لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-08, 01:53 PM   المشاركة رقم: 151
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو متألق


البيانات
التسجيل: Nov 2007
العضوية: 56096
المشاركات: 203
الجنس أنثى
معدل التقييم: جيجى22 عضو له عدد لاباس به من النقاطجيجى22 عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 114

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جيجى22 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

شكرا لكى يا كحيلة العين و تسلم ايدك و بالنسبة للتصويت عايزة اقوك ان قصة غرباءعلى الطريق موجودة فى المنتدى , اما قصة قلب فى المحيط موجودة فى منتدى روايات عبير , اصوت لقصة الوجه الاخر للذئب و تحياتى للناظر و الامل الدائم و كحيلة العين و مملوكة و شكرا لكم و لمجهودكم و اقول للناظر ان ان شاء الله تكون الظروف انتهت على خير و شكرا لكم جميعا

 
 

 

عرض البوم صور جيجى22  
قديم 09-05-08, 02:53 PM   المشاركة رقم: 152
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 73660
المشاركات: 299
الجنس أنثى
معدل التقييم: كحيلة العين M عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كحيلة العين M غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

اشكرك كتير يا (( الناظر )) وكمان (( جيجي )) والله لايحرمني منكم ومن ردودكم
راح احاول اليوم انزل الجزء الاول من رواية الوجه الاخر للذئب
واوصيكم الرواية في قمة الروووووووعة وهي اكثر رواية احبها واتمنى تحبوها قد ما حبيتها
تحيييييييييااااااااااااتي
كحيلة العين

 
 

 

عرض البوم صور كحيلة العين M  
قديم 09-05-08, 03:19 PM   المشاركة رقم: 153
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 48689
المشاركات: 102
الجنس أنثى
معدل التقييم: ملووكه عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ملووكه غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

تسلمييييييييييييييييييييين ياقلبي كحله يعطيك ربي العافيه الروايه ولا اروع


افضل قراءة الوجه الأخر لذائب او قلب في المحيط


تحياااتي الناظر الحمد الله على السلامه

انشالله عدة ظروفك على خير


حياااك الله جيجي معانا


تحيااااتي للجميع

ملووووكه

 
 

 

عرض البوم صور ملووكه  
قديم 09-05-08, 08:55 PM   المشاركة رقم: 154
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 73660
المشاركات: 299
الجنس أنثى
معدل التقييم: كحيلة العين M عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كحيلة العين M غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

مساء الخير لجميع الاعضاء
حأنزل رواية الوجه الاخر للذئب

الملخص
عاشت جين في كنف خالتها دورثي من غير أن تعلم شيئا عن والدها سوى ما أخبرتها إياه الخالة وهو أن هذا الأب القاسي الأناني تخلي عنها منذ12 سنة وغادر البيت إلي غير رجعة .
وفجأة عرفت جين أن والدها لم يتخلي عنها , وانه كان يراسلها باستمرار من دون أن تصلها أية رسالة , إلي أن وقعت على الرسالة الأخيرة التي يدعوها فيها إلي زيارته في جزيرة "سارامنكا".
وفي المطار اصطدمت جين بمشهد آلمها : رجل ضخم الجثة يصرخ في امرأة صينية مسنة , واثنان من أتباع الرجل يأخذانها إلي جهة مجهولة .
وتشاء الصدفة أن تلتقي جين الرجل نفسه في بيت أبيها بالذات ... وتتكرر المصادفات وكذلك اللقاءات , وفي كل لقاء كانت جين فريسة أحاسيس متناقضة تجاه الرجل الذي أرعبها تصرفه في المطار .
من هو هذا الرجل , وما هي حقيقة قصة المرأة الصينية ... وما هو الدور الذي يلعبه السيد غرانت في الجزيرة ... وكيف انتهي الصراع الطويل المرير بين جين والرجل القوي ؟
1- أنا آتية يا أبي


أول ما شاهدت جين هذا الرجل نفرت منه وقضمت شفتيها وسارعت إلي المجلة المفتوحة فوق ركبتيها محاولة أن تحجب عن أذنيها ضجة الأصوات المرتفعة في مبني المطار الذي تشوبه لسعة الحرارة في المرحلة النهائية من رحلتها إلي جزيرة سارامنكا . كانت الخالة دورثي تبعد عنها آلاف الأميال , هناك في انكلترا , وبرغم ذلك كانت كلماتها تطن في أذنيها : لن تستطيعي أن تعيشي وسط هذا الضجيج."
لم تكن هناك فائدة . فقد كان من المستحيل تجاهل ذلك المشهد كما كان من المستحيل تجاهل الخالة دورثي وقد انطلقت في انفعال . رفعت جين رأسها علي مضض ونظرت ثانية إلي الرجل المتسبب في تلك الضجة . كانت قامته أطول من الآخرين,وشامخا أمام بعض الموظفين , وأمام المرأة الصينية المنحنية المتشبثة بحقيبتها الكرتونية الرثة . كان هناك أيضا عدد من المتفرجين الذين شدهم ذلك المشهد . كان الرجل غاضبا وبرغم هذا لم يكن صوته مرتفعا . بيد أنه عندما كان يتكلم , كان يفعل كمن له سلطان , وكان الآخرون يسمعونه لفترة وجيزة , ليتحركوا من جديد بأيديهم , وجبينهم مكدود في يأس واضح . لم تكن لدي جين أدني فكرة عما يدور , المرأة الصينية يعلو هامتها المشيب , هادئة بجلال غريب وسط ذلك الهياج.
" يبدو أننا سنظل هنا إلي أن تنتهي المشكلة ."
رفعت رأسها سريعا لتنظر إلي الرجل في جوارها . يبدو انه أميركي , وقد تدلت آلة تصوير من عنقه فوق قميص منقوش بأزهار تخطف البصر :
" نعم , رغم إني لا أعرف السبب."
الرجل في الستين من عمره , بشرته سمراء وشعره كستنائي وعيناه بنيتان . جلس في جوارها , وقد اعتبر ردها دعوة صريحة لتبادل الحديث وقال:
" يبدو أن ذلك الشخص الضخم يعترض علي أن تستقل السيدة الصينية الطائرة إلي سارامنكا , أو علي الأقل هذا هو الانطباع الذي كونته ."
نظرت عبر القاعة نحو الرجل . ترى ما هي فرصة مثل تلك المرأة المسكينة للوقوف أمام رجل كهذا ؟ من الواضح أنه لا توجد فرصة على الإطلاق . ثم بدأ الجمع يتفرق . واقتاد أحد المسؤولين المرأة بعيدا تاركا إياها تحمل حقيبتها بنفسها.
" ما أقل ذوقه ..."
لم تكن تعي أنها تحدثت بصوت مسموع إلي أن رأت الرجل الجالس جوارها يلوي قسمات وجهه في شبه ابتسامة .
" إنه يبدو كرجل قادر أن يصل إلي ما يريد."
وقدم لجين بطاقته:
" دعيني أقدم نفسي . جاكسون تي ميلار . يمكنك الاحتفاظ بها هل أنت ذاهبة إلي سارامنكا"
" نعم , في أجازة."
ترددت جين عند لفظها الكلمة الأخيرة . فليس في وسعها أن تشرح لهذا الغريب عن أسباب سفرها.
" سأحضر بعض المرطبات. ما هو شرابك المفضل ؟"
ترددت جين ولكنها ابتلعت مخاوفها وقالت بخجل :
" أي شيء مثلج من فضلك . أسمي جين , جين ريتشي."
" إني مسرور بلقائك يا جين . فأنا لا أحصل كل يوم على فرصة التحدث مع فتاة جميلة ."
أختفي وسط الناس , الذين بدءوا يتحركون الآن تحركا طبيعيا بعد أن أنتهي الحدث المثير . أختفي الرجل الضخم , ولكن أحست جين برعشة خفيفة لم تره إلا عن بعد مع ذلك تلقت انطباعا بأن قوة قاسية تنبعث منه . الرجل شديد السمرة وقد لفحته الشمس , يرتدي بزة بلون الظبي الصغير من قماش خشن . لن تراه ثانية , هذا شيء يسعدها . بدأ ينقشع قدر من اليأس الذي خيم على جين قبل أن تترك لندن منذ ساعات . فهي لم تقدم على شيء خاطئ على الإطلاق . كل شيء سيسير على ما يرام , برغم تنبؤات الخالة دورثي المليئة بالتشاؤم.
تطلعت جين أمامها , لكنها لم تر ذلك الحشد , ولم تسمع تلك الثرثرة الحادة المتنوعة اللغات فللحظات عادت بذاكرتها إلي لندن لتعيش من جديد الصدام المرير مع خالتها .
" أنها فرصتك الأخيرة . إذا ذهبت فلن تعودي إلي هنا أبدا".
كانت الخالة دورثي تقف في جوار النافذة مولية ظهرها لجين .
وحين استدارت ببطء كانت هناك بقعتان مشتعلتان فوق وجنتيها وأحست جين بوخزه تسري فيها بقوة لعلها من الشعور بالإشفاق , إذ فجأة رأت عمتها على حقيقتها , امرأة وحيدة في خريف عمرها تشعر بالمرارة وهي تري ابنة أختها تتحداها للمرة الأولي في حياتها.
" خالتي دورثي . اعلم أنك كنت كريمة للغاية عندما سمحت لي بأن أعيش معك السنوات الست الأخيرة وأنا أقدر كل ما فعلته من أجلي , ولكن ألا تستطيعين أن تتفهمي موقفي , أريد أن أشاهد والدي ألا يمكنك أن تحاولي أن تقدري وضعي ؟"
" كنت في السادسة من عمرك . عندما هجر والدك البيت ولم يسأل عنك .تتذكرين قولي ؟ لاشيء . لم يكن يصلح لشيء ولن يصلح أبدا ."
كانت يدا الخالة دورثي متشبثتين بظهر المقعد وقد بدت مفاصلهما بيضاء من التوتر وجهها شاحبا .
هزت جين رأسها وهي تقول :
" بعث إلي برسائل مرات عدة . دون أن تصلني واحدة منها . ولو لم يكشف لي ساعي البريد إلى مصادقة لما علمت بذلك . لماذا أخفيت الرسائل عني ؟"
" فعلت ذلك من أجلك أنت . لم أكن أريد أن أزعجك ."
" كانت الرسائل لي . ولم يكن من حقك أن تخفيها عني ."
" كان لي كل الحق . أنت تعيشين في بيتي وفي حمايتي ."
ضغطت جين على الرسالة الأخيرة التي تمدها لم تعد تخشي الآن تلك المرأة التي سيطرت على حياتها منذ كانت في الثانية عشرة من عمرها , منذ وفاة أمها .
" أنا لم أدرك إلي أي حد كنت مستاءة لبقائي معك . أنا آسفة ولكني سأبذل قصارى جهدي لأعوضك عما بذلت . سأعمل في عطلة نهاية الأسبوع إبان دراستي في كلية المعلمات ."
أمسكت عن الكلام بعدما رأت وجه خالتها الغاضب المتجهم . اندفعت الدموع إلي عينيها . أحست بصدمة حين اكتشفت فجأة أن خالتها تضن عليها بتلك الرعاية التي منحتها إياها طوال تلك السنين . والآن اتخذت جين قرارها , ولا عودة عنه . ليحدث ما يحدث فهي ذاهبة لرؤية أبيها . إنه لم يكن في حالة صحية تسمح له بالسفر وإلا لكان حضر إلي انكلترا . أبلغها ذلك في رسائله , رسائله التي ظلت حبيسة صندوق مكتب خالتها . قرأتها جين جميعا : رسالة رسالتان كل عام , من أماكن مختلفة من شتي أنحاء العالم , عدا الرسائل الأربع الأخيرة , فجميعها أرسلت من جزيرة في المحيط الهندي , اسمها سارامنكا . كانت طوابع تلك الرسائل رائعة الجمال عليها صور لطيور وأزهار غريبة بعثت جين على الفور برسالة إلي العنوان المثبت على متن الرسالة المهترئة . وجاءها الرد . بعد خمسة أيام , رسالة مقتضبة : رسالتي في الطريق إليك وفيها نفقات الطائرة . أحضري أرجوك .
مسحت جين دموعها , واستدارت تحمل حقائبها , لم يعد هناك مجالات لأي حديث
*****
" هيا استيقظي يا حلوتي جين . أن الثلج يذوب."
كلمات قليلة أعادت جين إلي الواقع , لتري صديقها الجديد يرقبها بابتسامة عريضة.
" أنا آسفة , سافرت مع تأملاتي إلي البعيد "
أخذت الكوب المقدم إليها , شاكرة صديقها الامريكي , ثم مر في جوار المائدة احد الخدم ليقول:
"ستقلع الطائرة بعد خمس عشر دقيقة."
قاومت جين إحساسا بالذعر بدأ يهاجمها . لقد اقتربوا الآن من نهاية رحلتهم . ماذا لو كانت الخالة دورثي على حق : هل هي متهورة حمقاء ؟ انطلقت الأفكار في دوامة جنونية . ثلاث ساعات أخري ويصلون .
سالت رفيقها الاميريكي :
"هل ذهبت قبل الآن إلي سارامنكا ؟"
" نعم , مرة أثناء الحرب لا يمكنني أن أنساها . وهذا هو سبب عودتي إليها."
" أخبرني عنها بالتفصيل ."
" أظن أنها مختلفة الآن , لكنها مكان فسيح قد يصل طولها إلي ستين ميلا . تبدو من الطائرة وكأنها سمكة عملاقة . خضراء جدا , نباتها مورق وطبيعتها غنية بما يسحر ويريح."
كانت في عينيه نظرة حالمة كأنه غجري منطلق مع قيثارته :
" نعم يا سيدتي . إنها رائعة هناك ينمو قصب السكر على مدي أميال وأميال ."
" هل أنت ذاهب في أجازة؟"
" يمكنك أن تسميها رحلة إلي الماضي ."
توقف قليلا ثم ابتسم وقال:
"ولكن ما الذي يجعل فتاة مثلك تقطع كل هذه المسافة وحيدة لتأتي إلي هنا ."
روت له جين بإيجاز قصة رسالة أبيها ودعوته المفاجئة لها.
" هذا شيء رائع . ألم تريه منذ اثنتي عشرة سنة ؟ أراهن أنه سيكون لقاء رائعا."
عبر الميكروفون جاء صوت المذيعة الجاف:
" الرجاء من المسافرين إلي سارامنكا التوجه إلي الباب الرئيسي."
جلست جين في مقعد مجاور للنافذة محدقة في الحشد الصغير المتجمع أمام مدخل الباب الرئيسي وأحست بالارتياح وهي ترقب ذلك الحشد لأنه لم يكن هناك أثر لذلك الرجل الغريب الطويل القامة . أقلعت عدة طائرات منذ أن حدث ذلك المشهد الكريه في المطار . من المحتمل أن يكون قد أستقل إحداها . لم يكن هناك أثر أيضا للمرأة الصينية . وتساءلت جين عما يكون قد حدث لها . إن منظر تلك المرأة العجوز وهم يقودونها بعيدا لا يبرح مخيلتها . وعندما كانت على وشك أن تدير رأسها بعيدا عن النافذة لتحدث رفيقها المنهمك في دراسة بعض الأوراق التي استخرجها من محفظته , توقفت وأطلقت شهقة وقالت :
" أوه _ لا ."
" ماذا هناك ؟"
" أنظر ."
أشارت جين إلي رجل طويل يسير متمهلا خارجا من المبني . كان هو ذلك الرجل نفسه , الذي تسبب في ذلك الصخب يسير الآن نحو الطائرة . كان قد خلع سترته , وحملها فوق كتفيه , كان يبدو وكأنه غير مبال بأي شيء حوله .
" اعتقدت بأنه رحل."
" أنا أيضا . هل قلت إن سارامنكا كبيرة ؟"
" كبيرة بالقدر الذي يكفي لكي لا تصدمي به , إذا كان هذا ما تعنينه من السؤال ."
ضحك ضحكة خفيفة وقال:
" هل تكرهينه إلي هذا الحد ؟"
" أنا لا أحب أي شخص يستخدم ماله ونفوذه أو أي شيء ليستأسد على من هم أضعف منه ."
" في عينيك بريق غامض , أتدرين أنك جميلة حقا ؟ تذكرينني بابنتي الصغرى "
تحسس جيب سترته وأخرج محفظة سحب منها صورة بناته وزوجته , فراحت جين تلهي نفسها بمشاهدة الصور كيلا تري الرجل الضخم الذي دخل الطائرة في اللحظة نفسها , حانيا رأسه ثم سار متجها نحوها .
" أنهن جميعا جميلات ."
قالت ذلك وهي تتجاهل المضيفة وهي تحوم حول الرجل الذي استقر في مقعد في مؤخرة الطائرة . وقد جرت بينهما أحاديث لم يكن في وسعها أن تسمعها .
وعادت جين تتأمل أفراد عائلة رفيقها الأميريكي . عرفت ماذا كان يعني جاكسون بالتشابه بينها وبين أبنته . كانت الفتاة طويلة , ربما أطول قليلا من جين . كان شعرها طويلا مسترسلا داكنا , كما كان هناك تشابه طفيف مع عيني الفتاة الواسعتين ذاتي الرموش الكثيفة . أعادت جين الصورة مبتسمة . كانت برغم كل شيء متنبهة تماما إلي وجود الرجل الجالس خلفها . وحين دعي الركاب إلي ربط الأحزمة استجابت بصورة تلقائية . قد تكون تلك هي المرة الأخيرة التي ستري فيها الرجل الضخم بعد مغادرة المطار . في أي حال أن ما يهمها الآن هو أنها ذاهبة إلي والدها . لفحتهم الحرارة وهم يغادرون الطائرة . تعثرت جين على السلم فأمسك جاكسون بذراعها ثم نظر إليها في حنان وقال:
"هل سيكون والدك باستقبالك ؟"
هزت رأسها وهي تطرف بعينيها قليلا من شدة وهج الشمس :
" كلا . طلب من أحدي جاراته أن تستقبلني أرسلت صورتي في رسالتي الأخيرة وقال لي إنها ستتعرف على أنا أشعر ببعض الدوار ."
سأنتظر حتى تأتي هذه الصديقة . لا أحد يعرف ما سيحدث ."
" أنت طيب للغاية , لكني "
"لا يمكنني أن أتخلي عنك وأنت في هذه الحال ."
" آسفة ماذا قلت ؟"
أعادها صوت جاكسون مرة أخري إلي الواقع .
" يبدو أن تلك السيدة القصيرة تلوح لك ."
نظرت جين إلي الحشد الصغير المجتمع خلف حاجز خشبي . الجميع يلوحون بالمناديل تنطلق منهم أصوات سعيدة صاخبة , رأت امرأة شقراء تلبس ثوبا بسيطا مشجرا بالإزهار . كانت تمسك بصورة فوتوغرافية , وعيناها تحدقان في جين وهي تبتسم .
" أنت على حق . هذه المرأة جاءت لترافقني ."
لم يكن ما عاشته حلما . أن أباها موجود هنا بالفعل , وقد أرسل في طلبها .
قالت المرأة الشقراء ذات الأربعين عاما :
" يا عزيزتي , عرفتك على الفور _ أنا ميغان ديفيز جارة أبيك هل كانت رحلتك جيدة؟"
" رائعة . شكرا لكنني متعبة قليلا ."
وبعدما تعرف جاكسون إلي المرأة قال :
" سعدت بلقائك يا ديفيز . كنت أود فقط التأكد من أن شخصا ما سيكون في لقاء جين ."
قالت جين ضاحكة :
" شكرا لك على رعايتك واهتمامك ."
وبعد مغادرتهما أ رض المطار حدث شيء غريب . أطلقت ميغان نفير سيارتها ولوحت بيدها . استدارت جين وفي ظنها إنها تلوح لجاكسون لكنها كانت سيارة مرسيدس بيضاء انطلقت بجوارهما . وأثناء ذلك حيا السائق ميغان . لم يكن ذلك الشخص سوى الرجل المشاغب الضخم .
"لم أعرف أنه عاد على الطائرة نفسها معك ."
استدارت ميغان في ذهول في اتجاه جين , ورأت التعبير الذي يعلو وجهها وقالت :
" ماذا هناك يا جين ؟"
" لاشيء ... سبق لنا وشاهدنا هذا الرجل في مطار جافر كان يتشاجر مع بعض الموظفين ."
انطلقت ميغان ضاحكة :
" إنه غافن غرانت المعروف في كل مكان . ماذا كان سبب الشجار؟"
" لا أعرف ."
ردت جين بهدوء مدركة أنها تقف على أرض زلقة . فهذا الرجل , كما يبدو صديق لميغان . لذا ينبغي ألا تحس به .
لكنها لم تستطع الكذب , وأفصحت قائلة:
" جاكسون يعتقد أنه كان يحاول منع امرأة صينية من أن تستقل الطائرة . كانت تقف هناك ممسكة بحقيبة من الكرتون , ثم اقتادوها بعيدا وما عدنا رأيناها ."
" أنا واثقة ,أن الحقيقة تختلف عن المظهر تماما ."
" كيف حال أبي ؟"
أرادت جين أن تغير مجري الحديث.
" ليس على ما يرام يا جين . أنه في شوق إلي رؤيتك طوال الأسابيع القليلة الماضية ومنذ أن قلت إنك قادمة كان كالطفل . اضطر ماك أن يعطيه مهدئا غير مرة."
" ماك ؟"
" الدكتور دانكان ماكدونا هو معروف لدى أبناء الجزيرة باسم ماك أنه لم يفقد أبد لهجته الاسكتلندية الواضحة وهو ووالدك صديقان قديمان."
" بماذا يشعر أبي ؟"
" لا نعلم ماك طلب منه أن يذهب ليعرض نفسه على صديق له أخصائي في سيلان . لكنه رفض بإصرار أرجو أن تحاولي إقناعه."
" سأحاول بالطبع ."
ربتت ميغان على ذراعها :
" أنا سعيدة بمجيئك يا جين فأنا في حاجة ألي صديقة تخفف عني وطأة الرجال."
" هل هذا أمر سيء ؟"
" كلا , ولكن ليس في وسعك أن تتحدثي معهم بالطريقة نفسها , أتستطيعين ذلك ؟ ابني كولين سيحاول على الأرجح أن يختطفك بعيدا , لكنني سأكون حازمة."
" كولين ما عمره ؟"
كانت جين تتصوره غلاما في سن المراهقة .
" 23سنة. إنه يعمل لدي غافين ."
" أنا لا أعرف أي شيء عنك وعن عائلتك ."
" أنا أقطن قريبا من أبيك . وعندما أقول جارته الملاصقة فهذا صحيح إلي حد ما لكن منزلي يبعد عنه حوالي نصف ميل تقريبا . أنا أرملة منذ سبع سنوات وأعيش مع كولن . أما أبوك فيعيش وحيدا باستثناء ألين مديرة المنزل هي لطيفة للغاية ولكنها ميالة جدا إلي السيطرة . ثم هناك غافن."
" أتعنين أن غافن جار لأبي أيضا ؟"
" نعم يجب أن تري منزله يا عزيزتي أنه خرافي . فهو في الواقع يملك الجزيرة ويفرض عليها قوانينه الخاصة كما ستكتشفين بنفسك."
ضحكت ثم استطردت :
" هناك ليوني سمايث وابنتها سارة لكن منزلهما يبعد أميالا عدة . ستلتقين بهما حتما . أحب أن أعرف رأيك فيهما , إن ليوني ترغب في أن ترى أبنتها زوجة لغافن , وهي قد ترى فيك المنافسة الخطيرة . ألم يقل لك أحد بعد كم أنت جميلة ؟ لو كنت أملك عينيك الخضرواين لكنت في قمة السعادة ."
صمتت جين , أدركت فجأة ان ميغان كانت تتحدث في صدق , الخالة دورثي غرست فيها وبصفة مستمرة أنها مجرد فتاة عادية , وتقبلت هي هذا الوضع , كان ذلك يجعل الحياة أسهل . والآن بدأت تدرك أن آراء الخالة ليست دائما في محلها .
وصلتا إلي المنطقة المتحضرة , بدت لمحات خاطفة لبعض الفيلات من خلال أشجار النخيل الكثيفة , مبان منخفضة بيضاء ذات أبواب ملونة , وصاحت جين :
" إنها رائعة ."
" وصلنا الآن إلي منزل غافن , انظري إلي يسارك يا جين , هناك منزل عال ذو شبابيك خضراء وسطح به حديقة ملأي بالأشجار
والأزهار اليانعة المورقة من كل نوع ولون."
" هل يسكن هنا ؟"
" نعم , أنه يقيم حفلات رائعة تظل حديث سارامنكا كلها ."
شعرت جين بما يشبه الجيشان بسبب حرارة الجو من جهة وبسبب ازدياد كرهها لغافن الذي يحظي , على ما يبدو , باحترام المرأة التي ترافقها .
وعقدت العزم على ألا تذهب إلي أي من حفلاته إذا دعاها وهذا أمر مستبعد .
أدركت , وقد أسرعت خفقات قلبها , أنهما يقتربان من منزل أبيها . كيف سيكون شكل البيت من الواضح أن هناك ثراء أين هو مما قالت الخالة دورثي ؟ قالت انه على الأرجح يعيش في كوخ بناه من أعشاب الشاطئ يا ليتها كانت هنا الآن.
" أشكرك لك يا مغان حضورك للقياي."
ضحكت ميغان قائلة :
"يجب أن أعترف بأنني كنت متشوقة لأراك آمل أن أكون حاضرة عندما تلتقين ليون وسارة ."
" أنا أرجو ذلك أيضا يا عزيزتي ".
" وصلنا "
انعطفت السيارة إلي طريق خاص واسع متعرج يشبه كثيرا الطريق المؤدي إلي منزل غافين غرانت غير أن المسافة بين الطريق والفيلا . البيضاء التي ظهرت الآن كانت أقصر . شهقت جين في دهشة عندما شاهدت المنزل . كانت هناك شرفة طويلة فيها أعمدة بيضاء نحيلة تدعم قرميد السقف . وكانت النوافذ ذات لون أخضر فاتح وقد فتحت على مصراعيها أمام أشعة الشمس . كل هذا محاط بمنظر الأزهار والورود ذات الرائحة الشذية وقد ترعرعت في انطلاق حول الحشائش الخضراء .
" قالت جين :
" لم أكن أتوقع أن يكون بيت أبي في مثل هذا الجمال ."
" حسنا تعالي يا عزيزتي فأبوك ينتظرك ."
كان هناك شيء غريب في الطريقة التي تحدثت بها ميغان لكن جين لم تكتشف السبب ألا بعد فترة . خرجت من السيارة وهي تشعر بالتعب . وسط حرارة شديدة مشبعة بالرطوبة .
قالت ميغان :
" ستعتادين ذلك حاولي الاحتفاظ بطاقتك إلي ما بعد الظهر وأؤكد لك أن الجو يصبح أبرد وألطف في المساء ."
دخلتا إلي بهو رطب جدرانه بيضاء فيه سجاجيد رقيقة فوق أرضيته الخشبية اللامعة . كان هناك أيضا العديد من اللوحات المعلقة فوق الجدران . وغيثار ينعكس خشبه الداكن مع لون الجدار الأبيض المبهر من خلفه فرحت جين برؤية الغيتار وكانت على وشك أن تتكلم عندما سمعت صوتا يقول :
" ميغان , هل أحضرت ابنتي معك؟"
جاء صوت ميغان بنغم شجي :
" نعم يا جون , وستأتي فورا ."
دخلتا غرفة جلوس فسيحة في مؤخرتها نوافذ واسعة تطل على مزيد من الحدائق تنحدر نحو غابة من النخيل ذي الورق اللامع المتموج . تناثرت في الغرفة قطع من الأثاث الخيزراني البسيط التي أعطت انطباعا بالأناقة وقد أمتلات الجدران بمزيد من اللوحات . وسط كل هذا كان الرجل هو الذي أستحوذ على انتباه جين وقد تلاشي كل ما عداه وهو ينهض من مقعده وذراعاه ممدودتان.
" جين ,ابنتي ..."
كان صوته منفعلا , واتجهت نحوه كأنها في حلم . كان هذا هو الرجل الذي حلمت به ولم تتخيل أنها ستراه . كان اكبر سنا مما كانت تظن ذاكرتها , لكن جون ريتشي كان رجلا وسيما , وكان شعره الداكن الذي يتخلله لون رمادي باهت ممشطا إلي الخلف كاشفا عن جبين عريض , كانت عيناه تشبهان كثيرا عيني ابنته , حنونتين , مليئتين بالحزن .
" أبي , أبي !."
" جين طفلتي بعد كل تلك السنوات ."
تعلق كل منهما بالآخر في صمت ثم أبعدها في رفق :
" دعيني أتأملك . أنا لا أصدق أنك أنت ابنتي حقا ."
" نعم أنا أبنتك . وعندي الكثير مما يجب أن تطلع عليه ."
" لا . ليس الآن قلت لي ما يكفي يا جين في رسائلك . لست في حاجة إلي أن تقولي لي شيئا عن شخصية دورثي . أين ميغان ؟"
عادت ميغان وهي تبتسم :
" سمحت لي إلين أن أحضر لكما هذا بنفسي . ستحضر هي بعض الكعك ."
استطردت ميغان وهم يتناولون القهوة:
"رأينا غافن في المطار . لم أكن أعلم أنه سيكون على الطائرة نفسها مع جين."
رفع جون ريشي وحاجبيه في دهشة :
" ولا أنا أيضا , غريب أنه لم يذكر ذلك عندما كان عندي أمس ."
نظر إلي جين متسائلا :
"ما رأيك فيه ؟"
وقبل أن ترد جين اندفعت ميغان ضاحكة :
" أخشي يا جون أن تكون جين قد أخذت انطباعا سيئا عنه . حدث مشهد صاخب في مطار جافر ويبدو أنه كان هو المتسبب فيه ."
ابتسم جون ريتشي وقال :
" آه فهمت , يمكن أن يكون مخيفا إذا كان في إحدى نوبات طبعه الحادة . لا بأس غدا تعرفه تماما عندما تتعرف إليه . أنا متأكد من ذلك والآن أخبريني يا جين ما رائك في سارامنكا ؟ أهي كما تصورتها."
تنفست جين الصعداء وراحت تروي لأبيها ما شاهدته .
دخلت إلين , وكانت امرأة ملونة ضخمة , وهي تحمل صحنا كبيرا مليئا بالكعك والشطائر قدمها جون ريتشي لجين وكان من الواضح أنه يحمل لها الكثير من التقدير . وعندما غادرت الغرفة نظرت ميغان إلي ساعتها وقالت:
" يجب أن أذهب الآن إلي اللقاء, سأمر غدا لأراكما ."
" أن ميغان صديقة طيبة , وكذلك أبنها كولين ستكون هذه أجازة طيبة لك وسأبذل كل ما في وسعي لأجعلها كذلك ."
" يكفي إنني هنا لم أتخيل لحظة أن ذلك سيتحقق."
أمسك جون ريتشي بيديها وقال:
" لن نأسف على ما فات . أن المستقبل هو كل ما يجب أن نفكر فيه الآن أريدك أن تفكري بجدية في البقاء معي , أن تجعلي من هذا المكان بيتا لك "
كان لكلماته وقع غريب على جين .
"أنا_ أنا ".
" لا ليس الآن . أنا لا أريدك أن تقولي شيئا الآن . أنا رجل ثري يا جين . لقد كنت محظوظا وليس لي من أشاركه ذلك سواك . لكن القرار هو قرارك . وأنا لست مستعجلا أشعر أنني صغرت عشر سنوات بعد أن رأيتك . إنك تشبهين أمك كثيرا ."
توقف برهة ثم استطرد :
" لدي الكثير لأقوله لك _ ولكن ليس الآن . سأستدعي إلين لتريك غرفتك . استغرقت في إعداده أياما عدة."
ابتسمت جين وقد بدا عليها الإعياء , ثم تذكرت شيئا فقالت :
" رأيت آلة غيتار في البهو . أتعزف علي الغيثار ؟"
لمعت عيناه قائلا :
" كنت معتادا على ذلك في الماضي . لا تقولي لي إنك تعزفين الغيتار أيضا؟"
" نعم تعلمت ذلك في المدرسة . كنت أود أن أحضر غيتاري معي لكني لم أستطع نظرا للوزن المسموح به للأمتعة ."
ضحك والدها وقال :
" هذا رائع ! جين تلعب الغيتار , لا أصدق ذلك . أتدرين أنه كان أول آلة أتعلم العزف عليها والآلة الوحيدة كذلك . عديني أن تسمعيني بعض الموسيقي غدا ؟"
" أعدك بذلك ."
انحت جين لتقبله في الوقت الذي دخلت إلين تطقطق بخفيها على أرضية الحجرة البراقة وقالت لها:
" أنك في حاجة إلي أن تنامي قليلا , وغرفتك معدة . تعالي معي 0
عندما استيقظت جين كان الظلام مخيما وكانت الغرفة باردة . أحست بالجوع فجأة . قفزت من سريرها , لبست خفا من الفرو وتدثرت جيدا ثم ذهبت إلي الحمام .
رأت ضوءا منبعثا من الطابق الأسفل , وبعد تردد نزلت في هدوء . كانت تأمل أن تجد شيئا لتأكله , سارت عبر البهو حيث كان ضوء خافت يسطع على الغيتار وعلى اللوحات . توقفت جين أمام أحداهما , وقد نسيت جوعها وهي تحدق في الألوان الزاهية في لوحة صياد يقف في جوار زورقه , كانت لوحة بالألوان الزيتية بدت أكثر أثارة وغموضا تحت الضوء الخافت . خيل إلي جين أنها شاهدت اللوحة من قبل . ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك ؟
أحست بالحيرة , واستأنفت في هدوء يشدها ذلك الوهج الدافئ المنبعث من مصباح في غرفة تقع في نهاية الممر , دفعت الباب لتجد نفسها في المطبخ .
أتت إلين بحركة خفيفة في مقعدها الهزاز ثم فتحت عينيها وابتسمت لجين قائلة :
" أنت جائعة أليس كذلك ؟"
" نعم . أنا آسفة يا إلين إذا كنت أزعجتك ."
" لا يا طفلتي . لقد كنت أريح عيني فقط كنت أعلم أنك ستستيقظين في هذا الوقت . الجميع يفعلون ذلك بعد رحلة طويلة . أجلسي . هناك بعض الدجاج سأحضره لك ."
" شكرا يا إلين . رأيت منذ قليل لوحة زيتية في البهو . هل أحضر أبي معه العديد من الرسوم عندما جاء إلي هنا؟"
" ماذا ؟ أنها ملكه . اعني أنه هو الذي رسمها . ألم تعرفي ذلك ؟"
كانت دهشتها تعادل دهشة جين نفسها .
" أتعنين أن أبي رسام ؟ هذا غير معقول."
" نعم أنه كذلك . بل أنه أهم رسام . هو يبيع لوحاته في مختلف أنحاء العالم . أحقا لا تعرفين ؟"
هزت جين رأسها وهي مذهولة . أن هناك الكثير لا تعرفه , بلا لا يمكن لها أن تتخيله وقد بدأت الأشياء الآن تنتظم في شكل محدد :
" لم أعلم شيئا عن أبي , لم أعلم شيئا على الإطلاق يا إلين , إلي أن اكتشفت رسائله ورددت عليها ."
" أصدقك يا طفلتي . لا تضطربي هكذا . أني فخورة بأني أعمل لدي والدك . لقد حضر خبراء من شتى أنحاء العالم إلي هنا ليروا اللوحات ويبتاعوها . ألم تشاهدي أيا منها من قبل ؟"
هزت جين رأسها في ذهول :
" لا أعلم لكن اللوحة التي في ا لبهو , لوحة الصياد والزورق , تبدو مألوفة لدي ."
" قد تكونين شاهدتها في الصحف . فقد جاء إلي هنا في العام الماضي مراسلو عدد من المجلات والتقطوا صورا لإعمال أبيك . إن اسم اوغستاس ريتشي معروف في العالم كله."
همست جين قائلة :
"أوغستاس . أوغستاس . بالطبع كم كنت حمقاء !"
لقد رأت طبعات لرسومه الحية لبعض الجزر . مناظر طبيعية زاهية الألوان ذات أسلوب مميز الحق عليه الخبراء صفة البدائية . وأستوقف نظرها أسم ريتشي أيضا , لكن هذا هو كل ما حدث . لم تكن لتتخيل أن أباها هو الذي رسمها .
" بالطبع , أسمه جون لكن أسمه الآخر أوغستاس وهو يعني الشخص ذا المكانة الرفيعة ."
تنهدت إلين , كان وجهها ترتسم عليه الطيبة وهي تطقطق فوق أرضية المطبخ لتضع الطبق أمام جين .
" لديك الكثير لتعرفيه عن أبيك , أليس كذلك ؟ إنه سعيد بمجيئك , يمكنني أن أري ذلك وقد سررت لذلك أنا أيضا ."
" أشكرك يا إلين ."
ابتسمت جين قائلة , وهي تحس بعاطفة مفاجئة نحو هذه المرأة :
" أنا لا أشعر بالنعاس . هل استطيع أن أخرج لأتمشى في الحديقة ؟"
" بالطبع . يا حلوتي , لا لصوص هنا في سارامنكا . ولكن هل أنت متأكدة من أنك ستخرجين في هذا الوقت المتأخر."
" متأكدة طبعا . وإلا فلن أستطيع النوم."
" سأحضر لك مشعلا ,فوالدك لن يسامحني إذا تعثرت وأصبت . عديني ألا تبتعدي كثيرا عن المنزل ؟"
" أعدك يا إلين . أريد فقط بعض الهواء النقي."
" إذن اصعدي حالا وارتدي معطفا فوق قميص النوم . فالجو بارد في الخارج سأحضر لك المشعل ."
ركضت جين سعيدة إلي الطابق الأعلى . فكرت أن تسير عبر ذلك الممر لتصل إلي الطريق ثم تعود . أن ذلك سيساعدها في تخفيف وقع الأنباء المتراكمة عليها .
أنبعث صوت الحصى المطحون تحت قدميها ولفتها رائحة أزهار خفيفة . كان الجو باردا , وشعرت بالسعادة لأنها تدثرت بالمعطف. ممسكه بالمشعل . وقفت قليلا في الظلال بعيدا عن المنزل حتى تعتاد عيناها على الظلام .
كان الليل هادئا والسماء مرصعة بالنجوم تتلألأ على مدى أبعاد لا نهائية . كان الإشعاع الخافت المنبعث من القمر يعطيها ضوءا كافيا لترى طريقها .
تنفست جين في عمق وأحست بسعادة مطلقة تحتاجها , لم يكن هناك خطأ في تصرفها . قطعت الآف الأميال لتصل إلي هنا واختفي تماما كل المخاوف والآلام . إن والدها يريدها , وهذا هو كل ما يهم .
سارت ببطء وحرص , وكأنها تخشي السكينة المسيطرة , ثم ما لبثت أن سمعت نباحا رهيبا وصوتا يصرخ :
"كارلو , قف مكانك."
خمد الكلب وهو يئن أنينا خافتا ورقد تحت قدمي جين , أخذت تبحث عن زر المشعل ثم أضاءته لتجد غافن غرانت يتقدم نحوها في خطى واسعة.

 
 

 

عرض البوم صور كحيلة العين M  
قديم 09-05-08, 09:00 PM   المشاركة رقم: 155
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: May 2008
العضوية: 73660
المشاركات: 299
الجنس أنثى
معدل التقييم: كحيلة العين M عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 11

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
كحيلة العين M غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

2 اللقاء



هل أرعبك الكلب ؟ لا تخافي فهو لن يؤذيك
كان قلب جين يخفق بسرعة وهي تواجه الرجل الضخم الذي كرهته من النظرة الأولي :
" هل يقفز هكذا دائما في وجه الناس ؟"
" لا ,أنه لا يفعل ذلك . لكنه أيضا لا يرى عادة أي شخص في هذه الساعة المتأخرة من الليل ."
كان صوته هادئا , وكان يمكن أن تجده جذابا ولكن بسبب ما حدث , أحست جين بكيانها كله ينفر من الرجل .
قالت وقد استدارت عائدة إلي منزل أبيها .
" على أن استأذنك قبل أن أتمشي في الليل ثانية ."
" أتقطنين هنا؟"
"نعم , طابت ليلتك ."
" أذا , أنت أبنه جون؟"
استدارت نحوه . وقالت:
"نعم أنا أبنته."
كانت جين ترتجف لكنها كانت واثقة أنها إذا استمرت تتحدث إلي الرجل فإنها ستقول شيئا تأسف عليه . لم تكن تفهم سبب التأثير الغريب لذلك الرجل عليها ولكنها كانت تعرف تماما أنها لم تلتق من قبل شخصا آخر يستطيع أن يثير فيها مشاعر الغضب مثل هذا . راعها بل أفزعها أن تكتشف أنها وهي الهادئة المتسامحة , قادرة علي الإحساس بمثل تلك الكراهية .
" أنا غافن غرانت , جار أبيك يا آنسة ريتشي . أمل أن نلتقي ثانية في مناسبات أفضل من هذه . هل أصحبك إلي المنزل؟"
" لا شكرا , يمكنني أن أتدبر الأمر ما دمت قد أبعدت كلبك ."
استدارت جين وسارت في أنجاه باب المنزل . وخيل إليها أنها سمعت صدى هازئا لكلماته . لقد كان هناك شيء آخر في صوته غير ذلك الإحساس بالدهشة _ كان هناك خيط دقيق من الاحتقار . وأحست جين وكأن وجهها يشتعل وسط الظلمة الباردة كيف يجرؤ أن يتحدث إليها هكذا؟
استغرقت جين في النوم حتى ساعة متأخرة من النهار . نهضت ونزلت مسرعة إلي الطابق الأسفل يخامرها شعور بالذنب لتأخرها متلهفة في الوقت نفسه إلي لقاء أبيها . وعندما اقتربت من غرفة الجلوس الفسيحة توقفت عند سماع أصوات في الداخل . إن لديه زوارا . أصلحت جين من شعرها . كانت ترتدي ثوبا بسيطا حاكته بنفسها من القطن الأزرق بلا أكمام . وقفت جين أمام الباب في توتر ثم طرقته ودلفت إلي الداخل.
استقبلها أبوها بذراعين ممدودتين قائلا :
" جين يا عزيزتي , أطلعت على تفاصيل مغامرتك ."
أيقنت جين دون أن تلتفت أن الرجل الواقف أمام المقعد المواجه لأبيها لم يكن سوى غافن غرانت .
" طاب صباحك يا آنسة ."
التفتت جين تجاهه وظلت ممسكة بيدي والدها .
" طاب صباحك يا سيد غرانت ."
كانت تلك هي المرة الأولي التي تراه بوضوح , رأت عينيه رماديتين تتفحصانها بهدوء . كان وجهه صارما وذقنه مربعة متجهة بعمق إلى الأسفل. شعره الداكن الأملس الذي كان يعلو جبهته بتنسيق جيد كان أطول قليلا من المعتاد.أما فمه كان واسعا فيه لمسة من القسوة. مد لها يده محييا فأمسكت جين بها على مضض وأحست بقبضته القوية . حدثتها غريزتها بأنه رجل قوي خطير وان هناك كراهية مقنعة من جانبه تجاهها تثير قلقها وحيرتها في أن.
قال أبوها وهو يضغط على يديها :
"لندع الرسميات جانبا .أليست جميلة ياغافن؟"
احني غافن غرانت رأسه قليلا بقدر من الافتعال:
"بالطبع جئت لأعتذر عما حدث بالأمس , يا جين"
"ليس هناك داع للاعتذار, فكل شيء على مايرام."
جلست جين تستمع إلى حديث الرجلين وهي تشعر بأنها تريد مغادرة المكان لقد سيطر غافن على الجو كانت تشعر بعينيه مثبتتين عليها حتى من دون أن تنظر إليه . وأحست بغصة : كان في الثلاثينات من عمره, إذ مظهر قوي يوحي بأن لديه القوة الكافية لسحقها إذا أراد ذلك . وبعد جهد تمكنت جين من أن تقول , منتهزة فرصة من الصمت :
" سأذهب لأتناول فطوري يأبي فأنا لا أحب أن أدع إلين تنتظر فاسمحا لي."
وقفت واتجهت صوب الباب , فتحرك غافن ليفتح لها الباب .
" شكرا."
تبادلا النظرات . كان هناك ذلك الإحساس العدائي , وبرغم أنه كان مقنعا بصورة بارعة , ألا انه كان واضحا تماما لجين . وتضايقت . لماذا يكرهها؟ ليس لديه أي مبرر لذلك . اتجهت جين ناحية المطبخ وهي تشعر بالقلق لتطور الأحداث.
يبدو أنها نسيت كل شيء الآن وهي تسير ببطء مع أبيها في الحدائق الشاسعة المحيطة بالفيلا وسمعت هدير البحر . فاستدارت نحو أبيها وقالت:
"لم أعلم أننا قريبون من البحر إلي هذا الحد ."
"للأسف أننا لا نراه من المنزل , ولكن ليس في وسع المرء أن يمتلك كل شيء . إن غافن يقيم أحيانا حفلات على شاطئ البحر . أريد أن أدلي بعض الملاحظات في هذا الصدد."
" لا توجهها إلي أرجوك , فليس لي شأن في هذه الأمور."
" هل أفهم من ذلك أن هناك بعض الفتور بينكما ."
" أنا آسفة يأبي . لم أقصد ذلك ."
" لا تكوني عصبية إلي هذا الحد . فقد كنت أهزل معك فقط أنا أعرف تماما أنه مستبد إلي حد ما . لكنك ستجدينه شخصا رائعا عندما تزداد معرفتك به ."
كان واضحا أن والدها معجب بغافن غرانت فهو جاره وصديقه أيضا . أما هي التي وصلت بالأمس فهي مجرد دخيلة . كيف يمكنها أن تتجرأ وتقول أنها تجده متعجرفا للغاية وأنها لن تنسي أبدا تصرفه في المطار.
ابتسمت وقالت :
" أنا واثقة من انه لطيف للغاية . كنت بلهاء . أرجوك دعنا ننسي ذلك أريد أن أعرف الكثير عنك . لماذا لم تشر إلي لوحاتك في رسائلك إلي؟"
تنهد جون وقال:
" روت لي إلين ما دار من حديث بينكما أمس . أنا لم أشر إلي ذلك لأني أردتك أن تحضري لرؤية والدك , وليس لرؤية رسام سخيف."
" كنت سأحضر في كل الأحوال ."
جلس جون وجين في أريكة تحت ظل نخلة طويلة , صدر حفيفا كان الهواء مثقلا برائحة نبات الياسمين البري . كل شيء فيه لمسة جمال زاهية فأحست جين بالراحة وقالت :
"ما تخيلت أن يكون كل شيء رائعا هنا..."
وفجأة غيرت مجري الحديث وقالت :
" لم أكتشف أنك كنت تراسلني إلا منذ شهر فقط."
" كنت أعرف دورثي تكرهني لكني لم أكن أتصور أبدا أنها ستنحط إلي هذا الحد. وعندما كتبت إلي ."
" هل كتبت إليك؟"
" نعم ! لا تقولي لي أن ذلك كان دون علمك ."
" متى كان ذلك فأنا لا أعلم شيئا؟"
" منذ حوالي عامين عندما استقر بي المقام هنا . كتبت لتطالبني بأن أكف عن إزعاجك وأنك لا تريدين سماع أي شيء يتعلق بي وأنني أضيع وقتي هباء في الكتابة إليك."
ارتعشت شفتا جين وهي تقول :
" لا .. لا لكنك واصلت الكتابة بعد ذلك ؟"
" لم يكن أمامي حل آخر . فكرت أنك في يوم ما ستصفحين عن إنسان عجوز ."
قالت والدموع في عينيها :
" لا تقل ذلك أرجوك . أنا لا أفهم يا أبي لماذا كانت تفعل ذلك , وربما لن أفهم أبدا , ولكني أقسم أنني كنت ولو وصلتني رسالة واحدة منك ."
" أعلم ذلك الآن يا طفلتي . دعيني أقول لك شيئا آخر قبل أن ننهي هذا الموضوع . عندما تركت أمك , كان ذلك لأنها طلبت مني أن أرحل , لقد أحببتها لكني أدرك الآن بعد ما فكرت في الأمر طوال تلك السنوات أن دورثي هي التي أثارتها ضدي . إنها بشكل ما المتسببة في انفصالنا وأنا أعلم ألان لماذا فعلت ذلك؟"
تساءلت جين ببطء :
"هل كانت تحبك ؟"
" نعم , أتصور ذلك . التقينا منذ عشرين سنة في سانت ايف أثناء العطلة الصيفية . كنت في الخامسة والثلاثين من عمري وكنت فقيرا أحاول أن أمارس هواية الرسم لكني لم أكن قد حققت شيئا بعد . ثم التقيت دورثي وشقيقتها . كانت دورثي في الثلاثين من عمرها وكانت والدتك تصغرها بخمس سنوات. تعارفنا وأخذنا نتبادل أطراف الحديث كما يفعل الناس عادة في عطلاتهم . كانت دورثي هي الأخت المسيطرة . أما لوسي والدتك فقط شدتني كثيرا . خرجنا معا عدة مرات , أحيانا مع دورثي , وأحيانا آخري بدونها إذا تمكنا من ذلك . أعتقد أنها ظنت انه من الطبيعي أن أرغب فيها ما دامت هي الأقرب لي سنا . وعندما طلبت من والدتك أن تتزوجي كنت صريحا معها . قلت لها أني سأبحث عن عمل لكن الرسم هو طموحي الكبير وتفهمت أمك ذلك بعكس دورثي."
استطرد محدقا أمامه في لاشيء وكأنه يعيش الماضي من جديد .
" كان منزل الأسرة كبيرا يكفي لعدة اسر , والأختان كانتا تقطنان فيه وحدهما منذ وفاة جدك . فكان من الطبيعي أن نعيش أنا ولوسي في المنزل نفسه بعد زواجنا . قسمنا المنزل في الواقع إلي قسمين . في بادئ الأمر عشت في سعادة مع لوسي ."
توقف عن الكلام وقد شاعت في عينيه نظرة ألم , ثم قال:
" بدأت دورثي في أثارة المتاعب . كانت لوسي تنتظر مولودها الأول .. وربما أثار هذا غيرة دورثي لأنها أدركت أن فرص زواجها تخف مع مرور السنين . بعد مولدك تحسن الوضع كثيرا, فقد شغلت لوسي بك.وعندما كبرت وقعت أمك أكثر فأكثر تحت تأثير دورثي. فقد كنت خارج المنزل معظم الوقت حيث كنت اعمل كرسام في أحدى شركات الإعلان . ولم يكن أمامي إلا أن أمارس هواية الرسم أثناء عطلتي الأسبوعية . وهكذا كان لدى دورثي كل الوقت لتؤثر على والدتك , نجحت في ذلك . في بادئ الأمر كانت تستثيرها بتوافه الأمور :أنه يقول أنه يعمل حتى وقت متأخر في المكتب , لكن جميعهم يقولون هذا , أليس كذلك ؟ ثم بدأت تقول لها أنه يفكر في عمله أكثر مما يفكر فيك .. وهكذا باتت لوسي تشكك في تصرفاتي . وعندما كنت في السادسة من عمرك , دب شجار بيننا في أحد الأيام ووصل إلي سمعك . ووجدتني محطما وأنا أرى وجهك لأني كنت أعرف تماما تأثير ما يحدث . طلبت من لوسي أن نرحل لنعيش ثلاثاتنا في منزل مستقل لكنها طلبت مني أن أرحل بمفردي.
ثم اتكأ برأسه على يديه في تأثير عميق , واستطرد بصوت هادئ :
" وهكذا رحلت ."
طوقته جين بذراعيها قائلة :
" كفى يا أبي."
سارا في بطء عائدين إلي المنزل . كانت جين تعرف أن الإفصاح عن الحقيقة نفعه وأكسبه راحة البال.
في أمسية ذلك اليوم أطلعها جون على سيارته التي ظلت دون استخدام طوال ستة أشهر . كانت من طراز فورد تاونس لونها أزرق فضي . وبادرها متسائلا :
" هل تعرفين قيادة السيارة يا جين ؟"
هزت رأسها نفيا .
" أتحبين أن تتعلمي ؟"
" لا أدري , أعتقد ذلك , لكني لم أحاول."
"سأطلب من غافن أن يعلمك"
وعندما لاحظ ردة فعلها قال:
"آه لا ؟ أسف هناك ميغان أو ابنها كولن أنا واثق انه سيسعد بذلك"
في تلك الأمسية, وبعد أن تناولا العشاء, جلست جين مع والدها يتجاذبان أطراف الحديث بادرها جون:
" اذهبي واحضري الغيتار وعدتني بأن تعزفي لي"
أحضرت الغيتار وجلست القرفصاء علي ارض الحجرة الخشبي اللامع داعبت أوتار الغيتار بطريقة مرتجلة لعدة دقائق ثم بدأت احدي أغنيتها المفضلة . بدأت تغني دون خجل بعد أن التقطت نغمات ذلك اللحن الحزين.
لم تدرك كم كان منظرها فاتنا وهي تجلس على ارض الحجرة وقد استرسل شعرها الأسود الداكن في تحرر- وانكب وجهها على الآلة الموسيقية , تحتضنها باللطف . نسيت نفسها في عالم تحبه, عالم الألحان اخذ والدها يراقبها مأخوذا وهو يستمع إلى صوتها الحلو الواضح النقي والى النغمات التي تتناثر في جنح الليل .
وفجأة جاء صوت من ناحية النافذة ودخل غافن غرانت الغرفة وقد ثبت عيناه على جين وقال بصوت هادئ:
"كان هذا رائعا"
جذبت نفسها بمشقة . وقفزت وقد استعادت وعيها فجأة. استدار جون قائلا:
"آه غافن منذ متى وأنت هنا؟ "
" كنت على وشك أن اطرق الباب حين سمعت الغيتار . تصورت أنك أنت يا جون الذي تعزف, ولذا فقد أتجهت إلي الواجهة الخلفية لأستمع في صمت ."
واستدار نحو جين قائلا :
" أهنئك فأنت تعزفين جيدا ."
" شكرا ."
ونظرت إليه لتحاول إيجاد أي أثر للسخرية في نبراته ولكنه بدأ صادقا .
" أني أحمل دعوة يا جون من سارة ووالدتها ."
رفع جون حاجبيه في دهشة فضحك غافن وقال:
" ستقيمان حفلة يوم السبت وتتمنيان لو أنك تحضر مع جين ."
نظر جون إلي أبنته متسائلا :
" ما رأيك يا جين ؟"
تذكرت جين فجأة كلمات ميغان أمس عن حرص ليوني وسارة على رؤيتها خاصة وأن سارة التي تسعي وراء غافن لا ترغب في أي منافسة . كبحت جين ابتسامتها وهي تقول لنفسها إن هذا الأمر مسل . ليتهما تعلمان أنها لا تشكل عليهما أي خطر . فالكراهية متبادلة برغم أنه بدأ ظريفا عندما أمتدح عزفها على الغيتار .
رفعت جين رأسها عن الغيتار قائلة :
" أن هذا يبدو ظريفا للغاية ."
التفت غافن إليها . ترى هل استطاع أن يقرأ أفكارها ؟ أن لديه نظرة رمادية ذكية ثاقبة . وأدركت جين فجأة أن عينيه جذابتان للغاية . فقال:
" سأبلغهما بموافقتكما على الذهاب وستذهبان في سيارتي . والآن وقد اتفقنا , اسمحا لي بالذهاب ."
" يجب أن تشرب شيئا ."
أحضرت جين المرطبات ثم جلست. رفع غافن حاجبه متسائلا:
"ألا تشربين معنا؟"
" لا شكرا ."
رفع غافن كأسه قائلا :
"في صحتكما ."
في تلك اللحظة دخلت إلين الحجرة قائلة :
"جاءت السيدة ديفز يا سيد ريتشي."
دخلت ميغان , ومعها شاب طويل وسيم أشقر لا يمكن أن يكون إلا أبنها نظرا للتشابه الكبير بينهما .
قامت ميغان بمهمة التعارف بينهما , احتفظ كولن بيد جين لفترة أطول من اللازم ثم ابتسم قائلا :
" مرحبا يا جين ."
" أهلا بك يا كولن ."
أحست بتورد وجنتيها خجلا . ترك كولن يدها على مضض واستدار نحو غافن الذي أحست جين أنه كان يرقبهما وقد علت شفتيه بسمة ساخرة."
" مساء الخير يا غافن ,لم أرك من قبل."
" لاحظت ذلك ."
كانت نبرة غافن جافة أحست بالدماء تصعد إلي وجهها. كيف يجرؤ على مراقبتها . حدثت جين نفسها بذلك مضيفة نقطة جديدة إلي أخطاء ذلك الرجل . استطرد غافن :
"وفرتما على جهدا . فقد طلبت ليوني مني أن أدعوكما إلي حفلتها يوم السبت."
نظر كولن إلي جين متسائلا :
" هل ستذهبين ؟"
" نعم سأذهب ."
"أيوافقك هذا يا أمي؟"
ابتسمت ميغان للجميع قائلة:
"بالطبع . سيكون مناسبة شيقة للغاية."
جلس الرجال الثلاثة معا وجلست ميغان وجين في مقعدين متلاصقين وبذلك تمكنتا من تبادل أطراف الحديث دون أن يسمعهما أحد . قالت ميغان بصوت منخفض:
"أتذكرين يا جين ما قلته لك ؟"
" نعم أذكر ."
" هل لي أن أعطيك نصيحة ؟"
" بكل تأكيد أرجوك."
" استمعي جيدا . الذين سيحضرون الحفلة سيكونون غاية في الفتنة والأناقة . وأنا واثقة من أنك ستستمعين بتلك الأمسية ولكنها لن تكون مجرد حفلة ... أنها ستكون جلسة تقييم . أنا آسفة أن أقول ذلك بطريقة فجة ولكن دعينا نصعد إلي حجرتك لانتقاء ما يمكن أن ترتديه في تلك الحفلة."
قالت الجملة الأخيرة بصوت مرتفع كمبرر لانفرادهما . وفي غرفة جين في الطابق الأعلى خلعت ميغان حذاءها وجلست على حافة السرير قائلة:
" آه هكذا أفضل."
بدأت تضحك بصوت جذاب ثم نظرت إلي جين وهي مستغرقة في التفكير ثم قالت:
" أعتقد أننا سننسجم معا ."
" تتحدثين بشكل يوحي بأنك ما كنت تتوقعين ذلك ."
عكست نبرة جين حيرتها . فهناك شيء لم تفهمه في قول ميغان . هزت ميغان رأسها وقد شعرت بالضيق:
" أنا آسفة , لقد أوقفتني عند حدي."
استطردت جين بلهفة :
" لا تعتذري , فأنت على حق . سأقول لك شيئا الآن ."
" أنا دائما أعترف بخطأي وقد ارتكبت خطأ في حقك دون قصد؟"
انتظرت جين في صمت . فقد أدركت أن كلماتها غير المتعمدة فجرت شيئا سيفسر لها ما كان يحيرها إزاء عدة أشياء.
أغلقت ميغان عينيها ثم استطردت:
" عندما أبلغنا أبوك أنك ستأتين بعد كل تلك السنوات اعتقدنا كلنا أنك جئت من أجل أن..."
ترددت قليلا فاستحثتها جين:
"استمري أرجوك."
" ظننا انك جئت فقط بعد أن عرفت أن أباك رجل ثري ولذلك فقد أتيت لتأخذي كل ما يمكن أن تحصلي عليه . اعتقدنا بأنك تجاهلت أباك كل هذه المدة وألان بعد أن مرض وتوقف عن الرسم الأمر الذي زاد بصورة تلقائية من قيمة لوحاته , قررت الحضور. ولذلك استغربت كثيرا عندما تملكتك الدهشة لدى رؤيتك منزل أبيك . عرفت من وجهك انك كنت صادقة وحين ذاك بدأت أفكر في أننا كنا على خطأ."
جلست جين في صمت . كان هناك شيء آخر يجب أن تعرفه فأردفت :
" ميغان لقد استخدمت عبارة كنا فمن انتم؟"
" كلنا يعني أنا وغافن ."
" إذن هذا هو السبب!"
" السبب في ماذا ؟"
استدارت جين وقالت:
"عندما التقيت غافن , بدأ وكأنه يكرهني . لم أعرف لماذا يحمل لي هذا الشعور وتصورت أنه كذلك مع الجميع ولكني الآن فهمت يظنني اسعي وراء المال وكل ما استطيع أن أحصل عليه . سأخبرك كل شيء ."
وبدأت جين تروي القصة كلها وكيف اكتشفت وجود أبيها مصادفة وقول خالتها دورثي أن أباها يسكن في كوخ على الشاطئ :
عندما أنهت جين قصتها ساد صمت مطبق , وأخيرا قالت ميغان:
" يا طفلتي الصغيرة المسكينة , ماذا استطيع أن أقول ؟"
" لا تقولي شيئا. أردت أن تعرفي كل شيء كي لا تخطئي في حكمك علي."
" أوه يا عزيزتي , عندما أخبر غافن بالحقيقة فانه ..."
قاطعتها جين :
" لا . لا أريدك أن تخبريه."
" لكن لماذا ؟"
" لأني أحتقره . أنه يتصور أني أسعي وراء المال أذن دعيه يستمر في هذا التصور . أنا لا أهتم برأيه . فهو متعجرف مستبد .. وأنا لا أظن أني كرهت شخصا قدر كرهي له في حياتي . أنا اعرف أنه صديق أبي ولهذا السبب فقط سأحاول أن أكون مهذبة معه , عشت ست سنوات مع خالة تشبهه إلي حد كبير وتحملتها طوال ست سنوات وفي وسعي أن أتحمل ذلك الرجل غافن غرانت إلي حين . فإذا لم يتعلم كيف يحكم على الناس بما يتفق مع حقيقتهم , وليس كما يراهم هو , فأنه بالنسبة إلي شخص لا يستحق المعرفة.
تبادلت المرأتان النظرات . كان في عيني جين تحد شجاع لم يكن في مقدور ميغان إلا أن تعجب به . ابتسمت ببطء قائلة وهي تتلفت في أرجاء الغرفة:
" جئنا أصلا لنتحدث عن الحفلة ."
ضحكت جين قائلة :
" أن هذا سيبدو الآن مصطنعا . ألم تكوني تنوين تحذيري من أن سارة تعتبرني منافسة لها . أن هذا لا يمكن أن ينطبق على بعد كل ما قلناه ."
" ليس هذا هو كل ما أود أن أقوله . أن سارة برغم سحرها وجمالها ستحاول ببراعة أن تجعلك تبدين كالبلهاء . وهي ستستخدم لذلك أسلوبين . إما أنها ستتصل بك تليفونيا قبل يوم السبت وتطلب منك ألا ترتدي أي شيء نفيس مؤكدة أن أي ثوب بسيط يكفي , أو أنها لن تحذرك على الإطلاق وفي تلك الحالة ستذهبين وقد ارتديت أفضل ما عندك في حين أن باقي المدعوات ترتدين ثيابا صباحية بسيطة فتجدين نفسك في زى شاذ ."
" يالعجب , كم هم أناس ظرفاء ..."
ابتسمت ميغان قائلة :
"فعلت ذلك من قبل , ولكن في هذه المرة لن تكوني وحدك , سأقف إلى جانبك . الديك ثوب ظريف لترتديه ؟"
" ليس تماما . فخالتي دورثي لم يكن بوسعها أن توفر لي شيئا ممتازا ومن جانبي فقد أنهيت منذ قليل دراستي المتوسطة ."
" أعتقد أننا يجب أن نبحث الأمر مع والدك . فهناك محل تجاري كبير في بورت باتريك هو ملك لغافن بالطبع ويمكننا أن نجد فيه الكثير أن غافن يملك المحل التجاري الكبير والوحيد في سارامنكا وبالمناسبة هو يملك أيضا الفندقين الوحيدين فيهما . لأنهما يقدران بثروة فوالده هو في الواقع الذي وضع سارامنكا على الخريطة العالم . وهذا هو السبب الذي يجعل سارة تبذل كل هذا الجهد من أجله . دعيني أسألك هل ستحاولين تلقين غافن درسا؟"
" لا , بحق السماء ."
" حسنا فأنا كنت سأحذرك من ذلك . فهو صلب للغاية وفي وسعه أن يكون قاسيا وأي شخص دخل معه في صراع يمكنه أن يقول لك ذلك ."
ولكن هل أن ما قالته لميغان صحيح ؟ لم تكن جين تعرف بالضبط كيف ستتصرف إزاء غافن وشعرت بما يشبه الدوار وهي متجهة إلى غرفتها تزدحم في رأسها آلاف الافكار

3 الدعوة



كان اليوم التالي يوم الجمعة . أبلغت إلين جين أن هناك من يريدها على التليفون ولما التقطت السماعة سمعت سارة تقول :
" أهلا بك يا جين , أنا وأمي نشكرك لقبولك دعوتنا ونتوق إلي رؤيتك , فالحياة هنا يشوبها بعض الملل لذا فمن الممتع أن نري وجها جديدا . اتصلت بك في الواقع لأبلغك إلا تشغلي نفسك بما سترتدينه غدا . فالحفلة غير رسمية . ألا تظنين أن هذا سيكون أفضل ؟"
وفكرت جين بتحذير ميغان . لم تصدق أن الخداع يصل بالبشر إلي هذا الحد . ربما تكون سارة , تلك المخلوقة العذبة الصوت عبر التليفون , مناسبة جدا لغافن . فهما من نوع واحد.
أنهت جين المكالمة وهي شاردة الذهن ثم بادرت بالاتصال بميغان وأطلعتها على اتصال سارة .
تذكرت جين شيئا وهي تنتظر وصول ميغان . لقد قام غافن بإبلاغ تلك الدعوة مساء أمس , فهل اتصل تليفونيا بسارة لإبلاغها أم أنه ذهب بنفسه لرؤية سارة . لم يكن الأمر مهما وبرغم ذلك وجدت جين نفسها تفكر فيه.
بعد نصف ساعة فقط كانت جين و ميغان تعبران طريق فسيح يؤدي إلي الطرف الآخر من الجزيرة . كانت ميغان تبدو نضرة جذابة وهي ترتدي سترة بيضاء بلا أكمام فوق بنطلون أزرق بينما شدت شعرها إلي الخلف بوشاح من القماش الخفيف أما جين فقد ارتدت ثوبا تقليديا من الترلين الأزرق الذي كان خفيفا بالنسبة لجو انكلترا , أما هنا فهو يشيع فيها الدفء بدرجة غير مريحة تحت حرارة شمس الصباح . لاحظت ميغان ذلك فقالت :
" الأقمشة الصناعية لا تلائم جو سارامنكا , القطن أفضل. وقد أعطانا والدك حرية التصرف ولذا سنشتري ما يناسبك في هذا الجو الحار"
" أنا أشعر بالذنب لأني أنفق من حسابه الخاص . سأحرص على ألا أنفق كثيرا ."
" قال لي أن أشتري كل ما تطلبين . إنه سعيد بهذه الفرصة , صدقيه يا جين ."
وأحست جين بدفقه من السعادة لم يكن حتى التفكير في غافن قادرا على إفسادها . أنهما ذاهبتان إلي المحل الذي يملكه , لكن ميغان أكدت انه لا يوجد احتمال في لقائه . أضافت ميغان وكأنها تذكرت شيئا:
" كولن قال لي أنه سيحاول أن يلقانا في المطعم الملحق بالمحل لنتناول القهوة . إنه مأخوذ بك الم تلاحظي ذلك؟"
" بماذا أجيب من غير أن أبدو مغرورة؟"
" لا تقولي شيئا . ولكن على أن أحذرك أن كولن يحب مغازلة الفتيات وقد يفيده أن يلتقي فتاة مثلك ."
" سأحاول أن أتذكر ذلك ."
وتساءلت جين : كيف سيكون موقف ميغان إن هي عرفت أن جين لم تصادق أي فتى حتى الآن . لقد أدت الخالة دورثي دورها جيدا وتمكنت من أن تغرس في جين شكوكا جعلتها غير واثقة من نفسها . وهي الآن تشعر بإحساس جديد بعدما عرفت أنها قادرة على أن تثير انتباه الرجال.
كان لون السماء يقترب من البياض والضوء براقا , وعلى جانبي الطريق أشجار النخيل التي قد لا يخلو مكان منها في الجزيرة . ومن على بعد ترتفع الجبال بانسياب . زرقاء باهتة. أخذت جين نفسا عميقا وهي تهمس :
" هذا المكان رائع ."
" ولذلك فهو مكتظ بالسياح خاصة في بورت باتريك . فكل أسبوعين ترسو سفينة في الميناء وينزل ركابها إلي الشاطئ وهم ينفقون أموال كثيرة في شراء القطع المفرزة والأعمال الخشبية المحفورة . ولكن بصفة عامة يسود الهدوء الجزيرة , وأنا أحبها هكذا كما أن غافن ينوي الحفاظ على هذا الطابع ."
حدثت جين نفسها قائلة .. آوه هذا الرجل ثانية ! أليس هناك مفر من ترديد آرائه.
اقتربتا من المدينة . فأصبحت المنازل أكثر التصاقا وأصغر حجما . وبدأت الحدائق تتراءى لهما غنية بالألوان مضيفة سحرا على المدينة . بدت من على بعد المياه لامعة مندفعة في خليج فسيح يطل على منحدر أوصلهما إلي الطريق الرئيسي في بورت باتريك , لتجدا منطقة ملأى بالمحلات التجارية وأناسا من كل شكل ولون ذاهبين لشراء حاجاتهم من دون ازدحام في السير كما هي الحال في المدن .
التفتت ميغان إلي جين متسائلة :
"إلي متى تنوين البقاء في سارامنكا يا جين؟"
"كنت أنوي البقاء شهرا ولكن."
توقفت جين فجأة .
" هل طلب منك أبوك أن تبقي معه فترة أطول؟"
" نعم ."
" وهل ترغبين في ذلك؟"
" بالطبع أريد ذلك , لكن..."
" ولكن لديك بعض الأسباب التي تدفعك لتردد . أهي خالتك ؟ أم صديق لك؟"
ضحكت جين قائلة:
" لا . ليس هناك صديق . لكني وعدت خالتي بأن أحاول أن أعوضها بعض ما أنفقته على ."
قاطعتها ميغان وقد تورد وجهها ربما بفعل تهورها في الكلام :
" أنت لست مدينة لها بشيء أنا آسفة يا جين , ليس هذا من شأني ولكن الحقيقة .."
ابتسمت جين وهي تقول:
" أنا أعلم . لكن كل ما في الأمر أنها امرأة وحيدة بائسة."
" انتظري أسبوعا أو أكثر ثم قرري."
انحرفت بسيارتها في الطريق فرعي ثم أدخلتها موقفا للسيارات وراء مبني كبير عصري .
كانت هناك لافتة ضخمة كتب عليها بحروف حمراء ( محلات غرانت) كان الجو رطبا داخل المحل الذي يسوده جو من الهدوء والأناقة . كان الطابق الأرضي مخصصا للمأكولات حيث كانت الثلاجات الضخمة ملآي بكل ما يمكن تخيله من أنواع الطعام اقتادت ميغان جين إلي المصاعد لتنطلقا إلي الطابق الثاني هناك غاصت قدما جين في سجادة حمراء سميكة .
انقضت الساعة التالية في التطلع والبحث وتجربة الثياب والضحك أيضا . لم تكن جين تتصور أن شراء الملابس يمكن أن يكون ممتعا إلي هذا الحد . فمع خالتها كان يتم ذلك وكأنه عمل روتيني يجب أن ينجز في أسرع وقت وأقل كلفة ممكنة. أما مع ميغان فالتجربة لذيذة , فيها شيء من روح المغامرة .
وأخيرا وجدتا الثوب المنشود . كان بسيطا جدا , أو هكذا بدأ . مجرد ثوب مسترسل حتى الأرض في خطوط ملساء دون أية زركشة . حريري ذي لون ناري براق بلا أكمام أما فتحة الرقبة فقد كانت مستديرة منخفضة الصدر والظهر مطرزة بشريط حريري بني اللون على شكل أزهار صغيرة داكنة .
لم تكن جين في حاجة إلى رؤية وجه ميغان المذهول لتعرف أنها تبدو جميلة . قالت ميغان في إعجاب :
"ما هذا يا جين , تبدين رائعة."
" نعم يا أمي أنها تبدو كذلك "
استدارت جين بسرعة لتجد كولن يخطو نحوهما . كانت عيناه تحدقان في جين وحدها وأحست بالدماء تتدفق إلي وجهها.
" ماذا تفعل هنا كان من الواجب أن تكون في العمل ."
" إنها الحادية عشرة فترة الراحة . جئت ادعوكما إلي تناول شراب منعش . "
" هلمي يا جين اذهبي واستبدلي ثيابك , سنجرب ما تبقي من الفساتين في ما بعد ."
خلعت جين الثوب وارتدت ثوبها القديم . كان قلبها يخفق بسرعة لم ترتد مثل هذا الثوب المثير من قبل . فقد شعرت بأنها شخص آخر أثناء الدقائق القليلة التي ارتدت فيها الثوب . أحست بأنها جميلة تقريبا , نظرت إلي نفسها في المرآة مكشرة عن وجه ساخر في محاولة لإعادة نفسها إلي حالتها الطبيعية وهي تهمس يالك من فتاة مغرورة , ولكن برغم كل هذا ظل في أعماقها وهج دافئ . وعندما جلسوا ليتناولوا قهوة مثلجة وقليلا من الكعك رأت ميغان تنظر إليها غير مرة على نحو يوحي بأنها تشاركها في الحفاظ على سر ما .
تساءلت ميغان في احدي فترات انقطاع الحديث :
" أين غافن الآن ؟"
" ذهب إلي أحد الفنادق ليحضر اجتماع عمل ."
" الأفضل أن تعود إلي عملك , فلدينا أنا وجين كثير من العمل ."
" إنها تحاول التخلص مني ."
" إنك تجعلني أبدو وكأنني دكتاتورة."
قالت جين في نفسها : من الواضح أن هناك رابطة حب قوية تجمع بينهما . تمنت فجأة أن تذهب معهما إلي الحفلة بدلا من غافن . كانت تعرف أنها ستكون أكثر ثقة بنفسها إذا ما وصلت إلي هذا الحشد وسط أصدقاء بدلا من أن يرافقها ذلك الرجل الذي ينظر إليها بطريقة تخيفها , فرغم تأكيداتها لميغان أنها لا تأبه لآراء غافن , فهي تعلم تماما أنها تخشاه . حتى ذلك التغير الذي لمسته فيه عندما فاجأها وهي تعزف على الغيتار , كان مقلقا بدوره . فهو رجل عميق شخصيته معقدة تمنت جين لو أنها لم تقابله.
أحست أن ميغان وكولن ينظران إليها فضحكت قائلة :
" آسفة لقد كنت أفكر في ثوبي الجديد ."
ابتسم كولن وقال:
" لو كنت مكانك لما قلقت فذلك الثوب البرتقالي سيفرض نفسه في الحفلة ."
" الثوب ليس برتقاليا يا عزيزي , لونه ناري غريب."
" آسف يجب أن تعذرا جهل الرجال . والآن اسمحا لي بالذهاب . مرا على مكتبي قبل أن تغادرا المتجر لتتسلما المشتريات موضبة."
قالت ميغان وهما في طريقهما إلي الطابق الأسفل من المحل :
" هل تسمحين لي بأن أصفف شعرك غدا؟"
نظرت نحوها جين مذهولة :
" ولكن .. أنا ."
" أرجوك يا جين . سأبوح لك بسر . لقد كنت أعمل منذ سنوات عند أحد المزينين .. أقصد قبل أن أتزوج . كنت أتمني أن تكون لي ابنة أفعل لها كل هذا . أرجوك يا جين . قولي إنك موافقة."
"سأكون غاية في السعادة ."
تأبطت ميغان ذراع جين وصلتا ألي باب عليه لافتة تقول خاص بموظفي المتجر .
دلفتا إلي ممر فيه مجموعة من المكاتب ينبعث منها طنين آلالات تكييف الهواء وأصوات آلالات الكاتبة وطرقتا الباب الأخير .
" تفضل."
دخلتا مكتبا فخما مكيفا لتجدا أن الشخص الجالس وراء المكتب لم يكن سوى غافن غرانت.
" ميغان وجين ! هذا لقاء غير منتظر ."
" أنا آسفة يا غافن , تصورت أن كولن هنا , جئنا نأخذ حاجيات جين فقد قال إنها ستكون جاهزة في مكتبه ."
" آه فهمت . عدت منذ قليل وهو ذهب لمعالجة بعض الأمور المتعلقة بالمتجر . أعتقد أن هذا هو ما تبحثان عنه."
رفع صندوقا ضخما وضعت فيه مشتريات جين تعلوها فاتورة حساب . رمقها بسرعة ثم قال :
"الفاتورة محولة على حساب جون الخاص . سأحمله إلي السيارة ."
أحست جين وهي تمر من أمامه بعينيه مثبتتين عليها وشعرت بحرارة في عنقها أنه يظن بكل تأكيد أنها بدأت تنفق أموال أبيها . رفعت رأسها عاليا وهي تغادر المكتب . إن هذا سيعطيه مبررا جديدا ليشعر نحوها بمزيد من الاحتقار .
وبفعل الحرارة والوهج الشديد أحست جين بوخزه في جفنيها ومرارة في حلقها وبانبهار في عينيها جعلها تضع نظارتين واقيتين من الشمس.
قالت ميغان وهي تبحث عن مفاتيح سيارتها :
"شكرا يا غافن سنراك غدا عند سارة. "
" إلي اللقاء
فتح باب السيارة لميغان فأسرعت جين إلي الباب الثاني . وقد قررت ألا تنتظره حتى يفتح لها الباب بدورها , إذا كان ينوي ذلك .
تبادلوا التحية وانطلقت بهما السيارة . نظرت جين إلي الوراء لتجد غافن يرقب السيارة ويعلو وجهه تعبير غامض , بادرتها ميغان قائلة :
أعتقد أنني عرفت ماذا تقصدين بكلامك عن موقف غافن منك ."
" هل لاحظت ذلك أيضا ؟"
" نعم كان في وسعي أن أحس . يالرجال كم هم بلهاء !"
" ليس هناك شك في أنه فكر وهو يتفحص الفاتورة كيف أنني أسرعت إلي أنفاق أموال أبي ."
" أتمني لو تركتني أقول له الحقيقة ."
هزت جين رأسها قائلة :
" دعيه يفكر كما يحلو له ."
كانت جين تزداد توترا كلما اقترب موعد الحفلة . فرغم تأكيدات ميغان لها من أنها تبدو فاتنة فهي تعرف أنها تعوزها الثقة الكافية لتظهر أمام هذا الحشد من الناس وكأنها تقف أمام اللجنة الفاحصة في الامتحانات .
كان أبوها قد ذهب ليستريح فترة ما بعد الظهر . وعندما حضرت ميغان في الخامسة لتصفيف شعر جين نزل لملاقاتها . كان يبدو شاحبا للغاية فصاحت جين:
" هل أنت في خير ؟"
" سأكون على ما يرام فلا تقلقي . أنا أشعر فقط بالإجهاد أذهبا الآن وتذكرا أني أريد أن أري الثوب لأعطي رأيي فيه ."
في الطابق الأعلى , وبينما كانت جين تغسل شعرها الحريري الطويل جلست ميغان في استرخاء تتابعها , قالت جين :
" مما يشكو أبي بالتحديد ؟"
" أن ماك لا يعرف . فبين حين وآخر تفاجئه تلك النوبات فيفقد القدرة على استخدام يديه لعد ساعات . من الممكن أن يكون السبب بعض الاضطراب العصبي . وهذا هو ما يعتقده ماك وهو يأمل في أن تتمكني أنت من إقناعه بعرض نفسه على أخصائي والمناسبة ماك سيكون في حفلة اليوم سأعرفك به وحينذاك يمكنك أن تتحدثي معه في هدوء بينما أجلس انا مع والدك."
" اتفقنا ."
جلست جين تجفف شعرها في غرفة نومها وأثناء ذلك أخذت تتجاذب أطراف الحديث مع ميغان . امتد حديثهما ليشمل الحياة في الجزيرة:
ميزاتها وسيئاتها . هناك قدر محدودة من الفقر في الجزيرة . فسكانها الأصليون يعملون فقط في صيد الأسماك وزراعة الفاكهة والسكر وجوز الهند . هناك أيضا صناعة الأشرطة الحريرية المفرزة وهي صناعة مزدهرة . فأشرطة سارامنكا تتمتع بشعبية كبيرة بين السياح .
قالت ميغان وقد تذكرت شيئا :
" يجب أن تشتري بعض تلك الأشرطة المطرزة عندما نذهب إلي بورت باتريك مرة ثانية سأساعدك في استخدامها في تطريز ثوب أو قميص للنوم فهي رائعة الجمال وفي الواقع انه لو كان لدينا وقت كاف لكنا استخدمناها في حياكة ثوب لحفلة اليوم . كان سيكون مدهشا . شرائط مطرزة بيضاء , فوق ثوب حريري قرنفلي اللون ."
" فعلت ما فيه الكفاية بالفعل."
"سندع ذلك للمرة القادمة ."
" والآن حدثيني عن سيئات الجزيرة , فهي لا يمكن أن تكون جنة . حتى لو بدت لي كذلك ."
" نتعرض إلي عواصف عنيفة ومخيفة تتخللها أمطار غزيرة وهو أمر مستغرب لجزيرة استوائية ولكن هذا هو سبب الخضرة الزاهية . كما أننا أحيانا نتعرض لغزو من أسراب الذباب ولكن ذلك نادر جدا ."
تراجعت ميغان عدة خطوات لتتأمل شعر جين . نظرت جين إلي صورتها في المرآة وهي لا تكاد تصدق ما ترى . كان شعرها الذي ينساب باستقامة عادة على كتفيها مشدودا إلي الوراء ثم إلي أعلى وقد ثبتته ميغان ببراعة بدبابيس لينساب بشكل شلال من الشعر الناعم اللامع المتموج ليغطي عنقها .
" هذا عظيم يا ميغان , أنت حبيبتي حقا ."
طرقت إلن باب غرفة نومها وقالت :
" لو عرف أبوك أنني هنا لأطاح برأسي . ولكن يجب أن أقول لك فأبوك ليس في حالة تسمح له بالخروج الليلة , هذه هي الحقيقة."
استدارت جين في فزع وقد نهضت من مقعدها :
" ماذا هناك يا إلن ؟"
" لا تقلقي . ولكنه عندما يكون في الحالة التي هو فيها الآن فالشيء الأمثل له هو أن ينام مبكرا ويأخذ قدرا وافرا من الراحة . "
" إذن يجب ألا يذهب إلي الحفلة ؟"
" هذا هو الأمر الذي جئت أحدثك فيه . أنه يعرف أنك ستقولين هذا وهو عازم على ألا يفسد عليك سهرتك الأولي , ولذا سيرفض وسيبذل جهدا لإقناعك الأمر الذي سيزيده توعكا."
أومأت جين برأسها وقد بدأت تدرك الغرض من مجيء إلن :
" إذن يجب أن أقول له أني سأذهب إلي الحفلة بمفردي."
توقفت بعد أن كانت قد اتجهت صوب الباب .
" لا لن أستطيع . كيف أذهب وأتركه يا إلن؟"
" إذا قلت له انك لن تذهبي إلي الحفلة , فأنه سيسارع إلي القول أنه ليس مريضا وانه على ما يرام . أنه رجل عنيد ."
هزت إلن رأسها في أسي واستدارت خارجة من الغرفة وقد تدلت كتفاها في يأس . أمسكت جين بذراعها قائلة :
" لقد هزمتني . كل ما في الأمر أنني لا أريده أن يظن أنني أردت أن أذهب بمفردي ولكن إذا كان هذا لمصلحته ."
" طبعا , أن ذلك لمصلحته بالفعل . وإلي جانب ذلك فأنت ستذهبين مع السيد غافن وأبوك متأكد من أنه سيعتني بك ."
صاحت جين :
"لا لقد نسيت هذا."
وعندما رأت إلن تقطب جبينها في حيرة بادرت قائلة :
" اعني أليس الواجب أن نبلغه بهذه التطورات الجديدة ؟"
" لا يا عزيزتي سيصل بعد لحظات وهو سيسعد بصحبتك ."
همست جين لنفسها : نعم أنا واثقة من انه سيسعد بذلك .
أصبح الأمر الآن أكثر سوءا . أمامها الآن رحلة مرتقبة مع ذلك الرجل.. هما الاثنان فقط وليس لديهما من حديث سوى بالطبع أنانيتها في ترك أبيها المريض وحده . عادت بتكاسل إلي المرآة . تمنت لو لم تذهب , لكن ليس لديهما خيار الآن . طالعها وجهها في المرأة وهو أكثر شحوبا من المعتاد , وعيناها واسعتان تلمعان في ضوء المصباح . نظرت لصورتها في المرآة قائلة : استمري , أشعري بالشفقة على نفسك .
ومع تلك الكلمات القليلة الغريبة توصلت إلي قرار . دعكت وجنتيها لتعيد إليهما لونهما ونظرت بتحد إلي نفسها . بكل عناية وحذر بدأت جين تضع المساحيق على وجهها دون أن تدرك أنها ليست في حاجة إلي أي شيء من هذا .
تعثرت جين وهي تهبط الدرجات ., فثقتها الجديدة في ذاتها , وليدة التحدي , تخلت عنها للحظات عندما سمعت أصواتا تنبعث من غرفة الجلوس . فضمت شفتيها ووقفت أمام الباب المغلق يمتلكها ذعر مفاجئ لم تستطع أن تجتاز ذلك الموقف . ولكن عليها أن تفعل ذلك .
فتح الباب على مصراعيه فجأة قاطعا عليها أفكارها رفعت جين يدها إلي صدرها وهي تلهث .
ظهر غافن وقد بدا مندهشا مثلها . ثم تراجع قائلا :
" أنا آسف ."
كان صوته رابط الجأش واثقا . نظرت إليه جين للحظات عاجزة عن النطق , لاحظت أنه كان يرتدي سترة بلون الضبي الصغير رائعة الجمال وقميصا ناصع البياض مبرزا لونه الأسمر الداكن . كان شعره ممشطا إلي الوراء لامعا . أما عيناه الرماديتان فكانتا ترقبانها بفتور . أخذت جين نفسا عميقا ثم ابتلعت ريقها . هاهي الآن مستعدة لمواجهته.
" شكرا ."
قالتها ومنحته بسمة صغيرة وهي تدخل الغرفة متجهة إلي أبيها .
" قالت لي إلن إنك لست على ما يرام ."
وضع يده المتعبة فوق ذراعها وجذبها إليه :
" صدقيني , أوامر إلن لا تعصى ! لقد قررت إنني لست في حالة تسمح لي بالذهاب . تنقصني الشجاعة لأتحداها . أنت تعرف إلن يا غافن ."
هز غافن كتفيه وبقي لحظات ثم قال:
" هذه الحقيقة. فمن يعصاها يجب أن يكون أشجع منا نحن الاثنين ."
" لم أكن أريد أن أذهب يا أبي عندما أبلغتني إلن أنك."
" أذهبي يا جين . غافن سيوفر لك كل الرعاية . استمتعي بوقتك . أنت تبدين رائعة الجمال وأنا فخورا بك يا عزيزتي ."
" شكرا يا أبي ."
سارت جين نحو الباب كالعمياء لكنها كانت تعي أن غافن يقف في انتظارها ممسكا بالباب .
سارا نحو واجهة المنزل حيث كانت تقف سيارة المرسيدس البيضاء . فتح لها باب سيارته في صمت . جلست جين وأحست بصدغيها تنبضان بفعل هذا التوتر المفاجئ وبعدما اقفل باب السيارة خطا نحو مقعد القيادة . وانطلقا.
4- الحفلة


قاد غافن سيارته برشاقة وسأل جين:
" هل تحبين الأستماع الى بعض الموسيقى؟"
" نعم أرجوك"
فكرت أن ذلك سيوفر عليها على الأقل حرج فترات الصمت في حوارهما بل لن يكون حوار على الأطلاق0
كان قلبها يخفق 0 لم يكن خيالها الذي صور لها ذلك ولكنها أحست بالفعل وكأن توترا يغمرها بموجات تكاد تكون محسوسة0 حدثت نفسها قائلة:
" أنه يكرهني وانا عرفت ذلك فلماذا لا اتجاهل تلك الحقيقة0 لم تكن لديها أسلحة مماثلة تقاتله بها عدا أـنوثتها 0ففي اعماقها كانت تعلم انه برغم عجرفته كانت هي التي تملك المبادرة 0 فضعفها كان في الواقع هو سبب قوتها0

- متى تنتهي تلك الحفلات عادة ياغافن؟
- تستمر طوال الليل أحيانا0 ولكن تستطيعين الانسحاب ساعة تشائين 0
كان صوته رقيقا يفتقر إلى الحماس لكنها لاحظت أن يديه كانتا تتضغطان على عجلة القيادة قليلا0 إنها تفضل أن تخلد إلى النوم بعد منتصف الليل مباشرة0 لكنها لن تطلب منه أن يعيدها إلى المنزل تراءى لها وجهه وهي تطلب منه أن يعودا و الحفلة في اوجها0
كان يتجهان الآن صوب بورت باتريك لكن كل شيء بدأ مختلفا الآن في ظلمة الليل وكأنه تبدل بفعل سحر السماء السوداء المخملية ، ليبدو كأرض العجائب المرصعة بالنجوم0 تنهدت بعمق وقد أحست أنها وقعت بالفعل في هوى تلك الجزيرة وسحرها الغامض
ياليت كولن هو الجالس جوارها لكانت شعرت معه بالراحة تنعم بدفء إعجابه الصريح بدلا من شعورها الحالي بالذنب لأنها تضيع وقت هذا الرجل المضطر لمصاحبتها وتذكرت أن كولن وميغان سيكونان في الحفل مما جعلها ترتاح0
خفت حدة التوتر قليلا عندما نجحت جين في الأسترخاء0
ساعدتها الموسيقى على ذلك لأنها وفرت لها شيئا يمكن أن تركز عليه انتباهها0 كانت كل حواسها مستيقظة مركزة على ذلك الرجل الجالس قربها يمس ذراعها مسا خفيفا كلما حرك جهاز السرعة0 كانت قسماته كالصقر وهو يراقب الطريق أمامه0 الأمر الذي شجعها على المخاطرة بإلقاء نظرة خاطفة عليه0 مرت الأشجار والمنازل من جوارهما في شكل ضباب رمادي اللون حين اقتربا من المدينة انعطف إلى اليسار في طريق ضيق مرتفع0 كان القمر ساطعا وقد أغرق الجزيرة بنوره الخافت وتذكرت ليلتها الأولى في سارمنكا عندما قامت بتلك النزهة المشؤومه0
كانا وحدهما الآن تماما وسط تلك االظلمة و قد تركا المدينة وراءهما0
كان الطريق ضيقا كشريط ابيض منبسط أمامهما0
عن بعد كان ضوء القمر يلمع فوق مياه المحيط الداكنة 0 صاحت في اندفاع وقد نسيت تماما أنها في صحبة غافن0

- يا للروعة000
- نعم أنها حقا رائعة0

خفف من سرعة السيارة ثم توقف تماما00 لماذا فعل ذلك ؟
جاءته ضحكته المقتضبة لتؤكد لها إنه قرأ أفكارها وقال:
- اعتقدت إنك قد تحبين أن تنزلي من السيارة لتلقي نظرة أكثر وضوحا0
- أشكرك0
فتحت جين باب السيارة وهبطت وكأنها تخشى إثارة غضبه ان هي رفضت0 وحاولت أن تقاوم ذلك الإحساس بالخوف الذي داهمها فجأة0
إنه لا ينوي الهجوم عليها فلماذا هذا الخوف؟
راحت تحملق بعيدا في ذلك المنظر الشامل الممتد أمامها 0إنه يقف قربها الآن ابتعدت قليلا00 وبلا أي تفسير تنازعتها رغبة قوية في العودة الى السيارة0
- لم أكن أنوي أن أمسك0
قالها بنبرة خشنة وكأنة قرأ أفكارها0
أحست جين وكأن شيئا ينهار في داخلها فقالت وهي تستشيط غضبا:
- لم أكن أتصور أنك ستفعل0
- كلا؟ قفزت وكأنك ظننت إنني سأحاول الاعتداء عليك0
- هذا ما صوره لك خيالك00
استدارت عائدة إلى السيارة تاركة إياه في حالة غضب 0 لحق بها دون أن ينبس بكلمة واحدة 0وانطلقا بسرعة دون أن يتبادلا أية كلمة0
لاح المنزل من بعيد يشتعل ضياءا 0 تبخرت قوة التحدي التي كانت لدى جين 0 استقامت في مقعدها 0حلقت في السيارات الكثيرة المصطفه أمام المنزل0 ثم انفتح باب البيت لتجد على عتبته فتاة طويلة في هالة من الضوء الذهبي تصيح قائلة:
- عزيزي غافن 0 الآن نستطيع أن نبدأ الحفلة0
أخذت جين ترقبها وقد وقفت مهملة في الخفية0 بينما ساره تشب على قدميها لتعانق غافن مرحبه رد عليها قائلا:
- مرحبا يا ساره تبدين جميلة للغاية0
اطلقت ساره ضحكة رنانة ثم مدت يدها ناحية جين وكأنها قد تذكرت وجود شخص آخر معهما:
- أهلا من المؤكد إنك جين0 لطيف جدا منك ان تحضري0

نظرت إليها جين إنها فتاة جميلة 0 كل شيء فيها كان يوحي بأنها تعرف كيف تعني بنفسها بدءأ بشعرها الحريري الأشقر حتى أصابع قدميها التي طلت من تحت ثوب أبيض بسيط يخطف البصر ثناياه الشفافه تطفو حولها مطوقة قدها النحيل0
كانت عيناها واسعتين داكنتين ترقبان جين في عملية تقييم صريحة ماهرة0
- كم تبدين رائعة0 تفضلي 0 أنا واثقة من أنك في حاجة إلى قدر من الانتعاش بعد رحلة الطريق0 أبحث عن مكان توقف فيه سيارتك ياحبيبي وسأعني انا بجين 0
قالت له يا حبيبي تساءلت جين عما إذا كانا كذلك بالفعل 0 أنها لن تدهش لذلك فقد حياها بحرارة لم تكن تتوقع أن تجدها فيه0
اصطحبت ساره جين إلى غرفة نوم ذات أثاث فخم وأشارت إلى منضدة الزينة قائلة:
- تفضلي ياجين 0 أخدمي نفسك بنفسك0
ابتسمت ساره فجأة ثم رمقتها بنظرة أخيرة وخرجت0
تهاوت جين على أقرب مقعد وهي ترتعش 0 اغلقت عينيها لحظه وأحست بأنها تريد أن تهرب وتختبئ 0 كانا مسلك سارة وكلما يحيط بها محسوبا بدرجة جعلت جين تشعر أنها صغيرة تافهة 0 أحست وكأنها تشترك في مسابقة جمال تفحصتها عينا سارة الجميلتان القاسيتان وكأنهما عينا حكم في مسابقة يقيم ويضع الدرجات ثم يصرف النظر عنها 0 كانت جين ساذجة جدا عبثت أنها لم تدرك مهارة سارا في اخفاء مشاعرها الحقيقية وكيف إنها استشفت بذكاء حياء جين الفطري الدفين وعرفت كيف تستغله لمصلحتها0
بيدين مرتعشتين وضعت جين أحمر شفاه0 تنفست تنفسا عميقا ثم اتجهت نحو الباب واستمعت إلى أصوات الثرثرة المنبعثة من الطابق الأسفل 0 قاومت شعورها بالخوف تم نزلت درجات السلم في سكون وهي متشبثة بالدرابزين الحديدي املة في التسلل إلى الداخل وتبحث عن ميغان قبل أن يراها أحد0
جاء صوت سارا واضحا عاليا:
- انظروا جميعا هاهي جين 0
كانت سارا في انتظارها وبمجرد أن اقتربت من الغرفة ساد صمت مفاجئ وتوقف الحديث والضحك تماما عندما أخذ الجميع يراقبونها وهي تسير مع سارة
كانت جين ترتجف لكنها في تلك اللحظة رأت بين الحاضرين وجها متهكما تعلوه بسمة ساخرة كان هذا الوجه هو وجه غافن 0 تنفست في عمق 0 ثم أحست بإصرار ينمو في داخلها لمواجهة الموقف ابتسمت فجأة بينما كانت سارة تقول:
- اعرفكم بجين ابنة جون اوغستاس ريتشي 0
وراحت جين تصافح رجالا ونساء يرتدون ثيابا أنيقة وجميعهم أيضا يقيمونها من وراء ابتساماتهم وتحياتهم التقليدية التي انهالت عليها0 اجتازت كل هذا بلا تردد بعد أن استعادت ثقتها بنفسها بسبب بسمة ساخرة على وجه رجل ونجحت في ألا تعطي أصدقاءه ذرة من الاهتمام0
بدأ الحديث يتصاعد من جديد تدريجيا وكان في وسع جين الآن أن تلتقط أنفاسها واسترخاء بحرية اذ أحست بالضغط ينحسر من حولها بعد أن تحول اهتمام الحشد إلى قادمين جدد0اما غافن فقد اختفى وسط الحشد0
في تلك اللحظة وجدت جين نفسها قرب والدة سارة التي قالت لها:
- أنا واثقة من أنك في حاجة إلى هذا المرطب ياجين 0 اشربي ياعزيزتي0
- شكرا0
- هل جئت أنت وغافن وحدكما؟ أنا آسفة لأن والدك لم يحضر لكن من المؤكد أن غافن ظريف جدا أليس كذلك؟ إنه يشكل مع سارا ثنائيا رائعا أليس كذلك؟
- نعم بالتأكيد وأظن أنهم سيعلنان خطوبتهما قريبا0
- لا تقول شيئا من هذا فالأمر مازال سرا0
- لا لن أقول شيئا على الإطلاق0
قالت جين فتت ذلك ثم رشفت من مشروب ذهبي تناثرت فقاعاته من كأسها ليأخذ طريقه إلى جوفها في رذاذ مثلج مسموع0
استأذنت السيدة سمايث لتجد جين نفسها تقف وحيدة تماما وسط بحر من الوجوه الضاحكة 0 منعزلة وكأنها تقف في جزيرة مهجورة 0 ودون تفكير رفعت كأسها وابتلعت كل ما فيها دفعة واحدة0
ثم سمعت صوتا يقول:
- إنك رائعة فعلا0
التفتت إلى الوراء لتجد وجها بشوشا لرجل متوسط العمر كان أصلع الرأس ذا انف مدبب وعينين ساحرتين وأهداب داكنة0
- أنت الدكتور ماكدونالد 0
- كيف عرفت ذلك ياجين 0؟
- قالت لي ميغان أنك ستكون في الحفلة كما إنه لم يكن ممكنا أن تفوتني تلك اللهجة المحببة ولكن كيف عرفتني أنت؟
- أنت أيضا تطابقين ما سمعته من أوصافك 0 وقد رأيت سارة وهي تخصك بتلك المعاملة وليوني أيضا كنت مندسا وراء تلك الزهرية عندما كانت تسرد عليك تلك القصة المعاده عن سارة وغافن0
- ماذا تعني بتلك المعاملة؟
رفع حاجبيه مندهشا:
- ألم تفهمي ؟ قولي لي ماذا كان شعورك وهي تقودك صائحه أمام هذا الحشد بعد أن أدركت خجلك 0 دعينا نجلس بعيدا في ركن هادئ00 أريد أن أحدثك عن أبيك0
وجدت جين نفسها تجلس في جوار الرجل الودود, وهكذا أصبحت الحفلة أكثر بهجة0 ازدحمت الغرفه ومر الجرسون بالمشروبات التي كانت تختفي قبل أن يتقدموا بضع خطوات 0 ظهر غافن فجاءه وألقى نظرة عليهما ثم اختفى وقد ابتلعه الزحام 0 جلس ماك وجين يتحدثان غافلين عن كل هذا الى ان ظهرت ميغان 0حيتهما بسرور وجلست قربهما قائلة:
- كنت أود إن اكون هنا ساعة وصولك يا جين 0 اين جون ؟
- لم يستطع المجيء0
- إذا جئت أنت وغافن وحدكما؟
- نعم0
نظرت ميغان الى جين وبدت وكأنها كانت على وشك أن تقول شيئا ثم عدلت0
تحدث ماك عن طريقة استقبال سارة لجين فقالت ميغان لجين :
- لهذا كنت أود أن أكون هنا وقت وصولك لكنني واثقة أنك كنت رائعة كما ذكر لي ماك 0
وصل إلى أسماعهم صوت موسيقى منبعث من مكان آخر من المنزل ونغمات متنافرة واضحة في محاولة لضبط أوتار الآلات الموسيقية قالت ميغان :
- سيبدأون الرقص الآن وبعد ذلك سيفتتحون مائدة الطعام0
تحولت الحفلة إلى ميدان صخبة0 كتلة دائرية من الألوان كالزجاج البراق كتلة من الضجيج والمتعة0 بعد ان احتست جين كأسها الثانية وتولى كولن الذي وصل متأخرا رعايتها0 اندفعا نحو فناء خلفي واسع حيث كانت الفرق الموسيقية تعزف 0 كان الغناء ممتدا نحو مروج خضراء حيث كان المدعوون يرقصون على النجيل المضاء بالأنوار وكذلك على أرضية الفناء الحجرية وقت تناثرت فيها أصص النخيل وتوسطت فيها نافورة صغيرة تتناثر منها المياه في شكل جميل0
قال كولن لجين وهو يراقصها :
- إن تثيرين ضجة يا جين 0
- دعك من هذه الدعابات 0
أحمر جين خجلا وتعثرت خطواتها وقد ساءتها مداعبته الساخرة0
امسكها بقوة ليحول دون تعثرها من جديد وهمس قائلا:
- أنا لا أمزح يا عزيزتي صدقيني تبدين رائعة الجمال0
كانت الموسيقى الصاخبة تشيع حيوية تعاقبت بعد ذلك عدة رقصات رأت في إحداها غافن وسارة يرقصان معا كانا يحتضنان بعضهما البعض بقوة وكأنهما لا يشعران بوجود أحد0
فجأة أحست جين بالدوار وقالت لكولن :
- ايمكننا أن نتوقف عن الرقص قليلا 0لقد تعبت0
جذبها الى الخارج قائلا:
- أنت في حاجة إلى هواء نقي ياعزيزتي0
في الهواء الطلق أحست جين برعشة البرد 0 أحاطها بذراعه قائلا بصوت عذب :
- تحسنت حالتك أليس كذلك ؟
ادارت نحوه وجها ضاحكا وهي تقول:
- نعم أعتقد ذلك 0
- سأمارس أساليبي الشريرة معك 0
ابتعدت وهي تقول :
- شكرا على تحذيرك اياي والآن يجب أن نعود إلى الحفلة 0
عادت إلى الرقص بكل حماس وقد قررت أن تندمج في الجو0
لم يكن في وسعها أن تتصور كيف كانت تبدو فاتنة هيفاء نحيلة في ثوبها الجميل شعرها لامع بشرتها تشع بالصحة وهي تضحك و ترقص حتى انقضى المساء0
وفي إحدى الرقصات كانت مع جوني ميليا وهو شاب جذاب عرف إنه زير نساء فرأت غافن يقف وحيدا0 يدخن سيكارا كانت نظرته إليها قاسية قاتمة0 وتحديا لغافن ابتسمت لجوني0 وأحست بقدر من الرضا عندما رأت غافن يستدير في سرعة ويسير مبتعدا 0
ساعدها الطعام الذي تناولته على استعادة قدر من اتزانها 0 دخلت هي وكولن وماك وميغان وانظموا الى المتزاحمين حول ألعشاء المعد بأناقة 0 وبينما كانوا يسيرون ممسكين بأطباقهم ينتقون شرائح الدجاج واللحم وعشرات الأصناف من الأطعمة الغريبة والمبهجة سمعت صوتا يقول :
- هل تستمتعون بوقتكم ؟
استدارت لترى غافن 0
حيته ميغان قائلة :
- مرحبا أيها الغريب لم نرك كثير اليوم0
ابتسم ابتسامة مقتضبة وقال:
- كنت أقوم بجولة بين المدعوين0
استدار نحو جين التي كانت تقف مع كولن وقال لها :
- هل كانت الحفلة كما تتوقعين ؟
- نعم وهل هي كذلك بالنسبة إليك؟
- بالقدر الذي توفره اية حفلة 0
لاحظت أن صوته كأن فاترا ولم تعرف السبب الذي دفعها أن ترد عليه في فتور مماثل بقولها :
- عندما تشعر بأنك لم تعد ترغب في السهر أرجوك ان تبلغني0
أدارت ظهرها له ثم ألتقطت قطعة كبيرة من الدجاج0
- سأفعل هل تأذنون لي ؟
وهنا قال كولن:
- لماذا كل هذا؟
استدارت ناحيته وعيناها تلمعان في تحد:
- هل كنت فظة ؟
- الناس لا يتحدثون هكذا مع غافن 0
- هذا يدعو أكثر للأسف0
ردت جين بهذه العبارة ثم أحست بالندم وسمعت ضحكة ميغان المقتضبة فاستدارت:
- أحسنت صنعا ياجين0
تنهدت جين في عمق0 هناك شخصا واحدا على الأقل في جانبها0 لقد بدأت بالفعل تندم على تهورها في ردها على غافن 0 فهي لم تكن يوما فظة مع أحد لكن غافن لم يكن نمطا عاديا من البشر0 أحست جين بقدر من التحسن عقب العشاء 0 أقبلت سارة نحوهم مبتسمة وهي تطرف بأهدابها في حياء ناظرة الى الرجلين وقالت:
- أرجو أن تكونوا جميعا مستمتعين بوقتكم 0
- سررت بمجيئك ياجين أرجو أن تأتي إلينا مرارا ولعلنا نقضي يوما معا في بورت باتريك0
انسلت مبتعدة فتنهد ماك:
- يا للعجب أنت تحظين بالحفاوة والتكريم0 إن سارة لديها مبرراتها لذلك فهي تتودد إليك حتى تضمن الا تحاولي سرقة صديقها0
نظرت جين وميغان كل إلى ألأخرى وانفجرتا في الضحك دون أن تقدما لماك تبريرا لمسلكهما هذا0
بدأت جين في وقت متأخر من الحفلة تشعر بإلأجهاد بل ربما المرض أيضا 0 كانت تجلس هي ميغان وحدهما في ركن هادئ نسبيا وتلفتت جين حولها في يأس0 كانت تحس بحبات العرق تنتشر فوق جبينها 0 همست قائلة:
- سأذهب إلى الحمام0
سألتها ميغان في قلق:
- هل أنت بخير؟
- نعم لكني أحس بقدر من الاجهاد فأنا لست معتاده على السهر 0 لن اغيب00
- سأتي معك0
- كلا لا تزعجي نفسك0
لم يلاحظ أحد إنسلالها الى الطابق الأعلى 0 وفي الحمام غسلت وجهها ويديها جلست ساكنة للحظات ثم سارت عبر رواق غطته سجاجيد مترفة أخذت تتأرجح بشكل مخيف, كظهر مركب في عاصفة0 مرت جين بغرفة نوم مفتوحة لترى سريرا نظيفا ورضخت لإغراء قوي فدخلت بثبات خلعت صندلها ثم رقدت وهي تتنهد في راحة0
افاقت على يد تهزها وصوت آت من بعيد0
- جين هل أنت بخير؟
فتحت عينيها لترى خيالا مرتعشا لرجل وقد وقع عليه الضوء الآتي من ألباب المفتوح 0 أحست بالذعر حاولت جاهدة ان تجلس لكنها شعرت بدوار ثم استعادت اتزانها بالقدر الكافي فرأت كولن يقف في جوارها0
- كولن يبدو أنني استغرقت في النوم كم من الوقت مضى علي وأنا هنا؟
ضحك وهو يجلس قربها على السرير قائلا:
- حوالي ربع ساعة فقط كانت أمي قادمة تبحث عنك لكني تطوعت للقيام بالمهمة اتشعرين بأنك مريضة؟
تململت جين محاولة ان تجد وضعا أكثر راحة فتطوع كولن لمساعدتها0
- كلا كنت متعبة فقط 0كانت رأسي تدور أنا آسفة0
- لا تقلقي إسمعي هل تودين أن أصحبك الى المنزل؟ قاربت الساعة الثانية0
اتسعت عينا جين وهي تقول:
- هل يمكنك أن تفعل ذلك؟ من المفروض أن أذهب مع غافن لكني واثقة أنه يود أن يمكث حتى النهايه وأنا لست معتادة على الحفلات الصاخبة0
- اسمعي سأنزل لأبلغ غافن بأنك ستأتين معي0
توقف فجأة عن الكلام عندما سقط ظل شبح على أرض الغرفة المظلمة اعقبه دخول غافن نفسه 0 ساد الصمت هنيهة بينما كان الأخير ينظر إلى جين وكولن وقد خلا وجهه من أي تعبير0 ثم قال:
- عفوا ما كنت أريد الدخول لكن خيل إلي أني سمعت شخصا يناديني0
أحست جين بوجهها يشتعل وسط الظلمة التي رحمتها من عينيه0 لم تنجح نبرته ألامبالية في إخفاء الاحتقار الحاد الذي ظهر في كلماته 0
ابعد كولن يده عن جين قائلا:
- كنت على وشك أن أنزل لأراك يا غافن 0 قلت لجين أنني سأصحبها الى المنزل 0
- هل تودين أن تذهبي الآن يا جين؟
- نعم 0
- إذا سأصحبك 0
- لكن0
بادرته جين معترضة حتى لا تضطره إلى ترك الحفلة قبل نهايتها 0
غير أن كولن أسرع إلى القول:
- حسنا اتفقنا0
كانت تعرف برغم الظلمة الجزئية التي كانت تحيط وجه غافن أن عينيه كانتا مركزتين عليها وهو يقول:
- أن أحضرتك وانا وعدت والدك بأن أعيدك إلى المنزل0
كانت تنتظر أن يعالج كولن الأمر بطريقته0 أن يعيد كل شيء الى وضعه الطبيعي ولكنه لم يفعل بل هز كتفيه ونظر إلى جين وكأنه يود أن يقول لا فائدة من الجدل ثم قال:
- اتفقنا ياغافن فأنت الرئيس0
ساد صمت مفاجئ ثم استدار غافن خارجا0
سمع وقع قدميه وهو يبتعد فأطلق كولن زفرة ارتياح عميقة:
- إنه طيب ومجنون في آن0
جلست جين وتشبثت به كمن يتشبث بطوق نجاه وقالت:
- لماذا لم تصر على اصطحابي ؟
- فلا مجال للنقاش مع غافن صدقيني فأنا أعرفه 0
التقطت جين حقيبتها وهبطت السلم مع كولن ثم سارت نحو الباب وهي تشعر وكأنها ذاهبة إلى الجحيم 0
5- المواجهة


لوحت جين لكولن 0 ثم استقلت السيارة فأحست وكأن الصلة الأخيرة بينها وبين المدينة أنقطعت لحظة سمعت صوت إنغلاق ألباب الخارجي للمنزل لم يكن في وسعها أن تعبر عن مدى تعاستها عندما لاحظت غضبه البارد مثل الصقيع جلست متصلبه في مقعدها لا تجسر على الاسترخاء خشية أن تستغرق في النوم كان تصورها بأنها ستقوم برحلة تستغرق ساعة كاملة مع ذلك الرجل المتجهم الوجه يخيفها 0
بدأ يقود سيارته بسرعة مبتعدا عن المنزل الذي أخذت جين ترقبه وهو يتقهقر كلما انطلقا بسرعة نحو الظلام 0 سألها وهو يشعل سيكارا :
- هل يضايقك أن أدخن؟
- كلا0
وردت وهي تفكر كيف أنها لا تجرؤ على الاعتراض لا أحد يستطيع مناقشة غافن 0 ولا حتى كولن الذي نفذ ما أمره به غافن في غرفة النوم0 كم كانت تتمنى لو أنها لم تذهب إلى هناك 0 كانت تتمنى أيضا لو أنها لم تتحدث بمثل تلك الحدة في غرفة الطعام0
ملاءة رائحة التبغ المعطرة السيارة 0 فنظرت جين من النافذة وهي تتمنى ألا يدفعها ذلك إلى الشعور بالغثيان 0 كانت رأسها تؤلمها آلما أخذت شكل إلنبض البطيء الثابت الموجع0 وكانت تشعر وكأن عينيها مليئتان بالرمال0 لم تستطع أن تتحمل ذلك الصمت الثقيل أكثر من ذلك فأنفجرت قائلة:
- آسفة لإنني اضطررتك إلى ترك الحفلة0
- احقا أنت آسفة0
توهج السيكار وهجا أحمر حين أدار رأسه لينظر إليها0
- نعم آسفة ولهذا السبب كنت أود أن أعود مع كولن 0
- هل كنت ستدعينه يصحبك الى المنزل؟
- نعم فأنا أعلم أنك كنت تود أن تبقى حتى نهاية الحفلة0
- قلت لك ان تبلغيني عندما تودين الرحيل0 فأنا عندما اتعهد بشيء أحرص على تنفيذه 0 قلت لوالدك أنني سأعيدك سالمة إلى المنزل , وسأفعل ذلك دون أي اعتبار للوقت0
- كان ابي سيتفهم الموقف0
- ليس هذا هو محور الجدل أليس كذلك؟
أحست لهجة احتقار حادة في نبرته 0أصرت على أسنانها بمرارة متسائلة في تهكم:
- أظنه شيئا رائعا أن يبلغ المرء حد الكمال, أن يفعل دائما الصواب؟
نفض سيكاره بعناية وضحك قائلا:
- لا تجعلينا ننحط إلى مستوى الإهانات الشخصية0
لم تكن في ضحكته اي نوع من الدعابة0 شبكت جين يديها بقوة وقد ملأها غضب جارف, نظر إليها فرأى قبضتها المتوترة كما لاحظ تنفسها السريع واستطرد:
- لو كنت مكانك لحاولت أن استرخي أمامنا رحلة طويلة0
- كيف استرخي وأنا معك؟ إنك تظهر تماما كم أنت متضايق من مهمتك أنا أشعر بذلك0
وضعت يدها على جبهتها المتألمة ضاغطة بقوة0
ضغط بقدمه على الفرامل فوقفت السيارة بسلاسة0 استدار قائلا:
- حسنا أفصحي عما في صدرك ماذا تعنين بالضبط؟
اشاحت جين بوجهها0 لم يكن هناك ضوء أو صوت 0 كانا وحدهما في صحراء شاسعة من الظلام , والآن أدركت لماذا استسلم كولن بتلك السرعة فالقوة التي يتمتع بها هذا الرجل خارقة كان ينتظرها تتكلم وكأنه نمر متأهب للانقضاض 0
لم يكن لديها أسلحة تحاربه بها ولأنها كانت تعرف إنه ليس في وسعها أن تفوز في حرب كهذه فقد تشجعت وقالت:
- حسنا سأقول لك لقد أفصحت تماما عن مدى كراهيتك لي 0 أنا لا أعرف لماذا؟ لم أفعل لك شيئا ويجب أن تتعلم أن تحكم على الناس كما هم في الواقع لا كما تتخيلهم انت 0
اشتد صوتها وأصبح أقل ترددا فهي تعرف الآن إنه ليس لديها ما تخسره 0 إن أسوأ ما يستطيع أن يفعله هو أن يطلب إليها مغادرة السيارة لتعود إلى البيت سيرا على القدمين0 واستدارت بالفعل ومست مقبض ألباب وكأنها تدرس تلك الفكرة رأى غافن حركتها فقال بحدة:
- أين أنت ذاهبة؟
- لست ذاهبة إلى أي مكان ومع ذلك فقد كنت أفكر أنه سيكون من الأفضل أن أعود إلى المنزل سيرا على القدمين0
- أترين ذلك؟ ستكتشفين خطأك بعد بضع خطوات إلا إذا كنت تحبين أن تخترق الخفافيش شعرك0
- أنا لا أخاف الخفافيش إنها مجرد فئران طائرة وهي تخشانا أكثر مما نخشاها0
- أنت تدهشينني فمعظم النساء يرتعبن من الخفافيش0
- أنا لست مثل معظم النساء0 ومع ذلك فأنا لا أعرف لماذا تعتقد أن الشجاعة تنقصنا بالمقارنة مع الرجال 0 فالنساء لم يعدن مخلوقات ضعيفة 0 صدق أو لا تصدق أن لديهن عقولا أيضا0
- حسنا لقد شرحت وجهة نظرك جيدا0
مد يده نحو ولاعة السكائر مرة أخرى فقالت جين:
- هل أنت في حاجة إلى السيكار ليمدك بالشجاعة؟
أحست جين بأن هناك شيئا ما يستحثها على الاسترسال 0 قوة لم تكن تفهمها0 ولكنها كانت تود بشكل ما أن تخترق ذلك السطح الخارجي أن تثقب مناعته الحصينة هذه لترى ما وراءها0 رأت من خلال الضوء القاتم المنبعث من لوحة أجهزة القياس عضلات وجنتيه تنقبض وسمعت تردد أنفاسه فعرفت أنها سجلت هدفا ضده مهما كان حجمه تافها0
- كلا لست في حاجة إلى السيكار0 لكنه يساعد في معالجة التصرفات الصبيانيه 0
- إن سلوكي ليس صبيانيا 0
- انت تدهشينني 0 أعطيتني انطباعا قويا بذلك حتى الآن والآن هل انتهيت وهل يمكننا أن نواصل رحلتنا ؟
قالت وهي تلهث:
- أنا لا أعرف لماذا توقفت اصلا 0 أنت انسان كريه0
- لا تتمادي في وقاحتك أكثر من هذا يا آنسة ريتشي فقد نفذ صبري 0
اشعل سيكارا آخر ببطء كانت الرائحة المعطرة للسيكار الذي أشعله أخيرا بمثابة الضربة الأخيرة0 فقد دفعت جين ألباب واندفعت خارجة تحتمي بالنخيل وهي تشعر بالإعياء0
كانت ترتجف وتهاوت قدماها 0 سمعت في شكل خافت مبهم صوت ارتطام باب سيارة فكرت إنه على وشك أن يقود سيارته مبتعدا 0 كانت تشعر بقدر هائل من الإعياء حال دون اهتمامها بما يحدث وتوقعت أن تسمع صوت المحرك يملأ المكان لكنها بدلا من ذلك سمعت وقع أقدام مسرعة ثم جاء صوته قائلا:
- ماذا هناك هل أنت مريضة ؟
تعثرت ثم استدارت كانت تحس بقدميها تلتويان بينما كانت الأرض تتأرجح وترتعش وفي اللحظة التالية وكان غافن يحملها بين ذراعيه متجها إلى السيارة0
- أنزلني , دعني , أرجوك0
دفع بها إلى مقعدها وقال في حزم:
- اجلسي مكانك0
في اللحظة التالية كان الى جوارها وقد غمرها النور الداخلي للسيارة أعطاها منديلا وقال:
- امسكي هذا 0
مد يده إلى الدرج الأمامي للسيارة وأخرج زجاجة فتحها ونثر بعضا منها فوق المنديل فامتلأت السيارة برائحة منعشة نفاذة ثم قال :
- والآن امسحي وجهك فهو سيفيدك كثيرا 0
امتثلت جين ومسحت وجهها بيدين مرتعشتين فصدمتها البرودة الحادة لتعيدها إلى حالتها الطبيعية 0
- شكرا لك 0
تبدلت لهجة غافن فصار موضوعيا واختفت النغمة الغاضبة من نبرته 0 سألها وهو يرقبها :
- لماذا لم تقولي لي أنك تشعرين بالغثيان 0
نظرت إلى وجه وقد مال نحوها وقالت :
- كنت اظن انك تعلم , فذلك كان سبب صعودي الى الطابق الأعلى للاستلقاء0
- ومن أين لي أن اعرف؟ لقد ظننت أنك صعدت لكي 000
وسكت مترددا وأحست جين بوجهها يلتهب فتساءلت:
- ماذا كنت تظن ؟
- ظننت أنك ذهبت لموافاة كولن0
وأضاف عندما أطلقت شهقة لا ارادية :
- إني أعتذر أدركت الآن مدى خطئي ولكن لماذا لم تقولي لي إنت او كولن 0
اشاحت جين برأسها وقد أفلتت منها شهقة باكية0 وأحست بضياع وحرج وأخيرا استطاعت أن تنطق بصوت مرتعش:
- هذا ليس مهما أرجوك دعنا نواصل رحلتنا الآن فأنا أشعر بتحسن0
- لن نستأنف ألرحلة وأنت تبكين0
- أنا لا أبكي0
- بحق السماء حاولي أن تتوقفي عن البكاء لقد اعتذرت لك 0
مساحة وجهها بالمنديل وقالت بنبرة تكاد تكون طبيعية:
- أرجوك أود لو نذهب الآن فأنا متعبه جدا0
في ذلك الضوء الخافت خيل إليها وكأنها رأت شيئا ما في وجهه احالت جسمهاالى شعلة ملتهبة 0 وكأنها واقعة تحت تأثير مغناطيسي نظرت إلى عينيه كانتا داكنتين فيهما ظلال أحدثها ذلك الضوء الذي بدأ كبحيرة صغيرة سمعت تردد أنفاسه ،وراءت صدره يعلو ويهبط وذلك التجويف الداكن الظلال في أسفل عنقه بينما كان وجهه المائل داكنا مكتمل الرجولة كانت لدى جين رغبة جارفة في أن تمد يدها وتمس شفتيه بأناملها0 بل إنها أحست بالفعل وخزا خفيفا وكأن الفكرة تحولت إلى واقع 0 ضغطت على يديها محاولة استعادة حالتها الطبيعية0

قال لها في رقة:
- ارجعي رأسك إلى الخلف وحاولي أن تستريحي لن أسير مسرعا 0
امتثلت لما قاله 0 وأحست بهدؤ غريب تحركت السيارة في بطء تزيد من سرعتها كل لحظة وهو يقودها بعناية في طريق العودة0
اغلقت جين عينيها محاولة ان تخلد الى النوم 0
على الأقل لن يكون عليها أن تتكلم معه0 لكنها ستحاول التفكير رغم ان الأفكار تتصارع في رأسها مثيرة للقلق فقد ظل وجهه الساخر يتراءى لها0
وأدركت إنه لم يجبها عندما كانت تتحدث عن استياءه منها بل كان يحرص دائما على تغيير الموضوع أوقف غافن السيارة أمام البوابة الخارجية لمنزل والدها وقال:
- سنقطع الممر سيرا على الأقدام أين مفتاحك؟
فتحت جين حقيبتها وبدأت تبحث عن المفتاح الذي دسته الن في يدها قبل أن تغادر المنزل 0 قطبت جبينها وبدأت تتحسس بدقة أكثر في كل ركن وبحركة يائسة سريعة أفرغت حقيبتها 0 وبدأت تقلب في محتوياتها فلم تجد أي أثر للمفتاح0
- اتسمحين لي 0
قال لها ذلك وهو يأخذ الحقيبة الفارغة ويدس يده فيها متحسسا البطانة ثم قال :
- لا أثر للمفتاح اتظنين أنه سقط من الحقيبة؟
- نعم عندما صعدت إلى الطابق الأعلى للاستلقاء سقطت مني الحقيبة نسيت هذا تماما0
- هل فتحت الحقيبة اثناء سقوطها؟
- لا أدري كولن هو الذي التقطها0
نزل غافن من السيارة قائلا:
- تعالي سنحاول أن ندخل في هدوء0
ركضت خلفه وهو يسير بخطوات واسعة في الممر المتعرج الموصل إلى المنزل0 وهي تتمنى أن يجدا نافذة مفتوحة في الطابق الأسفل0 لن تنسى هذه الأمسية الثقيلة كالكابوس 0 حدثت نفسها بذلك في تعاسة وهي تتعثر في صندلها ذو الكعب العالي محاولة اللحاق بغافن0
المنزل يلفه الظلام وسكانه نائمون 0 أشار لها غافن بأن تلتزم الصمت 0 حاول فتح ألباب الخارجي أولا ثم بدأ يجرب النوافذ واحدة تلو الأخرى 0 وعندما اختفى غافن في الفناء الخلفي للمنزل انتظرت جين وهي لا تجسر حتى على الحركة عاد بعد أقل من دقيقة 0 انبأـها وجهه بالنتيجة ولم تكن في حاجة لأن تسال0
دنا منها وقال:
- ليس امامنا الآن إلا أن نحاول إيقاظ الن 0 ولكننا على وجه التأكيد سنوقظ والدك أيضا0 وهذا ما لا أود أن افعلة 0 بقي أمامنا اختيار واحد 0
- ما هو؟
- أن تنامي في منزلي0
وعندما نطق بهذه الكلمات بدأ يسير وقد تأبط ذراعها مبتعدا عن المنزل يجذبها بعيدا, حتى يستطيعا أن يتحدثا بحرية أكثر تصلبت ثم توقفت عن السير منتزعة يدها من يده وهي تصيح:
- كلا00 كلا 0
- ماذا تقترحين؟
- ألا يمكننا أن نقذف بعض الحصى على نافذة الن ؟
- أين غرفة آلن ؟
- لا أعرف أظنها في الناحية الخلفية من البيت0
- اذا كنت تظنين أنني سأقف هنا لأقذف كل نافذة بالحجارة فأنت مخطئة 00 وحتى في هذه الحالة ليس هناك ما يضمن أنها ستستيقظ من نومها العميق لاتنسي أنها تذهب إلى فراشها في ساعة متأخرة وتستيقظ مبكرة, تعالي0
تأبطها مرة ثانية ولكن بقدر أقل من الرقة هذه المرة حتى وصلا إلى السيارة0
استدارت جين قائلة:
- الكاراج ليس مغلقا ويمكنني النوم في السيارة0
- لاتكوني حمقاء اصعدي إلى السيارة0
قالت كلمته ألأخيرة بخشونة وهو يفتح لها باب السيارة وقد نفذ صبره0
بعد دقائق كانا أمام منزله حيث كان هناك ضوء متوهج في البهو يغمر الممر أرتقى غافن السلم راكضا ووضع المفتاح في قفل الباب مستديرا تجاه جين التي كانت لا تزال في السيارة 0
- تعالي0
امتثلت جين وهي تحس بالحيرة ثم تجمدت لدى رؤية ذلك الكلب الضخم 0 يهز ذيله القصير بعنف ويقفز عاليا على غافن الذي عرفت الابتسامة طريقها إلى وجهه الآن0
استدار قائلا:
- لن يمسك بأذى فلا تخافي0
- آن لا أخاف الكلاب إلا إذا وثبوا علي في الظلام0
- من الأفضل أن تحييه0
مدت جين يدها ليتشممها فجلس أمامها مصدرا انينا خافتا وهي تربت على رأسه مبتسمة لعينيه الرقيقتين0
رفعت جين رأسها لتجد غافن واقفا يراقبها وقد علا وجهه تعبير غريب فأحست بالارتباك وقد بدأ قلبها يدق بشدة فهي لم ترى وجهه على تلك الصورة قبل اليوم0
استدار غافن فجأة قائلا:
- سأعد فنجانين من القهوة لنتناولهما في المطبخ0
لحقت به جين بعد تردد 0 بدأ الموقف كله يأخذ طابع الحلم0 يسوده جو غير واقعي حتى وبدأت جين تتساءل عما يمكن أن يحدث بعد ذلك0
- اجلسي سأحضر لك قرصين من المسكن للصداع بعد دقائق0 لن تحسي بثقل في رأسك غدا إذا ما تناولتيهما مع القهوة هل انت جائعة؟
- كلا شكرا0
هل أن ما يحدث الآن حقيقي ؟ هل هي بالفعل في منزل ذلك الرجل00 على وشك أن تنام في إحدى غرفه 0 تساءلت وهي لا تقوى على النظر إليه0
- آمل ألا نوقظ مديرة منزلك0
- تحاولين أن تعرفي في ما إذا كان شخص آخر غيرنا في المنزل؟
- أعتقد أن هذا هو ما قصدت بالفعل0
- أنا آسف أن أقول لك إننا وحدنا تماما0 فمديرة منزلي وزوجها يسكنان بيتا صغيرا في الحديقة0
وضع أمامها قدحا من ألقهوة الداكنة ووضع جوارها اللبن والسكر قائلا:
- لا تقلقي, فأنا لا أغازل الأطفال0
شهقت جين وقد اشتعل وجهها ثم تلعثمت قائلة:
- أنا لم أقصد0
- نعم لقد قصدت ذلك0
أتى بزجاجة صغيرة وضعها أمامها ثم سحب مقعد وجلس وقال:
- لا تستشيطي غضبا هكذا فمن الطبيعي تماما أن تسألي وتطمئني وقد أجبتك والآن أرجوك أن تنسي هذا الموضوع0
ربت على الزجاجة قائلا:
- تناولي قرصين من هذا الدواء واشربي قهوتك 0لقد تجاوزت الساعة الثالثة صباحا0 ولست أنت وحدك المتعبة0
كانت أفكار جين مشوشة وذهنها في حالة اضطراب وقد اختلطت فيها الانفعالات فتحت الزجاجة وتناولت قرصين وبيد مرتعشة احتست القهوة وهي تلهث قليلا 0
كيف يمكنه أن يكون قاسيا الى هذه الدرجة0 أدركت كم هي في الحقيقة مجهده ثم انحنت وربتت على ظهر الكلب الرابض في جوارها 0
- سأصحبك الى غرفتك 0
ابتلعت جين الجرعة الأخيرة من القهوة ثم نهضت واضطرت للإمساك بالمنضده بعدما شعرت بالغرفة تتأرجح 0 قطب غافن جبينه متسائلا:
- الا زلت تشعرين بالإعياء؟
- كلا أنني مجهده فقط0
قادها إلى البهو ثم ارتقيا سلما كان كل شيء على كبيرة من الفخامة 0 كان الضوء ينعكس في توهج على اطارات المرايا المذهبه والنوافذ الواسعه العالية 0 وعندما وصلا إلى الطابق الأعلى مس ذراع جين بخفه قائلا:
- من هنا0
قادها إلى غرفة صغيرة ذات اثاث جميل 0 كان غطاء السرير أبيض وقت تناثرت سجاجيد بيضاء على أرض الغرفة0
اضاء النور ثم أشار إلى باب في داخلها قائلا:
- هناك تجدين حمام مستقلا فيه كل ماتحتاجين إليه00 وستجدين أيضا تشكيلة من ثياب النوم في الدرج الأول من منضدة الزينة سأذهب لأدخل كارلو وأغلق الأبواب اذا احتجت إلى شئ ما فما عليك إلا أن تطلبي 0
مشى عائدا إلى الباب ثم توقف قليلا ناظرا إلى جين التي كانت تقف قرب السرير:
- ليس للباب قفل لكني أعدك أن أحدا لن يزعجك 0
- أشكرك0
خرج واغلق الباب خلفه في هدوء 0 أطلقت جين آهة مرتعشه0 جلست في فراشها محاولة ان تستجمع شتات أفكارها هل يمكن أن يكون هذا هو الرجل نفسه الذي رأته يفرض رأيه 0 متسببا في ذلك المشهد الكريه في المطار؟ وماذا سيكون رأي الخالة دوروثي في كل ما حدث ويحدث؟ لم تجسر على الاستمرار في التأمل 0 توجهت إلى الحمام0 كان مزخرفا في رقة وجمال وقد غطيت جدرانه بقرميد أزرق فاتح0 كما ثبت في الحائط حاملا للنباتات0 غسلت جين وجهها ويديها0 ونظفت أسنانها , وشعرت على الفور بتحسن كبير عادت مرة أخرى إلى غرفة النوم وأخرجت أقرب ثوب نوم ثم ارخت شعرها واطلقته من دبابيس الشعر الخانقة وهزته بحرية وهي تطلق زفرة ارتياح
رفعت يديها إلى الخلف لتفتح سحاب ثوبها ثم جذبت لم يحدث شيء جذبت مرة ثانية بقوة أكثر جفلت جين بعد أن تشابكت خصلة من شعرها مع الأسنان الدقيقة للسحاب 0 دمدمت في تبرم بعد أن تعبت يداها من المحاولات المتكررة انتظرت لتلتقط أنفاسها تم بدأت محاولة جديدة دون جدوى وذعرت ماذا ستفعل الآن؟
حاولت جين أن تسحب الثوب الى اعلى , لكنه كان محكما عند الوسط وبعد بضع دقائق من الكفاح الصامت المتجهم الذي كانت تخشى أن تمزق بسببه خامة الثوب الرقيقة استسلمت جين 0 لم يكن أمامها سوى شيئا واحدا هو أن تطلب مساعدة غافن وبسرعة
وقبل ان تخذلها عزيمتها فتحت الباب ونظرت نحو السلم قد يكون في المطبخ وهذا أفضل بدلا من أن تضطر إلى الذهاب إلى غرفة نومه 0
هبطت جين السلم في هدوء وسارت عبر البهو حتى وصلت إلى المطبخ 0 وبعد لحظة انتظار تستجمع فيها شجاعتها دفعت الباب 0
لم يكن أحد في المطبخ انتابها شعور مفاجئ بالذعر 0كانت كل شيء يسوده صمت وكأن غافن وكارلو اختفيا 0 توجهت صوت ألباب المفتوح ثم خطت إلى الخارج , لم تكن تجرؤ على مناداته ففضلت الانتظار وفي اللحظة التالية ظهر كارلو يركض بخفة وكإنه يعرب عن سعادته برؤياها 0
خطت جين خارجة عن دائرة النور المنبعثة من باب المطبخ وارهفت السمع 0 جاءها صوت البحر أشبه بهمس ناعم يصدر عن كائنات مجهولة تعيش في تلك الأعماق الخضراء الباردة ارتعشت وقد أحست فجأة بالبرد 0 ثم رأت من على بعد غافن يتقدم نحوها0
وبشكل غريزي تقدمت إلى ألأمام0
- جين ماذا هناك؟
- لا أستطيع فتح سحاب ثوبي 0
- تريديني ان افعل ذلك بدلا منك أليس في ذلك مخاطرة؟
- ابتعت هذا الثوب من محلك الخطأ ليس خطئ0
- تعالي إلى الضوء0
- آمل أن يتم الأمر هنا0
- يالك من طفلة حمقاء0
مد يده وأمسك بشعرها يدفعه إلى ألأمام, مست يده رقبتها فأحست برعشة كان ذلك بمثابة صدمة مفاجئة تنفست جين تنفسا عميقا ثم ابتعدت قليلا أحست بأنامل غافن الطويلة عند رقبة ثوبها ثم عند الظهر ثم بدء قلبها يدق بعنف فخشيت أن يسمعه وقفت ساكنة تماما غير قادرة على الحركة سمعت همهمته المتعجبة وهو يقول:
- كيف تنتظرين مني أن أصلح لك السحاب في الظلام ؟
كانت أصابعه دافئة تمس عنقها وشعرت بشيء من الطمأنينة وهو يقول في رقة:
- أعتقد أنني نجحت لقد كانت هناك بعض000
توقف فجأة فقد حدث شيء غريب 0 سمعا ضربات أجنحة خشنة صاحبها صرخة حادة , في حين مر أمامهما شبح أسود , استدارت جين وتشبثت بغافن وقد أحست بذعر مفاجئ0
- إنه مجرد خفاش وسبقلك وقلت أنك لا تخافين الخفافيش0
ولم ترد في جين وخيم الصمت على المكان واستمر قلب جين في الخفقان بصورة زادت من إحساسها بالدوار0 وغمر كيانها كله إحساس غريب لم تكن تتخيله وذلك عندما ضمها غافن إليه0
وفجاءه وبفظاظة قاسية أبتعد عنها وبصوت مرتعش قال:
- يا إلهي أنت لا تعرفين ماذا تفعلين0
وبينما كانت جين تقف مرتعشه من جراء ما يصطرع داخلها من رد فعل غير قادرة بعد على الحركة استعادت فجأة ذكرى مؤلمة مازالت تحتفظ بقسوتها 0 ذكرى عن خالتها عن شيء يماثل هذا الموقف بشكل ما فقد عادت يوما من المدرسة وقد ملاءتها السعادة تواقة لأن تبلغ الخالة دوروثي أنها فازت بجائزة في الرسم 0 القت بذراعيها حول خالتها تحتضنها0 لكن الخالة دفعتها بعيدا وهي تصيح في دهشة وقد زمت شفتيها:
- ماذا تفعلين بحق السماء؟
خرجت جين من الغرفة حينذاك وحيدة وقد أحست كم هي مرفوضة بشكل تعجز عن وصفه 0 هاهو التاريخ يعيد نفسه0 إنها تشعر بالإحساس نفسه الآن0 ملأ صدرها ذلك الألم المألوف يتصاعد ليصل إلى حنجرتها وقد أوشك أن يخنقها استدارت صارخة وركضت نحو المنزل0
تسمع وقع خطواته وهو ويتبعها:
- جين انتظري0
- دعني ابتعد عني0
انكمش جسدها خوف من التعرض لمزيد من الإذلال بينما كانت تسير متعثرة في المطبخ0
- انتظري0
اطبقت على ذراعها يد قوية 0 ليسقط شعرها على وجهها في فوضى جامحة وهي تتلوى يائسة تحاول تخليص نفسها من تلك القبضة الصلبة0
- لا تلمسني00
هل كانت مجنونة عندما سمحت لنفسها بأن تستجيب بهذا الشكل إلى لمسة ذلك الرجل0
ظلت مشيحه بوجهها بعيدا حتى تتهرب من تلك السخرية التي تعلم تماما أنها ستراها في عينيه 0 كان يجب أن تعرف ذلك أليس هو وخالتها على شاكلة واحدة0
لم يكن هناك جدوى0 فقد كان أقوى منها كثيرا0 تنهدت ثم ارتخت غير قادرة على الاستمرار في مقاومته :
- انظري الي يا جين0
رفعت رأسها وكأن قوى عظمى لا تستطيع مقاومتها دفعتها إلى ذلك 0 كانت عيناها مليئتين بالدموع وقد ابتلت أهدابها الطويلة الحريرية فأصبح لونها داكنا 0 انتظرت كلماته 0 أصبحت عيناه داكنتين جدا0 لم يكن فيهما أية أثر للسخرية التي كانت تخشاها لكن كانا فيهما شيء آخر قال :
- أنا آسف يا جين 0
انتزعت ذراعها من قبضته وتراجعت وهي تصرخ:
- آسف00 انا واثقة أنك آسف حقا- لماذا لا تنفجر ضاحكا؟
تقدم نحوها فصاحت:
- ابتعد عني إني أكرهك أتسمعني ؟ اكرهك 0
رفعت يدها الى فمها وكأنها تحاول أن تمنع نفسها من الاسترسال ثم هرعت خارجة من المطبخ0

 
 

 

عرض البوم صور كحيلة العين M  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:09 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية