لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-08, 09:00 AM   المشاركة رقم: 181
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 54017
المشاركات: 15
الجنس أنثى
معدل التقييم: عطر الحب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عطر الحب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شكراااا لكي حبيبتي كحيله على المجهود الرائع روايه سيدها انا قريتها قبل وهي موجوده با المنتدى وللاسف هي موقد الملخص لذلك اقترح لو تنزلين رؤايه الشمس العمياء يكون افضل وشكرااااا

 
 

 

عرض البوم صور عطر الحب  
قديم 13-05-08, 10:08 AM   المشاركة رقم: 182
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45499
المشاركات: 173
الجنس أنثى
معدل التقييم: ..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط..مــايــا.. عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 116

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
..مــايــا.. غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

مشكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورين
على جهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــودكـــــــــم

 
 

 

عرض البوم صور ..مــايــا..  
قديم 13-05-08, 04:42 PM   المشاركة رقم: 183
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

سيدها
عنيدة مستقلة حرة الإرادة هكذا كانت روندا رانسوم إلى أن أوقعها عنادها وفضولها القاتل بين يدي سجان متوحش في جزيرة هو سيدها والقانون فيها .
إنه الأمير المطلق وحش الجزيرة وكل ما حوله خاضع له .. فهل تخضع هي كذلك ؟






البداية
1_ الجزيرة المحرمة
ابتسمت روندا لنفسها وهي تفكر كم هو أمر عظيم أن تكون هنا بعيدة عن نظرة أبيها المتزمتة وعن احتجاج زوجة عمها التي قالت لها : ماذا سيقول الناس !
وما ستقول زوجة عمها لو استطاعت رؤيتها الآن ممددة بكل راحة على سطح المركب الشراعي الصغير سيغال تستحم تحت أشعة الشمس السمراء في مكان لا يحميها من عيون من يستخدم هذا المرفأ المتوسطي الصغير ماسيرنو سوى ساتر من القماش .
كانت سيغال قد رست في الأمسية السابقة لكن لم يكن لديها هي أو لدى ابنة عمها أموريل وابن عمها بيرس ستورم وخطيب أموريل تشايس الطاقة الكافية للنزول إلى الشاطئ . لكن الشابين عند الصباح قررا النزول لتزود بالمؤونة اللازمة وقد تطوعت أموريل فوراً وهي من تعيش على نفقة تشايس للنزول بينما رفضت روندا .
هذا ما أتاح لها لو كانت صادقة مع نفسها بعض الراحة من ثرثرة ابنة عمها الدائمة والتمتع ببضع ساعات من الهدوء التام والاسترخاء . لكن روندا عادت فندمت على تفكيرها هذا فلولا موافقة أموريل على المجيء لما سمح لها والدها بهذه الرحلة .
فمهما كان السيد تشارلز ستورم منفتح الأفكار وهو خلف مركز القيادة في سفينته الحربية أو خلف مكتبه حيث يسيطر الآن على عالمه الخاص إلا أنه كان رجعياً في نظرته لما تفعله الفتاة المحترمة ولما لا تفعله فقد كان يعتقد أن الفتاة المحترمة لا تقوم برحلة بحرية إلى المتوسط على متن مركب شراعي مع رجل وحيد حتى ولو كان ابن عمها والزوج المرتقب ربما وهكذا توجهت الدعوة لأموريل وخطيبها تشايس .
ومن المحتمل كذلك أن يكون بيرس الذي استدعي في آخر لحظة لمقابلة والدها قد تلقى تعليمات صارمة عن نوع التصرف الذي يتوقعه الأدميرال السير تشارلز ستورم ممن يرافق ابنته الوحيدة ولا بد أنه خرج من مكتبه أحمر الوجه منتفخ الأوداج .
أحياناً كانت روندا تتساءل عما إذا كان ابن عمها يخاف منها قليلاًَ لكنها كانت واثقة أن هذا ليس بالأمر السيء فلقد قررت منذ زمن بعيد أن حريتها واستقلاليتها أمران مهمان لها في أي زواج لذلك كانت واثقة كذلك من أن بيرس لن يحاول أبداً أن يملي عليها إرادته بأية طريقة وهذا من الأسباب التي تجذبها للزواج منه .
وقفت على قدميها .. نحيلة رشيقة ترتدي بكيني قصير تفكر في أن هذا النهار يبدوا أقل إشراقاً نظرت فيما حولها بعينين منتقدتين .. سيغال مركب رائع لشخصين لكنه مزدحم قطعاً لأربعة أشخاص وهي قد فكرت مراراً في أن تقنع والدها بشراء مركب لها كهدية زواج لتقضي شهر العسل مع بيرس على متنه لكنها كانت تعرف أنه لن يوافق على أن تتصرف كالهيبين على حد قوله .
بيرس يحب الإبحار لكن سيغال ليست له بل هي لشريك عمه والشريك هذا وزوجته يعشقان البحر والإبحار ويحتفظان بمركبيهما دائماً على شاطئ الريفييرا الفرنسية في مرفأ يدعى سان رافاييل وبما أنهما مسافران هذا الصيف إلى أميركا لزيارة ابنهما البكر المتزوجة هناك فقد وافقا على إعارة المركب لبيرس و تشايس .
كان والدها بشكل عام يبدوا مسروراً من فكرة زواجها من بيرس وكانت شكواه الوحيدة أن ابن أخيه درس الهندسة بدل الانضمام إلى البحرية كعمه لكنه في النهاية اعترف أن قرار بيرس هذا ما يظهر أن للولد شخصية مستقلة ولا بد أن بيرس قد ورث الكثير عن أبيه لأن أمه العمة افريل وشقيقته ابنة عمها أموريل كانتا دون شخصية تذكر ووالدها هو من أخذ العائلة كلها تحت جناحه بعد وفاة والد بيرس بنوبة قلبية منذ سنوات .. بين أموريل و روندا فارق العمر بينهما لا يتجاوز العدة أشهر ولذا أدخلهما السير تشارلز المدرسة نفسها معتقداً أيضاً أن زوجة أخيه ستعوض ابنته حب الأمومة التي فقدتها روندا في طفولتها .
لكن ما من شيء من هذا كله نجح فهي و أموريل لا يتشاركان في شيء إلا اسم العائلة فأموريل لا يتشاركان في شيء إلا اسم العائلة فأموريل أقصر منها ببضعة سنتيمترات وتميل إلى السمنة و أحياناً لا تتورع عن إظهار امتعاضها من هذا أمام ابنة عمها الجذابة في حين أن بيرس لم يكن يظهر أي امتعاض للفارق المالي بين نصفي العائلة إلا أن أموريل وأمها لم تكونا تخفيان تذمرهما من كونهما الأقرباء الفقراء في عائلة ستورم .
كانت روندا ممتنة لأن أموريل التقت بتشايس وأحبا بعضهما بعضاً كي تريح بالها بالنسبة لمستقبلها وتستقر راضية فلن تضطر بعد الآن إلى أن تدبر أمر تلقي أموريل الدعوة نفسها إلى الحفلات كما تتلقاها هي و الأنكى أن أموريل لم تكن قط ممتنة للجهد الذي تبذله روندا لها فأموريل دخلت كلية الفنون وأمضت فيها ردحاً من الزمن قبل أن تدرك أن مواهبها محدودة وفي هذه الأثناء تعرفت إلى دائرة معينة من الأصدقاء لم تكن توافق أموريل على عشرتهم فقد كانت تخشى دائماً أن يتحدثوا عنها وكان على روندا أخيراً أن تعترف أن بعضاً مهم كان عرضة للقيل و القال بينما نشرت الصحف بعضاً من فضائح بعضهم .
أضف إلى هذا أن روندا كانت تخوض معارك متكررة مع والدها الذي لطالما أدان أصدقائها المتسكعين ذو الشعور الطويلة كما كان يصفهم ومن دون شك أحس والدها بالارتياح لأنها اختارت شخصاً بحسب معاييره مناسباً و أهلاً لها .
نظرت من حيث هي على السطح إلى المقطورة الصغيرة تحت التي تعتبر الصالون فوجدتها عابقة بدخان غليون تشايس وضحكت عندما شاهدت الخرائط مفتوحة فوق الطاولة القابلة للطي وسألت ساخرة :
أين المحطة التالية أيتها الرحالة ؟
_ إلى مسينا كما أعتقد كي نقطع المضيق ونقف هنا .
وأشار بإصبعه إلى نقطة على الشاطئ اليوناني .
_ إنها جزيرة صغيرة تدعى كاستوريويس .. لكنها تبدوا لي مثيرة للاهتمام وهي لا تبعد أكثر من أربع ساعات عن مضيق مسينا صحيح أنها صخرية لكن فيها شواطئ رملية رائعة .
_ هذا ما نسعى إليه . لا نريد أماكن مكتظة .
وقف تشايس وتمطى ثم نفض غليونه في منفضة ثابتة كبيرة : سأصعد لأرى ماذا تفعل أموريل .
راقبه بيرس ضاحكاً وهو يصعد ثم التفت إلى روندا ومد ذراعيه ليجلسها على ركبتيه : هذا ما يقال له انسحاب تكتيكي لبق .
فغمغمت روندا : اللباقة ليست من الشيم التي قد أصفه بها .
_ ليتكما معجبان ببعضكما بعضاً عندما تتعرفين إليه جيداً ستجدينه شاباً رائعاً .. وسنكون كلنا أقرباء في القريب العاجل .
أمسكت خصلة من شعره الأشقر تلفها على إصبعها : عندما يتزوج من أموريل .
فجذبها إليه أكثر وضمها : لم أكن أفكر في هذا فقط .
بيرس شاب لطيف لكنها أدركت أنها ترخص له أكثر مما يجب من مداعبات تسمح بها عادة عندما أحست أنه سيتمادى جذبت نفسها منه فتأوه :
أوه رون … ما الخطب ؟
_ لا شيء … أنت تعرف القوانين .
_ حفظتها غيباً تماماً كما نصها على الأدميرال السير تشارلز ستورم .
_ وظننتك وافقت عليها …
_ بالطبع .. فأنا أوافق على أي شيء لأحصل عليك معي و أنت الآن معي ولا شيء يختلف .. أيصل نفوذ الوالد الكبير حتى هذه المسافة ؟
_ أنت لا تطاق !
وانسلت من ذراعيه واقفة فرد متعباً : أنا آسف .. لكنني ظننتنا عندما نبتعد عن نظره سنبتعد عن أفكاره كذلك
وضحك بمرارة : أنا أنوي أن أحافظ على الوعد الذي قطعته له لكن خطر على بالي أننا قد ننجرف في أوقات فننسى كل شيء إلا نفسينا لكنني أخذت أدرك أنني أفكر وحدي في هذا المسار .
فسألته غاضبة : أتقول أنني باردة ؟
_ لا .. بل أنت أبعد من هذا فهناك امرأة عاطفية تنتظر من يوقظها في نفسك يا رون لكنها لن تستيقظ وأنت خاضعة تحت سلطة والدك لقد فكرت دائماً أنك بحاجة إلى رجل يسيطر عليك كما يفعل هو شخص لن يجرؤ والدك على إصدار أوامره له .. شخص قادر على أن يطلب من العجوز أن يهتم بما يعينه .
فاغرورقت عيناها بالدموع : إذا كنت تظن أن والدي يتدخل كثيراً في حياتي فهذا لأنه يحبني وكنت أظنك تحبني يا بيرس .. ألا تريده أن يحميني أم كنت تريد أن أعرف الرجال و أنا في سن المراهقة ؟
_ بالطبع لا .. سأقطع لساني لو كدرك .. ربما والدك على حق فيما يفعله معي إذ يبدو أنه يعرف عن مشاعري أكثر مما أعرفه أنا .
فوقفت روندا ترفع نفسها على أطراف أصابع قدميها وتطبع قبلة صغيرة على خده .
_ أنت مخطىء يا بيرس فأنا لا أريد رجلاً مسيطراً آخر بل أريد زواج بالمشاركة فيه تامة .
_ آمل أن تستمري في إرادة هذا سأذهب لأرى ماذا يشرب الآخران .
بعد أن خرج نظفت منفضة السجائر ووضبت الخرائط وأخرجت بضع علب عصير مثلج من البراد الصغير .. أرادت لنفسها بضع دقائق لتهدأ عواطفها قبل أن تصعد إلى السطح . فقد فوجئت بما قاله بيرس فبعد علمها بعمق عواطفه نحوها قلقت مما قد يحدث في المستقبل من صدمات بينه وبين والدها .
بعد ساعات قليلة كانت مقتنعة أن لا داعي لتوترها كانت محاطة بجمع متدافع ضاحك يرقص لكل ضربة تصدر من الجوك بوكس في الملهى الوحيد على الشاطئ ..
كانت تعلم أنها محط أنظار كل رجل على الشاطئ وهذه المعرفة أسعدتها لكن ما سرها أكثر تصميم بيرس على الالتصاق بها ليتأكد من عدم حصول أحد على فرصة مضايقتها .. ووجدت نفسها تتساءل عن إمكانية رجوعهما معاً إلى المركب فترة قصيرة وكانت تعرف تماماً ما ينتظرها لو عادا وحدهما والفكرة جعلت نبضات قلبها تتسارع
أهذا ما تريده حقاً أم أنها تترك سحر ليل الصيف والموسيقى يلعبان برأسها ؟ فجأة لم تعد تعرف ماذا تريد وعندما امتدت ذراعاه لتحتويها بين دائرة الطاولات التي تشكل باحة الرقص ارتفعت يداها إليه تدفعه عنها قائلة :
_ حبيبي .. لا تكن سخيفاً .. هذا النوع من الموسيقى لا يناسب هذا النوع من الرقص .
فرد بصوت أجش : أوه .. رون .. أريدك .
_ ما نريده معاً هو بعض الراحة .. فأنا متعبة فلنعد إلى طاولتنا .
شقت طريقها إلى طاولتهما تضحك وترد على تحيات وإطراءات جمالها .. لحق بها بيرس متجهماً : لا أحب سماع مثل هذا الكلام .
_ مثل ماذا ؟ لا تقل إنك تفهم ما يقولنه ؟
_ لست مضطرة لمعرفة لغتهم لأفهم أفكارهم .
_ ما يقوله الناس أمر لا يهمني أبداً .
وانضما إلى أموريل و تشايس على طاولة مضاءة بالشموع في إحدى الزوايا حيث كانا يتحدثان بجهد إلى صيادين محليين وقفا وانحنيا بإعجاب لدى اقتراب روندا وجلوسها إلى كرسيها ثم عاد الحديث كما كان كم سيبقون في ماسيرنو ؟ حتى الغد فقط ؟ لكن الأمر مؤسف للتفكير في أن السنيوريتا لن ترقص في الملهى ثانية .. و إلى العزم بعدها ؟
قال تشايس : لقد قررنا أن نعبر مضيق مسينا ومنها إلى جزيرة صغيرة تدعى كاستاريوس حيث سنرسو هناك ليلة أو ليلتين ..
أطول الصيادين أمسك بذراع تشايس بقوة محذراً فسأله : ما الأمر ؟
فهز البحار رأسه ليؤكد على كلامه : لا .. ليس كاستاريوس .. لا كاستاريوس .. ليست جيدة .
_ وما خطب المكان ؟ بالتأكيد هي مسكونة .. الناس يسكنون هناك .
هز الرجلان رأسيهما ابتعدوا عنها .. ليست جيدة .. لا ترحب بالزوار .
وتكلمت روندا ببرود وحدة موجهة كلماتها إلى بيرس و تشايس اللذان كانا يتبادلا نظرات القلق : حسناً .. أظن أنهم سيجدون زواراً جدداً على أعتابهم فالأمر يبدوا محيراً ولا أحلم في أن أبتعد عن الجزيرة لأن أهلها يريدون البقاء في عزلة .
الصياد الأقصر قامة ذو الشارب صاح متأثراً : لقد ذهبنا إليها .. منذ يومين .. لنصيد السمك .. فأتانا رجال في مراكب مسلحة .. ابقوا هنا .. لا تذهبوا إلى كاستاريوس !
فغمم بيرس مذهولاً : مراكب مسلحة .. يا للجحيم ! ربما يجب أن نبتعد عن الجزيرة .
فارتجفت أموريل قائلة : أوه .. لا أريد الذهاب إلى مكان فيه سلاح .
صاحت روندا بصبر نافذ : لم أسمع بأسخف من هذا الكلام ربما كان الصيد ممنوعاً أو خاصاً ويريدون إبعاد المراكب الأخرى .. لكننا لن نصيد بل سنرسو هناك عند الخليج حيث نقضي الليل .. ولا ضرر من هذا .
فقال تشايس متجهماً : حسناً .. أظن أن علينا الابتعاد .
فتراجعت روندا غاضبة في كرسيها : أوه .. بالله عليكم ! لقد وضعنا خططنا .. فهل ستغيرونها بسبب هلوسة خوف من الصيادين ربما طوردوا بسبب تطفلهما على الصيد هناك فاختلقا هذه القصة لتغطية قصة هروبهما ليس هناك شيء خاص في الخرائط بشأن الجزيرة ولا مانع يمنع السفن من الوصول إليها لذا أنا مصرة على أن نذهب على الأقل لنلقي نظرة .
نظرت إلى بيرس فرأته يضعف لكن تشايس كان متعنتاً فقال : حسناً .. لقد جئت في هذه الرحلة لتمتع بأشعة الشمس والبحر ولأساعد بيرس في الإبحار ولقد أخذنا حظاً وافراً من الشمس والسباحة لكن التمتع والضحك أخذا يخفان أما الشيء الوحيد الذي لست مستعداً له هو أن آخذ خطيبتي إلى أي مكان خطر وهذا نهائي وإذا أصرت روندا فسنجد أنا و أموريل مركباً يوصلنا إلى أقرب ميناء للعودة إلى الوطن .
عضت روندا شفتها غيظاً وهي ترى أن بيرس و أموريل ينظران إلى تشايس بإعجاب ظاهر وجلس الصيادون بصمت فقد بدا ظاهراً لهما أ، هؤلاء الجماعة قد تخاصموا على ما قالاه .
فأجبرت نفسها على الابتسام : لا حاجة للمضي حتى هذا الحد إذا كنت تشعر بالانزعاج بشأن الأمر ..
فقاطعها تشايس بحدة : أنا فعلاً أشعر به .
فكررت ترفع صوتها قليلاً : إذا كان هذا شعورك فلماذا لا نمضي يوماً وليلة أخرى هنا ؟ فأنا واثقة أننا إذا قضينا وقتاً إضافياً في جوارهم وصرفنا المزيد من المال فسيوفر لنا السكان قصصاً خرافية أخرى لمنعنا من مغادرة المكان .
فتمتم بيرس بقلق : رون اخفضي صوتك حبيبتي فأنا متأكد أن بعضاً منهم يفهم ما تقولينه فلقد بدأ البعض ينظرون إلينا باستغراب .
وقف تشايس دافعاً كرسيه إلى الوراء وقال لأموريل : تعالي حبيبتي قبل أن أتفوه بأشياء ضد صاحبة الجلالة قد نندم عليها جميعاً كانت روندا قد أدركت أنها تمادت كثيراً وكانت مستعدة للاعتذار لكن كلمات تشايس أوقفت كلماتها عند شفتيها ففكرة قضاء يوم آخر في ماسيرنو تعاني من امتعاض تشايس و أموريل أفزعتها ومالت فعلاً إلى الذهاب إلى تلك الجزيرة على الرغم من كل ما قيل .
رفاقها إذن يريدون قضاء يوم آخر هنا .. حسناً فليفعلوا ! أما هي فستأخذ منشفتها وثوب سباحتها وتجد صياداً لديه زورق بخاري يوصلها لقاء ثمن . وعندها ستطلب منه تركها عدة ساعات حيث تمضي يوماً رائعاً من نعيم العزلة بينما يتجول الثلاثة الآخرون في الشوارع نفسها يتجنبون الحمير وقذارتها نفسها ويركبون العربات ذاتها ويستأهلون ما يلاقون نتيجة غبائهم .
عادت إلى حاضرها على جلبة ارتفعت حولها فوجدت أن الصيادين يغادران وهما يتحدثان بلغتهما .. فسألت :
ماذا يقولان ؟
فرد بيرس : لست أدري تشايس فلم أفهم إلا كلمة الوحش ولا بد أنهما يتكلمان عن الموضوع نفسه .
فابتسمت ساخرة : أولاً تحدثا عن أسلحة وهاهما يتحدثان عن حيوانات مفترسة نمر أو ما يشبه لا بد أن هناك سبباً رأساً إلى كريت وهي جزيرة رائعة لا تنسي هذا .
_ أوه .. لن أنسى .
قاطعهما شاب تحلى بالشجاعة الكافية ليطلبها لمراقصته وبالرغم من امتعاض بيرس وافقت روندا وبقيت تنتقل من طالب إلى آخر ما تبقى من السهرة إلى أن فقد بيرس القدرة على الاحتمال فشق طريقه نحوها قائلاً :
_ أظن الوقت أزف لنذهب رون .
فضحكت : أوه .. لماذا ؟
_ لأن الوقت تأخر .
_ لم يتأخر كثيراً .. اذهبوا أنتم الثلاثة وسأجد من يوصلني إلى المركب لاحقاً .
بدا الغضب على بيرس وقال متجهماً : ما من مجال لهذا سننتظر أن تقرري العودة .
راقبته وهو يرتد على عقبيه ثم تنهدت وهي تعرف أن عليها الذهاب فرغم ما قالته لا تريد إعطاء أموريل و تشايس عذراً جديداً للتذمر من تصرفاتها كما أنها تعبت فلحقت ببيرس واعتذرت بخبث لأنها جعلتهم ينتظرونها وهكذا عادوا إلى سيغال في الكابينة الغيرة الضيقة التي تتشاركان النوم فيها قالت أموريل لروندا :
_ اسمعي روندا .. صبر بيرس معك لن يدوم إلى الأبد .. فالعيش مع الناس يتطلب الأخذ والعطاء .
وردت روندا موافقة ثم صمتت تستمع إلى محاضرة ابنة عمها عن الحقوق و التضحيات تجاه من تحبه الفتاة .. لكن بعد أن صمت صوت أموريل بوقت طويل كانت ما تزال صاحية تفكر .. أموريل محقة في شيء واحد .. يجب أن يكون هناك عنصر الأخذ والعطاء في أي علاقة لكن المشكلة فيها وفي والدها أنهما ولدا ليأخذا .. بهذه الفكرة الشريرة أدارت اهتمامها إلى خطة الغد .
لاحظت في صالون المركب أن هناك بين الكتب دليلاً عن الجزر المتوسط جلبته معها ووضعته على الرف فوق البنك الخشبي المعلق الذي تنام عليه فمدت يدها إلى مصباحها اليدوي تلق نظرة إليه .
كان الكتاب يتحدث عن الجزر الرئيسة : صقلية كورسيكا كريت المورة الجزر اليونانية وكلها جزر معروفة
على الساحلين الإيطالي واليوناني أما جزيرة كاستاريوس التي تقع بين المورة والجزر الآيونية فلم تلحظ من الكتاب سوى بجملة واحدة لكن لا بد أن هذا عائد لحجمها الصغير .. فكيف لأحد أن يرغب في منع الزوار عن جزيرة بهذا الحجم ؟
لكن بعد أن تابعت قراءة الكتاب اكتشفت أن الناس منعوا عن تلك الجزيرة يوماً وبعنف فالجزيرة بمعظمها صخرية إلا ساحلاً مليئاً صغيراً يبدو أن فيه أطلال حصن قديم بناه أهل الجزيرة لإبعاد المجرمين عنهم من الغزاة والقراصنة الذين كانوا فيما مضى بلاء منطقة المتوسط .
مطت روندا شفتيها .. في الأحوال العادية كانت ستتمتع بزيارة بقايا ذلك الحصن فهي تحب التجول في الأماكن التاريخية تاركة لمخيلتها العنان لكنها هذه المرة أحست أن عليها الالتزام بخطتها الأساسية والبقاء على الشاطئ لن تضر أحداً ولو كان من السكان العدائيين الذي يحاول تقليد أسلافه بالدفاع عن حياض بلاده بالسلاح .
رمت الكتاب أطفأت المصباح اليدوي وراح فكرها يجول ويجول إلى أن أخمده النوم بعد الفكرة الأخيرة التي عنت لها : لن أكون أنانية بعد اليوم .. سأهب بيرس تفكيري كله .. وسأبذل جهدي للمصالحة مع تشايس ولن أتوقع من الجميع الاستسلام لإرادتي طوال الوقت .
لكن هذا الاستسلام يستحق مخاطرة أخيرة .. رحلة إلى كاستاريوس قبل أ، تستقر وتصبح شخصاً مرغوباً .
عندما استقرت الفكرة في رأسها كانت على وشك النوم فعادت إلى الجلوس فجأة تبحث عن كتاب دليل الجزر من جديد بعد بحثها الجيد في الكتاب كله لم تجد إشارة إلى وحش على تلك الجزيرة لا في الماضي ولا في الحاضر فارتاحت .. واستسلمت أخيراً للنوم .

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 13-05-08, 04:44 PM   المشاركة رقم: 184
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

2 _ هدية النمر
لن تنسى روندا نظراتها الأولى إلى جزيرة كاستاريوس فقد برزت من بين الضباب الخفيف الذي كان يخيم فوق البحر كشكل أسود خشن مقلم يرتفع إزاء السماء الزرقاء التي لا شائبة فيها وفوق البحر اللازوردي رغم مظهرها الكالح الوعر أحست بنبضات قلبها تتسارع وبإثارة غريبة خفيفة تتحرك في داخلها .
إذن ما تكبدته لتصل إلى هنا يجدر به العناء فالوصول إلى هذه الجزيرة لم يكن بالأمر اليسير فالقسم الأول من خطتها نجح كالسحر لكنها تألمت من خداعها بيرس .
بعد رحيل الثلاثة ارتدت ملابسها فوق البيكيني الأسود ووقفت على سطح المركب تحمل حقيبتها الصغيرة فأشارت إلى مركب بخاري وأقنعته بأن يوصلها إلى البر وهناك بدأت المصاعب .
إذ يبدو أن ما سمعته من الصيادين ليلة أمس لم يكن بعيداً عن الواقع فمحاولاتها الخبيثة لاستئجار مركب يوصلها إلى الجزيرة ليعود بها بعد بضع ساعات لاقت قلة اكتراث وأحياناً الرفض المطلق .
وانتشر الخير في الميناء بأن الآنسة الصغيرة تود الذهاب وحدها إلى كاستاريوس فتمنى الجميع أن يعود رفاقها في الوقت المناسب لمنعها كانت قد بدأت تشعر بالإحباط وتود العودة إلى سيغال لتمضية ما تبقى من اليوم عندما ذكر أحدهم اسم خوليو أمامها وعلى الفور لعلع الضحك بين المستعين فعلمت أن خوليو هو الرجل الوحيد الذي قد يخاطر ويصطحبها إلى هناك في مركبه السريع فهو المجنون الوحيد بينهم لكنها علمت أن جنون خوليو هو المجنون الوحيد بينهم لكنها علمت أن جنون خوليو هو في حماقته وتهوره لا في عقله .
بدا خوليو متأثراً .. فبذل جهده ليفهمها بوساطة الإيماءات وإدارة العينين أنه سيكون سعيداً جداً بمرافقة بيلا سنيوريتا أي الآنسة الجميلة إلى حيث تشاء مشيراً إلى أن المال لا يهمه .
لكنها أصرت فهي تريد أن تكون رحلتها على أساس عملية وعلمت من طريقة أخذه المال وتخبئته في جيب سترته أن له زوجة شريرة وعدة أولاد .
وقف العديد من الصيادين يراقبون رحيلها مع خوليو دون أن يودعوها ودون أن يلوحوا أو يرسلوا القبل على اليدين كعادتهم فقد كانت وجوه الرجال قاتمة غير مبتسمة بل إن بعضهم كان مقطباً عندها أدركت أنهم كانوا يعرفون أن خوليو مجنون فهم يعتبرونها امرأة حمقاء …
بينما كان الزورق يسير بهما فكرت في أنها أمضت معظم حياتها معتمدة على والدها تفكر على الدوام في ما يحب وفي ما يبغض كان دائماً يطالب أن يسير منزله كما تسير الساعة مع أنه كان يبتعد عن أي مشكلة تبرز وكانت تعلم منذ نعومة أظفارها أنه يتوقع منها هي أن تتولى حل مشاكل المنزل مع الخدم فتتخذ كل القرارات اليومية ولو كان زواجها من بيرس سيكون بمثابة استبدال وظيفة مدبرة المنزل بوظيفة مماثلة .. فما الفائدة ؟
لاحظت كيف ارتجفت عندما ذكرت في نفسها كلمة لو تزوجت وعلمت أن لا فائدة من التفكير في الخلاص من أفكارها وابتسمت بارتياح عندما أخذ خوليو يغني أغنية رومانسية إيطالية .
كان الوقت قد تجاوز الظهر عندما برزت الجزيرة أمام عينيها .. فراحت تراقبها بذهول بل إنها أمضت بضع دقائق قبل أن تلاحظ أن خوليو توقف عن الغناء .. فنظرت إليه فلاحظت أن أساريره تبدلت إلى عبوس طفيف وأنه بقي يراقب البعيد وكأنه يبحث عن شيء لا يرغب في أن يجده .. فأحست فجأة بجفاف شفتيها وبدا لها البحر حولهما فارغاً فلا دليل على الحياة على تلك الصخور المنفرة غير المرحبة التي أخذت تقترب تدريجياً .
لو حدث شيء .. ومن الأفضل أن لا تكون أفكارها محددة عن طبيعة ما يحدث .. فسيختفيان في المياه دون أثر لكن بيرس سيعرف فقد تركت له مذكرة في سيغال تشرح له الأمر وأملت أن يكون تشايس و أموريل قد قالا كل ما يريدان قوله قبل عودتها عن عنادها و أنانيتها و غبائها .
أحست إحساساً غريباً وهي تقف على رمال الخليج الصغير الفضية تراقب قارب خوليو يبتعد خلف الصخور المرتفعة .. ها هما قد وصلا .. هو ذهب وهي لم تر مسلحاً ولا ظهر أحد من أهل الجزيرة ها أمامها وقت حتى الساعة الخامسة ليعود خوليو ويحملها على قاربه .

دون تفكير … ودون وعي للوقت سبحت وطافت فوق المياه الدافئة ثم استراحت فوق الرمال تحس للمرة الأولى في حياتها بأنها جزء من مادة ومخلوق من هواء وماء وشمس .
غطست تحت المياه تغرز أصابعها في الرمال الصلبة في القعر بحثاً عن الأصداف .. ثم استلقت في المياه الضحلة تسمح للموج الخفيف أن يغسل جسدها .. لم تعرف من قبل مثل هذا السكون .. ما أسعدني وتساءلت بحزن لماذا هذا الإحساس بالسعادة ؟ ليأتي بعده إحساس جارف بالأسى ؟! من يدري ؟
دفعها الجوع أخيراً للخروج من الماء ففتحت منشفتها الملونة على صخرة صغيرة مسطحة قرب الماء وأخرجت من الحقيبة الغذاء الذي أحضرته معها ومعه علب من المرطبات باتت ساخنة الآن وما عليها إلا إيجاد بركة باردة تتركها فيها حتى تبرد قليلاً .
بينما كانت تجلس دون حراك فوق الصخرة أحست أنها تجلس عند طرف العالم تمطت بكسل تتمتع بأشعة الشمس وبالملح على بشرتها ثم مررت أصابعها في شعرها المبلل فمدت يدها إلى الحقيبة فأخرجت منها المشط وسرحته .. بدت الراحة غريبة هنا وهي تجلس على الصخرة تسرح شعرها .
نظرت إلى ساقيها تقيميها في سرها مع ما تبقى من مرتفعات و أشكال في جسدها .. لقد اقترح عليها عدة أشخاص في الماضي أن تكون نموذج تصوير أو عارضة أزياء لكنها لم تفكر في الأمر بجد فهذه مهنة تجعلها عرضة لفضول الناس وهي لا تحب الاختلاط كثيراً .
كان بيرس يشعر بالغيرة دائماً من آراء الآخرين بجمالها لكن ردة فعل أبيها على فكرة العارضة كانت قاطعة للغاية واعتقدت أن ذلك مرده اضطرارها إلى السفر والابتعاد عنه إلى عالم جديد قد لا يكون له فيه نفوذ .
خطر لها أنها في هذه المرة يجب أن تصر وأن تقنع والدها و بيرس بصواب رأيها وبوجوب أن تخط لنفسها نمطاً معيناً للحياة فلم لا تعمل عارضة ؟ ماذا في هذا العمل ؟ وفكرت سأستخدم اسماً مختلفاً .. فإذا نجحت أو فشلت فسيكون هذا لي أنا لا بسحر اسم ستورم .
أخذت قارورة الزيت من حقيبتها فدهنت جسدها كله دون تحفظ بعد أن اكتفت من نور الشمس نقلت منشفتها ووضعتها تحت صخرة بارزة ثم استلقت في ظلها على وجهها .. كان الهواء بارداً يتلاعب بحرارة بعض الظهر فأغمضت عيناها عما يحيط بها من صخور .. لكنها سمعت همس البحر من بعيد .. ودوى صوت رفيع خفيف لحشرة طائرة في أذنها .. سأنام بعد لحظة .. لكن لا يجب أن أنام .. لا يجب .. كانت تقول ذلك وهي تطير فوق غمامة بيضاء من اللاوعي اللذيذ .
لم تدر ما الذي أيقظها .. كل ما عرفته أنها عندما أدارت رأسها تركزت عيناها على حذاء لماع لا يبعد عنها إلا نصف متر وخلف الحذاء حذاء آخر وإلى اليسار آخر …
بقيت لحظات مسمرة في مكانها تحدق وهي لا تصدق ما ترى ثم التقطت بأصابع مرتعدة خرقاء من الحرج والخجل روبها ووضعته على صدرها قبل أن تجلس .
هذا أسوأ من أي كابوس أمامها ما لا يقل عن ستة رجال يرتدون جميعهم زياً رسمياً أخضر قاتماً وأحذية لماعه تصل إلى الركبة ولم يكن هناك أسلحة مصوبة إليها لكن كلاً منهم يحمل مسدساً على خصره عندئذ أحست بمعدتها تخور من الخوف .
أرادت أن تتكلم لكن الكلمات لم تخرج فقد جف حلقها وبدا الصمت يستمر ويستمر حتى الأبد كان الرجل الأقرب إليها صاحب السلطة كما يبدو فقد كان يعتمر قبعة عالية مدببة ويحمل عكازاً حينما خاطبها أخيراً استخدم إنكليزية صحيحة ثقيلة اللكنة :
_ كوني طيبة يا آنسة وارتدي ملابسك لترافقينا .
_ إلى أين ؟
_ هذا ما لم أقوله ولن تعرفيه فلدي أوامري وأرجو أن تسرعي فلن ننظر إليك .
أشار إلى الرجال فاستداروا بطريقة عسكرية مطيعة مع أن اثنين من الشبان منهم تبادلا نظرات الأسف والابتسام لفت الروب على جسدها وهي تشعر بالأسى لكنها على الأقل سترت جسدها فاستعادت بذلك كمية لا بأس بها من ثقتها بنفسها .
التقطت منشفتها ونفضتها من الرمل ثم أعادتها مطوية إلى حقيبة القش كان الرجل المسؤول يراقبها فتمنت ألا يلاحظ ارتجافها لكنها لم تكن تدري ما إذا كان الخوف هو الشعور الذي يعتمرها الآن .
وضع الرجل يده على ذراعها : تعالي يا آنسة !
فصاحت باحتجاج : لن تنجو بفعلتك هذه فالبحار الذي أقلني إلى هنا سيعود قريباً .. و …
واختفى صوتها بعد أن شاهدته يهز رأسه ببطء : من الغباء انتظاره آنسة .
_ لكنني أعطيته التعليمات .
فرد بهدوء : ونحن أيضاً أعطينا الأوامر للصديق الذي أوقفناه بعد أن أوصلك .
فصاحت : لم تقتلوه ؟
_ لا .. فنحن غير متوحشين .
_ إذن اتركوني وشأني .
وكرهت نفسها بسبب لهجة التوسل في صوتها لكنه رد بمنطق : لكن إلى أين ستذهبين .. آنسة ؟ ما من وسيلة لديك لمغادرة الجزيرة .
فجأة تحركت روندا وضربته بحقيبتها التي جعلته يترنح وذلك عندما وقعت الضربة على صدره ثم ركضت تتلوى بجنون متجنبة الأيدي الممدودة للإمساك بها واتجهت رأساً إلى البحر دون أن يكون عندها أي فكرة محددة عما ستفعل .. لكنها سباحة ماهرة لو استطاعت الوصول إلى تلك الصخور الناتئة في البحر .. فهناك أمل في أن يجيء بيرس على متن سيغال للبحث عنها فينقذها قبل أن يصل إليها متعقبيها .. فهي لم ترى أي أثر لقارب قريب ولا بد أنهم استخدموا طريق البر للوصول إلى هنا .
كانت المياه تغمرها حتى الوسط حين وصل إليها أول الرجال قاومته بشراسة تضربه بيديها وتخدشه بأظافرها لكنه أمسك بها جيداً قبل أن يصل آخر و آخر وحملوها وهي ترفس وتقاوم والماء يتقطر منها ثم رموها على الشاطئ حيث امسكوها بذراعيها وثبتوها إلى لرمال وهي خائرة القلب لأنها خسرت فرصتها الوحيدة السخيفة للهروب
أغمضت عيناها تبعد عنها تلك الوجوه السمراء المحدقة لكنهم أوقفوها جامدة في مكانها وبصمت سمعت أحدهم يتمتم بعبارة بلغة لم تفهمها قوبلت بالضحك مما جعلها تخاف أكثر فاستدارت إلى الرجل الذي يتكلم الإنكليزية
_ ماذا قال ؟
_ هدئي من روعك … آنسة .. لاشيء .
_لكنها لاحظت الابتسامة تتراقص على شفتيه وفي عمق عيناه السوداوان .
_لكني أصر على أن أعرف !
هذه المرة لم تكن الفتاة المرتعدة الخائفة من يتكلم .. بل ابنة السير تشارلز تدعمها سنوات من الخبرة الآمرة .
تردد الرجل لحظة قبل أن يهز كتفيه قائلاً :
ولماذا يجب أن تعرفي .. آنسة ؟ لقد كانت مزحة عابرة ليس إلا .
_ وهي تتعلق بي ؟
التوت شفتاه قليلاً : أجل كان يقول الحقيقة آنسة قال أن قطة متوحشة مثلك ستكون هدية رائعة للنمر .
أحست مرة أخرى بالرعدة فالأيدي الآسرة والرجال المتحلقون حولها أصبحوا فجأة تهديداً أكبر مما تطيق : ماذا يعنون _ هدية إلى النمر ؟ وهل يكون هو الوحش الذي سمعت عنه ؟
عاد تفكيرها بجنون إلى خرافات الطفولة التي نسيتها منذ زمن بعيد كما كانت تظن لكنها الآن عادت لتطفو الآن في ذاكرتها تعذبها قصص قرأتها عن ضحايا بشرية تقدم إلى حيوانات متوحشة في أماكن ليست بعيدة عن هذه المنطقة .. وعن بطل أثينا ثيوسوس الذي ينتظر في عتمة متاهات كريت وصول الرجل الثور مينوطور .
ارتعدت رغماً عنها .. فمهما كانت هذه الجزيرة تحوي من أسرار فهي لا تريد أن تكون جزءاً منها قد تحتمل أي شيء : غضب بيرس .. اتهامات تشايس و أموريل .. شرط أن تخرج سالمة من هذا الكابوس .. لكن الأمر سخيف .. إنها تترك لمخيلتها العنان .. و الأسخف من هذا هو الواقع الذي هي فيه .
_ تعالي … آنسة .
جرت دون لطف إلى الممر الصخري الصاعد نحو الجرف المرتفع وأخذت تتعثر في صندلها الفاخر الذي تحطم على خشونة الطريق .. ما هي المسافة التي يتوقعون منها أن تسيرها وهي على هذه الحالة ؟
عند قمة الجرف الصخري أجيبت عن سؤالها فقد كانت تقف بالانتظار سيارة لاند روفر وسائقها .
وضع القائد منشفتها على المقعد لتجلس عليها :اجلسي .. آنسة !
أطاعت روندا بصمت .. فلا خيار لديها وما جعلها تشعر بالسرور أن الرجال الذين جروها إلى الشاطئ إلى هنا تبللوا كما تبللت وبدوا غير مرتاحين وهم يرون بذلاتهم مبتلة بالماء كان اثنان منهم قد جلسا قربها كل من جهة ثم صعد القائد إلى المقعد الأمامي معطياً الأوامر لمن تبقى من الرجال بالعودة سيراً على الأقدام .
انطلقت السيارة بسرعة جعلتها تميل جانباً واستعادت توازنها قدر الإمكان فهي لا تعلم بعد أين سيأخذونها لكنها تكهنت أنهم متجهون إلى البلدة نفسها .
المناظر حولها اخشوشنت تدريجياً والتلال على جانبي الطريق انحدرت واتخذت طابع الفخامة والإجلال كانت إحدى هذه التلال متوارية في حمأة الحر أمامها مرتفعة حتى بدت جبلاً لكنها لم تشاهد كائناً بشرياً حولها ولا منازل بل ركام مهتز وحظائر خراف فارغة .
التفتت إلى أحد الرجلين قربها وقالت الكلمات الوحيدة التي تعرفها : أين الناس هنا ؟
فهز كتفيه وراح يتحدث بسرعة بلغته فلم تفهم ما قال سوى كلمة بالازو .. ألا يعني هذا القصر ؟ هل تحتوي جزيرة صغيرة [محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]ة كهذه مكاناً كهذا .. قصر ؟ أم أنها أساءت الفهم ؟ لكن قبل أن تمضي بسؤالها التفت إليه القائد غاضباً صائحاً : اصمت !
وصمت الرجل .. وبدا أن القائد بدأ يشعر بالحر فخلع سترته ورماها لأحد الرجلين في الخلف وكان لاندروفر يتسلق مرتفعاً عالياً الآن والجبل يلوح فوقهم فشاهدت روندا الزبد الأبيض لشلال مياه يهبط من فوق فرفعت رأسها لتمعن النظر إليه .. ربما عندما تصل إلى قمة المرتفع أمامهم ستعرف إن كان القصر موجوداً أم لا .
ووصل لاندروفر إلى القمة فمالت روندا إلى الأمام تنظر إلى ما حول السائق .. لكن قبل أن تتمكن من رؤية أكثر من بضعة سقوف قرميدية حمراء تحتها ومنظر البحر الأخضر وراء القرية رمي فوق رأسها شيء خشن أسود فصرخت بجنون تحاول تحرير نفسها من الغطاء الخانق .
ثم جاءها صوت القائد وكأنه من مكان بعيد :
أنا آسف يا آنسة لكن هذا ضروري فلا يجب أن تشاهدي شيئاً ولا أن يشاهدك أحد هذه هي الأوامر اعلمي أنك ستستريحين أكثر لو توقفت عن المقاومة .
فهدأت في مقعدها غاضبة فاقدة الحس لا تعي سوى محاولة التنفس عبر القماش السميك الذي كان لسترته وتمنت أن يتلفها له ماء البحر العالق فيها .
فقدت كل إحساس بالوقت أو المسافة أو الاتجاه كانت كل حفرة تقع فيها السيارة تبدوا أسوء من الأخرى فراحت تترنح ذات اليمين وذات الشمال عند كل منعطف ل تراه تتحضر سلفاً له .. وأحست أنها عاجزة تماماً كأي طفلة صغيرة .
ثم تغيرت الحركة وأصبح كل شيء أخشن من الأول هل هي طريق مرصوفة بالحجارة ؟ أخذت السيارة تترنح بحدة إلى اليمين ثم تسلقت من جديد وتوقفت فجأة فسمعت أصوات رجال يتكلمون لم يلبثوا أن غرقوا بالضحك .. عليها ؟ رغم حرارة السترة وخوفها أحست بالغضب .. كيف يجرؤ أحد على معاملتها بهذه الطريقة ؟ حين تكتشف من هو المسؤول عن كل هذا ستجعله يندم على يوم ولادته .. لكنها سمعت صوتاً داخلياً ساخراً : لربما جعلوك أنت تندمين على يوم ولادتك !
وهرب الغضب مختبئاً تاركاً المكان رحباً للخوف والارتجاف لم يمض وقت حتى سمعت صياح أحد تبعه تحرك السيارة إلى الأمام .. فكان المزيد من الحجارة وصوت غريب في مكان قريب .. ومياه تصطدم في تدفقها بالأرض .. أهو ينبوع .. أم نافورة ؟ وتوقفت السيارة .
ترجلي يا آنسة لو سمحت .
ما كان أشد شعورها بالراحة عندما وقفت على قدميها من جديد .
_ عليك تسلق الدرجات .. ميشا سيساعدك .
مدت يدها كالعمياء تتحسس درابزين حجرية عريضة ساخنة بفعل حرارة الشمس .. أمسكتها ورفعت قدمها تتحسس طرف السلم ثم بدأت تتسلق و ميشا يصدر أصواتاً مشجعة من ورائها وقال صوت القائد : واحدة بعد .. لقد وصلنا .. آنسة وسريعاً ما ترتاحين .
وضحك مردفاً : هناك لجنة استقبال لك .
ثم سمعت .. سمعت الصوت الذي جعل شعرها يقف وجسدها يقشعر فازدادت إحساساً بالعجز والعمى .. وإذا هناك زمجرة منخفضة طويلة لحيوان ضخم .
ملأ الصوت رأسها رعباً وضغط عليها ضغطاً شديداً فيما راحت العتمة تزداد ظلاماً وابتلاعاً .. وراحت تسمع نفسها تصرخ .
وللمرة الأولى في حياتها .. أغمي عليها .

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 13-05-08, 04:46 PM   المشاركة رقم: 185
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

3 _ وحش الجزيرة


إنها مستلقية على سرير خشبي ضيق في مكان مظلم صغير . كانت هذه أول فكرة مرعبة عنت لها وهي تعود إلى وعيها على مضض لكن عندما اعتادت عيناها على الضوء المنخفض أدركت أنها مستلقية على أريكة في معتزل صغير ذي قناطر محفور في جدار حجري سميك مخفي عن الغرفة وراءه بستارة سميكة مثبتة على خشب أسود .
جلست ببطء يدها إلى رأسها تحس بالدوران والغثيان وكادت تعيد رأسها إلى الوسادة تنتظر مرور الدوار حينما سمعت باب الغرفة ينفتح وكرسي يزاح من مكانه وأوراق تتحرك .
إنها ليست وحدها .. بينما كانت تحدد هذا أدركت أشياء أخرى أدركت أن الغطاء الثقيل الملقى فوقها مطرز تطريزاً يدوياً .. وأن الأريكة بالرغم من قساوتها قطعة أثرية نفيسة … وأنها _ وهذا ما شتت أفكارها _ لا ترتدي إلا روباً حريرياً أسود هو لرجل … ترددت للحظة تترك المجال للغضب الناري أن يخمد في جسدها ثم تحركت بخفة قدر استطاعتها تدفع عنها الغطاء قبل أن تهب واقفة .
كانت الأرض الموزاييك الأنيقة تحت قدميها شديدة البرودة فتحركت بخفة دون أن تحدث صوتاً إلى طرف الستارة ونظرت إلى الخارج حولها .
كانت قطعة الأثاث الأساسية في الغرفة عدا رفوف الكتب ذات الغلافات الجلدية الفاخرة طاولة ضخمة تقع تقبع وسط الغرفة التي وضع على نوافذها أغطية سميكة جعلتها لا تدرك الوقت وفي الغرفة أيضاً مصباح فوق الطاولة كان مصدر الإنارة الوحيدة فيها لكنه كان يكفي كما هو ظاهر الرجل الجالس خلف الطاولة الغارق في قراءة وثائق لها مصدر رسمي .
لم تستطع روندا إشاحة بصرها عن وجهه .. لم يكن وسيماً بشكل تقليدي بأنفه المقوس و انعطافة فمه الرقيق الشفتين .. ومع ذلك فهو آسر وفاتن نظرتها التقطت أيضاً شعره الكث الأسمر المتدلي حتى ياقة قميصه الحريري وأهدابه السميكة التي تغطي لون عينيه .
ذكرها بشخص ما حركت دماغها بحثاً عمن يكون إن له علاقة بصورة شاهدتها .. لكنها ليست صورة فوتوغرافية .. ما هي يا ترى ؟ … ثم تذكرت كانت صورة لوحة وضعت في كتاب فني اطلعت عليه مرة .. لوحة الأمير يعود إلى عصر النهضة في أوربا .. واللوحة تشبه هذا الرجل الجالس على بعد أمتار منها .
بينما كانت تقنع نفسها بسخف تفكيرها سمعته يتكلم بصوت منخفض رنان :
_ أنا لست فرجة لمسترقي النظر … آنستي !
سرعان ما لفت الروب حول جسدها و أعادت ربطه ثم رفعت رأسها بثقة كانت بعيدة عن الإحساس بها وتقدمت من خلف الستارة نحو الطاولة تسأله آمرة : من أنت ؟
_ أنا سيد الجزيرة .
خطفت عجرفة بيانه البسيط أنفاسها ثم تنبهت إلى أنها تحملق به مشدوهة فسيطرت على نفسها بقساوة قائلة :
أرى هذا بإمكانك إذاً تدبير أمر رحيلي لأعود إلى جزيرة ماسيرنو حيث أصدقائي .
_ بإمكاني هذا .
لكنه لم يرفع رأسه نحوها يل استمر يدرس الأوراق التي في يده فأجبرت نفسها على ضحكة خفيفة : تتحدث وكأن هناك بعض الشك .
_ لا شك على الإطلاق آنستي .. فأنا أستطيع ولكنني لن أفعل .
ورفع رأسه إليها فشهقت عندما التقت عيناه عينيها كانت عينين عسيليتين محاطتين بإطار ذهبي يزيد من حيويتهما ووحشيتهما .
_ أتلمح إلى أنني سجينة هنا ؟
_ إنه أكثر من تلميح آنستي إنها الحقيقة أنت سجينتي و ستبقين هنا إلى أن أقرر رحيلك .
مد يده إلى جرس فضي صغير و أكمل : سأجعل توماس يرشدك إلى غرفة أعددتها لك .
فقالت بحدة : انتظر .. هذا أمر سخيف .. أنت لا تعرف شيئاً عني بل أنت لا تعرف من أنا .. لذا لا يمكنك حجزي هنا رغم إرادتي .
فسألها بصوت ناعم : حتى لو جئت أنت إلى هنا رغم إرادتي ؟
_ إذا كان هكذا فأنا آسفة لم أكن أعرف أن هذه الجزيرة أملاك خاصة وأؤكد أنني لن أرتكب الغلطة مرة أخرى .
قال لها ببطء وهدوء :
لكنك سترتكبين أخطاء مختلفة خطيئة الكذب مثلاً .
_ لم أكذب .
_ لا ؟ .. إذن ألم تكوني أنت من رقص في ذلك الملهى في ماسيرنو ليلة أمس ؟ ألم تتشاجري مع أصدقائك بعد تلقيكم تحذيراً واضحاً بالابتعاد عن الجزيرة ؟ التحذير الذي بدا قاطعاً لأصدقائك أما أنت فتجاهلته كل التجاهل
وما يشغل بالي الآن لما فعلت ذلك ؟
صمتت روندا .. إنها تفضل الموت على أن تقول لهذا الشقي المتعجرف .. اليوناني أنها جاءت إلى الجزيرة بمحض إرادتها العنيدة لأنها ولأنها فقط تلقت تحذيراً بألا تفعل .
_ الأسباب شخصية لا تهم سواي نعم أنا تلقيت تحذيراً لأمتنع عن المجيء إلى هذا المكان وأنا آسفة لأنني وضعت قدمي في هذا المكان … فهل يكفيك هذا ؟
_ للأسف .. لا أنت أتيت وفي الوقت الحالي ستبقين .
_ حقاً ؟ قد تغير رأيك لو سمعت من أنا ! والدي رجل ذو نفوذ عندما يسمع بهذا … الاعتداء ..
_ أنت وحدك المعتدي لقد تسللت إلى ما لا حق لك بالتطفل عليه كما أن هويتك ليست لغزاً .. آنسة ستورم .
فتح درجاً في طاولته أخرج منه مغلفاً رماه لها أخذته فوجدت اسمها مطبوع عليه وفي داخله صورة لها مقتطعة من صحيفة إضافة إلى مقال صغير عنها فسألته ساخطة : من أين حصلت عليها ؟
رمت المغلف على الطاولة بخشونة حتى أن بعض ما يحتويه تبعثر فقال :
هذا ليس شأنك لكن ذلك سيجعلك تعرفين أني لا أعب بهويتك فأنت فتاة شهيرة .
_ ووالدي رجل شهير .. أتحتجزني لتطلب فدية .
_ لا .. يا آنستي لن أفعل هذا .. لكن لو فعلت فأي ثمن تضعينه فدية لك ؟ ربما ليس ثمناً مرتفعاً إذا كانت هذه المقالات صادقة .
أحست باحمرار وجهها : هل أنت واثق أن هذه المقالات تذكر الحقيقة عني ؟
لكنها تساءلت لما اندفعت بالدفاع عن نفسها أمام هذا الرجل .. وأغلق الملف وأعاده إلى المغلف .. ووضعه من جديد في درج الطاولة .
_ فتاة صغيرة أفسدها الدلال .. وهذا الطراز لا يثير كثيراً .
_ يبدو أنك تحملت عبئاً لا يستحق .
_ هذه طريقة للتعرف على ضيفة غير متوقعة .
قطب جبينه قليلاً وقد لاحظ ارتجاف ساقيها ثم أشار لها بالجلوس على مقعد جلدي مرتفع الظهر يماثل الذي يحتله .
_ اجلسي آنستي .. قبل أن تقعي فأرضي قاسية قد تؤذي ثانية هذه البشرة الناعمة .
جلست ببطء وجمود بعد أن استوعبت مضامين كلامه وسألت : روب من هذا ؟
فرد ساخراً : ليس لي وهو لا يليق بك آنستي لكن ما من امرأة تعيش في القصر والثياب الملائمة لك يصعب أن نجدها في أوقات طارئة .
_ طارئة ؟ هذا لم يكن .. لا يمكن أن يحدث ..
إنه كابوس .. يا رب .. اجعلها تفيق منه .
وتابع صوته : ثيابك كانت مبللة من جراء محاولتك السخيفة الهرب من رجالي ولأنها ترشح ماء فقد تسبب لك الأنفلونزا …
_ إذن .. أنت من ..
منعها إحساسها بالخزي والعار من إكمال كلماتها ملمس الحرير على بشرتها أصبح فجأة مؤلماً لأنها تصورت نفسها عارية عاجزة تحت نظرات هذا الرجل المخيف . قال بحدة :
لا تظهري هذه الصدمة آنستي فأنت لم تحرمي رجالي من نعمة النظر إلى جمال جسدك فهل أنا أقل إنسانية منهم ؟ أم أنك تفضلين اهتمامهم بك ؟
قالت بهدوء واستسلام : إذا كنت تقصد إذلالي فقد نجحت .. وكل ما أرجوه أن تكون قد اكتفيت الآن وأن أستطيع المغادرة دون تأخير .
_ وهل يجعلك الإذلال صماء كذلك آنستي ؟ أنت لن تغادري الجزيرة .
كافحت لتمنع انفجارها الغاضب القلق :
_أظنك مجنوناً لن تحتجزني .. أنت تفهم هذا مؤكداً ! أصدقائي يعرفون مكان وجودي وهم سيأتون بحثاً عني نعم أنت حجزتني لكنك لن تستطيع حجزهم .
_ لن أفعل هذا ولا أعتقد أنهم سيبحثون عنك .. فأصدقائك يعتقدونك ضيفة لدي بملء إرادتك .
_ ولماذا يعتقدون هذا ؟
_ لأنهم تلقوا رسالة منك أو بالأحرى تلقوا رسالة اعتقدوها منك تطلبين منهم فيها أن يرسلوا لك حقائبك إلى الجزيرة .
_ سيعرفون أن الخط ليس خطي فبيرس يعرفه .
_ عندها سيعرف توقيعك فتوقيعك مميز آنستي .
ورمى لها بطاقة اعتمادها المصرفية على الطاولة فصاحت به : إذن لقد زورت توقيعي إضافة إلى جريمة خطفي ؟ ما أكثر الشكاوى التي سأرفعها ضدك عندما أتحرر من هذا المكان ! إلا إذا أضفت جريمة قتل على جرائمك الأخرى .
عادت السخرية إلى صوته القاسي : كلمات قاسية لكني أعذرك فقد عانيت الكثير لتزوريني فهل ألام إذا عانيت لأحتفظ بك ؟
فجأة تدفقت الدموع من عينيها بصمت فدفنت وجهها بين يديها وتركتها تنهمر ثم سمعت صوت جرس يدق وكأنه آت من مكان سحيق لكنها لم تنتبه كثيراً له حتى بعدما ساعدتها ذراع لطيفة على الوقوف وراحت كلمات متشجعة تتمتم في أذنها بصوت عميق وأجش وهي تتحرك معمية النظر طائعة كالحالمة نحو الباب .
كانت غرفتها جميلة .. فرغم ذلها وغضبها قدرت على تقييمها .. ولم يمض إلا بعض الوقت حتى أقفل الباب عليها .. فلاحظت أن الأبواب الزجاجية المفتوحة التي تؤدي إلى الشرفة كانت مزودة بقضبان مربعة متصالبة تمنع هربها
لكنها سمحت لنسيم رقيق دافئ عابق بأريج الزهور أن يدخل الغرفة .
تمددت فوق السرير الضخم المزدوج على وجهها تسند ذقنها إلى يديها وتحاول التفكير بهدوء في ورطتها لقد توقفت عن البكاء وتذكرت كلمات كانت تقولها لها مربيتها عندما كانت طفلة : دموع الغضب سريعة الجفاف يا عزيزتي !
حسناً لقد جفت الآن لكن أكثر ما يضايقها الآن أنها لا تعرف سبب احتجازها .. هو بكل تأكيد لا يحتجزها للانتقام منها على اعتدائها على أملاكه ؟ فعلى الرغم من طريقة التي عاملها بها لا يبدو رحيماً وارتجفت حينما تذكرت نظراته الباردة القاسية وحينما تذكرت أنها ما تزال تجهل هويته .
أسندت ظهرها تحدق إلى الستائر الحريرية السوداء المتراجعة عند أطراف السرير كي يرخيها من ينام فيه قبل النوم جالت نظرتها ثانية إلى النوافذ المسدودة بقضبان الحديد ثم إلى الخزانة …وجلست في مكانها .. يتملكها قلق فجائي هذه غرفة امرأة ومع ذلك فما من امرأة تسكن هنا كما قال لها .
نهضت عن السرير فداست بساط مصنوعاً من جلد الماعز وتوجهت إلى طاولة الزينة حيث تناولت منها قارورة عطر هي إحدى قارورات عدة موجودة هناك .. هذه بكل تأكيد زجاجة غورلان المفضلة لديها أعادتها مكانها بسرعة وهي تحس بجفاف في فمها وأخذت تتحقق من باقي أدوات التجميل فإذا هي جميعها ذات ماركات شهيرة تستخدمها دائماً و أدركت بانفعال غاضب جديد أن كل تحرياته عنها كانت مكتملة وفكرت أن ترسل كل ما على الطاولة إلى الأرض بحركة واحدة من ذراعها .. لكن تعقلها تغلب فهي لا تشك أبداً في أنه سيتركها تنام في جو الغرفة الذي سيغمره العطر لو فعلت هذا .. وفكرت ثانية : حرير وعطور .. و أقفال الباب وقضبان متشابكة على النوافذ .. وكأنه جناح حريم .
ارتفعت يدها إلى عنقها وهي تفكر في أن هذا الكابوس حقيقي .. .. ألهذا هي هنا ؟ لقد قال لها إنه سيد المكان .. فهل يعني أنه سيدها كذلك ؟ أهذا هو عقابها على غزوها لخلوته ؟ وتماسكت بسرعة .. هذا هو القرن العشرين
ومهما كان هذا الرجل متعجرفاً فهو لن يكون بربرياً له لهذه الدرجة ثم أنها تعرف معنى الرغبة إذا شهدتها في عيني رجل وسمعتها في صوته وهو لم يظهر لها سوى الغضب البارد الممزوج بالاحتقار .
تأوهت قليلاً وهي تنظر إلى نفسها بالمرآة .. إنها بحاجة إلى حمام كي تغسل أثر الملح والعرق والغبار عن نفسها وشعرها يجب عليه أن تواجه سجانها في أحسن حالاتها .. لا عجب إذن أنه عاملها باحتقار وعجرفة لكنها ستجعله يرى أنها شخص يحسب حسابه .
_ آنستي ؟
عرفت الرجل القصير النحيل من خلال صوته فهو من رافقها إلى غرفتها .. وتذكرت لطفه وتعاطفه معها عندما ساعدها فابتسمت له :
_ أتريد الآنسة شيئاً ؟ أليست الغرفة مريحة
_ إنها رائعة .. ولكن ..
و أخفضت صوتها وكأنها تتآمر : بعد حمام ستكون أروع .
_ بكل تأكيد آنستي هل لك أن ترافقيني من هنا ..
رافقها إلى ممر رخامي حيث فتح باباً قبالة باب غرفتها وجدت روندا أمامها حماماً من الرخام الزهري اللون فيه زاوية للاستحمام ومغطس صغير ورفوف زجاجية تحمل زيوت الحمام والصابون و أدوات التجميل الأخرى ومشجب مناشف فضي يحمل مجموعة مختارة من المناشف السميكة الناعمة .
_ أهناك شيء آخر آنستي ؟
_ بعض الملابس فقط .
_ ستصل حقائبك قريباً .. حتى ذلك الوقت .. أنا آسف فكما ترين آنستي .. ليس هناك امرأة هنا .
_ هذا ما قيل لي .. لكني دهشة فسيدك كما بدا لي أعزب .
تغيرت أسارير وجهه إلى الرزانة التي يتحلى بها الخادم المدرب المخلص .. ما كان يجب أن تذكر السيد في كلامها معه وقال بأدب :
_ اقرعي الباب عندما تكونين جاهزة وسأرافقك إلى غرفتك جففت بها جسدها ثم التقطت الروب الحريري الأسود زهي تشعر بالقرف للاطرارها إلى ارتداء روب رجل .. ستطلب من الخادم أن يجلب لها البيكيني والروب الذي لا بد جف الآن وربطت الروب ونظرت إلى نفسها بانتقاد لكنها أحست بالانتعاش وبالقدرة على مواجهة ما ينتظرها فقرعت الباب .. وهي تعلم أن الخادم ينتظرها :
_ أتحب الآنسة أن ترتاح قبل العشاء ؟
فسألته وهو يقودها بلطف إلى سجنها الفضي : ألن تذكر لي اسمك ؟
_ أنا توماس آنستي .
_ أوه .. إذن أنت لست يونانياً كسيدك ؟
_ أنت على حق آنستي .. أنا لست يونانياً .. أرجو أن تتمتعي بالراحة .
لم تشعر قط أنها بحاجة إلى الراحة كما هي الآن فها هي العتمة بدأت تهبط والأنوار راحت تنطفئ لكنها لاحظت أن نوراً آخر بقي في الغرفة كان معلقاً فوق لوحة لم تلاحظها معلقة على الجدار قرب الباب قبالة سريرها تماماً .
تقدمت بدافع الفضول تنظر إلى الصورة فظنتها للوهلة الأولى صورة الرجل الذي قابلته في الطابق السفلي .. ثم أدركت أن الرجل في اللوحة يرتدي ملابس قرن بائد وأن قماش اللوحة نفسها من نوعية قديمة .
لكنه يبدو كسيد القصر تماماً شعره أسمر أحمر موضوع تحت قبعة تزينها الجواهر ويده ممدودة يستريح عليها هو أسير آخر في الظلام يا للسخرية !
كانت اللوحة بكل تأكيد أصلية مع أنها لم تميز التوقيع أو الكلمات الشاحبة المكتوبة عليها أيضاً .. لكنها عادت وتبينت أن الكلمات ربما اسم صاحب الصورة وهذا ما كان يتم فعله في لوحات القرن الرابع عشر لكن الثياب بدت لها تنتمي إلى حقبة أبعد من هذه الحقبة فجذبت كرسي طاولة الزينة ووقفت عليها تتحقق مما ترى لكن لسوء الحظ كانت الكلمات قديمة بحيث لم تعد مقروءة فنزلت وهي تحس بالإحباط .
لكن ثمة أسئلة كثيرة تريد عنها إجابات .. وأعادت التفكير بأحداث الساعات القليلة الماضية بذهول لقد أغرقت .. خطفت .. هددت وخوفت بل أرعبت .. الرعب هنا ارتجفت وقد تذكرت لحظة دخولها إلى القصر وزمجرة الحيوان المنخفضة الذي لم تستطع رؤيته .. ما هي تلك الجملة التي قرأتها مرة الرعب الذي يسير بالظلام وارتجفت عندما اكتشفت ما تعينه هذه الكلمات .
إذن يبدو أن النمر موجود فعلاً .. لكنه مروض بكل تأكيد .. ترى هل تروض الوحوش الضارية أبداً ؟
استدارت تنظر إلى اللوحة مجدداً .. يا لهذا الشبه الكبير ! إنه لا يصدق ! فلهما الجاذبية نفسها ترى هل كان هذا النبيل العتيق يدرك مدى جاذبيته كما هذا الرجل الموجود الآن في القصر ؟
كانت غارقة في أفكارها حنى أنها لم تسمع الضجيج المفاجئ .. وحينما سمعته لم تجد مكانه فوراً بل سارعت إلى النافذة ونظرت خارجاً ففوجئت مذهولة برؤية طائرة هيلكوبتر تهبط على سقف القصر .. فظنتها تقصد اليابسة .
هذا تطور جديد .. لاشك فيه فبينما يمنع الناس من المجيء عبر البحر ويعتقلون يسمح لآخرين بالدخول والخروج عبر السماء كما يريدون وهذا يعني كذلك أن هناك وسيلة أخرى غير البحر لمغادرة الجزيرة وضحكت فغلبها أولاً التفكير في كيفية خروجها من غرفتها وبعد ذلك .. وحده الله .. يعرف كيف هي لا تسمع صوت الطائرة وهذا بعني أنها إما حطت في القصر نفسه وإما رحلت .
التفتت عندما سمعت صوت المفتاح في الباب الذي أطل منه توماس يحمل صينية عليها إبريق شراب التوت وكوبين وأعلن وهو يضع الصينية على طاولة أثرية صغيرة :
_ طلب مني السيد أن أبلغك أن له الشرف في تشاركيه العشاء هذا المساء .. آنستي .
_ حسناً .. أعتقد أنني لست في موقف يسمح لي بالرفض .. لذا من الأفضل أن تقول له إنني سأتشرف بهذا ..هذا إذا وجد أنه قادر على ترك ضيوفه الآخرين .
_ ضيوف آخرون آنستي ؟
_ أجل .. الرجلان اللذان وصلا بالطائرة لتوهما أم إنهما أودعا السجن أيضاً ؟
فابتسمت له أحلى ابتسامته وقالت بخفة : كما تقول توماس .
ثمة ما يجري في هذه الجزيرة لا يريد سيدها العظيم أن يعرفه من في الخارج .. فماذا يا ترى يحاول هذا العظيم أن يخفي ؟
ما إن خرج توماس حتى سارعت إلى المرآة تنظر إلى نفسها بانتقاد ورقصت عيناها وهي تنظر إلى نفسها للحظة ثم تقدمت إلى الصينية وصبت لنفسها كوباً من العصير المثلج .
والتفتت إلى اللوحة المعلقة على الجدار ترفع الكوب بابتسامة تحية .. وهمست من بين أنفاسها
_ والآن سيدي النبيل … فلنر إذا كنت من البشر .
_ سعيد أنا لأن محنتك الأخيرة لم تهبط روحك المعنوية آنستي .
التفتت روندا ووجهها يشتعل ناراً وكأنما تكلمت بصوت مرتفع منذ متى يقف بالباب ؟ هذا الصوت البارد المتعجرف هو الإعلان الوحيد عن وجوده .
تقدم إلى الغرفة يتحرك دون صوت ولاحظ أنها تنظر إليه تقيم ما يرتديه من ثياب النوم فابتسم :
وجدت أنك قد تنزعجين لو ارتديت ملابس سهرة السهرة للعشاء .
تلمحيه الساخر جعلها تصر على أسنانها فمسألة صغيرة كالملابس هي نقطة نقاش بينهما ولقد سجل عليها نقطة ويعرف هذا جيداً فقالت لنفسها : أوه .. سأنتقم منه ولو لمرة واحدة !
تقدم إلى الطاولة التي تحوي الإبريق وصب لنفسه كوباً ثم قال :
لعل هذه الفترة القصيرة من الخلوة لم تفقدك القدرة على النطق لقد كان لديك أقوال كثيرة تقولينها عندما التقينا باكراً وكنت أتوقع أمسية مسلية .
هزت كتفيها بغير مبالاة : آسفة لأنك تجد صحبتي مملة لكنني لست معتادة على تسلية غريب في مكان حميم كهذا .
_ رد يثير الإعجاب ولكنه يناقض شخصيتك لماذا لا تطلبين خروجي إلى الجحيم إذا كان هذا ما ترغبين فيه ؟
_ وهل لهذا فرق ؟
_ جربي …
الأمر مغر بالفعل لكن لو خرج لن تستطيع إقناعه بإعطائها بعض الحرية ولن تقدر على معرفة ما يجري هنا مع أن الأمل بنيل أقل حرية أو أدنى معلومة ضئيل جداً إلا أنها لن تسمح لأدنى فرصة بالإفلات من يدها .
_ ولم أنت واثق من أنني أريد رحيلك ؟
_ لأنني خاطف وسالب ولست واثقاً مما إذا كنت سأقبل يدك بعد العشاء وانسحب .. لكن مع كل هذه التهم الموجهة ضدي لن تهمني تهمة الإغواء .. والغرفة كما تلاحظين مناسبة لهذا …
لعنت روندا الاحمرار الذي غزا وجهها وقالت : أنت مخطئ …
لكنه قاطعها : لا تكذبي علي يا جميلتي لقد قلت لك إن الكذب علي خطأ كان لديك عدة ساعات من العزلة تفكرين خلالها في عقلك الأنثوي ماذا أخطط لك .. أعتقد أنك وجدت الفراش واسعاً كفاية .
ضحك ساخراً لرؤية احمرارها يشتد .
_ أترين .. لا يمكنك خداعي يا عزيزتي حسناً .. لن أفسد شهيتك للعشاء أنت للعشاء أنت هنا آمنة ولا أنوي أبداً مخالفة قواعد الضيافة .
_ يسرني سماع قولك هذا .
أوه .. إنه لا يطاق واثق من نفسه مقتنع بأنه يسيطر على الوضع ! لكنها أخيراً ستجعله تحت رحمتها وعندها سترى سيطرته هذه تتلاشى عند قدميها .
أنهت شرابها وقلبها يخفق باضطراب وقالت : إذا كنا سنتصرف حسب قواعد الضيافة فعلى الأقل اذكر اسمك فليس من العدل أن تعرف أشياء كثيرة عني في حين أنك لا تقدم لي شيئاً في المقابل .
ومدت له الكوب ليملأه من جديد ففعل وهو يقول : يشبع غروري اهتمامك آنستي .. اسمي ماتيوس سيبراتوس إنك دون شك سمعت اسمي سابقاً .
طبعاً سمعته فبعد لقائها رجال الأعمال والدبلوماسيين الذين يزورن منزل والدها لا يمكنها نسيان اسم صاحب شركة القرن العشرين المتطورة لدار مصرفية قديمة قد تكون جذورها ممتدة منذ القرن الرابع عشر في اليونان .
_ إذن أنت فعلاً الأمير سبيراس ….
فقاطعها : ما عدت أستخدم هذا الاسم .. ولا اللقب آنستي وجدت اليوم أنه بلا قيمة .
_ لكنك تعيش هنا كالأمير الحاكم .
_ ربما نحن فقراء زراعياً والصيد لا يسد حاجاتنا لذا حاولت أن أطور الأشياء لشعبي بإقامة صناعات صغيرة لهم ستخفف من اعتمادها على أشياء غير ثابتة في حياتهم التقليدية فهل أنا مخطئ في هذا ؟ وإذا طلبت منهم في المقابل الولاء والطاعة .. فهل أطلب الكثير ؟
_ لكنك تطلب أكثر من الكثير منهم في إجبارهم على العيش هنا دون نساء .
لاحظت نظرة الانتصار التي بدت على وجهه وقال :
_ العديد من النساء المحليات يتمتعن الآن بعطلة مكتسبة على الأرض الأم على حسابي وغيابهن الآن أمر مؤقت أؤكد لك و إلا ستواجهين ثورة .
_ والأميرة سبيراس ؟ هل تمتع هي الأخرى بإجازة في مكان ما ؟
_ أمي تعيش في فيلا خاصة بها في إسبارطة على شبه جزيرة البيلونيز لماذا لا تسأليني ما إذا كنت متزوجاً كما سألتني عن اسمي ؟ فهذه المراوغة غير الضرورية مملة .
كم رغبت في أن تركله لكنها سألته محافظة على رزانتها .
_ حسناً .. هل أنت متزوج ؟
_ لا .. يا جميلتي لكنني أنصحك أن لا تعقدي الآمال على أوهام فلن أتزوج في الوقت الحاضر .
فنظرت إليه نظرة كالعسل :
_ كنت فضولية فقط سيد سيبراتوس بما أنك تعرف الكثير عني فهذا يعني أنك تعرف أني مخطوبة .
_ آه .. أجل إلى ذلك الشاب الأشقر الذي كنت تحبطين رغباته كلها في الملهى ليلة الأمس .. إنكما خطيبان مثاليان ومع ذلك لا ترتدين خاتم الخطوبة .
_ سيقيم والدي حفلة لنا خلال هذه السنة ليعلن الخطوبة .
_ يا لهؤلاء الإنكليز التقليدين الباردين ..ألا يفكرون في نوع من العلاقة أولاً ؟
_ لا يحق لك أن تقول هذا فأنا و بيرس مغرمان ببعضنا بعضاً .
مغرمان إلى حد أنك تتجاهلين رغباته بقضاء يوم وحدك على الشاطئ لا تحملقي بي هكذا عزيزتي .. كم من مرة فكرت بخطيبك منذ وصلت إلى هنا ؟ عندما بكيت في وقت سابق بكيت لنفسك لا لافتراقك عنه كما قد أرغب أن تفعل أية امرأة لي .
فقالت بحنق : لا أتصور أن هناك امرأة غيبة إلى حد أن تبكي من أجلك .
فضحك بنعومة : لا .. ؟ حسناً .. والآن خبئي مخالبك لئلا تصيبي المسكين توماس بصدمة فهو سيحضر لنا العشاء .
كان من الأشرف لها أن ترفض تناول الطعام معه لكن منظر الطعام الذي كان يدفعه توماس أمامه على عربة كبيرة جعلها تذعن .
وما إن انتهيا وأخذت تحتسي قهوتها حنى تراجعت في كرسيها متنهدة من التخمة .
_ لديك طباخ ممتاز .
_ والخدمة لدي ممتازة عادة فشعبي لا يعتبرني الغول الذي تظنينه مع أن وضعك الحالي أفضل مما لو كنت بين يدي أحد أسلافي .
فاتجهت عيناها طوعاً إلى اللوحة فهز رأسه :
_ أنت محقة آنستي .. في عصر العنف والقسوة ماثيو سبيراس الأول صنع من اسمه مثالاً كانت كاستاريوس جزءاً من إرث ورثه فتاة سيئة الطالع تزوجها وبنى أول قصر هنا .
_ إذا كان سيئ السمعة هكذا فالعجب أنه انتقى مكاناً هادئاً كهذا بعيداً عن الأرض الرئيسية .
فالتوت شفتاه : الخيار لم يكن له وحده آنستي فلقد أساء إلى أحد كرادلة روما المعتمدين في إسبارطة بانتزاع عواطف إحدى عشيقاته وأجبره الكاردينال على مغادرة البلاد .. فهرب إلى هذه الجزيرة التي أصبحت معقلاً له ودافع عنها ضد كل الوافدين بمن فيهم القراصنة والأتراك والغزاة لذا كان للناس عذرهم في محبته والامتنان له .
_ هل كان حقاً رجلاً رهيباً ؟
سألت هذا وهي تتأمل اللوحة ضائعة في تعابير الأمير الميت الغريبة فأجابها بصوت منخفض :
_ أظنه كان كما تقولين يقال إنه من الخير للمرء أن يموت دون أن يكون له عدو أو يكون عنده سجين كان ماثيو سبيراس الأول معتاداً على إطلاق صقره الخاص الذي ترينه في الصورة على عيون سجنائه .
فارتعدت روندا : ال ...
_ لقد كان اسمه وحش كاستاريوس .
وضعت روندا فنجان القهوة من يدها بقوة حتى انسكبت منه قطرات على القماش الأبيض الدمشقي وسألت بذهول : ماذا قتل ؟
_ قلت أنه كان يسمى .. !
وصمت ينظر إليها متسلياً ثم تابع باسترخاء :
هذا اللقب توارثه ذكور العائلة معظم أبناء عائلة سبيراس سمر الوجوه لكن كان يولد للعائلة بين زمان وزمان ابن له مواصفات اللون والبشرة نفسها ولون العيون العسلية والذهبية ذاتها .
_ أهذا ما يسمونك به الآن ؟
_ ليس في وجهي .
_ لكنني ظننت … ما كان ؟
_ عم تتكلمين ؟
_ عندما وصلت إلى الصقر وسترة سفاحك على رأسي سمعت حيواناً يزمجر خفت منه خوفاً شديداً وكانوا ليلة الأمس قد ذكروا أمامي في ماسيرنو لفظة نمر ثم كرروا اللفظ على الشاطئ هنا .. فظننت أنه نمر حقيقي يقال له وحش الجزيرة .
ارتد رأسه إلى الوراء ضاحكاً : لا تنظري إلي هكذا يا جميلتي .. سأريك النمر .
هب عن كرسيه متجهاً نحو النافذة حيث راح ينفذ بصره من خلاله ثم أطلق صفيراً منخفضاً طويلاً وانتظرت روندا متوترة الأعصاب لا تدري ماذا تتوقع ثم فجأة دوى نباح مسعور .
_ أوه .. كلب هل أستطيع رؤيته ؟ هل هو شرس ؟
_ أجل .. ولا يحترم النساء الجميلات إنه حيوان أليف لكنني لا أنصحك بالعبث معه أو مع أي من رفاقه .
_ وما فائدته ؟
_ إنه كلب حراسة .. يجول الأراضي حول القصر ليلاً لكنني أقول لك ثانية عزيزتي الخير ألا تسعي إلى صحبته فلا أريد أن يغمى عليك مرة أخرى .
فقالت ببرود : لا أظن هذا محتملاً .. لقد فوجئت بما أجهله عندما أغمي علي سابقاً .. لكنني معتادة على الكلاب ولا ألومه لقيامه بواجبه .
أسند ظهره إلى كرسيه متمدداً يعبث بفنجان قهوته : أتسامحين بهذه السهولة دائماً ؟
_ هذا يتوقف على نوع الإساءة .
وساد الصمت بينهما طويلاً .. ثم سألته : متى ستطلق سراحي ؟
_ لديكم قول مأثور : هذه السنة أو السنة القادمة أو في وقت ما .. أو أبداً .
حاولت أن تبقي صوتها متعقلاً : لكن ألا ترى .. كلما أبقيتني مدة أطول كلما ساء أمرك قد تكون رجلاً مهماً في عالمك لكنني مواطنة إنكليزية لها حقوق والخطف جريمة خطيرة خاصة في اليونان .
_ لكننا لسنا في اليونان نحن في كاستاريوس التي أملكها وأضع قوانينها وأنت تسللت إلى أملاكي وتتلقين الآن العقاب فهذا هو قانوني الخاص .
_ أظنك مجنوناً !
_ أحياناً احسبني كما تقولين .
وهب واقفاً فبد بحركته الرشيقة والسريعة كالحيوان الذي يسمى باسمه ووقفت روندا بدورها وقالت :
_ طلبت مني ألا أكذب .. لكنني أعتقد أنك من يكذب علي تتحدث عن العقاب ولا أظن أن للعقاب صلة بما تفعل بل أعتقد أن هناك شيئاً يحدث هنا في الجزيرة لا تريد العالم الخارجي أن يعرف به ولهذا لديك حراسك المسلحون ومراكبك المعدة وما الحراسة لهدف خاص بل لكتم سر ما و لا أرى أن هذا الشيء إلا أمر مخز لأنه يتطلب هذا كله .
فوقف عند الباب ويداه على خصره ثم قال بصوت متوتر علمت منه أنها أصابت هدفاً : هيا… تابعي .
_ احتفظ بسرك ما تشاء .. لكنني يوماً ما سأغادر هذا المكان فوالدي دون شك سيفتش عني .. عندها سأقول كل ما أعرف وعندها ستصبح في مكان ما تحكمه سلطة وسيعرفون كيف يتعاملون معك .
_ هل لديك شيء آخر تقولينه قبل أن أتمنى لك ليلة سعيدة ؟
أخيراً ارتجف صوتها :
_ أجل .. لقد سألتني منذ قليل إذا كنت أسامح بسهولة … وسأقول لك يا وحش الجزيرة أو يا ماتيوس سبيراتوس أو يا أمير سبيراس أو كائناً من تكون أو تختار أن تسمي نفسك لن أسامحك أبداً بسبب ما أعانيه على جزيرتك .. ولو اقتضى مني الأمر حياتي كلها لسعيت لأجعلك تندم واعلم أن كل يوم تحتجزني فيه سيكون دافعاً آخر ليزداد كرهي لك .
فضحك بسخرية خافتة .. جعلت فرائصها ترتعد ثم ابتعد عن الباب فإذا هو يلمح البصر إلى جانبها .
_ اكرهيني إذن يا عزيزتي .. لكن لسبب معقول لا لأنني جرحت كبريائك قليلاً .
أرادت أن تتراجع لكن الكرسي ورائها منعها فوقعت بين ذراعيه اللتين عقدهما على جسدها وشدها نحوه فتعلقت يداها بكتفيه غريزياً لتحافظ على توازنها .
كانت عيناه ذهبيتين لامعتين ببريق غضب داخلي أشبه بغضب نمر خطير شرس .. إنه ملك في غابته الخاصة ما إن احتواها تماماً حتى توقف عقلها عن التفكير لتحل مكانه الإثارة الفجة الصافية .
تبخر أي تفكير بالمقاومة وهو يحتجزها بين يديه بتسلط وتحكم لم تحلم بوجودهما من قبل .. كانت عاجزة أمام قوته عاجزة عن منع الاستجابة الحلوة لعناقه المتدفق .
رفع رأسه فإذا أنفاسه مضطربة وإذا عيناه تحدقان في عينيها الواسعتين النجلاوين ثم خرج منه صوت يجمع بين التنهد و التأوه قبل أن يعود إلى ضمها ثم افترقا ثم تعانقا وذابا كان وكأن لمساته تشعل ناراً حول ما تلمس وسمعت نفسها تتنهد تتوق إليه كما تلتفت الزهور نحو نور الشمس .
أتاهما من زاوية الممر صوت خفيف فرفع ماثيو سبيراس رأسه يصغي حدقت روندا به تشعر بالحرمان لكنها سمعت الصوت كذلك يرافقه وقع أقدام خافتة على الممر .
لا بد أن توماس قد جاء ينظف الطاولة وهذا يعني أنه كان يمكنه ضبطهما وهما على ذلك النحو فجرت نفسها إلى الخلف تلف أطراف الثوب الحريري حول جسدها المتجمد خجلاً بيدين مرتجفتين فبدت الدهشة على ماثيو :
_ عزيزتي .. توماس خادم مخلص لن يتطفل دعيني أبعده .
لكنها صفعته بما أوتيت من قوة .. وانتظرت لحظات خائفة من أن يرد الصفعة فقد رأت وجهه يشحب كما رأت العلامة الغاضبة التي تركته أصابعها تبرز حمراء على خده .. لكنها فجأة تحررت تقف وحدها على ساقين تهددان بخذلانها .. ونظر إليها من علو وقال ببرود : أنت تكرهيني جيداً عزيزتي .
واختفى كان الوقت يقارب الفجر حين تمكنت من النوم بقلق .. استلقت ساعات دون نوم .. مرهقة جسدياً و نفسياً أكثر مما يمكن أن تتحمل الحلول التي وصلت إليها كانت تتدرج من عدم الرضى إلى لا مقبول نهائياً .
لم يكن هناك مجال لتنسى أنها سمحت لعدو يبقيها سجينة في بيته لمآرب مريبة أن يغازلها ويعانقها في الواقع .. لم تسمح له فقط بل أنها تجاوبت بكل ذرة من كيانها معه ولولا اقتراب توماس الذي أعادها إلى رشدها لكان لذلك
المشهد نهاية وحيدة وارتجفت .. تضغط وجهها المحترق على برودة الأغطية على قماش الوسادة القطنية .
لقد أظهر لها وحش الجزيرة رغم إظهار الكره له والرغبة بالانتقام كم هي امرأة ضعيفة معرضة للمهالك وهذا بحد ذاته يشكل صفحة أخرى يضمها ملفه عنها وتطايرت روحها الثائرة من هذه الفكرة .
قالت لتوماس بعد خروج سيد القصر دون أن تلتفت نحوه : توماس هل يجب أن تبقى هذه الصورة معاقة في الغرفة أثناء وجودي فيها ؟
قال بدهشة واضحة : لكنها كانت دائماً معلقة هنا آنستي ! ألا تهمك ؟ أنت مختلفة عن بقية النساء اللواتي احتللن هذه الغرفة .. واللواتي كن يعتقدن أن الأمير الوحش جميل جداً .
_ لا .. لست كالأخريات .. وهل كن محتجزات أيضاً ؟
ساد صمت قصير تعس .. ثم قال بصعوبة : لو أن الآنسة تفهم .. لو أن الشرح ممكن ..
فضحكت بجنون : أنت متورط في هذا كله إذن .. ماذا فعل سيدك توماس ؟ ماذا فعل بملايين مصارفه ؟ أهذا هو سبب وجود الحراس … ؟ أيتوقع هبوطاً مسلحاً ضده لاسترجاع المال ؟
وسمعت صوت تحطم فالتفتت لترى توماس منحنياً يلملم بقايا فنجان القهوة الذي كان على الطاولة .. فجف فمها .. إنه خادم مدرب ضليع في عمله ولن يكسر شيء بشكل أخرق دون سبب محدد .. فهل أصابت الهدف بكلامها هذا ؟ أيكون ماثيوس سبيراتوس البارد الأرستقراطي ذو العواطف الملتهبة … لصاً ؟
قد يكون هذا تفسيراً لمغازلتها .. أحسبها لن تبلغ عنه فيما لو أصبحت عشيقته أم أنه اعتقد أن خبرته في فن الإغواء قد تنسيها كل شيء ؟
وقالت : أرجوك توماس أخرج هذه اللوحة من هنا إن أمكن إني لا أطيق وجودها في الغرفة معي !
_ سأخبر السيد بالأمر آنستي لكنني لا أعدك بشيء .
وخرج توماس ثم أقفل الباب وراءه بالمفتاح .
دعاؤها الذي راقها في فترة النوم القصيرة بألا تضعف أمامه ثانية لم يستجب . فعندما فتحت عيناها على مضض أمام نور شمس الصباح المندفعة عبر الشباك الحديدي المثبت على النوافذ أحست أنها ما تزال ما تزال في كابوس حيث تلاحقها كل أنواع القطط المتوحشة تحت أنظار رجل شعره أسمر أحمر يقف على ذراعه صقر .
جلست في سريرها متنهدة تشعر بصداع أليم في رأسها ثم شاهدت شيئاً عند أسفل السرير أيقظها بحدة .. فقد وجدت أمامها ثلاث حقائب من الجلد الفاخر عليها حرف اسمها المذهب هذا انتصار آخر للعدو لكن ربما يكون هذا آخر انتصار له وعليها أن تعترف أن من المستحسن أن تحس من جديد بملمس ثيابها على جسدها دون أن تضطر لقضاء ساعات في روب حريري أسود فتحت أولى الحقائب فوجدت ملابس نومها وثيابها الداخلية ورسالة مكتوبة بخط يد أموريل التي قالت فيها :
عزيزتي روندا : لم تذكري كم ستبقين في كاستاريوس لذا أرسلت لك ملابسك كلها لا أظن أننا سنطيل البقاء هنا فبيرس مستاء جداً من جراء تصرفك وهو الآن لا يريد متابعة الرحلة البحرية إلى كريت وأنا لا ألومه سنعود رأساً إلى مسينا دون أن نقطع المضيق .. وسنراك في لندن بعد أن تتمكني من نزع نفسك من أصدقائك اليونانيين كان بإمكانك القول أن الأمير سبيراس صديق قديم لوالدك بدلاً من التسلل إليه هكذا … أموريل .
صديق قديم لوالدها إذن ! أوه .. يا لمكر هذا الرجل اللعين ! أيستخدم لقبه المهمل لزيادة اللمسة الأخيرة على سمعته المحترمة !
أخرجت من الحقيبة ثوبها المطرز الفرنسي الطراز وارتدته مكان الروب الرجالي الأسود في اللحظة التي قرع الباب فيها بنعومة فنادت ادخل .. فظهر توماس : أتود الآنسة استخدام الحمام قبل تناول الفطور ؟
_ بكل تأكيد !
أخرجت روندا حفنة من الثياب الداخلية وفتحت الحقيبة الثانية تخرج منها فستاناً قطنياً أزرق اللون ذا إطار أبيض و تنوره طويلة .
بعد أن استحمت وارتدت الفستان أحست بأن معنوياتها ترتفع فعادت إلى غرفتها فإذا بها ترى توماس قد أعد لها طاولة قرب النافذة وضع عليها إبريقاً طويلاً من عصير الفاكهة وإبريق قهوة فضياً على سخانة كهربائية صغيرة .
عندما عاد توماس يرفع الأطباق عن الطاولة قال لها :
_ لقد أخبرت السيد بشأن نزع لوحة سلفه من الغرفة .. فقال أننا لو ألقينا إصبعاً عليها فستعود روح وحش كاستاريوس لتطاردك لكنني أظنه كان يمزح فما من أحد يعرف أن شبحاً يعيش في القصر .
يمزح ! وغرزت أظافرها في راحة يدها لكنها أجبرت نفسها على الابتسام : قل لسيدك إن الأمر لم يعد يهم .. وقل له كذلك إنني لم أعد تلك الغبية التي كنتها ليلة أمس .
بدا الاضطراب على توماس وهو يقول باحتجاج : لكنه لا يعتبرك غبية آنستي .
_+ صحيح ؟ إذن ما هو برنامج السيدة المحكومة اليومي بعد أن تناولت إفطارها ؟ أهناك حقائب بريدية أخيطها له أم أنا مضطرة لقياس طول غرفتي من الحائط إلى الحائط ؟
_ ولماذا ؟
_ أنا آسفة توماس … إنها ليست غلطتك .. لكنني لا أظنني أقدر على مواجهة السجن مدة طويلة .
_ لكن السيد لا يريد سجنك بل يريد من الآنسة أن تتجول بحرية في القصر .
_ والأراضي حوله ؟
_ هذا ممكن … مع مرافق فالأراضي واسعة قد تضيع فيها الآنسة .
_ أوه .. حقاً ؟ قل لسيدك إنني أحفظ الاتجاهات جيداً .
وبدا القلق على توماس : ومع ذلك …
أيحاول إخفاء مكان هبوط الطائرة ؟ أم أنها قد تعثر على شيء آخر ؟ وقاطعته بسرعة : أنا أمازحك توماس ما دمت سأخرج من غرفتي لا أمانع مهما كان عدد المرافقين .
_ سأقول للسيد .
وابتسمت لنفسها .. يبدوا أن الوقت شيء تملكه كثيراً … وإذا كان هناك طريق للخروج من هذه الجزيرة … فستجده .. ولو استطاعت في الوقت نفسه إركاع وحش الجزيرة … فستفعل .
عندما سمعت بارتياح وقع خطوات توماس بدأت تحس أن ماثيو سبيراس يلاعبها لعبة القط والفأر !
_ أتسمح الآنسة بمرافقتي إلى الصالون . سألها توماس .
كانت تأمل لو تتجنب اللقاء مع سيد كاستاريوس إلى أن تكون آثار ما حدث ليلة أمس بينهما قد تلاشت قليلاً من ذاكرتها .. لكن يبدوا أن اللقاء حتمي وعليها مواجهته .
4_ جناح الحريم
تحت ضوء الشمس وجدت ما يحيط بها من معالم القصر تبهر النظر الجدران نظيفة تعكس الضوء على الممرات المليئة على جانبيها بكوات صغيرة كل منها يحوي على قطعة أثاث أثرية نفيسة أو تمثال أو لوحة .
كانت تود لو تتوقف لتتفحص بعضاً منها لكنها كانت متشوقة لمعرفة مدى الحرية التي ستمنح لها .. فتبعت خطوات توماس السريعة الرشيقة وسرعان ما وصلا إلى رواق عريض ذو درابزين حجرية منحوتة قادهما إلى بهو على طول مدخل القصر السفلي وأوصلهما إلى غرف تقود إلى أجنحة مختلفة من القصر مركزها كله حول سلم مرمري عريض يستدير بانحناء لطيف ليصل إلى الطابق الأرضي .
كانت الأبواب في الردهة التحتية مرتفعة جداً وسوداء ثقيلة ومحفورة لها مقابض حديدية مزينة على شكل رأس نمر وتساءلت بينها وبين نفسها ترى أي منها باب مكتب ماثيو سبيراس لكن الأبواب كلها كانت موصدة تخفي كل شيء ورائها .
كان الباب الرئيسي مفتوحاً يتسلل منه هواء الصباح …وبيدوا أن الحرية ونور الشمس بانتظارها لكنها مع ذلك تحس أن أي محاولة للهرب ستنتزع الحرية منها وصل توماس إلى أحد الأبواب المرتفعة وفتحه مشيراً لروندا بالدخول فدخلت فإذا بها تجد نفسها في غرفة سارعت لتنظر حولها إلى ما يحيط بها من أناقة والأرض الرخامية السقف المرتفع المنحوت .. ثم توقفت عيناها على صورة الرجل الواقف عند مؤخرة الغرفة ينظر عبر باب زجاجي إلى الخارج و ظهره لها .
في بذلته الرسمية لم يكن يبدوا طويلاً أو مهيباً كما بدا ليلة أمس أدار وجهه إليها فوجدت نفسها أمام رجل غريب كان شاباً أصغر سناً من ماثيو وأشد اسمراراً لكنه جذاب كذلك ابتسامته تتراقص على شفتيه مضيئة وجهه :
_ إذن أنت الآنسة ستورم .. يفتنني التعرف إليك .
تقدم منها ليأخذ يدها وينحني بطريقة قديمة الطراز وجدتها روندا مبهجة :
_ اسمحي لي بأن أقدم نفسي أنا بيدروس سبيراتوس ابن عم ماثيوس .
_ أمقيم أنت هنا كذلك ؟
فابتسم : من الآن وصاعداً …
_ وهل بعلم ابن عمك الطاغية بذلك ؟
كان كلامها فظاً إلا أنها عجزت عن منعه : بالطبع يعرف فأنا هنا بناء على دعوته عادة أبقى معه في وقت قادم من السنة لكنني ليلة أمس استلمت دعوته فوصلت باكراً بالطائرة .
_ بالطائرة … بالهليوكوبتر ؟
_ أجل .. لعلي لم أزعج منامك ؟
_ أوه لا .. وهل ستطيل الإقامة ؟
_ هذا يتوقف عليك آنستي .
_ علي أنا ؟
_ سأبقى هنا مادمت هنا … آنستي .
_ آه فهمت .. استدعاك ابن عمك لتكون سجاني .
_ آنسة ستورم .. هل أبدو لك سجاناً .. من الطبيعي أن تفضلي البقاء مع ماثيو .. ومن يلومك لكن هذا مستحيل في الوقت الحاضر لذا طلب مني أن أكون مرافقك إلى أن ينتهي الأمر ويستطيع ماثيو العودة إلى دور المضيف ثانية .
فقاطعته روندا :
سيد سبيراتوس .. أظنك واقع ضحية سوء فهم فليس لي أية رغبة بالبقاء مع ابن عمك لا الآن ولا فيما بعد فأنا لا أرغب بوجوده .. ولست أدري من أين أتتك فكرة أنه مضيفي كلمة سجاني وصف أضق بالنسبة له .
فأطلق بيدروس صفيراً خافتاً !
_ إذن أنت لا تتمتعين بالإقامة بالقصر آنستي ؟ ربما تخاصمت معه طبعه كريه أحياناً لدي تجاربي معه …
_ لا … أنت مخطئ تماماً سيدي مهما كان ما قاله لك ابن عمك فأنا لست ضيفة هنا بل إنني لم أكن أعرفه حتى يوم أمس عندما اعتقلني رجاله وأنا أستحم تحت أشعة الشمس على الشاطئ في الجهة الأخرى من الجزيرة لقد حملوني إلى هنا مغطاة الرأس وكأنني كيس غسيل تحت الحراسة ومنذ ذلك الوقت أنا سجينة في غرفة فيها أبواب ونوافذ حديدية ولوحة سادي تعود إلى القرون الوسطى أتسلى بالنظر إليها .
قطب بيدروس جبينه :
غرفة سبيراس ؟ أؤكد لك آنستي أن تلك الغرفة معدة لاستضافة أقرب المقربين من معارف ماثيوس .. وأؤكد لك أنه لا يريدك أن تكرهيه وبعد أن رأيتك آنستي لا أستطيع لومه .
_ أعتقد أنك تظن أن علي أن أكون ممتنة لإطرائك هذا ! لكنني أجد هذا ثمناً باهظاً أدفعه لأجل بعد الحرية .. قل لابن عمك إنني أفضل رفقة نفسي سيد سبيراس ولك العودة من حيث أتيت … !
ارتدت مبتعدة عنه بحدة والدموع تثقل جفنيها لكنه سارع يضع يده على ذراعها وجاء صوته رقيقاً لطيفاً :
_ آنستي .. ربما أخطأت في تقييم الموقف وأطلب صفحك أرجوك لا تبعديني عن هنا فكلانا مجبر على البقاء لوقت ما ومن الغباء لنا أن نكون وحدنا .
فتنهدت : أجل .. هذا غباء أنا أقبل اعتذارك سيدي ربما أنا شديدة الحساسية بالنسبة للموضوع لكني بقيت ممن يعتقدون أنني هدية مناسبة للنمر .
_ ومن هو الرجل الشجاع الذي قال هذا آنستي ؟
للحظات تأرجحت بين الانزعاج والضحك إلى أن فاز الضحك :
_ أحد الرجال الذين ألقوا القبض علي يومها لم أكن أعرف ما يعني بالطبع فأحست بالذعر .
_ وعندما اكتشفت الحقيقة ؟
_ ازددت رعباً .
وضحكا معاً فانجلى الجو بينهما ثم تقدم إلى المدفأة ليجذب حبلاً مجدولاً طويلاً : لقد أصبحنا الآن صديقين سأستدعي توماس ليحضر لنا القهوة سنتناولها على الشرفة و ستخبرينني قليلاً عن نفسك روندا … هل لي أن أناديك باسمك وتناديني بيدرو ؟
_ لا بأس في هذا .
رافقها إلى الشرفة العريضة المغطاة بعريشه من النباتات المتسلقة ذات الرائحة اللذيذة المتربع فيها أرجوحة ذات مقعد عريض وطاولة كان الهواء من هناك عليلاً والمناظر رائعة تطل على حدائق متسعة تصل إلى حدود البحر .
وقال لها بيدرو : القصر مبني على حرف صخري ينتهي هناك والقرية مع الميناء تحته مباشرة .
_ إنها حماية مزدوجة بالنسبة للأيام الغابرة .
_ في الواقع … هذا صحيح وحش كاستاريوس الأول المعلقة صورته في غرفتك بنى عدة مراكز مراقبة فوق أطراف جزيرته المرتفعة بنى الحصون حولها لحمايتها من القراصنة بعد وفاته اجتيحت الجزيرة أكثر من مرة لكن هذا ما كان يحدث إلا عندما يغيب سيدها عنها لذا يتناقل القرويين أسطورة أن وحش الجزيرة هو حاميهم وأن ما من شر يحل عليهم ما دام يعيش بينهم .
_ أهذا ما يشعرون به الآن وحراس ابن عمك المسلحون يشرفون عليهم ؟
_ إنهم يتقبلون الضرورة .
_ كما يتقبلون العيش هنا دون نسائهم حسب رغبة السيد .
_ روندا .. قد تبدو لك هناك بعض الأشياء الغريبة لكن أتوسل إليك لا تسألي عنها ... حاولي أن تتقبلي ..
_ كأي فرد من أفراد أهل الجزيرة المساكين المؤمنين بالخرافات ؟ آسفة بيدرو .. فأنا لست مهتمة بحماية وحشهم لي وعندما ابتعد عن هنا سأجعله يتمنى قائلاً : ليتني لم أولد .
ضحك فجأة : ربما لن تحتاجي إلى مغادرة الجزيرة لتفعلي هذا يا روندا .. والآن .. وماذا تودين أن تفعلي بعد الغذاء ؟
تبادلا الحديث بعفوية وعلمت أن بيدرو لا يعرف كل أسرار ابن عمه لكنها تشك في أن تحصل على مساعدة منه .
_ سأريك القصر ثم نستلقي قرب بركة السباحة لنشرب المرطبات المثلجة .
_ بركة سباحة ؟ أوه ما أروع هذا .. أين هي ؟
_ إلى جانب المنزل مخفية عن الأنظار .. أنا لست خبيراً في التاريخ بل ماثيوس هو المهتم بهذا لذا يجب أن تطلبي منه أن يشرح لك تاريخ القصر وما يحتويه عندما يعود .
_ لا !
_ من الغريب جداً أن تكرهينه .. فهذا مخالف لآراء النساء .
_ لكنني لا أعتقد أن رأي النساء يهمه وإلا لماذا لا يسمح لهن بدخول برجه العاجي ؟
فضحك بيدرو :
_ أنت أسأت فهم الموقف فهو لا يعيش منعزلاً عن الناس وعندما يحتاج إلى امرأة .. تأتيه صدقيني .
احمر وجهها خجلاً وكأنها تلميذة فصحيح أن ماثيو سبيراس رجل أعزب إلا أنه لرجل لا يتردد في التمتع بحياته كلما أراد لكن متابعة هذه النقطة مع بيدرو لن تؤدي إلا لمواجهة مع أحاسيسها .
ولأنها لم تجد شيئاً تعرفه عن ماثيو سبيراس .. أقنعت نفسها بألا تبحث عن شيء !
كانت الجولة في القصر تثقيفية و متعبة فقدت خلالها روندا القدرة على عد الغرف والممرات التي شاهدتها إذا كانت كلها تلتف وتدور لتصل نهاية الأمر إلى الرواق المركزي فوق السلم المرمري .
بيدرو رغم جاذبيته الظاهرة كان أبعد ما يكون عن ابن عمه الغامض .
_ جناح ماثيوس الخاص من هنا أتريدين رؤيته ؟
_ لا !
انكمشت تخشى فكرة لقائه في جناحه فهي لم تره طوال اليوم وما تزال تذكر كلامه البارد : أنا لست فرجة للمتجسسين آنسة .
_ حسناً .. اظننا شاهدنا القصر كله الآن .. إذن يمكننا الاستفادة من بعض العصير المثلج .
فقطبت جبينها : هذه الممرات كالمتاهة .. لكنني واثقة أننا لم نمر في تلك الفتحة المغطاة بالستائر لا أذكرها أبداً .
_ أوه .. لا يعقل أن تكوني راغبة في رؤية المزيد .. فلنذهب ونبدل ملابسنا ولنجلس بعدها قرب بركة السباحة .. فأنا متعب .
_ فلنزر هذا المكان فقط فمن يعلم قد نجد منحوتة أثرية لرافاييل أوبوتشيللي نسيت أن تريني إياها .
_ مستحيل فأي شيء كهذا لا شك أنه تدمر منذ قرون عندما تهدم القصر الأصلي خلال إحدى الغزوات .. فهذا هو ثالث أو رابع بناء .. وهو وحده الناجي .
_ أكانت هذه اللوحات كلها والكنوز الأثرية موجودة يومها ؟
فهز رأسه : بعد الحرب قرر والد ماثيوس نقل نفائس العائلة إلى الجزيرة التي كانت من قبل ذلك مخبأة لتبقى بعيدة عن يد المحتل الألماني والقصر كان مهجوراً قبل الحرب لكن عمي فيلبيس قرر بعد أن أنجب نمراً جديداً للعائلة أن يترك له إعمار إرثه بنفسه .
_ نمر جديد ؟
_ ماثيوس كان المولود الأول الذي يولد منذ أجيال ببشرة كبشرة جدنا الأول بعد أن كان يظن العديد أن اللون الأبيض والشعر الأسمر الأحمر قد اندثر من إرث العائلة .
كادت روندا تتلفظ بكلمات طفولية تقول فيها : ليت ذلك اليوم يوم ولادته لم يكن إلا أنها سارعت لتغيير الموضوع :
_ ألم يبق شيء من المبنى الأصلي ؟
_ أعتقد أن الأساسات ذاتها قد استخدمت على الدوام .. أوه .. والزنزانات تحت الأرض ما زالت موجودة .. وهي تستخدم الآن كأقبية .
بعد قليل من الصمت كان يعبث خلالها بالمفاتيح قال : أمر غريب … مفتاح هذا الباب ليس بين المفاتيح .. يجب أن نعود .
فقالت خائبة الرجاء : أوه ألا يمكن أن ترى إذا كان يناسبه أي مفتاح آخر ؟
جرب بيدرو مفتاحاً بعد آخر دون جدوى : أرأيت روندا .. لا فائدة يجب أن نعود .
_ ألا يبدوا لك هذا غريباً يا بيدرو ؟ كل المفاتيح هنا إلا هذا كان ناقص .
كانت واثقة أنها شاهدت أمراً غريباً في عينيه لكن رده الباسم كان هادئاً كعادته :

_ يجب أن تعذريني يا عزيزتي حتى أفضل مدبرات المنزل تنسى أين تضع بعض الأشياء ويجب أن أخبر ماثيو عن فقدان المفتاح .
فردت ببرود : أوه .. لا تزعج نفسك أظنه يعرف هذا .
ارتدت على عقبيها تبتعد وهي على يقين من أن سراً ما يخفيه هذا البيت لكن سيد القصر لا يريدها أن تعرف إلا ما يريده هو .
التفتت مبتسمة إلى بيدرو وقد لحق بها ليسأل :
_ ماذا ترغبين الآن يا عزيزتي ؟ .. المزيد من الجولات .
فدست ذراعها بذراعه : الآن أريني بركة السباحة .
كانت المياه الزرقاء باردة على جسدها دفعت بجسدها عن حافة البركة تسبح على ظهرها .. ثم غاصت حتى القاع لتعود بعد إلى السطح بسرعة قاطعة وأكملت السباحة السريعة إلى الأمام حتى آخر البركة واستلقى بيدرو على كرسي طويل إلى جانب البركة وصاح مهنئاً .
_ تسبحين بشكل رائع روندا سنتسابق يوماً .
فضحكت : سأغلبك .. ألا تتمرن يا بيدرو أبداً ؟
_ العب التنس قليلاً لا أجد معنى للتمرين واكتساب العضلات لأستخدمها بالمزيد من التمرين .
هذه الساعات من السباحة والاسترخاء قرب البركة أصبحت جزءاً من روتين يومي منذ وصول بيدرو .. جدران سجنها الآن تمددت فشملت معظم الأرض المحيطة بالقصر لكن بيدرو كان يبدو لها سجاناً رائعاً وإن كانت حريتها ما تزال محدودة .
لم تكن تعرف أكثر مما عرفت يوم وصولها طائرة الهليوكوبتر تابعت مجيئها وإيابها في أوقات غريبة من الليل والنهار لكنها ما تمكنت من اكتشاف ما تحمل ولا عرفت موضع هبوطها واستمرت حياة القصر السرية دون انزعاج رغم وجودها فيه لكنها باتت تشعر بخطر يداهم نفسها أولاً وهو انسياقها لهذه الحياة المتماسكة المتراخية .
كانت أحياناً تتناول الغذاء مع ابني العم معاً لكنها كانت تجهد لتتجنب هذا الموقف قدر الإمكان … فهناك أوقات كانت تدفعها صحبة بيدرو المسلية إلى نسيان وضعها المراقب فتتصور نفسها أنها ليست سوى ضيفة في القصر لكن نظرة ساخرة واحدة من ماثيو كانت تذكرها بوضعها الحقيقي هنا.
كان لطيف المعشر معها لكنه متحفظ لكنه متحفظ حتى بدأت تتساءل عما إذا كانت اللحظات التي قضتها بين ذراعيه ما هي إلا حلم لكن في الوقت نفسه كانت استجابات جسدها الطوعية لوجوده توضح لها بجلاء أنها بعيدة عن التخيل إنها تعرف ما يكفي عن الرجال لتعرف أنها تروق له وأنه يرغبها .. كانت تتساءل أحياناً لو أن علاقتهما استمرت حتى نتيجتها الحتمية تلك الليلة أكان ليعاملها بعدها بالطريقة ذاتها ؟
في إحدى الأمسيات بعد العشاء كانوا يستمعون إلى بعض الموسيقى العالمية الحالمة عندما رفعت نظرها ووجدت وحش الجزيرة ينظر إليها بثبات لكنه سرعان ما بدا مبتعداً من جديد ليتركها في الألم الموحش الذي سببته لها الموسيقى .
صممت بعد ذلك أن تبتعد بعد انتهاء العشاء .. لكنها عندما تعشت معهما في المرة التالية تركها ماثيو متجهاً إلى مكتبه ليدرس أوراقاً رسمية مهمة وصلته على عجل بقي يعمل عليها فلم ينضم إليهما حتى بعد أن دخلا الصالون ووضع بيدرو بعض الموسيقى وأقنعها بالرقص معه وكان تمتعها بالأمسية يكاد يكتمل لولا فكرة دخول ماثيو عليهما وهي بين ذراعي ابن عمه .. أما سبب تفكيرها في أن هذا أمر مزعج فهي لم تعرفه من قبل لكنها أدركت أخيراً أن هذا الاضطراب الذي يصيبها منه لا علاقة له بكونه سجانها أو بكونه مجرماً .
لكنها وهي تفكر في هذا كانت رعشة التحذير تجري في أحاسيسها ..
بعد الفطور في أحد الأيام كانت متمددة قرب البركة عندما وقع ظل فوقها خفف من حدة الشمس عليها .. ولم تكن بحاجة لفتح عينيها لتعلم أن ماثيو هو من يقف قربها ..
_ ماثيو ! صاح بيدرو روندا تفاخر بأنها خير مني في السباحة .. وهذا صحيح لكنه وصمة عار لشرف رجال العائلة يجب أن تلغيها وأنا أصر على أن تتحداها .
_ وما الذي يجعلك تعتقد أن الآنسة ستورم ستقبل التحدي ؟
اضطرت عندها للنظر إليه تحاول تخفيف وهج الشمس عن عينيها بيدها وقالت متعمدة إبقاء صوتها بارداً : سأقبل أي تحد تقوم به سيدي .
فرد بسخرية : وتقبلين أن المنتصر الوحيد سيكون واحداً ؟
_ أقبل ..
فصاح بيدرو نافذ الصبر : حسناً .. هل ستتسابقان ؟
فرد ابن عمه : ليس ف هذه اللحظات .. سنجري مباراتنا في وقت آخر بعد التوافق على الشروط .. وعندما لا تكون الآنسة متعبة من سباحة سابقة كي تعطي أفضل ما عندها .
رمى المنشفة التي على كتفه إلى الأرض وغطس في الماء كانت ضربات ذراعيه قوية وسريعة تشق صدر الماء بسهولة ..
فكرت : إن علم أني أجلس هنا أبدي إعجابي به لازداد السيد النبيل غروراً ووقفت بعفوية تتقدم من بيدرو المستلقي ووجهه إلى الكرسي الطويل حيث قربه زجاجة زيت الشمس فتحتها وبدأت تضع الزيت على ظهره وكتفيه فارتجف للمستها ثم استكان كالقط وتمتم ناعساً:
_ لك أصابع شبيهة بجناح فراشة يا عزيزتي .
_ يسرني استحسانك ذلك .
_ أوه .. لكن هل سيستحسنه ابن عمي ؟

_ وما علاقته بذلك ؟
_ ربما لا شيء .. ربما كل شيء لكنني كلما رأيتكما معاً أحس بشيء ما بذبذبات في الجو .
_ تتراءى لك الخيالات .
فضحك بصوت خفيف : أرجو ذلك يا عزيزتي وأعدك أن تجدي مني أعظم استحسان لئن ماثيو لاقى نصيباً وافراً وعادلاً من الدنيا بما فيه الفتيات الجميلات .
لاحظت بطرف عينيها أن ماثيو كان يدفع نفسه خارج البركة ..فغيرت موضوع الكلام فوراً تسأل بيدرو إذا كان هناك أية تسهيلات للتزلج على الماء في الجزيرة فالتفت يسأل ابن عمه :
_ ماذا حدث للمركب السريع الذي كان هنا السنة الماضية حين كانت ماريا روموس هنا ؟
فبدت الدهشة على ماثيو : أظنه في غرفة المراكب مع بقية العدة لماذا تسأل ؟
_ روندا ترغب بالتزلج .
فسارعت روندا تقول : أوه الأمر ليس مهماً كنت أفكر أن بعض الخلجان حول الجزيرة هي مثالية للتزلج لكنني لا أود إزعاج أحد أو خلق صعاب إن كان كل شيء مخزوناً .
فقال بيدرو بمرح : أوه لا إزعاج أبداً .. فلدى ماثيو رجال ينتظرون تنفيذ ما يأمرهم به ثم إن المركب يجب أن يعد للاستخدام قبل زيارة ماريا القادمة هل ستدعوها هذا الصيف ماثيو ؟
نظر ماثيو إلى ابن عمه الشاب طويلاً قبل أن يقول : ربما .
ثم بدأ يجفف نفسه بمنشفته وقال : ألن أحصل على زيت شمس أيضاً آنستي ؟ أم أن هذا خاص بي بيدرو ؟
فردت بقسوة وتوتر : لا يعني حجزك إياي في جناح الحريم أنه يتوجب علي التصرف كعبدة لك سيدي .
أجفلها الغضب المستعر فجأة في عينيه لكن بيدرو سارع إلى المقاطعة :
_ ماذا تحبين أن تفعلي غداً روندا ؟ بأخذ بعض الطعام ونستكشف القلاع القديمة ؟ لم تشاهدي الكثير من الجزيرة بعد لكنني أحذرك قد نخيب أملك بعض القلاع ليست سوى أكوام من الحجارة لكن هناك بعض من المدافع الصدئة الباقية ؟
قبلت روندا بحماس لكنها لاحظت أن ماثيو لم يعترض على مغادرتها أراضي القصر للمرة الأولى .. لا بد أنه واثق جداً من ترتيباته الأمنية .
نظر بيدرو إلى ساعته : سيحين وقت تغيير الثياب للعشاء هل ستنضم إلينا روندا الليلة ماثيو ؟
فرد ماثيو ببرود : إذا أرادت لكن ربما تفضل البقاء في الحريم .
التفتت إليه روندا بارتباك : أنا .. آسفة على ما قلته سيدي وسأكون سعيداً بمشاركتك العشاء .
_ رائع … سيحضرك توماس إلى الصالون لتناول العصير كالعادة قبل العشاء إذاً وقف ملتقطاً منشفته .. وابتعد فلحقت به روندا بعد تردد فوصلت إليه عند الباب الحديدي الموصل من القصر إلى البركة .
_ سيدي .. أرجوك .. هل لك إن سمحت .. أن تترك باب غرفتي مفتوحاً ؟ فأنا أكره السجن .. وأخاف الأماكن المقفلة .
_ وما هي الضمانات ؟ فقد تفعلين أمراً غبياً لو وافقت على طلبك ؟
_أنا .. أعدك .. لن أحاول الهرب .. إذا كان هذا ما تعني .
_ لن تهربي ؟ حسناً .. يجب أن أصدق وعدك وعد الشرف آنستي هذا ما أعتمد عليه ؟
فتنهدت : أجل .. أجل أعدك وعد شرف .
_ عظيم .. أظنك حكيمة في قرارك .
مد يده يرفع ذقنها فالتقت نظراتهما أبقاها للحظات هكذا إبهام يده يلامس بخفة خدها نعم هي لمسة خفيفة إلا أنها أيقظت النبضات في جسدها النحيل كله .. لكنه سرعان ما أنزل يده وقال ببرود :
_ والآن اعذريني .. سأراك وقت العشاء .
وجدت نفسها بعد رحيله تتساءل كيف سيكون إحساسها لو أنها المرأة الوحيدة في حياته .. هل اهتم من قبل بامرأة حقاً ؟ هذه .. ماريا روموس مثلاً ؟ وابتسمت لنفسها سيكون الأمر أسهل لها لو كانت ترغب في بيدرو .. الفتاة التي تحدت الجميع لتأتي إلى هنا كان يمكن أن تلتقي بيدرو سبيراس تعبث قليلاً معه .. ثم تغادر الجزيرة دون أحزان أو ألم .. لكن تلك الفتاة لم تعد موجودة .. وهي الآن تعرف ما تريد فبدل أن تكون ضحية عواطف مشتتة قد تمزقها .. تريد أن تكون ضحية ماثيو .. وحش الجزيرة .
عندما عادت إلى غرفتها أحست بالراحة وتضاعفت راحتها عندما تمكنت من إغلاق بابها دون أن تسمع المفتاح يدور في القفل استلقت طويلاً في ماء دافئ معطر تريح جسدها وأعصابها قبل أن ترتدي أفضل ما لديها من ثياب وهو قفطان أبيض طويل ذو ياقة مثلثة واسعة وكمين مطرزين بخيوط الذهب كانت تضع العطر وراء أذنيها حين تناهى إليها صوت قريب جداً كان يصفر إنه ليس توماس فهو لا يفعل شيئاً غير رزين مثل هذا كما ‘ن الصوت آت من الخارج .
استسلمت لفضولها فاتجهت إلى النافذة كانت الشمس تغرب البحر يلمع ذهبياً و زهرياً تحت سماء قرمزية كانت دائماً مشغولة الفكر بسجنها وراء القضبان لتنظر عبرها إلى الأراضي المحيطة بالقصر .. لكنها الآن لاحظت أن غرفتها تطل على ممشى مرصوف بالحصى طويل على جانبيه أشجار السرو الباسقة لم يبدو لها هذا الممشى مألوفاً وتساءلت عما إذا كان جزءاً من الأراضي التي استكشفتها مع بيدرو .
كان هناك رجل بسبر هناك يده خلف ظهره ولم تعد لديها حاجة لمعرفة مكان انبعاث الصوت الخفي لكن لا يظهر أنه أحد الخدم أو الحرس .. أهو ضيف آخر ؟
بدأت تصفر له تضم صفيرها لتناغم مع نغمته فأجفل هو ورفع رأسه لكن وجهه لم يكن واضحاً بسبب أشعة الشمس الغاربة …
_ لا بأس عليك يا سيد .. فأنا مقيمة هنا .. ربما نلتقي على العشاء ..
صمتت مذهولة حين التفت الرجل وولى هارباً في الممشى من حيث أتى .. فابتعدت عن النافذة ضاحكة :
_ أيظنني شبحاً لا عجب إذن من هروبه !
كانت ما تزال مبتسمة عندما دق توماس الباب : الآنسة سعيدة الليلة هل تمتعت بيومك؟
_ كثيراً .. لكن توماس لقد مر بي أمر غريب .
وسرعان ما أخبرته ما حدث .. لكنه لم يشاركها مرحها بل حدق بها بفزع واضح :
_ عذراً آنستي .. يجب أن أتحدث إلى السيد انتظري عودتي لو سمحت .
ماذا حدث له ؟ لم تقل شيئاً يسبب ردة الفعل هذه صحيح أنها أفزعت الغريب لكنها لم تفعل شيئاً لهذا الضيف المكرم ربما عند ماثيو .
أيكون لهذا الرجل القصير الغريب الملابس علاقة بسر القصر لا .. مستحيل ! إنه يبدو رجلاً عادياً لن يتورط في عمل إجرامي .. أو في عمل شرير .
تأخر توماس بالعودة إليها حتى ظنته نسيها .. وحين جاء كان رسمياً ورافقها إلى الصالون دون أن ينبث بكلمة .
بيدرو كان ينتظرها بلباس سهرة لكنه كان قلقاً وحين ناولها كأس شراب قالت :
شكراً لك بيدرو .. ماذا حدث ؟ لقد شاهدت رجلاً في الحديقة و …
فضحك ضحكة متوترة وقاطعها :
_ أوه .. لقد قال لنا توماس إنك أفزعت بستانياً حتى الموت .. فالمسكين لم يكن يعلم أن غرفتك مسكونة .. بالمناسبة أرجو أن تعذري ماثيو الليلة فقد تلقى رسالة عبر الراديو لتوه ولديه عمل يشغله وقت العشاء .
فابتسمت روندا له : أفهم هذا تماماً .
إذاً ما فكرت به هو صحيح . لقد شاهدت شيئاً ما كان يجب أن تشاهده وهذا ما سبب بعض الذعر والفوضى ربما تمكنت أخيراً من تسجيل انتصار طفيف في هذه اللعبة لعبة القط والفأر التي تلعبها مع سيد القصر.
وابتسمت مجدداً تدس يدها في ذراع بيدرو : ألن نتعشى ؟ أحس فجأة بشهية كبيرة .
بعد انتهاء العشاء الذي غاب عنه إشراف توماس وافقت روندا على اقتراح بيدرو أن يتناولا قهوتهما على الشرفة التي كان فيها الهواء دافئاً وساكناً ومثقلاً بأريج الأزهار فتقدمت روندا حتى بداية السلم الحجري العريض الذي يقود إلى الحديقة ووقفت تتأمل العتمة المعطرة ثم قالت وكأنها تحلم :
_ أمسية رائعة للنزهة .
_ إذن … فلنتنزه .
وانطلقا ينزلان السلم نحو الممر العريض المفروش بالحصى أثناء سيرهما أخبرها بيدرو أن هذه الحدائق أسسها الأمير سبيراس الذي عاش هنا في القرن السابع عشر لأنه كان يتوق لإعادة تكوين جمال الحدائق التي يألفها على الأرض الأم :
_ لكن رغم مظهرها الرسمي فيها سحر أثري ألا توافقين على ذلك ؟ كان هناك جداراً قديم أزاله من هنا بعد أن أدرك أن البحر يشكل أفضل حاجز للغزاة .
_ وكيف نصل إلى الجرف الصخري ؟
_ نستمر بالسير .. فلا مكان بعيد عن البحر .
وأشار إلى مكان تلتقي فيه شجيرات مرتفعة فوق بعضها وكأنها قناطر عندما وصلا إليها حبست روندا أنفاسها ببهجة صافية فقد كانا يقفان في مكان ضيق من الأرض يحيط بهما البحر المتحرك على الدوام .. وفي البعيد بدا جسم أسود وكأنه يسد الأفق .
_ إنها جزيرة كريت .
فكرت لوقت قصير ببيرس وتساءلت عما إذا كان قد جاء على متن سيغال لمشاهدتها أم أنهم عادوا من حيث أتوا
وبدت لها تلك الرحلة وكأنها وقعت في زمن وعالم آخر فارتجفت ليقول لها بيدرو في الحال :
_ تحسين بالبرد سأحضر لك دثاراً .
_ وهل ستتركني هنا وحدي ؟
لاحظت الحرج المفاجئ الذي ظهر عليه لكنه ابتسم بسرعة :
أثق بك كثيراً يا عزيزتي ثم إلى أين يمكن أن تذهبي ملابسك ليست مناسبة للنزول عن الجرف الصخري كما أنني أتركك مع حارس آخر .
وأشار إلى طرف الصخور .. فبدا أنه يشير إلى صخرة كبيرة مركزة تقريباً عند نهاية الرأس الأرضي وضحك ثانية من نظرتها الحائرة قبل أن يختفي بين الأشجار نحو القصر .
خلعت صندلها باندفاع متهور فتحسست العشب النامي تحت قدميها ثم تقدمت نحو الصخرة المنعزلة يدفعها فضول غريب بينما كانت تقترب كانت الصخرة تتخذ شكلاً محدداً هذه الصخرة منحوتة تمثل شكل حيوان جاثم .
إنه دون شك تمثال نمر يواجه البحر كانت المنحوتة قديمة الصخر الذي نحتت منه متشققاً بفعل ما مر عليه من الأزمنة و مناخات يملأه البرص الصخري في كل زاوية مخبئة لكن رغم جور الزمن عليه ما استطاع شيء أن يغير معالم القوة والبأس والتحدي التي ما تزال تنبعث من الوحش الحجري الضخم .
_ عرفت إذن بأن وحش كاستاريوس موجود على أي حال آنستي .
كان قد تقدم منها بصمت فوق العشب فبدت صورته معتمة في جو يتجمع الظلام فيه رويداً رويداً ردة فعلها الأولى كانت اصطدامها بقوة بالصخر نفسه فسمعته يتمتم بخشونة :
_ يا إلهي !
سارع يجذبها إليه يزيح كم القفطان ليتفحص الذراع التي اصطدمت بالصخر .
_ آذيت نفسك ؟
حاولت دون نجاح جذب يدها من يده .. فلمسة أصابعه على بشرتها أعادت إليها العديد من الذكريات التي تبعث على الاضطراب .
_ أنا بخير … لكنك أجفلتني .
_ يجب أن تسامحيني !
لكي تخفي اضطرابها لجأت إلى لسانها السليط :
_ سأضيف هذا إلى اللائحة .
_ لائحة الأخطاء التي ارتكبتها معك ؟
لمعت أسنانه للحظة بابتسامة : لكن ما هي أخطائي بالمقارنة مع ما تمتعت به منذ مجيئك إلى الجزيرة ؟

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:39 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية