاج الي دعم والدتها القوي .
الآن وقد الغت ذاك الزواج , ماعليها سوى العودة الي الفندق وتوضيب الحقائب والرحيل الي سان فرانسيسكو .
عليها العودة الي كانساس لتكون مع امها تودع جدها كريس الوداع الأخير !
كان الأول من حزيران اشبه بكابوس بالنسبة الي نيكولاس فاروس . فقد أجل رحلته من طوكيو مرتين وكاد يفوت بزفافه . من ثم اكتشف لدى وصوله الي شقته في ساعات الصباح الاولى عطلاً في انابيب المياه .
كانت الفوضى تعم المكان , لذا اضطر الي اخذ حمام الزفاف في مكتبه والآن بعدما خلع سترته جاءت خطيبته التي لم يلتقها بعد الي مكتبه تعلم لمساعده المرتبك انها لن تستطيع الزواج به .
القى نيكوس نظرة من حجرة تبديل الملابس الي مكتبه ليجد مساعده مذهولاً يحدّق في لباب .
استند نيكولاس الى الباب وتنهد ثم سأل مساعده باسلوب ساخر :
(( ما الأمر ياتشارلز ؟ الم يسبق ان نبذتك امرأة ؟))
زالت الدهشة عن وجه تشارلز حين سمع تهكم نيكولاس , والتفت نحو مديره بوجه شاحب , ثم قال :
(( وهل مذا ماحدث ياسيدي ؟؟))
هز نيكولاس رأسه وهو يشعر بالتعب من جراء المشاكل التي واجهها وقلة النوم .
وبالكاد أطبق جفنيه في الاثنتين والسبعين ساعة الأخيرة . وهو يحضر لشهر عسل مطول هل هذا جزاءه الآن ؟
-"لم يسبق ان هزمني احد ولكن بدا لي ان ذاك الخطاب يعني الوداع !"
نظر الي شارلز الذي بداكئيباً فحزن لأجله .
لأجله ؟
شعر نيكولاس انه لم يستوعب بعد ما حصل.
كان تعباً الي درجة لم يقو معها على اظهار اي انفعال , لكنه احس ان سخطه قد يظهر في اي دقيقة .
تناول سترته وهو يقول :
(( لافائدة من التحسر , ثمة اشياء علينا القيام بها ! ))
-"هل اعلم المدعويين بالغاء الزفاف ياسيدي ؟"
قطب نيكولاس , لسماعه سؤال تشارلز وقال :
(( كيف ! بالطبع لا !))
-"لكن ياسيدي ...."
فقاطعه غير راغب في مناقشته بشأن من يكلف بمهمة إعلام الأصدقاء بأن زفافه الغي .. ثم قال له :
(( تشارلز , فيما انقل للمدعوين هذا الخبر السئ ابحث انت عن رقم هاتفها )) .
استفهم تشارلز : (( هل تريد ان اتصل بخطيبتك في الفندق ؟))
وصل نيكولاس الي باب مكتبه , ثم عاد ادراجه بات الآن يعي مايحدث معه , وبدأت النيران تلتهم احشائه , لقد نبذته يوم زفافه . جاء المدعوون من ملوك ورؤساء جمهوريات . من كافة انحاء العالم لحضور مراسيم زفافه , كان هناك خمسمائة مدعو يتحضرون لحفل زفافه . فاذا بامراة ن كانساس توجه ضربة عنيفة لمستقبله الشخصي وكرامته ! ها هو يقف الان كموظف بائس تم فصله للتو من عمله !
-"اللعنه ! اريد منك ان تتصل بخطيبتي في الفندق ."
وهمّ بالانصراف , ثم توقف والتفت نحو شارلز وقال :
"اقصد خطيبتي السابقة !"
-"- وماذا تريد مني ان اقول لها سيدي ؟ "
-"لا تقلق يا شارلز , ساخبرك بما ستقوله حالما اعود . "
-وخرج من المكتب , بعد ان بدا يدرك الورطة التي وقع فيها , انتابه دوار الاهانه على مستوى عالمي .ضغط على زر المصعد لينزل الى حيث ينتظره فطور فخم . وبعد ساعات قليلة , سوف يواجه اكثر المواقف اذلالاً .
سوف يجبر على الاعتراف بذلك امام الجميع ,
سوف يعرف الجميع ان زوجته العنيدة عدلت عن الاقتران به , يوم زفافهما .
اخذ يتفرس في باب المصعد وهو يشعر برغبة قوية في ضربه بشده .
هز راسه و تخللت يده المرتجفة شعره .
من السخف ان يؤذي نفسه من اجل فتاة من كانساس .
ضغط مجدداَ على زر المصعد و هو يحتقر نفسه . لم ؟ لم يحصل معه كل هذا ؟
هو , نيكولاس فاروس ,
الذي طالما احتقر رفاقه لعدم تمكنهم من المحافظةعلى عائلاتهم . ما كان ابدا ليتصور ان كل هذا يحدث معه ! والداه لم يتمكنا من البقاء طويلاً معا ً , اما هو فكان مصمماً على الا يحذو حذو رفاقه ووالديه ,
لكن ما جرى خيّب اماله !
بعد ان استمع لسنوات , الى حجج اهله وشكاوى رفاقه , قرر ان بكون زواجه تقليديا . زواج مبني على المنطق !
اخذت نفسه توبخه ساخرة منه ,فيما تردد صدى رفض كالي له في راسه , فراح يصر على أسنانه . تذكر قول جده ان الزواج من عائلة انجليس , زواج ناجح وأبدي . جده الذي أنقذ حين كان في العشرين من العمر , كريستوس انجليس من حادث اصطدام . ومنذ ذاك الحين , أصبحا صديقين عزيزين واقسما على جمع شمل عائلتيهما . في بادئ الامر , ضحك نيكولاس لفكرة الزواج بغريبة من كنساس . ولكنه اقتنع بالفكرة بعد ان راى صورة لها ووجدها جذابة .
ومع انها لم تكن رتئعة الجمال , إلا أن شعرها أسود لمّاع , وعينيها واسعتان , وابتسامتها ساحرة , لكن عليه ان يعترف الان الصورة لم تكن كافيه للحكم عليها !
كانت عائلتاهما قد قدمتا من مدينة كونيوبوتي من اليونان , وتحملان الجذور نفسها وتؤمنان بالمعتقدات نفسها .فضلا عن ذلك , حمع العائلتين وعد , أقسم الجدان على الوفاء به .
لم يطل نيكولاس التفكير في الامر , فهو رجل لطالما اهتم بالمنطق و النظام ,
لذا امتثل اخيراً لرغبة جده .
لقد حالت اعماله دون لقلئه كالي , وقد الغي مواعيد عدة معها ,لانشغاله باسفاره . واكن هذا لا يعني انه لم يعتد فكرة الزواج بها .
وهي قد دخلت الى مكتبه في يوم زفافهما و ضربت بكل مشاريعه المنظمة عرض الحائط .استشاط غيظاً وقال :
"انسه انجليس , لن تنجي بفعلتك !"
وانفتح باب المصعد امامه على مصراعيه فدخل .
-لن يستغرقني الثأر منك الكثير من الوقت , ثلاثة اسابيع ستكون كافيه !
واغلق باب المصعد .
لم توّد كالى التفكير بشئ , لا بوجه خطيبها السابق حين اعلمته برفضها الزواج به ولا باليوم الشاق الذي ينتظرها للعودة الى مدينة كانساس , ناهيك عن افضل طريقة لتوضيب فستان عرس لم تستعمله .
ماذا ستفعل به حين تعود الى المنزل؟ هل ستبيعه ؟
لقد امضت والدتها ساعات وساعات لخيط المئات من حبات الخرز على الياقة والكمين .
حدّقت بالفستان الابيض وشعرت بتانيب الضمير .
كان قبولها الزواج تصرفاً ارعن . كيف قبلت بزواج رتبّه لها جدها ؟
هل فقدت صوابها حين وافقت على ذلك ؟
ضغطت بكل قوتها على الحقيبة ثم قالت لنفسها :
" لا تندمي على ذلك يا كالي انجليس . لم تحبي ذاك الرجل . لم تري الا صورة له حين كان في السابعة عشرة من العمر !
عليا ان تعترف ان الرجل اليافع الذي راته في المكتب , لا يشبه الصورة التي حملها جدها في محفظته لعدة سنوات .
بحسب الجد كريس , زار نيكولاس عائلة انجليس في كونيوبوني في العطلة الصيفية التي سبقت مجيئه للعيش مع كالي وامها زو .
غمغمت قائلة : لعل الابتسامه هي التي جعلت الفرق كبيرا بين شخصه وبين الصورة التي يحملها له كريس !
من المؤكد انه لم يبتسم لها هذا الصباح , حين اقتحمت مكتبه , بدا شاحبا ومختلفا تمام عن الصورة التي راتها مع جدها كريس . لقد عرفت من جدها انه شاب رياضي ,محب للمرح والحياة , شاب لا تفارق الابتسامة وجهه . ربما رفضت سنوات العمل على روح المرح والعفوية اللذين كانا بميزاته .
صرّت على اسنانها وهي تشد بعنف سحاب الحقيبة , قائلة :
"من ثم لا يكفي ان يتكلم جدي كريس عنه بحماسة بالغة , ليكون زوجا مناسبا لي . فالمال و المركز ليسا كل شئ في هذه الدنيا !"
نجحت في اقفال الحقيبة بعد جهد جهيد , وحملتها لتضعها تحت السرير . وفي هذه الاثناء ,رن جرس الهاتف فأجفلها و سقطت الحقيبة من يديها على رجليها .
"آه !"
تجهم وجهها وهي تتسائل عن مصدر المكالمة . من يكون ؟ اهو , او شخص آخر ؟
-لعله فاروس . ربما قرر مناقشة المسألة قبل أن أغادر البلاد .
اتجهت نحو الهاتف وهي تنوي ان تنهي المكالمة فوراً اذا ما كان المتصل السيد فاروس .
-"آلو . ماما ؟ "
-خيم الصمت لثوان ثم سمعت "لا "
-عرفت فورا صاحب الصوت .
انه الرجل القاسي الذي نبذته هذا الصباح .
أجابت متلعثمة :
"آه" سيد فاروس . لا يمكنني الكلام الآن , سافوّت موعد الطائرة ."
لم يكن ما قالته صحيحاً فاسمها على لائحة الانتظار . لأن الرحلات المتجهة الى كانساس محجوزة كلها .
-"لن آخذ من وقتك الكثير ."
اغمضت عينيها واذعنت للامر : حسنا .
وتراءت لها صورة من حياتها وحين اغمضت عينيها توقعت ان تسمع نبرة حادة إلا انها فوجئت بسماع صوت هادئ .
-"كيف يمكنني ان أساعدك ؟ "
-"ولعنت نفسها ما ان تفوهت بهذه الكلمات .
ثم اخذت توبخ نفسها :
هل علىّ ان اغرز السكين في صدره ؟ في النهاية انا من تخلى عنه بكل بساطه "
-وتابع المتصل يقول :
" بما انك مستشارة للأبنيه التاريخية سأكون شاكرا اذا ما بقيتي في كاليفورنيا ثلاثة اسابيع اخرى على ان تقيمي في العقار الذي اشتريته مؤخراً في فيكتوريا "
-"احتاج لخبرتك لتحويله الى مكان سياحي فكما تعلمين كان مشروع التجديد جزءاً من عقد زواجنا "
-وقفت كالي غير مصدقة فيما تابع المتصل يقول :
"يجب ان اجدد المنزل في غضون ستة اشهر لاستقبال اجتماع مهم لذا نحن في سباق مع الوقت " .
هزّت رأسها غير مصدقة . كان يتصرف كزبون عادي , مع انها توقعت منه اي شئ غير هذا التصرف .
كان يتكلم كبواب فندق من دون اي انفعال او تكدّر .
من المؤكد أن الصفقات التجارية لا تكون مشحونة بالمشاعر .
لقد كانت بلهاء حين ظنت ان رفضها الاقتران به سؤثر فيه سلباً .
-لكن السيد فاروس لم يكن غير غاضب فحسب . بل عرض عليها ايضاً مهمة مغرية . ان أحد أسباب موافقتها على الزواج بالسيد فاروس هو انه رجل ذو سلطة ومعارف رفيعي المستوى .
-كلما كان موعد الزفاف يقترب , كان اقتناعها بانه يبحث فيها عن الزوجة المضيفة يترسخ .
وكان يعزّيها التفكير بانها ستحصل منه على الدعم في حياتها المهنية . كان زواجها منه زواج عقل , لامكان فيه للمشاعر والأحاسيس . وكانت تنوي تحويل منزل الفاروس إلى مكان سياحي لتصوّر أشهر المجلات انجازها فتصبح من المشاهير .
-"آنسة انجليس ؟"
-خرجت من دوامة التسؤلات التي جرفتها عند سماعها صوته , فقالت :
"! نعم . ما زلت معك ".
-"ما رأيك إذاً ؟"-
لم تكن تتوقع ان يطلب منها ذلك , لذا لم تعرف بما تجيبه .
رأت انه من الغريب ان تنبذ إمراة رجلاً , لتجده بعد ساعة يعرض عليها عملاً مغرياً .
-"لكن ........ هل انت متأكد ؟"
-"انا مثلك لا املك الكثير من الوقت آنسة انجليس . أمامك دقيقة لتعطيني جواباً , ما رأيك ؟"
-تملكت الحيرة كالي ,فالتفكير بهذا العرض علامة واضحة على انها عاجزة عن ترك هذه الرفصة تفلت من يدها . تنفست بتوتر , وشعرت بتانيب الضمير لعدم التزامها بوعد الزواج الذي قطعته .
بدا لها في غاية التسامح بعرضه هذا , بعد رفضها الفظ له .
هل ستتجرأ على قبوله أو رفضه ؟
كم يبلغ عدد مستشاري البناء الذين ذكروا في مجلة " أركينا كتشيرال دايجست الشهيرة "؟؟ -"أما زلت علىالخط ؟ "
-"نعم , أنا معك . "
راودتها فكرة و أرادت ان تعبّر عنها , فقالت :
" هذا لطف منك ان تعرض علىّ العمل على الرغم من كل ما حصل , لكن ......."
-فقاطعها قائلاً :
" لا تعتقدي يا آنسة انني أقدم لك هذا العرض لأراك .
-"اعدك بأن يكون أي لقاء بيننا قصيراً قدر المستطاع " .
-كيف علم أن هذا ما كانت ستطلبه ؟ هل يقرأ الغيب ؟
بدا لها متسامحاً ,وصاحب حدس قوي .
حسناً , إذا لم يزعجه إخلالها بوعدها , فلم ترفض هذه الفرصة ؟؟
-"في الحقيقة علىّ الذهاب إلى كانساس لحضور مراسم ....... واختفى صوتها , لشدة تأثرها بمصابها الأليم ."
-"أعتقد أن اسبوعاً هو وقت كاف , أعلميني بموعد رحلتك وسوف يستقبلك احدهم في المطار عند عودتك ."
-و انقطع الاتصال .
بعد ثوان أدركت كالي أنه أقفل الخط , بعد ان انهى الكلام عن الصفقة بينهما .
-انتابها دوار و لكنها وجدته محقاً . لمَ ترفض عرضه ؟
تجديد منزل آل فاروس سيكون مفيداً لكليهما حقاً .
وارتمت على كرسي بقربها , وأخذت تحدّق فر الفراغ طويلاً . كان هذا اليوم زفاف فظيع , يوم ملئ بالأسى و الذنب .
لقد حنثت بوعدها إنما بلسان معسول .
لم تسئ يوماً التصرف إلى هذا الحد , فشعرت بالخجل , بدا لها من غير الطبيعي ان يكافئها الرجل نفسه الذي أخطات بحقه .
-لكن سماع صوت السيد فاروس جعلها تفكر , وكأن ما جرى اليوم مضى عليه وقت طويل .
فقد بدا لها يومه حافلاً بالقروض و الديون . وربّما لا يمثل نبذ كالي انجليس له أكثر من هفوة كبيرة , سينجح في ردمها عمّا قريب .
نهضت عن مقعدها واستقامت . فهي الآن لا تملك القوة لتكون متفاجاة بلامبالاه .
رتبت سريرها وحملت حقيبتها .
حان الوق لتعود إلى منزلها وتواسي أمها وتحيي جدها , التحية الأخيرة .
-نظر نيكولاس إلى نفسه في مرآة حمام المكتب . الان و قد خلع بذلة العرس , عليه أن يشعر بالراحة . لكن تعابير وجهه لم تعكس أي شعور بالإرتياح .
-ما إان دخل مكتبه حتى اقفل شارلز سماعة الهاتف ونهض عن كرسيه الجلدي :
" متى ستاتي " ؟ ."
-بدا التعجب على شارلز وأجاب :
" في الأسبوع القادم . قلت لها إن شخصاً سينتظرها في المطار ,كما طلبت مني . "
-أخذ نيكولاس يتمطى , محاولاً إزالة التوتر الذي يشعر به ثم قال :
" إنه الطمع يا شارلز . الطمع والغرور ".
-وصرّ على أسنانه ثم تابع قائلاً :
" ما عليك سوى وضع الطعم المناسب في الصنارة لتصطاد السمكة " .
-جمع شارلز بعض الملفات وحملها , ثم قال :
" ظّنت أنك انت المتكلم , سيدي ".
-والتفت ليواجه رئيسه و قد بدا على ملامح وجهه وكأنه يتهمه .
-"لن تقوم بأي تصرف متهور , أليس كذلك سيدي ؟ "
-لهجة شارلز التحذيرية جعلت نيكولاس يشعر بالإمتعاض .
-"بالطبع لا ! أنوي التخطيط للثأر بحذر ."
-لم يصدق شارلز كلام رئيسه , وازداد شحوب وجهه وقال :
" لكن سيدي لقد جعلت مدير قسم المحاسبة في الشركة يبكي . قد ....... ".
-"لا تكن سخفاً , لم يبك . كان يعاني من حساسية في عينيه . فضلاُ عن هذا , إنه رجل أبله . لقد خسّرنا الملايين لأنه لم يعمل بنصيحتي . "
-وتابع قائلاً :
" سأعلّم الآنسة آنجليس ما الذي يحل بأولئك الذين يخلفون وعدهم لي ".
-تندى جبين شارلز بالعرق , وبدا خائفاً إلى درجة جعلت نيكولاس يشفق عليه . كان مساعده مديراً ممتازاً . لكنه ينزعج من القساوة .
-وضع نيكولاس يده على كتف شارلز و قال :
" لاتقلق يا عزيزي . لن آكل تلك الآنسه حيّة . بل سألقنها درساً بسيطاً ".
-وضحك لكن ابتسامته كانت أشبه بتكشيرة .
-أجفل شارلز بعد أن بدأت قبضة نيكولاس على كتفه تؤلمه .وأبدى انزعاجه فتراجع نيكولاس قليلاً رافعاً يده عن كتفه ,وقال :
" ألا تظن انها تستحق أن نزعجها قليلاً "؟..
-تفرّس في الرجل وقال متجهماً :
"لكانت ردّة فعلك مختلفة لو كنت انت موضع سخرية صحف سان فرانسيسكو !".
2- أفي بوعودي .....
بعد أسبوع ترّجلت كالي من الطائرة في مطار سان فرنسيسكو , وهي لا تملك ادني فكرة عمّا ينتظرها هذا الصباح بمكتب السّيد فاروس لتطلعه على برنامجها ,فأكدت لها عاملة الهاتف انها ستبلغه رسالتها . وهكذا أوكلت إلى شخص غريب مهمة إعلامه بوصولها .
بقيت بعض الشكوك تساورها بشان قبول العرض الّذي تلقته , شكوك لم تجد خلاصاً منها . هل سيتركها تتنتظره في المطار ؟
لم تصدّق ان السيد فاروس رحب الصدر إلى هذا الحد ّ !
سلكت ممراً طويلاً مع الركاب الذين كانوا معها على متن الطائرة .
كان المطار يعج بالناس و يزخر بالحركة و الأصوات الصاخبة . لذا طلب منه استقبالها . هذا , لم تستطع التعرف إلى "الشخص " المناسب الذي طلب منه استقبالها . هذا , إن كان ثمة من جاء حقاً لاستقبالها .
جلست بعيداً عن المسافرين المتحمسين . تتأمل حركة المطار المتواصلة و الناشطة ,
وتتسائل كيف سيجدها مرافقها ؟
أتره رأى الصورة التي بعثت بها إلى السيد فاروس قبل أن يتم ترتيب ذاك الزفاف .
أرخت حمالة حقيبتها عن كتفها ووضعتها على الارض . وأخذت تراجع للمّرة الألف ما جرى معها , أولاً رفضت السيد فاروس ,
من ثم , اتصل بها و عرض عليها فرصة تجديد منزله .
ثم أنهى مكالمته الهاتفيه , قبل أن تعده بالحضورحتى .
وهكذا ظلت حاائرة طوال الأسبوع تفكّر بانه من غير المعقول ان تقبل , ومن غير المعقول أن ترفض .
بحثت عن صور قديمة لمنزل فاروس فبدا لها مذهلاً .
وعرفت ان الوقوف امام هذا المبنى , يخطف الأنفاس .
إن الحصول على هذه الفرصة أشبه بالمشاركة في الألعاب الأولمبية .
لذا , من الصعب رفضها فهي تمثل الفرصة التي حلمت بانتهازها . من جهة اخرى , إنها تدين للسيد فاروس . كانت تعلم أنها ستقوم بعمل جيد , لا , بل رائع . على كل حال , يجب أن يكون عملها رائعاً خاصة أنه يجدر بها التعويض عن إخلالها بوعدها .
وهذا اهم بكثير مما قد يقدمه هذا العمل من دفع لمهنتها .
اعترهتا موجة توتر جديدة و أخذ حذاؤها العالي الكعبين يزعجها , لكن ذلك لم يكن إلا ثمناً قليلاً بعد ما سببته للسيّد فاروس من أذىً . ارتدت ثيابا ً انيقة جداً رغبةً منها في ترك انطباع جيد لديه . ومع أنه وعدها بألا يراها , فقد حرصت على ألاّ يسمع عن مشروعه أو عنها أي تعليق سلبي .
عليها أن تظهر بمظهر المحترف و الخبير من رأسها حتى اخمص قدميها , وألا تتملق في تصرفاتها .
يجب أن يكون كل شئ على أحسن حال . عليها أن تثبت للسيّد فاروس انه لم يخطئ حين وضع ثقته فيها .
اخذت تمشي علّها تخفف الألم الذي سببه لها حذاؤها العالي , وتفرست في كل المارة وقد علت ابتسامة بائسة وجهها , وكأنها تقول لكل واحد منهم :" أرجوك كن من قبل السيد فاروس ".
بعد انتظار دام خمساً وأربعين دقيقة , شعرت بوهن كبير في ساقيها و بألم في عضلات وجهها من جراء ابتسامات المجامله التي وزعتها على المارة . وقفت في آخر جناح الاستقبال و قد بدا المطار خالياً من الوافدين حتى من اؤلئك الذين وصلوا متاخرين .
بقي في المطار عدد قليل من الأشخاص الذين كانوا في طريقهم للخروج . ومع ذلك شعرت كالي بأنها وحيدة , وتمنت لو بقيت جالسهً تنتظر بدلاً من ذرع قاعة الوصول جيئةً وذهاباً .
لم تود التسليم بأن ذاك العرض كان مجرد مزاح , وأن السيد فاروس لم يشأ إعطائها المشروع . بقيت تقدم الحجج لنفسها , آملة أن يأتي أحدهم أخيراً لاستقبالها , ربما هناك زحمة سير أو .......
يمكنها أن تتصل بمكتبه , فهي تحمل الرقم معها . لكن لمَ انتظرت طويلاً قبل أن تبحث عن هاتف ؟
لم لم تشترِهاتفاً خلوياً بعد ؟
الكل يحمل اليوم هاتفاً خلوياً . هذا ما وعدت مفسها بشرائه ما إن تحصل على هذا العمل أو ...... هذا المزاح ؟ .
تنهدت وهي تفكر :
" ماذا لو أتى احدهم لاصطحابها و لم يعرف انها هي صاحبة الصورة ؟".
كان شعرها أقصر في الصورة .
ربما كان علىّ أن احمل لافتة اكتب عليها انني كالي آنجليس .
مامن داع لذلك !
سمعت صوتاً ذكورياً من خلفها يجيبها فأجفلت .
كان صاحب الصوت رجلاً طويل القامه , قوي البنية , ذا شعر لمّاع أشبه بهالة من النور , تحت أشعة الشمس .
أما وجهه فبارز القسمات غطت نظارات شمسية عينيه فودّت لو ترى تعبيرهما , لاسيما ان ابتسامته عكست رهافة إحساسه . و بدا لها من ابتسامته انه يستلطفها و يستغربها في آن معاً . ربما غيّر برنامجه لياتي لاإصطحابها .
قال لها بنبرة متكاسلة :" جئت لاصطحبك آنسة أنجليس ".
بدت نبرته ساخرة مغرية . و اقتنعت بانه اتى فعلا من قبل السيد فاروس ,بعد ان لاحظت ملابسه البسيطة , سروال جينز و حذاءً عملياً .
بدا لها وكانه يقول :" هذا ما أنا عليه , عليك ان تعتادي على ذلك !".
شعرت بالتقدير لما هو عليه , فقد كان بعيداً كل البعد عن ما توقعته . تنحنح , و مع انها لم تر عينيه , إلا انها
رات أن السخط بدا يغلب على التسلية البادية على شفتيه .
بدا لها أنه يتوقع منها جواباً وجواباً سريعاً
غمغمت متاخرة :
"سائقي ؟ شكراً جزيلاً !".
انه لمن دواعي سروري .
وحمل حقيبتها مقطباً جبينه , فعرفت أنها ليست الحقيقة .
"اعتقدت أن أحداً لن ياتي لاصطحابي , لقد تأخرت كثيراً ."
"حقاً . ربما لم أحصل على الوقت المحدد لوصول الطائرة ."
و أشار الى الإتجاه الذي سيسلكانه و سبقها حاملاً حقيبتها .
"أخيراً جئت , وهذا ما يهم . اعتقد أنك ستقلني إلى منزل السيد فاروس ."
ا"عتقاد صائب ."
بدت تعابير وجهها ناقمة على تصرفه الفظ ,
لكنه لم يتنبه لذلك لانه أشاح بنظره عنها . مشى بخطوات واسعة ,
فاضطرت للركض لتلحق به . وكان ذلك أشبه بالعذاب لشدة ما آلمتها رجلاها .
"هل من داع للعجلة ؟ "
لم ينظر إليها أو يخفف من سرعته , فنظرت إليه بحنق وقالت :
" حقاً؟ وكيف كنّا لنمشي لو اننا على عجلة من أمرنا ؟".
ولكن حين ألقى نظرة خاطفة عليها , خفف من سرعته و سلها مستفهماً :
" هل امشي بسرعة كبيرة ؟".
"لا, بالنسبة لمباراة ماراثون . ولكن اذا اردت ألاّ تضيعني في المطار , فعليك ان تخفف من سرعتك . هذه ليست أحذية رياضية . "
وشارت إلى الحذاء العالي الكعبين الذي تنتعله و قد بدت امارات اللوم على وجهها .
لم يكلف نفسه عناء النظر إلى رجليها , ولكنها لاحظت تعابير وجهه .
"عفواً ."
خفف من سرعته قليلاً , فكان ذلك مثالاً واضحاً على الاهتمام البسيط الذي يوليه لمشاعرها . فقالت وهي تعدو بأقصى سرعتها لتتمكن من المشي بقربه :
" هكذا أفضل بكثير , شكراً ."
"أهلاً ."
قطبت جبينها .خرجت كلمة ( أهلاً ) من فمه وكأنها (إذهبي إلى الجحيم ).
قالت وهي تلهث ككلب بائس :
" علينا أن نحضر الحقائب , هل تعرف الطريق ؟".
نظر إليها نظرة جافة او بالأحرى اعتقدت ذلك , لكنه لم ينبس بكلمة , وانعطف في سيره فتبعته .
سألته محاولة بدء حديث معه :
" إذاً ماذا تفعل في الحياة غير ملاقاة الوافدين في المطارات ؟".
" اهتم باموري الخاصة ".
اجفلها جوابه ولكنها حافظت على توازنها خوفاً من ان تقع . امسكت بمعصمه فوجدته قوياً مليئاً بالرجولة . لم تكن تتوقع شيئاً من جراء لمسه , لكنه ترك فيها أثراً كبيراً . قالت وكانها تنذره بفصله من مركزه :
" اعتقد انك تعمل لحساب السيد فاروس ".
وإذ لم يجبها ,تابعت تقول :
" لانه يجب ان يعرف كيف تتعامل مع الناس !".
توقف مرافقها فجاة , فكادت تصطدم به .
تراجعت إلى الخلف بعد أن التفت ال يدها التي تمسك بذراعه بإحكام , فأبعدها بحركة خفيفة من معصمه , ثم نظر إلى حقائب السفر وأشار إلى واحدة منها قائلاً :
" احملي حقيبة منها , آنسة آنجليس !".
امسكت بالحقيبة :
" لن يكون ذلك بالأمر الصعب . ثمة واحدة بعد !".
"سأحملها لك سيدتي . "
ونظر إليها نظرة ملؤها الاستهزاء ثم أشاح بنظره عنها .
قطبت جبينها وقررت ألا تتفوه بأي كلمة مثله .وبعد بضع دقائق , كانت تجلس في سيارة رياضية , بالكاد تتسع لهما و للحقائب .
ما إن بدات السيارة بالتوجه شمالاً حتى راحت كالي تتساءل عن هذا الشاب الذي أوكلت إليه مهمة اصطحابها إلى منزل آل فاروس البعيد .
فتمنت ألا يكون المنزل بعيدا جداً , فمرافقة شخص نكد هو آخر ما تتمناه . أسندت رأسها إلى مسند مقعدها رغبة منها في الاستمتاع بالنسيم البارد الذي يدغدغها , وبأشعة الشمس , وبعد قليل ,ادركت أنهما يمران بالغولدن غابت بريدج , ذاك الجسر الذائع الصيت في العالم , فاستقامت في جلستها لتنظر الى المشهد الرائع للمحيط و المنحدرات الصخرية غرباً .
اما في الشرق , فكانت الهضاب الخضراء تنتشر في كل مكان . فيما امتد تحتهما خليج سان فرنسيسكو باحواضه المزدحمة بالمراكب , التي تمخر عباب مياه الخليج الزرقاء .
تنشقت رائحة البحر فسرها شعور النشوة الذي أحست به , من جراء ذلك . لكن ابتسامتها اختفت حين نظرت الى مرافقها العابس .
لاحظت ان النسيم عبث بشعره الذي كان مسرحاً باناقة فتدلت خصل منه وغطت جبينه . كانت شمس بعد الظهر تضئ وجهه , فلم تستطع كالي إلا ان تعترف بوسامته الفائقة على الرغم من تعابير وجهه المشاكسة .
بدا لها قوياً , مفعماً بالرجولة , فجذبها ذلك وجعلها تشعر بالاضظراب في الوقت عينه .
لسوء الحظ , وعلى الرغم من انه نكد وكثير التذمر , سرت في جسدها رعشات من جراء الانجذاب الذي شعرت به نحوه .
ازعجها ذاك الشعور الذي اجتاحها للحظة عارمة .
لِمَ تجده مغريا ؟ فقد كان فظاً وعابس الوجه . استقامت في جلستها وفكرت في تبادل الحديث معه مرة اخرى . فقد فضلت ذلك على تأمل لمعان شعره أو قسمات وجهه الجذابة .
"سيارة جيدة , هل هي لك ؟ "
"لا .انها احدى سيارات السيد فاروس "
اومات براسها بعد أن اقتنعت بكلامه , فالقليل القليل من الناس قادر على شراء سيارة فخمة كهذه .
"إذاً انت السائق ؟"
"أحياناً ."
سالته محاولة إثارة غضبه :
" حين لا تكون مشغولاً بإلقاء محاضرات عن التعامل بلباقةمع الآخرين ".
لم تعرف لِمَ رغبت في ذلك , ربما لانه يستطيع إثارة غضبها بسهولة
لكنها لم تفلح في ذلك , فقد أبقى تركيزه على الطريق أمامه . لا, ليس تماماً ,فقد ثنى ذراعاً . وتسائلت عمّا اذا كان ذلك يعني انه يشعر بتشنج من جراء امساكه المقود باحكام . حسنا ! اذا كان ينوي اثارة غضبها فسترد له الصاع صاعين .
"هل لديك اسم ؟ أم انك انسان آلي مع مشكلة فنيّة في برامجك ؟ "
قطب جبينه لسماع الكلام الموجه اليه , فيما التفتت هي نحوه , فأعجبت بالضوء و الظلال على قسمات وجهه الحاده . ولكن ما ان انتبهت الى افتتنها به , حتى حولّت ناظريها عنه نحو الطريق .وإذ لم يجب , لم تجد امامها من سبيل إلا النظر مجدداً ومعاودة طرح سؤالها بصوت اعلى
": سالتك هل تملك اسماً أو ..............".
"سمعتك آنسة آنجليس ."
بقيت تحدق فيه من دون أن تنبس بكلمة . أن اختار أن يكون فظاً فهذه مشكلته . وهي لا تأبه أن كان يملك اسماً أم لا يملك .
وبعد مرور وقت طويل , أجفلتها اجابته :
" بعض الناس يدعونني بيال ".
وحين افاقت من الدهشة التي تملكتها بعد ان تكلم معها , أخذت تتأمله :
" هل انت جاد ؟ لا يليق هذا الاسم بشخصيتك النكده !".
لم يجبها بل تابع القيادة بهدوء .
بال ؟
لم يكن اسمه يتطابق مع الصورة البغيضة التي كونتها عنه .
قررت ان تبحث عن المعاني المحتمله لاسم بال , بصوت مرتفع .
"ثمة معنى واحد يمكننا استثناؤه من قائمة معاني اسمك , وهوالرفيق .
لكن لا تطلب مني ان افسر لك لما استثنيت هذا المعنى . "
ارادت ان تختلس النظر اليه لترى ردة فعله , لكنها قاومت رغبتها .
أخذت تفكر ملياً لتجد الدافع وراء اعطائه هذا الاسم , ثم حدقت فيه :
" لنر .... انها مهمة صعبة . هلا ساعدتني في ذلك ؟".
كانت ردة فعله الوحيدة على كلامها ان ضبط المرآة واندس بين صفوف السيارات . ما معنى ذلك ؟ الإسراع للتخلص منها في اسرع وقت ممكن ؟
شعرت بالدم يتدفق سريعا نحو راسها .
"حسناً وجدتها ! "
طقطقت اصابعها ونظرت اليه ثم قالت :
" لقد اطلقت عليك هذا اللقب تيمناً بسرطان النخيل ! والاسباب هى انك شخص تافه ,جدير بالازدراء , بائس و**** ,متلاعب ووضيع !".
ابتسمت ابتسامه عريضة , وهي تشعر بالاعتزاز لاكتشافها هذا .
وسالته بنغمة فيها شئ من المرح :
" هل انا على حق ؟".
"**** وجدير بالازدراء ؟"
بقي يحدق فيها لحظة وهو يقود السيارة فبادرته بالقول :
" لا , ليس هذا ما عنيته تماما . كل ما عنيته هو انك شخص تافه !".
"يال هو تصغير ياليكاراكي , وهو اسم اطلقه علىّ جدي ."
"ياليكاراكي؟"
وتحولت ابتسامة كالى الى تجهم .
"لكن هذا اسم يوناني ويعني بطلاً صغيراً !"
كانت السيارة تعبر طريقا شديدة الانحدار , وسط غابة من أشجار الصنوبر والبلوط و السنديان . وكان راس سائقها يتمايل يميناً و يساراً .
قالت مجدداً :" بطل صغير . حسناً , من دون التطرق الى ما تزعمه عن جدك , هل هذا يعني انك يوناني الاصل ".
نظرت اليه بدهشة و ايقنت انه ليس منالغريب ان يستخدم السيد فاروس اشخاصا يوناني الاصل . لعل اليونانيين كثر في كاليفورنيا .
واذا كان السيد فاروس قد اقتنع بالزواج بامراة لا يعرفها , لمجرد انها يونانية , فلا عجب ان يستخدم اناساً يونانيين . وهذا يفسر اختياره شخصاً كبال ليعمل لحسابه , فقط لأنه يحمل الجنسية اليونانية !!
" اعتقدت انكِ ستعرفين المعنى الصحيح لإسمي سريعاً .... لقد خيّبتِ آملي ."!!
استشاطت غيظاً لسخريته , فقالت :
" خيّبت آمالك ؟؟ حسناً , دعني اخبرك عن خيبة املي ."!!!
توقفت السيارة امام بوابة من الحديد جميلة ومزخرفة . كانت الورود تزينها ومصابيح من الحديد تنتشر على جانبيها ..
لاحظت كالي ان بال التفت الى اليسار , فلاحقت نظراته , لكنها لم تر شيئاً في بادئ الامر .
وبعد ان امعنت النظر لدقيقة , لاحظت كاميرا صغيرة مخبأة بين اغصان الاشجار ...
تفاجأت كالي حين رأت البوابة تفتح من دون ان يتفوه نيكولاس بأي كلمة ,, فسألته عما ااذا كان لديهم صورة لكل موظف في الشركة ..
لكنه لم يجبها بل تابع اجتياز البوابة التي فتحت امامه , فيما نظرت هي الى الخلف لترى كيف اقفلت البوابة لتمنع الآخرين من االدخول الى هذه الممتلكات ..
" هل ذكرتِ شيئاً عن خيبة الأمل آنسة انجليس ؟؟."
ذعرت لطرحه السؤال , وتسائلت عن السبب الذي يجعل هذا الرجل يشعرها وكأنها على شفير نوبة غضب عارمة ....
" خيبة الامل ؟."
هزت رأسها محاولة اعادة التركيز . وذكرها منظر البوابة الفخم بسبب وجودها هنا . فشعرت بالإثارة للفكرة وذلك لاول مرة منذ .......
حسناً بعد العرض الذي تلقته من محامي السيد فاروس لإعادة تجديد هذه الملكية , وبعد عدولها عن مشروع الزواج ...
وشعرت بغصة في حلقها حين تذكرت انها كانت مقتنعة بتلك الفكرة السخيفة , وانها كادت تندم على زواج رتبه لها جدها ..
" آآه , حسناً ... خيبة الامل ."
جاهدت لترى من خلال الاشجار .. لكن ,, لمِ العجلة ؟
فعما قريب سترى المنزل .
بدأت نبضات قلبها تتسارع ونظرت باستياء الى بال ...
قريباً سوف تتخلص من مرافقها المزعج ...
" حسناً ,س أخبرك ما هي خيبة الامل !!
خيبة الامل هي ان ياتي شخص فظ و نكد ليقلك من المطار ..
خيبة الامل هي ان تمضي ساعتين طويلتين برفقة شخص نزق .. سريع الغضب .. وخيبة الامل الفعلية هي ان تكتشف ان هذا الشخص النكد هو يوناني بخلاف اليونانيين الظرفاءو اللطفاء !!!. "
استمرت في تصويب سهامها نحوه والتفتت اليه آملة ان يضايقه تعليقها العدواني قليلاً ... ثم ضربته ضربة قوية على كتفه وقالت :
" هذه هي خيبة الامل الحقيقية ,, هذه قمة خيبةالامل !!!!..."
وانعطفت بهما السيارة , فرأت كالي لمحة من الالوان لا تشكل جزءاً من الخضرار الذي يطغى على المكان ..
امعنت النظر فوجدت انها ازهار وورود زكية الرائحة ,, اشبه بجنة على الارض ...
اخذت نفساً عميقاً وتملكها شعور جارف وحار , فأدركت انه الحب من النظرة الاولى ..
كان شكل البيت اشبه ببيوت الف ليلة وليللة ,,
عبارة عن زواج رومانسي بين القرميد و الحجارة وا لخشب .....
بدا لها المنزل غاية في الروعة من سقفه فنوافذه الى ابوابة المزخرفة و شرفاته الحجرية و برجه الشامخ .. كان فريداً من نوعه و غريباً ....
تنهدت وهي تشعر برغبة جامحة و قوية للبدء بالعمل ..
" هناك الكثير .. الكثير ...... "
واختفى صوتها .... لم يكن المنزل بالنسبة الى كالي مجرد مزيج من الجص و الخشب و الحجر ....
بل بدا لها كياناً ,, وكياناً حياً يتنفس ...
كائناً يملك روحاً وطبعاً خاصاً به ...
لكن سوء اختيار الالوان والاضافات التي الحقت به شوهت جماله قليلاً ...
وجدت كالي في فرصة المحافظة على تلك الثروة واعادتها الى ما كانت عليه فرصة يحلم بها كل من يعمل في مجالها ,, لذا اخذت تفكر بالدافع الذي حمل السيد فاروس على ايكال تلك المهمة لها ...
بدأت صورة المنزل ترتجف امام عينيها الى ان اصبحت غير واضحة , وفيما كان مرافقها يركن السيارة اغرورقت عيناها بدموع تقرُّ بالجميل .
" ارى ان المنزل هو قمة خيبة الامل ؟!! ".
ملاحظته الساخرة جعلت الدموع تنهمر من عينيها من دون ان تشعر بالاحراج لانها تبكي امامه ...
ثمة اشياء لا يستطيع المرء ان يمنع نفسه من التأثر بها ...
استند الى مقعده ووضع يده حول مقعدها وقال:
" اعتقدت انكِ تعرفين انني هنا !! ."
وتابع يقول بسخرية :
" انا اسف .."
ادارت ظهرها له واخذت تنظر الى المنزل .
كانت يداها ترتجفان من الغيظ واخذت تتخلل شعرها باصابعها .
ثم التفتت نحوه و قالت :
" عليك ان تكون آسفاً ... ساجيب عن سؤالك ...
المنزل لا يخيب الآمال ... انه رائع ..وانا متأثرة حقاً لأن السيد فاروس اختارني لتجديدة .. انه مثال للجمال الفطري , وسيغدو عملاً فنياً رائعاً اذا ما عملت عليه بعين مبدعة , وعين تعنى بالفن الرفيع ."
رفع ذقنه في دلالة واضحة على انه ينظر الى المنزل الذي يقع في مكان ما خلفها .. نظرت اليه باستياء ,,
لمِ ازعجت نفسها بالتفسير ؟
لم يكن يستمع الى ما تقوله . فضلاً عن ذلك . كف لسائق عديم الاحساس ان يفهم كيف يحرك الجمال حس الفنان المرهف وروحه المبدعه ..
" حسناً .. "
هزت راسها واشارت الى مؤخرة السيارة ثم قالت :
" افتح لي الصندوق لاخرج حقائبي . لا ارغب في تمضية المزيد من الوقت معك .."
" سانقل لكِ الحقائب بنفسي يا آنسة ."
تناهى اليها صوت رجل من خلفها . فاتفتت لترى خادماً ابيض الشعر يرتدي بذلة سوداء ويقف عند السلم الذي يؤدي الى المدخل المقنطر .
كان الخادم يلبس قفازين و الابتسامة على محياه .. سمعت كالي صندوق السيارة ينفتح ..
ومن دون ان ينتظر الخادم الامر لاخراج الحقائب , اتجه بخطوات ثابتة الى صندوق السيارة .. اندفعت كالي خارج السيارة محاولة مدّ يد العون لحمل حقلئبها .. وانتابتها رغبة جامحة في النظر مجدداً الى .....
لكنها ادركت ان تلك الرغبة حمقاء , فقاومتها عبر الخروج من السيارة المكشوفة ..
ما ان اغلقت السيارة حتى ظهر رجل آخر ,, كان هذا الاخير طويلاً ونحيلاً يرتدي بذلة داكنة اللون و ربطة عنق خضراء بلون البحر , يحمل حقيبة جلدية سوداء ..
شعرت كالي وكأنها تعرفه . وما ان التقت عيناهما حتى عرفته جيداً ,,
كان هو !!
عرفت من نظراته اين رأته نم قبل ,, واخذت تلهث وهي توجه اصبع الاتهام نحوه :
" لكنك قلت انك لن تكون هنا !! ."
لم ترق لها نبرة الذعر التي ظهرت في صوتها .. ارادت ان تبدو قوية ,
وادركت ان اصبعها بقيت موجهة نحوه ,
فاعترفت بغباء تصرفهاهذا .
انزلت اصبعها وجاهدت لتمنع شفتها السفلى من الارتجاف . شعرت ان تصرفها مع السيد فاروس تصرف احمق وحاولت استعادة رباطة جأشها . فأخذت نفساً عميقاً ....
" سأغادر ... سأغادر على الفور ..."
نزل الرجل الذي سبق لها ان نبذته من على السلم ...وشعرت كالي بانها ****ة .. كيف تجرأت على رفع صوتها في وجه ذلك الرجل , بعد ان عرض عليها هذه الوظيفة الرائعة ؟
اسرعت كالي تلحق به وامسكت بيده قائلة :
" سيد فاروس , لابد انك تظنني امرأة سليطة اللسان وناكرة للجميل ّّ."
وتابعت تقول :
" شكراً جزيلاً على هذه الفرصة التي منحتني اياها ,, سأبذل قصارى جهدي لاجعل منمنزلك تحفة فنية ,, انا متأثرة لوجودي هنا ..
انت لطيف جدا و لن انسى لكَ ذلكَ ابداً .."
قاطعهما بال قائلاً :
" آنسة انجليس , من فضلكِ دعي مساعدي يذهب , لديه برنامج عمل حافل ."
افلتت كالي يد الرجل , وفتحت فمها لتسأل بال عمّا يقوله ..
لكن هذا الاخير التفت الى ارجل الشاحب و قال له :
" شارلز , لقد تركت عقود الماغتاسون على مكتبي ,, ارسلها لأصحابها بعد الظهر .."
" نعم سيدي .."
واستدار الرجل فالقى نظرة خاطفة على كالي ومن ثم على بال فكالي.
امسك بال بمفاتيح السيارة ليعطيها لشارلز , لكن كالي قبضت على يد شارلز بكل قوتها , فنظر اليها بال بغضب قائلاً :
" لا تعيقي دورته الدموية آنسة انجليس .. شارلز بحاجة الى اصابعه . فهو يطبع مئة كلمة في الدقيقة ."
ونزع بال نظارته الشمسية ليكشف عن عينين رماديتين بلون الدخان خطفت تلك العينان انفاسها وسمرتها في مكانها ,.,
اما هو فالتفت نحو كبير الخدم قائلاً :
" خذ حقائب السيدة انجليس الى الداخل , بلكين !
فهي منزعجة لوقوفها هنا ."
خرجت كلماته من بين شفتين شعرت كالي انهما مفعمتان بالاحاسيس ,
اجمل شفتين رأتهما في حياتها ,, وكانت ردة فعلها على ما يجري الصـمـــــــــــــــت ......
" لكن ما ... ما الذي يجري ؟ أليس ........؟ الستِ ............؟ "
" لا يا سيدتي , انا شارلز ايرالي , لقد سرني لقاؤكِ ."
" " لكن , لكن ........ "
واخذت تحدق ببال مذهولة ,, بدت ا الحقيقة ابعد ما يمكن عن الحقيقة :
" لكن , لا يمكن ان تكون ........." .
احنى بال رأسه وكأنه يقدم نفسه في حفل رسمي :
" نيكولاس فاروس في خدمتكِ ."
وبقي يبتسم ابتسامة عريضة وهو يدس مفاتيح السيارة في جيب معطف شارلز , وقال :
" انه لمن دواعي سروري ان التقي بكِ اخيراً .."
شعرت كالي بغطرسته وسخريته اللاذعة .
لقد تلاعب بها , واعجبه ذلك .
ما دام نيكولاس فاروس هو بال , فلا شك ان حياتهما الزوجية كانت ستغدو اشبه بالوقوف على سلك كهربائي قاتل ...
قطع عليها تأملاتها حين امسك بيدها وقال :
" اسمحي لي ان اقودكِ الى غرفتكِ !!."
حاولت افلات يدها نم يده , وهي تتلمس ما حولها بعد ان افقدتها المفاجأة توازنها ..
" لقد قطعت لي وعداً بالا تكون هنا ! .."
توقف نيكولاس وقال مصححاً :
" في الواقع شارلز هو من قطع لكِ هذا الوعد ."
وتابع يقول :
" ما دمت تكلمين عن الوعود والوفاء بالوعود , لقد قطعتِ وعداً بأن تتزوجيني , فلماذا ما زلتِ الآنسة انجليس ."؟
انتاب كالي دوار لدى سماعها تعليقه الفظ ولم تستطع التقاط انفاسها ..لا ,, لن ينجح ذلك ,
لا تستطيع البقاء هنا !
فتوقفت وقالت بصوت منخفض :
" هذا مستحيل يا سيد فاروس ."
لعل فؤاد خطيبها السابق لم يتحطم من جراء رفضها له , لكنه بدا متعطشاً للثأر منها ....
" لن ... لا استطيع البقاء هنا نظراً الى الظروف ."
تغيرت ملامح نيكولاس .. من ثم علاها الغموض :
" القرار قراركِ بالطبع !! ."
وتابع متشدقاً :
" ان معظم الذين يعملون في مجالكِ يفضلون الجحيم على الارض للحصول على فرصة مماثلة !!
انظري اليه من جديد آنسة انجليس وقولي لي , الستُ على حق .؟"
لم تكن بحاجة الى النظر اليه . كانت تعرف انه على حق . اذ لم تر في حياتها منزلاً بهذه الروعة ,
شعرت بحجم الخسارة الكبيرة التي ستمنى بها اذا ما تراجعت عن القبول بهذا العرض .
فهزت رأسها وتمنت لو انها في مكان آخر ,
لكن عليها ان تتلقى جزاء ما فعلته ..
" ما دمت تكرهني , فلماذا عرضت عليّ وظيفة رائعة ؟".
" الامر بسيط آنسة انجليس ........
كان وقع كلماته اشبه بوقع سكين حاد بين ضلوعها ...
" لأنني أفي بوعودي ."
3- جهنم على الارض
لم يكتف نيكولاس بالسخرية الاذعة التي وجهها الى خطيبته السابقة بل بقي يتأمل ذهولها وهو غير راض عما آل اليه الامر.
فتحت كالي فمها ولكن قبل ان تنبس بكلمة امسك بمرفقها وحثها على التوجه نحو القبو
- لكن سيد فاروس. على فكرة.....
قاطعها مصرا على متابعة مشروعه في تلقين خطيبته المتقلبة المزاج درسا عن النكث بالوعود.
- اشكرك على الاعتذارات التي وجهتها الي.
واجفل حين نزعت يدها بقوة من يده واستدارت لتواجهه.
- هل ستبقى هنا طوال الوقت؟
كانت عيناها تقدحان شررا وعدائية. ومع ان وجهها كان جميلا الا ان نيكولاس بدأ يعتاد على التصميم الحديدي على ملامحها اما شعرها الاسود المتموج فبدا براقا يخلق هالة سوداء قاتمة حول وجهها المتورد.
بدت مخبولة بعض الشيئ ولكن ردة فعله الغاضبة جعلته يبدو اكثر عدائية. لم تعجبه تلك المرأة. لعلها جذابة الا انها متقلبة ولا يمكن ان تكون محط ثقة فيما يخص الالتزام بالوعود المهمة وقد سبب له هذا العيب فيها الاحراج الشديد فالجميع يسخر منه في المدينة منذ ذلك الوقت ويشيرون اليه على انه العريس الذي تركته عروسه عند المذبح
سألته: " حسنا. هل تنوي البقاء هنا؟"
دس نيكولاس يده في جيبه بعدم اكتراث واجاب:" الا تذكرين؟ انا في عطلة"
- الا تملك مكانا اخر تقيم فيه في المدينة؟
جاء صوتها حدا عالي النبرة. بدأ التوتر يظهر عليها من جراء كل هذه الاحداث مما جعل نيكولاس يشعر بالسرور الحاقد.
- يحتاج مكان اقامتي في المدينة الى التصليح. سأبقى هنا مدة.
- مدة؟
- ثلاث اسابيع.
كان يضحك لتعابير الرعب التي ظهرت على وجهها.
-لكن...لكن هذه مدة طويلة.
وانقطع صوتها قبل ان تكمل كلامها. كان كلاهما يعلم انها ستضطر للبقاء هنا مدة ثلاث اسابيع. نظر اليها وهي تتنحنح محاولة ان تتكلم بصوت قوي لا يعكس طبيعة ما تشعر به.
قالت اخيرا بصوت خافت: " لقد كذبت علي!"
فأجابها متصنعا اكثر التعابير براءة: " حقا؟"
- نعم حين قلت انك لن تكون هنا. لقد كذبت1
- شارلز هو قال لك انه لن يكون هنا؟
- لكنه...لكنك...جعلتماني اعتقدان....
-ما تعتقدينه ليس غلطتي آنسة انجليس.
نظرت اليه بدهشة واتسعت عيناها اذ راودتها فكرة بغيضة.
- وهل تعتقد انك بحاجة لمراقبتي؟ الهذا السبب تبقى هنا؟ الا تثق بقدرتي على القيام بهذا العمل؟
لم يكن هذا السبب الحقيقي ولكنه استحسن الفكرة.
- ولما لا اقوم بذلك مادمت قد نكثت بوعدك من قبل؟
فتحت فمها لكنها لم تستطع التفوه بكلمة. كما ان نيكولاس لم يتح لها الفرصة اذ بادرها قائلا: " في الواقع هذا المنز رائع فلم لا ابقى فيه؟ كنت انوي قضاء شهر العسل فيه"
سمع انينها الخافت فعرف انه جرحها.
- هذا....هذا سيئ!
حاولت المحافظة على رباطة جأشها وتفادي دوار الم بها.
- لا يمكنني تحنل اهاناتك ثلاثة اسابيع .
سمعت كبير الخدم ينزل فبادرته حين غدا على مقربة منها : " ارجوك انزل الحقائب من جديد. سأغادر في الحال"
- انت تتهربين مجددا.
-اتهرب؟؟ كيف تجرؤ على قول ذلك! لا انا لا اتهرب! كل ما في المر هو انني لن اسمح لك بأن تجعلني موضع سخريتك. واذا كنت تعتقد اني سأبقى فأنت مخبول.
-لا لم اعتقد ذلك
كن يكذب فهو يعرف جيدا ما قد تفعله. بقي يحدق فيها وهي تهدد وتتوعد ربما استطاعت ان تتهرب منه ومن الزواج به ولكنها لم تكن قد التقته حين تراجعت عن الزواج به وهذا ما حملها على القيام بذلك. اما فيما يخص عملها فالامر مختلف تماما. وهي ما كانت لتتهرب من اداء عملها فهي متحمسة جدا له ويدرك نيكولاس ذلك جيدا بعد التحريات التي قام بها.
تمتمت تقول: " لا شيئ, لا هذا المنزل ولا اي منزل.... من الافضل ان تعرضه للبيع...."
وقبل ان تكمل كلامها اجفلت وتحول تعبير وجهها الحزين الى اشمئزاز شديد ين لاحظت الضرر الكبير الذي لحق بالمنزل واصوله الفكيتورية الباعثة على الفخر.
فقد طليت ارضه الخشبية باللونين الاخضر والاصفر فبدت كرقعة الداما. اما ورق الجدران فكان منقطا فيما تتدلى من السقف كرات بلاستيكية صفراء لتنير المكان ولاحظت خافها طاولة غير متناسقة.
غطت كالي فمها بكلتا يديها حين استدارت. وتأملها نيكولاس وهي تلقي نظرة عجلى الى حائط جانبي. رأت طاولة مستديرة مصنوعة من الخشب تتوسط بابين يعلوها مصباح كهربائي مروع يشبه لمبة كهربائية كبيره. عضت كالي على شفتيها حين استدارت لترى جدارا اخر علقت عليه ساعة مستطيلة صفراء اللون بحجم صينية.
لم تكن العقارب تتوسط تلك الساعة وعقرب الثواني الاحلر يتدلا. شعر نيكولاس ان حركة ذاك العقرب تدوي في رأسهاولاحظ تعابير وجهها المضطربة.
كانت تعابير وجهها تشير بوضوح الى انها تشعر بدوار رهيب ورغبة قوية في انقاذ المكان من التشوه الكبير الذي لحق به.
قال لها بطريقة ساخرة: " جميل اليس كذلك؟ يروق لي خاصة لون ورق الجدران الرصاصي "
اجابته بتذمر: " اه يا عزيزي انه رهيب""
-لكن هل هو رهيب بما يكفي لتتحملي الاسر في جهنم على الارض؟
ادارت ظهرها له حانية كتفيها قليلا. شعر باضطرابها فمنحها وقتا قصيرا لتعي ان خلف هذا الديكور المريع تحفة فنية تطلب النجدة ليحررها احدهم . كاد يسمع ما تفكر فيه: " علي ان انقذ هذا المنزل..علي ان انقذه"
وزم شفتيه ليخفي تكشيرة لاذعة.
وقع اقدام كبير الخدم جعل نيكولاس ينظر مجددا الى السلم. كان الرجل في بذلته الرسمية ينزل السلم حاملا حقيبة سفر وحقيبة يد.
نظر نيكولاس الى خطيبته السابقة التي بدت قلقة كانت قد سمعت هي ايضا وقع اقدام كبير الخدم فالتفتت اليه. بقي نيكولاس ينتظر صامتا فمن الافضل الا تتذكر الان وجوده غير المحبب لتسير الامور كما خطط لها. عليها ان تفكر بالمنزل وبالمنزل فحسب.
-آه اعتقد....
اخذ نيكولا س يراقبها وهي تستقيم في وقفتها.
-في الواقع انا اسفة.
والتفتت الى السلم متوجهة بالكلام الى رئيس الخدم
-اعتقد انني سأبقى هنا.
واسرعت تصعد السلم وامسكت بالحقائب ثم قالت: " هلا ارشدتني الى غرفتي"
نظر كبير الخدم الى مديره مستغربا فأومأ نيكولاس برأسه وهو يشعر بالرضا وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه.
افرغت كالي محتويات حقائبها وذرعت الغرفة جيئة وذهابا بين حقيبتها وخزانة الالبسة الصفراء ذات السقف الالمنيوم والادراج الخيزرانية . وفيما كانت تعمل اخذت تحدث نفسها: " ثلاثة اسابيع؟ قبلت ان تسكني مع رجلا يبدو جليا انه يكرهك لثلاثة اسابيع وتحت سقف واحد؟ لم لا تستعملين دماغك كالي لتمنعي جمجمتك من الانفجار؟"
بعد تعنيف بينها وبين المنطق والعقل وضعت حدا لشجار كان على وشك ان يولد. لكنه كان على حق حين قال ان ثلاثة اسابيع في جحيم على الارض يمكن تحملها لقاء فرصة تحويل هذا الميراث الفيكتوري الى تحفة فنية يتكلم عنها التاريخ.
لكن لا تنسي يا كالي هذا الرجل يكرهك وينوي ان يحول حياتك الى حياة بائسة. هل انت جاهزة لذلك؟
لا اعلم..لا اعلم دعوني وشأني!
القت بنفسها على السرير وغمغمت تقولك: " اعرف انه يكرهني ويريد ان يعذبني لانني عدلت عن رأي ليلة الزفاف لكن......."
اخذت تتأمل غرفتها بسقفها الذي كان يرتفع اربع عشرة قدما. كانت هذه الغرفة جميلة فيما مضى. فما زالت نوافذها تحمل الالواح الزجاجية السميكة نفسها كما رأت الالواح الخشبية التي كانت تغطي الارضية, داخل خزانة الالبسة. اما الارضية فمغطاة حاليا ببساط اخضر عليه رسوم غير متناسقة. ويحيط بالجدران الداخلية خشب من الطراز الفكتوري. وهي مزخرفة بطريقة جميلة لكن الطلاء الرمادي الضارب الى الخضرة الذي طليت به الجدران يخفي روعتها وجمالها.
تعرف كالي ان الخمسينيات كانت سنوات استكشاف الفضاء. وقد شغفت امريكا بذلك حتى انعكس ذلك في فن المعمارة وفي الهندسة الداخلية فطغت الاشكال الهندسية والالوان الجريئة على الابنية ولكن بدلا من ان يخرج ذلك عملا انيقا ومرضيا اخرج عملا غريبا مثيرا للاعصاب.
هل ستستطيع ايقاظ الجميلة النائمة من سباتها وتنفض عنها غبارا ذرته عليها يد مجرم؟ هل يستحق الامر ان تبقى ثلاثة اسابيع تحت سقف واحد مع رجل يكرهها؟ اخذت نفسا عميقا واشاحت بنظرها نحو حجرة النوم. غمرها الشغف حين تخيلت ما قد يصبح عليه هذا المنزل سوف تقترف اثما اذا ما فرت من هنا فالمنزل بحاجة اليها. من المؤكد انها ستندم على المستويين العاطفي والعملي اذا ما تركته.
- نعم.....
اخذت نفسا عميقا وشعرت بتدفق من الشجاعة.
- نعم..انه يستحق كل ما ق يخضعني له السيد فاروس من متاعب!
اتجهت الى غرفة الملابس وتابعت تقول لنفسها:" اذا كنت تنوي اهانتي يا سيد فاروس فقم بما في وسعك. هيا راقبني كالصقر ولكنك لن تجد عملي غير كفؤ. ولن اهرب!"
ثم القت برأسها على السرير وقالت: " لان كالي انجليس اقوى مما تتصور. سوف احول هذه الحشيشة المرة الى وردة امريكية رائعة الجمال مهما ضايقتني او اهنتني."
****
لم تشأ كالي تضييع اي دقيقة تحت سقف نيكولاس فاروس.لذا بدأت بعد ظهر ذلك اليوم تنتقل بين الغرف الجميلة لتصور لقطات فوتغرافية وتكتب ملاحظات كثيرة. ومع كل لقاء غير متوقع بالسيد فاروس كانت تبدو مرتبكة ومنزعجة. لقد بدا جليا ان السيد فاروس اشترى المنزل مع الاثاث الموجود فيه. اذ لم تستطع ان تتخيل ان يكون السيد فاروس قد اشتراه وفرشه ومن ثم اوكل مهمة قلبه رأسا على عقب الى شخص آخر.
ومع انها بذلت اقصى جهدها في التركيز الا انا كانت تشعر بوجوده كلما اقترب منها. وجوده المؤقت في ممر مجار كان كفيلا بان يقطع عليها حبل افكارها.
وكلما سمعت وقع اقدامه او داعبت انفها رائحة عطر ما بعد الحلاقة الذي يضعه فقدت تركيزها فتبدو لها التفاصيل الهندسية عسيرة الوصف. ما المشكلة؟ لم لا تستطيع التركيز حين يمر بقربها؟ اهو القلق؟ هل تتوقع ان يظهر فجأه امامها ويصرخ ليفاجئها؟
جاهدت لتفكر في الملاحظات التي دونتها وتبعد افكارها عن اي موضوع اخر. وفيما كانت تنتقل من غرفة الى غرفة قشرت ورق جدران احدى الغرف لتجد تحته بقايا باهتة للوحة خشبية ساحرة مصنوعة يدويا. فرحت كثيرا باكتشافها ودنت ملاحضاتها على دفترها.
نقضى بعد الظهر بسلام. في الواقع لم يوجه نيكولاس اليها اي كلمة حتى انه لم ينضم اليها عند العشاء فأكلت وحدها في غرفة تصلح لركن باص كبير. اخذت تتذوق العشاء اللذيذ والغريب ولكنها لم تكترث لطعم العشاء بقدرما اكترثت للغرفة التي جلست تأكل فيها. كانت الجدران مزينة بالواح حتى حدود السقف المزخرف. وبدا جليا انها كانت مطلية في السابق باللون الجوري لكنها الان طلية بالبرتقالي المقرف .
بدت العشرون كرسيا المنجدة بالفينيل البرتقالي ذات الارجل الحديدية النحيفة وكأنها اقزام جائعة قهقهت ساخرة وغمغمت: " كالي لم تعودي في كنساس. انت في اوز الان"
القت نظرة عجلى نحو الاعلى فرأت ثريات الكريستال المتلالئة بين السقف المزين والاولة تضئ المكان. كانت الاضواء تنتشر في الزوايا هنا وهناك فتنير المكان بشكل عشوائي. ارتعشت كالي من جراء قسوة الجو وبرودة الديكور في الغرفة وغمغمت تقول: ط اذا اردت رأي يا سيد فاروس فأنا ارى ان هذا الديكور يناسبك تماما"
- شكرا!
اطلقت صرخة قوية وحادة واخذت ترتجف ووضعت يدها على صدرها وهي تلتفت نحو مصدر الصوت.
- ماذا تحاول ان تفعل....ان تسبب لي ذبحة قلبية؟
سار متمهلا نحو المدخل وهو لايزال يرتدي سروال الجينز. بدا كرجل يجيد كل الاعمال وقد وصل ليصلح عطلا في الطاولة بدلا من ان يجلس اليها.
- هل تستمعين بأكل السرطان؟
نظرت اليه بسخرية وقالت:" ولم تسأل؟ هل هو مسمم؟"
ابتسم ابتسامة عريضة وجلس في المقعد قبالتها.
- كيف وصلنا الى هذه البداية التعيسة انسة انجليس؟
وضعت ساعديها على الطاولة ونظرت اليه ثم قالت: " ربما لانك تكرهني وتواجه صعوبة في اخفلء ذلك؟"
جلس امامها وحاولا تقليد وضعها المحارب وموقفها العدائي لكن الابتسامة العريضة بقيت تلوي شفتيه.
- لا احاول ان اخفي ذلك انسة انجليس.
تسمرت في مكانها وحاولت ان لا تظهر رد فعل على ما قاله. لكن مهما حاولت كانت تعلم انها لن تفلت من قبضة نيكولاس فاروس لاسيما انه يشن حربه ببراعة ويبقى باسما. رأت الغدر في عينيه الرماديتين فسرت رعشة في جسدها حين تذكرت ان الغرفة التي يجلسان فيها باردة ومخيفة. كم كانت ساذجة منذ قليل. بدت لها الغرفة مناسبة جدا ليشن حربه عليها. واخذت تنظر اليه وهو يراقبها بصمت عبر الطاولة.
قال كاسرا جبل الصمت والاضطراب اللذين اخذا يلفان المكان:
" حسنا انت ترين ان الديكور يناسبني لكن ما هو انطباعك الاول عن منزلي؟"
كانت شبه الابتسامة الساخرة التي لوت شفتيه تعبر بوضوح عن احتقاره لها لكنها حصرت الحديث في اطار عملها فيما انصرف هو الى طرح اسئلة تجارية اقله في الظاهر. شعرت بضعفها لكنها قررت ان تترفع عن ذلك وتتظاهر بالقوة. وضعت يديها في حضنها وتنحنحت.
- في الواقع.....
قالت ذلك ثم تنحنحت لتطرد رعشة الاضطراب من صوتها ثم اكملت:
" في الواقع يا سيد فاروس, انا لا املك....ط
قاطعها قائلا:" نيكولاس"
اجفلت لما قاله فسألته:" ماذا؟ "
- قلت نيكولاس
واستدار ليومئ الى احدهم. التفتت فرأت خادما يدنو منه حاملا طبقا من الطعام الساخن فشعرت بالاضطراب. هل سينظم السيد فاروس اليها على العشاء؟ وفي غمرة تساؤلاتها دنا خادم اخر حاملا صينية تعلوها اطباق عدة. والتفت مضيفها اليها مجددا ثم قال: " ناديني نيكولاس! انا اصر على ذلك انسة انجليس"
كانت تناديه بالسيد فاروس لتذكره دائما بأن ما يربطهما هو علاقة عمل بحتة.
كانت تدعوه نيكولاس حين تتخيل نفسها زوجته. تصورت انها ستقول: " اود ان اعرفكم بنيكولاس زوجي او نيكولاس حبيبي شكرا على الورود او نيكولاس عزيزي هلا ناولتني الكريما!"
كم يبدو هذا لها سخيفا صبيانيا الان بعد ان التقت هذا الرجل. لم يبد لها ذلك الشخص المرح الذي وصفه لها جدها بل رأت فيه شخصا متوحشا متكلفا ومحبا للانتقام.
اذا دعته نيكولاس فستبدو علاقتهما حميمة خلافا لما هي عليه الان. لم تود التفكير بذلك لكن ذكر اسمه جعل قشعريرة ذنب تسري في عروقها.
لعلها هي من جعلته انسانا متوحشا محبا للانتقام ربما هوودود ولطيف مع من لا ينبذه ليلة الزفاف. شعرت بغصة في حلقها لكن الاوان فات ولا يمكن فعل شيئ الان. لقد هزمته ولا يمكنها التراجع عن ذالك. كان تصرفها احمق وربما اثر في ذلك حزنها الكبير على جدها كريس.
شعرت بالارتباك والغضب منه ومن نفسها لقبولها بزواج رتبه لهما جدهما. لا! لن تستطيع ابدا ان تناديه نيكولاس ولا حتى بعد مليون سنة. واستحذرت هذه الفكرة في ذهنها مشاعر واحاسيس ملؤها الشعور بالذنب والذكريات المؤلمة. لا لن تناديه نيكولاس.
حين غدا العشاء جاهزا امامه تناول شوكة الطعام ونظر اليها.
- وماذا تودين ان اناديك؟
شعرت بالاضطراب فقالت: " في الواقع مامن ضير في العودة الى اسلوب الخمسينيات في التزيين"
لم تعرف كيف انتقلت الى هذا الموضوع لكنها علمت انها بذلك وجدت السبيل المناسب لتأجيل الرد على ما قاله ليفهم انها ترفض دعوته نيكولاس وانها تفضل ان تبقى علاقتهمت علاقة عمل.
- لقد رأيت العديد من المنازل المزينة بهذا الاسلوب. لكن لا يمكن المزج بين النزعة العصرية وبين الاسلوب الفكتوري لذا.....
حاولت جاهدة ان تصيغ كلامها على النحو المناسب وتلمست في الوقت نفسه طريقة مهذبة لنبذه....مجددا
- حين قلت ان الديكور يناسبك لم اكن اعني بالضرورة ان....
- بل عنيت ذلك انسة انجليس.
قاطعها ثم اخذ يسكب لنفسه فنجان قهوة ورفع حاجبيه متعجبا ثم سألها:
" هل تودين المزيد من القهوة؟"
هزت رأسها ووجنتاها ملتهبتان من جراء الشعور بالاحراج الذي تملكها. انه على حق كانت تقصد بكلماتها اهانته. لكنها حين قالتها لم تكن تعرف انه قد يسمعها. من جهة اخرى وجدت تسلله الى الغرفة خلسة امرا غير مقبول. لم صدف انه عندما لم تنتبه لوجوده تلفظت بهذا الكلام؟
- لم لا ادعوك كالي؟ لا حاجة بنا ان نتصرف بشكل رسمي !
غرفت شوكة مليئة بالطعام ورفعتها الى فمها. واخذت تفكر بخطة اخرى للتملص من الرد لكن لم يكن امامها الكثير من الوقت. ماذا لو احرقت الستائر؟ انها افضل طريقة لارجاء ردها. عندها ستحل مشكلة دعوتها بكالي او الانسة انجليس اذ سينتهي بها الر في الزنزانة بتهمة الاحراق عمدا فلا يعود بحاجة لمناداتها.
تابع كلامه متجاهلا صمتها: "في الواقع لو كنا متزوجين لناديتك كالي"
شعرت بوخز مفاجئ في اعصابها وشعرت بأن الكيل طفح! اجفلت ورمت شوكتها بعنف في الطبق وقد اثار تحرشه بها غضبها.
- سيد فاروس اعلم انك مستاء مني وانت تملك كل الحق في هذا. ما كان يجدر بي الاخلال بوعدي بهذه الطريقة. تصرف كما تشاء واغضب كما تشاء. انا اعتذر واعتذاري نابع من كل ذرة في جسدي. لكني لا استطيع فعل شيئ للتعويض عن ذلك الان وكلانا يعلم ذلك.
وضعت كفيها على الطاولة الباردة. كادت الدموع تسيل من عينيها لكنها جاهدت لتمنعها وليبقى صوتها هادئا.
- سيد فاروس نظرا لما تكنه لي من مشاعر البغض اعتقد اننا لسنا صديقين. كلانا يعرف انك لا تستظرفني ولا تثق بي. لذا ضايقني وازعجني كما تشاء ولكن لا تتوقع مني ان اناديك نيكولاس.
- وتهيأت للوقوف فيما تابعت تقول: " اما فيما يتعلق بما قد تدعوني به فأفضل ان تدعوني انسة انجليس"
وراح ينظر اليها مما جعلها تشعر بالاحراج فقالت: " المعذرة انوي الذهاب الى غرفتي والنوم لابدأ عملي في الصباح الباكر. سوف انجز هذا العمل بأسرع وقت ممكن وعلى اكمل وجه. وكلما اقترب موعد افتراقنا سيد فاروس كلما شعر كلانا بالراحة"
بقي يتأملها من دون ان يتفوه بكلمة واقتصرت ردة فعله على انكماش شفتيه. وحين انهت كلامها قال لها بهدوء:" لقد اوضحت الامور"
هبطت فجأة نسبة الادرينالين في دمها وشعرت بألم في معدتها ووهن في ساقيها. ماذا فعلت للتو؟ هل بدت اي من الكلمات الثائرة التي تفوهت بها هادئة او ضمن نطاق العمل؟ هل هذه طريقتها لتقديم تعويض؟ ماذا اصابها؟ لم تصرخ يوما في وجه احدهم وخاصة حين تعتذر. لم يدفعها هذا الرجل الى شفير الجنون؟ الان وقد قدمت الاعتذار الفظ ماذا سيحل بعملها؟ ان تجديد هذا المنزل هو فرصة عمرها لكنها ضربت بتهورها هذه الفرصة عرض الحائط.
جاهدت لتقاوم رغبتها في البكاء وشدت كتفيها آملة ان يخفي تظاهرها بالشجاعة حزنها الكبير.
- اذا انا مفصولة اليس كذلك؟
واخذت تحدث نفسها:" هذا افضل ربما سأفقد فرصة العمر لكنني سأتلص من غطرسة نيكولاس فاروس "
كان فاروس يضع يدا خلف مسند الكرسي الملاصق لرسيه فأشار بيده الخرى الى الباب. كانت هذه هي اتفه طريقة فصل شهدتها كالي
- احلام سعيدة انسة انجليس!
ترددت وشعرت بالارتباك:" اذا هل انا مفصولة؟"
رمقها بنظرة ساخرة وقال:" وهل هذا ما يقوله عادة مستخدموك حين يفصلونك؟"
- لم يسبق ان فصلني احد
زم شفتيه وبقيت اسيرةنظراته الى ان قال اخيرا:" حسنا لمعلوماتك
(احلام سعيدة) ليست دلالة الفصل لكنك تودين في قرارة نفسك ان افصلك اليس كذلك يا انسة انجليس؟"
كانت مرتبكة ومضطربة الى حد لم تعرف ما الذي تريده ولكن يجب ان تعترف ان حياتها ستكون افضل اذ ما حصل ذلك.
بعد برهة من الصمت تناول شوكته وقال لها:" اخلدي الى النوم انسة انجليس. لا انوي ان اسهل الامور عليك"
ثم رمقها بنظرة اتهام وقال لها:" تذكري يمكنك الانسحاب متى شئت. انت بارعة في ذلك"
4. جريمة لا تغتفر
اذا كانت كالي ترغب بالهرب والعودة الى منزلها في كانساس ,فان الاهانة التي وجهها اليها نيكولاس , اخمدت هذه الرغبة ,انه رجل دائم الشك لذا, سوف تبقى وان احترق كل ما حولها, كيف تجرا على مناداتها بالانهزامية , لو ان احدا غيرها لقي المعاملة نفسها لاستاء واعتير محقا اذا ما تخلى عن العمل وغادر .
هاهو الذنب خصمها القديم , يربت على كتفيها مذكرا اياها بشكوك نيكولاس , شكوك ناتجة عن الخبرة عن جراء الوعود التي قطعتها له . شعرت بطعنة موجعة في معدتها لكنها ذهبت وسرحت شعرها تحضيرا لاول يوم كامل من العمل في المنزل.
نظرت الى نفسها في المرأة التي تشبه النجمة وقالت :" حسنا لديه الحق بان يشك بي ".ثم رمت الفرشاة بعنف على طاولة الزينة وهي تقول:"لكن لا يمكنه ان يتوقع مني ان اخاف من حقده ".
ربطت شعرها بقوة وربطة يصعب فكها كانت تتصرف بسرعة وتشنج , القت نظرة على تلبسه ينطبق مع مزاجها .
سروال اسود وبلوزة سوداء وحذاء اسود.
قالت تحدث نفسها :" كفى , حان وقت العمل !"
وقفت تنظر الى الساعة في يدها , انها السادسة والنصف صباحا ولكنها خالتها اكثر بكثير , فلكثرة ما اتصلت في فراشها ليلا شعرت وكانه مضى اسبوع على وجودها في ذات البيت .
وبما ان كبير الخدم اعلمها ان فطورها سيكون جاهزا منذ السابعة قررت ان تقوم بجولة سريعة في ارجاء المنزل كانت كالي تحب ان تستيقظ باكرا في الصيف , لترى الشمس الساطعة تعلن عن بدء يوم منعش جديد.
مع ان الشمس اشرقت , الا انها تكن محرقة بعد بل كانت ترسل حرارة خفيفة في الجسم . لعل نزهة سريعة قبل الفطور تهدىء من تشنج الاعصاب الذي تشعر به .
خرجت كالي من غرفتها متجهة نحو السلم . نزلت كل درجتين معا الى ان وصلت الى باب المنزل ومنه الى الرواق , ولكن حين وصلت اليه لم تستطع رؤية شيء, بدا لها وكان الدخان يلف المكان كله.
اعتقدت لثوان ان المنزل يحترق لكنها لم تشتم اي رائحة وتنشقت الهواء وادركت انها لم تكن قادرة على الرؤية ابعد من اصبعها , قالت :" الضباب! اذا هذا هو ضباب سان فرنسيسكو الشهير!"
اخذت ترتجف , اذ لم يكن الهواء رطبا فحسب , بل باردا ايضا وراحت تحدق قي المنزل فلاحظت انه اصبح رمادي اللون يصعب تمييزه , اندفعت في الظلام الموحش والبارد , مضطربة وكيئبة . لم تتمكن من المشي في هذا الضباب الكثيف فهي لم تكن تعرف المكان جيدا, اي خطوة خاطئة قد تسبب لها اذى كبير .
اخذت تفرك يديها من البرد :
" انها صدمة كبيرة لمن يعشق اشعة الشمس.
وشعرت بالاستياء والبرد فقد ساقها قدرها لتلتقي باخر شخص في العالم تود ان تلقاه.
اجفلت وقالت :
" اه رجلي!"
ثم تعثرت وهي تتراجع خطوة الى الخلف ووقفت فانسحقت اصابع قدميها ونظرت الى الاعلى لترى خطيبها السابق على علو اثنتي عشرة قدما. لكنه لم يبد سعيدا , هل هو من يجلس على الارض لذلك عظام قدمها المسحوقة؟.
- ماذا تنتعل في رجلك, حذاء حديديا؟.
بدا لها منزعجا وكان هذا طبيعيا وليس السبب كرهه لها , بل الشلل الذي الحقه بها , فتعجبت لانزعاجه كحالها.
- اسفة انسة انجليس , لم اتوقع يدخل احد الى هنا بهذه السرعة الفائقة, دعيني اساعدك!
نظرت الى يده والشكوك تساورها وبعد ان خفق قلبها , ادركت اخيرا انها اخذت عرضه بعين الاعتبار. وقفت متنجبة لمسه. والنظر الى عينيه ايضا. ثم نظرت الى ساعة يدها, فوجدت انها السابعة الا ربعا, ومع ان الوقت لايزال مبكرا الا انها رغبت في فنجان قهوة.
سالته من دون ان تنظر اليه :" هل سيقدم الفطور في غرفة الطعام؟
- لا بل في غرفة الشمس المحاذية للمطبخ.
لم تستطيع الا ان تسخر من كلامه:" غرفة الشمس اذن انت تخبئها هناك . اعتقد ذلك , بما انها ليست في الخارج".
نظرت اليه نظرة سريعة , فرات انه لم يبستم . اعتقدت ان مزحتها مضحكة فلم تبال بعدم اكتراثه , ولما عليها ان تبالي في ماذا كان يجدها مسلية ام لا؟ .
- اذا دلني من فضلك على الطريق؟ ام علي ان اتبع الوهج الذهبي؟.
لم يبتسم ايضا بل دلها على الطريق بايماءة منه.
سالته مترددة:" هل ستتناول الفطور هناك ايضا؟".
هذه المرة ابتسم قليلا , وبدا له واضحا انها لا تحبذ وجوده معها على الفطور سالها :"
- تفضلين الا اقوم بذلك؟".
تجهم وجهها واجابت :"
- انت تعرف مالذي افضله".
قالت ذلك وهي تشعر برغبة جامحة في الصراخ في وجهه قائلة :" افضل لو رايتك في استراليا او افغانستان او حتى في القطب الجنوبي .
- اذا هل سنتناول الفطور؟.
كانت مصممة على الحصول على جواب واضح حتى لو امضت يومها في مناقشة مسألة الفطور , هذه .
- للاسف ان تناول الفطور عادة عن المرء.
قال ذلك بصوت منخفض ومثير, ثم اشار الى الطريق واضاف:
- تفضلي انسة انجليس!.
ودت الاصرار على عدم تناول الفطور اذا كان سيتناوله معها, ولكن تناول الطعام عادة يصعب الاقلاع عنها , بالنسبة اليها ايضا, في الليلة الماضية, تركت غرفة الطعام قبل ان تكمل طبقها, فشعرت بالجوع , فضلا عن ذلك , تعتقد ان السيد فاروس خطط لتكون اوقات الطعام جزء كبيرا من تعذيبها . لذا , عليها ان تعتاد على ذلك .
عليها ان تتعلم كيفية التعامل مع هذا الرجل والا سوف تموت من الجوع .
مع ان كبير الخدم اعلمها ان الفطور سيكون جاهزا في تمام السابعة, تفاجأت حين رات طاولة الطعام من الفورمايكا والكروم محضرة لشخصين , عليها فواكه متنوعة.
جعلها نيكولاس تشعر بالارتباك حين مشى خلفها وامسك لها الكرسي لتجلس , وحين ارادت الجلوس اخذت تتلمس الكرسي , لانها تخليت انه سحبه من تحتها
- ماذا تفعل؟.
اجابها بطريقة ساخرة :" الا يوجد اي جلنتلمان في كانساس؟ ما اكثرهم هنا!.
عندما تاكدت ان الكرسي تحتها ,تلمسته ثم جلست عليه . هل يحاول ان يستفزها ؟ هكذا اذا ؟ مع انه يحاول مساعدتها, الا ان تصرفه بدا ماكرا و****ا!.
انتقل الى الجهة المقابلة من الطاولة وجلس على الكرسي, ارادت كالي تجنب النظر الى وجهه, فاخذت تسرح نظرها في الغرفة , لاحظت ان التفاصيل المعمارية لم تمس, فشكرت ربها على ذلك , كانت معظم الاضرار التي لحقت بهذه الغرفة , تجميلية يمكن اصلاحها بالعمل اليدوي الشاق والطلاء , واوراق الجدران , وسمحت لها كثرة النوافذ برؤية الكثير من الضباب.
- غرفة شمس جميلة , لكنها تنقصها الشمس !
كانت عنيدة صعبة المراس في طبعها , فتابعت قائلة :"ظننت انك تفي بوعودك".
كان يضع منديلا على حضنه حين تكلمت , فالتفت نحوها......فجاة شعرت بالخوف من عينيه الرماديتين الثاقبتين .
- تبدين عفوية هذا الصباح.
اخذ نفسا عميقا ثم تابع يقول :" ارى انك نمت جيدا".
فاجابته وهي تتصنع ابتسامة :" مثل الطفل "
ثم اخذت منديلا ووضعته على حضنها .
سمعت صوت الاطباق الفضية فنظرت اليه . كان ياكل ثمرة فروالة , ونظره مركز على جريدة مثنية الى جانب الطبق . راح ينظر الى العناوين الريئسية , فبدا لها انه خطط لتجاهل وجودها.
لكنها صممت على لا تظهر انزعاجها من تصرفه , وتناولت ملعقتها . اكلت الفواكه بصمت , واخذت تفكر باشعة الشمس التي تسطع في اماكن من العالم , فكرت بكانساس والمزارعين الذين يقفون الان في حقول الصويا والقمح , يمسحون العرق عن جباههم بمناديلهم الملونة .
لكن هنا , في منزل نيكولاس فاروس , لم يكن هناك اي اشعة شمس , كل الدف الموجود اصطناعي توزعه مدفاءة كهربائية , اخذت تتاملها وهي تأكل .كان نيكولاس يجلس كاسد متراخ, وجفناه شبه المطبقين يجعلانه يبدو غريب الاطوار., فشعرت و كانه قادرعلى السيطرة عليها حتى دون ان ينظر اليها .
طردت تلك الفكرة سريعا من راسها , فكل ما كان يفعله هو قراءة الجريدة.ولكن على الرغم من ذلك , كانت تجد صعوبة في مجرد التركيز على الطعام , مع انها تشعر بالجوع.
انتقلت نظرتها الى الرجل الجالس قبالتها, كان يرتدى ثيابا غير رسميا , عبارة عن سروال جينيز وقميص اكمامه مثنية حتى المرفقين, بدا لها كراعي بقر من كانساس بعيد كل البعد عن كون خبير مالي.
كان شعره اشعثا ومظهره مغريا . مغريا ؟ اخذت تفكر في ذلك . قد يصلح لدعاية .....
بقيت تتامله خلسة وهي تاكل . رات ان الصور الذي كان جدها يحملها له في محفظته , غير عادلة في بحقه , فلقد تجاوز ذاك العمر وتحول الى مثال رائع للرجولة .
مثال رائع للرجولة ؟ ترددت هذه الكلمات في في راسها , كالي يجدر الا تحدقي ببله في هذا الرجل, مثل مراهقة مفتونة؟ لا تشردي عن طريقك !انه يكرهك وليس رائعا الا ...حسنا من حيث المظهر . لكن تصرفاته هي ابعد ما يكون عن الروعة , لذا كفي عن هذه السخافات .
اخذت تتساءل وهي تمضغ طعامها عما كانت لتفعله لو التقته قبل يوم الزفاف المشوؤم ذاك ؟كيف كانت ستتصرف ؟ يمكنها ان تتصور تأثير سحره على اية امرأة ! هزت كالي راسها محاولة عدم التفكير بالنزوات , لا تود معرفة ذلك ,وهو لا ينوي جذبها.
من المؤكد انها غير نادمة الان على تراجعها عن الزواج به. فحين ستتزوج , يوما ما, ستتزوج بسبب حب اعمى , حب جنوني ؟ولان زواج والديها التقليدي والمدبر قد قنع , فلا يعني انه فكرة جيدة لكل الازواج . صدف ان والدها رجل حنون , مع انه توفي حين كانت في السابعة , من العمر , الا انها تملك ذكريات جميلة عن سيفيان انجليس وقد كانت امها محظوظة جدا هذا كل مافي الامر .
اخذت كالي تراقب نيكولاس وهو يقلب الصفحة وهي تتامل روموشه وهي ترتفع وتنخفض عند قراءة الصحيفة , كم كانت جميلة رفيعة وسوداء , صرت على اسنانها حين ساورتها بعض الافكار , وان كان وسيما الى حد بعيد؟ فان شخصيته فذة انه متكبر وكريه ولا يشبه اباها ابدا وقد كانت حكيمة في رفض عقد الزواج!
فجاءة جاء كبير الخدم وتوقف امام الطاولة وقال :" لقد حضرت للفطور توست فرنسي بالكراميل واومليت بالفطر والجبن , وسومون مدخن , مع الخبر والرقائق والقهوة والعصير".
اجفلت كالي متفاجاءة بالقائمة الوافرة ,ولم تعرف اذا كان عليها تناول كل ذلك واو انتقاء ا طباق منها نظرت الى نيكولاس الذي تابع قراءة جريدته قائلا:
"اود القهوة فقط !"
تنحنحت كالي . يجب الا يذهب الطعام الى النفايات .
- انا اوه .........
ونظرت الى كبير الخدم مترددة فهي تحب كل ما ذكر في قائمة الطعام لكنها لم تكن قادرة على تناول كل هذا.
- اشرب القهوة ايضا ....... مع الكريما والاومليت وعصير البرتقال .......
واستدار بيلكيين حين توقفت عن الكلام , ظنا منه انها انهت كلامها .
- انتظر .
قالت ذلك وعضت على شفتيها ,لم تود ان تظهر ارتباكها ,كما لم تكن الفرصة سانحة لتضيف اي شي على ما طلبته .
سالها كبير الخدم ذو شعر الابيض بلطف:" نعم يا انسة ؟"
_ .....و......اوه ...... زوج من هذا الكعك !
فاوما وابتعد عن الطاولة , رات كالي ابتسامة متكلفة تحفر غمازتين على وجنتي نيكولاس , فقالت له :" نعم انا جائعة ! هل من خطب ؟"
قال والغضب مازال يلوي شفتيه :"لم اقل شيئا انسة انجليس ".
- كما تعلم الفطور اهم وجبة في النهار ".
- تكتفي النساء الاميريكات اللواتي في عمرك بالقهوة وقطعة توست عند الصباح.
قال ذلك وكانه يقترح عليها تناول الطعام الخفيف عند الصباح . حسنا, انه يفضل قوام عارضات الازياء ! لكنها لا ترغب قط في ان تصبح عارضة ازياء .او ان تشبه المراة المثالية التي يتوق اليها السيد فاروس .
- اعتقد ان عليك ان تشكرني للاخلال بوعد زواجنا , فالان لم تعد مجبرا على قياس خصري .
هل قالت ذلك بصوت عالي ؟ اجفلت , وعضت على لسانها .كالي, لماذا ذكرت هذا الموضوع مجددا؟ هل انت انتحارية ؟
تناول كوبه , وعيناه مسمرتان عليها , حين اعاد الكوب الى الطاولة , عاد ينظر الى الصحيفة, لكنه بقى مكشرا وكانه يسخر منها بهدوء.
كان نيكولاس يمعن النظر في الصحيفة من دون ان تيمكن من قراءة اي كلمة ,
حين اصطدم بخطيبته السابقة هذا الصباح , تعطل قسم من عقله وبقى كذلك حتى الان , كانت انعم مما توقع . بالامس , اخفى الطقم الذي لبسته الكثير من انوثتها . اما اليوم , فقد تاكد حين راها بالنطال الجينيز والبلوزة الخفيفة , انها امراة بكل معنى الكلمة , امراة قادرة على الزواج والانجاب, بعيدة كل البعد عن نساء كاليفورنيا الحمقاوات .
وقد مد لها يد العون , لكن ذلك لم يكن من ضمن مخطاطته , هو الذي اراد ان يجعل حياتها حياة بائسة .
والان , لم وجه اليها الاطراء حين جاء على ذكر النساء اللواتي يعرفهن ؟
جاءه هذا الدافع من العدم وكان يتناقض تماما مع خططه,
وقد استغرب حين اعتبرت اطراءه اهانة , لكنه عاد على ذلك والحمدلله , معتبرا ان اعتقاده هذا ايقظه من سباته .
كان عليه ان يعود لتنفيذ ما خطط له , عليه ان ينسى كل هذا ويركز على خططه للاخذ بالثار , ولكنه اسف لذلك , بعد ان وجد كالي امراة بكل معنى الكلمة , تنحنح وهويقلب الصفحة , محاولا التركيز على الاخبار المالية .
اعتبر ان الصفات الانثوية التي تحلمها كالي لا تخصه , فهي ليست زوجته ولا خطيبته , فما هي الا موظفة عنده , سبق لها ان نبذته .
لقد اعجب بالقائمة التي طلبتها عند الفطور , ولم يستطع اخفاء ذلك , ولحسن الحظ اعتبرت اطرءه سخرية , فلم يسع الى توضيح ذلك .
تبا له ! بل تبا لها ولثيابها الضيقة ! ولم يدخل ذلك في حسابته .
- حسنا حسنا ! ارى انكم مجتمعان ؟
لم يكن نيكولاس بحاجة ليلفت نحو مصدر الصوت , ليتعرف الى صاحبه , فهو يعرف صوت جده جيدا . بقى يحدق بالجريدة , كان جده رجلا مكتنزا , ابيض الشعر , انيق , يتمتع بروح الشباب . وقد ارتدى بدلة غامقة اللون وربطة عنق رسمية وقميصا ابيض , اما شاربه الطويلان والمفتولان فكانا يظهران التجاعيد الكثيرةالتي غزت وجنته وانتشرت حول عينه البنتين التين غطاهما قليلا حاجبان رماديان.
قال له نيكولاس وهو يبتسم ابتسامة عريضة :" جدي , منذ متى تباركنا بحضورك على طاولة الفطور ؟.
اجاب باليونانية :" منذ ان سمعت ان الوردة الصغيرة هنا في المنزل !"
كان انتباهه مركزا على كالي , ولاحظ نيكولاس ان وجنيتها غدتا ورديتين , امسك الوافد الجديد بيديها وقبلها.
- كان يجدر بي ان اكون غاضبا منك يا ابنتي ! لكن لن اسمح بان يقال بان ديونسور فاروس لا يعامل سيدة باحترام .
ثم افلت يدها وتلاشت ابتسامته
- انا اسف لموت كريستوس .
واخرج يديه من جيوبه سرواله وشبكهما ثم تابع يقول :" انها لخسارة كبيرة , خسارة كبيرة !"
- شكرا يا سيدي.
- عضت كالي على شفتيها وقد تملكها الاضطراب ثم قالت :" الم تات الى الدفن ".
اجابها ديونيسور :"في الواقع , كنت ارغب بتقديم تعازي لكن الظروف السيئة ......"
توقف قليلا وقد بدا التاثر على وجهه ثم تابع يقول :"قررت الا اقدم لك نفسي الا بعد مرور وقت قصير . فقد سبب العار الذي الحقتيه بعائلتنا جرحا لم يلتم بعد ".
وضع نيكولاس الصحيفة جانبا , واستقام في جلسته سبب كلام ديونيسور الاحراج لكالي , على الرغم من اللهجة اللطيفة والمهذبة التي كلمها بها , لقد اوضح لها بطريقة لبقة انها اقترفت جريمة لا تغتفر , جريمة لم تمس حفيده فحسب , بل مست شرف العائلة . كور نيكولاس شفتيه لرؤية الالم الذي لاح في عينيه . عليه الاعتراف الى جده انه احسن فعلا . فقد عرف جده كيف يحرجها باسلوب لطيف !.
راى نيكولاس ان خطيبته قد تعذبت بما فيه الكفاية ذاك اليوم , من جهة اخرى , كانت كالي بحاجة للمحافظة على رابطة جاشها , ولكن اذا ما استمر ديون يكلمها بهذه الطريقة فسوف تنهار وتفر !.
- جدي , اجلس من فضلك !.
اشار نيكولاس الى كرسي قريب , ثم تابع يقول :" هل قلت لكوك ما الذي تود تناوله ؟"
بدا الاشمئزاز على وجه الرجل المسن وقال :" اكره الطعام الاميركي يا بال . لقد طلبت من كوك ان يحضر لي طبقا من التين والتوست ".
- نعم , انا متاكد ان كوك قادر على القيام بذلك , تفضل جدي . هل تشرب قهوة ؟"
فيما كان ديون يجلس , التفت نيكولاس الى كالي وقال :" سيمكث جدي هنا خلال هذه الفترة يا انسة انجليس !"
ثم تناول صحيفته مجددا , مصرا على اكمال خطته في تجاهلها .
- يمكنه ان يلعب دور الحكم .
قالت شيئا لم يسمعه نيكولاس جيدا , فالتفت اليها قائلا :" عفوا ؟"
تابعت تناول طعامها وهي تقول :"لقد قلت على الاقل انه غير متحيز !"
جاهد نيكولاس لئلا يبتسم وعاد الى صحيفته , محاولا ان يركز اهتمامه على تقلبات اسعار الاسهم في السوق .
كان وجود جد نيكولاس , مشكلة لم تتوقها كالي , لم تخف ابتسامته الساحرة او نبرة صوته اللطيفة الكره الذ يضمره لها ولما الحقته بحفيده الحبيب , فالبنسبة الى ديون فاروس , لقد جرحت حفيده نيكولاس واساءت الى ذكرى جدها كريس . فتراجعها عن الزواج هو اسوا انواع الخيانة لذكرى جدها الذي طالما حلم بذلك اليوم . ومع انه عاملها بلطف كبير , الا انها شعرت بالاضطراب لوجوده الذي لم تتوقعه .
عملت كالي باقصى جهدها طوال الوقت , محاولة تجنب اللقاء بنيكولاس او بجده .
كان عليها اتخاذ ملايين القرارات , بعد التصوير والتوثيق والتسجيل , سوف يبدا العمل الحقيقي. سوف تاخذ بعين الاعتبار كل التفصيل في المنزل , اضاءته الطبيعة , اهميته التاريخية ...... عليها بالقيام بالكثير من العمل , وسيستغرق هذا الكثير من الوقت . مع حلول المساء , كانت كالي قد بدات بكش الارض .
عندما اشارت الساعة السابعة , شعرت كالي بالارهاق ولم تعد تقوى على الكلام مع نيكولاس او جده ذكرت نفسها بانه يجدر بها الا تتهرب مجددا عبر الطلب من كوك احضار العشاء الى غرفتها , فكرت بان تطلب من كوك ان يحضر لها سندويشتا وكوب من الحليب , فتتناولهما سريعا في المطبخ , وتصعد فيما بعد لتستحم وتندس في سريرها , من المؤكد انها ستنام اليوم سريعا , فهي تعبة جدا .
حضرت لها الطباخة , وهي امراة وقور , سندويشا شهيا من الرستو جلست كالي على كرسي في المطبخ تتناول اول وجبه لها في بسلام , في ذلك المنزل , استرخت في الجو المنبعث من راحة الطعام الشهي لاطباق العشاء لاول مرة . كانت متاكدة من عدم وجود تينك العينان الرماديتين تطاردانها .
ملات راحة الاطباق الشهية المكان برواح زكية , لكن كالي وجدت ان السندويش كان كافيا , كانت بحاجة للاستحمام والنوم , اكثر من حاجتها الى لتناول هذه الاطباق الشهية . الى جانب ذلك , اذا كان الرجلان يخططان لرميها بنظرات الاتهام المهذبة تلك , فلن تتمكن من الاستمتاع بالطعام .
بعد حمام جعل كالي تشعر بالاسترخاء , لبست عباءتها وخرجت الى شرفة غرفتها , كان الضباب قد انحسر قليلا عند الظهر ولكنه عاد يلف االمكان حوالي الرابعة , وكان الهواء منعشا ,فاخذت كالي نفسا عميقا وهي تنظر الى بركة السباحة تحتها , في الفناء .
اخذت تحدق فيها جيدا فلاحظت حركة , وسمعت صوت الماء , انحنت قليلا تبحث على سطح الماء عن علامة حياة . كان القمر مغطى بالضباب , لكنها استطاعت ان ترى احدهم يسبح .
شدت العباءة عليها اذ شعرت بالبرد لفكرة ان احدهم يسبح في مثل هذا الطقس , كان الطقس شديد البرودة , الشخص الذي يسبح , يذرع البركة جيئة وذهابا .
اخذت كالي تمعن النظر فاكتشفت انه رجل , بدا الها انه طويل القامة وقوي البنية كان يسبح بنشاط ويقوم بحركات رياضية مثيرة , اخذت نفسا عميقا ثم زفرته بشدة حين اكتشفت هوية الرجل , وما كان منها االا ان ابتعدت عن الدرابزين وشعرت بان تصرفها غير لائق .
اخذت تحدث نفسها :"لا يفترض بك ان تجسسي على الرجل ! ادخلي !"
وحين همت بالدخول , سمعت صوتا اخر في داخلها يقول لها :"لم تهربين مثل لص في الليل؟ ما كنت تتجسسين ! انه هو من في الخارج وتحت نافذتك ويسبح !"
ادارت ظهرها له, لكنها بقيت على الشرفة . وراحت تردد في سرها :" عليك ان تدخلي ! حقا يجب ان تدخلي !"
وفيما خرجت هذه الكلمات من فمها استدرات ومشت على روؤس اصابعها حتى الحافة , ثم القت نظرة خاطفة . تبا لنظرها الثاقب ! لو لم يكن الضباب يغطي القمر , لراته وكانه في وضح النهار . ابتلعت ريقها بصعوبة لرؤية عضلاته المتلالئة تحت ضوء القمر الخفيف .
حين بلغ نهاية البركة, قام بحركة دائرية عائدا نحوالطرف الاخر,
فعضت كالي على شفتها وبلغ نبضها اقصى سرعته.
الفصل الخامس
5- النجدة السوداء
تساءلت كالي اذا كان نيكولاس يعرف كم يضايقها بالسباحة كل ليلة , فمهما تاخرت في عملها او في اخذ حمامها, كانت دائما تضع ميذلها وتسير ببطء الى شرفتها , لتلاحظ حركة في بركة السباحة كانت تعرف جيدا من يقوم بها وكيف.
لم تقصد كالي الشرفة لتنظر اليه , لا ليس هذا مادفعها للخروج, خرجت لتتامل سكون الليل وتنشق الهواء العليل وتراقب الضباب يلف المكان شيئا وشيئا, لسوء حظها , لم يغط الضباب المكان بالكامل , فبقيت ترى نيكولاس يندفع بسرعة البرق في الماء .
من جهة اخرى كان نيكولاس يسعى الى ازعاجها دائما . صباحا او مساء , في الليل او في النهار , نائمة كانت او مستيقظة ,وفيما كان يتعمد تجاهلها عند تناول الطعام , كان جده يتحدث اليها بتهذيب , باستمرار وراح ديون يلمح الى عار العائلة الموجع مرارا وتكرار في كل لقاء , وكانت ترتسم ابتسامة حقيقية على شفتيه كلما اتى على ذكر ذلك , فيخيل الى من يراهما انه يوجه لها اطراء على طريقة تصفيف شعرها . ولو لم تكن كالي قادرة على سماع كلماته او فهم اللغتين اليونانية والانجليزية , لظنت ان ديون مفتون بها .
ولكن بما انها تستطيع فهم هاتين اللغتينوتتكلمهما بطلاقة, فقد فهمت جيدا انها تشكل مصدر ازعاج كبير للرجلين, كان كل واحد منهما يساهم في جعل حياتها اكثر بوسا على طريقته وبدا هذا يؤثر على عملها فقد راح تركيزها يخف وتفكيرها يتشتت , وساعد على حدوث ذلك فترات الراحة التي كانت تقضيها ليلا على شرفتها , تتجسس .....او ..... تلاحظ بالصدفة وجود نيكولاس , يسبح في البركة .
اذا لم تحصل على فترة راحة , فليست واثقة انها ستقوى على الاستمرار, ولكنها عادت ونبذت الفكرة , قالت تحدث نفسها , وهي تنزع المفتاح الكهربائي بكل هدوءعن احد جدران غرف نوم الطابق العلوي :" لا تفكري حتى في ذلك لن تهربي! فهما لا يبرحانك ضربا بالعصي , لا تكوني جبانا , لا تدعي ما يقومان به يؤثر فيك نفسيا!"
سمعت احدهم يتنحنح خلفها فشعرت انه ليس كبير الخدم , تابعت نزع المفتاح الكهربائي بكل هدوء ,ثم قالت بنبرة غيظ لم تشا ان تظهر :"ماذا تريد؟"
- لم اكن مقاطعة حديثك مع المفتاح الكهربائي.
كان صوت نيكولاس يعلو شيئا فشيئا , فشعرت كالي انه يقترب منها .
- وهل اجابك ؟
بعد ان نزعت اخر مسمار منه , وقع المفتاح الكهربائي بين يدي كالي فتظاهرت بعدم المبالاة واخذت تتفحص الامدادات الكهربائية خلفه .
- لا ان المفاتيح الكهربائية لا تجيب , انها اكثر لباقة من بعض الرجال الذين اعرفهم هنا.
- وكم رجال تعرفين هنا ؟
- اثنين .
قالت ثم استدارات وقد سيطرت على تعابير وجهها لتبدو عملية .
- انت محظوظ يا سيد فاروس . لقد تم مؤخرا تجديد الامدادات الكهربائية في المنزل . سوف يوفر لك هذا بعض المصاريف .
لم تعرف لماذا قالت له ذلك ,فهو يملك من المال اكثر مما تملك كاليفورنيا من الليمون, لن يؤثر فيه دفع الالاف من الدولارات , ربما قالت له ذلك محاولة تغيير مجرى حديثه والتكلم في نطاق العمل .
- اشكرك على تفحص الامدادات الكهربائية .
واتكا على الحائط برشاقة ,فسرت رعشة في جسدها , ولكنها اخمدتها قبل ان تنعكس في حديثها معه, كان يرتدي كنزة رمادية ويتنعل حذاء رياضيا , وبدا وجهه احمر اللون وكانه كان يركض .
-لكني عاينت المكان قبل شراءه
فغضبت كالي لانها المرة الالف الذي يصدها فيها, وشرعت تقول :
- اذا ...........
وتراجعت بعض خطوات الى الخلف لتلتقط صورة للحائط , بهدف التوثيق , قبل ان تضيف :" هل جئت لتسالني عن امر ما ؟"
طرحت عليه سؤالها هذا , وهي تحاول التركيز على الصورة , التي تلتقطها , مع انه يقف على بعد ثلاث اقدام منها على الاقل , شعرت بوجوده قريبا جدا منها .
كان ينشر حوله هالة من السخرية والاثارة في ان واحد, مما تجعلها تشعر بخجل يجعل نبضاتها تتسارع , احست وكانها رشفت كوبين من القهوة قبل تناول اي من الطعام. وعندما انحنت لترفع الصينية عن الارض ارتكبت واوقعتها , فعادت ورفعتها , لكنها وقعت من جديد, فصرت على اسنانها ووضعت الكاميرا جانبا ورفعت الصنية بكلتا يديها .
- لم ارد مناقشة اي امر , بل كنت مارا من هنا ليس الا .
لم تصدق كلامه , فقالت :" وهل كنت تركض في الممرات ؟"
- لا ليس تماما , بل كنت اركض على البحر .
فقطبت كالي جبنيها وقد بدت الدهشة على وجهها :" اي بحر ؟
ضحك لسؤالها , فكانت هذه نقطة سوداء في سجلها .
- اعتقد انك لم تكوني تلميذة مجتهدة في صفوف الجغرافيا .
وضعت كالي يدا فوق اليد الاخرى التي كانت تحمل بها الصينية , وقالت :" اعرف ان المحيط الهادي هنا , لكن السنا بعيدين عنه ؟"
فهز راسه وقال :"ربما يجدر بك النظر من الناقذة من وقت لاخر , بدلا من النظر الى النافذة فحسب ."
واشار الى النافذة الفكتورية خلفها واضاف :"اليك هذه على سبيل المثال ."
اجفلت كالي , هل كان يقصد انها منهكة بعملها الى درجة انها لا ترى العالم من حولها؟ وانها مشغولة بالتفاهات فلا ترى جوهر الاشياء ؟ هذا ليس صحيحا , اذا كان من احد يقع عليه اللوم في غيابها الفكري , فيجب ان يقع على نيكولاس فاروس ولعبته الانتقامية , القط والفار.
وكان هو من يدفعها الى اللهو الان , فزفرت زفرة ساخطة واتجهت الى نحو النافذة حيث اخذت تتامل الحدائق الزاهية المليئة بشجيرات الخزامي ,وسرحت نظرها ليصل الى حائط حجري مظلل والى مرج متموج تنتشر فيه اشجار البلوط والصبار والارز , وخلف كل هذا , اجلفت كالي لرؤية مياه زرقاء تتلالا تحت اشعة الشمس بعد الظهر .
شهقت اعجابا واستدرات لتواجهه :" هذا المنزل يطل على البحر ".تفاجات لاكتشاف انها لم تدر بذلك اثناء البحث الذي قامت به حول المنزل , لكن السبب في ذلك يعود الى انها ركزت على تكوين المنزل وهندسته . وليس على الاراضي المحيطة به, ابتعد نيكولاس عن الحائط وهو يقول:"ثمة منتزه على شاطي البحر , وانا احب الركض بجانب المنحدرات الصخرية , فالمنظر رائع هناك , اذا كما ترين , ثم اماكن اخرى , غيربركة السباحة , فيها مياه ".
عند ذكره بركة السباحة , تصاعد في داخل كالي احساس بالذنب , فاشاحت نظرها عنه , واحست بوخز في جسدها , وتذكرت مشهدا اخر رائعا , ولكنه لم يكن المحيط الهادي هذه المرة بل جسد كائن ينضج بالرجولة .
وغمغمت تقول :" انت تتمرن كثيرا !"
- ماذا ؟
اغمضت عينيها وتمنت لو انها لم تقل ذلك بصوت عالي .
- اه.. انت قلت .....
الاعتراف بانها كانت تراه كل ليلة يسبح هو التصرف الاكثر غباء الذي اقدمت به , لذا , هزت راسها وهي تكذب :"قلت انني لم الاحظ بركة السباحة ".
حاولت الا تظهر اي انفعال وهي تنظر اليه , لكنها لم تستطع , لم تكن معتادة على الكذب .
بدت تعابير وجهه غير مفهومة وغير مقرؤة , فانزعجت كالي لذلك , بدا غاضبا وضاحكا ومنزعجا في ان واحد ولم تستطع معرفة ما اذا صدقها , اوما اذا كان يكترث لان تراه يسبح ,
ياله من رجل مثير بالغضب !.
- يجب ان ترى المحيط عن كثب .
وتابع يقول وهو يدس يديه في جيبه :" لا اعتقد انك ستحظين بفرصة رؤية مماثلة في كانساس !"
شعرت بالوخز من ملاحظته وتحول الذنب عندها الى استياء , فقالت :"المحيط ليس المشهد المثير الوحيد في العالم!",
عضت على شفتيها , فقد بداعليها الاضطراب , وقالت تحدث نفسها :"لا تكوني سخيفة يا كالي لم ترتكبي اي خطا , لم تقولي اي كلمة تدينك !"
- لقد ذهبت الى فلوريدا مرتين ,لا اعتقد ان المحيط الاطلسي يختلف كثير عن المحيط الهادي ".
- رمقته بنظره حادة قبل ان تستدير متجهة الى الحائط الذي نزعت منه المفتاح الكهرباءي .
- علي القيام بعملي , ولا يدخل تامل المحيطات نطاق عملي .
وتابعت تقول بعد ان رمقته بنظرة قاسية :"لست هنا في عطلة , ولا انوي بالبقاء في المنزل مدة اطول من الازم, لكن اعدك الا الجا اليك اذا ما احتجت الىالتسلية !"
لم تترك ثورتها اي اثار ظاهرة عليه , وبقيت ابتسامته مجرد حركة بسيطة من فمه , لكنها شعرت بانه يتلاعب باعصابها , لما لا تحافظ على رابطة جاشها معه ؟سبق لها ان تعاملت مع زبائن صعبي المراس من قبل ,.لكنها بقيت مثالا للياقة , ولكن ماالذي يدفعها الى شفير الجنون عندما يتعلق الامر بنكولاس فاروس ؟
- لن تلجاي الي يسرني اننا متفقان !"
وقطع الرد الساخر تاملها الغاضب .
- المعذرة انسة انجليس , على الانسحاب لا غير ملابسي واتحضر للعشاء .
تكلم باسلوب ساخر ثم هم بالمغادرة , وشعرت كالي برغبة قوية في ان تطلع نيكولاس على فكرة روادتها , فقالت :"سيد فاروس ".
توقف نيكولاس عند الباب والتفت نحوها :"نعم "
- باتت والدتي وحيدة الان بعد رحيل جدي كريس , وبما انها اهتمت به عدة سنوات , فهي تشعر بالضياع من بعده , وكنت ارغب بان تاتي وتمكث هنا معي خلال فترة عملي . اعلم انني لا املك الحق في طلب ذلك , لكن لقد سبق لامي ان التقت بجدك , ولديهما اصدقاء مشتركون في اليونان , لذا فاني واثقة من ان اقامتها هنا ولقاءها بديون مجددا والتحدث معه عن اصدقائهم القدامى والعائلة سوف يريحها .
لم تضف كالي ان وجود والدتها سوف يوازن الفروقات في الحرب بين ال فاروس وال انجليس , وان كان ثمة من يمكنها الاعتماد عليه في حربها هذه , فهو امها ودعمها القوي لها.
اخذ يتاملها وقد سيطر التوتر على الموقف . لاول مرة شعرت كالي انها تسمع الامواج تتكسر على الصخور, ام انها نبضات قلبها تدوي في اذنيها ؟
بدا نيكولاس مثيرا في وقفته هناك . هل كل ما تراه مثيرا في ذاك الرجل يلفقه لها خيالها , اومجرد ردة فعل هرمونتها الانثوية على رجل مثير , يظهر بوضوح كرهه لها ؟
قال لها :" اهلا وسهلا بوالدتك , طبعا!"
ثم استدار خارجا من الغرفة .
كانت قد حضرت نفسها للاحتجاج , ففتحت فمها لتقول :"ايها العديم الاحساس!لكنها ادركت متاخرة ما قاله لها , وترحيبه بزيارة امها.
غمغمت تسال نفسها و وقد اذهلها جوابه الغير متوقع :" هل الامر حقا كذلك ؟"
بقيت مذهولة وهي تستدير نحو الحائط ,كانت عملية اعادة المفتاح الكهربائي صعبة لا سيما ان يديها راحتا ترتجفان .
اهلا وسهلا بوالدتي , طبعا ؟
اخذ القلق يتاكلها من جديد , لم تكن تثق بينكولاس فاروس ولا بافعاله ...حسنا يا سيد حقود اي خطة فاسدة تنوي تنفيذها الان ؟
اعربت كالي لوالدتها عن قلقها من هذه الدعوة , عبر الهاتف , وقام شارلز بكل الترتيبات كما دفع نيكولاس ثمن بطاقة السفر , مما فاجا كالي وجعلها اكثر حذرا , ما هذا اللطف الذي حط فجاة على رجل يبدو سعيدا بتمضية نصف نهاره في مراقبتهاوهي تجد وتكد .
رغبت كالي في اخذ قسط من الراحة لتلاقي والداتها في المطار , لكنها ادركت ان ذلك سيكلفها الوقت الكثير فتطول اقامتها تحت سقف هذا المنزل , الذي لا يثق بها اهله , لذا طلبت من شارلز ان ياخذ والداتها من المطار الى المنزل , نظرت الى ساعة يديها, فايقنت انها الثالثة والنصف , لقد حطت الطائرة منذ ساعتين , لذا, اذا ذهب شارلز ليقل والداتها فسيصلان في لحظة , واخيرا سوف يكون لها حليف!
قررت ان تنقل عمل التوثيق الذي تقوم به الى البهو , واخذت تلتقط صورة لافريز عميق , كانت طبقات الطلاء قد محت معالمه الحقيقية بعد ان صورته , دونت كالي بعض الملاحظات , كانت الافريزات المنتشرة في المنزل كله بحاجة الى التقشير بدقة لاعادتها الى ما كانت عليه من الجمال .
عندما ينتهي تجديد المنزل , قد تعطي كالي اثمن ما لديها لتمدد اقامتها فيه , لتبقى بعضة ايام تتمتع بتامل تفاصيله كلها. لكنها لن تقدر , وستكتفي بان تحلم كم سيصبح هذا المنزل المهيب جميلا .
سمعت كالي صوت الباب يفتح فحبست انفاسها و , بدا الباب يفتح شيئا فشيئا , فوقفت كالي صامتة على السلم , حليفتها المخلصة على وشك الدخول .
سمعت قهقهة , وعرفت انها امها , لكن لما القهقهة ؟
فلم تمضى سوى ايام قليلة على وفاة كريس الذي جعل زو برحيله , مفطورة القلب , انها قادرة حقا على القهقهة كفتاة مازالت في المدرسة ؟ ما سبب هذه المعجزة؟
اختلطت ضحكة زو بضحكة اخرى اعمق , وعرفت كالي على الفور انه نيكولاس , مع انها لم تسمعه يوما يضحك ! ماالامر ؟ هل ذهب بنفسه الى المطار ليقل والداتها ؟ الهذا السبب لم تجده في المنزل بعد الظهر ؟ ومع ان عقلها ابى ان يصدق ذلك , لم تعد تساورها اي شكوك حين فتح الباب وراتهما بام عينيها.
دخلت الحسناء الفاتنة زو وهي تمسك بيد الشاب الوسيم الضاحك نيكولاس فاروس, كان وجه زو باسما وعيناها اكثر اتساعا من العادة وبدت اصغر بعشر سنوات من سنها الحقيقي .
عند رؤيتها , هتفت كالي من دون ان تعي انها تكلمت بصوت عال:" ماما!"
انحسرت ابتسامة الثنائي ونظرت زو من حولها , كان الفستان الاحمر الذي ترتديه يعكس جمال قدها , تاملت كالي اناقة والداتها , وتمنت لو انها ورثت عنها نحولها بدلا من جسم ال اجليس الممتلىء.
حين وقع نظر زو على السلم , رفعت عيناها الى اعلاه فوجدت ابنتها .
عندها عادت الابتسامة الى شفتيها مع ان كالي شعرت بومضة استياء في عينيها , واعتبرت كالي ان خيالها صور لها هذا , لا سيما انها عند اعلى السلم .
- عزيزتي !
افلتت زو يد نيكولاس وفتحت ذراعيها قائلة :" انزلي عن هذا الشيئ يا حبيبتي واعطي امك قبلة ".
تلاشت شكوك كالي , وامسكت بكاميرتها ودفتر ملاحظتها واخذت تنزل السلم , وقالت وهي تنزل :" امي تبدين رائعة "
كانت وجنتيها متوردتين وعيناها الرماديتين لامعتين , وبدت لها احسن حالا مما تركتها عليه , منذ خمس ايام.
- امل ان تكوني استمعت برحلتك !
- نعم كانت رحلة جيدة , جيدة جدا !
تجاوزت كالي الدرجتين الاخريتين من السلم واسرعت تحضن والداتها :" انا سعيدة جدا!
تجنبت النظر الى نيكولاس , لكنه كان قريبا جدا منها , قريبا الى درجة انها شمت الرائحة الزكية لعطر بعد الحلاقة الذي يستعمله , وشعرت بحرارته .
بعد ان قبلت زو ابنتها , قالت :" نيكولاس مضيف رائع !"
وافلتت يد كالي لتعود وتلتقط يد نيكولاس , فشعرت كالي بقشعريرة سرت في جسدها لدنوه منها اكثر .
احست كالي بوجود خادم يدخل الحقائب ويحملها الى الطابق العلوي , لكنها لم تستطع التفكير الا في نيكولاس , كيف يبدو,راحته ,قربه , طوله ,وقفته , وصمته .
قالت زو :" انه شاب لطيف وكريم "
وربتت على وجنة نيكولاس بشي من عاطفة الامومة وتابعت تقول :"لقد دار بيننا حديث شيق , وكاننا نعرف بعضنا البعض منذ سنوات !"
والتفتت نحو ابنتها فادركت كالي انها ليست مخطئة هذه المرة , فقد ارتسم اللوم في عيني والدتها . وقالت زو لابنتها وهي تربت على وجنتها :"لا اعتقد اني ربيت فتاة حمقاء , اذا عزيزتي لما لست بعد السيدة فاروس ".
وابتعدت عن ابنتها التي بدت مذهولة وخائفة من الاجابة . ثم قالت لنيكولاس وهي تبتسم كمراهقة متيمة :" اعتقد انني ساخذ حماما طويلا قبل ان يحين موعد العشاء ".
وامسكت بذراع نيكولاس وهي تقول :"انا متشوقة جدا لرؤية ديون مجددا , انه رجل مرح مثل حفيده ".
بقيت كالي تقف مذهولة وتتنفس بصعوبة فيما صعدت امها مع مضيفها الدرج , بعد قليل , ترددت صدى كلمات امها في راسها .
اذا لم لست السيدة فاروس بعد ؟
ما الذي حدث ؟ هل كانت هذه المراة امها , الشخص الذي املت ان يكون حليفها, رغم كل شي ؟الشخص الوحيد على الارض الذي ظنت انه سيقف الى جابنها ويساندها في وجه الجميع ؟
كانت زو انجليس اما حنونا ومخلصا , بكل معنى الكلمة , ما كانت لتتخلى عن مساندة ابنتها الوحيدة , حتى ولو اعجبها ذاك الرجل الشرير المختبىء في ثياب الامير الساحر .
بعد مضى ساعة , صعدت كالي الدرج بعد فرات والدتها عن اعلاه .
- ماما؟ ظننك تاخذين حمامك .
- لقد قمت بذلك , هل تودين ان امضى كل الوقت في الاستحمام ؟
نزلت زو السلم , من دون ان يحدث حذاوها الرياضي اي شيئ, كانت ترتدي سروالا اسودا واسعا وبلوزة زرقاء فاتحة اللون , اما شعرها الغامق , فربطته على شكل ذيل فرس , مما جعلها تبدو اشبه بشقيقة كالي الصغيرة لا امها .
قالت لابنتها بصوت منخفض وكانها تحبك مؤامرة :" عزيزتي , اود ان اتحدث اليك في موضوع ".
تركت كالي دفتر ملاحظتها وكاميرتها جانبا ,وهي تنظر الى القلق الذي بدا في وجه امها ,وسالتها :" هل من خطب ؟"
اتجهت زو نحو ابنتها وامسكت بيديها , ثم قالت لها :" يجب ان اعرف ماذا اصابك ؟"
لم تفهم كالي ما قلته امها فاستفهمت :" ماذا اصابني ؟"
فقطبت زو حاجبيها ومالت نحو ابنتها تهمس لها :" بشان نيكولاس ".
شعرت كالي بالاضطراب فقالت :" لا ....لا اعلم ماذا تقصدين , امي ".
- يا عزيزتي , حين عدت من كانساس وقلت لي انك تراجعت عن قرارك بشان الزواج من نيكولاس , لقد قلت لك ان الامر يعود لك , ولا دخل لي بحياتك !"
توقفت قليلا عن الحديث لتضغط على اصابع كالي ثم تابعت :"لكن بعد ان التقيت هذا الرجل , بت اشك في سلامة عقلك !"
ورمقت ابنتها بنظرة مركزة ملؤها الشك , ثم سالتها :"ما الذي لا يعجبك فيه ؟اليس وسيما بما فيه الكفاية ؟ اليس غنيا بما فيه الكفاية ؟ اليس كريما بما فيه الكفاية , فقد جعل المراة التي نبذته , تجدد له منزله ودفع ثمن بطاقة الطائرة لوالدتك لتاتي لزيارتك. اليس هو نفسه الذي كان جدك معجبا به كثير ! الا يكفيك كل هذا ؟"
ثم افلتت يدي ابنتها وقالت لها :" ما الذي تحتاجينه في رجل لتجديه صالحا بما فيه الكفاية ؟"
كانت كالي تعرف ان امها لا تلجا الى السخرية الا حين تصبح غاضبة او شديدة الاستياء , او في كلتي الحالتين . لهذا دقت نبرتها الساخرة اجراس الانذار .
-من فضلك يا امي , لقد انتهى الموضوع . اعرف ان نيكولاس يملك كل هذه المميزات , بل اكثر من ذلك !.
- وهل من ميزة لم ات على ذكرها , عند هذا الرجل ؟ ما هي ؟ هل هو لطيف مع الحيوانات , هل هو شغوف بالاولاد ؟.
عادت تتحدث بتلك النبرة الساخرة للمرة الثانية في اليوم الواحد, فكان هذا دلالة واضحة على ان زو غاضبة جدا.
- ماما . عندما قلت لك ان هناك اكثر من ذلك , لم اكن اعني اي ميزة , كلمة اكثر قد تعني عيبا ايضا!.
- عيبا !
لم تتغير تعابير وجه امها , ورات كالي علامات الشك على وجهها .
- هل ضربك ؟.
- لا , لا , بالطبع لا .
- هل قامر او سكر ؟.
- لا , لا بحسب علمي .
اصدرت زو صوتا نم عن احباطها ورفعت يديها وكانها تقول :"انا استسلم !.
فعبست كالي وقد بدا الاستياء على وجهها وقالت :"ماما , هذا الرجل محب للانتقام . لقد جعل حياتي بائسة منذ اللحظة التي التقينا فيها في المطار , لذا انا اعلم من خلال تجربتي الشخصية انه ابعد ما يكون عن مثال الكمال الذي تظنيه ".
- محب للانتقام ؟.
واتسمت لهجة زو بالاتهام وارتفع صوتها .
- ولم تظنين انه كذلك ؟ لعلك جرحته حين نبذته اخر دقيقة ؟.
وتابعت تقول :"انه من ال فاروس , عائلة يونانية قديمة , لديها كبرياؤها , ماذا لو انقلبت الموازين ؟ماذا كان لو هو من نبذك في اخر لحظة ؟اما كنت ستشعرين بالرغبة بالانتقام ايضا؟"
- لا .
قالت كالي ذلك وهي متاكدة تماما من انها تعني ذلك , حسنا , شبه متاكدة من انها تعني ذلك .
- لا كنت ساتابع حياتي ....وانساه .
وفجاة ساروتها فكرة فحولتها الى حجة وقالت :"ما كان والدي ليتصرف على هذا النحو السي.
تغيرت تعابير وجه زو للحظة , لكنها عادت وقطبت جبينها , ثم قالت :"كان والدك ليلحق بك بساطور الجزار ".
- ماذا ؟.
لم تصدق كالي ذلك , لم تستطع حتى تخيل هذا الموقف المضحك .
- هذا ليس مضحكا .
- لم اقصد ان اجعل الامر كذلك , يا عزيزتي , كان لوالدك طبع خاص وكبرياء الرجولة , كان شغوفا بك جدا . لكنه كان يغضب بشدة اذا ما ازعجه احدهم , من المؤكد انه كان سيصبح محبا للانتقام , لو كان حيا اليوم , لما راقه تصرفك , كان سيقول انك لطخت شرف ال انجليس .
لم تستطع كالي ان تتكلم من جراء دهشتها .ما كان والدها ليقول شيئا مماثلا , فهومثال للطاقة .
- ماما , لا يحق لك ان تقولي اشياء مماثلة عن ابي !
- لقد كنت زوجته وقد احببته يا كالي . لكنه لم يكن كاملا , ما من رجل كامل في هذا العالم .
امسكت امها بيديها مجددا وضغظت عليهما بقوة , فالمتها , وكانها تحثها على التفكير بحكمة .
- لقد فقدت والدك حين كنت فتاة صغيرة , من الطبيعي ات تجديه كاملا , لكن لا تدعي تلك الصورة تصبح المثال الذي تبحثين عنه في شريك حياتك . فالرجال يغضبون , وهم ليسوا قديسيين ولا تتوقعي من نيكولاس من ان يكون كذلك .
ثم تابعت تقول :" يا عزيزتي , اريد منك ان تكلمي نيكولاس وان تطلبي منه ان يسامحك ويتزوج بك , اذا تركته يفلت منك ,فستكونين حمقاء , صحيح اني قلت لك انني لن اتدخل في امورك الشخصية , لكن هذا الرجل هو مثال الرجل الذي تتمناه كل امراة من جهة المنظر والعقل والغنى و الشرف والاخلاص .
فقالت كالي ساخرة :" شرف ؟ اخلاص ؟ عما تتكلمين ؟ اين الشرف عن شخص محب للانتقام ؟ واين الاخلاص عند رجل يعاملني احيانا وكانني خادمة بنصف عقل , واحيانااخرى يزار كاسد غاضب؟"
فقالت زو بغضب :"يمكن لنيكولاس فاروس , ان يحصل على اي امراةيريدها . لكنه كان جاهزا ليبرم عقد الزواج , اليس كذلك ؟"
ادركت كالي انها كانت تصرخ وتتكلم بصوت عالي , وهي تقول :" انه رجل كثير الاسفار , ينتقل من بلد الى اخر ولا يملك الوقت ليغازل امراة , انه كثير الاعمال وليس لديه الوقت ليقع في الغرام".
- لمعلوماتك يا ابنتي , لقد قال لي جدك كريس ان نيكولاس لا يفضل الزواج المبني على المشاعر والاحاسيس , فقد ترك والده امه ليلحق بامراة اميركية الى كاليفورنيا ليتزوج بها , انا متاكدة ان هذه التجربة جعلته لا يميل الى الزواج المبني على الحب.
كانت هذه معلومات جديدة بالنسبة الى كالي ,لكن موقفها لم يتغير فقالت :"اذا , الامر كما ظننت لم يستند قراره الى الشرف بقدر ما بناه على الحيلة ".
صرخت زو وقد بدات اللهجة اليونانية تطغي على حديثها , من جراء الغضب الذي انتابها :" لا علاقة بدوافعه بما تقولينه".
- بل هي على علاقة بما اقول.
لم تصدق كالي ان الامور وصلت بينها وبين والدتها الى هذا الحد , وتابعت تقول:"من فضلك اخفضي صوتك . ماذا لو سمع حديثنا ؟"
- اذا كان الصراخ يعيدك الى رشدك , فساصرخ !"
- لكن ماما .
قاطعتها زو قائلة :"نيكولاس ليس في المنزل , رايته يخرج , وديون ليس هنا !"
ثم امسكت بذقن كالي وتابعت تقول :"حتى لو كانا يستمعان,لا يهمنى فنحن لا نقول اشياء يجهلانها".
- من فضلك يا امي .
افلتت كالي ذقنها من بين يدي امها وتراجعت نحو الخلف قائلة :"دعينا لا نتشاجر ".
- نحن لا نتشاجر , كل ما اقوله لك ان نيكولا رجل رائع ومخلص...
- مخلص؟.
التفتت اليها كالي وقد ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها , وتابعت تقول :"انها المرة الثانية الذي تقولين فيها انه مخلص , لم هو مخلص بالضبط؟.
- لذكرى كريستوس بالطبع ولرغبة جده .والان ....
امسكت مجددا باصابع كالي وضغطت عليها قائلة :" اذهبي الى نيكولاس وتوسل......
- لا تقولي هذا مجددا!لن اقوم بذلك .
ابتعدت عن امها وهي تقول :"لقد واجهت ما يكفي من المتاعب مع رجال فاروس , فاذا كنت ساواجه المتاعب معك , فساقدر لك اذا ما استقليت اول طائرة عائدة الى كانساس !.
- لن افعل ذلك ! سوف ابقى الى ان تقومي بما هو صحيح .
- ماما , انك تقولين الحماقات , انه لن يقبل بي مجددا , انه يكرهني !
- لقد جرحت كرامته , فاطلبي منه المعذرة , لن تصلحي الامور قبل االاعتذار !
اصلاح الامور ! نيكولاس مستعد لرميها من اي شباك بدلا من التفكير مجددا بالزواج منها , شعرت كالي بالخوف من رؤية امها المشوهة للحقيقة . بقيت تتاملها متسعة العينين ونبضات قلبها تتسارع . وحين افاقت اخيرا من ذهولها , استدرات وخرجت من الباب .
نزلت السلم متجهة الى الحديقة فلاحظت وجود نيكولاس هناك , ونيكولاس اخر شخص تود رؤيته . كانت وجلة وغاضبة من امها ومن نيكولاس الذي قال لها :"لم العجلة انسة انجليس ؟"
كان متكئا على جذع شجرة بلوط مخباة بين الاشجار , فكادت لا تراه , لكن ابتسامته الخداعة كانت تومض في الظلال , شعرت كالي كما لو انها ارنب ونيكولاس ثعلب , لكن , لو كان الحال كذلك لكانت ارنبا ميتا الان .
بدت شاحبة لانها ظنت انه اتفق مع امها ضدها , فالتفتت نحوه ووجهت اصبع الاتهام اليه قائلة :"حسنا يا بال , ماذا فعلت لها ؟"
6/موعد على العشاء
ما إن قالت كالي كلماتها هذه ، حتى أدركت أن ما قالته مثير للسخرية وهستيري 0 لم يتفوه نيكولاس بأي كلمة لوقت طويل ، وبقي متكئا على جذع الشجرة لكن شيئا تغير ، إذ ماتت الابتسامة عن شفتيه 0 وبعد ثوان قليلة ضاقت عينيه 0في الواقع لم يكن يتوقع منها أن تلومه بعنف لدفعة ثمن بطاقة سفر والتها إلى كالفورنيا0
استشاطت غيظاً قائلة : لقد استملت أمي إلى جانبك بإطراءاتك 0ومن يعلم ماذا فعلت أيضاً ؟!!
قطب نيكولاس حاجبيه لسماعه كلماتها وابتعد عن الشجرة وسار بتمهل نحوها 0لم تكن واثقة من رغبتها في أن يخرج إلى ضوء الشمس ، فقد أخافها بما فيه الكفاية وهو يقف في الظل 0
- على الرحب والسعة آنسة أنجليس ! آمل أن تستمتع زو بزيارتها 0
- توقف على بعد ثلاثة أقدام منها و أخذ ينظر إليها من حذائها المغبر إلى شعرها المشعث والمغطى بخيوط العنكبوت 0 وفجأة تملكها الغيظ ، فتخللت بيدها شعرها المشعث ، آملة ألا تكون متسخة كثيراً 0 فهي لا تشعر أنها بحال جيدة حين يكون مظهرها غير لائق0
- قالت تحدث نفسها : - ومن يكترث لما يقوله ؟ هيا قفي جيدا وقابلي نظراته بنظراتك 0لديك الحق في أن يكون هناك خيوط عنكبوت على رأسك , فقد بقيت متعلقة بالسقف المتسخ طيلة النهار ، ولديك الحق بأن تكوني غاضبة 0لقد أستطاع بحيلة ما أن يجعل أمك تقف ضدك 0
رفع يده ودنا منها ، فأبعدت يده عنها وصرخت تفاجأ لشدة انفعالها ، فبقي صامتاً ويده مسمرة في الوضع الذي كانت عليه
نظرت إليه قائلة : ما كان هذا ؟
فأنزل يده متأخراً ، وقال ساخراً : - خدك ملطخ
شعرت بالحرارة تعلو وجهها ، وفركت اللطخة
- حسناً ، لكنه ليس سبباً كافياً لتضربني !!
- اتسعت عيناه للحظة ، ثم استعادت تعابير وجهه جمودها وشعرت كالي أن ردة فعلها المبالغ بها ضايقته
- كان ذلك مجرد مزاح ، آنسة أنجليس ! والآن أود استئذانك لأذهب و أغير ملابسي ، فلدي موعد
سمعت كلمة (موعد ) لكنها لم تفهمها جيداً في بادئ الأمر
- موعد ؟!
سمعت نفسها تردد كلمته بصوت عالٍ ، فأدركت فجأة معناها وعضت على شفتها وقد ضايقها أن ترددها بصوت عالٍ وبهذه النبرة البائسة هز نيكولاس كتفيه استهجاناً ودس يديه في جيبي بنطاله الجينز وقال :
- لدي الكثير من أوقات الفراغ لذا قررت أن أستفيد منها
فقالت بضحكة هازئة :
- بضرب المواعيد ؟
لِِم لم تسرها هذه المفاجأة ؟ يمكنه الخروج في مواعيد متى شاء ، فهذا لا يهمها أبداً
- ضرب المواعيد ليس بأهمية إيجاد علاج للبرد ، لكن إذا كنت تظن أنه سيأتي بنتيجة ، فقم به
رفع حاجبه لسخريتها وقال : شكراً ، هذا ما سأقوم به ، ومن دون موافقتك
ثم استدار وتوجه نحو المنزل
شعرت بالانزعاج لسخريته وقبل أن تدرك ما تفعله ، انطلقت مسرعة نحوه
- أردت أن أسألك سؤالاً أخيراً قبل أن تذهب
استوقفته قبل أن تتابع :
- لم تعطني جواباَ مباشراً عن موضوع أمي0
لم عادت تثير هذا الموضوع ؟ لِم لاتتركه يرحل ؟ كان يتمنى أن يرحل ، فلم تطلب منه أن يبقى ؟
- أظنك تعلم أن أمي أصرت على أن أركع أمامك و أتوسل إليك لتقبل بي مجدداً0
وتابعت تقول : - بما أنك مارست سحرك عليها وجعلتها تعتقد أنك رجل كامل ، ماذا تقترح أن أفعل الآن ؟
استدار ليواجهها وقد بدا الغضب عليه ، وقال :- اعتقد أن الرجال المؤدبين قلائل في كانساس0
أخذت كالي حذرها من جوابه ، وبقيت تنظر إليه وهو يقول : - كنت أتصرف كجنتلمن فحسب 0 ولم أحاول استمالة والدتك إلى جانبي 0 كل ما قمت به هو معاملتها بالاحترام الذي تستحقه 0 فقليلات هن النساء اللواتي يهتممن بحماهم لأعوام ، من دون تذمر ! زو امرأة رائعة 0 لقد أعجبتني و أعجبني إخلاصها للعائلة 0 لم لا يجدر بي معاملتها باحترام ؟
ومال قليلا نحو الأمام وقال بصوت منخفض :
- وهل تفضلين أن أعاملها بالازدراء الذي تستحقين أن تعاملي به ، لأنها والدتك فقط ؟
كانت عيناه تقدحان غضباً وسخطاً ، فبدت نظرته مخيفة لا بل تخطف الأنفاس0
لم تعرف كالي ماذا تفعل إ ذ لم يعد عقلها يعمل جيداً 0 كل ما استطاعت التفكير فيه هو الغضب الذي يتقد في عينيه 0 كان ذلك أشبه برؤية نار بعيدة في ليل مظلم ، و التوق للتدفؤ بحرارتها مع أن الاقتراب منها كثيراً قد يحرق ؟
قال لها وقد ارتسمت على وجهه تعابير لم ترها من قبل : لم تجعلني أمك موضع سخرية الناس 0لكنك قمت بذلك يا خطيبتي السابقة0
تلفظ بكلماته هذه وقد بدا كذئب مجروح غاضب وخطير ، فذعرت لمنظره 0 هل سيمسك بها ويرميها في البحر ؟
وقف هناك طويل القامة ، مهيب المظهر وقد تملكه الغضب 0تنفست بصعوبة وشعرت بالألم في صدرها لمحاولة التقاط أنفاسها 0بدا الصمت بينهما غير مفهوم ، وتسارعت الأفكار في رأسها وتدافعت من دون أن تؤول إلى شيء 0خفق قلبها بقوة فانسجمت نبضاته المتسارعة مع صوت الأمواج المتكسرة عند الجرف القريب0
بدت وكأنها تتوقع حدثاً ما ، لكن ماذا ؟ قدرها الوشيك ؟
أخذ يتفرس في وجهها ثم توهجت نظراته فبدت مبهجة ومزعجة في آن واحد 0 لم تستطع كالي الحراك ولا التفكير بعد أن سمرها التوهج الذي شهدته في عينيه 0
أطبقت عليها ذراعاه بشدة 0 كان عناقه ملؤه الازدراء 0 وقد عكس حقيقة أبت شفتاه أن تقولها ، ولكنها عجزت عن نكرانها 0 لم يكن أمامها خيار إلا أن تبادله العناق 0وسرت في جسدها قشعريرة سمرتها 0
أذهلها تجاوبها العنيف معه وإحساسها بدفء رجولته 0 وتملكها شعور غريب ، حاجة غير مبررة للغرق في بحر المشاعر التي تحس بها0
فجأة توقف كل شيء كما بدأ فقد لاح في عيني نيكولاس بريق بارد شق طريقه إلها 0هم بالكلام لكنه عاد وفكر بالأمر ، وعدل عن ذلك 0بدا مضطرباً ، وصر على أسنانه ثم استدار واتجه نحو المنزل0
ما إن استدار واتجه للمنزل حتى فقدت كالي القدرة على الوقوف فجثت على ركبتيها وسط الحشيش والورود 0 بعد الارتباك الذي شعرت به ، بدأت تسترجع قدرتها على التفكير والإحساس ، فشعرت بالحزن 0لم تستطع أن تشعر إلا بالحزن والألم 0 ولم يكن ألمها جسدياً بل نفسياً0
خنقت تنهيدة وبكت ، بعد أن شعرت بأنها ****ة وضعيفة لردة فعلها 0وبعد أن عجزت عن التغلب على ما اعتمل في نفسها ، حولت نظرتها الحزينة إليه لتراه يبتعد عنها متجهاً نحو المنزل 0
بقي نيكولاس وحيداً لبرهة ، يتسأل لم لا يستطيع أن يكف عن التفكير في امرأة لم تسبب لع إلا المتاعب 0 وكره الشعور الذي ينتابه كلما رآها0
كان يعلم أنها لبست الجينز والقميص لأن عملها قد يجعلها تتسخ 0لكن ما الذي جعلها تبدو بهذه الجاذبية ؟ كانت تشبه مارلين مونرو إلى درجة تثير أعصابه وتكاد تؤثر به 0
تكاد ؟!!
كان يستشيط غضباً منها ، ومن نفسه لأنه رغب فيها 0 لا بد أنه فقد وعيه 0 كان ذلك مثيراً للسخرية ومحبطاً 0 لكن لو لم يكن بينهما ذاك التاريخ الذي ألحق العار به وبعائلته ، لطلب يدها الآن 0 ولكن في هذه الظروف الراهنة ، لن يتمكن من ذلك 0 حسنا ً ، بل يستطيع !! لكنه لم يستقدمها إلى هنا لهذا السبب 0
أجفل نيكولاس وفرك عينيه ، محاولاً أن يمحو صورة وجهها من ذهنه 00لعل الإحباط الذي يصيبه كل يوم حين يراها والمشاعر الجامحة التي تجتاحه و 000حسناً ، ربما لهذا السبب قرر أن يبدأ بالخروج مع نساء أخريات 0 لكنه كان يشعر نحوها بشعور غريب ، شعور يتملكه رغماً عنه 0
غمغم يقول :
- أيها الغبي الذهاني !!
- ماذا قلت يا نيكولاس ؟
تشتت تخيلاته بشأن كالي 0 تذكر أنه على موعد الآن مع فتاة ، فضحك لـ 000ما كان اسمها ؟!! ماري ؟ ميرا ؟ لسوء الحظ ، لم يكن مهتماً بمعرفة اسمها 0 أخذ يبحث عن إجابة تبرر ما قاله ، فرد :
- كنت أتساءل عما إذا كانت شريحة اللحم كافية لك ؟
فرمقته بنظرة حالمة واقتربت منه أكثر وقالت :
- إنها لذيذة !!
وضعت يديها على سطح الطاولة الزجاجي ، فبدت ذراعاها طويلتين وأظافرها مطلية بعناية 0 لم يستطع نيكولاس إنكار أنها جذابة 0 كانت شقراء ممشوقة القوام ناعمة البشرة0
- نعم اللحم لذيذ الطعم !!
قالت ذلك وابتسمت ابتسامة ساحرة ، وكأنها تقول له إن اللحم لم يكن الشيء الوحيد اللذيذ على الطاولة 0
أختلس نظره إلى طبقها ، فوجد أنها أكملت شريحة اللحم بلقمتين 0 كان يعتقد بالنظر إلى نحولها ، أن ملعقة واحدة مليئة بالطعام ، تمثل قمة الشراهة 0
شعر بالاستياء والغضب ، ما خطبه ؟ فالمرأة جميلة 0 لِم يشعر في داخله وكأنه أسد يدور في قفص ؟ وفيما كان يمضغ طعامه ، قرر أن يحافظ على ابتسامته ، وتسأل عما إذا ستنتبه الحورية التي تجلس قبالته ، أنه لم يدعها باسمها ؟؟!!
حاول مجدداً طرد أفكار راودته بشأن كالي ، فكافح ليصب اهتمامه على من تتناول العشاء معه 0 بحق الله ، ما كان اسمها ؟ ماري ؟ مارغريت ؟ اسمها يبدأ بحرف الميم وهو شبه متأكد من ذلك 0 قالت الشقراء :
- علي الاعتراف يا نيكولاس بأنني فوجئت باتصالك بعد الظهر !!
- ليس بقدر ما تفاجأت أنا لقيامي به 0 لقد التقى بها مرة في حفل زفاف صديق له ، فأعطته بطاقتها 0 وقد وجد هذه البطاقة اليوم بالصدفة ، فاتصل بها 0 كان بحاجة للخروج مما هو فيه ، لأن يكون مع امرأة لا ترمقه بنظرات ملؤها الحقد والعداوة 0
- قال لها :
- - أنا مسرور لأنك قبلت الدعوة 0
- أنا مسرورة لأنك أتصلت بي 0 أنا آسفة لما قرأته مؤخراً عن 000حسناً أنت تعلم عما أتكلم !
- كان يعلم 00كل من في سان فرنسيسكو يعلم 0 جاهد نيكولاس كيلا يجعل الابتسامة التي تلوي فمه ، تفارق شفتيه 0 وأفترض أنه كان عليه أن يعرف أن الموضوع سيثار ، أشاح نظره عنها ، ونظر إلى فناء ذاك البناء الفكتوري 0 لمَ قرر أن يتناول العشاء هنا ، من دون الأماكن الأخرى كلها ؟ كان المكان واسعاً ، وتناول العشاء في البهو ، من شأنه أن يؤمن العزلة لهما 0 لكن لِم هنا ؟!! هل يظن أن مغازلة امرأة أخرى أمام عيني خطيبته السابقة ، سوف يهينها أكثر وأكثر ؟! هذا ما يمكن أن تكون عليه مشاعرها لو كانت تحبه 0 لكنها لا تشعر بذلك نحوه ، بل لا تحاول أن تخفي كرهها له !
هل أراد في داخله أن يجعلها تغار ؟
تغار ؟ أجفل من الفكرة 0 لكن هذا هراء ! مجرد هراء !!
- أجد أنك حكيم جداً لأنك قررت أن تتابع حياتك بشكل طبيعي 0
قالت الشقراء تلك الكلمات وهي ترمقه بنظرات الاهتمام وكررت :
- حكيم جداً !
- شكراً جداً!
ازداد استياء نيكولاس ، فلجمه 0 كان الليل هادئاً وبارداً والعشاء لذيذاً جداً 0 لف الضباب المكان ، فجعل الجلسة تبدو رومنسية 0
- كان زواجاً رتبه لنا جدانا 0
وتابع يقول بنبرة عدم اكتراث :
- تقاليد عائلية قديمة 00لم أكن قد التقيت تلك المرأة قط 0
ظهرت فجأة أمامه صورة كالي ، فلم يستطع المحافظة على رباطة جأشه 0
- ما حصل كان أفضل لكلينا 0
شعر بالإثارة تلتهم أحشاءه ، فنظر إلى جليسته وقطع وعداً على نفسه : مع أني لا أذكر اسم صديقتي الشقراء ، إلا أنني سأنسى كل شيء هذه الليلة ، وأمرح معها قدر المستطاع 0 يجب أن يمحو ذلك من رأسي كالي المزعجة 0
جلست كالي إلى طاولة العشاء محاولة تناول طعام أبى أن ينزل بسهولة إلى معدتها 0لم يكن ذلك بسبب العشاء ، الذي كان لذيذاً ككل ليلة ، بل بسبب حديث والدتها وديون عن الخطأ الكبير الذي اقترفته 0 كان يتكلمان عنها وكأنها ليست موجودة معهما على الطاولة 0
شعرت كالي بالحنق والاهانة ، فأخذت تلوك طعامها في صمت ، آملة ألا تنفجر من الغضب 0 هل تحاول أمها وديون إثارة غضبها ؟ حتى حين راحا يتكلمان بلغتهما الأم ، كانت كالي تفهمها ، بما أنا تتكلم اللغتين اليونانية والانكليزية بطلاقة 0
قال ديون بإيماءة حزينة :
- علي الاعتراف بأن نيكولاس كان فظاً لدعوته تلك المرأة إلى هنا 0
ونظر إلى زو يواسيها : (( أعتذر لك عن حفيدي 000))
تلعثم قليلاً وطلب الترجمة الانكليزية لكلمة يونانية 0 وحين أطرقت زو تفكر بذلك ، قالت كالي بغضب : (( فسق ))
وتناولت ملعقة من السلطة ، مشيحة نظرها عن ديون وكررت : (( الكلمة التي تبحث عنها هي فسق ))
ثم ركزت على طبقها المليء بالسلطة وجاهدت لتحتفظ في ذهنها بصور لتصرف نيكولاس (( الفاسق )) مع رفيقته 0
( حسناً اعتذر لفسق نيكولاس 0 فالمجيء بامرأة إلى هنا على مرأى من كالي عمل فظ ))
فأجابت زو : (( حسناً ديون ، لا يعتبر نيكولاس فاسقاً ))
لم تستطع كالي أن تنظر إلى أمها وهي تقول ذلك ، وتابعت زو تقول وهي ترمق ابنتها بنظرة ذات مغزى : (( إنه رجل ، والرجال لديهم حاجات ))
والرجال لديهم حاجات !! كان لوقع هذه الكلمات أثرها المؤلم على كالي 0 لم تستطع أن تصدق أن أمها قالت ذلك 0 وضعت الشوكة في طبقها 0 هذا يكفي !! لقد طفح الكيل !!
دفعت كرسيها ووقفت : (( أنا آسفة يا أمي ويا ديون ))
حاولت أن تتكلم بهدوء مع أنها راحت تصر على أسنانها : (( تكلما بحرية عن حاجات نيكولاس كما تريدان 0 لكنكما ستتحدثان عن ذلك من دوني 0 شبعت 000من العشاء ))
وخرجت من تلك الغرفة الموحشة متجة نحو البهو ، ثم صعدت الدرج ودخلت غرفتها 0 حاجان نيكولاس ، حقاً لا بد أن والدتها فقدت رشدها خلال الرحلة من كانساس إلى كاليفورنيا ، للتفوه بهذه الكلمات ((والرجال لديهم حاجات ! ))
لم تستطع كالي تحمل ذلك !! فاستلقت في فراشها وغطت عينيها بيدين مرتجفتين 0لم تكن بحاجة لأن يخبرها أحد بأن جدها كريس سيصاب بنوبة قلبية ، إذا ما تراجعت عن زواجها بنيكولاس 0 وكان آخر ما تتمنى سماعه هو التذكير بحاجاته 0 فقد أصبحت حساسة جداً على كل ما يتعلق به 0
شعرت كالي بالأسى تلك الليلة 0 لم تعرف عيناها طعم النوم ن إذ انتابها أرق مخيف طوال الليل0
ربما كان ديون وأمها على حق ،في أنها اقترفت خطأ كبير 0 لكنهما لم يتكلما عن هذا الخطأ بالذات على طاولة العشاء ، فصحيح أن نيكولاس شاب وسيم وجذاب وذكي ومؤدب ، لكنه أيضاً شرير وقاس ومحب للانتقام 0 وهذه صفات لا ترغب أي امرأة عاقلة في أن تجدها في زوجها 0
خرجت من سريرها وأخذت تذرع الغرفة جيئة وذهاباً ، وهي تشتم القلق الذي يتملكها كلما ذكرت اسمه 0 وفيما هي تروح وتجيء في الغرفة شعرت بندم مزعج 0
ندم ؟!! على ماذا ؟!! على ماذا تندم ماعدا مشروع الزواج ذاك ؟!! غمغمت تقول : (( لا شيء))
لكن ذاك الشعور المزعج أبى أن يتركها وشأنها ، وسمعت عقلها الحائر يسأل : (( وكيف كان شرير وقاس ومحب للانتقام ؟!))
فقالت وهي تواصل ذهابها وإيابها في الغرفة : (( ها !! من الأفضل التفكير في المرات التي لم يكن فيها كذلك ، فهذا يستغرق وقتاً أقل ))
وأخذت تسترجع في ذاكرتها الأحداث التي جرت كلها : (( لقد جاء بي إلى هنا بهدف الانتقام 0 أنه يسخر مني دوماً لأنني نبذته 0 إنه يهينني عبر تجاهل وجودي معه على مائدة الطعام ويتجسس علي حين أعمل وكأنه يتوقع مني أن أهرب ))
عادت كالي تذرع الغرفة جيئة وذهاباً حتى باب الشرفة 0وإذ لم تستطع كبح رغبتها الجامحة في الخروج إلى الشرفة ، اندفعت إلى الخارج 0 استطاعت رؤية الطاولة بوضوح ، إذ كانت الشموع تنيرها 0لكنها كانت خالية وبد نيكولاس والشقراء قد ذهبا 0
ابتلعت ريقها عدة مرات محاولة طرد الغصة التي شعرت بها في حلقها وقالت : (( حسناً ، أنا 000سعيدة ))
تخيلت نيكولاس منسجماً مع فتاته ، فأجفلت 0 لكنها عادت تذكر نفسها : (( ما يفعلة نيكولاس معها لا يعنيني ولا يهمني حتى ، 0لديه كامل الحق في مغازلتها ، فهو شخص أعزب ويملك الحق في الخروج مع عدة نساء لينتقي أخيراً شريكة حياته ))
لكن حتى لو كان الأمر كذلك ، لقد جاء نيكولاس بصديقته الفاتنة إلى هنا ليغازلها على مرأى من كالي 0 رأت كالي لوهلة أن ديون على حق بأن نيكولاس تصرف بقسوة 0
أمضت ليلتها تذرع الغرفة جيئة وذهاباً0 شعرت بأنها منبوذة فغضبت ، استلقت على سريرها ثلاث مرات لكنها نهضت منه وأخذت تتمشى في الغرفة 0لم يكن شعورها بأنها منبوذة ناتج عن تحيز أمها إلى نيكولاس ن بل عن أن نيكولاس والشقراء غادرا المنزل منذ ساعات 0لعله الآن في مكان من سان فرنسيسكو في انسجام تام مع صديقته 0
تنهدت وخرجت من سريرها 0 غضبت من نفسها للتفكير برجل يكرهها ، فخلعت ثوب نومها ولبست ثوب السباحة تحت عباءتها 0وقبل أن تفكر بما تفعله وبتهورها ، نزلت إلى حوض السباحة وكلها تصميم
على طرد نيكولاس من رأسها 0
خلعت عنها عباءاتها التي وقعت عند قدميها وغطست غطسة تعلمتها في المدرسة 0 للوهلة الأولى راحت تلهث 0 فبالرغم من أن الحوض مسخن إلا أن حرارته لم تكن تماثل حرارة حمام ساخن 0 وكان هذا جيداً! شعرت بالاسترخاء في تلك المياه ن وأخذت تذرع البركة جيئة وذهاباً في محاولة لمحو صورة نيكولاس وفتاته من رأسها 0
- مرحباً !!
سمعت كالي صوتاً عميقاً فيما هي تهم بالقيام بدورة جديدة في الحوض 0 أربكها صوت نيكولاس ، فما كان منها إلا ان ابتلعت بعض المياة وبدأت تسعل ن ثم أمسكت بطرف البركة وهي تلفظ الماء من فمها 0
- هل تودين أن أساعدك ؟
هزت رأسها وأخذت تحدق شرزاً فيه وعين من عينيها مغمضة 0 وبما أن المصابيح كانت تضيء المكان ن رأته كالي بوضوح 0جثا على بعد قدم من حافة البركة ن فرأت زر قميصه العلوي مفتوح ، وقد اختفت ربطة عنقة 0 كان يحمل سترته بأصبع خلف كتفه ن وشعره مشعث وكأنه قام برحلة طويلة في سيارته المكشوفة 0لكنه بدا مثير !! وتمنت لو أنا لا تكترث للأمرين 0
حين تخلصت من نوبة السعال 0 أخذت تستنشق الهواء 0 هز نيكولاس رأسه وقد تملكه الفضول وقال : (( تسبحين في نصف الليل؟؟ ))
جعلها سؤاله الساخر ، والابتسامة التي تلوي فمه تخرج من حالة التشوش التي انتابتها ، فسألته بصوت أجش ك (( ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟ كيف تجرؤ على التجسس علي وأنا 000وأنا 000))
لم تستطع قول المزيد 0
فقال لها نيكولاس : (( شاردة وحالمة ؟ ))
ومع أن حرارة الحوض معتدلة ، إلا أن كالي شعرت وكأن جسدها يحترق ، وتفاجأت بأن المياه من حولها تغلي 0
(( هل تعتقد أنه يحق لك ، لأنك مالك المنزل أن تتسلل وتختلس النظر إلى الناس ؟!!))
وضع نيكولاس ذراعيه على ركبتيه ورمقها بنظرة قاسية وقال : (( في الواقع ظننت أنك تردين لي شيئاً ))
لم تفهم ما قاله نيكولاس فسألته : (( ماذا ؟!!)
أومأ مشيراً إلى مكان مظلل بعيداً عن النور وقال : (( كنت أجلس هناك حين خرجت وبدأت بالسباحة ))
شعرت كالي بقلبها يهبط حتى أخمص قدميها وبشفتيها تنفتحان 0 وتابع : (( وظننت أنك تردين لي ما غنمته ، في تلك الليالي التي أمضيتها وأنت تقفين على شرفتك تشاهدينني أسبح ))
لم تفهم كالي لما لم تكن المياه تغلي الآن ؟ إذ كان يجدر بها ذلك ، أخذت تنظر إليه مجروحة المشاعر 0 شعرت بغصة في حلقها وبضغط في أذنيها ، وبدا جسدها يرتجف فقالت : (( يا إلهي! ))
- أعتقد أنك لم تفكري في ذلك 0
ترافقت سخريته ما ابتسامة ، فلم تستطع إلا أن تجفل0
شعرت بأنها تئن ، فأنزلت رأسها في الماء لتبرد وجنتيها الملتهبتين 0 وحين رفعت رأسها ، كان لا يزال واقفاً!!!
- إذا كنت تستمتع بهذا ، أعدك أنني سأنتقم !
فاتسعت ضحكته وقال ساخراً : (( لا حاجة للتهديد آنسة أنجليس ، تحضري سوف أسبح غداً ليلاً ))
ثم استدار وأشار إلى شرفتها قائلاً (( لا تتأخري ))
وهم بالابتعاد 0 كانت كل خطوة يخطوها بعيداً عنها تزيد من غضبها ومن شعورها بالمذلة ، وبعد أن بلغ منها الحق مبلغة ، صرخت قائلة : (( لم أنت هنا على أية حال ؟ ألم يكن موعدك مثمرا كما توقعت ؟))
وعضت على شفتيها 0 من أين جاءت ها هذا الأسئلة الساخرة ؟ هل تود فعلاً أن تعرف ما حصل معه بالتفصيل ؟؟
توقف نيكولاس ورمقها بنظرة نمت عن استيائه ، لكنه لم يجبها 0 لم يكن يجدر به ذلك 0 فكالي تعلم للأسف أن لا مجال لمنافسة تلك الشقراء 0 فمن النظرات الخاطفة التي استرقتها ، بدا نيكولاس منجذباً إليها كثيراً 0
- (( عمت مساءاً آنسة أنجليس ))
قال ذلك بصوت أجش ، واستدار متوارياً في الظلام 00
الفصل السابع
7. الثمرة المحرمة
لم يتخيل نيكولاس البته انه قد يمضى ليلة بهذه الطريقة , جالسا على حافة سريره , منحنيا وراسه بين يديه , يلعن نفسه . بدا يندم على عطشه الكبير للثار .
تراءت له صورة كالي , فقال :" هل تعلمين مبلغ الضرر الذي الحقته بي ؟"
تبا ! كان مصرا جدا على الثار وقد خنق اي مشاعر اخرى الى ان تبادلا ذلك العناق . كان مثيرا للارتباك . وهذه الليلة , حين راها تخلع عباءتها لتسبح , شعر وكان احدهم دس سكينا حادا على معدته .
تملك نيكولاس مجددا هذا الشعور حين تذكر , فاخذ يئن ويشتم نفسه , كانت تجربته مع الشقراء فاشلة فحين اصطبحها الى منزلها , شعر بالرغبة في تركها عند بابه , خلافا لما خطط له .
لم يكن ترك الشقراء عند مدخل منزلها بالعملية السهلة , فقد تمسكت به كالسعال المزمن . ولم يجد امامه من خيار الا ان يناديها باسم خاطي , لم يكن بحاجة للحظ لمناداتها , فكل اسم سيختاره سيكون خاطئا , ما ان ناداها باسم خاطي حتى تغيرت ملامحها , فعرف نيكولاس انه اذا اراد التهرب من احدهن , عليه ان يدعوها " مابيل "ان كان اسمها" ميندي " لتتحول في الحال الى قطعة من الثلج .
ضحك نيكولاس للدعابة , كان خبيثا الليلة , وجبانا البارحة بعد الظهر في الحديقة .
غمغم يقول وقد شعر بالارتياح من تصرفه :"لم لا اجاري التيار !"
لم لم ينغمس مع الشقراء في بحر المشاعر الذي ودت ان يبحر فيه معها ؟
لم شعر ان ثمة ما اصاب عقله ؟ ما هي مشكلته ؟ هل هو متعلق بكالي لان كل ممنوع مرغوب ؟ تماما كالثمرة المحرمة ؟ اذا كان الامر ذلك فسوف يرتاح حين تنهي هذه التفاحة اليانعة عملها وتعود الى كانساس .
لقد تعلم شيئا من كل هذا , ان الثار يجب ان يكون قذرا ليشبع رغبة المنتقم .
كانت كالي تعمل بجد وتجهد نفسها لتطرد من راسها تلك الذكرى المزعجة في حوض السباحة , لكن حتى وهي تجهد نفسها بالعمل, عجزت عن طرد ذاك الكابوس الحي من راسها .
ماالذي جعلها تسبح ليلا في حوض السباحة , لم تعتد القيام بهذه التصرفات المتهورة , لم يكن قلقها وارقها بالعذر المناسب فلو بقيت في غرفتها , لكان ذلك افضل من ....
اغمضت عينها واخذت تئن , لكن ذلك لم يكن بالتصرف المناسب لانها تقف عند اعلى سلم تلتقط صورا لسقف قاعة الاستقبال , ولجدت لحسن الحظ , ان المالكين القدامى للمنزل لم يمرروا فرشاة الطلاء على سقف تلك الغرفة المزخرفة بالجص على شكل ورود , وكان ذلك اجمل ما راته في حياتها , مع ان الطلاء الذي يغطيه بدا باهتا بسبب مرور الوقت . وشكرت ربها لان ذلك السقف نجا من فرشاة الطلاء ومن طبقات الدهان الصفراء اللون .
حاولت ان تكف عن التفكير بالليلة الماضية وبالسخرية التي راتها في نظرات نيكولاس , ووضعت الكاميرا على عينيها , وكلها تصميم على يجعلها عذابه تحيد عن الطريق الذي سلكته منذ اتت الى هذا المنزل . سوف تبرهن له انها ليست جبانة ولا انهزامية .
وحتى لو وقف كل من في المنزل ضدها , فسوف تحاول ان تخوض هذه التجربة وتنهيها بنجاح, بدات ترى منذ الان المقالة في المجلة " اركيتا كتشريل دايجست " ": نيكولاس فاروس استفاد من خبرة كالي انجليس , الخبيرة في امور التجديد , فاعادت احد اجمل المنازل الفتكورية الى ما كان عليه من جمال , كل زواية في هذا المنزل تعكس ذكرى تاريخ جليل يتلاءم وذاك المبنى التاريخي ". ارتسمت ابتسامة حالمة على شفتي كالي وهمت بالتقاط الصورة الاخيرة . نظرت من خلال عدسة الكاميرا , وركزت |, ثم قطبت وابعدت الكاميرا عن وجهها . كانت شباك العناكب تغطي قسما كبيرا من الصورة , حاولت مد يدها لتزيل تلك الشباك , لكنها لم تستطع الوصول اليها ,صاحت غيظا , وحا ولت مجددا مد يدها .
واذ مدت يدها , ومطت جسدها الى اقصى حد , اخذت توبخ نفسها لعدم التفكير باحضار ما تستعمله لتصل الى تلك الشباك , كقلم حبر او اوراق صحف قديمة .
صرخت تقول وهي تمد يديها لتصل الى الشباك :" انني اضع كل اللوم على نيكولاس . لو لم يكن يزعجني لما نسيت .......؟"
لم تستطع اكمال كلمتها الاخيرة اذ اختل توازن السلم , ووقعت .
رات كالي صورا من حياتها تمر امام عينها وهي تهوى , وانتهت سقطتها القوية فجاءة ورات السلم يتاثر حطاما على الارض . شكرت ربها لانها لم تلق المصيرنفسه , فتحت عينيها لتجد نفسها بين ذراعين قويتين . امسكت بهما دونما وعي منها وقلبها يضج بعرفان الجميل لمنقذها , فهو انقذ حياتها , وجنبها كسورا خطيرا في عظامها .
وعضت ثوان قبل ان تدرك كالي ان منقذها هو نيكولاس فاروس . للاسف كان الوقت متاخرا لتمنع عناق الشكر لانقاذه حياتها , وحين ادركت كالي ذلك , كانت غارقة قي عناق حار ويائس.
واستدركت الامر سريعا لكن ذراعيها بقيتا تطوقان عنقه :" اه انا ... انا .."
ومع انه كان عناقا قصيرا الا ان اوصالها راحت ترتعش وبقى اثر عناقه الحار مطبوعا على وجهها الملتهب الخدين .
بدا عليه الاضطراب , فبرزت عضلات وجنته بوضوح واخذ يصر على اسناه .. حسنا . ماذا تتوقع منه ؟ شوق وهيام ؟ لقد عبر عن المشاعر التي يكنها لها بوضوح .
وادركت اخيرا ان من يقف امامها ليس سوى نيكولاس المزعج والكريه .
- ماذا فعلت ؟
طرحت عليه هذا السؤال وهي تبعد يديها عن عنقه .
- رفست السلم ؟
اتسعت عيناه وادركت كالي ان غضبه بدا يتصاع وقال يجيب عن سؤالها :" بالطبع , فانا اهوى رفس السلالم ".
بدا شديد السخرية , لكن كالي عملت انها تستحق ذلك , لقد قام بعمل بطولي , وكان من الممكن ان يلحق بنفسه الضرر. اشاحت بنظرها عنه الى يديها الملتصقتين بصدره , وكلها ندم على عدائيتها وكبريائها الجريحة .
شعرت بالحرارة في وجنيتها , فعلمت ان الاحمرار علا وجهها .
- حسنا , حسنا . انا اعتذر , لم يكن من داع لهذه الملاحظة !
واختلست نظرة الى وجهه وتابعت تقول :" اشكرك على ... ما قمت به , اعقتد انني ..ز انني لست خفيفة الوزن ".
قالت ذلك بتذلل , فلو لم يكن سريع البديهة , لحصلت كارثة .
سالته وقد تملكها الخجل :" هل انت بخير ؟"
اجاب وقد تسارع نبضه وبرزت عضلات فكه :" سوف اعيش ".
ثم تابع يسالها :" ماذا كنت تفعلين فوق . بحق الله ؟ تجربين عروضا من السيرك ؟"
اشاحت تظرها عنه وقد شعرت بغبائها واجابته :" كنت احاول ازاله شبكة عنكبوت لالتقاط صورة ".
- اه فهمت !
لم يضعها على الارض ولم يقل كلمة اخرى , شعرت كالي بالتوتر لوجودها بين ذراعيه , تنشق عطره , وفيما بقى هو مقطب الجبين , تملكها القلق فاخذت تمرر لسانها على شفتيها ثم تنحنحت وقالت له :" هلا وضعتني على الارض اذن !".
استغرق بعض الوقت ليجيبها .
- حسنا !
ووضعها على الارض فوق الالواح الخشبية .
شعرت كالي انها ليست على ما يرام , وانتابها دوار واهتياج في معدتها . اشارت على كاميرتها الى وضعتها حول عنقها وقالت لنيكولاس :" انا بحاجة الى فيلم ".
ومن دون ان تضيف اي كلمة اخرى او تلتفت اليه , خرجت من الغرفة .
اخذ صوت حذاء كالي الرياضي يختفي شيئا فشيئا الى ان لم يعد مسموعا . لم ينظر نيكولاس اليها وهي تغادر بل فضل النظر الى شي اقل اثارة , اخذ يسرح نظره في الغرفة , فلاحظ ان السلم نزل كالقذيفة في المكان فكسر الطاولة والحق ضررا كبيرا بمصباح كهربائي . اخذ يتجول متفقدا تلمك الفوضى متاملا قطع الاثاث المرتبة في زواية الغرفة , واخيرا امعن النظر في كرسي , كان منجدا بالفينيل الاصفر المائل الى الخضرة ويرتكز على ثلاث ارجل حديدية .
زفر نفسا طويلا ثم اتجه نحو الكرسي وجلس عليه . اسند راسه على حافة الكرسي , واخذ ينظر الى السقف . كانت الزهور النافرة والنباتات المعترشة تنتشر في كل مكان , فيخيل للناظر اليها انه في حديقة برية .
فقال وهو يغمض عينيه :" هل هذا ما كانت تتوق اليه , التقاط صور كل هذا؟".
لم يشعر نيكولاس بالتعب ؟ وهو لم يفعل شيئا في الاسبوع الماضي سوى النوم وتناول الطعام والسباحة والركض . يجب ان يكون مرتاحا ومفعما بالحيوية .
- ما الذي افعله في هذه الفوضى , بحق السماء ؟ اتوق لشخص بنصف عقل , الى المراة المتقلبة نفسها التي نبذتني ؟ هل الكثير من اوقات الفراغ يقفد المرء صوابه ؟
- الانتقام لذيذ , اليس كذلك ؟
عرف نيكولاس صوت جده على الفور فقطب جبينه ونظر اليه . كان ديون يقف في مدخل قاعة الاستقبال , انيق مبتهجا . رفع ديون حاجبه الكثيف وقال :" اليس كذلك ؟"
شعر نيكولاس برغبة في الكذب والقول انه راض عن المنحى الذي اتخذته الامور , لكنه لم يستطع , زفر نفسا عميقا وانحنى نحو الامام واضعا ذراعه على فخذه وقال وهو ينظر الى الارض :" ليس تماما !"
ارتسمت ابتسامة على وجه ديون وصفق بيديه قائلا :" كنا نعلم انا وكريستوس انكما خلقتما لبعضكما البعض ".
رفع نيكولاس راسه ورمق جده بنظرة ادانة .
تجاهل ديون رد حفيده الصامت وقال له , محاولا تغيير الجو الساكن الذي ساد المكان :" كن حكيما يا بال ! ضع كبرياءك جانبا ! اذهب اليها واعترض عليها الزواج مجدد !"
لم يستطع نيكولاس تصديق ما سمعه , لم يستطع ان يصدق ان جده تجرا على التفوه بهذا الهراء , فهز راسه ووقف ثم قال :" ارى انك بدات تفقد صوابك يا جدي ".
شعر نيكولاس بالغضب لانه سمح لامراة لا تعني له شيئا , ان تدفعه لمواجهة فرد مهم من العائلة . وتوجه ثانية الى جده قائلا :" جدي , لا تتدخل في هذا الموضوع ".
وجدت كالي الملاذ في غرفتها , فاستلقت على سريرها , ويدان ترتجفان لدرجة انها لم تقوى على تبديل فيلم التصوير في كاميرتها , شعرت بتانيب الضمير , فشدت على غطاء الفراش المطرز . كيف قامت بذلك ؟ كيف عانقت نيكولاس فاروس هكذا ؟
كانت ممتنة لانه التقطها , هذا صحيح . لكنها لم تكن تعرف انه نيكولاس . اه , بلى كنت تعرفين ! هذا ما ذكرها به صوت ثاقب في راسها . ومن غيره هنا يملك القوة ليلتقطك ؟ كبير الخدم المسن ؟ ام ديون السبيعني ؟ او احدى الخادمات ؟ او امك . نعم وكان وزنك لا يزيد عن وزنها بعشرين باوند !
- اه , اسكت !
صرخت وقد بدا صراخها كالعويل , ثم تابعت تقول :" لم اكن اعرف انه نيكولاس فكل ما كنت افكر فيه هو انني على وشك ان اغادر هذا العالم !"
فعاد الصوت يكلمها :" اه حقا ؟ لم يكن ذاك العناق عناق شكر ! بل عكس مدى شوقك اليه , وانت تعلمين ذلك !"
ضغطت على عينيها المغمضتين فهذه هي الحقيقة مهما كانت جارحة ودفنت وجهها في غطاء الفراش وصاحت :" اه يا الهي .... ".
ربما لم تكن تدرك في وعيها انه نيكولاس , لكن في مكان ما من لا وعيها , علمت انه هو .
وبما ان نيكولاس سعى من خلال عرض هذا العمل عليها الى اهانتها , فلا بد ان يكون جذلا الان بعد ان حقق هدفه ! لقد عانقته بحرارة ظاهرة ! كم هذا مهين !.
اخذت تشهق وتجاهد لتتمالك اعصابها . على هذه المسرحية المؤسفة ان تنتهي . لا يمكنها ان تظهر له كم جعلها عناقها المفاجي والحار تشعر بالعار . شكرا لله لانها استعادت وعيها سريعا فكان العناق قصيرا !
قالت تحدث نفسها :" دعك من هذا ".
وصممت على ان تعيد التحكم بجسدها الذي يرتعش كورقة في فصل الخريف . لديها اعمال عليها ان تنجزها . اذا واصلت عملها بالوتيرة نفسها , فقد تصل في غضون اسبوع , الى وضع الخطط الاساسية لتجديد المنزل , وقد تنتهي في فترة اقل من ذلك , اذا ما وصلت ليلها بنهارها . وكلما انهت عملها بسرعة , كلما تخلصت بسرعة اكبر من تسلط نيكولاس , واستراحت معنويا ... وجسديا . على اي حال , لن تستطيع الاعتماد على وجود نيكولاس تحت السلم ليتلقفها اذا ما فقدت وعيها وهوت .
لم تكن تنوي تجربة عناقة مرة اخرى . فقد مرت بهذه التجربة مرتين مما سيجعلها تشعر بالارق لمدة طويلة . لن تستطيع مقاومة عناق ثالث من دون ان تنجرف معه في بحر من المشاعر المتلاطمة وان تستلم لاحساسيها الثائرة .
ان تمضي بقية حياتها وذكريات ايامها مع نيكولاس تعذبها , هو امر يصعب جدا تحمله , بغض النظر عن الصدمة الكبرى التي قد يولدها فشلها في عملها . كانت تعرف في قرارة نفسها , في ذاك الجزء الانثوي منها ان معرفة نيكولاس عن كثب قد تعذبها وتهزمها .
لكن القدر سيسخر منها اذ لم يعن تقربها من نيكولاس الكثيرله على المستوى العاطفي . لكنكالي كانت مقتنعة انه في غمرة حياته المليئة بالقروض المالية . سوف يعتبر غزو قلب امراة التي نبذته , على انه الثار الاكثر حلاوة .
لم يكن نيكولاس راضيا عن اضطراه لنقل الرسالة الشفيهة بنفسه , لكن ما من خيار اخر امامه . فالخدم في اجازة تلك الليلة , وديون وزو سارعا لحضور مسرحية في سان فرنسيسكو . لسوء الحظ , لم يكن هناك احد يبلغ كالي الرسالة غيره , فصعد السلم الى الطابق الثالث حيث امضت كالي نهارها في العمل ,. لم يكن قد راها ذاك النهار , مما ناسبه تماما . كان بحاجة للابتعاد عن تلك المراة , فكلما امضى الوقت بقربها , كلما عجز عن مقاومة جاذبيتها . لم يكن يحبها ولكنه عاجز في الوقت نفسه , عن الكف عن التفكير فيها . وهذا ما جعله يخاف على رجاحة عقله .
اخذ نفسا عميقا . محاولا المحافظة على رباطة جاشه وقرع باب اول غرفة نوم .
- انسة انجليس ؟
لم يتلق اي جواب , فانتقل الى الباب الثاني وقرعه .
- انسة انجليس ؟
لم يتلق اي جواب ايضا فثار غضبه , وانتقل الى الباب الثالث لغرفة تطل على البحر .
- انسة انجليس ؟
اخذ يصرخ وهو يضرب بكفه بقوة على خشب الماهوغني , محاولا المحافظة على هدوء اعصابه .
- ماذا ؟
سمعها تصرخ من الداخل
- امل ان يكون الامر مهما , لانك جعلتني اجرح رجلي!.
ادار قبضة الباب لكنه لم ينفتح , لذا اضطر لدفعه بكتفه فصرت المفاصل القديمة , وفتح الباب ودخل الى الغرفة , كانت الغرفة مفروشة بشكل بسيط بسرير واحد وخزانة صغيرة وكرسي , كانت كالي راكعة قرب الحائط المقابل خلف المكتب البسيط تتفحص ركبتها من خلال فتحة في سروال الجينز الذي تلبسه .
- هل الجرح ينزف ؟
فنظرت اليه وقالت :" الجراح تنزف دائما ".
حاولت كالي ان ترفع السروال عن رجلها المجروحة .
مشى نيكولاس نحوها وجثا بقربها :" كيف جرحتها ؟"
اشارت الى سكين صغيرة على الارض قرب اوراق الجدران المنزوعة , واجابت :" كنت انزع ورق الجدران , حين اخافني صراخك وقرعك على الباب بعنف ".
حين ادرك تاثير مزاجه السي عليها , انبه ضميره . لم يكن الجرح عميقا , لكنه لم يشا ان يجعلها تنزف .
- ماذا يمكنني ان افعل ؟
- بامكانك الانصراف .
تجاهل ردة فعلها الفظة ونزع قميصه ثم مد ه اليها :" استعملي هذا ".
نظرت اليه مترددة .
- انه نظيف , اذا كان هذا يخيفك ويجعلك مترددة .
- لكن لا يمكنني ان انزف على قميص ارماني
- بالطبع يمكنك !
ضغط على الجرح النازف وقال :" اترين ؟ الامر سهل !"
تلاقت نظراتهما , فقال لها :" الجرح ليس عميقا . ستكون هذه الضمادة كافية !"
نزعت الضمادة عن رجلها وابعدتها عنها . وقالت :"يمكنك الذهاب . لقد توقف النزيف تقريبا ".
- اسمعي , جئت الى هنا لانقل لك رسالة .
ابعدت الضمادة عنها فعاد ووضعها على جرحها وضغط عليه .
فقالت متجنبة النظر اليه :" هيا , انقل لي هذه الرسالة ".
بعد ان ضغط على الجرح . ازاح الضمادة عنه وارتاح لرؤية الجرج وقد توقف عن النزف , لكن ذلك لم يطرد الاحساس بالذنب الذي شعر به .
- قالت لي امك ان اطلب منك ان تتحققي من الرسائل الصوتية التي وصلتك , فقد نسيت ان تخبرك , حين وصلت الى هنا , ثمة رجل يدعى سيد كلوفي يود ان يلزمك بمشروع تجديد .
فنظرت اليه كالي وقد بدا التوتر على وجهها ,وقالت :" ونهل بدا لك الامر مهما الى هذا الحد لتصعد الى هنا وتخبرني به ؟"
- لقد بدا كذلك بالنسبة الى زو.
هزت كالي كتفيها مظهرة عدم اكتراثها وقالت :" حسنا , لكني مشغولة هنا !".
نظرت مباشرة في عينيه , فبدا وواضحا في نظرتها , انها بامس الحاجة لان يرحل عنها . وهذا ما شعر به هو ايضا , فهو لا يريد البقاء .
- سوف اسهر في الخارج .
قال ذلك من دون اي دافع , وقبل ان يفكر بسبب قوله هذا , وجد نفسه يضيف :" انا واثق من ان بقاءك وحدك في منزل قديم , لا يخيفك ".
وفجاة سمع صوتا في ارواق وكان ثمة شخصا في المنزل . تلا ذلك صوت باب يقفل بشدة , فاجفل نيكولاس ونظر الى قبضة الباب النحاسية وقال :" هل سمعت ذلك ؟"
- المنازل القديمة تخيفني كثيرا .
في الواقع لم تسمع اي صوت غريب , فكر في ان الباب قد اقفل , لكنه سرعان ما نبذ تلك الفكرة ووجدها سخيفة . واستدار ليجدها غير موافقة معه, وقالت له :" لذا اانا عمل في تجديد المنازل , فانا فتاة تهوى تعذيب نفسي !"
راى نيكولاس انه يستحق تلك الاجابة . فلم قال تلك الملاحظة السخيفة ؟ كان بحاجة فعلا للخروج من المنزل .
- تهاني !
راى الى الساعة في يده , فاذا هي تشير الى حوالي الثامنة . اذا كان ينوي لقاء المتعاقد المسؤول عن الاصلاحات في هذا المنزل , فمن الافضل ان تنصرف الان . بعد الموعد يمكنه تناول العشاء في اي مكان , في ناد ليلي ربما, او رؤية عرض مسرحي , اي شي قد يسليه .
- علي الذهاب؟
- لقاء امراءة اخرى ؟
كان قد استدار ناحية الباب , لكنه عاد ينظر اليها , حين طرحت عليه سؤالها هذا . بدت وكانها تستجوبه .
- تماما .
كذب ولم يعرف لما قام بذلك . ثم تابع يقول :"انت تعلمين ما يقوله الناس !"
- لا , لا يمكنني القول انني اعلم .
انزلت سروالها لتغطي رجلها المجروح وسالته :" ماذا يقولون ؟"
تمنى لو انه لم يفتح ذاك الحديث , واجابها :" على المرء ان يتمرن !"
ثم استدار وحاول فتح الباب , لكنه لم يفتح . اعاد الكرة , لكن شيئا لم يحصل . كان مقفلا باحكام , حاول مجددا فتحه , لكن محاولاته باءت بالفشل .
سالته كالي وقد ساورها الشك بان عدم تمكنه من فتح الباب جزء من مؤامرة مخادعة :" ماذا تفعل ؟"
فنظر اليها عابسا :" ارقص السامبا .. وماذا يبدو لك انني افعل ؟"
فنهضت كالي عن الارض وقالت :" حسنا , اذا كنت ترقص السامبا , فانها ترقص هكذا !"
ثم اشارت الى الباب وسالته :" اذا .. انه مقفل ؟"
فنظر اليها وقال :" نعم , اعطينا حلا يا شارولوك هولمز !"
اخذت تنظر الى قبضة الباب , لكن النظرات لا تستطيع فتح الباب .
- يبدو ان احدهم اقفل الباب علينا ....
وتوقف عن الكلام حين روادته فكرة مضحكة , فالتفت حوله , ثم نظر الى الباب وقال :" لا مجال ...."
- ماذا ؟
سمع صوت حذائها الرياضي وهي تقترب منه .
- لا مجال , ماذا ؟
اغمض عينيه وتوعد قائلا :" اذا قاما بذلك , فسوف اقتلهما !"
فسالته كالي :" من؟ ماذا تقول ؟"
وقفت كالي بجانبه ونظرت الى الباب كما لو كانت تتوقع ان ترى ما الذي اثار غضبه وجعله يقول ذلك .
- لقد اقفلا الباب علينا .
قال ذلك من دون ان يعطيها اي تفسير , بما ان الامور واضحة بقيت كالي تنظر الى الباب وقد تملكها التوتر , قبل ان تستوعب ما قاله . فجاة , اتسعت عيناها ورمقته بنظرة مصدومة , لو لم يكن غاضبا الى هذه الدرجة , لكان وجد تعابير وجهها الخائفة , مسلية .
- هما ؟
همست تسال ذلك وكان مجرد التفكير بالامر يعتبر خطيئة .
- هما ... من ؟
فاجابها :" امك وجدي . لدي شعور بانهما اتفقا على ان يجمعانا معا هنا ".
تفاجات كالي لسماع ذلك , وقالت :" لن يجرو على ذلك !"
شعر بالالم بعد ان ازعجته ردة فعلها التى تمت عن كرهها له وقالت :" نعم انا مستاء ايضا "
- لكن ..... لكن .
تنفس عميقا واخذ ينظر من حوله , ثم قال :" لا بد ان هناك شيئا يمكنني استعماله كمطرقة لافتح الباب ".
- لنقوم بماذا ؟
بدت متضايقة من مشروعه , فتوقف ونظر اليها من دون ان يفهم ردة فعلها وقال مستفهما :" هل هناكل من مشكلة ؟"
- بالطبع هناك مشكلة . لن يمسك احد بهذا الباب الا شخص محترف . فعمر الباب مئة عام ولن اسمح لك بان تضربه بواسطة حذاء ومسمار !
لم يستطع تصديق ما سمعه فقال لها :" اسمعي , المنزل منزلي , املك كامل الحق في الضرب على مفصل الباب بواسطة حذاء ….. اذا كان باستطاعي اخراج مسمار لعين … فسوف افعل !"
- لا . لن اسمح لك بهذا .
فقال لها وقد تملكه الشك :" هل تفضلين قضاء الليلة معي هنا ؟"
تحولت تعابير وجهها العنيدة الى تعابير خوف , حسنا الخوف , مجددا ! ماذا تظنه سيفعل بها , التهجم بها؟ تذكر ما حصل منذ يومين في الحديقة فشعر بتانيب الضمير . حسنا , لقد امسك بها وعانقها لكن هذا لم يكن .. صر على اسنانه , واخذ يشتم نفسه ويلعن تهوره . لم يكن عادة شخصا مغفلا ومتهورا . وقرر اخيرا في قرارة نفسه , الا يتعرض لها ... مجددا .
- اه ..... لا ......... بالطبع لا . لا اود تمضية الليلة معك هنا . لكن يجدر بك ان تفكر بالبعد التاريخي لهذا المنزل . لا يمكنك الحاق الضرر بالحس التاريخي فيه .
شعر نيكولاس بالاحباط فتخلل شعره بيده وقال :" حسنا , حسنا ".
اوما نيكولاس بحركة نمت عن نفاذ صبره , واشار الى النوافذ قائلا :" ما رايك بالخروج من النافذة ؟"
اجابته كالي بوجه كئيب :" فكرة غير صائبة ".
مشى في الغرفة متجها نحو احدى النوافذ ليفتحها ويتفحص امكانيات الهرب , لعل هناك شجرة قريبة وكبيرة , بما فيه الكفاية , لتحمله . لكنه لم ينجح في فتح النافذة , على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله , وصاح :" تبا !"
- لم ينجح ذلك ؟
- سوف احاول جهدي لفتح هذه النافذة !
سمع نيكولاس شهقتها السريعة وزفرتها الطويلة المكتئبة .
بعد محاولات عدة لفتح النافذة باءت بالفشل , وقال :" يمكنني كسر زجاج النافذة ".
- اه , بحق السماء , لا تفكر حتى في هذا ! هذا الزجاج اصلي من صنع يدوي ! لن اسمح لك ابدا بكسره .
فاستدار نحوها عابسا وقال :" لا تستفزيني !"
اجابته وقد بلغ الغيظ منها مبلغه :" لدي كلمتان اقولهما لك "
فقال لها مستفسرا :"اليس ثلاث كلمات في " اذهب الى الجحيم "؟
- نعم , انت محق . لكن ثمة كلمتين فقط لا غير في " اقفل فمك "
لم يعرف لما شعر بالبهجة لطبيعتها المشاكسة . لعلها متقلبة وغير مخلصة لوعودها , لكنها فتاة جريئة !
- حسنا انسة انجليس , بما انك لن تدعيني المس شعرة من راس هذه الغرفة التاريخية القيمة , عليك ان تعلمي اننا محبوسان . هل تذكرين ذلك ؟
زمت كالي شفتيها واخذت تنظر الى الارض .
كانت مسرورة كما لو انها مراهقة على موعد مع فارس احلامها . من جهته , شعر نيكولاس بالاضطراب , فهو لم يسبق له ان واجه معارضة امراة بشان مشاطرتها غرفة نوم واحدة لليلة كاملة , ولم يكن مسرورا لذلك .
ما الذي يزعجه ويحبطه في هذه المراة , ويتركه قلقا وسريع الغضب ؟ تبا لها ! بعد دقيقة ., سوف تدرك خطورة الوضع فتتوسله لايجاد مسمار واستعمال حذائه .
- حسنا انسة انجليس ....
قال لها وهو يرمقها بنظرة ساخرة , وتابع :"بما ان هناك سرير واحد في الغرفة , فما رايك في مشاطرته معي ؟"