هاذي التكملة اتمنى مااحد زعل عالتأخير
هذا الفصل 6 و 7
6- المشروع
تقلبت جين في الفراش أرقة بلا جدوى ان تجد في النوم ملاذا فبرغم انها كانت منهكة القوى فانها ظلت يقظة متنبهة وهي مستلقية وسط الظلمة تسمع دقات ساعة حائط البهو أطل الفجر , حين خلدت الى النوم اخيرا 0
استيقظت على صوت نقرة خفيفة على الباب وصوت يقول :
- اتسمحين لي بالدخول؟
ظلت مستلقية في فراشها في صراع بين النوم واليقظة حتى استيقظت تماما , ووعت اين هي وكيف وماذا حدث فهبت جالسة تحرك مقبض
الباب بلطف 0
- جين هل استيقظت ؟
- كلا –اذهب عني 0
كان صوتها خفيضا لايمكن لأحد ان يسمعه , وعندما فتح الباب استلقت بسرعة على الوسادة وجذبت الغطاء عليها لم تكن تريده ان يراها 0 ولم تكن تود ان تنظر اليه وتساءلت عما اذا كانت ستتمكن من النظر اليه مرة ثانية 0
- احضرت لك القهوة 0
لزمت مكانها , متصلبة تمسك بالأغطيه بقوة حول وجهها الذي أشاحت به بعيدا عن الباب 0
- شكرا لك 0
كان صوتها مكتوما لكنه مسموع 0
- انها الحادية عشرة 0هل تودين ان تأكلي شيئا ؟
- كلا , اشكرك اذهب واتركني وحدي 0
سمعته يضع فنجان القهوة وبعد لحظة سمعت صوت انغلاق الباب 0 نهضت جين وقد عزمت الا تبقى اكثر مما ينبغي في منزل غافن فبعد دقائق ستخرج من منزله بلا رجعة وهكذا صار 0
عندما وصلت إلى المنزل وذهبت لتلقى والدها تمكنت من أن تتظاهر بأنها طبيعية00 حياها بولع ناظرا إلى وجهها المتعب في فضول قلق ثم قال:
- ترك لي غافن مذكرة تحت الباب الليلة الماضية آسف لأنك لم تستطيعين دخول المنزل ولكني واثق برغم ذلك أنك شعرت بالراحة في منزل غافن فهو مضيف ممتاز 0
- نعم إلا إنني لم أستطع النوم جيدا0 كان الوقت متأخرا كما أنني لا أستطيع أن أنام في فراش غريب0
فكرت في فراشها آلامن ثم قالت:
- أعتقد أنني سأستحم ثم احاول النوم0
- استريحي كما يحلو لك 0 سيحضر ماك لتناول الغداء معنا 0هل التقيت به أمس؟
- نعم إنه رجل ظريف جدا 0
لم تكن تريد أن تفكر في تلك الحفلة المشوؤمة 0 وسيكون ذلك بالقطع مستحيلا مع مجيء ماك فأن والدها يريد طبعا أن يسمع كل ما دار في الحفلة0 كانت تعرف أنها ستشعر بتحسن بعد النوم0 كما أنها في حاجة إلى وقت تفكر فيه على انفراد0
بعد مرور ساعتين أحسدت جين بالراحة والانتعاش0 وبأنها استعادت حالتها الطبيعية0 نزلت وقد ارتدت أحد اثوابها القطنية الجديدة كان لونه أخضر صارخا مبرزا لون عينيها 00 كان شعرها ممشط إلى الوراء في استرسال0
كانا ماك يجلس مع أبيها في فناء ظليل خلف المنزل 0 نهض حييها قائلا:
- كنت اقص على أبيك كيف كنت نجمة الحفلة0
قالت جين ضاحكة :
- لاتصدقه يا أبي فقد كان هناك عدد من الحسنوات 0
- نعم بالفعل لكن لم تكن من بينهن مثيلة لك0 إستاءت الحسناء سارة جدا لرحيل مع غافن 0 هل كان سبب إعياءك هو تلك الوجبة الدسمة ؟
- نعم 0
نظر إليها قائلا وقد تذكر شيئا :
- عثر كولن على مفتاحك ومعه دثار بني0 لا شك إنه سيحضر هما0
- اوه 0 نعم 0
تناول الجميع طعامهم في الفناء0جلس جون وماك يتحدثان في ود0 وقد أعطاها ذلك وقتا للتفكير عادت بأفكارها إلى غافن 0 لم يكن في المنزل عندما نزلت إلى الطابق الأسفل 0 كان ألباب الخلفي مفتوحا ولم يكن هناك أثرا لكارلو أيضا0 تركت له مذكرة شكرت له ضيافته وانسلت خارجة من المنزل0
ترى هل سيحضر غافن الآن إلى منزل والدها؟
ان حضر فلعله نسى بالفعل ذلك الحادثة التافه0فغافن من ذلك الطراز0 كان يعتبرها طفلة0 أنانية تسعي وراء المال0 لكنها في النهاية مجرد طفلة0 كم كان سلوكه مختلفا مع سارة0
لا تزال نظرته هو يحيي سارة قبل الحفلة تتراءى لجين 0 كان فيها شيئا من العاطفة 0 حتى أنها بمجرد التفكير فيه الآن أحست بانفعال عاطفي لا تعرف كنهه0 تراءى لها من جديد وجه سارة مرفوعا وهي تتلقى تحية غافن 0 سارة بملامحها الجميلة 0واثقة مطمئنة0 كم هو رائع أن يكون المرء هكذا 0 أن يكون ممتلئا ثقة بالنفس0 أن يعرف أنه محبوب0
أنزلت الملعقة من فمها وقد أحست أن حلوى القشدة المخلوطة بالخوخ ذات النكهة اللذيذة تحولت في فمها إلى شيء جاف كريه المذاق0
رمقها ماك قائلا:
- آمل ألا تكوني ملتزمة بنظام غذائي معين؟
تمكنت جين من افتعال ضحكة وقالت:
- كلا لكني لست جائعة0
- ربما كان ذلك بسبب الطعام الكثير الليلة الماضية0
- أتأذنان لي ؟
دفعت مقعدها الى الوراء وتوجهت إلى غرفتها 0 توقفت في طريقها كالعادة لتنظر إلى لوحات والدها 0 تحسست برفق لوحتها المختارة ومست بأطراف أصابعها ثنايا الألوان الزيتية السميكة لمشهد طفل وكلبه يحدقان باشتياق في زورق صغير وسط بحر هادئ0
صعدت السلم وهي تتنهد 0 مطرقة ألباب ترتفع وتطرق مرتين بقوة0 تحركت جين في هدوء أعلى الدرج0 ووقفت بعيدة عن الأنظار 0 وقد سمعت مديرة المنزل تطقطق بخفيها قادمة من المطبخ 0 خفق قلبها وجف حلقها 0 فقد كانت تعلم من الطارق قبل أن تسمع صوته قائلا:
- مرحبا ألن 0 هل جون في المنزل؟
- مرحبا يا سيد غافن 0 كان عليك أن توقظني عندما جئت إلى المنزل مع الآنسة جين 0
تشبثت أصابع جين بشكل لاإرادي بدرابزين الدرج0 سمعت غافن يضحك 0 بدأ قلبها يخفق بعنف , تلاشى صوتاهما تدريجيا وابتعدا باتجاه البهو فتنفست جين الصعداء0
إنه هنا اذا 0 سيكون عليها أن تنزل وتواجهه 0 عليها أن تفعل ذلك في وقت من الأوقات0 وربما يكون الضغط أخف في حالة وجود ماك ايضا 0 ذهبت إلى غرفة نومها , مشطت شعرها0 ووضعت من جديد أحمر الشفاه0 لم يكن في وسعها ان تفعل شيئا لإزالة ذلك اللون الداكن تحت عينيها0
ووقفت جين في غرفة الجلوس بضع دقائق محاولة استعادة قدر من الإصرار الذي أحست به منذ قليل في الطابق الأعلى 0 كان يمكنها أن ترى الرجال الثلاثة في الفناء عن بعد0 وقت حجبه بشكل جزئي حائط يستظلون به 0 كان في وسعها أن تسمع أصواتهم أن تسمع ضحكة غافن فأوشكت أن تدور على عقبيها عائدة0
خرجت جين إلى الفناء وقد بدت في الظاهر هادئة ساكنة وإن كانت ترتجف من الداخل قالت وكأنها فوجئت بوجوده:
- مرحبا يا غافن , أشكرك مرة ثانية على ضيافتك0
نهض غافن وقال:
- أهلا بك يا جين 0
لاحظت ارتعاشة ما في وجهه ونظرة حائرة0 وكأنه كان يتوقع أن يراها بصورة مختلفة000 زاد ذلك من ثقة جين 0 توجهت نحو مقعدها وجلست0 نجحت اجتياز أولى العقبات واصعبها 0 والآن يمكنها أن تواصل مسيرتها دون تردد0
دخلت آلن لترفع بقايا المائدة 0 وجلست جين في صمت تتمنى أن يذهب غافن 0 ظل يرمقها بين ألحين والآخر0 لكنها مع مرور الوقت اكتسبت مزيدا من الثقة في النفس0 وأصبحت قادرة على مبادلة النظر في هدوء 0
هدأ الحوار برهة لتسمع صوت غافن يقول:
- كيف تسير مشروعك يامات ؟
كانت جين ترقب وجه ماك بينما كان غافن يوجه إليه الحديث 0 أحست بالحيرة إزاء التعبير الذي على وجهه 0 أجابه أماك وقد رفع أحد حاجبيه في اهتمام واضح:
- اتعني مدرسة الحضانة؟ على خير0
- هل عثرت على واحدة تحل محل شيرلي ؟
كانت جين ترقبهما وهي تسائل نفسها0 لقد كان ماك على وشك أن يقول شيئا فلماذا قاطعه غافن 0 استطرد ماك قائلا:
- لم اعثر على أية متطوعة إذ ليس من السهل أن تعثر على متطوعة 0
ابتسم فجأة لجين وهي ترقبهما قائلا:
- لو لم تكن جين آتية إلى هنا في عطلة لسألتها0
نجح في إثارة حب الاستطلاع لدى جين فردت على بسمته ببسمة أعرض منها متسائلة:
- ماذا كنت ستسألني ؟
- كنت أمزح فقط فأنا لا أحلم0
قطع حديثه ونظر إلى غافن بسرعة 0 فاستحثته جين متوسلة :
- أرجوك استمر0
- حسنا بدأت إعداد دار صغيرة للحضانة خارج بورت بارتريك لأطفال عاملات مصنع التعليب وهذا يعني أننا سنحتاج إلى مزيد من الأيدي العاملة من أمهات أطفال تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث وست سنوات 0 إنه مشروع مازال في مرحلة التجريبية 0 ميغان تحضر يومين في الأسبوع0 كما أن هناك أخريات0 شيرلي موراي كانت تساعدنا أيضا لكنها ستتزوج الأسبوع القادم وهكذا فالمشروع مهدد بالتوقف0
هزة كتفيه معتذرا عن الاستطراد في الحديث قائلا:
- أنا أكثر الكلام في هذا الموضوع فأرجو المعذرة0
- ماذا يتطلب هذا العمل بالضبط؟
- الأشياء المعتادة تعليم أولي جدا0 ومراقبة الأطفال اثناء لعبهم 0 أصبحوا الآن يتوقون إلى المجيء بدلا من أن يلعبوا في الشوارع كما اعتادوا 0 فكل أسبوع يتقدم لنا أطفال جدد, إن هذا الوضع يذكرني بكرة الجليد التي تتكاثر كلما استمرت في التدحرج0
- هذا يبدو رائعا0
استرخت جين وقد إنحنت الى الأمام 0 وشبكت يديها وسقط شعرها الناعم الى الأمام0 حاجبا وجهها0 نظرت إلى والدها الذي لم يكن يفوته شيء وهو يراقب في صمت0
- انا أرغب في المساعدة0
تلعثمت قليلا وقد رأت تعبير وجه والدها لكنه قال برفق:
- ليس لدي أية نية لمنعك إذا كنت ترغبين في الذهاب0 لدي إحساس أنك ستجدين هذا المشروع ممتعا0
ساد الصمت هنيهة 0 وأدركت جين أن غافن لم ينطق بكلمة أثناء هذا الحوار0 جعلها هذا أكثر تصميما فقالت:
- ماك أنا أود المساعدة قبل أن أحضر الى هنا اجتزت امتحان القبول في كلية تدريب المعلمات وهذا سيكون تدريبا جيدا لي 0
القى ماك رأسه إلى الوراء ضاحكا وقال:
- اتنوين ذلك حقا؟ أنت فتاة رائعة ياجين متى ستأتين غدا؟
- نعم اذا اردت هل يوافقك هذا يا ابي ؟
اومأ وقد على وجهه بعض الانفعال ثم مد يده رابتا على يدها وقال:
- بالطبع يا جين أنا سعيد بك 0
ملاءتها كلماته بوهج دافئ لكنه خبا حين تساءل ماك :
- ولكن كيف ستصلين إلى هناك؟
- لم أفكر في هذا الأمر0
تحدث غافن قائلا:
- يمكنني إن أمر عليك في الثامنة وأنا في طريقي إلى المدينة لو كان هذا مناسبا؟
نظرت إلى ماك آملة أن يقترح بديلا آخر لكنه هز رأس بانشراح قائلا:
- أشكرك ياغافن, وفي هذه الحالة سأقلك أنا في طريق العودة ومعي جين0
لم تكن هناك وسيلة للتراجع ليتها كانت تعرف قيادة السيارة0
- شكرا لك0
لم تستطع أن تتمالك نفسها فجاءت نبرتها مفتقرة الى الرقة 0 ثم أضافت:
- سأتعلم القيادة حتى أتمكن من أن أذهب بمفردي 0
قال غافن :
- ليس الأمر بهذه السهولة ياجين0
نظرت إليه فرأت تلك بسمة المتعالية قالت وعيناها تشعان بالتحدي :
- لا أستطيع أن أعرف ذلك قبل أن أجرب , أليس كذلك؟
هز كتفيه قائلا:
- أنتي محقه إن سيارتي على بعد أمتار 0 هل تودين أن تتلقي درسا الآن؟
سمعت جين ضحكات والدها وماك الاهية كما راءت تلك البسمة الخاطفة التي مست شفتي غافن 0 إنه يتوقع أن ترفض نظرت إليه بعينين واسعتين قائلة :
- ألا تخشى أن أقود بك السيارة واصدمها في أقرب شجرة؟
- لا00
- أنت حر وعليك تحمل النتائج0
لم تعرف لماذا قالت هذا0 وكأن الكلمات خرجت من تلقاء نفسها- أحست بالبرودة تسري في مفاصلها عندما نهض من مكانه قائلا :
- اسمحو لي00 سأعود بعد دقائق0
دخل إلى المنزل دون أن ينظر وراءه0
نظر ماك إلى جون الذي كان يراقب جين وقال له :
- اتعرف ياجون إن ابنتك فتاة شجاعه0
- بدأت أعتقد ذلك0
- انا اسفه يأبي لا أحب أن أكون فظة مع ضيوفك لكن00
- لا تقول شيئا ياجين 0 فغافن يستمتع بمثل هذه المشاحنات0 أليس كذلك ياماك 0
- نعم اعتاد أن يطيعه الجميع ولأ اشك إنه سيثيره أن يلتقي شخصا لايخاف أن يفصح عن رأيه بصراحة0
منعها صوت وقع أقدام قادمه من أن تجيب عليه0 رفعت رأسها لترى غافن قادما0
نظر غافن إليها قائلا:
- هل أنت مستعدة؟
نهضت جين متجه إلى الخارج وهي آسفة على قبولها تحدي هذا الرجل0
إي جنون هذا الذي تملكها0 أبعد كل الذي حدث, ترضى بالعدو إليه؟
- هل تشعرين بالتوتر؟
سألها فيرقة وهويفتح لها الباب الخارجي مشيرا لها بالخروج قبله0
- كلا 0 هل يجب إن اكون متوترة؟
كانت في الحقيقة متوترة 0ترددت وهي تهبط الدرج 0 بل أنها أوشكت على التعثر 0 قال وكأنه أحس بهذا التردد0
- لست مضطره إلى الخروج معي0
- ألا يروقك أن أنسحب؟
نطقت جملتها هذه وهي تصر على أسنانها واتجهت رأسا إلى مقعد القيادة0
- انتظري لحظة0 ستجلسين الى جواري أولا0 لاحظيني وأنا اقود ثم يأتي دورك0 أراها كيف تدير المحرك وأنطلقت السيارة 0 بدلا من أن يتجها الى اليسار صوب بورت باتريك0 اتجها ناحية اليمين فتساءلت جين:
- إلى أين نحن ذاهبان ؟
- إلى المطار فليست هناك حركة يوم الأحد ستجدين مساحة كافية لتعلم القيادة0
- مساحة بلا أشجار0 أهذا ما تعنيه؟
ضحك قائلا وهو يرمقها بنظرة ساخرة:
- يمكنك أن تقولي ذلك ألا يعوزك الرد أبدا0
- معك كلا0
إنها لم تتعامل بمثل هذه الطريقة مع أحد غيره 0 كان فيه شيء ما يثير فيها غريزة فطرية لانتقام 0 لن تنتصر عليه أبدا0 كانت تعرف ذلك حتى قبل أن يجيب 0 خفض عينيه إلى يديها وقد شبكتهما بتوتر على حضنها0 وسألها ببرود :
- هل أنت دائما متوترة هكذا 0 ام ان هذا يحصل معي أنا فقط؟
حاولت أن تستعيد هدؤها ثم قالت :
- لست متوتره أنا أحاول أن أركز تفكيري على ما تفعل لقد طلبت مني أن أراقبك0
- اقدم لك اعتذاري 0
كانت تكمن في صوته نغمة ضاحكة0 تلك العجرفة اللاهية تثير جنونها00 إنه شخص لا يحتمل مثل الخالة دوروثي إنه دائما على حق0
- بعد بضعة أميال سأترك لك عجلة القيادة اتفقنا0
خفض من سرعة السيارة0 لقد وصلا الآن إلى الحدود الخارجية لأرض المطار العتيق, الذي كان هادئا ومهجورا 0 أوقف غافن محرك السيارة وقال وهو يهبط من السيارة:
- الآن لنتبادل أماكننا 0
زحفت جين إلى مقعد القيادة وأمسكت بعجلة القيادة التي كان فيها شيء من دفء يديه 0
قالت جين محدثة نفسها أن هذا الأمر مضحك فها انا على وشك أن أتعلم القيادة على يدي الرجل الذي قررت ان اتحاشاه تماما 0 وهو سيراقب الآن كل حركاتي - وعلي ان اتحمل ذلك طوال ساعة او اكثر 0
جلس الى جوارها وقد مد ذراعه على ظهر المقعد قائلا :
- هل كل شئ على ما يرام ؟
تحركت السيارة بارتجاج في بادئ الأمر ثم بسلاسة أكثر عندما تلمست طريقها الى محرك السرعة 0
- حسنا 00
كان صوته هادئا0 واحست جين بجسدها المتوتر يسترخي بينما كانت تذعن لتعليماته امتدت يده مرة وحركت يديها على عجلة القيادة 0 كانت لمسة سريعة خفيفة لم تدم سوى لحظات0
كانت تمتثل له طواعية دون آي ارتباك أو تردد0 وأدركت فجأة أيضا أنها تشعر بالمتعة0
طلب منها أن تتوقف قائلا:
- أحسنت حتى الآن0
أحست جين فجأة وكأن قلبها يترنح واعقب ذلك وهج دافئ 0 كم هو أمر مضحك هذا التناقض في مشاعرها نحوه 0
بعد مضي ساعة توقفا0 كانت تتصبب عرقا وقد أحست بآلام في جسدها كله بفعل التركيز الذي بذلته طوال الساعة الماضية 0 جلست ساكنة تنتظر تعليماته0
- سنستريح الآن0 انزلي ومدي رجليك0 فأنت في حاجة إلى فترة راحة0 نزلت وقد أحست بمفاصلها متخشبة مرتعشة 0 كانا يرقبها بنظرة لاهية ثم سألها بتحفظ:
- اتحتاجين إلى مساعدة في السير؟
نصبت ظهرها المتألم وأخذت تضم أصابعها0وتبسطها 0 ثم قالت وهي تتلفت حولها:
- كلا شكرا 0 إلى أين نحن ذاهبون؟
- سترين تفضلي من هنا0
تبعته وقد اختفى وراء كوخ من الأكواخ الجاهزة البناء0 برميلي الشكل ذلك الكوخ الذي كان أول شيء تراه عندما وصلت إلى سارامنكا 0
دخلا إلى الكوخ المهجور كان وقع أقدامهم على أرض الكوخ الأسمنتية يتردد في صوت مكتوم 0 بينما كان يقودها صوب باب في مؤخرة الكوخ0 وجدت نفسها تتساءل:
- ما من أحد هنا! هل من المسموح لنا أن ندخل؟
- نعم 0
أجابها بنبرة هامسه تردد صدى نبرتها 0 ثم أبطأ خطواته وأمسك بذراعها بطريقة غريبة أحست فيها بالحماية وقال :
- هناك مطبخ في المؤخرة فيه ثلاجات ملأى بالمشروبات والثلج تريدين مشروبا بالتأكيد اليس كذلك؟
أحست بأصابعه على ذراعها وكأنها كتلة نار 0 وأحست بالارتياح عندما سحب يده ليفتح لها الباب وقد تراجع خطوة ليفسح لها الطريق 0
كانت الحجرة الصغيرة شديدة الحرارة فسال العرق من جديد على جبهة جين 0 أشار لها أن تجلس في أحد المقاعد فأرتمت فيه0
وضع كوبين على المنضدة و أخرج علبتين مرطبات من الثلاجة ثم ألقى عددا من مكعبات الثلج في الأكواب وفتح العلبتين ثم قال :
- ليس في الثلاجة غير هذا النوع من المرطبات0
هزت رأسها قائلة :
- لا بأس0
أخذ السائل الذهبي ذو الرغاوي يتساقط كالشلال على الثلج بينما كانت جين تراقبه بنهم 0 أحست وكأنه الذ مشروب تذوقته في حياتها 0 أخذ مقعدا لنفسه وجلس فيه0 وكأنه يمتطي سرجا مسندا ذراعيه على ظهر المقعد 0 أخذ يرقب جين بنظرة تائهة ثم قال:
- أحسنت القيادة هل اكتفيت بهذا القدر اليوم؟
- سأترك ذلك لك0
أجابته وهي تزحلق اصبعها على الكوب المثلج 0 اكتشفت أنها لا تستطيع مبادلته النظر في ثبات0 الأمر الذي كان مثار قلقها0
- اعتقدت أنك أخذت كفايتك ؟يبدو عليك الأجهاد 0
صمت برهة ثم أضاف:
- هل لي أن أطرح عليك سؤالا؟
أجفلها السؤال لكنه بادر مستطردا :
- اريد ان اسألك شيئا يتعلق بماك0
قالت وقد هدأت:
- ماذا؟
- لماذا عرضت أن تساعديه في مدرسته ؟
- لإني أردت ذلك0 هذا العمل يبدو ممتعا ولماذا تسأل؟
- أنت الآن في عطلة 0 وما من أحد كان يتوقع أن تتطوعي لهذا العمل 0
عادت إلى ذهنها تلك الصورة 0 وهم جالسون في الفناء في منزل والدها 0 كيف إن غافن هو الذي أثار الموضوع أولا 0 وكيف كانت النظرة التي علت وجه ماك وتعمد غافن مقاطعته عندما كأن ماك على وشك أن يقول شيئا 0 أحست جين أنها على أهبة اكتشاف شيء ما0 اطلقت زفرة عميقة ثم نظرت اليه متسائلة0 فقد كانت في حاجة لأن تعرف0
- قل لي كنت أنت أول من أثار الموضوع 0 لقد فعلت ذلك بغرض ما, ماهو ؟
ابتسم ورفع يده اليمنى في حركة استسلام قائلا:
- أنت ذكية جدا يا جين0
قالت بعناد وقد شددت قبضتها على الكوب :
- وجهت إليك سؤالا؟
جاء صوته رقيقا:
- نعم كان لي هدف كنت أود أن أعرف إذا كنت ستتطوعين او لا 0
- لماذا؟
- أرجعي هذا الى حب الأستطلاع 0
قال جملته الأخيرة محدقا فيها وكأنه يتحداها ان تسأله المزيد 0
- ظننت أنني لن أتطوع أليس كذلك ؟
- تصورت ذلك بالفعل 0
نهضت وجذبت حقيبتها بشدة من المنضدة اجتاحها غضب مفاجئ0
أحست إنها ستختنق إذا لم تقل فقالت :
- أن آسفه لأني خيبت ظنك , والآن أريد أن أعود الى المنزل0
- هل اغضبتك ؟
قاومت بشدة حتى استطاعت أن تتمالك نفسها ثم قالت :
- نعم اغضبتني 0 من تظن نفسك؟
- قلت لك الحقيقة أنا لا اكذب , هل كنت تحبين أن انفي ذلك؟
- بأي حق تخضع الناس لمثل هذه الاختبارات؟ أنت متعجرف بشكل لايطاق0 لقد توقعت أن أفشل في محاوله القيادة اليس كذلك ؟
- كلا لم أفكر في الحقيقة في هذا الموضوع0 وأنت لن تصلي الى شئ اذا فقدت اعصابك معي 0
اطلقت ضحكة وهي تقول:
- كلا- انت تتصور أنك تملك الجميع ان بوسعك إن تفعل ما تشاء0 حسنا ليس الأمر كذلك معي يا سيد غرانت 0
فأنا لست امرأة صينية مسنة يمكنك أن تطردها أؤكد لك ذلك 0
كانت ترتجف وقد ملأتها الرغبة الجارفة في أن تضربه اتجه نحوها ثم وقف أمامها مباشرة قائلا :
- سيدة صينية ؟ ماذا تقصدين؟
- أخالك نسيت 00؟ ان هذا لايدهشني 0
استدارت لتفتح ألباب وتخرج من الغرفة الخانقة بعيدا عنه0 فمد يده وأغلق ألباب من جديد قائلا:
- لم ننته بعد0
استدارت نحوه ثم قالت في حدة:
- افتح الباب لن امكث معك دقيقه واحدة بعد الآن 0
- بل ستمكثين إلى أن تفصحي عما تعنيه 0
- رأيتك في مطار جافر تعرض اراءك على مجموعة من الموظفين وتمنع تلك المرأة المسكينة من أن تستقل الطائرة0 إلى أين اقتادوها ؟ إلى غرفة التعذيب!
في تلك اللحظة انفجر ضاحكا ثم تمالك نفسه قائلا:
- يا إلهي هل بدأ الأمر كذلك ! هل أنت جادة حقا ؟
اكتفت بتحريك مقبض ألباب محاولة فتحه كرد على تساؤله 0 جذبها وأدارها لتواجهه وقد اطبقت اصابعه على ذراعيها قائلا برقة:
- اجيبي 0
- أنا لا أود أن أتحدث معك0 أرفع يديك عني في الحال0
- سأصحبك الى المدرسة غدا 0 ذكريني ونحن هناك أن أريك شيئا0
ومضت عيناه وأصبحت أكثر سوادا وقدرة على التغلغل فيها واستطرد:
- وبعد هذا أنا متأكد من أنك ستتراجعين عن كلامك !0
7- مفاجأة في المدرسة
عندما ذهبت جين الى فراشها حال أجهادها المفرط دون استرسالها بالتفكير 0 فبعد الشجار الذي وقع بينها وبين غافن اوصلها ورحل الى منزله بعد ان قطعا الطريق في صمت مشحون بالتوتر 0 جاء كولن في تلك الأمسية ,وحاول كولن ان يطوقها بذراعيه لكن جين صدته 0 لم تكن تعرف لماذا بالتحديد0 لكن ربما كان ذلك ردة فعل لما حدث مع غافن 0
كان ماك موجودا اثناء زيارة كولن وقبل ان يرحل طلب من جين ان توصله الى السيارة تاركين جون في حجرة الجلوس سعيدا وقد استنفد قواه في لعب الشطرنج مع ماك وبدا في تحسن واضح 0
بادرها قائلا :
- ابلغتك ميغان انني اريد من جون ان يعرض نفسه على اخصائي لأجراء الفحوص والأختبارت الازمة 0 انه يصاب بنوبات شبيهة بشلل مؤقت وقد جربت معه أدوية عدة 0 لكني لست متخصصا في هذا النوع من الأمراض , ربما تنجحين في اقناعه 0
- - اعدك بذلك يا ماك 0 ان ابذل قصاري جهدي 0
- ربت على كتفيها وقال :
- - انا متأكد من ذلك يا فتاتي 0 كم من الوقت ستقضين هنا ؟
- ربما شهر , لكني اعتقد انني قد ابقى لفترة أطول 0 فأنا ارغب في ذلك وهو طلب مني ان ابقى 0
- - انا آمل ان تفعلي ذلك يا جين فقد تغير بالفعل 0 رأيت ذلك بنفسي اليوم 0 انه رجل وحيد برغم اصدقائه الكثيرين 0 قبل مجيئك كان يعيش في فراغ حتى لوحاته أصبحت ضعيفة 0 وتلك مأساة لمن له موهبته 0 لكنه الآن يبدأ من جديد 0 عثر على ابنته واصبح لديه من يعيش من اجله 0 وكلما اسرعت بتعلم القيادة كان ذلك افضل 0 لأنك عندئذ ستتمكنين من ان تأخذيه في نزهات وبالمناسبة كيف سار درس القيادة مع غافن لم اشأ ان اسألك فور عودتك 0 فقد بديت شاردة الذهن قليلا 0
- غافن يقول انني اتقدم على نحو طيب ولكن 00
امسكت عن الحديث فبادرها قائلا :
- لكنه متعجرف ودكتاتور 0
- لم اقل ذل 00
- ليس هناك حاجة لأن تقولي فبوسعي ان ارى ذلك بنفسي 0 اعرفه أكثر من أي شخص آخر عرفت والده ايضا لسنوات طويلة 0 نحن نتوافق جيدا وانا احبه واحترمه فهو مستقيم صادق بمعنى الكلمة 0 وهو رجل عظيم تجدينه الى جوارك اذا احتميت اليه 0 لكني استطيع ان ارى اخطأءة ايضا 0 اعتاد منذ صغره ان يكون مطاعا 0 ربما لم يكن هذا خطأه هو فذلك تأثير المال – ليس على من يملكه بل على من حوله 0 فهم يرتعدون خوفا من اغضابه 0 لكن كوني كما انت يا جين ولاتدعيه يستأسد عليك0
- لن ادعه يفعل ذلك 0 وان كان هذا من الصعب 0
أحست انها تحب ذلك الا اسكتلندي الصريح وتثق فيه فاستطردت قائلة :
- عشت مع خالتي منذ وفاة أمي 0 وهي تشبه غافن لقد عشت تحت سطوتها , ولكن منذ مجيئ الى هنا أدركت كم كانت على خطأ 0 اعتقد انني اشمئز منه بسببها 0 أتعرف ما اعني ؟
- لست طبيبا نفسيا 0 لكني اعرف ماتقصدين 0 ستكونين يا جين ذات منفعة كبيرة لوالدك وربما لغافن ايضا 0
بتلك الكلمات ودعها ماك ضاحكا :
في صباح اليوم التالي كانت جين على أهبة الاستعداد 0 طلب منها ماك ان ترتدي شيئا يسهل غسله فارتدت شورتا قصيرا لونه ازرق ونزلت تنتظر غافن 0
قدمت لها الن فطورا دسما وهي تقول :
- ستكونين مشغولة طوال الوقت يا طفلتي 0 كلي جيدا فستكونين في حاجة الى كل قوتك 0
سمعت جين طرقا على الباب 0 فنهضت مسرعة محاولة الانتهاء من فطورها على عجل 0
- لاتضطربي 0ففي وسع السيد غافن ان ينتظر لحظة0
قالت مديرة المنزل هذه الكلمات وهي تنطلق نحو الباب مدمدمه في استياء0
كان غافن يقف قرب السيارة مع الن 0نظر اليها مليا قبل ان يحييها بفتور 0
قاد السيارة عبر الممر بينما كانت الن ترقبهما ولوحت لهما ثم استدارت داخلة المنزل 0
سألته جين وهي ترتعش :
-الى اين نحن ذاهبان ؟
- سترين بنفسك 0
جاء رده مقتضبا 0 واحست جين وكأنها قد وضعت كيانها كله في حال تأهب 0فمن الأفضل ان تتم هذه المواجهه بسرعة 0 قطع عليها افكارها قائلا :
- قد تخيب المدرسة آمالك 0 فلن تجدي هناك سوى نساء واطفال0
قال ذلك ثم راح ينظر اليها في امعان فأحست بالغضب يجتاحها لكنها تمالكت اعصابها وقالت :
- انا لا افهمك 0
- اعتقد انك تفهمينني 0 لن تجدي هناك رجالا لتؤثري عليهم , ثم ان هذا الشورت الذي ترتدينه لن يكون له أي مفعول 0
صرت على اسنانها قائلة :
- هل تعتمد ان تكون فظا ؟ اذا كان الأمركذلك 0 فقد نجحت 0 لقد ارتديت هكذا لأن ماك طلب مني ان البس شيئا يسهل غسله 00في كل حال 0انا لست سوى طفلة وانا واثقة ان هذه هي نظريتك نحوي فلا يهم اذا ما ارتديه 0
لم تكن متأهبة لرد فعله هذا 0فقد تقلصت فجأة عضلات وجهه وضغط بيديه على عجلة القيادة حتى بدت مفاصلهما بيضاء من شدة التوتر 0
ماذا قالت حتى اثارت غضبه على هذا الشكل ؟
قال :
- لست في حاجة لأن تذكريني بسنك0
ثم ساد الصمت 0صمت محير مثير للقلق 0 لقد نجح ردها العفوي في ان يسكته 0
اخترقت السيارة ميناء بورت باتريك , كانت الشوارع ملأى بصخب الحياة وتموج الألوان 0 بينما سيطر على السيارة جو من التوتر جعل جين تتمنى ان تكون خارجها وسط هؤلا المارة0
تغير طابع الجزيرة بعد ان خلفا وراءهما المدينة 0 فقد أصبح أكثر غرابة , بعد ان دنت الجبال من مرأى البصر , وظهرت الحدود والنباتات الأستوائيه المورقة بكثرة حتى قاربت ان تتعدى الطريق نفسه 0
حبست جين أنفاسها أمام هذا الجمال البرئ ففي بعض الأوقات قاربت الأشجار من الألتقاء عبر الطريق فبدا وكأنهما يسيران خلال نفق أخضر عال , بينما كانت الشمس تخترق بين حين وآخر فروع الشجر الكثيفة بوهج أصفر لامع كالماس 0 ابطأ غافن من سرعة السيارة فرأت من خلال الأشجار عددا من الأبنية المنخفضة المستطيلة –سقفها من الحديد المضلع , وقد طلي باللون الأبيض ليعكس الحرارة 0
كانت سيارة ماك تقف في ظل شجرة فأوقف غافن سيارته وراءها قائلا :
- هاقد وصلنا .
كانت جين تتساءل ماذا يمكن ان يريها هنا في المدرسه? بادرها قائلا وكأنه قرأ افكارها:
- أريد أولا أن أريك شيئا.
سار مبتعدا تاركا جين تتبعه وسط شجيرات كثيفه تعلوها ورود ناعمه ناصعة البياض ذات رائحة قويه, سارت جين خلفه وقد زمت شفتيها في تحد فجأه اقتربا من أرض خاليه فوصل الى سمعها صوت خرير المياه الذي أكسب تلك البيوت الصغيرة المتراصة في شكل شبه دائري جوا من السحر, اصطفت بطول الجدران شجيرات أزهار زاهية ألألوان ومروج صغيرة رويت بعنايه للمحافظة على خضرتها الناضرة بينما طلي كل منزل بلون زاه وفتحت النوافذ على مصراعيها لادخال أكبر قدر من الهواء0
توقف غافن واستدار ناحيتها متساءلا دون أن ينم تعبير وجهه عن شئ :
- هل أنت مستعدة؟
- مستعدة لماذا؟
رفع حاجبيه في سخرية قائلا :
- هل انت مستعدة لتعرفي ما أسفرت عنه زيارة المرأة الصينيه لغرفة التعذيب!
ودون أن ينظر وراءه مرة ثانية توجه نحو أقرب باب وطرقه0
خفق قلب جين بقوة عندما انفتح الباب0 فقد تقدمت مجموعة من الأطفال وأثنين وثلاثه من الشباب الصينيين نحو غافن وأحاطوا به بينما رأت وجها مألوفا يقف في مدخل الباب وقد تصاعدت جلبة من الأصوات جميعها تحيي غافن0 رفعت المرأة العجوز يدها بحركة تحية وقد علت وجهها ابتسامة عريضة.
تقدمت المرأة الى الأمام ببطء ثم انحنت وصافحته 0 استدار غافن نحو جين كانت نظرته ملأى بالتحدي 0 تم بدأ يتحدث في رقة إلى المرأة التي اومأت ثم ادارت عيني براقتين نحو جين وقت اتسعت ابتسامتها هذه لتكشف عن أسنانها الذهبية0
لم تكن تتحدث الإنجليزية فتولت حفيدتها ترجمة ردها على تساؤلات غافن قائلة :
- إن جدتي ترغب في أن تشكر لك اهتمامك فلولا وجود السيد غلرانت في المطار لم استطاعت المجيء إلى هنا0
بلعت جين ريقها محاوله الابتسام وهي متنبهة تماما إلى نظرة غافن الساخرة المثبته عليها حين مضت الفتاة تقول :
- نعم جاءت جدتي وحدها من سايغون 0 وفقدت نقودها وجواز سفرها0 كان موظفو المطار على وشك استدعاء البوليس , لكن غرانت طلب منهم العناية بها, وضمن لهم أن يقوم هو بالتحقيق من صدق روايتها عندما يصل هو الى سارامنكا ثم يعود إلى الاتصال بهم تليفونيا, على أن يقوموا في هذه الأثناء بتقديم الطعام لها على نفقته 0 إذ إنها كانت تشعر بجوع شديد بعد أن أمضت ساعات انتظار طويلة في المطار0
تصاعدت الأصوات من جديد0 وبدى غافن وكأنه يرفض دعوتهم له بالدخول , كانت يداه ترتفع في حركة معبرة عن الاعتذار وهويقهقر الى الوراء 0
تصحبه عاصفة من كلمات الوداع0 تأبط غافن ذراع جين ليعودا أدراجهما وسط الشجيرات الكثيفة0
وفي منتصف الطريق توقف قائلا:
- هل أنت مقتنعه الآن بأنني لست كريها0
- لقد لهوت بما فيه الكفاية , نعم , ماذا تريد مني, هل تريد أن أركع أمامك الم يكن في وسعك أن تكتفي بأن تقول الحقيقة؟
قال لها بلطف :
- هل كنت ستصدقينني ؟ كنت أريد أن ترى بنفسك حتى تعرفي الحقيقة وتدركي أن الأشياء ليست بالضرورة كما تبدو0
- ربما كان عليك أيضا أن تحاول تذكر ذلك0
- لقد قلت شيئا كهذا من قبل ماذا تعنين؟
ردت في غضب قائلة:
- إذا عليك أن تنتظر حتى أكون مستعدة لذلك, جئت لأعمل وأنا واثقة من أن ماك ينتظرني0
راح غافن يحدق في وجهها 0 شعرت فجأة بأنها لم تعد تخافه كانا إحساسا غاية في الغرابة 0 أحست وكأنها تعيش تجربة جديدة مع هذا الرجل المتسلط وعرفت إنه هو أيضا أحس بالشيء نفسه ذلك الشيء الذي لا يمكن وصفة0
استدارت جين وواصلت المسير , كانت تعرف أن شيئا قد تغير في تلك اللحظة0
رأت جين المدرسة كان الأطفال قد وصلوا بالفعل فصحبها ماك إليهم, بناء المدرسة مماثل للأبنية الأخرى التي رأتها منذ قليل0 منخفضة, مستطيلة, خشبية , ذات سقف حديدي مضلع ,قابلت سيدة لطيفة وقد تبعها أطفال يرتدون زيا موحدا0 كانت بشرتهم بلون العسل, عيونهم سوداء وقد بدأو جميعا ممتليين سعادة0
بادرت السيدة قائلة قبل أن يكون لدى مات فرصة لتقديمها:
- اسمي آن موراي 0 سعدت بلقائك0
صافحتها جين ضاحكة وهي تقول:
- آسفه أنني لا أعرف شيئا عن مدارس الحضانة0
- لكنك ستتعلمين أنا واثقة من ذلك0
نظرت السيدة موراي إلى ما ترديه جين بنظرة استحسان قائلة وهي تتنهد:
- كنت أود أن يكون في وسعي ارتداء الشورت لكن زوجي يقول إنه ليس مناسبا لسني0
قال ماك مداعبا :
- إنه يخشى أن يلتف الرجال حولك0 اسمحا لي بالرحيل فلدي عملية جراحية في المدينة سأعود في وقت آخر0
تلفتت السيده حولها قائلة:
- تعالي معي يا انسه , نتجول في أرجاء المدرسة0
تضاحك الأطفال في مرح وركض بعضهم إلى الأراجيح بينما وقف البعض الآخر يراقب في صمت0
تقدمت نحو جين طفلة صغيرة وقد وضعت اصبعها بثبات في فمها0 ثم اخرجت اصبعها من فمها رافعة ذراعيها إلى أعلى نحو جين وهي تقول:
- من فضلك احمليني 0
انحنت جين ورفعت الطفلة الصغيرة بين ذراعيها فابتسمت السيدة موراي قائلة:
- هذه هي ميلاني ستطلب منك أن تحمليها طوال اليوم0 فإذا لم تكوني حازمة معها فإن ذراعيك ستتعبان 0
طوقت ميلاني عنق جين ضاحكة بيد متسخة قليلا0 فعرفت جين ماذا كان يعني ماك عندما طلب منها ارتداء ملابس يسهل غسلها 0وقالت الطفلة:
- أنا أحبك0 أنت صديقتي0
في فترة الظهر أحضر رجلان أوعية طعام ضخمة من مقصف العمال0 وجلس الأطفال إلى الموائد يأكلون وتناولت آن وجين وجبتهما مع الأطفال0
وبعد ذلك خلد الأطفال إلى الراحة واطلقت آن زفرة ارتياح بعد أن وضعت آخر طفل في سريره 0 ونظرت إلى الأسره الصغيرة المصطفه وقد رقد في كل منها وجه صغير, نظرت إلى جين قائلة:
- أمامنا ساعة للراحة تعال لنتناول قهوة مثلجة وندخن سيجارة تحت تلك الشجرة فنحن في حاجة إلى قيلولة قصيرة0
جلست آن وجين تثرثران في تراخ تحت ظل شجرة ملتوية ضخمة كانت أوراقها تصدر حفيفا وسط نسمة خفيفة 0 سمعت جين صوت سيارة تتوقف بعيده وتساءلت إذا كان ماك قد عاد ثم نسيت الأمر عندما بادرتها أن قائلة:
- يجب أن تحضري حفلة الزفاف يوم السبت0
- هذا كرم منك0 أشكرك0 هل سيحضر والدي الحفلة؟
هزت ’أن كتفيها قائلة :
- لا نعرف بعد ماك سيخبرنا بذلك ولكن حتى لو لم يحضر يجب أن تأتي انت 0 غافن يمكن أن يحضرك أنا واثقة من ذلك0
- شكر لك سأحدث ميغان بذلك حين اراها 0
مر الوقت بسرعة وبدأ الأطفال يستيقظون بادرتها جين متسائله:
- هل يعمل آباء الأطفال جميعا في مصنع التعليب؟
- نعم او في مجمعات تخزين لباب جوزالهند0 فنحن لدينا مشروع تصدير لباب جوزالهند وليفه المستخرج من القشرة خارجية وهو يستخدم في صناعة الحصير وأشياء أخرى0 وعندما يتسع المشروع سنعمد إلى تزويد المدرسة بهيئة من المدرسين المتمرسين 0 فالمدرسة مازالت في مرحلة تجريبية ولذلك فغافن لا يملك ألا أن يقبل مساعدة عدد منا كلما امكننا ذلك - ونحن نسعد بأن نخدمة فهو بذل الكثير من آجل سارمنكا و كل فرد فيها0
- تقصدين ماك انه000
قاطعتها أن وهي تضحك في دهشة :
- كلا لا أقصد ماك بل غافن فكل هذا ملك له وحده0
لم تستطع جين أن تستوعب ما قالته آن بعدة دقائق حيث وقفت محملقة في ذهول ثم قالت في بطء:
- لست أفهم تصورت أن هذه المدرسة ملك لماك 0
- نعم يمكنك أن تقولي ذلك فهما فكرا في المشروع معا الم يخبرك أحد بذلك؟ إن المصنع ملك لغافن 0 كما كان ملكا لوالده من قبله 0 وماك يقدم له النصح فيما يتعلق بالشئون الصحية والتأمينات وشروط العمل0 تمكنا من رفع مستوى المعيشة في الجزيرة بشكل ملحوظ مما مكن الأمهات أن يعملن هنا وهن واثقات من إن أطفالهن في أمان0
لم تكن جين تصغي إليها تماما فقد عادت إلى ذلك الحوار الذي دار في بيت والدها وعرفت الآن لماذا قاطع غافن ماك في تلك اللحظة وفيما بعد عندما كانا في المطار كان في وسعه أن يقول لها الحقيقة لكنه لم يفعل0
دخلت إلى المدرسة وبدأتا توقظان من بقيا نائما من الأطفال قفزت ميلاني متجهة نحو جين ثم دست يدها صغيرة في يد جين 0
ابتسمت آن قائلة:
- أصبحتما صديقتين0
- إنها فتاة طيبة0
سأدعك تكتشفين ذلك بنفسك0
جلست جين تلعب مع الأطفال في ملعبهم ثم تذكرت كلمات آن تلك فتلفت حولها لتتأكد من إن كل شيء على ما يرام 0 نهضت مسرعة وقد استدارت صوب المدرسة منادية0 :
- ميلاني هل هي عندك؟
ظهرت آن في مدخل الباب قائلة:
- كلا هل حدث هذا مرة ثانية ؟ متى رأيتها لآخر مرة؟
- منذ دقيقه واحدة كانت تلعب في حفرة الرمال0
- جربي هذا طريق بينما ابحث عنها وراء المدرسة0
ركضت جين مسرعة نحو الطريق وسط شجيرات متشابكة وقد غمرها ذعر مفاجئ اكتسى المكان بالعشب - فكان يمكن للفتاة الصغيرة أن تكون في أي اتجاه دارت حول نفسها ثم هوت وقد أحست بالدوار بعد أن تعثرت قدمها في نبات متسلق0
نهضت متجاهلة الآلام في كاحلها وركضت وهي تنادي صارخة:
- ميلاني , ميلاني اين انت ؟
توقفت فجأة بعد ان اقتربت من الساحة الأخرى المؤدية إلى المصنع التي كانت تقف فيها سيارة ماك 0 بل كانت سيارة غافن وقربها رأت وجهين مألوفين 0 استوعبت جين ذلك المنظر في ارتياح مفاجئ 0 لم تعرف في تلك اللحظة أن منظر هذين الوجهين سينطبع في ذاكرتها إلى الأبد0
كان غافن منحنيا ليحمل ميلاني 0 رأت ذلك الرجل الطويل القامة وهو يؤرجح الطفلة الصغيرة الممتلئة 0 كانت تسمع صرخاتها الضاحكة كما سمعته يقول:
- أين أنت ذاهبة ياميلاني؟
رأى جين فجأة فتوقف0 تقدمت نحوهما وهي تجفل من الألم كلما وضعت قدمها اليسرى على الأرض 0 تقلص وجه غافن عندما خفض نظر إلى قدمها فبادرها متسائلا:
- هل كنت تركضين؟
- نعم أشكرك لأنك اوقفت ميلاني دعني اعيدها إلى المدرسة0
- من الأفضل أن أفعل أنا ذلك 0 فأنت لا تبدين على ما يرام0 هل تؤلمك قدمك؟
- كلا 0
كانت تكذب واستدارت عائدة 0 كل خطوة كانت عذابا لكنها كانت عازمة على الا تجعله يرى ذلك0
ظهرت آن ورأت جين فحملقت قائلة:
- ماذا جرى لك ؟
قال غافن :
- أعتقد أنها في حاجة إلى بعض الإسعافات الأولية0
انزل ميلاني من بين ذراعيه قائلا:
- اذهبي أيتها الفتاة الشقية ,لاتهربي مرة ثانية وإلا ضربتك 0
أخذت ميلاني تقفز بعيدا وهي تقهقه , ثم ركضت لتنضم إلى رفاقها0
تقدمت آن نحو جين آخذة بذراعها وهي تقول:
- اجلس في الداخل سأذهب لأحضر ماء مثلجا لونك شاحب0
امتثلت جين في صمت فلم يكن أمامها خيار برغم إحساسها بوجود غافن فهي تعرف إنه ليس في وسعها أن تظل واقفة كي لا تتعرض مرة اخرى للغثيان0
سمعت آن تقول شيئا لغافن بصوت مرتفع , لكنها لم تعي الكلمات ثم وجدت نفسها جالسه في أحد مقاعد الأطفال الصغيرة 0
قالت آن :
- تورم كاحلك كا البالون 0 يجب أن نحضر ماك ليرى قدميك 0 ألا تظن ذلك يا غافن 0؟
ركع أمام جين ثم رفع رأسه مؤيدا كلام آن:
- نعم لكن أمامنا بعض الوقت قبل أن يحضر سأضمد الجرح أولا0 أين صندوق الإسعافات الأولية يا آن ؟
اختفت آن في حجرة مخزن صغيرة فقال غافن برقة:
- لماذا أنكرت أن كاحلك تؤلمك عندما سألتك ؟
- أنا لا أحب استثارة شفقة أحد 0
ضغط على شفتيه قائلا :
- لم أقل أنك كذلك ولكن كم أتمنى لو لم تكوني00
لم تعرف قط في ماذا كان ينوي ان يقول في تلك اللحظة دخلت آن حاملة الإسعافات الأولية0
كانت يدا غافن رشيقتين سريعتين وهو يضمد كاحل جين بمهارة0 اختلطت مشاعر جين بين احساس بالراحة بعدما خفف الضماد البارد الآمها وبين الخوف من ذلك الإحساس بالاضطراب الذي أحدثته لمسة يده 0
قالت بعد إن انتهى من تضميد قدمها:
- شكرا0
- هذا من دواعي سروري من الأفضل أن اصحبك الى المنزل أليس كذلك؟
- كلا شكرا أفضل أن أبقى مع الأطفال أقص عليهم حكاية 0
- كما تشائين يا جين لم تبقى سوى ساعة واحدة فقط على موعد انصراف الأطفال0
رفعت آن يدها إلى فمها قائلة:
- يا إلهي يجب أن أعطي الأطفال الحليب 0
- سأتولى الأمر عنك0
عاد غافنلا وآن بإبريق من القهوة المثلجة ووعاء كبير من الحليب , وبعد أن قدما الحليب للأطفال الذين اصطفوا استجابة لتعليمات غافن , جلست جين وآن وتناولتا مشروبهما المثلج 0 اما غافن فقد ظل في الخارج0
همست آن قائلة:
- إنه رائع مع الأطفال أتعرفين ذلك 0 إنهم يفعلون أي شيء من اجله 0
لم يكن في وسع جين إلا أن توافق على ذلك وهي ترقب ألأطفال يناولون غافن أكوابهم الفارغة0:
- إنهم يطيعونه لأنه يرعبهم0
ندمت على ما تفوهت به في الحال 0 وضحكت آن قائلة:
- لا أعتقد ذلك فهو عندما يأتي إلى هنا يختلف تماما عن ما هو عليه في عمله 0 هنا يصبح على سجيته اعتقد انه واحد من هؤلا الرجال الذين لا يخشون أن يظهروا بعض الرقة من حين إلى آخر فمعظم الرجال يعتقدون أن هذا يتنافى مع رجولتهم 0 أما غافن فلا يهتم برأي الناس فيه0
رشفت جين قهوتها ببطء لم تكن تريد أن تعرف شيئا عن وجه الآخر0 لكنها برغم ذلك وجدت نفسها تراقبه وقد انحنى يحدث أحد الأطفال0 منكب على ما يقوله الآخر دون أثر لتلك العجرفة المعتادة في وجهه0
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تساءلت فيها جين عما إذا كانت سارة تأتي الى المدرسة0 لم تجد الوقت مناسبا لتسأل 0 فقد كانا غافن آتيا يحمل مجموعة من الأكواب الفارغة إلى حوض الغسيل 0
بادر آن قائلا:
- سأقيم سورا حول تلك المساحة من الأرض حتى لا يتكرر حادث ميلاني0
- إنها فكرة جيدة وستسهل مهمتنا 0
- سأعمل على تنفيذها غدا0
نظر إلى ساعته وقال:
- أنا ذاهب الآن لأرتب بعض الأمور المتعلقة بهذا الموضوع0
قالت آن وهي تهز رأسها:
- هذا هو غافن , لا يكاد يقول شيئا إلا ويفعله من المؤسف إنني لن اكون هنا غدا لأراقبه وهو ينفذه0
عاد غافن بعد قليل ومعه اثنان من سكان الجزيرة يحملان مجارف ومطارق 0 رأته جين وآن في يشير إلى عدد من المواقع ويخطط بالعصا في الأرض الرملية وسطا انبهار ألأطفال 0 ثم تقدم نحوهما قائلا :
- اتصلت تليفونيا بالمدينة من مكتب المصنع ستحضر سيارة نقل بعد نصف ساعة وفيها كل ما نحتاجه 0 وفي هذه الأثناء سنبدأ حفر الأساس0 فإذا سمحتما ابعدا ألأطفال عن طريقنا0
وبحركة رشيقة خلع قميصه وألقى بها على أحد المقاعد كانت بنيته قوية فكتفاه كبيرتان بعضلات قويه , وصدره عريض مغطى بشعر اسود كثيف 0 برقت القلادة الفضية المدلاة من عنقه وهو يتحرك متجها نحو الخارج 0 غضت جين بصرها وثبتته بسرعة بين يديها 0 ثم شعرت بارتياح عندما قالت آن:
- ياله من رجل قوي البنية0 لا غرابة في إن كل نساء الجزيرة يتمنين صداقته 0
قالت جين وهي تحاول الضحك:
- حقا لكنه مرتبط, اليس كذلك؟
- تقصدين سارا؟ أعتقد أنها تأتي في المقدمة إنها تسعي إلى ذلك بلا شك لكن صديقنا غافن طائر مراوغ0 الم تلتقي كاي بعد؟
- كلا هل كانت في حفلة ساره الأسبوع الماضي؟
- كلا , فهما لا تتبادلان الحديث لأسباب واضحة بالطبع كاي ستحضر حفلة زفاف شيرلي ويمكنك أن تلتقيها هناك0
نظرت جين إلى حيث بدأ غافن عملية الحفر فقد كان ذلك أمرا مسليا بالفعل0 كان يعمل بحركة قليلة سريعة تكشف عن تمرسه0
تساءلت جين قائلة:
- لماذا يفعل هذا بنفسه؟
- أتصور أنه يستمتع بمثل هذه التمرينات 0 فقد كان رياضيا قديما قبل أن يموت والده ويتولى هو كل مسئولياته 0أعتقد إنه يريد أن يحتفظ بمظهره كما أن العمال يتفانون في عملهم متى رأو رئيسهم يشاركهم فيه 0
- قال لي ماك إن غافن يعرف كيف يقاتل 0 ولكن لم يقل لي كيف كان ذلك ؟
- تلك القصة انتشرة في الجزيرة كلها في ذلك الحين 0 بعدما تولى إدارة المصنع أثر وفاة والده مباشرة كانت هناك بعض المشاكل بين العمال ثم تطورت إلى عراك 0 ووصل ماك وغافن عندما كانت المعركة في أوجها 0 القى غافن نظرة خاطفة ثم وقع اختياره على زعيمي المجموعتين المتصارعتين خاض في الكتل وسط اللكمات وفي لحظات افقدهما الوعي فتفرق الجمع تلقائيا0
كانت عينا جين مثبتتين الآن على غافن الذي لم يكن يدري طبعا أن الحديث يتناوله0 أحس جين أنها بدأت تعجب بالفعل بشخصية غافن كل يوم تسمع شيئا جديدا عنه يجعلها تكتشف مزاياه ومدى ما يتمتع به من نفوذ في الجزيرة نهضت جين وقد أحست بالقلق فجأة 0 خطت ببطء وحرصصوب الباب 0توقفت خجلة على وشك ان تعود أدراجها بعد أن أحست بعيني غافن مثبتتين عليها 0 في تلك الللحظة سمعت رنين الجرس يدعو ألأمهات الى تسلم اولادهن 0
كان غافن يغرز الجاروف في الأرض الصلبة ويتقدم نحوها قائلا:
- انتهى يوم عملك هل أنت سعيدة؟
نظرت إليه جين بحدة قائله:
- لقد استمتعت به 0
- هل ستأتين مرة ثانية ؟
- نعم لماذا لم تقل لي ان هذا المشروع ملكك؟
- هل عرفت ؟
- نعم0
حاولت الوقوف فأمتدت يده فجأة تمسك بذراعها أحست بالأضطراب فابتعدت قليلا وهي ما زالت تنظر اليه 0
- تصورت انك لن تقدمي مساعدتك اذا عرفت ذلك 0
ثم اضاف في رقة :
- هل كنت ستقدمين مساعدتك ؟
- لا اعرف 0
تمنت لو لم تكن أجابت بهذه السرعة 0
- الم اقل لك اذا 00
وفجأة توقف عن الكلام ثم قال :
- سمعت شيئا 0 اما انه الأتوبيس او ان الأشياء التي طلبتها للسور وصلت , اسمحي لي 0
سار بخطوات واسعة نحو الطريق ثم جاءت آن وقالت :
- الى اين ذهب ؟
- ليرى من الذي وصل 0
ظهر ماك وسط حشد من النساء بثياب زاهية الألوان يثرثرن ويلوحن لأطفالهن 0 ثم ذهب الجميع ليسود الصمت 0
تلفتت آن حولها قائلة :
- انقضي يوم آخر يا ماك0ادت جين دورها جيدا 0
- كنت اعرف انها ستفعل ذلك0
نظر ماك الى قدم جين وقال :
- ماذا كنت تفعلين يا سيدتي الصغيرة ؟
- كنت اطارد ميلاني ثم زلت قدمي 0
- يبدو انها صمدت جيدا 0 سأراها عندما نصل الى المنزل 0 هل انت مستعدة للذهاب يا جين ؟
ابتعدت جين وماك عن المدرسة رويدا 0 لم يكن هناك أثر لغافن 0 وعندما اقتربا من سيارة ماك 0 كان يقف يتحدث مع سائق عربة نقل وعندما رآهما تقدم نحوهما 0نظر الى جين قائلا في هدوء:
- شكرا على مجيئك , انا اقدر مساعدتك 0
كانت كلماته هذه المرة لها وحدها 0 وكأن ماك غير موجود 0 لمحت جين شيئا في عينيه 0 شعرت بالدفء والأطمئنان 0تبادلوا كلمات الوداع ثم استقلت جين سيارة ماك 0 امسك غافن بباب السيارة كي تجلس ثم اخذ يتحدث مع ماك في الجانب الآخر من السيارة 0 كانت تسمع صوتهما لكنها لم تفهم شيئا 0سيطرت على مخيلتها النظرة الحانية في عيني غافن 0تشبثت جين بحقيبة يدها وأحست برغبة في البكاء من دون ان تعرف لماذا 0