لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-08, 04:48 PM   المشاركة رقم: 186
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تمتعت به ! أعلم الآن حقاً أنك مجنون ! كنت تتحدث عن تمتعي وأنت الآن تراقبني كأنني مجرمة وتقفل علي الباب حتى كدت أجن من الخوف .. أنت …
وصمتت بعد أن أحست بقساوة باردة في عينيه وسألها : وماذا كنت تقولين آنستي ؟
_ تعرف ما أعنيه .
فابتسم متجهماً : أعرف ؟ أتودين أن أعترف بجرائمي ؟ حسن جداً لقد حبستك في غرفتك .. حرصاً على سلامتك فقد كان أمامي مثال واضح عن فضولك القاتل .. أتذكرين هذا كذلك كان لدي سبب وجيه يحول وبين الوثوق بك .. لكنك ترين الآن أنك ما عدت سجينة .
_ وقضبان الحديد فوق النوافذ ؟ هل ستزيلها كذلك ؟
_ أوه .. أجل .. نافذة الحريم التي أغضبتك دوماً تلك للأسف يجب أن تبقى لكن أعدك لا لإخفاء أمر ما عن السيدة المقيمة في الغرفة بل لأن حجارة الشرفة في الخارج غير آمنة والشبكة الحديدية تجعل من يأوي إلى الغرفة آمن من الخطر إذا خرج إليها أنا أحرص على سلامة الجميع بما فيهم أنت آنستي .
احمر وجهها من جراء كلامه اللاذع لكنه تجاهلها وأردف :
_ أما بالنسبة لبقية جرائمي .. لقد راقبتك أو قد تقولين عوضاً عن هذا أنني زودتك بمرافق يراقب نفسك لأتأكد أنك لن تضجري وأنت في ضيافتي أما بالنسبة لخوفك آنسة ستورم فلا أرى أثراً لذلك الخوف وأجد أن شجاعتك لم تتأثر بادعائك العذاب بين يدي وأنصحك أن تنظري طويلاً إلى مرآتك قبل إنكار تمتعك بوجدك في جزيرتي فالفتاة التي قدمت إلى كاستاريوس دون دعوة كانت قلقة متوترة .. هذا ما ظهر في عينيها وفي إجابتها وفي ردات فعلها .. لقد عاشت كالفراشة وضجر هذه الحياة أوقعها في فخ .
صمت قليلاً .. ثم أكمل بصوت خفيض :
_ تلك الفتاة ولت يا روندا .. وحلت مكانها فتاة مختلفة .. فتاة قد تخاف وتغضب لكنها تحس وتشعر .. فتاة تعلمت أن المجهول يضيف إلى الحياة النكهة التي لم تكن في حياتها من قبل .
ردت بصوت مرتجف : لا أظن أن لك الحق في قول هذا كنت سعيدة تماماً … مع بيرس .
_ وكنت سعيدة أكثر من دونه وهذا بكل تأكيد ما لا أرغب في أن تشعر به الفتاة التي أريدها لي يا عزيزتي .
فردت بقساوة : بالطبع لا .. فأنت ترغب أن تكون لك جسداً وروحاً دون أن يكون لها يوماً شخصية منفصلة أو حياة مستقلة .
_ الكلام عن انفصال الشخصيات أمر مناف للقوانين الطبيعية وفي ما تصفينه لا دفء ولا كرم فلماذا ترضين بشرب الماء والحليب وأمامك فاكهة الأرض كلها ؟
أصبح جسده ملتصقاً بها بقوة وكأنه الصخرة التي استندت إليها لكنه التصق بها بحرارة تخترق عظامها وارتفعت يداها لتستريحان على صدره .. وامتلأت السماء المخملية فجأة بالنجوم المتلألئة التي تأرجحت بأقواس دوارة أمام عينيها قبل أن تغمضهما وتستسلم للإحساس السعيد الغامر بين ذراعيه .
أخيراً أبعدها عنه وهو يمرر أصابع يديه في شعرها الذي تشعث ليرجع رأسها إلى الوراء :
_ هذا كله من تأثير الليل وسحر البحر يا عزيزتي .. إنه يتلاعب برأس الإنسان كما تتلاعبين أنت برأسي .. ويجب الآن أن أعيدك للقصر قبل أن تضيفي تهمة إغوائك إلى لائحة ما ارتكبت بحقك .
حدقت روندا في وجهه الذي لا يبعد أكثر من سنتيمترات عن وجهها .. فكرة واحدة كانت تبرز من خلال مشاعرها التي تتملكها .. ماثيوس سبيراتوس يرغب بها بقدر ما ترغب قيه ولكنه مع ذلك استطاع إيقاف نفسه عند حدها والتراجع بعدما حدث بينهما لقد رفض لتوه عرضها الذي لم تتفوه به .. كان ذلها أكبر لو توسلت إليه بصوت مرتفع طالبة حبه .
كبحت بجهد فائق عبرة كانت ترتفع في حلقها وتراجعت إلى الوراء مبتعدة عنه وأبقت صوتها خفيفاً ساخراً :
_ أوه .. هيا سيدي .ز عناق في ضوء القمر شيء عابر أنت بكل تأكيد جذاب .. لكن لا يمكنك أن تتصور أنني قد أسمح للأمور بالمضي إلى أبعد من هذا .
وأجبرت نفسها على الضحك وكان الظلام أقوى من أن يسمح لها بقراءة تعبيرات وجهه لكن الازدراء كان واضحاً في صوته عندما قال لها :
_ القصاصات في تقريري عنك لم تكن مكتملة آنستي .. فهي تشير إلى أنك كنت صغيرة وطائشة .. لكنها لم تعطني الانطباع بأنك عابثة كذلك .. وهذا دور خطر يا عزيزتي فحذار في المستقبل لدى اختيارك شريك اللعبة السقيمة هذه سأرافقك الآن إلى القصر .
_ انتظر لحظة .. صندلي .. لقد أضعته .
وقف ينتظر وهو يتمتم بنفاذ صبر واضح .. أخيراً وجدته وقفت بارتباك تحاول انتعاله دون أن تفقد توازنها ثم قالت ببرود : أمسك ذراعي .. لا .. لا بأس شكراً لك لقد تمكنت من انتعاله .
_ لا تتوتري هكذا لن أفرض عليك شيئاً .. فبغض النظر عن مواقفك المزدوجة الوجه إن ابن عمي سيعود في أي لحظة وهذا ما قد يكون محرجاً لنا معاً .
لحقت روندا به بائسة تتعثر قليلاً فوق العشب النائي .. رائحة الآس المسحوق تحت الأقدام كان يملأ الجو .. .. وعلمت أنها وحتى الأبد ستربط حلاوة هذه الرائحة المرة .. بتعاستها .

5 _ تحلم بالقمر

كانت ليلة حارة جعلتها تنضح عرقاً فشعرت روندا وهي تنقلب دون راحة فوق فراشها أن غطاء بسيطاً مثل قماش الشرشف الرقيق لا يطاق .
جاء صباح مشرق آخر ليس في سماءه شائبة ولا نسمة عليلة تنبأ بيدرو بعاصفة قد تنتج عن هذا الطقس المزعج الخانق ووافقت روندا معه على أن طقس كئيب وطأته ثقيلة وقال بيدرو وهو يصب لنفسه فنجان قهوة آخر عند الصباح :
_ لا أظن أن العاصفة قد تحدث قبل أن ننهي رحلتنا بين الأطلال هذا إذا كنت ما زلت ترغبين في هذا .. ليت ماثيو يأمر بتمديد تكييف مركزي .. كانت غرفتي كالفرن ليلة أمس .
فابتسمت :
أعتقد أن التكييف أمر متطور حديث بالنسبة إلى جزيرة كهذه .
فهز كتفيه : للجزيرة .. ربما لكن ليس بالنسبة له .. إنه يحب كل شيء حديث .. يجب أن تشاهدي المطابخ .. لقد حدثها والده لكنه حسنها حسب طلبه .. تبدو الآن كغرفة قيادة سفينة فضائية لقد جاء بكل أفكاره من أميركا حيث يقضي معظم وقته في الواقع كاستاريوس هي صلته الوحيدة مع عالمه القديم فهو يؤمن بالدولية وكيف مؤسسته المالية على هذا الأساس .
_ ألهذا يعتبر نفسه فوق القانون ؟
_ أوه روندا ! ألا ترين أبداً أن هناك قوانين يجب أن تكسر ؟
_ هذا ليس رداً لو أن كل شخص تصرف كما يحلو له لعمت الفوضى يقاد رجال ونساء كثيرون إلى السجن يومياً لارتكابهم أموراً كالتي يرتكبها ابن عمك الآن .. ألا تظنه يستحق السجن كأي مخالف للقانون ؟
ظهر الحرج على بيدرو وهو ينظر إلى ما خلفها وهو ينظر إلى ما خلفها ثم إليها فعلمت أنهما لم يعودا وحدهما .
_ ومن يستحق السجن ؟
وجلس ماثيو على كرسي قريب ليصب لنفسه القهوة فقال بيدرو ضاحكاً :
روندا تقول أنك تستحق السجن لأنك فوضوي .
زاد إحساس روندا بالخزي عندما ظهرت دلائل المرح نفسها في عيني ماثيو سبيراس فقالت وهي تقف :
سأصعد إلى غرفتي إلى أن يحين موعد نزهتنا بيدرو.. متى سننطلق ؟
_ سأحضر السيارة عند الحادية عشر .
في منصف الطريق إلى غرفتها تذكرت أنها نسيت نظارتها ومع على يقين من أن توماس سيحضرها لها فقد قررت العودة لأخذها كانت على وشك الخروج عندما سمعت صوت بيدرو فارتدت إلى الوراء مختبئة :
_ أنت واثق أنها لا تعرف شيئاً ؟
وماذا يمكن أن تعرف ؟ لقد أمضت عشرة أيام مع رفاقها في مركبهم قبل أن تصل إلى كاستاريوس وهم لذلك لم يسمعوا أخباراً ولم يقرءوا الصحف فلا تقلق كثيراً .
سمعت روندا بيدرو يتمتم أن في الأمر مخاطرة وقال ماثيو :
_ صحيح ولكن لا تنسى أننا مجرد وسطاء في هذا كله إن الفتاة هي مسئوليتي ولقد قبلوا بها على هذا الأساس .
سارعت روندا بالانسحاب بسرعة .. كانت في حالة كاملة من التشوش .
ماذا تفعل بالضبط عائلة سبيراتوس النبيلة وفيما هي متورطة وما دخل الإذاعات والصحف بالأمر ؟ في هدوء غرفتها رمت نفسها على السرير تفكر.. ماثيو مخطئ فهي قد شاهدت صحيفة أحضرها بيرس يوم كانوا في ماسيرنو .. قطبت محاولة تذكر العناوين الرئيسية مع أنها لا تذكر أن لها صلة بما يحدث بالقصر .. ماذا كان فيها مؤتمر .. سطو على المصرف …
جلست روندا ببطء .. سطو على مصرف .. وكررت ذلك لنفسها .. أيمكن هذا ؟ تذكرت فنجان القهوة الذي تحطم بيد توماس ووجهه المذعور عندما مازحته بشأن ملايين مصارف مؤسسة ماثيو الذي قال لتوه أنهم مجرد وسطاء .. أيعني هذا أن جهة أخرى قامت بالسطو وهو يخفيهم الآن في الجزيرة إلى أن تخبوا الضجة ؟
أدارت نظرها دون إرادة منها لتنظر للوحة وحش كاستاريوس الأول .. كله كبرياء وشموخ ورجولة ربما تكون أخلاقه عرق أثري لا يظهر نفسه إلا مرة بعد عدة أجيال كما الحال في لون شعره وبشرته العسليتين الذهبيتين .
وتنهدت بمرارة .. إنها هي من تريد أن تسيء الظن في ماثيوس سبيراتوس .. لكن من الغريب أن معرفتها هذه لم تشعرها بالانتصار بل بخيبة أمل تبعث القشعريرة .
أكانت هذه العصابة لا تعرف بوجودها كما لا تعرف هي بوجود العصابة ؟ هذا يفسر سبب تهريبها خلسة مغطاة إلى داخل القصر تحت سترة قائد الحرس ولماذا بالتالي أجبرت على البقاء هنا رغماً عنها لابد أن السبب للتأكد من عدم هروبها وإطلاقها للإنذار قبل اختفاء أفراد العصابة . وتساءلت ماذا كان سيحصل لها لولا منحه إياها حمايته .. وارتعدت .
أحست بالبرد والغثيان لأنها شعرت بأنها لن تستطيع رؤية ماثيو ثانية لمعرفتها بما فعل .. مهما كان وغداً فقد علمها في لحظات معنى أن تكون امرأة وغير نفسيتها على هذا الأساس لكن من دونه ماذا سيبقى لها ؟ وأحست بالخوف من المياه العميقة التي أغرقها فيها انجذابها نحوه .
شهقت دون وعي ثم عادت تسترد شتات نفسها .. وقوعها في حب ماثيوس سبيراتوس إطلاق خطر لعواطفها التي لن تطيقها إن أكثر ما يجب أن تأمل به هو على علاقة عابرة معه سيكون بعدها شاكراً لها عدم إلقاء عبء مطالبها العاطفية عليه .. لكن في المقابل أتستطيع هي أن ترضى بأنها ليست بالنسبة له سوى لعبة رغب فيها .
كانت مثقلة العينين خائرة الهمة عندما نزلت للقاء بيدرو .. الذي سارع إلى إبداء القلق واقترح عليها تأجيل رحلتهما إلى يوم آخر لكنها رفضت وجلست قربه في السيارة السبور المنخفضة فمد إليها النظارة :
_ هذه لك .. أليس كذلك يا عزيزتي ؟
ما إن وصلا إلى بوابة القصر الحديدية حتى انفتحت أتوماتيكياً بفعل ساحر فأشار بيدرو إلى ما حولهما :
إنها إحدى ألعاب ماثيو الأمريكية المتعددة .
فهزت رأسها مبتسمة .. بل إنها إحدى قاعات المحكمة ! بعيداً عن جدران القصر المرتفعة كانت روندا تحس بالحرية .. ورغم قيظ النهار كان الهواء منعشاً ومعطر بعطر غير عادي لم يتكلم بيدرو كثيراً أثناء القيادة فقد تركها تتمتع بالمناظر وراح يجتاز الطريق الضيقة التي تمر بين صخور مرتفعة تقطعها أحياناً أشجار الصنوبر والآس الممتدة على الجانبين .
كانا يمران أحياناً بقباب صغيرة لبيوت مبنية حيث لا صخور حولها وحيث التربة فيها زراعية وكان بيدرو يخفف سرعة السيارة ليطلق التنبيه لمجموعة من الأولاد المستغرقين وسط الطريق بلعبهم وكانت النسوة المتشحات بالسواد يقفن عند أبواب منازلهم يبتسمن لمن في السيارة .
_ إننا ننعم بمجد ماثيو أتفهمين هذا إنهن يكرمن صاحب السيارة لا من فيها .
ورفع بيدرو يده يرد على تحية النسوة .
لكن روندا بقيت صامتة بتعاسة تساءلت ماذا يحصل لشعب هذه الجزيرة الصغير الذين يعتمدون على عائلة سبيراتوس في معيشتهم لو أن ماثيو اعتقل : هل سيتحمل أحد عبء المضي في الصناعات التي أسسها لهم ؟ وماذا عن القصر أيبقى دون سيد وماذا عن العمل الذي يوفره في داخله وحدائقه لأهل البلدة ؟ بؤسها العاطفي بدا لها أنانياً لا لزوم له في ضوء ما قد يجلبه لهم سقوط عائلة سبيراتوس .. ناهيك عن ردة الفعل في الأسواق المالية العالمية .. وسمعت بيدرو يتكلم فعادت إلى واقعها :
في يوم آخر سنذهب لرؤية الشلال .. لأجل هذا يجب أن نسلك الطريق الآخر نحو الداخل ونتسلق المضيق بين الجبلين .. الشلال يقع في أعلى نقطة في الجزيرة .
كانت المجموعة الأولى من القلاع التي وصلاها مخيبة للأمل لأنها كما قال لها بيدرو ليست سوى كومة من الحجارة الرمادية .
نصف الحجارة مفقود .. لأن أهل الجزيرة يستخدمونها لإصلاح بيوتهم .
_ الشيء نفسه يحدث في كل مكان عندما يتهدم بفعل الزمن .
فضحك : العض منها استخدم قذائف فحين كانت حمم المدافع تنفد من المدافعين كانوا يستخدمون الحجارة لرميها على الغزاة وردهم إلى البحر .
_ أكانوا يربحون الحرب دائماً ؟
_ ليس دائماً فالجزيرة احتلها القراصنة البرابرة أكثر من مرة وبعض من أسلاف العائلة أخذ رهينة لقاء فدية هذا بالنسبة للرجال أما النساء فكن يلقين مصيراً مذلاً سيدة القصر لم تكن تعامل بأحسن من الفلاحات في إحدى الغزوات أسرت للأمير رافاييل سبيراس ثلاث بنات ما عرف عنهن شيئاً .
فقالت ببرود لاذع :
أظن أن قليلاً من الدم البربري ما يزال يعيش حتى يومنا هذا .
فرمى بيدرو رأسه إلى الوراء ضاحكاً :
_ لا تخافي سيسمع العالم عنك ثانية أما مصيرك فسيكون بالسوء الذي تختارينه أنت ثم لماذا تجبر امرأة على كل شيء بينما إغواؤها سيكون أكثر فائدة لك ؟
_ على فكرة .. لم تفسر لي ما سبب وجود تمثال النمر عند الرأس الأرضي في حديقة القصر .
_ ومتى سنحت لي الفرصة ؟ فحين وجدت لك الوشاح وعدت كنت في منتصف الطريق إلى المنزل مع ماثيو … لماذا لم تسأليه أن يقص عليك تاريخه ؟
فردت بارتباك : تحدثنا عن أشياء أخرى .
ليتها لم تثر الموضوع لكنه هز كتفيه قائلاً :
المنحوتة صنعها نحات محلي بعد استقرار أول أمير لعائلة سبيراتوس في كاستاريوس وكان هو أول من نظم أهل الجزيرة في دفاعهم عنها قبل بناء القلاع .. وكان التمثال تكريماً لانتصاره الأول ضد بعض الأعداء .. أو هكذا تقول الأسطورة فيما بعد وصلتنا أساطير أخرى .
وضحك .. فسألته بلهفة : مثل ماذا ؟
_ أوه .. إنها أساطير رومانسية جداً عزيزتي أهل الجزيرة كانوا مضطرين لطلب الأذن من السيد للزواج وعندما تتزوج الفتاة كانت تعلق إكليل عرسها على براثن التمثال عرفاناً بجميل نمر الجزيرة نفسه .
_ أظن هذا أمراً ساحراً .
_ لكن العادة هذه فسدت فيما بعد عندما عرف أن بعض كن يعلقن أكاليل من الزهور كي يجذبن السيد إليهن .. وتدريجياً أصبح من المعروف أن أي فتاة تعلق إكليل الزهر على التمثال تكون في الواقع تعني أنا لك إذا أردتني وسرعان ما أخذ الأهل يراقبون بناتهن لئلا يقتربن من التمثال .
فابتسمت : أظن أن هذا أصل القول الذي سمعته فتاة مناسبة للنمر .
فضحك : بكل تأكيد يا عزيزتي .
الحصن التالي كان في وضع أفضل بكثير فما يزال يحتفظ ببناءه .
أوقف بيدرو السيارة على جانب الطريق ثم سارا عبر العشب المرتفع ورائحة اللافاندر والورد البري و زنابق العسل تفوح في كل مكان وفراشات حمراء كبيرة كانت تحوم وكأنها براعم أزهار تتحرك في ريح غير ظاهرة .
أراها بيدرو المكان الذي كان يطلق منه المدافعون النار على الغزاة وقال :
_ في وقت من الأوقات كانت تحتل كل رأس بارز من الأرض في هذا الجانب من الجزيرة حامية عسكرية والقصر نفسه كان قلعة محصنة .. وكان العسكر عندما تهدأ الأمور يجلسون هنا كما سنفعل لتناول الطعام ولعب الشطرنج أو الورق أو ..
ومال برأسه نحوها وهي تمد البساط ليجلسا عليه : أو ليغازلون حبيباتهم .
ابتعدت روندا مجفلة وقالت ساخرة :
_ لا أظن هذا .. فكل النساء في القرون الوسطى كن يختبئن من الغزوات كما يختبئن اليوم من الغارات الجوية .
فتنهد : أنت لست رومانسية يا عزيزتي .
ربما لأنني لا أحب أن أجبر على الحب بناء لأمر .
فقال مجفلاً : لا يمكنك التفكير هكذا !
_ لا يمكنني القول ؟ أنا أعرف أنني لا أجلس في الشمس آكل الدجاج وأشرب الشراب إلا لأن ابن عمك قرر إنها الطريقة الفضلى لإبعادي عن القصر بضع ساعات وذلك لسبب خاص به ؟ ما هو يا ترى ؟ زائر خفي آخر يصل على طائرة هيلوكبتر خفية أخرى ؟
فانفجر ضاحكاً مرحى لك روندا ! أنت فتاة رائعة .. لا عجب أن تشغلي بال ماثيو وهو غارق في العمل أنت محقة بالطبع .. فأنا كلفت بإبعادك عن القصر لفترة لكنني أؤكد لك أن لا أوامر لدي بمغازلتك .. فهذا كان من بنات أفكاري الخاصة .
فقالت بسرعة : هذه ليست أفكاراً جيدة بيدرو .
_ ولماذا ؟ الشمس دافئة والهواء العليل ونحن وحدنا فحبيبك الإنكليزي على بعد مئات الأميال عنك ما لا يعرفه لن يأسف عليه
كادت تقول إن ما يفكر به بيرس هو آخر ما تفكر فيه لكنها آثرت أن يعتقد بيدرو أنها ما زالت على ولائها لبيرس بدلاً من أن يفتش عن الدافع الحقيقي ويكتشف الحقيقة المؤسفة وتمنت من كل قلبها لو أن غزل بيدرو يعني لها شيئاً أو أنه يخرجها من إحساسها المستوحش الطاغي على عاطفتها .. إنه شاب جذاب سيصبح حبيباً رائعاً لأية فتاة .. لكن للأسف لن يلقى الاستجابة الذي يسعى إليها منها .
_ ما الأمر روندا ؟ أنت لست باردة العاطفة شفتاك وعيناك تقول العكس .. ألا أعجبك ؟
_ لا .. بالعكس تعجبني .. لكنني مخطوبة و ..
_ هذا ما قاله لي ماثيو لكنه قال كذلك إنه لا يصدق بأنك تحبين ذلك الرجل .. لماذا يظن ذلك روندا ؟ هل أعطيت ابن عمي النبيل سبباً للشك في مشاعرك نحو خطيبك ؟
_ لا لقد قلت لك ما هو شعوري نحو ماثيو .
- وما دخل الكلام بالمشاعر ؟ بإمكانك قول ما تشائين لي ولكنني رأيت نظرة عينيك وتورد بشرتك وهذا ما يوضح بأوضح من الكلمات أنك تحتاجين إلى الحب ؟ ربما أنني عرفت الآن أن لا علاقة لي به .. أسأل نفسي : لمن حبك إذن ؟ولا أحب الرد الذي يبرز في ذهني .
ردت محتجة مع علمها بضعف حجتها :
_ أنت تتخيل الأشياء فأنتم هنا تعتقدون أن كل النساء سواسية .. يبحثن فقط عمن يحبهن أما أنا فكل ما أريده هو الابتعاد عن هذه الجزيرة والاستمرار في حياتي العادية .
فضحك : وما قيمة الحياة بلا حب ؟ احتجاجك لن يخدعني عزيزتي وأنا آسف ل|أنك غبية !
فواجهته روندا بتكبر : لماذا ؟ لأنني رفضت غزلك ؟ بين كل النزوات ..
فقاطعها نافذ الصبر :
_ لا .. لا .. بل لأنك تريدين حب ماثيو كنت أظن أن لك كبرياء يمنعك من القبول أن تكوني هدية للوحش فقد نال ما يكفيه من الهدايا وإلا لماذا تظنين أنه أرسل بطلبي ؟
أحست روندا بالتصلب وبدا لها صوتها يجيء من بعيد :
_أتحاول القول إنه سلمني لك كأنني علبة هدية لا يرغب فيها ؟

فتنهد : ليس بالضبط .. فأنت لست كمعظم الفتيات اللواتي سعين وراءه .. أنت تريدين منه أكثر من ذلك أنت تريدين خاتم زواج لكنني أقول لك يا عزيزتي أنت تحلمين بالقمر .. إنه لم يتورط مع امرأة إلى هذا الحد بعد ثم إنك ابنة رجل يدور معه الفلك نفسه لذا يجب أن يكون حذراً .
سألته بحذر : أفهم من هذا كله إذن أن ماثيو أرسل بطلبك كي يمنعني أنا من أسبب الإحراج له ؟
فتفرس بوجهها بلطف :
_ وما غير ذلك ؟ أنا آسف عزيزتي .. لكن رغم جاذبيتك التي لا تنكر فعلاقة معك أمر قد لا يستطيع حتى ماثيوس سبيراتوس تحمله فالثمن الذي سيضطر لتحمله سيكون غالياً .
_ ألاحظ أنك لا تشاركه تردده .
_ لأنني أعتقد أننا سنسعد معاً صحيح أن ليس لي ثراء ماثيو لكنني بعيد عن الفقر ووالدتي سترحب باستقراري فهي ترغب في الأحفاد .
_ أتطلب يدي للزواج؟
_ أظن أن الوقت مبكراً على هذا الطلب روندا لكنني آمل يوماً أن تسمحي لي بالحديث مع والدك .
لولا غضبها وتألمها لتأثرت برسميات حديثه .. لكن والأمر كما هو أبعدت يده عن ذراعها .. لكنها لاحظت أنه يحدق فيها قلقاً فأجبرت ابتسامة بالظهور على شفتيها المرتجفتين محاولة إبعاد عذاب قلبها عنه .
لا عجب أن ماثيو ابتعد عنها بسهولة ليلة أمس .. فقد اتهمها بالتلاعب مع العواطف .. لكن أكان هو حقاً أفضل منها ؟
بعد أن انتهى الطعام وأرجعا كل أغراضهما إلى سلة النزهات وأودعها السيارة تابعا مشوارهما على طول الساحل حيث راح بيدرو يشير لها إلى أجزاء أخرى من الحصون ضحكا وتبادلا الثرثرة كما كانا يفعلان من قبل لكنها أحست ببعض التراجع بينهما لم يكن موجوداً وندمت على خسارتها رفقته الطليقة التي ساعدتها كثيراً على التخفيف من عبء إقامتها الجبرية على الجزيرة .
أعتمت غيوم سوداء السماء وأصوات رعد بعيدة أرسلتهما على عجل إلى القصر عندما بدت أولى القطرات بالانهمار كانت أبواب القصر على وشك أن تفتح بصمت ونعومة لتسمح لهما بالمرور .
توجهت روندا فوراً إلى غرفتها متذرعة بالصداع واستخدمت العذر نفسه عندما دخل توماس يدعوها للعشاء مبدياً قلقه حين رأى شحوب وجهها فأسرع يحضر لها إبريق زجاجي من العصير المثلج .. وحبوباً مضادة للألم فيما بعد احضر لها صينية طعام من مرق اللحم والمطبوخ بالبهارات والأعشاب فتناولت منه اكثر مما كانت تظن أنها قادرة ورفضت تناول قطعة الجاتو الدسمة بحجة حماية جسدها من السمنة .. فقال توماس :
_ لكن الآنسة بحاجة لبعض الوزن .. في بلادي نحب النساء مستديرات .
تذكرت أنه ليس يوناني فسألت : أين هي بلادك توماس ؟
فبدا الأسى عليه للحظات : ليس لي بلاد الآن آنستي فموطني هنا مع السيد .
أرخت نظرها إلى الصينية وسألت بصوت منخفض :

هل الآنسة روموس مستديرة الجسد ؟
_ آنسة روموس ؟ لها جسد فينوس .. لكن هذا الآن .. لكن ما قد تبدو عليه بعد عشر سنوات فعلمه عند الله .
وأخذ يضحك .. فتنهدت وهي تتناول حبتي دواء للصداع كانت السماء في الخارج كئيبة متجهمة .. تلمع بأنوار براقة من البرق الذي يرافقه الرعد المزمجر من بعيد والذي راح يدنو رويداً ليصبح صوته أعلى .. استحمت سريعاً ثم آوت إلى العشاء آمله أن تساعدها الحبوب على النوم رغم العاصفة .
استيقظت مذعورة فوجدت الغرفة مشعة بأنوار خاطفة للبصر أحست بصوت فوق رأسها ينبئ بأن السقف بدأ يتداعى .. فهمت الآن ما أيقظها منذ تركت النوافذ مفتوحة فدخل المطر إلى أرض الغرفة عبر القضبان الحديدية .
نهضت من السرير لتقفل النوافذ ثم تناولت مصباح يدوي وأحضرت ممسحة من الحمام جففت فيها الماء من أرض غرفتها .. أكملت مهمتها وأعادت الممسحة للحمام عندما كانت تعود نظرت في ساعتها فإذا هي الثانية صباحاً إذاً لقد أعطتها الحبوب بعض الراحة لكن المشكلة الآن أنها صحت ولم تعد تشعر بالنعاس لو أنها الآن الشخص الوحيد الصاحي في القصر فهذه هي الفرصة المناسبة لتلقي نظرة على المكان دون إشراف بيدرو قد تدخل إلى مكتبة ماثيو وتستعيد جواز سفرها والأوراق الأخرى .. لكنها ترددت فلا وسيلة لديها لمغادرة الجزيرة لكن على الأقل ستكون هذه خطوة إلى الأمام باتجاه استعادة حريتها واحترامها لنفسها .
وقفت في أعلى السلم مصغية بانتباه مع أنها لم تكن تسمع سوى صوت العاصفة فقد كان لديها إحساس غريب أن هناك من يراقبها من مكان قريب .. لا .. لا يمكن أن يكون هناك أحد وإلا لتحداها وأرجعها لغرفتها لكن الإحساس هذا ظل مستمراً بعد أن وصلت إلى الردهة في الطابق السفلي فتطلعت إلى الرواق العلوي فوق الردهة .
سارت راكضة تقريباً عبر الردهة إلى مكتبة ماثيو حيث أطاعها الباب بسهولة فدخلت بسرعة وأغلقت الباب ورائها مستندة إليه للحظات كي تنظر من حولها لم تصدق ما مر بها من أحداث أو زمن منذ استيقظت فرأت ماثيو جالساً إلى طاولته تلك الليلة .
تقدمت نحو الطاولة مترددة وبدأت تفتح أدراج الطاولة التي كانت محتوياتها عادية فلا شيء يدل على ماذا أو من تخفيه عائلة سبيراتوس في القصر لكنها لم تكن تتوقع أن تجد شيئاً هنا لكن لا أثر أيضاً لجواز سفرها حتى الملف الذي أراها إياه لم تجده أقفلت آخر درج متنهدة ثم أخذت تدير المصباح اليدوي يمنة ويسار .
أحست بالرهبة من هذه المكتبة الرسمية وأحست بحاجة لحماية غرفتها فخرجت إلى الردهة متجهة إلى السلم .. لكن في منتصف الطريق ترددت مرة أخرى .. فهناك بين هذه الممرات المتشابكة يقع ذلك الباب الموصد .. وهذه أفضل فرصة لتجد ما إذا كان ما يزال كما هو وإذا لم يكن فماذا يقع خلفه .
أكملت طريقها إلى الرواق المحاذي لأعلى السلم وانعطفت إلى الممر الواقع قبالة غرفتها فلو أرادت يوماً أن تقنع أي سلطات بأن ماثيوس سبيراتوس يخرق القانون فيجب أن يكون لديها دليل وسيكون لها هذا الدليل رغم كل المخاطر .
حبست أنفاسها عندما أدركت أن عليها المرور عبر جناحه لتصل إلى ذلك الباب ومرت ببطء حافية القدمين ووصلت إلى الباب ذي القناطر المغطى بالستائر المخملية القرمزية الباب ما زال مقفلاً .. فجأة شح نور المصباح في يدها وانطفأ فوقفت جامدة في الظلام تنتظر لمعان البرق التالي لتحدد طريقها ثم مدت يدها إلى مقبض الباب وأدارته بسهولة لكنه لم ينفتح .
حاولت مرة أخرى دون جدوى عندئذ عادت للممر الرئيسي .. إذ لم يبق أمامها سوى العودة إلى الفراش لكنها لما لاحظت أن شيء ما يتحرك أمامها تمنت لو أن المصباح لم ينطفئ كان الظل غريباً أشعرها بأنها مراقبة .
عبر الظلمة .. وبعد دوي الرعد أتتها زمجرة منخفضة لحيوان .. وتحرك الظل متقدماً نحوها فأحست بقلبها يكاد يقفز من فمها .. لكنه كلب .. إنه مجرد كلب .
أحست بساقيها فجأة تضعفان فاستندت إلى الجدار تنتظر هدوء اضطراب الدم في عروقها ومدت يداً مرتجفة تهمس برقة : تعال إلى هنا ! لكن الكلب لم يستجب بل وقف على أهبة الاستعداد وعادت تلك الزمجرة المنخفضة التي جعلت الشعر في مؤخرة عنقها يقف !
أصابتها الحيرة إنها معتادة على الكلاب طوال حياتها هي تحبها وتبادلها الصداقة .
ولمع البرق .. وفي لمحة بصر عرفت لماذا لم يتقدم الحيوان .. إنه من نوع من الكلاب لم تشاهد له مثيلاً من قبل شفته العليا مرتفعة لتكشف عن أنيابه الحادة المخيفة التي جمدت الدم في العروق لم تشاهد له مثيلاً إلا في الصحف أو على التلفزيون التي تعرض وحشية كلاب الحراس عندما يتعرض لها الناس .
ودوى الرعد مجدداً لكن صوته لم يكن يقارن بصوت ضربات قلبها .. والتصقت إلى الجدار تضع يدها على عنقها لتحميها إذا ما هاجمها الكلب .. أيمكن أن تكون هاتين العينين الحمراوين هما اللتان راقبتاها منذ خروجها ؟ لا بد أن الكلب تبع خطواتها خطوة خطوة و ها هو الآن قد حاصرها في زاوية معينة ويستعد للهجوم والانقضاض .
لمع البرق ثانية .. فشاهدت عضلات الكلب تتحرك استعداداً للقفز فصرخت .. عاجزة من شدة الذعر في وقت ساده الظلام ودوى الرعد ثانية وأعدت نفسها لملامسة فرو الكلب الخشن على جسدها .
لكن بينما كانت صرختها تختفي أحست بالجدار يتحرك خلفها وبشخص يمسك بكتفيها ويجرها إلى الوراء بعيداً عن الرعب الذي يتربص بها في الظلام .. وإذا هي حيث النور الباهر غشى عينيها .
6_ أسوار وأسرار

ارتمت أرضاً على سجادة ناعمة فدفعت نفسها بيديها إلى فوق تحدق عبر شعرها الذي غطى وجهها إلى ماثيوس سبيراس الذي دفع الباب بكتفه في اللحظة المناسبة .. فقد سمعت من الجهة الأخرى لحظة انغلاق الباب صدمة عنيفة على الباب ونباح .. تبعه نوبة نباح مجنونة .
بقي يستند إلى الباب لحظات وعيناه مغمضان ووجهه شاحب .. كان يرتدي بنطلون بيجامة حريرية فقط واستطاعت روندا رؤية جسده مبللً بالعرق .
بدأت فجأة بالضحك فتصاعد منها صوت خشن متوحش متهدج جرح حنجرتها وقالت بصوت متهدج :
_ أنت خائف .. لكن لا يمكن أن تكون خائفاً .. نمر كاستاريوس لا يخاف .. من كلب .
قفز جفناه إلى الأعلى فكشفا عن وميض الغضب في عينيه .. تقدم منها خطوة واحدة وأحست بلسعة راحة يده على خدها توقف الهستيريا التي أخذت تهدد بالسيطرة عليها جمدت عيناها ودارت الغرفة بها بدوامة من النور واللون .
رفعها بين ذراعيه وكأنها طفلة ثم حملها إلى الغرفة وخدها مضغوط على صدره العاري فأحست بدافع مجنون لتدير رأسها وتضع شفتيها على جسده .. لكن يجب ألا تفعل ذلك ما دامت الدموع تملأ عينيها وتؤلم حنجرتها .. لقد قرر مسبقاً ألا يتورط معها ويجب ألا تتركه يعرف أبداً أنها تعرف قراره ..
وضعها بخشونة في الغرفة الرئيسية فوق سرير ناعم له أربعة قوائم مرتفعة فوقها ستائر مطرزة رائعة .
_ ابقي هنا . قال لها باقتضاب .
اختفى في الغرفة الخارجية ثم سمعت صوت رجل غريب يتحدث بصوت مرتفع متوتر كان صوت ماثيو البارد الحاد يقطعه كالسكين .
الأصوات في الغرفة المجاورة أصبحت كالهمس وكان من الأسهل لها ألا تصغي بأذنيها لما يقولونه حتى ولو كانت تفهم لغتهم فبعد ما مر بها كان نعمة أن تسترخي هكذا .. وتنهدت وهي تسمع صوت الباب الخارجي يغلق .
دون أن تنظر للباب الداخلي عرفت أن ماثيو عاد إلى الغرفة فرطبت شفتيها بلسانها تنتظر أن يكلمها ……
_ أنا بانتظار أن تفسري أي ما حصل .
بدا لها متعالياً كالجبال وبارداً كالثلج فردت : تفسير ؟ لست أدري ما تعني ؟
_ إذن .. إما أنت كاذبة .. أو ساذجة بشكل لا يصدق آنسة ستورم ؟ لكن ربما لم أوضح قصدي جيداً : لماذا كنت تحاولين دخول الغرفة الموصدة في نهاية الممر المقابل ؟ أوه .. لا تحاولي الادعاء أعرف أنك كنت هناك لأن كل من يلمس الباب يلتقطه جهاز إلكتروني يطلق إنذار في غرفتي هذه وفي مركز الحراسة تحت .
يجب أن تكوني شاكرة هذا الجهاز آنسة فقد أنقذ حياتك كنت أفتح الباب عندما سمعت صراخك لو تأخرت أيها الحمقاء !هل رأيت ما المخاطر الذي يقودك إليها فضولك الذي لا ينتهي ؟ كان من الممكن أن يقتلك الكلب أتعرفين هذا ؟
فصاحت بهستريا :
_ ربما .. لكن كيف لك أن تترك كلاباً قاتلة تجوب القصر ليلاً كما تريد ؟ أعترف أني مخطئة باقترابي من الجناح لكن أعتقد أنه كان من واجبك تحذيري حين تركت باب غرفتي مفتوحاً بأن هناك كلاباً مطلقة السراح كان يجب أن تعرف أنني سأحاول اكتشاف ما في الغرفة عاجلاً أم أجلاً .
الكلاب ليست مطلقة السراح لتجوب المنزل أيتها الطفلة الحمقاء إنها عادة تقوم بدوريات في الأراضي المحيطة بالقصر مع مدربيها لكن هذا الكلب دخل البيت هرباً من العاصفة ومن مدربه كان الرجل يشرح لي ذلك منذ قليل .
رطبت شفتيها مرة أخرى : هل .. هل سيتعرض لعقوبة ؟ أعني .. هل صرفته بسببي ..
فتنهد : أنت حفنة من التناقضات حيناً تصرخين بوجهي لأن حياتك في خطر وحيناً آخر تتوسلين لأجل المسؤول عن وضعك الخطر لا .. لم أصرفه من العمل ولكن ذلك الكلب سيبقى مربوطاً بسلسلته طالما هو فوق الجزيرة .
نظر إليها متجهماً ثم قال بقساوة :
ما زلت أنتظر تفسير ما حصل روندا ماذا كنت تفعلين في ذلك الممر ؟
أحست أنها بدأت ترتجف وبأن معدتها تعاني آلام الغثيان الحادة فهمست :
_ أوه ..أرجوك ! أظن أني سأتقيأ .
_ استلقي هادئة .
غاب قليلاً ثم عاد يحمل كوباً فيه سائل أصفر :
_ اشربي هذا لا تترددي فعائلتي لم تعتد تقديم السم لأحد .
عندما شربته أحست بالشراب يلدغ حلقها ثم أحست بالانتعاش ثم أحست بالانتعاش و الدفء ينتشران في جسدها .. فتمكنت من القول : آسفة .
_ لا شك في أسفك فاكتشاف أمرك ليس بالأمر المستساغ هذا عدا الصدمة التي أصابتك و أنا آسف لأنني مضطر لاستجوابك لكني يجب أن أعرف ماذا كنت تتوقعين مشاهدته في الغرفة ؟
_ الجواب على لغز .
_ تخاطرين بحياتك من أجل لغز … ؟ لماذا ؟
_ لأنني ظننت أن الجواب سيساعدني على وضعك في السجن .
دارت عيناه فيها بتعجرف وكأنهما عيني نمر وقال ببرود :
ما علمت أنك عازمة حقاً على الانتقام .
_ ليست المسألة انتقام .. فأنا لم أساعد إنساناً على خرق القانون من قبل ولا أستطيع أن أفعل .. مهما كانت ..
وصمتت فجأة وزاد احمرار وجهها فقد أدركت أنها كانت على وشك أن تقول : مهما كانت مشاعري نحوك !
_ ماذا كنت تقولين ؟
_ مهما كانت الظروف .
_ ألا تحسين روندا أن البشرية أحياناً بحاجة إلى قوانين جديدة ؟
أطرقت ببصرها لا تريد أن تقابل نظراته وراحت أصابعها تعبث بحرير الأغطية الأزرق السميك :
_ ربما لكني لست مغرورة حتى أحسب نفسي قادرة على صنعها .
_ ربما لا تحتاجين إلى غرور بل إلى قلب كريم محب ألا تدعين هذا القدر حتى لنفسك ؟
و أبقت رأسها مطأطئاً فلو أراد دليلاً على قدرتها على الحب فسيجده في عينيها كان الصمت بينهما عميقاً لم يقطعه سوى تنهده النافذ الصبر :
_ ثمة سر نخفيه في القصر آنستي كما تعلمين لكنه ليس سري أنا ولا أملك حرية الكشف عنه لك لكن إذا أنت مقتنعة بأنك قادرة على إدانتي بجريمة ما فستصابين بخيبة أمل مريرة .. فلا أنا أو أحد من أفراد عائلتي خرق أي قانون قد ندان عليه .. أتظنين حقاً أني قد أعرض أعمالي واستقلاليتي وشرف عائلتي للخطر بارتكابي جريمة لا معنى لها ؟
صمت لحظة وهو يضع يده على جبهته وكأنه يشعر بدوار :
_ بم تشكين في .. أتساءل ؟ في الاختلاس .. أم التزوير أم سرقة الأرامل والأيتام ؟ أنت غاضبة لأنني أجبرتك رغماً عنك على البقاء هنا .. وما لا تفهميه أن لا خيار آخر لي .. مل إن أصبحت هنا حتى توجب عليك البقاء .. وأقسم لك أن الأمر هكذا بكل بساطة لكن ما فائدة ذلك لو كنت مصرة على اعتباري مجرماً .
أجفلت روندا لمرارة كلماته وأحست بالراحة لها لكن إن أظهرت راحتها فستكون اعترافاً جريئاً بمشاعرها نحوه وبدلاً من ذلك قالت بصوت خفيض :
لك كل الحق أن تغضب . فأنا لم أصدق بأنك تخفي جريمة ما لكن هذا بدا التفسير الوحيد لما يجري وأنا آسفة على كل ما سببت لك من مشاكل فمجيئي أصلاً إلى هنا كان دون فائدة فهمت هذا الآن وأنا لا أريد إلا أن أرحل من هذا المكان لأنسى ما حدث كله .
_ ليت الأمر سهلاً فأنا مازلت غير قادر على تركك لك أن تعزي نفسك أن سجنك لن يطول كثيراً .
أرادت أن تقول أن هذا ليس عزاءً لها لكن كبريائها منعتها لم تستطع منع تنهيده قصيرة وهي تلف روبها حولها تستعد للوقوف :
يبدو أن العاصفة قد مرت أليس كذلك ؟ أظن أن من الخير لي أن أعود لغرفتي .. شكراً لمساعدتك إياي .. وآسفة على إزعاجك .
- هذه ليست المرة الأولى ويجب أن تتوقفي عن الاعتذار روندا فأنا لا أحب التذلل إن هذا لا يناسب شخصيتك عزيزتي .
_ يجب أن اذهب .
_ يجب أن تذهبي ؟
امتدت يده تتسلل فوق ذراعها تحت كم الرداء مداعباً بخفة .
_ ربما من الأفضل لنا لو تبقين .
أدركت فجأة أن الوقت متأخر وأنهما في عزلة وحدهما وأنها ترتجف بضعف أمامه راقبت وجهه يقترب من وجهها وفكرت حالمة كم تعرفه .. فها كل خط من خطوط وجهه محفور في كيانها إلى الأبد .
لم يمسك بها بيدين قاسيتين معاقبتين ولا رماها فوق السرير بل ضمها بلطف إلى صدره وترك يديه تداعبانها بحرية لكن إلى حدود آمنة وبقي كذلك إلى أن تمتمت أخيراً محتجة تلف ذراعيها حول عنقه تجذبه إليها ومع ذلك أحست بالخجل منه ومن الحصار الذي فرضه على إرادته وسمعته يقوا :
_ ابقي معي يا حبيبتي .. على الأقل لن يبقى بيننا أسرار .
لا أسرار .. ! وهي من تخفي سراً لن تتمكن من قوله له .. إنها تحبه وإن لم يبادلها حبها فستخسر كرامتها .
تأوهت بشدة وابتعدت عنه تلف ذراعيها حول عينيها الدامعتين فجأة .
_ حبيبتي … ما الأمر ؟ هل أنت خائفة أنت ؟ لا تخافي سأكون رقيقاً معك أقسم أنك مازلت لا تثقين بي ؟
_ لا علاقة للأمر بالثقة .. أنا لا أحب أن يستغلني أحد .
_ وكيف تم استغلالك ؟
فصاحت :
_ حسناً ماذا تسمي هذا كله ؟ لقد قلت بنفسك إنني لن أبقى هنا سوى ساعات ألهذا تحاول مغازلتي ؟ ألتتأكد من أنني بعد رحيلي لن أطالبك بشيء .
أمسك وجهها بيديه وأجبرها على النظر إليه لكن لمسته لم تكن تحمل أي حنان فانكمشت من الغضب المتطاير من عينيه وقال بصوت منخفض :
_ يا إلهي ! ما هذا الانطباع الذي كونته عني !
_ إنه صحيح .. أليس كذلك .. أعترف .. أعترف بأنك لا تريد التورط معي .. وهذا ما دفعك لإحضار بيدرو أليس لتبقيني بعيداً عنك ؟ .. أليس لتتأكد من أنك لن تقع تحت .. إغراء ما قد تندم عليه فيما بعد .
_ إذا كانت هذه خطتي .. فيجب أن تعترفي بفشلها .. أجل .. ما تقولينه صحيح جزئياً لقد رغبت فيك طبعاً .. ولو لم أفعل لما كنت من البشر .. أعلم أن التوقيت غير المناسب .. لكن ..
_ والآن أصبح مناسباً كما أعتقد .. ربما يجب أن يرضي هذا غروري مثل فتيات الجزيرة اللواتي كن يتوددن إلى سلفك الأول .. أتساءل كيف كان يتخلص من عشيقاته عندما ينتهي شغفه بهن ويصبحن مصدر إحراج له ؟ لم يكن لديه هيلوكبتر مستعدة لإجلائهن عنه ربما كان يرميهن من فوق الصخور .
_ إنه حل يوجد الكثير من الأدلة لإثباته .. لا تخافي عزيزتي شغفي بك انتهى ولن أزعجك بمطالبي فأنا أرغب في امرأة بين ذراعي لا في طفلة قلقة مضطرة أيمكنك أن تجدي طريقك إلى غرفتك أم أطلب توماس ليرافقك ؟
_ أوه .. لا .. أرجوك لا .. قد يعتقد بأننا …
_ أجل .. قد يعتقد .. ألن يعتقد ؟ وهذا ما يناسب وردة إنكليزية تنوي مغادرة جزيرتي بالطهارة التي كانت عليها يوم جاءت ما خطبك يا عزيزتي الجميلة ؟ هل أنت خائفة من أن يرفضك بيدرو إن علم بأمرنا ؟ أنت مخطئة فهو سيرحب بابنة السير تشارلز ستورم وإن استغللتك .
شهقت ناحبة ثم ارتدت على عقبيها تركض كالمجنونة إلى غرفتها حيث رمت نفسها فوق السرير تبكي دون رادع .. عندما ستغادر الجزيرة لن تأخذ معها سوى ذكرى مرارته وعدائه .

نامت أخيراً وكان الدافع الإرهاق الذي ولدته الدموع وعندما استيقظت وجدت أنها غرقت في النوم إلى الظهر .. كانت الغرفة مشعة بنور الشمس حيث لا أثر لعاصفة الأمس كان هناك شخصاً يقف عند أسفل السرير ظنته توماس ثم سمعت دون أن تصدق سمعت صوت دون أن تصدق صوت امرأة ناعم يقول باليونانية :
صباح الخير آنستي .. أترغبين بشيء ؟
فردت بالغة نفسها : أجل أريد بعض القهوة .. أتتكلمين الإنكليزية ؟
فابتسمت المرأة : قليلاً آنسة .. أنا أنابيلا لخدمة الآنسة .
_ آه .. هكذا إذن آسفة أنابيلا تدهشني رؤيتك ! هذا كل شيء .
فابتسمت أنابيلا بحيرة وخرجت تحضر القهوة كما يبدو فاستحمت روندا وارتدت الجينز وبلوزة عندما عادت إلى غرفتها وجدت صينية قهوة على طاولة قرب النافذة حيث كان توماس يحضر لها الكرسي .
_ إذن كان هذا خيالاً .
_ آنستي .
_ لا تتلاعب توماس هل عادت الخادمات إلى القصر ؟
_ أجل هذا الصباح .. لقد عدن بعد عطلتهن .
_ عادت زوجتك كذلك .
_ أنا آنسة لست متزوجاً .
وبدت عليه الصدمة فتمتمت :
_ أنت لعائلة سبيراتوس فقط.. لا بأس توماس .. ليس لما أقوله أهمية .. لكن لماذا عدن وفجأة ؟
_ ليس لي أن أقول آنستي .. السيد هو من سيشرح لك .
_لا أظن أن هذا محتملاً .
_ بالعكس آنستي .. إنه ينتظرك في مكتبته .. لكنه أمر بأن تتركي نائمة حتى تستيقظي .
ردت بهدوء : شكراً يا توماس سأنزل حالاً لتناول القهوة .
وكانت يدها ما تزال ترتجف حين قرعت باب المكتبة وسمعت ماثيوس يأمرها بالدخول بنفاذ صبر .
تقدمت وهي تحس بعجز فبللت شفتيها :
_ أردت الحديث معي ؟
نظر إليها كمن ينظر إلى غريب .
_ أجل .. هذه لك كما أعتقد .
ورمى لها جواز سفرها وبطاقتها المصرفية والأوراق الأخرى التي كانت تفتش عنها يوم أمس .. فأخذتها مقطبة .
_ لست أفهم .
_ وماذا هناك لتفهمي ؟ هذه لك وأنا أعيدها كنت أظن أنك ستسرين باستردادها .
حدقت فيه باستغراب متسائل :

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 13-05-08, 04:56 PM   المشاركة رقم: 187
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

_ إذن أنا حرة في الرحيل ؟
لم تستطع أن تتعرف في عينيه إلى ذلك الغريب أو الرجل الذي أوصلها تقريباً إلى حافة الاستسلام أو الذي أفقدها عقلها بإهانته .. وتردد في الرد :
_ ثمة مشكلة صغيرة في التنقل هذه اللحظات .. وحين تحل المشكلة بإمكانك السفر متى شئت .
فقالت ببطء : هكذا إذن ..
أمسك ملفاً أشغل نفسه بتقليب صفحاته وكأنه يقول لها إن المقابلة انتهت فاقتربت من الطاولة حتى لاصقتها ثم أسندت يديها على سطحها ومالت إلى الأمام .
_ كنت ؟أظنك ستخبرني عما حدث .. أعلم أن النساء عدن .. و ها أنت تقول لي أنني أستطيع السفر ساعة أشاء ومن الواضح أن كل شيء تغير منذ الأمس وأنا أتساءل عن السبب أعلم أنك فضولية مرة أخرى لكن لا أظنك تلومني تبعاً للظروف .
تراجع في كرسيه يرفع نظره إليها :
أجل كل شيء تغير منذ الأمس .. ولم بعد هناك سبب يحول دون أن تعرفي كل شيء .
التقط الصحيفة عن الطاولة ورماها نحوها .. في صفحتها الأولى عناوين بارزة تطلعت روندا إليها وإلى الصورة المرفقة بحيرة إن الوجه في الصورة مألوف لديها لكتها لم تستطع التعرف عليه حتى بدأ ماثيو يصفر لحناً عندها تذكرت .. اللحن إنه للرجل الذي رأته من نافذة غرفتها والصورة كذلك لكن الصحيفة لم تكن إنكليزية مما يعني أنها لن تفهم منها شيئاً فأعادتها إلى الطاولة تهز رأسها وتنظر إليه بحيرة .
_ اسمه أندرياس غوزييف لا يهمنا مكان ولادته لكنه كان حتى تاريخ قريب مواطناً سوفيتياً وهو عالم رفيع المستوى كانت حكومته تثق فيه فسمحت بحضوره مؤتمراً عالمياً في أثينا .
تذكرت روندا عندئذ المقال الآخر الذي قرأته في الصحيفة فوق المركب سيغال فشهقت :
_ اللاجئ ؟
_ كنت تعرفين إذن أتفهمين الآن لماذا لم يسمح لك بمغادرة الجزيرة ؟
_ لكنني ما علمت أنه هنا .. وكيف لي هذا ؟ وأنا ما جئن إلى هذه الجزيرة لهذا الهدف .
فرد بهدوء و برودة :
_ أوه .. أصدقك فأنت ما أتيت إلى هنا إلا لأنه حرم عليك القدوم لقد جاء هذا الرجل إلى هنا ليلتجئ رجل خائف يبحث عن لجوء سياسي خائف من أن يقتل قبل أن يوصل المعلومات التي جاء بها معه .
_ ولم لا ؟ أهناك وسيلة أفضل لإسكاته ؟ لقد أوضحت لنا الحكومة الإنكليزية والأمريكية التي كانت تهتم لأمره أن هناك مؤامرة لاغتياله وما كان أمامنا إلا السرية .. الذي أحطناه بهذا الستار الأخير .
_ الذي اقتحمته أنا .
_ صحيح أتفهمين سبب منعك من السفر ما كان ذلك إلا لسلامتك وسلامة الرجل .
_ لهذا قمت بإجلاء النساء جميعهن عن الجزيرة ؟
بل لقد كن رحلن قبل وصوله والأمر عادي لا كما ظننته غريباً فليست هي المرة الأولى التي تتمتع فيها مجموعة النساء على حسابي بعطلة عند العديد من أقربائهن على البر الرئيسي .
_ والآن انتهى كل شيء ؟
_ أجل .. مشكلته كانت عويصة متشابكة لكنها انتهت أخيراً غادرنا مع الفجر مع حراسه إلى حياته الجديدة في أمريكا .
_ لكنني لا زلت لا أفهم لماذا أحضرتموه إلى هذا المكان بالذات ؟
فالتفت ماثيو إلى الباب :
_ أخبرها يا توماس .
استدارت بدهشة فرأت الرجل ينتظر بالباب .
_ اللاجئ هو عمي آنستي كنت محظوظاً عندما هربت منذ سنوات بعيدة وكان الأمير سبيراس والد سيدي قد أحسن وفادتي ورعايتي كان عمي ألمع أفراد أسرتي فأخذوه ليعمل معهم وما كنت أظن أنني سأراه ثانية حتى السنة الماضية عندما استلمت منه رسالة , رسالة عادة تتحدث عن أيامنا الماضية وتطلب مني الرد وبدأنا نتراسل ونحن نعلم أنم كل رسالة مراقبة ثم وصلت رسالة و ظننته قد جن تحدث عن أشخاص لم يكن لهم وجود أعاد ذكرى أحداث لم تقع ثم فهمت .. عندما كنت صغيراً كان يكتب لي من الجامعة وأحياناً للمزاح يخترع شفرة وكان هذا سرنا .
_ والرسالة كانت شفرة .
_ أجل آنستي عندما حللتها كما كنت أفعل وأنا صغير وجدت أنها استغاثة نجدة كان يعلم أنه سيحضر المؤتمر في أثينا وقد تكون فرصته الأخيرة في الهرب .
وابتسم مردفاً :
_عرفت أن السيد سيساعدني .. ووافق على لجوء عمي إلى الجزيرة فترة وقرر إعلان حالة طوارئ عسكرية خلال وجوده هنا لقد كان عمي مهماً جداً آنستي .
_ وهو الآن سالم ؟
_ أدعو الله .. أن يكون كذلك .
_ وكذلك أنا توماس الجيد ما ينتهي نهاية جيدة وأنا سعيدة لك توماس وأعرف الآن عدم إجابتك عن أسئلتي لقد كنت مزعجة لك .
فابتسم بحرارة : أوه آنستي .. لم تزعجيني قط .
_ لقد انتهى أمر السر إذن ولا شيء يبقيني هنا إذن من الخير أن أبدأ بتحضير حقائبي .. هل بيدرو هنا ؟ أريد توديعه .
_ لا لقد طار هو الآخر هذا الصباح ليستقبل ضيفاً لكنه سيعود بعد العشاء أتخططين للسفر اليوم ؟
_ لا أتصور هذا .. فأنا على كل الأحوال سأعتمد عليك في سفري .
فانحنى لها ساخراً :
لو كنت مكانك لما تعجلت في تحضير حقائبي .. ربما بعد مشاهدتك ضيوفي قد تغيرين رأيك .
كانت متجهة إلى الباب فتوقفت تبتعد عنه وقد شحب وجهها :
_ صدقني سيدي .. أنا لا أريد إلا أن أغادر الجزيرة وأن أبتعد عنك .. ولن أبقى هنا لحظة واحدة .. أؤكد لك .
فعاد إلى كرسيه وهي تفتح الباب : حسن جداً .
ثم تذكرت أمراً بشأن جواز سفرها : بالمناسبة سيدي … أين كان هذا ؟
_ ولم السؤال ؟
_ أوه لأني لم أجد له أثراً عندما فتشت طاولتك ليلة أمس .
_ انتظرت متوقعة انفجار غضبه إلا أنه عندما تكلم كان صوته ناعماً متزناً :
_ احمدي ربك أنني سأتركك تغادرين الجزيرة دون عقوبة الجلد التي تستحقينها .
وهربت روندا .
في غرفتها وجدت أنابيلا ترتب السرير ثم التقطت ثوب النوم الحريري عن الأرض وبدأت تتلمسه بلهفة ووميض الإعجاب يطل من عينيها فقالت لها :
_ أرجوك خذيه .
وأخذت تسكت الاحتجاجات التي تدفقت من فم أنابيلا :
_ أرجوك أنابيلا خذيه فأنت بهذا تسدين إلي معروفاً .
حين خرجت فيما بعد لمحت أنابيلا تستعرض ثوب النوم أمام رفيقاتها اللاتي كن يضحكن ربما معلقات على رد فعل زوجها عندما يراها فيه فتنهدت ثم خرجت نحو البركة .
السباحة أنعشتها لكنها لم تبعد الألم عن قلبها الذي يعاني .. وتذكرت وهي تجفف نفسها ذلك اليوم عندما جلست على الصخرة عند الشاطئ المهجور تتخيل أنها حورية البحر كانت يومها سعيدة .. فتأكدت مما تريد من الحياة أما الآن لم تعد واثقة إلا من شيء واحد هو أن عليها التقاط شظايا نفسها المحطمة والانطلاق من جديد .
لقد سمحت لنفسها بالوقوع بحب رجل أظهر لها بوضوح أنه يهتم لها جسدياً لا عاطفياً إنه أمر يحدث لآلف الفتيات في أنحاء العالم كله حدث من قبل وسيحدث إلى الأبد .. لكنها ستتمكن من تجاوز محنتها بسهولة .. أما ألمها فلن تستطيع كبحه .
ثم لم تعد وحيدة لكنها لم تدرك ذلك إلا متأخرة أيكون السبب فتح البوابة الحديدية التي تقود إلى باقي الحديقة فهي حين رفعت رأسها وجدت ماثيو يقف عند الطرف الآخر من البركة يراقبها .. كان عليها أن تصبر على نظراته وأن تحضر نفسها لسخريته فما كان منها إلا أن أغمضت عينيها لئلا ترى ذلك الواقف طويلاً بعيداً عن متناول يدها .
حين استمر الصمت طويلاً فتحت عينيها فإذا هي وحيدة فتساءلت بجنون عما إذا كانت تحلم بوجوده .
هبت واقفة ترتدي الجينز فوق البيكيني الجاف ثم سمعت من بعيد صوت اقتراب هليوكوبتر بيدرو قادم وبرفقة ضيوفه ومن المفترض أن تنضم إليهم على العشاء ولأجل كرامتها يجب أن تقوم بعملية إنقاذ سريعة لمظهرها قبل أن يحدث هذا دست قدميها في حذائها ثم قفلت راجعة إلى القصر وحطت الطائرة على سطح القصر الواسع ثم طارت وهذا سر غامض آخر اكتشفته .
كانت تحاول استعادة شتات أفكارها عندما سمعت من يناديها ثم شاهدت بيدرو على الشرفة .
_ عزيزتي !
وكاد يطير على درجات السلم ليصل إليها وقبلها على خديها ثم عانقها لكن العناق العفوي هذا ضايقها فأبعدت نفسها عنه بسرعة و احتجاج .
_ روندا .. أهذا لطف منط بعد أن تحملت المصاعب لأجلك ؟ أنا مرهق من السفر وأنت باردة معي .
فابتسمت ببرود : آسفة بيدرو لم أنم ليلة أمس جيداً بسبب العاصفة و ..
_ إذن أنت تعرفين كل شيء الآن يا عزيزتي كنت أتمنى رؤية وجهك عندما عرفت الحقيقة كنت آسفاً جداً لخداعك .. لكنك كنت ظريفة في تصورك أن ماثيو مجرم .. وهذا ما لم يسعده لدي مفاجأة أخرى لك .
حاولت أن تسكته عند وصولهما لأعلى السلم :
_بيدرو الوقت متأخر للمفاجآت .. فأنا أود السفر هذا المساء بعد العشاء .. ألم يخبرك ابن عمك ؟
_ أؤكد لك أنه لن يدعك تسافرين إذ لا يمكنك فعل هذا في الوقت الذي سنبدأ به بالتمتع ؟ سأريك الجزيرة وهي في أفضل حالاتها أخيراً .. أنت لم تشاهدي مصنع النسيج في البلدة أو مصنع السيراميك ولم تتزلجي على الماء .. لا .. لا يمكنك السفر الآن .
أمسك بيدها جذلاً وجرها نحو أبواب الصالون الزجاجية وصاح قائلاً :
_ قل لها يا سيدي .ز أخبرها أنكما ستتمتعان بأشعة الشمس معاً وبضيافتنا .
فتشت عينا روندا الغرفة بارتباك فبدت معتمة بعد نور الشمس القوي لكنها لم تخطئ أبداً في معرفة الجسد الطويل الذي هب عن مقعد وثير وتصارع الذهول والطفولة في نفسها .. وأطلقت يدها إلى الأمام وصاحت :
_ أوه أبي .. ! لا أستطيع التصديق ! أحقاً هذا أنت !
7 _ لا وداع أخير

كان صوت السير تشارلز يحمل القسوة والعاطفة معاً وهو ينحني ليقبل ابنته قائلاً :
_ أجل .. هذا أنا حقاً يا روندا .
_ لكن كيف عرفت أني هنا ؟
_ كنت أعلم طوال الوقت أين أنت بالضبط .. لقد أبرق لي ماثيو يخبرني لحظة وطئت قدمك الجزيرة وقد شرح لي فيها أنه مضطر لحجزك لئلا تتعرضي للخطر وفيما بعد اتصل بي و اقترح أن أنضم إليك هنا في إجازة قصيرة بعد أن تهدأ الأمور .
_ إذن أنت تعلم كل شيء ؟
_ لا ليس كل شيء بالطبع لكن صديقاً لي من وزارة الخارجية لمح لي والصحف كلها تمتلئ بأخبار هرب غوزيف
وتحول صوته إلى متجهم غاضب :
_ والآن روندا .. ماذا كنت تفعلين ؟ لقد صدمت ولم أسر لما سمعته من ماثيو الذي حاول جهده أن يبرر تصرفاتك .. لكن لا مجال للهرب من الواقع : صغيرة طائشة أنانية أفسدها الدلال .. هذا كلام رائع أسمعه عن ابنتي الوحيدة كنت قد تعمدت الاعتداء على أملاك الغير وأنت تعلمين ذلك سرني أن بيرس ومن كان معه كانوا أعقل منك وهذا يظهر أن فرداً من أفراد العائلة له حس المسؤولية واحترام الآخرين في حين أن ابنتي تفتقر إلى ذلك .
وجنتا روندا أصبحتا قرمزيتين تحت وطأة توبيخه وسرها أن بيدرو قد ابتعد خلسة إلى الشرفة ليتركها وحدها مع والدها .
_ أبي أرجوك لا تغضب .. أعرف أني كنت حمقاء .. لكني لم أنج بسهولة من فعلتي هذه ..
فابتسم السير تشارلز ابتسامه مختصرة :
_ أنا واثق من هذا فلم تتمكني من إركاع ماثيوس سبيراس كما فعلت بالشاب المسكين بيرس لقد أصيب بصدمة والعمة راحت تنوح في وجهي هل أستطيع الدفاع عنك ؟ لقد صعبت الأمور كلها بتصرفك هذا .
أمسكت روندا ذراعه :
_أبي .. قلت أنك دعيت للانضمام إلي لكننا لسنا مضطرين للبقاء أليس كذلك ؟ لن أتأخر بتحضير حقائبي لنسافر بعد العشاء ..
نظر إليها والدها نظرة غضب واستنكار :
_ نسافر ؟ لم أقطع هذه المسافات كلها لأستدير وأطير عائداً من حيث أتيت ! كنت أتطلع شوقاً لهذه الفرصة فأنا لم أشاهد ماثيو منذ سنة أو سنتين كنت أعرف والده بالطبع .
فشدت كم سترنه :
_ إذن دعني أسافر وحدي ؟
_ لن أسمح لك بالطبع خاصة أن ماثيو أحسن ضيافتك رغم ما سببت له من مشاكل لم يكن هذا ما خططته لك .
وصمت وكأنه أفصح عن الكثير فسألته بصوت هادئ وهي تركز عينيها على وجهه المحرج :
_ وماذا كنت ستقول أبي ؟
_ حسناً في الواقع أن ماثيو دعانا لزيارته والإقامة هنا قبل زيارتك غير الرسمية له .. ولم أكن سعيداً برحلتك البحرية لذا اتصلت به وطلبت منه مراقبتك أثناء وجودك في المنطقة هو لم يوافق فحسب بل أصر على أن نحل عليه ضيوفاً بعد انتهاء الرحلة كنت سأتصل بك لتنتظريني في كريت بدل العودة مع الآخرين وعند هذا الحد توليت بنفسك الأمور .
_ إذن كنت تلاحقني خلال الرحلة ؟
نظر إليها السير تشارلز بارتباك :
_ حسناً .. أنت ابنتي الوحيدة ومن الطبيعي أن أقلق عليك فأنتم أربعة فتيان تجوبون المتوسط وحدكم في مركب والله وحده يعلم ما كان ينتظركم من مخاطر .. وانظري ما حدث لك!
لاحظ شدة تأثرها فوضع ذراعه على كتفيها :
_ لن نتكلم عن الأمر بعد الآن ؟ سنسترخي ونتمتع عرفت من ابن عم ماثيو أن ماثيو يخطط لإقامة حفلات خلال الأسابيع القادمة وأقل ما يمكنك فعله هو قبول ضيافته والتصرف بلياقة فلست مضطراً للاعتذار عنك ثانية
رمت روندا والدها بنظرة متحدية وقالت بهدوء :
_ أنا قادرة على الاعتذار بنفسي .
_ هكذا إذن .. هيا اركضي الآن وارتدي ثياباً مناسبة للعشاء لا أريد أن فتاة رثة الثياب إلى الآنسة روموس .
فارتجفت : من قلت ؟
الآنسة روموس قابلتنا في أثينا .. إنها شابة فاتنة .. أنثى بكل معنى الكلمة يا للسماء فتاتي تبدين شاحبة ر بد أن ما مر بك كان محطماً للأعصاب مع أنك من جلب المشاكل لنفسك أعتقد أن بضعة أيام من الراحة ستفيدك هيا الآن اذهبي .
في غرفتها وقفت تفكر في أن والدها لا يزال يعملها كتلميذة مدرسة فرغبت أن ترتدي جينزاً للعشاء لكنها لم تفعل فلا فائدة من هدر طاقاتها في مواجهات لا طائل منها واختارت أفضل فساتينها وهو فستان طويل قطني القماش بلون الجاد الأخضر واسع الياقة دون أكمام أما ظلال العيون والكحل ففعلاً بوجهها العجب لكنهما لم يحجبا التعب عن عينيها ثم وضعت أحمر شفاه مرجاني اللون .
كان توماس ينتظرها في الردهة فقال لها :
_ السيد يطلب انضمامك إليه في الشرفة .
أجبرت أعصابها على الاسترخاء عندما خرجت إلى نور شمس المساء حيث لاحظت وجود ماريا روموس .. كانت طويلة فستانها الحريري يلتف على كل جسدها الشهي كانت تقف ملتصقة بماثيو أظافرها مدهونة بلون الفستان الأحمر الكرزي الذي ترتديه تتحدث إليه وتبتسم له بطريقة لا تترك لمن يراهما أي شك في نوع علاقتهما .
انضم بيدرو إلى روندا مبتسماً :
_ روندا .. عزيزتي دعيني أقدم لك شراباً .
شكرته وتقدمت لتنضم لوالدها الذي يقف عند طرف السلم العريض ينظر إلى الأرض حول القصر التفت مبتسماً لها .. ثم اتسعت ابتسامته عند وصول بيدرو مع شراب روندا لاحظت بطرف عينها تحرك الأحمر الكرزي
فعلمت أن ماثيو يتقدم مع رفيقته إليهم .
_ ماريا أنت لم تقابلي بعد الآنسة روندا ستورم .
تصافحتا وتبادلا تحيات مؤدبة .. ثم التفتت ماريا إلى السير تشارلز مبتسمة كاشفة عن أسنان بيضاء .
_ ابنتك سيدي ؟ أنت لا تبدو كبيراً لتكون أباً لفتاة كبيرة .
________________________________________
كان في صوتها رنة مثيرة واضحة .. فصرت روندا على أسنانها بصمت .. فالآنسة روموس تؤمن بمبدأ إصابة عصفورين بحجر واحد تطري أباها وتغازله بينما تحاول إبقاء روندا في صفوف الحضانة التفتت لتضع الكأس الفارغ من يدها فلاحظت أن ماثيو ينظر إليها .. ولاحظت التسلية على وجهه فرفعت رأسها وكأنها تتحداه لكن في تلك اللحظة دخل توماس معلناً أن الطعام جاهز .
أظهرت ماريا رموس عرضاً فنياً رائعاً خلال العشاء فغازلت ماثيو والسير تشارلز بل رمت أيضاً ببعض الاهتمام المثير نحو بيدرو أما روندا فتناولت طعامها دون أن تتذوق أي لقمة منه وعندما انتهى العشاء اعتذرت وصعدت إلى غرفتها .
بعد الغذاء في اليوم التالي تطوع بيدرو ليري والدها أرجاء الجزيرة وكان على روندا أن ترافقهما فجلست على مقعد السيارة الخلفي على مضض لكنها سرعان ما سحرت بفتنة مناظر الجزيرة .. بقس بيدرو بعداً عن الساحل هذه المرة وانعطف بالسيارة إلى الداخل حيث المنطقة الجبلية كانت سفوح الجبال المنخفضة غنية باللون البنفسجي من الخلنج وأزهار بنات الآس تقطعها أشجار الزيتون الخضراء وغياض صغيرة من أشجار البلوط والصنوبر .
أوقف بيدرو السيارة ليسيروا عبر ممر بين الصخور فراحوا يتأملون الشلال الذي قال عنه بيدرو أنه أحد أجمل بقاع الجزيرة .
مع أن السير تشارلز بدا معجباً حقاً بالمناظر إلا أنه أبدا رغبة واضحة بالذهاب إلى بلدة كاستاريوس نفسها ليرى ماذا تحقق من نجاح في معملي النسيج و السيراميك وتمنت روندا البقاء هنا جارة القصر .
بلدة كاستاريوس كانت لا تزيد عن شارع شديد الانحدار يصل حتى أبواب القصر ثم يتجه إلى الميناء أوقف بيدرو السيارة عند أعلى التل وساورا إلى الأسفل على حجارة الشارع الخشنة المرصوفة كانت معظم الحوانيت ملحقة ببعض البيوت .. وكان البرتقال والحامض وعناقيد ضخمة من العنب المختلف الألوان تزيد من جمال ألوان الخضار المنزلية المعروضة .. أما رائحة السمك المعروض عند الميناء فكانت تتصارع مع رائحة الثوم وزيت الزيتون .
لم يكن هناك مركبات بل حمير صبورة يحمل العديد منها حملاً ثقيلاً وكانت أزقة صغيرة تتفرع من الطريق الرئيسة بين البيوت حيث يتمدد الدجاج في التراب حيث حبال الغسيل المليئة تتحرك ببطء .. هناك سمعت أصواتاً تصرخ وكلاباً تنبح وأولاداً يضجون . فبدت البلدة لروندا وكأنها استيقظت بعد سبات عميق كان سببه غياب نسائها .
همس بيدرو في أذن روندا في غفلة عن أبيها :
_ سيجري احتفال راقص في البلدة الليلة فالرجال اشتاقوا للنساء .
كان لكلامه وصوته معنى .. فاحمر وجه روندا وذهبت أفكارها نحو القصر وسيده الذي استقبل أخيراً امرأته .

رفضت أن ترافق والدها و بيدرو لزيارة المصنع مفضلة البقاء في الهواء الطلق فحذرها والدها من أن تضيع فضحك بيدرو :
_ تضيع هنا يا سيدي ؟ لا مكان لها لتذهب إليه .. سنراك في المقهى بعد نصف ساعة عزيزتي سنجلس في الظل ونشرب المرطبات .
لم تستطع منع نفسها من الضحك لغمزته الكوميدية ثم أخذت تسير في الشارع تقف متأملة المعروضات المشغولة من الليف أو الصوف والحقائب الجلدية المشغولة يدوياً وعلمت أن للبلدة ماضياً سياحياً لكن ماثيوس سبيراس يرفض أن يعتمد شعبه على الآخرين ولقد قال لها بيدرو أن مصنع القماش يصنع البسط أيضاً إضافة إلى إنتاج مصنع السيراميك الذي يتم تصديره إلى الأرض الأم ليسد حاجات السوق .
شاهدت أمامها زحاماً وعلمت أنها وصلت إلى رصيف الميناء كان هناك جمع غفير من الناس معظمهم من الرجال ووقفت تتأمل حبالاً ترمى من المراكب المتقدمة إلى الميناء ونساء يحملن الحقائب أو الأطفال .
ابتسامة حنان صغيرة ارتسمت على شفتيها وهي تراقب جمع الشمل المبهج بعودة المزيد من النساء إلى الجزيرة يبدو أن للجميع من يستقبله أما هي فقد غصت بإحساس الوحدة .
فجأة ابتعدت عن المنظر والدموع تملأ عينيها لكن يداً على ذراعها أوقفتها عن الابتعاد فرفعت رأسها فإذا أمامها ماثيو سبيراس يحدق فيها .
_ ماذا تفعلين وحدك ؟ ظننتك مع بيدرو ووالدك هل كنت وحيدة منذ الغذاء ؟
_ لا .. سأقابلهم في المقهى القريب بعد دقائق وأنا بخير شكراً لك لا تزعج نفسك بأمري .
_ قد لا تكونين الآن سجينتي آنسة .. لكنك ضيفتي .. أرجوك أن تنضمي إلينا .
نظرت إلى ما خلفه فوجدت ماريا روموس شعرها الأسود الأملس محمي من الهواء بوشاح له لون فستانها الذهبي تجلس على طاولة فوق الرصيف خارج مقهى صغير .
فتراجعت لا أريد التطفل ..
لكن يده اشتدت على ذراعها وقادها نحو الطاولة فرفعت ماريا نظرها ولمعت عيناها ترمق الفتاة الشابة بنظرة كراهية باردة .
_ آنسة ستورم ؟ ظننتك على الشاطئ مع بيدرو !
صوتها البارد كنظرتها جعل عيني روندا تضيقان بشكل خطر وهي ترد :
_ هذا في الغد .. أما اليوم سيشتري لي دلواً و رفشاً .
فابتسمت ماريا دون أن يبدو عليها المرح : أمر مسل .
ثم وضعت ساقيها فوق بعضهما وبدت في شكلها المبتذل تناسب أحد مقاهي الأرصفة في باريس أو روما لا مقهى صغير في جزيرة إنها مثل زنبقة استوائية نمت و أزهرت خطأ في أرض صغيرة تنبت فيها الخضراوات.
وبدأت ماريا تتحدث إلى ماثيو باليونانية لكنه أوقفها برفع يده :
_ استخدمي الإنكليزية ماريا وإلا لن تفهم روندا ما تقولين .
تفوهت ماريا بكلمات اعتذار لكن نظرتها الحاقدة أفهمت روندا جيداً أنها ما كانت تريد إشراكها في حديثها .. لذا عندما وصل والدها و بيدرو شعرت براحة عارمة .
تحت غطاء الحديث الذي تبع وصولهما استرقت النظر إلى ماثيو فإذا به يجلس قبالتها يبتسم وهو يصغي للسير تشارلز في حين أن عينيه تحدقان في كأسه .
أحست بيد بيدرو تلمس ذراعها وتخرجها من التفكير في ماثيو :
روندا .. ما بك عزيزتي ؟ أنت لم تكلميني كلمة طوال بعد الظهر .
فالتفتت إليه :
_ آسفة بيدرو لا أظن أني في مزاج يخولني تبادل أطراف الحديث هل تعيدني إلى القصر ؟
سرعان ما وافق فقفز يساعدها عندما سألت ماريا بلهفة :
_ هل الشمس قوية عليك ؟ يا للطفلة المسكينة ! .. أقفلي النافذة في غرفتك واستريحي حتى موعد العشاء .
كانت لهجتها لهجة من يعد طفلاً بأنه إن أطاع ما يقال له فسيسمح له بتناول العشاء مع الكبار .. بينما كانت تحاول التفكير برد مناسب يوقف المرأة عند حدها أمسك بيدرو بذراعها وسارع مبتعداً بها .
حين ابتعدا قالت غاضبة : يا لتلك المرأة !
فضحك : يجب أن تعذريها .. إنها تتشوق لتصبح الأميرة سبيراس وتعلم أن الوقت ينفذ من بين يديها .
_ أتظن أن ماثيو سيتزوجها ؟
فهز كتفيه من دون اكتراث : من يعلم ؟ يجب أن يتزوج يوماً لينجب وريثاً .. وماريا كانت .. صديقة طيبة له مدة طويلة هما على الأقل لا يتوهمان وجود شعور ما بينهما إنها تريد لقبه وماله وهو يريد زوجة مزينة تغمض عينيها عن .. عبثه .
_ لكنني عرفت أن ماثيو .. الأمير سبيراس ما عاد يستخدم لقبه .
_ هو ما عاد يستخدمه ولكن ماريا لديها أفكار أخرى وقد تقنعه إذا تزوجا بالتفكير مجدداً باستخدامه .
_ لماذا قلت أن الوقت ينفذ من بين يديها ؟
_ لأنها في الفلك الذي تدور فيه لم تعد شابة لتبقى دون زواج .. وعليها أن تستقر لتبني مستقبلها .
_ أليس لها مهنة ؟
فانفجر ضاحكاً :
_ ماريا ؟ أتتصورينها تعمل عزيزتي وراء مكتب تكسر أظافرها فوق مفاتيح آلة ما ؟ لها حصة في دار أزياء باريسية لكنها لا تقوم إلا بتأمين زبائن من محيطها للدار .
هزت رأسها متنهدة لف ذراعه حول كتفيها :
_ لم التنهد صغيرتي ؟
_ كنت أفكر .. هذا ليس وضعاً جيداً قد تجد المرأة نفسها فيه .
_ لا تخافي شيئاً يا عزيزتي ما عليك سوى قول كلمة وسنتزوج ساعة تشائين .

________________________________________
فحررت نفسها منه :
_ لا يا بيدرو .. ما عنيت هذا فأنا لا أريد الزواج الآن بل أريد أن أبني مستقبل مهني لي أولاً .
_ هل أنت واثقة أنك لا تحلمين بأن تكوني الأميرة سبيراس ؟ يا إلهي روندا .. ألم أقل لك إن لا فائدة من التفكير بماثيو هكذا ؟ لا تخدعي نفسك بأن تصبحي يوماً قادرة على تطويعه كزوج إنكليزي مثالي لقد حطم قلوباً كثيرة وسيحطمك .
فأحنت رأسها : لا طائل من هذا الحديث .. ابن عمك لا ولن يناسب خططي المستقبلية أعدك بهذا .
بقي بيدرو محافظاً على بروده في الأيام التالية لكنها بهذا تخلصت من محاولاته التغزل بها .
آخر الأسبوع بدأت الحفلة في القصر بوصول أحد أثرى أصدقاء ماثيو آل بابندوس الشاب أخذ يتودد إلى روندا بشكل ظاهر بينما أخذت أخته التوأم تلتصق بيدرو وهذا ما ناسب روندا تماماً .
سارت روندا بعد الظهر مع السيدة تيران إحدى الضيوف وهي امرأة ممتلئة الجسم جذابة في أواخر الثلاثين عاشت في لندن فترة زواجها وهي تتوق لمعرفة ما إذا كانت كل محلاتها المفضلة والمطاعم لا تزال موجودة وكان لها حديث لطيف غير متكلف وما إن جابتا الحديقة ووصلتا إلى أطراف الصخور حتى كان الجميع متحلقاً حول التمثال .. السير تشارلز كان يقف مع السيد تيران يدخنان السيكار وينظران إلى البحر يتحدثان بصوت منخفض بينما جورجيو و بيدرو يفتشان عن حصوات صغيرة ليريا من يرميها أبعد إلى البحر .
كانت ماريا تستدير برشاقة إلى النمر الحجري تدخن سيكارة بدت ضجرة ربما لأن ماثيو كان يجلس على العشب على بعد أمتار منها يراقب ليزا وهي تحاول صنع إكليل من الزهر البري النابت حولهم .. وكان هاجسها الوحيد الأسطورة التي سمعتها .
رمت ليزا ما بيدها من أزهار صائحة بصوت يشبه مواء قطة :
_ أوهه .. ! لن أستطيع صنعه روندا ألا تساعديني ؟
فتنهدت روندا وأذعنت ثم راحت تعلم ليزا السبيل إلى تجديل سيقان الزهور معاً بحذر ثم ركعت على الأرض مع ليزا وقالت :
_ لم تكن هذه الطريقة التي كانت تستخدمها الفتيات في العصور الوسطى أيام نمر الجزيرة لكنها الطريقة التي أعرفها منذ الطفولة .
فتدخلت السيدة تيران ناصحة الفتاتين بألا تقوما بهذا العمل فضوء النهار يشح شيئاً فشيئاً فسارعت روندا تربط آخر سيقان الزهر بخيط ثم وضعته على رأس ليزا فقالت لها الفتاة وهي تسحب الإكليل عن رأسها بعناية :
_ أوه .. لا روندا .. إنه إكليلك ويجب أن تضعيه أنت اخفضي رأسك قليلاً .. هاك ! أنت اخفضي رأسك قليلاً .. هاك ! أنت الآن كالعروس .
جذبت ماريا نفسها عن التمثال فجأة وقالت دون أن توجه الكلام لأحد .
_ بر .. أشعر بالبرد هل نعود إلى المنزل ؟
سرت همهمة موافقة أبدتها السيدة تيران التي كانت تلف وشاحها الصوفي حول كتفيها الممتلئتين انتظرت روندا ابتعاد الجميع قبل أن تجذب نفسها عن العشب وتقف ثم أزالت إكليل الزهر عن رأسها ورمته على الأرض قبل أن تتقدم إلى والدها وتدس يدها في ذراعه .
كانت قد وصلت إلى المنزل تقريباً عندما تذكر أن حقيقتها الصغيرة ما تزال قرب التمثال حيث جلست قرب ليزا وكان ما يزال هناك بعضاً من نور الأفق يخولها رؤية الحقيبة واستعادتها اعتذرت بسرعة من والدها وعادت أدراجها .
سرعان ما وجدتها فانحنت تلتقطها لكنها في هذه اللحظة شاهدت إلى جانبها إكليل الزهر .. فالتقطته باندفاع متهور ووقفت تنظر إليه .. عروس .. هكذا قالت ليزا .. لكن لم تكن العرائس وحدهن من يأتين بالزهور للنمر ما من فتاة على الجزيرة كانت تجرؤ على القول لوحش الجزيرة إنها تريده في وجهه ووضع الزهور على التمثال كان رمزاً قديماً كالرقص أمام الآلهة .. وإذا اختار السيد أن يترك الزهور تذبل وتموت فلن يعرف بها أحد سوى الفتاة التي وضعتها .. عندها على الأقل سيكون ذلها خفياً وخاصاً .
كانت هناك قوى خفية تدفع روندا للتحرك فسارت حالمة كأنها آلة ليست مسؤولة عن تصرفاتها .. تقدمت إلى الأمام حتى قاعدة التمثال وحدقت في وجه الوحش العبوس .
كانت يدها ثابتة وهي تضع بلطف إكليلها فوق براثنه لكن ما إن تراجعت حتى بدأت ترتجف بعنف فأمسكت بتنورة فستانها الطويل وركضت كالمجنونة عائدة إلى القصر عن طريق الشرفة لأنها كانت تحس بألم في جنبها من الركض ولأنها تبدوا حمراء اللون مشعثة دخلت من الباب الجانبي وتسللت دون أن يلاحظها أحد عبر الردهة ومنها من السلم .
ما إن وصلت بسلام إلى غرفتها حتى جلست على كرسي طاولة الزينة وبدأت تزيل الدبابيس وانسدل شعرها بحرية على كتفيها .. وجلست جامدة دون حراك تحدق في المرآة تفكر في ما دفعتها .. وجلست جامدة دون حراك تحدق في المرآة تفكر في ما دفعها لتفعل ما فعلت ؟ لكن لا داعي إلى قلقها إذ سيمضي وقت طويل قبل أن يلاحظ أحدهم الإكليل وحين بدأت تسرح شعرها سمعت دقاً خفيفاً على الباب ليدخل ماثيو إلى الغرفة .
_ أتود الحديث معي سيدي ؟
وقف ينظر إليها للحظات بصمت ثم تلاعبت ابتسامة على شفتيه :
_ من بين أشياء أخرى .. أجل .
فبللت روندا شفتيها بطرف لسانها وقالت بهدوء لا بأس به :
_ لا أظن أن بيننا شيئاً نقوله لبعضنا .
_ أوه .. لكنك مخطئة روندا .. فنحن لم نبدأ الحديث بعد .
مد إحدى يديه وكانت مطبقة إلى جانبه ليفتحها أمامها .. فسارعت إلى إغماض عينيها خائفة مما سترى .
_ لقد قص عليك بيدرو الأسطورة .. ألم يفعل ليس الجزء المحترم منها التي قصصته على ليزا الآن بل الجزء المتعلق بالجميلات اللاتي كن يتخذن التمثال وسيلة للإشارة إلى رغبتهن في إرضاء سيدهن .. قد تكون زهورك ميتة روندا لكن رسالتها فعالة ألا ترغبين بسماع ردي ؟
فهمست متلاشية :
_ لا .. لم أفكر في ما فعلت .ز فما هي إلا دعابة غبية ..
_ دعابة عزيزتي ؟ لكني منعتك من التلاعب بي كما حذرتك من الكذب علي ؟ انظري إلى روندا وقولي في وجهي إن ما قمت به كان لعبة أخرى .
فصاحت بجنون تحس أنها علقت بالفخ وتملكها الذعر : لا أستطيع ليس من حقك ..
_ أوه بل تستطيعين .. ولي كل الحق !
رفعها عن الكرسي وأوقفها على قدميها ثم راحت يده تعبث في كثافة شعرها ولم يلبث أن أوقف رأسها بقبضة تعجز هي معها عن التحرك فهمست متوسلة : أنت تؤلمني .
لكن وجهه بقي متجهماً : أؤلمك ؟ أنا دهش من نفسي لأنني لم أكسر عنقك ! لقد دفعتني إلى حافة الجنون بمزاجك ونزواتك المتقلبة لكن هذه المرة سأحصل منك على رد .. والأفضل أن تكون الحقيقة .. أنت من ترك هذه الزهور ؟
ارتجفت شفتاها وهي تعترف :
أجل .. لكنني ما عنيت .. كان يجب ألا تراها .
_ أوه لا أشك في ذلك .. ولكنت آمنة تماماً افتقادي إياك وذهابي للبحث عنك كمضيف طيب توقعت أن أراك مستلقية في الظلام مكسور كاحلك أو ملتو .. لكنني وجدت هذا .
ورمى حفنة الزهور على طاولة الزينة .. ثم أرخى قبضته بعض الشيء عن مؤخرة رأسها لتنزلق إلى بشرة كتفيها الناعمتين الرقيقتين وأكمل هامساًُ :
_ الآن .. أخبريني أن زهورك تكذب وأن ليس لك هدية لي .
جذبها إليه .. ثم أحنى رأسه نحوها باشتهاء مدمر دمر لها كل دفاعاتها التي حاولت إقامتها ضده .
تعلقت به وكل عصب في جسدها يرتجف لمداعبات يديه ما عاد يهمها شيء إلا وجودها بين ذراعيه .. حتى لو تبين لها أن هذا لن يدوم أكثر من ليلة وحتى ساعة فقد أحست أنها لم تعد تملك أية كرامة فيما يتعلق به .
ارتد عنها أخيراً وعيناه الذهبيتين ترقصان وتلمعان لمعاناً يضفي رقة ساحرة :
_ أنت لي روندا .
كان كمن يسألها فتنفست بالرد بهدوء : أجل .
فضحك بصوت منخفض : لا تتواضعي يا جميلتي سأجد في الوقت المناسب خضوعك بهجة لي لكنني لا أريد أن يكون هذا عادة تعتادينها طوال حياتنا معاً .
ارتجفت وأحس بارتجافها وسأل : ما الأمر يا عزيزتي .. أحائرة أنت لأنني أريدك زوجة لي ؟ أهو سر آخر ؟

________________________________________
_ تريد الزواج مني ؟
فالتوى فمه بسخرية : أجل .. وما ظننت غير ذلك ؟ أوه .. لا تقولي ! فأنا أعرف تماماً رأيك في أخلاقي ودوافعي .. أتريدين أن أركع عند قدميك لأقنعك ؟
رفعت نظرها إليه تتسع عيناها برزانة لا .. لكنني ما علمت .. أنت لم تلمح لي ..
_ لم أشأ أن أقول لك هذا بهذه السرعة .. كم مضى على تعارفنا ؟ أردت أن أتودد إليك مدة طويلة وأن أضع العواطف و الاضطرابات خلفنا .. لكن حتى هذا لم ينجح كما خططت له وها أنا ذا .. عزيزتي .. في الوقت غير المناسب في المكان غير المناسب .. أطلب منك أن تكوني زوجتي .
وأصبح صوته جاداً وهو يردف :
_ لكنني لا أريد ردك الآن أريدك أن تفكري ملياً في ما قد يعني هذا لك أنت تعرفين من خلال حياة والدك نوع الحياة التي ستعيشينها معي ونوع المطالب التي ستطلب منك .. فلم يكن لي يوماً بيتاً دائم .. لأنني كنت معظم أيامي أقضيها في السفر وكنت أينما حللت يتوجب علي وضع احتياجات الآخرين في المرتبة الأولى قبل احتياجاتي بالطبع أريدك معي لكن قد يحدث عندما ننجب أطفالاً أن أضطر إلى تركك وحدك أتظنني أنك قادرة على احتمال هذا روندا ؟ أتأخذين حياتي وكل ما تعنيه وتجعلين منها حياة لك ؟
نظرت إليه وقد صدمت كلماته هذه فرحتها فأدركت أن الزواج منه سيعني نهاية لكل طموحاتها فلا عمل ولا استقلال بعد الآن إنما حياة زوجية محورها زوجها وهي ستكون فقط .. زوجته وتمتم :
_ فكري في الأمر يا عزيزتي .. وفي الصباح تعالي إلي أعطيني ردك .
بينما كان الباب يغلق خلفه جلست روندا ثانية على الكرسي ساقاها ترتجفان .. في بضع لحظات انقلب عالمها رأساً على عقب ضغطت يديها على خديها تحدق في المرآة عاجزة عن التصديق .
لقد قالت لها ليزا أنها عروس وستصبح عروس عروساً لماثيو أغمضت عينيها تحس بالدمار من السعادة تتخيل تعجرفه البارد ولمعان عينيه .. عندها فقط تذكرت أنه لم يقل لها أنه يحبها .. بل لقد كان واثقاً فقط من حبها له .. قطبت جبينها قليلاً .. لكن ما الفرق الذي ستحثه بضع كلمات ؟ حاولت الحوار مع نفسها لا بد أنه يحبها وإلا لما طلب الزواج منها .
لكن حتى بعد أن اطمأنت تذكرت تحذير بيدرو من أن ماثيو يتزوج فقط لمتعة ذاتية وأنه عندها لن يكون زواجاً تقليدياً .. كزوج إنكليزي كما قال لكنها أبعدت الفكرة عن رأسها فهو أخبرها منذ قليل أن حياتهما معاً لن تكون سهلة .
أطفأت النور واستقرت في الفراش لكن النوم جافاها حتى عندما تمكنت من إغفاءة خفيفة استيقظت مجفلة بعد قليل تحس بخفقان عنيف في قلبها أخيراً جلست وأضاءت الأنوار وصبت لنفسها كوباً من إبريق عصير قرب السرير .
للمرة الأولى خلال حياتها الفتية تمنت لو أن لديها أقراص منومة .. فإن لم تسترخ قليلاً فستبدو منهارة عندما ترى ماثيو في الصباح .

في الصباح ! نظرت إلى ساعتها وهي تعود للنوم إنه الصباح الآن .. ماذا ستكون ردة فعله لو ذهبت الآن وأعطته الرد ؟ ربما يكون مستلقياً بدوره بعد أن جافاه النوم مضطرباً بلهفة مثلها احتوت جسدها الحرارة وهي تتصور النتيجة الحتمية لذهابها إلى غرفته فترددت محاولة تجميع أفكارها المشتتة وتعقلها لكنها لم تستطع شيئاً أمام اشتياقها ولهفتها وحاجتها أن تكونه بين ذراعيه .. بل الطمأنينة في حبه .. إذا أصبحت له .. ربما تزول المخاوف والشكوك التي تزعجها .
تحركت إلى الخارج ومنه إلى الرواق وكأنها شبح أسود هذه المرة لم تشعر بعينين مختبئتين تراقبانها بل بثقة عارمة بالنفس راحت تهن وتضعف قليلاً وهي تنعطف من الرواق إلى الممر الموصول بجناح ماثيو .. حيث رأت مصباحاً صغيراً كان على طاولة قرب بابه لكن هذا لم يخف حقيقة وجود ضوء ساطع في الداخل وبقلق رفعت يدها تدق الباب لكن يدها تسمرت في الهواء فقد تناهى لها أصوات من الداخل .
شيء واحد كان مؤكداً لن تدع أحداً يراها هنا نصف عارية في ثياب النوم خارج غرفته فبغض النظر عن كرامتها هناك ماثيو لن يجد في الأمر تسلية .
أجفلت وهي تلاحظ أن الأصوات في الداخل تتصاعد ..ثمة زائر على وشك المغادرة وهي الآن غير قادرة على العودة إلى غرفتها .. شهقت شهقة تكاد تكون نحيباً وهربت نحو الممر الآخر تخبئ نفسها وراء الستائر المخملية التي تخفي الباب الموصد ورائها .
الصوت الذي وصل إليها عند فتح الباب لا مجال للخطأ فيه إنها ضحكة امرأة وقفت للحظات مشلولة ثم بكل حذر أبعدت الستار قيد أنملة لتستطيع الرؤية .
كان ماثيو يقف بالباب المفتوح ينظر إلى ماريا روموس نصف عار حافي القدمين ملفوفاً بروبه حول خصره بلا اعتناء كاشفاً بذلك صدره حتى الوسط .
أما ماريا فكانت مغطاة من عنقها وحتى قدميها لكن بما أن ثوب نومها شفاف جداً فقد كان مثيراً أكثر مما لو كانت لا ترتديه وسمعت روندا الصوت الأجش المثير يقول :
وداعاً يا حبيبي .. لا تدعوني إلى زفافك .
ونظرت إلى يديها التي يلتف عليها سوار من الزمرد اللماع ودوت ضحكتها من جديد ولم تسمع روندا رد ماثيو فقد انكمشت سعياً لدعم الجدار خلفها ثم وضعت يديها على أذنيها غير قادرة على سماع المزيد .
بعد أن شعرت أن قرناً من الزمن قد مر جمعت قوتها وشتات نفسها ثم فتحت الستائر وخرجت إلى الممر كقطة مذعورة لا تدري في أي اتجاه تجري ..
لن تستطيع البكاء الآن .. فللبكاء أوان آخر أما الآن فهو أوان الهرب ووضع أكبر قدر ممكن من المسافات بينها وبين ماثيوس سبيراتوس .. ترنحت قليلاً كطفل يستيقظ من كابوس وتوجهت نحو غرفة أبيها .
8 _ المرفأ الأخير
رمت حقيبتها الصغيرة وخلعت حذائها ثم توجهت نحو الهاتف الذي شرع بالرنين ما إن وطئت الشقة وكما توقعت كان المتكلم بيرس .
_ مرحباً رون هل لديك شيء هذا المساء ؟ فكرت في إلقاء نظرة على المطعم اليوناني الجديد الذي فتح أبوابه حديثاً .. أعلم أنك تحبين الطعام اليوناني .
_ أنا متعبة بيرس لقد كان يومي مرهقاً .
_ أوه بالطبع .. كيف عملك الجديد ؟ متى سنرى وجهك في المجلات ؟
_ بعد شهرين على الأقل باتريك أنجل يصورني الآن للدعاية .
_ إن هذا لرائع !
_ هه …
وتذكرت الساعات الطوال التي قضتها تحت الأنوار تتعرض لوميض آلات التصوير التي تحاول اكتشاف لقطة مؤثرة من بين عشرات اللقطات لكن كيف لها بإقناع بيرس ووالدها بأنها تعمل حقاً جاهدة علمت منذ البداية .. فعملها لم يكن لهما سوى هواية صغيرة والسبب الوحيد الذي جعل والدها يوافق على عملها كان أمله أن يساعدها بالتغلب على مرارة الأحداث التي مرت بها .
عندما عادت إلى لندن منذ شهر مضى كانت متألمة عاطفياً ولم تستجب إلا بعدائية عندما اتصل بها بيرس لكنها بالتدريج تناست القوقعة الدفاعية التي بنتها حول نفسها .
سمعت صوت بيرس على الهاتف ينتشلها من أفكارها :
_ اسمعي وارن .. ارفعي قدميك إلى الأعلى نصف ساعة ثم اتصلي بي مجدداً إن غيرت رأيك .. سأنتظرك .
_ أوه .. بيرس سأرى كيف سأشعر فيما بعد وأشكرك على الدعوة .
وضعت السماعة من يدها وتوجهت إلى غرفة الجلوس في شقتها لم تكن غرفة كبيرة بل صغيرة مليئة بركام أغراض ثلاث فتيات يعشنا معها تنهدت روندا وهي تبدأ بترتيب الغرفة .. الشقة بعيدة كل البعد عن فخامة المنزل الذي كانت تسكنه مع والدها لكنها لم تندم على قرارها بالانفصال عنه والسكن وحدها مع أن والدها حاول ثنيها عن عزمها لكنها تعنتت في قرارها .
علمت أن ألمها قد أزعجه إلى أبعد حد يوم اقتحمت عليه غرفته في القصر تلك الليلة في كاستاريوس منذ ذلك اليوم عاشت حياتها العاطفية على مستوى متصنع ولم يتعرض مطلقاً لنوبات هيستيرية يتعرض بها الأباء أمثاله عندما تضطرب حياة أولادهم .
وسرعان ما قام بكل الترتيبات اللازمة لرحيلهما .. كانت وهي تحضر الحقائب تسير كالآلة .. تلك الفتاة الصفراء الوجه الشاحبة التي كانت تلمحها في المرآة لا علاقة لها بها .
لكن ما إن اقترح والدها عليها أن تودع ماثيو على الأقل حتى أصيبت بالجنون ولما يئس ودعه بالنيابة عنها لم تتكلم روندا البتة خلال الرحلتين من الجزيرة إلى أثينا ومنها إلى لندن بل بقيت غارقة في مقعدها تنظر عبر النافذة دون أن ترى شيئاً حين وصلا إلى المنزل ذهبت إلى النوم حيث نامت ما يقارب اليومين .
حالما تمكنت من استجماع شتات نفسها ذهبت لتقابل باتريك اينجل تسأله عما إذا كان جاداً في عرض العمل القديم ذاك بأن تكون عارضة تصوير فأمرها أن تقص شعرها وأرسلها إلى دار تجميل قامت على تدليكها وتلين جسدها إلى أن زال التوتر والتصلب منها والتصلب منه .
منذ ذلك الوقت عملت معه دائماً وقد تلقت خلال هذا الشهر عرضين من مصورين آخرين .. وقد كانت شاكرة استغراقها في العمل لأنه جعل تفكيرها منصب عليه لكنها في الليل فقط كانت تذكره وهي مضطجعة على سريرها الضيق تصغي إلى أنفاس زميلاتها في الشقة فتعود إليها ذكرياتها .
كانت تحلم بماثيو دائماً .. وقد تساءلت دائماً عن سبب طلبه الزواج منها .. لماذا لم يطلب من ماريا روموس كما تكهن بيدرو ؟ ربما اعتقد أنها ستكون زوجة مطيعة أكثر من ماريا فمن الواضح أنه لا يميل إلى تكييف حياته لتتوافق مع أي التزام عائلي إلا أنه يعتقد أنه يستحق مجداً من طرفين : زوجة شابة محبة مطواعة .. وعشيقة مفضلة لديه طلباً للتنويع بحياته .
تقدمت نحو النافذة تفكر في أن زميلتيها لينا و فيونكا ستصلان قريباً لكنهما دون شك ستخرجان بعد حين بصحبة أصدقاءهما لم يخف بيرس سعادته لاتصالها به والموافقة على الخروج وسرعان ما وصل بسيارته ليأخذها كان المطعم أكثر فخامة وذوقاً من سمعته وأحست روندا بالاسترخاء أثناء العودة إلى الشقة .
لكن أولى اضطرابات الليلة برزت عندما أوقف بيرس سيارته خارج المبنى إذ كان عادة يتبادلان تحية المساء بسرعة ثم يفترقان أما هذه الليلة أحست روندا بالقلق لأنه قرر إحياء علاقتهما الحميمة .. دس ذراعه حول كتفيها محاولاً عناقها .. فحاولت جهدها ألا تقسو عليه وذلك لتجنبه الإحراج فكان أن حررت نفسها تسأله إن كان يرغب بالصعود وتناول القهوة .
كانت قد قررت أن هذه غلطة حتى قبل أن تضع المفتاح في القفل فقد يظن بيرس أنها تود تأمين مكان مريح لمتابعة غزله لها وامنت أن تكون إحدى زميلاتها في الشقة موجودة لكن أملها قد خاب ووجدت الشقة فارغة فتنهدت وذهبت تعد القهوة .
عندما عادت بالفناجين كان بيرس ممدداً على الأريكة براحة تامة ربت على الأريكة قربه يدعوها للجلوس فجلست بتردد لكن بدا واضحاً أنه لا يهتم بالحديث ولم يمض سوى برهة قصيرة حتى حاول ضمها بين ذراعيه لكنها قاومته تتلوى لتحرر نفسها منه غير مخفية امتعاضها فقال نافذ الصبر :
_ أوه .. هيا رون لا تحاولي خداعي .. ما عدت ابنة أبيك الصغيرة .. ولا تحاولي خداعي بأن صديقك المليونير لم يعلمك شيئاً من الحياة .
فواجهته ببرود : لست أدري عم تتكلم .
_ لا تتظاهري بهذا .. رأيت الحالة التي كنت فيها عندما عدت . قالت أمي يومها أنه كما يبدوا جلياً جعلت من نفسك حمقاء أمام ذلك الرجل كما قالت لكنها كانت دهشة من أن والدك سمح بحدوث هذا .
ردت ساخرة : يا لأمك العزيزة ! ما ألطف اهتمامها بشؤوني .

هذا طبيعي كنت على وشك أن تكوني كنتها على كل أنا لا أشعر أن شيئاً تغير بالنسبة لي رون ولست مضطرة أن تخبريني ما جرى في الجزيرة .. لأنني أفضل ألا أعرف لكنني أود القول أننا سنبدأ من جديد حيث انتهينا .
_ آسفة بيرس .. هذا مستحيل .
وهبت واقفة على قدميها تتجه إلى الباب وتقول بهدوء :
_ أعتقد أن ذهابك خير من بقائك .
حدق فيها للحظات ثم هز كتفيه لكنه بينما كان يمر بقربها مد يده فجرها بين ذراعيه بقوة قاومته لكنه لم يتركها فأخذت تشهق لتتنفس وهو يبتسم وكأنه راض عن نفسه :
_ لست من حجر روندا ليتني أؤثر عليك بدلاً من الأمير .. لكن إذا كان قد تمكن من إيقاظ مشاعرك \أخيراً فأنا ممتن له .
فصاحت به من بين أسنانها : اخرج من هنا .
رفع يديه علامة استسلام ساخر وقال بهدوء :
_ فكري ملياً فأنا أحبك رغم محاولتي الابتعاد عن هذا .
فردت ببرود : لديك أكثر الطرق شواذاً في إظهار هذا الحب .
بعد أن خرج أغرقت نفسها فوق الأريكة وأجهشت بالبكاء .. فقد كانت تعتمد على بيرس ودعمه لها أكثر مما تعترف وبدا لها الأمر وكأن شقيقها المفضل انقلب ضدها ..
كانت على حالها ساكنة متعبة عندما توصلت في الصباح التالي إلى عملها .. وأثناء خروجها من غرفة الملابس بعد انتهاء التصوير نادتها موظفة الاستقبال :
_ والدك اتصل روندا .. يقول أنه مضطر إلى التأخير ويود أن تقابليه في مكتبه عوضاً عن المطعم .
شكرتها روندا .. كان والدها يصر على دعوتها على العشاء معه ثلاث مرات أسبوعياً حيث كانت تتناول معه وتقوم بدور مضيفته عندما يحتاج إليها .. والغريب أكثر من ذي قبل كما أن علاقتهما قد تحسنت كثيراً .
قررت أن تذهب إلى مكتبه سيراً على الأقدام مع أن الصيف كان قد بدأ يفسح في المجال بالخريف كي يتقدم ها أولى ورقات الخريف تتساقط في طقس ما زال يحافظ على دفئه الذي يشجع على التسكع وتضييع الوقت .
كان عليها إظهار إذن المرور الخاص بها عندما وصلت إلى المبنى الحكومي الذي يعمل به والدها وابتسم رجل الأمن ولامس قبعته تحية لها فقطعت الباحة الداخلية وصعدت إلى الطابق العلوي ثم اجتازت الممر المكسو بالسجاد فوصلت إلى المكتب الصغير المريح حيث سكرتيرة والدها .
رفعت السكرتيرة رأسها عن عملها مبتسمة :
_ مرحباً آنسة ستورم ألم تكن تلك صورتك في مجلة لك سيدتي الأسبوع الماضي ؟
ضحكت روندا : يدهشني أنك عرفتني رغم مساحيق التجميل .
فغمزت السكرتيرة بعينيها : حسناً أستطيع القول أنني لم أفعل .. بل السير تشارلز دلني عليها في الواقع أظنه كان فخوراً بها في سره .
_ هذه أنباء جيدة لي .. أهو مشغول ؟ هل أستطيع الدخول ؟
ترددت السكرتيرة قليلاً فظنتها روندا تنظر إليها نظرة غريبة لكن لهجتها كانت طبيعية عندما قالت :
_ طبعاً آنسة ستورم لقد طلب مني إدخالك حالما تصلين ز
فتحت روندا الباب الموصل إلى مكتب والدها الخاص ودخلت كانت الستائر المعدنية مسدلة فوق النوافذ تمنع أشعة الشمس القوية .. وللحظات ظنت روندا أن الغرفة فارغة ثم شاهدت جسد الرجل الطويل يرتسم إزاء النور المنبعث من وراء ستار النافذة وعلمت حتى قبل أن يتكلم أنه ليس والدها :
_ إذن روندا لقد التقينا مجدداً .
حاولت أن ترد .. لكن الكلمات لم تخرج .. ثم استدارت وقد سدت الدموع الرؤية من بين عينيها .. تتخبط متعثرة للوصول إلى قبضة الباب لكن قبل أن تتمكن من الفرار كان قربها يده تطبق على يدها تبعدها عن الباب ثم تديرها بعنف لتواجهه صوته هادئ لكن نبرته جعلتها ترتجف :
_ لا يا عزيزتي .. لن يكون أمامك مجال للهرب بعد .
فصاحت : اتركني .
حاولت تحرير نفسها لكن قبضته على ذراعها اشتدت :
_ لا .. لن أرتكب الغلطة نفسها مرتين عزيزتي .. لن أتركك ثانية .. وإلى الأبد .
قالت ببرود وصوتها يرتجف :
_ قد تكون السيد في جزيرتك لكنك الآن في أملاك الدولة البريطانية وإذا لم تتركني سأجعلهم يرمونك خارج المبنى .
لمعت أسنانه البيضاء بابتسامة ساخرة :
_ من هذه النافذة لا شك أيتها الحمقاء .. أتظنين أن بإمكاني الدخول والاستيلاء على مكتب والدك دون إذنه ؟
_ أبي .. يعرف أنك هنا ؟
ما هذه الخيانة الكبرى ؟ والدها يعرف أنها هربت من هذا الرجل فلماذا يساعده ؟
_ بالطبع يا عزيزتي .. عندما وصلت لندن ليلة أمس قصدت منزله مباشرة على أمل أن أراك فقال لي أنك ما عدت تسكنين معه وتحدثنا واتصل بك لكنه لم يلق رداً .
وضع يده تحت ذقنها رافعاً وجهها إليه مجبراً إياها على توجيه بصرها إليه :
_ لماذا هربت مني روندا ؟ ظننتك منحتني قلبك أكانت الهدية أكثر مما أستحق ؟ هل خذلتك شجاعتك وجعلتك تهربين دون أن تقولي كلمة واحدة .
صمت لحظات دون أن يتلقى الرد فتابع :
_ لقد سألتك سؤالاً روندا .. تلك الليلة في القصر و ها قد جئت الآن لأحصل على الرد : هل تتزوجيني ؟
نظرت إلى خطوط وجهه المتعجرفة التي لاحقتها في أحلامها نائمة ومستيقظة عندها تدحرجت دمعتان كبيرتان على خديها وهي تهز رأسها ببطء بالرفض .
_ .. فهمت .
وأخرج أنفاسه بتنهيدة طويلة وأكمل :
_ هل لي أن أعرف السبب ؟ أترين يا عزيزتي ظننتك تحبينني .
كادت تقول أحبك لكنها قالت : أحببتك .
_ هل طلبت عظيم الحب حين سألتك أن تشاركيني حياتي ؟ أنت صغيرة جداً يا عزيزتي .. أليس كذلك ؟ خفت أن أدفعك .
فصاحت :
_ لم أخف من مشاركتك حياتك .. بل لم أستطع أن تشاركني حياتي .
_ أنا ؟ لكنني حذرتك من كل شيء روندا لولا المطالب التي تواجهني من الآخرين للحقت بك إلى هنا منذ أسابيع .
_ لم أقصد هذا .
_ ماذا إذن ؟
_ ماريا روموس .
أصبح صوتها منخفضاً جعله يحني رأسه بحدة ليسمع ما تقول حين نظرت إليه ثانية كان وجهه بارداً :
_ أنا لم أدع أمامك أني قديس روندا لكن هذا كله انتهى أمره أعدك بذلك .
_ ربما الآن .. لكن تلك الليلة ماثيو ليلة طلبت مني الزواج .. خرجت من غرفتي إليها .. لا تنكر .. لم أستطع تحمل هذا رأيتكما معاً عند باب غرفتك كانت تضع السوار الذي أهديته لها .. بعدها لم أستطع مواجهتك وكان علي الهرب .
ما هذا الهراء ؟ أي سوار ؟ أنا لم أهد ماريا أي سوار .
_ لكنها كانت تضعه تلك الليلة بل لم تكن تضع سواه تقريباً .
فرد برزانة : إنها تختار ملابس مثيرة أعلم ذلك لكنني واثق من أن هذا أمر معروف وأنت محقة بشأن السوار أذكره الآن لكني دهش لأنك خلتني أهديت امرأة حلية خالية من الذوق .
_ إذن من أهداها إياها ؟
فالتوت شفتيه : لم يكن من اللياقة أن أسألها .. لكنها لمحت إلي إلى أنها هدية من معجب جديد يرغب أكثر مني أن يعطيها الاهتمام الذي تظن أنها تستحقه .
_ لكن لماذا كانت في غرفتك ؟
_ سأجيب أنا عن سؤالك بسؤال آخر .. لماذا كانت على الجزيرة أساساً .ز فأنا بكل تأكيد لم أدعها .
نظرت إليه باستغراب فأطرق متجهماً :

أجل عزيزتي .. إنه ابن عمي الطائش .. قلت لك إنه يريدك لنفسه ألم أفعل ؟ ولقد أسديت له خدمة عندما سألته أن يكون مرافقك وعندما أصبحت حراً لأهتم بك حاول وضع العصا بدواليبي باتصاله بماريا في أثينا ودعوتها إلى القصر وما إن وصلت عجزت عن صدها .. ثم .. أردت أن أرى إن كنت ستغارين منها .
ابتسم لها بخفة : لكن الواقع كان مراً .. فأنا من وقع بحبك منذ أن شاهدتك وأنا من تملكتني الغيرة من بيدرو .
عادت الحرارة إلى خديها وهي تتذكر الظروف التي مرت بها فقالت متصلبة :
_ لا تذكرني بتلك الظروف .
فرفع حاجبيه ساخراً :
_ لا .. ؟ أتريدين أن أخبرك متى رأيتك للمرة الأولى ؟ يومها كنت جالسة على صخرة وحدك سعيدة تسرحين شعرك وكأنك حورية البحر .. يومذاك لم تكوني تلك الطائشة اللعوب التي توقعت أن أراها .
فصاحت |: لقد أحسست أن أحداً يراقبني يومها !
_ لكنني كنت واثقاً أنك لم تريني فيما بعد شاهدتك تسرحين شعرك ثانية قرب بركة السباحة ونظرت ‘إلي وقلبك في عينيك عندها أحسست أنك تحبينني .
فالتوى فمها قليلاً وقالت بهمس معترفة :
_ ظننت أني أعطيتك اكثر من سبب لتفهم هذا .
_ هل لأنك تجاوبت معي عندما كنت أعانقك ؟ كنت أعرف أني قادر على جعل المرأة تريدني .. لكنني لم أكن واثقاً من قدرتي على جعلك تحبينني .
جعلتها نظرته تحس بالخجل فأطرقت إلى الأرض .
لكنك لم تفسر لي بعد ماذا كانت تفعل ماريا في غرفتك ألم تدعها أنت ؟
_ ماريا لا تنتظر دعوة لقد جاءتني تلك الليلة تسعى فأوضحت لها أن كل شيء بيننا قد انتهى لم أذهب إلى غرفتها أو دعوتها إلى غرفتي بل جاءت إلي في غرفتي لتشير لي أنني سأفقدها إذا تجاهلتها أمام ذلك الرجل الآخر فأخبرتها أني طلبت منك الزواج وتمنينا لبعضنا السعادة وافترقنا .
وأصبح صوته أرق :
_ يومها قلت لك الحقيقة فلماذا جعلتنا نهدر كل هذا الوقت ؟كان كل ما عليك فعله هو أن تسأليني لأجيبك عما تريدين لكن عندما سافرت دون أن تودعيني بكلمة ظننتك قررت أن تنتقمي مني أخيراً .. لتجعلينني أعاني كما قلت مرة .. ألم نعان بما يكفي حبيبتي ؟
شرعت بالبكاء نادمة على غبائها وقلة ثقتها به لكن دموعها كانت تمتزج بشيء اسمه الراحة .. ولم يكن هناك مجال لإنكار الحنان في صوته :
_ أوه .. لا .. حبيبتي .. زمن الدموع ولى .. أسألك ثانية .. روندا أتصبحين زوجتي ؟
ردت بخجل وهو يمسح الدموع عن خديها بيده :
_ أتريدني حقاً ؟
ابتسم وللمرة الأولى جذبها بين ذراعيه يلصق جسدها الرقيق بجسده القوي ويتمتم في أذنها :
_ ألديك شك يا حبيبتي ؟ أنا على استعداد لأبرهن لك عن حبي فإن شئت الآن شرعت بذلك هذا إن استطعت إقناع السكرتيرة الطيبة بألا تقاطعنا .
فاحتجت بخجل :
_ ماثيو !
_ صدمتك يا حبيبتي ؟ لم تفسري إلى الآن سبب وجودك خارج غرفتي تلك الليلة ؟
فأطرقت برأسها :
_ أنا.. أنا .. جئت لأعطيك ردي .
_ كوني صادقة لا بالكلمات فقط ؟
_ لا .. لا ماثيو .. لا بالكلمات .
فهمس لها وهو يقبلها :
آه حبيبتي .. زوجتي !

انتهت الرواية واتمنى للجميع قرأه ممتعة....
الأمل الدائم
:mod195lr:

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 13-05-08, 05:01 PM   المشاركة رقم: 188
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

قربيا إن شاء الله سأقوم بإنزال رواية الشمس العمياء وهي من روايات احلام ...

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 14-05-08, 05:59 AM   المشاركة رقم: 189
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 54017
المشاركات: 15
الجنس أنثى
معدل التقييم: عطر الحب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عطر الحب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شكراااااا حياتي تسلمين الروايه روعه للاسف انا لخبطت با اسم الروايه خلطت بننها وبين روايه تناديه سيدي .... العذر والسموحه منك اختي الامل الدائم اتمنى ماتزعلين علينا .......... تحـــــــــياتي للجميع

 
 

 

عرض البوم صور عطر الحب  
قديم 14-05-08, 01:28 PM   المشاركة رقم: 190
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 48689
المشاركات: 102
الجنس أنثى
معدل التقييم: ملووكه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ملووكه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

مرحبااااااااااااا مليووووووووووووووون يمه وشكثر مشتاقه لكم ولروايات الروعه

للأسف ماقدرة اكمل متابعتي بحكم اني مأدخل ايام الأسبوع بس تسلموووون احس مفاااجأه الملخصات الجديده


يعطيكم ربي مليوووووووووووووون عافيه امممممممممم انشالله بقراءها كلها هاليومين


الناظر الأمل الدائم جيجي 22 كحيلة العين لكم مني بوسه والف تحيه


اتمنى لو نتزلون هروايات لان اخترب البرنامج الي معي يشغلها قبل اقراءها

اشواق مره.... هل تجرئين.... امراءه بلا وجه... بوابة الدموع

اختكم : ملووووووووووووووووووووووووكه

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة ملووكه ; 14-05-08 الساعة 02:22 PM
عرض البوم صور ملووكه  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:34 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية