كاتب الموضوع :
الأمل الدائم
المنتدى :
الارشيف
4_ نعم إنها زوجتك
ضغط رافايللو بقوة على دواسة الوقود ليتجاوز باصاً سياحياً كان يسير ببطء شديد على الطريق السريع عليه أن يكون بمزاج جيد لقد أصبحت شركة دي فيسنتى له بالكامل لكنه لا يشعر بالفرح فهو لم يشأ أن يتواجه مع والده فكيف بأن يتواجه مع الفتاة التي أصبحت زوجته أيضاً .
كل ما أراده أن يتخطى خدعة والده ويبعد لوسيا عن طريقه وأن لا يخسر جهد حياته في شركة فيسنتى لم يخطط أبداً للاهتمام براحة امرأة وتدليل ابنها فقط لأنه تزوج منها في اليوم السابق فهي كانت تعلم ماذا تفعل حين وقعت الأوراق .
صرخ في رأسه صوت مذنب يقول : لا إنها لم تعلم .
جعله ذلك يطلق بوق السيارة بقوة ليمنع سيارة تحاول تجاوزه من اختراق خط سيره .
تابع ذلك الصوت في داخله يقول تماماً كما قالت لك .. لم تكن تعلم أنها ستواجه الانفجار الغاضب في عائلتك عند وصولها لقد اصطدمت بهذا المحيط دون أي علم بالأسباب .
راح يفكر بقسوة : نعم حسناً ! لكن لا سبب يدعوني لأشعر بالسوء نحوها فهي على الأرجح فتاة إنكليزية غير ذكية لم تفقه أي كلمة مما حكي أمامها بالأمس حتى إنها جعلت نفسها حاملاً لكي تستفيد من ما يقدمه الضمان الاجتماعي ليس أكثر وهي الآن تمضي عطلة جميلة في فيلا مليونير إيطالي فتستمتع بأشعة الشمس بالتأكيد لن يقترب والده منها .. فهو ببساطة سيحبس نفسه في مكتبته ويبدأ بالتدخين أما لوسيا فقد رحلت من المنزل وقد تأكد رافايللو من أن ماريا و غوسيب يعتنيان بماغي وطفلها .
ما لبث أن اقتنع بوجهة نظره الأخيرة ولم يعد يفكر بالموضوع ضغط على دواسة الوقود أكثر فالقيادة بسرعة تضع دائماً مشاكله وراءه وتخلصه من همومه .
لكنه استعاد همومه لحظة وصوله إلى مدخل كراج الفيلا من جديد بعد نصف ساعة تقريباً وقعت عيناه على سيارة مألوفة وفكر بغضب يا للروعة ! لقد استدعيت قوات النجدة .
لم يشعر رافايللو بالدهشة لطالما استعان والده بشقيقته كلما واجه المشاكل مع ابنه حسناً ! يمكن للعمة اليزابيث أن تقول ما تشاء في هذه المسألة وهي بالتأكيد ستفعل فهي تملك لساناً حاداً لكن أي معاتبة ستأتي متأخرة لقد تحدى والده وانتهى الأمر .
استقبله غوسيب حالما وصل إلى المدخل بدا الرجل شاحباً وعلم رافايللو أنه ليس راضياً حين راح يتكلم .
قال محاولا ً تجاهل ملاحظات هذا الرجل الذي يعرفه أكثر من والده : أرى أن عمتي وزوجها هنا ! .
_ أجل سنيور وصلا منذ ساعة وهما يجلسان مع والدك .
هز رافايللو رأسه وعلق قائلاً : حسناً ! علي أن أنتهي من هذا الأمر هل هم في المكتبة .
هز غوسيب رأسه إيجاباً فقال رافايللو : حسناً !
أكمل طريقه نحو المكتبة وما إن دخل القاعة الكبيرة أدرك على الفور أن والده كان بقوم بتعداد أخطاءه وزلاته بالتفصيل أما عمته فكانت بالتأكيد تسترجع ذكرياتها حين كانت أختها الكبرى تعتني بها في هذا المنزل أما زوجها ففقد ظهرت عليه تلك النظرة المألوفة التي تدل على شرود ذهنه أميال بعيداً عن مشاكل العائلة ما إن اقترب رافايللو حتى افتتح والده الحديث معه قائلاً : إذاً قررت أخيراً العودة إلى المنزل ! أولاً تقوم بتحطيمي ثم تتركني بمفردي لكن أي معاملة أخرى سأتوقعها سأنتظرها منك ؟
شعر رافايللو بالغضب والتوتر يسيطران عليه مجدداً وقال : كنت بحاجة إلى النزول إلى روما لطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة في أقرب وقت ممكن كي أعلن أني أصبحت رئيس المجلس الجديد .
أطلق والده صوتاً يدل على استهجانه وقال : لقد نحيتني جانباً فعلاً حسناً ! لكن حين تترك شركة العائلة في دمار تام بسبب طموحاتك السخيفة تذكر أنك أخذتها مني عن طريق الغدر والخيانة .
تكلم رافايللو بصوت حديدي وهو يرى لون وجه والده يتغير بشكل خطير : أنت أعطيتني كلمتك بابا قلت لي أني سأدير الشركة بنفسي لو تزوجت في عيدي الثلاثين وأنا نفذت شرطك هذا كل ما في الأمر أنا لم أعد طفلاً صغيراً الآن وما أردت فعله بي لا يغتفر إنها حياتي الآن .. ولا يحق لك أن تتحكم بها كلعبة بين يديك .
ارتفع صوته مع ازدياد غضبه فوقفت عمته بينهما ورفعت يدها قائلة : هذا يكفي رافايللو ! وأنت أـيضاً انريكو ألا يمكنكما أن تحاولا على الأقل التفاهم بطريقة حضارية ؟
قال انريكو بغضب : حضارية ؟ أتطلبين طرقاً حضارية بعد ما فعله اليزابيث ؟
تنهدت اليزابيث قليلاً ثم قالت : يدهشني انريكو أنك بعد هذه السنين لا زلت تجهل أن رافايللو عنيد مثلك تماماً بالله عليك ! من أين أحضر هذا الرأس اليابس ؟ أردت إجباره على أمر فتمرد عليك ماذا توقعت منه أن يفعل ودمك العنيد يجري في عروقه ؟ نصحتك بألا تعاند في قراراتك لو أنه أراد الزواج من لوسيا لفعل ذلك دون مساعدتك له .
نظر انريكو بتمرد نحوها بسبب هذا النقد القاسي الذي وجهته إليه لكن أخته لم تفسح المجال له للرد فقد أعطت انتباهها لرافايللو لتقول بصوت يشدد على ملاحظتها : أشكر الله أنك تملك الإحساس الذي منعك من الزواج من لوسيا وأتمنى أن تقدم ذات يوم على زواج مبني على الحب لكن عليك أولاً أن تحرر نفسك من هذا الرباط الذي وضعت نفسك فيه بالزواج الآن فأنا لا أوافق على ما فعلته رافايللو سأخبرك بصراحة أنني مازلت آمل أن تثبت للجميع ولنفسك أيضاً أنك أكثر من مجرد رجل أعمال ذي عقل راجح ووجه وسيم .
ثم تابعت بصوت حاد : عليك أن تجعل عمتك تفرح بك .
وفتحت ذراعيها باتجاهه كأنها تطالبه بالاقتراب منها فأسرع رافايللو نحوها كالمعتاد ليطبع قبلتين على وجنتيها فقالت له بمرح : نعم هذا أفضل بكثير !
على الرغم من لسانها الحاد فهو يحبها كثيراً نظرت اليزابيث في عينيه للحظة وقالت بغرابة : علينا أن نتحدث سوياً أيها الشاب الوسيم سأرسم خطة لإخراجك من هذه الورطة .. ولن تكون المرة الأولى التي أفعل فيها هذا .. ولا المرة الأخيرة .
سمحت له بالابتعاد عنها ولكنها أكملت تقول : لكن أولاً علي أن أرتاح قليلاً فالرحلة من بولينا كانت شاقة لقد عمل عمك برناردو بجهد كبير وكانت جولته الثقافية متعبة ومازال هناك الكثير من الأوراق ليكتبها كان عليك توقيت مصائبك في وقت مختلف هيا برناردو .
نادت زوجها ليلحق بها وبالكاد تمكن هذا الأخير من تبادل كلمات الترحيب مع ابن أخ زوجته ثم لحق بها وقف رافايللو للحظات متردداً وهو ينظر نحو والده .
شعر كأنه قنبلة قابلة للانفجار بأي وقت لماذا ؟ فكر بأسى .. لماذا يجب أن تحصل معارك دائمة بينهما ؟
شعر بالإحباط قليلاً فوالده بدا كشخص غريب عنه لمعت عينا انريكو غضباً حين رأى رافايللو ينظر نحوه وقال : أنت .. أنت أيضاً اخرج من هنا لا أريد أن أراك .
لم يحتج رافايللو أن يقول له والده ذلك مرة أخرى فاستدار وخرج من المكتبة على الفور .
فكر بأن يخرج للسباحة هذا ما هو بحاجة إليه الآن فالطقس دافئ والحركة الجسدية قد تفيده ستساعده السباحة على التخلص من التوتر والمشاعر المتناقضة التي تشتعل داخله بعد أن ارتدى ملابس السباحة ووضع المنشفة على كتفه وتوجه نحو البركة وقف مكانه مذهولاً …
لقد سبقه أحدهم إلى حوض السباحة في الواقع أدرك أنا شخصان قد سبقاه إلى هناك إنهما زوجته وطفلها راقبهما للحظات من خلف شجيرات الورد …
كانت ماغي تلعب مع الطفل وهي تقف في الجهة الأقل عمقاً من البركة كانت تقوم برمي بنجي في الفضاء لتعود وتتلقاه عندما يصل إلى الماء مجدداً كانت تضحك بفرح وكذلك بنجي .
تقدم رافايللو باتجاه حوض السباحة لكن ظهوره فاجأ ماغي كثيراً تجمدت في مكانها غير مكترثة لإلحاح بنجي بمتابعة اللعب معه حدقت برافايللو بذعر لاحظه بسهولة وشعر بسخط مفاجئ لا داعي لأن تنظر إليه كمصاص دماء ! سرعان ما بدأت بصعود الدرج المسبح الحجري غير مبالية بصراخ الصبي الذي طالبها بالمزيد من السباحة .
قالت ماغي معتذرة : أنا آسفة جداً لم أدرك أننا يجب ألا نسبح في هذا الوقت .
اختلج رافايللو شعور غاضب آخر ولم يعد يشعر أنها تراه مصاص دماء وحسب بالوحش فرانكشتاين أيضاً .
أعلمها وهو يضع المنشفة على أحد المقاعد : لا داعي لتذهبا ... فأنا سأسبح قليلاً فقط أكملي اللعب مع الطفل .
لكنها تابعت الخروج من البركة وهي تقول : لا ! لا ! لقد انتهينا .
نظراً لتصرفات الطفل الغاضب بسبب الخروج من الماء يمكن الاستنتاج أنهما لم ينتهيا بعد كما ادعت .
بدا صوته جافاً أكثر مما أراد إظهاره وقال : ابقيا في الماء .
لا سبب يدعو تلك الفتاة لتنظر إليه وكأنه وحش .
تمتمت الفتاة : لا حقاً !
لم تعد تحدق به بل أصبحت نظراتها مرتبكة وبدأت تمشي نحو المقعد الذي وضعت أغراضها عليه كانت تمسك الطفل من تحت ذراعيه وهو يصرخ احتجاجاً ويركل الهواء بقدميه احتجاجاً ولحظة ظن رافايللو أن الطفل سيقع على الأرض فاندفع نحوه ليمسك به في اللحظة نفسها التي انحنت فيها ماغي لتنزله على الأرض كي يصبح بأمان .
لثوان قصيرة التقت عينا رافايللو بعينيها قبل أن يبتعد من جديد مدركاً أنها لا تحتاج لمساعدته أذهله ما رآه في عينيها لقد بدت مذعورة بشدة .
وقف رافايللو وقال : ظننت أن الطفل سيقع .
وقفت ماغي في مكانها ممسكة بيد بنجي ورغم أنه كان يشدها باتجاه الماء بقوة فجأة قالت وقد اختفت نظرة الذعر في عينيها : هذا الطفل اسمه بنجي إن كان طفلاً بلا أب ذلك لا يعني أنه لا يملك اسماً أيضاً .
توتر فم رافايللو وفكر أنها تبدو نحيلة جداً وأنه كان عليها رمي الثوب الذي ترتديه للسباحة منذ زمن طويل على الأرجح أنها اشترته من متاجر الثياب البالية فهو كبير جداً عليها وقد ارتخى المطاط فيه أما ألوانه فلم تكن منسجمة مع بعضها أبداً .
وفيما هو ينظر إليها باشمئزاز تغيرت تعابير وجهه تذكر رافايللو تلك التعابير إنها نفسها التي رآها على وجهها حين رآها في لندن وقرر أنها المرأة المناسبة لغايته .
لاحظ ردة فعله أيضاً .. لقد استعاد ذلك الشعور بعدم الارتياح الذي أحس به وهما يركبان السيارة التي أقلتهم من المطار .
حسناً ! إنها ليست مذنبة بالظهور بهذا المنظر المزري فهي بالتأكيد لا تملك المال لشراء ثوب سباحة يحسن شكلها بدلاً من إضفاء القبح عليه وفي الواقع ينطبق الأمر على كافة ملابسها فهي فعلاً أكثر الملابس التي رآها في حياته بشاعة .
مرت صورة لوسيا في ذهنه بجسدها النحيل مرتدية آخر ابتكارات الموضة فهي معتادة على ارتداء ثيابها لمرات معدودة جداً قبل أن ترميها .
لكن المقارنة غير عادلة فالفتاة التي تقف أمامه تبدو كأنها آتية من كوكب آخر .
عبس وهو يتذكر المشهد حين وصفتها لوسيا بالساقطة عاد إليه شعوره بالانزعاج لكنه أصبح أقوى هذه المرة ما شأن لوسيا بحق السماء كي تصفها بذلك الوصف ؟ إنها فكرة سخيفة بل هجومية أيضاً .
وجه نظره مجدداً نحو الطفل الذي مازال يتخبط بعنف كي يعود إلى البركة حسناً ! ليس لديه والد لكن اتهام هذه المرأة بعدم المبالاة سيكون سخيفاً كاتهامها بأنها ساقطة .
( أنت لا تعرف شيئاً عني وعن ظروفي ) .. هذا ما قالته له في السابق .
عادت إلى ذهنه الاتهامات التي وجهت لها في الصباح لقد فهمت ما وصفتها به لوسيا جيداً لم يتوقع منها أن تفهم ولكنها فهمت .. وازداد انزعاجه ..
أوقفت ماغي الطفل بقرب أحد المقاعد وهي تتكلم إليه بحدة محاولة لف منشفة حوله لكنه رماها بعيداً وارتفع صراخه إلا أنها عادت ولفته بها ولفت نفسها بمنشفة أخرى ثم وقفت مكانها قليلاً .
فجأة فكر رافايللو تبدو جميلة بجسدها النحيف والسمرة التي اكتسبتها في الشمس ربما …
ربما لأن المنشفة أخفت ذلك الثوب البشع الذي ترتديه أو لأن أشعة الشمس كانت تعكس ضوء دافئاً على وجهها رأى شعرها الطويل مربوط إلى الوراء كذيل الحصان لم يدرك في السابق حتى أنها تملك شعراً طويلاً فهي دائماً تلفه على بعضه وترفعه بملقط شعر .
راقبها وهي تحمل الطفل وقد كف عن الصراخ الآن وبدأ يحدق برافايللو بعينيه السوداوين الكبيرتين هل قالت أن اسمه بنجي ؟ سيحاول أن ذلك في المرة المقبلة فقد يجعلها ذلك تكف عن التصحيح له بتلك الطريقة القاسية .
حملت ماغي أغراضها وانصرفت وهي تتمتم : عن إذنك .
لاحظ رافايللو أن الطفل .. بنجي .. كان متشبثاً بإطار العوم كأنه كنز من الذهب انتابته مشاعر الغضب والانزعاج من الواضح أن الفتاة كانت تمضي وقتاً ممتعاً مع الطفل .. بنجي ذكر نفسه بالاسم .. والآن هما يعجلان بالانسحاب لم يكن ضرورياً فوجودهما لم يكن ليزعجه طالما يبقيان بعيدين عن المسار الذي سيسبح فيه ..
حسناً لقد فات الأوان الآن بالإضافة إلى أنه لم يكن هو المذنب في رحيلهما فهي التي أصرت على الذهاب أخذ رافايللو موقعاً مناسباً على حافة البركة ثم اندفع نحو الماء ليغطس مبتعداً باتجاه الحافة الأخرى التي تبعد عشرين متراً .
بعد أربعين دقيقة كان قد قطع مسافة كيلومترين ذهاباً وإياباً شعر بالتعب لكن مزاجه أصبح جيداً كانت الشمس قد غابت الآن والظلام بدأ يغطي المكان لكن الهواء لا يزال دافئاً مشى بجانب البركة والتقط منشفته ثم نشف شعره قبل أن يلفها حول جسده .
شعر بالجوع الشديد وقرر أن يأخذ حماماً ثم يغير ملابسه وينزل لتناول بعض المقبلات أدرك أن عمته ستنقض عليه وتسمعه ثرثرتها حتى يمل لكنه بعد هذه التمارين أصبح بمزاج جيد ما يسمح له بتحملها لقد شعر بالسرور لحضورها فهي تنجح دائماً في تهدئة أعصاب أخيها لطالما قامت بهذا الدور طيلة حياتها .
إن وجود عمته وزوجها سيجعلان فترة العشاء أقل إزعاجاً سيساعدان على جعل الأمور أكثر تحضراً .
علت ابتسامة صغيرة فم رافايللو وهو يدخل إلى المنزل .
بعد عشرين دقيقة جلس على الشرفة يشرب القهوة ويراقب أشجار السرو ممتعاً نظره برؤية السهول البعيدة التي تطل عليها الفيلا سمع فجأة وقع خطوات عمته تقترب فوقف يساعدها على أخذ مكانها وعاد يجلس قربها .
بدأت تتكلم على الفور بنبرة آمرة قائلة : حسناً سنتكلم الآن .
في الطابق العلوي كانت ماغي تحمم بنجي رغم أن ذلك لم يكن ضرورياً فقد كان نظيفاً جداً من مياه البركة النقية لكن الحمام شكل إرضاء كبيراً له بعد أم حرم من متابعة اللعب في البركة أما ماغي فلم تنزعج لأنهما غادرا البركة إذ سبق وسبحا مرتين فيها منذ الصباح وقد أمضيا نهاراً هادئاً كالأمس تماماً .
لقد سبحت حين استيقظت ثم تناولت الفطور مع ماريا و غوسيب وعادت لتسبح بعدها ثم أخذت قسطاً من النوم هي و بنجي ومن ثم خرجت تستكشف الحديقة والأراضي المحيطة بالفيلا .
تابعت الاستكشاف صعوداً نحو التلة حتى وصلت إلى الغابة حين عادت إلى المنزل علمت من ماريا أن عمة رافايللو وزوجها وصلا فأخذت بنجي للاختباء في الباحة التي تضم البركة حيث سبحا للمرة الأخيرة في اليوم .
عادت تقلب الأفكار في ذاكرتها .. آه ! لما لم تأخذ بنجي وتنسحب من حوض السباحة قبل عشر دقائق
من وصول رافايللو ؟ لو كان الخجل يقتل الإنسان لماتت من الخجل وقتها ! عادت صورته تقتحم خيالها .. بدا جسده قوياً جداً بطوله الذي يبلغ ست أقدام وبشرته السمراء وعضلاته المفتولة …
شكرت الله لأنها لم تحمر خجلاً وإلا لشعرت بإحراج أكبر .. يكفي أنها تشعر بالإحراج بسبب النظرات التي يرمقها بها وكأنها خرقة مكسوة بالقذارة .
جلست القرفصاء سامحة لبنجي بإلصاق يد مليئة بالصابون على الحائط بجانب حوض الاستحمام راح الطفل ينشر الصابون حوله في كل الجهات أرجعت بيدها بضع خصلات من شعرها إلى الخلف وبينما كانت تقوم بتحريك رأسها انتبهت إلى صورتها في المرآة .
آه يا إلهي ! تبدو بشعة جداً فقميصها قديمة وواسعة لا تبرز شكل جسمها أبداً أما شعرها فبدا مشعثاً عدا عن كونه مجعداً وطويلاً أكثر من اللزوم تذكرت أنها حاولت قصه مرة عند مزين الشعر ولكنها لم تعد الكرة .
فقد اكتشفت وقتها أن الشعر الطويل لا يكلف المال أما الشعر القصير فبلى .
فكرت أن أي رجل سيراها بحالة مزرية فما بالك برجل أنيق ووسيم مثل رافايللو دي فيسنتى ! تذكرت نظراته وهو يحدق إليها بعينيه الواسعتين و رموشه الطويلة متفحصاً بنظرة تقييمية شكلها المزري فشعرت بخجل كبير .
أحست ماغي ببقعة صابون تطير لتحط على ذقنها قاطعة حبل أفكارها تلتها على الفور قهقهة بنجي ما جعلها تكف عن العبوس وتضع أفكارها المحزنة جانباً ابتسمت له بمودة وفكرت أن بنجي على الأقل لن يكترث لمظهرها الخارجي كل ما يريده منها هو الحب وهو الشيء الذي سيحصل عليه إلى الأبد .
بعد انتهاء الحمام ألبست بنجي ثياب نومه القديمة ولكن النظيفة تماماً ووضعته وسط السرير الكبير ألقى الطفل رأسه على الوسادة غامراً بيديه الدب المحشو بالقطن الذي أصبح بالياً لكنه يعشقه بقوة وجلست ماغي إلى جانبه تقرأ له في الكتاب المصور المفضل لديه بدا بنجي متعباً جداً هذه الليلة وتوقعت ماغي أن يغفو بسرعة فكرت بالنزول بعد ذلك إلى المطبخ لإعداد سندويش لها على العشاء .
بوجود ضيوف في المنزل لم تشأ أن تكون مصدر إزعاج لماريا و غوسيب بالإضافة إلى أنها ستشعر بالأمان إن حملت طعامها إلى غرفتها بعيداً عن عيون عائلة رافايللو وعن رافايللو بالذات .
********
لم يتوقع رافايللو أن يستمتع بتوجيهات عمته لكن هذا ما حصل فهي على الأقل قد تفهمت وجهة نظره على العكس من والده إلا أنها بالرغم من ذلك قالت أنه ووالده يستحقان ما يواجهانه مع بعضهما وأنهت حديثها قائلة : أنتما لا تحتملان كلاكما .
ثم أخذت نفساً عميقاً وتابعت : والآن بعد أن أوضحت وجهة نظري اذهب وأحضر زوجتك تلك إلى هنا .
كان رافايللو يرفع كوب العصير عن الطاولة فتجمد مكانه محدقاً في عمته قالت عمته : حسناً ! ما من سبب يدعوك لتبقيها مختبئة بعد الآن علي أن أراها بنفسي .
أجاب رافايللو بجفاء : إنها في غرفتها .
_ حسناً اذهب ونادها لتنزل لا يمكنها البقاء هناك طيلة فترة المساء .
وضع رافايللو كوبه على الطاولة بانزعاج وقال إنها تعتني بطفلها .
لوحت عمته بيدها على الطريقة الإيطالية قائلة : يمكن لأحد الخدم البقاء مع الصبي من الأفضل لك أن تذهب لترى إن كانت جاهزة للنزول إلى العشاء تعلم أن والدك لا يحب التأخير في موعد تقديم العشاء .
توتر فم رافايللو وبدأ يقول : أنت لا تفهمين عمتي ولكن …
لكن عمته قاطعته بصوت حاسم : ما أفهمه رافايللو أنك أهملت تلك الفتاة منذ إحضارها إلى هنا انطلقت على الفور إلى روما لأنك مهووس بأعمال تلك الشركة ولكني سأقول لك أمراً مهما كانت الأعمال في الشركة ملحة ومهما كنت متشوقاً لأخذ مكان انريكو عليك ألا تترك زوجتك في المنزل بمفردها أبداً فهذا غير عادل على الإطلاق أنا لا أكترث إن كان هذا الزواج يلائمك أم لا وإن كنتما منسجمين أم لا لكن هناك أصول عليك إتباعها وهذه أهمها : أياً تكن تلك الفتاة ومهما بدت غير مناسبة كي تكون سنيورة دي فيسنتى لقد تزوجت منها وحصل ما حصل .. إنها زوجتك الآن .
ضغط رافايللو شفتيه على بعضهما بقوة .. هذا لا ليس ما خطط له أبداً وقف بتوتر ونظر إلى تعابير عمته الآمرة ثم قال بسخرية : جيد جداً …
ثم وجد نفسه يكمل فجأة : .. لكني سأطلب منك أن تتساهلي معها قليلاً .
عاوده ذلك الشعور بعدم الارتياح إن عمته امرأة مرعبة وهي بالتأكيد ستهلك تلك المخلوقة الضعيفة التي تجلس بأمان غرفتها الآن وستنقض عليها بلسانها المؤذي .
لاحظ أن عمته توجه نحوه نظرات غريبة كأن كلامه قد فاجأها أجابت بجفاء : سوف آخذ بعين الاعتبار .. ظروفها السيئة فبالإضافة لما أخبرني به أخي عن أخلاقياتها وخلفيتها المتواضعة تكلمت مع ماريا فتوضح لي أمور عديدة عرفت أنها أم عازبة غير محظوظة كالعديدات غيرها ويبدوا أنها تمكنت من إقناع ماريا بأنها ليست فتاة سيئة وهذه مهمة ليست سهلة أبداً لذا أعترف بأني أشعر بالفضول لرؤيتها بنفسي .. حسناً ! هيا اذهب وأحضر زوجتك كي تتخلص من حديثي معك …
زوجته ! مشى رافايللو مبتعداً عن عمته دارت دارت كلماتها في ذهنه لم يكن من المفترض حدوث ذلك .. لم يخطط لجعل تلك الفتاة جزء من حياته فالزواج منها كان لوحده اقتحاماً لحياته والآن تريد عمته أن يحضرها معه للعشاء وكأنها زوجته فعلاً .
صعد درجتين في كل خطوة وحين وصل إلى باب غرفتها دق عليه بحدة .
أجفلت ماغي وكان النعاس قد بدأ يغلبها فيما هي تراقب فراشات العث تطير عبر النافذة متجهة نحو المصباح الذي أضاءته فقد وضعته بعناية على الأرض كي يعطي لها نوراً كافياً لتقرأ وفي الوقت نفسه كي لا يزعج بنجي الذي ينام بجانبها بشعاعه القوي وفيما هي تراقب الفراشات محاولة إبعادها بيدها عن المصباح كانت تشعر بالتعاطف معها لقد شبهت رافايللو بالنور الجميل الذي لا يقاوم بينما رأت نفسها بسهولة كواحدة من هذه الفراشات …
عاد الباب يطرق مجدداً فألقت نظرة سريعة متوترة نحو بنجي مخافة أن يوقظه الصوت ثم خرجت من السرير وذهبت تفتح الباب .
فتحت ماغي فمها باندهاش .. كان رافايللو يقف هناك بجاذبية تخطف الأنفاس وهو يرتدي بنطلوناً قمحي اللون وقميصاً ذات لون أزرق داكن منحته ياقتها المفتوحة نفحة لاتينية ملفتة جعلت أنفاسها تعلق في حنجرتها سألها : هل يمكنني الدخول ؟
إلا أنه لم ينتظر الجواب بل دخل إلى الغرفة وهو يلقي نظرة خاطفة نحو الطفل النائم وتابع : هل أزعجتك ؟
صرخت ماغي في داخلها قائلة : نعم ! لقد أرعبتني بدخولك إلى الغرفة وأنت تبدو كحلم كل امرأة وتسأل إن كنت قد أزعجتني ؟ وقبل فوات الأوان استجمعت قواها وقالت كاذبة : لا ! على الإطلاق .
هز رافايللو رأسه فانعكس نور المصباح المضاء على شعره فأظهره بلون قاتم جداً شعرت بأنفاسها تنخطف مجدداً .
_ العشاء سيقدم بعد وقت قصير هل يمكن أن تكوني جاهزة في الوقت المناسب ؟
حدقت فيه بذهول فتابع يقول : ستأتي إحدى الخادمات لتجلس مع الط … بنجي وإن استيقظ فسوف تناديك .
قالت ماغي بتردد وهي بالكاد تفهم ما يقوله : هو ينام إلى ما بعد منتصف الليل ثم يستيقظ .
هذا ما كان يحدث بالعادة إلا أنه في الليلتين الماضيتين لم يستيقظ حتى الصباح فقد كان يشعر بالتعب بعد هذه المغامرة الجديدة بالإضافة إلى أن توسكانا هادئة جداً بالمقارنة مع لندن جعلها نومه طوال الليل تستمتع بنوم هنيء هي أيضاً فمنذ ولادة بنجي لم تحظ بليلة من النوم المشبع شعرت أنها مرتاحة أكثر من العادة ..
بالطبع كلما فكرت ماغي بسخرية فهي الآن تعيش حياة مليئة باللهو وهذا يساعدها كثيراً على أخذ قسط من الراحة .
عاد رافايللو يتكلم وأجبرت نفسها على سماعه : جيد إذا سأتركك كي تبدلي ملابسك أرجوك أسرعي قدر المستطاع .
انتقلت نظراته لتتفحص قميصها الواسعة المتهدلة وما إن هزت ماغي رأسها إيجاباً حتى رحل مبتعداً عن الغرفة .
انضم رافايللو إلى عمته وزوجها في غرفة الجلوس ثم أتى غوسيب يزف خبراً أشعره بالارتياح أخبرهم أن انريكو يشعر بالتوعك قليلاً وقد ذهب يرتاح في غرفته وأنه لن يتناول العشاء معهم توتر فم رافايللو لكنه لم يعلق رفض والده الجلوس مع زوجة ابنه غير المرغوب فيها على الطاولة نفسها لتناول العشاء .
أما عمته فكانت أقل صبراً منه ولم تتمكن من السكوت فعلقت تقول : يا له رجل صعب ! أتمنى فقط ألا تشعر زوجتك بالإهانة .
تململ رافايللو وقد عاد الشعور بعدم الارتياح ينتابه مجدداً وفكر : إهانة ؟ لو أنها تشعر بالإهانة لأحست بذلك حين نظر إليها في لندن وقرر أنها الأداة المناسبة لانتقامه من والده …
جعله صوت الباب وهو ينفتح يستدير فجأة وكأنه نادها بأفكاره .. فقد ظهرت ماغي عند الباب بتردد وخجل .
فكر أنها تبدو كالفأر كانت ترتدي ذلك الثوب الشنيع الذي ارتدته أثناء مراسم الزواج كان الثوب ينسدل بعدم تناسق فوق ساقيها من دون خصر وبياقة واسعة غير أنيقة أما شعرها فمرفوع إلى الوراء فوق رأسها أفضل ما يمكنه قوله أنها هو أنها بدت مرتبة ونظيفة جداً .
قالت بصوت يكاد لا يسمعه أحد : مساء الخير .
توقف المشهد للحظة .. بعدئذ لاحظ رافايللو أن الاحمرار بدأ يعلو وجنتيها فمشى بضع خطوات إلى الأمام واتجه نحوها …
5 _ في قبضة التنين ..
_ تعالي لأعرفك على عمتي وزوجها .
أمسكها رافايللو من مرفقها وساعدها على التقدم بدت أعصابها مشدودة كاللوح تحت قبضته وكادت تتعثر وهي تمشي نحوهما حتى بعد ترك يدها تمكن رؤية مدى توترها وهو يقف بجانبها .
_ عمتي اليزابيث .. هذه ماغي , ماغي إنها عمتي اليزابيث كالي وزوجها البروفيسور برناردو كالي .
أحست ماغي بأنفاسها تعلق في صدرها وشعرت بالدهشة لأن رافايللو ناداها باسمها .
حنى هذه اللحظة كان واضحاً لها بشكل مؤلم أنه لم ينادها باسمها أبداً بل وجه لها الأحاديث بشكل مباشر جداً .
فتحت عيناها بقوة من الدهشة حين أدركت أنه هذا المساء قام بمناداة بنجي باسمه أيضاً ! وبالكاد صدقت ذلك حين دخلت إلى الغرفة ورأتهم جالسين توقعت انفجارات أخرى كالتي استقبلها بها والده وقريبته بالأمس لكن على العكس من ذلك راحت عمته تنظر إليها بسلام بعينيها الواسعتين .
فجأة ابتسمت لها عمته لم تكن ابتسامة كبيرة بالضبط ولم تكن دافئة جداً أيضاً بل ابتسامة اجتماعية حضارية كما ابتسم لها زوجها أيضاً لكن ابتسامته كانت أكثر دفئاً .
قال رافايللو بصوت خافت :للسف وجد والدي نفسه متعباً بعض الشيء لذا لن يحضر للعشاء أتمنى أن تعذروه .
عضت ماغي شفتها بدا من الواضح أن والده يتجنبها وكأنها مصابة بوباء ما .. حسناً ! ربما أنا مصابة حقاً بوباء ما من وجهة نظره فأنا لست زوجة ابنه المثالية آه لم بحق السماء لم يدرك رافايللو أن عليه الزواج فتاة تنتمي إلى وسطه الاجتماعي للتخلص من لوسيا ؟ ما قام به هو الزواج من أول امرأة يصادفها .. لا تزال ماغي تتذكر كلمات تلك الفتاة الشقراء بوضوح فلينظر الآن إلى الفوضى التي زج بها نفسه .. كان عليه أن يدرك ما ستكون عليه ردة فعل والده حين يرى أن ابنه تزوج من عاملة تنظيف لديها طفل تعتني به أيضاً ألم يدرك أن وجود الطفل سيجعل الوضع أكثر سوءاً .
رفعت ماغي ذقنها وهي تفكر : حسناً ! هذا أمر يخص رافايللو ووالده فهي لا تهتم لكونها تعيش من تنظيف بيوت الأغنياء وتعتني بطفل دون أب فبنجي هو حياتها إنه هدية كايس لها .. الهدية الأخيرة .
أتى غوسيب لإعلامهم أن العشاء جاهز اقترب رافايللو من ماغي أكثر ومسك ذراعها من جديد فعاد التوتر يملؤها علمت أن هذا مجرد مشهد تمثيلي أمام عمته لكنها تمنت لو انه يقف على بعد كيلومتر منها أجبرت نفسها على التخفيف من توترها ولم تفتها نظراته المنتقدة لمظهرها على الرغم من أنها كانت نظرات سريعة
جداً .
بعد وقت قصير دخلوا إلى غرفة الطعام وأخذت ماغي تمتع نظرها برؤية التحف الفضية والأغطية الحريرية شعرت بفرح كبير لجلوسها إلى طاولة الطعام الخشبية اللمعة .
سألتها عمة رافايللو بنبرة غريبة ولكن بلغة إنكليزية سليمة تماماً كلغة رافايللو : هل أعجبك الطعام ؟
وجدت ماغي نفسها تجيب بشكل تلقائي : إنه لذيذ جداً .
ابتسمت السنيورة كالي وقالت : إنه مصنوع من الأجاص المستورد وأنا لا أشجع هذا الطعام أنا أحب الأكل الإيطالي وأفضل تناول الفاكهة ففي موسمها لا يزال الوقت مبكر لنضوج الأجاص هنا أما اللحم فهو ممتاز إنه من مدينة بارما وأظنها مدينة معروفة بجبنه البارميزان في إنكلترا .
بدا من الواضح أ|ن العمة تحاول جعل ماغي أكثر ارتياح أدركت ماغي ذلك وقدرت لطفها .
تابعت السنيورة كالي حديثها وهي تركز على نقل صورة جميلة عن توسكانا لماغي :" لكن هناك أشياء كثيرة تتميز بها توسكانا وأنا واثقة أنك ستستمتعين بها كثيراً إنها تتميز بالمطبخ البسيط كطبق البستيكا آلافيدينتينا وهو مكون من اللحم المشوي على الفحم ومن لحم البط .
رفع زوجها يده وقال : لا تكوني قاسية على بارما عزيزتي فهي في النهاية تتشارك العديد من الميزات مع توسكانا .
كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها ماغي ذلك البروفيسور بماغي طويلاً وكأنه يتفحص أحد تلاميذه .
علق رافايللو بقسوة : برناردو هذه الزيارة الأولى لماغي إلى إيطاليا لا أظنها ستفهم ما تعنيه …
وفي الوقت الذي تكلم فيه تقريباً كانت ماغي تقول وهي تحاول تذكر ما قرأته في الكتيب الذي أحضرته عن إيطاليا : دوقة بارما .. ماري لويز و … أرملة نابليون هي دوقة لوكا .
قال لها البروفيسور مشجعاً : جيد جداً ! عليك زيارة لوكا قريباً .. إنها جوهرة توسكانا .
أجابته ماغي : قرأت القليل عنها في الكتيب الذي أحضرته معي .. أعتقد أنه تشتهر بجدرانها أليس كذلك ؟
_ نعم بالفعل بنيت هذه الجدران في أواخر القرن الخامس عشر لمنع الأسبان من الدخول إليها وتمكنت بذلك من الحصول على الاستقلال كانت في ذلك الحين المدينة الإيطالية الوحيدة التي تتمتع بقوانين خاصة إلى جانب فينسيا استمر ذلك حتى قام نابليون بتنصيب أخته اليزا دوقة عليها وعلى توسكانا أيضاً .
علقت زوجته بجفاء : إن زوجي عالم تاريخ كما تتوقعين على الأرجح .
فاجأ ذلك ماغي كثيراً التفتت السنيورة كالي نحو زوجها وتابعت تقول : أرجوك برناردو لا تكن مملاً .
ابتسمت ماغي بخجل وهي تقول : لا يمكن للتاريخ أن يكون مملاً لا سيما تاريخ مليء بالأحداث كتاريخ إيطاليا.
كان كلامها صحيح تماماً بالنسبة للبروفيسور الذي أجاب قائلاً : و لتوسكانا التاريخ الأغنى في إيطاليا .
سألته ماغي : أي الإتروسكان .
أكد البروفيسور معلوماتها : نعم الإتروكسان .
وأخذ يستطرد في الحديث حتى وصل إلى الحضارة الرومانية القديمة التي سيطرت على البلاد قبل وقت طويل من اكتساب روما لهذه القوة والمنزلة العظيمة .
قاطعت زوجته الحديد معلقة : لطالما قدرت الإتروكسانيين فقد كانت النساء عندهم يتمتعن بحرية مذهلة كن يتناولن الطعام مع الرجال ويملكن الأراضي ويتكلمن في العلن .
خبأت ماغي ابتسامتها فقد تمكنت من معرفة السبب الذي جعل السنيورة كالي تقدر هذه التصرفات من النساء التفتت نحو رافايللو لترى إن كان يجد تعليق عمته مهماً لكنها تفاجأت حين رأت وجهه .
كان ببساطة يحدق بها وكأنها مخلوق غريب من كوكب آخر ارتبكت ماغي ورمشت عينيها بتردد هل قامت بعمل خاطئ ؟ أبعدت نظراتها مجدداً وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع هل كانت تتصرف بشكل غير لائق ؟ هل من المفترض بها أن تصمت وألا تشارك بالحديث ؟
ثم سمعت البروفيسور يقول لرافايللو : يجب ان تشغلك زوجتك لبعض الوقت عليك أن تأخذها في جولة سياحية هناك الكثير لتراه .
عضت ماغي شفتها .. إن آخر ما يتمناه رافايللو هو التجول معها في رحلة سياحية قالت بسرعة : آه لا سيكون هذا مستحيلاً .. إن ابني الصغير ..
أجابت السنيورة كالي بهدوء : أؤكد لك أني و ماريا سيسرنا الاهتمام به في غيابك الطقس في إيطاليا هذه الفترة ملائم جداً للسباحة .
قالت ماغي تخالفها : آه ! أرجوك .. حقاً أنا لا يمكنني ترك بنجي .
عادت عمة رافايللو تقول : من الجيد له أن يحاول الشعور بالسعادة حتى وإن لم تكوني بقربه يجب ألا تقلقي لبقائه معنا ماريا تملك خبرة بالأطفال وقد أخبرتني أنه طفل رائع ولديه تربية جيدة بالنسبة لسنه .
ابتسمت العمة برقة ما جعل وجنتا ماغي تحمران خجلاً لم تعرف بما تجيب فنظرت أمامها على الطاولة وفجأة شعرت بلمسة يد خفيفة فوق يدها .
كانت تلك السنيورة كالي التي تابعت تقول : أعتقد أن الأمر كان صعباً عليك أليس كذلك ؟ فالناس دائماً يطلقون أحكاماً قاسية على الآخرين .
والتفتت نحو رافايللو الذي توتر فمه ثم قالت وهي تحاول تغير الموضوع : رافايللو اطلب من غوسيب أن يقدم الطبق الثاني .
مضى وقت العشاء بهدوء اكتشف البروفيسور خلاله وجود مستمع جيد له فأكمل خلال العشاء كلامه عن تاريخ إيطاليا وعن توسكانا بالتحديد أخذت تشعر بالارتياح أكثر خصوصاً أن رافايللو بقي صامتاً طيلة العشاء أما عمته وزوجها فقد بدا لطيفين جداً معها .
بعد العشاء طلبت السنيورة كالي من غوسيب تقديم القهوة في غرفة الجلوس عندها فقط تمكن رافايللو من طرح سؤال على ماغي كان يحيره طيلة ذلك الوقت فبعدما خرج البروفيسور وزوجته من غرفة الطعام أنذرتها نبرة صوته الخشنة بجدية سؤاله وهو يقول : أيمكنك أن تشرحي لي لما تعمل امرأة متعلمة مثلك بالعمل في تنظيف الشقق ؟
حدقت ماغي به .. كان يقف بقربها تماماً لكن هذا لم يكن سبب دهشتها الوحيدة كررت خلفه بذهول : متعلمة ؟
أوضح لها رافايللو بتحد : لديك معلومات واسعة من التاريخ ومن الواضح أنك امرأة ذكية فلماذا تعملين عاملة تنظيفات ؟
انبسط وجهها الآن وأصبحت قادرة على الإجابة على سؤاله فقالت : أنا لا أحمل أي شهادة .. لكن لطالما أحببت المطالعة وهذا كل ما في الأمر فدخول المدرسة .. كان أمراً صعباً .
فكرت ماغي ان لا داعي لجعله يمل من تفاصيل قصتها ولا ضرورة لإخباره كم كان صعباً عليها كفتاة ملجأ ان تتحمل التعليقات والضغوطات من التلاميذ الأكثر حظاً منها لوجودهم مع عائلاتهم .
تابعت قائلة : رغم أني تلقيت بعض الدورات التدريبية التي توازي التعليم الأولي .. لكنني لم أتمكن من المتابعة .
وعادت تفكر ان لا ضرورة أيضاً لتخبره أن السبب يعود إلى تزامن دراستها مع اكتشاف المرض لدى كايس .
************************************************************ ****
|