13_نجمة الجراح
ليزا النجمة في عالم الأزياء , وجدت نفسها خارج عالم الشهرة والمال وتعاني الضياع والحرمان , وبين ذراعيها طفلة اختها المتوفاة
وعندما بحثت عن وسيله للخلاص , لم تجدها إلا في شخص انطونيو كوردوفا , الرجل المتعجرف القاسي الذي ظنها والدة الطقله بيتسي
ورضيت ليزا , لئلا تخسر الطفلة , أن تكذب وتلعب دور الأم الحقيقية ودور زوجة انطونيو
لكن إلى متى تستطيع الصمود في مواجهة زوج كأنطونيو لا يخفي ازدراؤه وحتفاره لها ؟
وكيف تستطيع إخفاء الحقيقة عنه ؟ الحقيقة التي إذا اكتشفها فسيعني هذا خسارتها له وللطفله إلى الأبد
1_صراخ طفله
ابتسمت ليزا للطفلة الصغيرة التي هدهدتها حتى نامت , فمسحت لها جبهتها البيضاء , برقة وحنان ..... إن بيتسي هي أهم ما لديها في الحياة , ومن أجلها قد تفعل أي شيء .
وراحت تفكر , لم تعد تستطيع تحمل المزيد إذا استمرت كلفة المعيشة بالارتفاع فستصل إلى حائط مسدود. بيتسي تكبر, وقد أصبحت عبئاً على كاهل العجوز السيدة جانسون لا سيما أنها تحبو ,
وتعبث بأي شيء أمامها.
ودفنت ليزا وجهها بين يديها .... وغلبها دموع الإحباط ..... ماذا ستفعل ؟ ماذا يمكن لها أن تفعل ؟ لو أن أنجي لا زالت حية , ولم تمت وهي تلد بيتسي , لكانتا على الأقل سعتا إلى طلب مساعدة والد الطفلة. ولكنها ماتت ... حتى أنها لا تعرف من هو والد ابنة أختها !!... لو انها لم تكن تعمل منذ سنتين خارج البلاد , لما حدث كل هذا ..
ولا ربما بقية أنجي حية ... لو أن... لو أن ... لو أن ! كم من المرات رددت الأمر نفسه خلال السنة المنصرمة؟
وأين أوصلها هذا ؟ إلى لا شيء !
ولكنها لم تتخلى عن بيتسي مهما حدث ... ورفعت رأسها بسرعة لسماعها طرقات قوية على الباب . وتطلعت بقلق إلى الطفلة النائمة التي بدأت تتحرك لقد بذلت الجهد الكبير لتجعلها تنام , وإذا أيقضها , كائناً من يكون على الباب , فسوف تريه .
وقفت قلقه , لتفتح الباب قبل أن يقرر الزائر طق الباب ثانية وكأنما ادركت الطفلة أن خالتها تنوي تركها , ففتحت عينها وتأهبت للبكاء... فردت ليزا بصوت لطيف ... " لا بأس يا حبيبتي " ولكن صوت صاحبة منزلها لعلع عن الباب بخشونة :
- أعرف أنكِ هنا آنسة كاميرون ! فأين يمكن أن تكوني ؟
فتحت ليزا الباب غاضبة , ووقفت تسده كي تمنع المرأة من الدخول بدون دعوه ... والسيدة وينتر, البالغة الخمسينات من عمرها ... لم تكن شيئا ً إذا لم تكن فضوليه ومن أدب ليزا أنها لم تدعها مره بالمزعجة, ولكنها كانت كذلك فعلا . وواقع إنها لم تكن أما غير متزوجة , ولا شأن لهذه المرأة فيه , وقد قررت ليزا أن لا تقول لها حقيقة أنها خالة الطفلة وليست أمها .
ولو أنها تستطيع إيجاد مسكن أخر , رخيص هكذا لانتقلت منذ مدة . ولكن هذا مستحيل , فلم يكن أحد ليرغب في القبول بطفل صغير في منزله في وقت يستطيع الحصول على الأجرة نفسها من عازب أو من زوجين شابين . ولكن ماذا تستطيع أن تفعل إزاء شكاوى السيدة وينتر , والطفلة التي تصرخ من التسنين المؤلم حقاً . وقالت متصلبة :
- نعم . سيدة وينتر ؟
- لا تكلميني بهذه اللهجة المتعالية أيتها الشابة. فأنت لست أفضل مني بشيء .
تماسكت ليزا رافضة إظهار تأثرها بكلام المرأة :
- أخلاقي لا شأن لك بها , سيدة وينتر . والآن هل تريدين شيئاً أم جئت للزيارة ؟
- لا حاجة بك إلى هذه الوقاحة ... لقد أتيت لأقول لك إنني تلقيت الشكاوى من جديد . وهذا ليس بالأمر الجيد .
فتنهدت ليزا , ومررت يدها فوق شعرها :
- أنا آسفة للأصوات سيدة وينتر ولكن أسنان بيتسي تنبت وأنا ....
فهزت مالكة المنزل رأسها وقاطعتها بخشونة :
- لقد سمعت هذه الأعذار من قبل , ولن تجديك نفعاً . فهذه الطفلة لن تفعل سوى الصراخ .... وعندما يصل الأمر إلى أن أتلقى الشكاوى من المستأجرين الآخرين ... فأنا مضطرة لفعل شيء إزاء ذلك
فشهقت ليزا:
- ولكن بيتسي لا تصرخ طوال الوقت , إنها طفلة هادئة جداً... يا إلهي! قد تصرخين أنت بنفسك إذا كنت متألمة!
- حسناً... هذا ممكن ... ومع ذلك فأنا مضطرة أن أطلب منك الرحيل .
- الر... الرحيل ...؟ و.... ولكن ... أنا ... ليس لدي مكان آخر أذهب إلية !
لان وجه المرأة قليلاً وقالت بلطف:
- أنا آسفة يا حبيبتي ... لو أن الأمر متروك لي لتركتك هنا , ولكن زوجي مصمم ويريد غرفتك فارغة في نهاية الأسبوع
فشحب وجه ليزا :
- ولكن أين يمكن أن أذهب ؟
- لست أدري .. ألا يمكن لوالد بيتسي أن يساعدك ؟
هزت ليزا رأسها .. حتى أنها لن تستطيع طلب المساعدة صديقها تيد , فهو يعتقد أنها تتصرف بحماقة , وأن عليها وضع الطفلة في ميتم وأن تتزوجه ... ولكن كيف يمكن لها أن تتزوج رجلاً يرفض طفلاَ لا حول له ولا قوة؟
وبدأت بيتسي بالبكاء.... فقطبت السيدة وينتر:
- أرأيت ؟ ما من لحظة هدوء. أوه... كم أشعر بالأسى على هذه الطفلة الصغيرة ، ولكن . .. تذكري...حتى نهاية الأسبوع !
استدارت مبتعدة .
كيف يمكن لليزا أن تنسى؟ وحملت الطفلة وهي تفكر .... وكأنما أحست بأن خطبا ما أصاب خالتها ، فتوقفت نحيبها وهدأت بين ذراعي ليزا ودفنت رأسها في عنقها ، تتمتم وتناغي بالطريقة التي تحببها إلى الجميع.
أمضت ليزا فترة استراحة الغداء ليومين وهي تبحث عن سكن... ولكن دون جدوى ، فما كانت تستطيع تحمل إيجار كان يرفض القبول بالطفلة ... ومن كان يقبل بها لم يكن باستطاعتها دفع إيجار.
ليزا كانت فتاة شابة جذابة جداَ... و كعارضة أزياء سابقة، من الغباء أن لا تعرف هذا فشعرها الأشقر الأحمر الطويل كان يشع وكأنه أوراق الخريف. وعيناها الخضراوان الواسعتان، و أنفها الصغير، وفمها العريض، منحها وجها َجميلاَ، أما جسدها فقد كان متناسقاَ، ولو أنها الآن أكثر نحافة من قبل.
لسنة خلت كانت عارضة أزياء، ولكن أوقات العمل الغير العادية، والسفر, إضافة إلى العناية ببيتسي، جعل الأمر مستحيلاَ وهكذا اضطرت للعودة إلى مؤهلات السكرتاريا التي حصلت عليها في المدرسة، وقبلت وظيفة فيها القليل من الطموح، ولا تدر عليها الكثير، كما أنها لم تكن أمضت الكثير من الوقت كعارضة أزياء كي توفر الأموال, وما استطاعت توفيره, أخذ يتلاشى شيئاً فشيئاً, ففي كل أسبوع تقريبا كانت تسحب مبلغاً من مدخراتها.
في اليوم التالي أخذت ليزا الطفلة معها لزيارة صديقتها ليندا , كان عملها لنصف نهار اليوم, وهي عادة تقضية مع صديقتها التي تعيش وزوجها الصعوبات نفسها تقريبا, وهذا ما يعطيهما سبب حزن مشترك, ومع تقارب عمريهما إلا ليندا كانت حامل ومثقلة بأعباء عائلة من فتاتين .
داعبت ليندا بيتسي :
- مرحباً يا حلوتي الصغيرة ... ياه.. إنها ضعيفة الجسم ! وأنت كذلك ليزا , لا تبدين على ما يرام ماذا حدث
فحكت لها ليزا عن انذار الاخلاء النهائي , وصعوبة إيجاد مكان آخر تعيش فيه ... فتنهدت ليزا بقلق وقالت ليندا
- بإمكانك السكن هنا بضعة أيام إذا اضطررت
علمت ليزا أن العرض حقيقي , ولكنه ليس بالعرض الممكن قبوله .
- لا ... سأجد لنفسي حلا . وشكراً لكي ليندا . أتعلمين ما اقترح علي تيد ؟
وأشارت ليندا بيدها مشمئزة :
- أوه تيد ؟ لا نفه منه إطلاقا .
فضحكت ليزا .
- دعك من هذا الآن ... لقد أتيت معي ببضع تفاحات لنصنع قالب حلوى نأكله مع الشاي . حضري أنت العجينة وسأحضر أنا التفاح .... اتفقنا ؟
- اتفقنا اتركي بيتسي مع تينا ليلعبا معاً
من الرائع أنم تنسيا مشاكلهما لفترة , تضحكان كتلميذتي مدرية , وقد اتسخ شعريهما بالطحين .
- نحن نتصرف كطفلتين
- لست أكثر من طفلة ... كم عمرك الآن ؟
- واحد وعشرون فأنا أكبر من أنجي بسنتين ولطالما فكرت بما ستكون عليه لو أنها بقيت حية . لكان بإمكاني أن أتابع عملي كعارضة فأعيلها وبيتسي ... ما أقسى أن تموت ! حياتها لم تبدأ بعد, كانت مجرد طفلة.
- أو لم يردك أي خبر من والد بيتسي
وعلمت ليزا أن صديقتها محقة ..
فهزت ليزا رأسها
- وكأن لا وجود له . ولكن وجودها دليل على وجوده ... أظن أنه كان وسيماً , إذا أخذنا بالاعتبار جمال بيتسي . اوه .. أعلم أن لها لون شعري , ولكن قسماتها لا تشبهني , ولا تشبه أمها .كما أن لون بشرتها أكثر سمرة من لون بشرتيتا
- وهل بحثتي بين أوراق ورسائل أنجي ؟ تلك التي في الصندوق الخشبي المزخرف .
فهزت رأسها :
- لا .... لم أستطع , بدا لي الأمر وكأنني سأنتهك حرمة خصوصياتها . إنها رسائلها , ومن الخطأ أن أقرأها
- ولكن لا تقرأيها بالفعل .. بل انظري إلى التواقيع والعناوين .. بإمكانك فعل هذا بدون قراءتها . أليس كذلك
- أعتقد هذا ..ز ولكنني لا أستطيع
فأصرت صديقتها بنفاذ صبر :
- بل تستطيعين ! إذ لا وقت الآن لاحترام الخصوصيات !
وعلمت ليزا أن صديقتها محقة ... لقد كانت أنجي تحتفظ بصندوق خشبي مزخرف فيه أوراق ورسائل , ولكن ليزا لم تتمكن مطلقا ًمن إجبار نفسها على التفتيش فيها , مع أنها كانت واثقة من أنها ستجد اسم والد بيتسي هناك .
ما إن عادت إلى المنزل ، ووضعت الطفلة في سريرها حتى أخرجت الصندوق من الخزانة ، وأخذت تحدق به عدة دقائق ، ثم فتحت غطاءه الخشبي . وترددت لحظات أخرى ... غير مرتاحة لأن تنبش أسراراً ربما من الأفضل بقائها مطوية .
ثم مدت يدها ، تقلب الرسائل ، تنظر فقط إلى التواقيع ، وتتجاهل المحتويات .... كانت تعرف معظم الأصدقاء الذي مرت أسماؤهم بها الآن ... ما عدا واحد ، اعتقدت جازمة أنه والد بيتسي .
وأعادت ليزا بقية السائل إلى الصندوق ، وترددت كثيراً متخوفة من اللحظة التي ستقرأ فيها الرسالة ... وأخيراً لم تعد تستطيع الانتظار ... وقرأت ببطء الكلمات الشاحبة قليلاً . بدا على صفحتي الرسالة بقع جعلت بعض الكلمات تتلاشى ، وكأن شخصاً كان يبكي وهو يقرأها . وهذا ما بدا حقيقياً لها بعد أن قرأت الرسالة ، الرسالة كانت من شخص اسمه لوسيان كوردوفا ، يقول فيها بصراحة أنه لن يراها بعد الآن ... ولم يذكر الطفلة في الرسالة ، ولكن التاريخ عليها كان يناسب الوقت الذي كانت فيه أني قد اكتشفت أمر حملها ، ولهذا فقد تصورت ليزا أن الحمل كان سبب هجرانه لها . حسناً لقد آن الأوان لأن يعرف لوسيان كوردوفا أمر وجود ابنة له .
أرسلت في اليوم التالي رسالة إلى العنوان الموجود على الرسالة تعلم فيها السيد كوردوفا أن لديها أمراً هاماً تريد قوله له . ولم يمنعها ذلك من الاستمرار في التفتيش عن سكن . فقد يكون السيد كرودوفا قد ترك ذلك المنزل ، وحتى لو أنه لا يزال هناك ... فقد يبعده اسمها عن الرد . العنوان كان في احد أفضل ضواحي تورنتو ، ومن يسكن في مثل تلك الأماكن لهم طريقتهم الخاصة في نسيان مسؤولياتهم ... حتى أنه يمكن أن يكون قد نسي وجود أنجي أصلاً .
ومضت ثلاثة أيام على إرسالها لتلك الرسالة . ولم يردها الجواب مع أنها كانت واثقة أن الرسالة قد وصلت ، وهي لم تجد مسكناً آخر ... أخذ وضعها يسوء . وبالكاد كانت تنام ليلاً ، وينتابها القلق طوال النهار ... ولم تكن الطفلة تساعدها ... لقد دخلت عليها ثلاثة مرات خلال ساعة لتهدئتها ، ورقعت قدميها إلى الأريكة لتكورهما تحتها ، وتريح رأسها إلى الخلف .... فاستغرقت في النوم .
استفاقت على صوت طرقات على الباب . فملست شعرها الأشعث ، وسوت ثيابها ... لو أن الطارق هو السيدة وينتر فلسوف .. وعاد القرع مجدداً .... ثم صوت السيدة وينتر .
- الآنسة كاميرون ! آنسة كاميرون ! لدي زائر لك !
- زائر ! أوه يا الهي ! من قد يكون بحق الله ! لا بد أنه شخص لا تعرفه السيدة وينتر وإلا لــما رافقته إلى هنا .
فتحت الباب ... واتسعت عيناها بالصدمة وهي ترى رجلاً طويلاً أجنبي المظهر يقف متغطرساً إلأى جانب السيدة وينتر ، التي بدت مرتبكة ، ولا عجب في هذا . فقد كان الرجل ينظر إليهما بكبرياء من خلف أنفه وقد بدت بذلته تناسب جسده تماماً ، فقالت ليزا بحزم :
- بإمكانك الذهاب الآني سيدة وينتر .
راقبت المرأة وهي تنزل السلالم ببطء تتمتم لنفسها كعادتها .... وأعادت نظرها إلى الرجل ، فإذا به يحدق إليها بازدراء ... يتمعن بعينيه الزرقاوين في قسمات وجهها وكأنه يود حفظه جيداً ... فسألته متوترة :
- أتود الدخول ؟
- أنت تثقين بالناس كثيراً آنسة كاميرون .
كان لكلامه لكنة غريبة وكأنما الانكليزية ليست لغته الأم . ورفع قامته وهو يكمل :
- ربما أنك لا تعرفين من أنا ... فاسمي انطونيو كوردوفا .
- أوه ... ولكن ...
فرفع يده ليصمتها ، وقال بصوت لا يظهر فيه التأثر :
- قبل أن تقولي أي شئ آنسة كاميرون ، أظن أن من الأفضل أن تعرفي أن شقيقي لوسيان قد مات .
شحب وجه ليزا ... لم يكن هذا ما توقعته مطلقاً . كيف يمكن لهذا الرجل أن يقف هكذا ليقول لها ما قاله بكل قلب بارد @ أملها الوحيد بمستقبل بيتسي قد دمر الآن ، وكادت الدموع تتدفق من عينيها الخضراوين ، إذن ... ستخسر بيتسي ، ولن تستطيع فعل شئ حيال هذا .
ذلك الغريب كان لا يزال يحدق إليها وكأنه يشرحها ... حتى في حزنها استطاعت أن تلاحظ أن جاذبيته مدمرة ... وإذا كان هناك أي تشابه بين الأخوين ، فلا يمكن لوم أنجي على تعلقها بلوسيان ، وبدون أن ينتظر منها تكرار دعوتها دفع الباب ودخل ، وهو ينظر إلى المكان من حوله بدون أن يخفي كراهيته ... فقالت له بتوتر ظاهر .
- فهمت ... في هذه الحالة ، أخشى أن تكون قد أضعت وقتك .. فلا يمكنك مساعدتي .
ارتفع حاجباه بغطرسة للهجتها وقال بعجرفة :
- أرجوك ... دعيني أكون أنا الحكم على هذا آنسة كاميرون . لقد بدا في رسالتك الإلحاح . وإلا لما جئت أبداً ، و تقولين إنني لن أستطيع مساعدتك . فماذا يجعلك تظنين أن شقيقي يمكنه فعل أكثر مما أستطيعه أنا ؟ ألن تجلسي كي أتمكن أنا من الجلوس ؟
- أوه ... أوه ... أنا آسفة ! تفضل بالجلوس .
فجلس قبالتها وتابع :
- إذن ... هل لك بأن تقولي لي ما هو الشئ الذي لا يستطيع سوى شقيقي أن يساعدك فيه ؟ أم أن الأمر خصوصي جداً لا يمكنك إطلاعي عليه ؟
وبرقت عينا ليزا غضباً للهجته الساخرة :
- كلامك ينقصه الأدب سيد كوردوفا .
فسألها متوتراً :
- صحيح ؟ ولكنك متكتمة تماماً ، لقد أرسلت رسالة عاجلة ملحة إلى شقيقي وعندما جئت بدلاً عنه رفضت إخباري بما أردت بحثه معه .
ووقف بسرعة مضيفاً :
- يبدو أنك على حق ... فقد أضعت وقت سدى .
ووفقت ليزا لترافقه, ولكن صرخة تثقب اللأذان صدرت من بيتسي منعتها وبدون أن ترد على نظرته المتسائلة, سارعت إلى غرفة النوم كل تفكيرها مشغول في إسكاتها قبل أن تقلق الجوار كله وأخذت تهدهدها " ها أنذا يا حبيبتي.... لا بأس عليك يا طفلتي "
وقف انطونيو كوردوفا مسمراً عند الباب, بوجهه الأسمر الوسيم.. ثم قال يخشونه وصوته يخفي العنف.
- إذن لديك طفل.
وردت ليزا وهي لا تزال تبتسم لبيتسي :
- كما ترى ، وركزت بيتسي عينيها الخضراوين الواسعتين على وجه الرجل ثم ضحكت ...ماما..ماما..
بالنسبة لليزا, تلك الكلمات كانت انتصارا ولكنها بدت تثير زائرها أكثر. وتجاهلت نظراته وابتسمت لطفلة :
- ألست جميلة يا حبيبتي ..ألن تعودي إلى النوم ؟ ماما لديها زائر وأنت مزعجة!
فقال الغريب بصوت كحد السيف
- أرجوك لا تستعجلي بسببي و إذا كان هذا سبب طلبك مساعدة أخي فأنت محقة فلن أستطيع خدمتك, لقد اخترت مصيرك بنفسك.... وتوريط الآخرين بمشاكلك شيء غير معقول .
- حقا ...سيد كوردوفا؟
- حملت بيتسي لتضعها بيت ذراعي ذلك الغريب المتباهي, ولم يكن لديه خيار سوى أن يحتضنها, ويحدق إليها .
انتظرت ليزا مقطوعة النفس تنظر إلى بيتيسي تلعب بأزرار قميصه الثلجي البياض.... وأسنانها الأربعة تظهر من شفتيها الياقوتيين.... وأخذ انطونيو كوردوفا ينقا نظره من بيتسي إلى ليزا..... وقد شحب وجهه.ثم قال بصوت مرتجف غير واثق.
- هذا الطفل ... ما من شك إنك أمه.... وأبوه ....أبوه كان أخي ,,,أليس كذلك؟
فهزت رأسها :
- أجل....كان الأب... ولكن ....أنا ...
فأسكتها بحزم.
- أرجوك! وحمل الطفلة إلى الغرفة الأخرى حيث جلس على أحد المقاعد, فيما كانت بيتسي تنظر إلية بعينين ضاحكتين.... وأخذ وجه انطونيو كوردوفا يلين وهو ينظر إليها واختفت الخطوط المتشددة حول فمه..ثم قال:
- ما أسمك ..... أيها الصغيرة .
- اسمها بيتسي وعمرها عشرة أشهر
ولم تقل له بعد إنها ليست ابنتها ...ولكن لم تبدو لها الفرصة المناسبة ونظر إليها من فوق بيتسي :
- وبماذا أستطيع مساعدتك؟
وأجفلت ,و قالت بصوت ذاهل:
- لا شيء. أردت أن أرى شقيقك ...وهو..... مات
اختنقت الكلمات في حلقها ... مسكينة بيتسي لقد أصبحت بلا أب ولا أم . وتمكنت ليزا أن تكمل :
- وبما أنه مات , فعلي أن أحل مشاكلي بنفسي .
- لا أوفقك على هذا ...هل يجب أن أذكرك بأنها ابنة أخي؟
شدهت ليزا، فهذا أمر لم تفكر به. وهزت رأسها:
- ليس لديك برهان على سوى كلامي .. ولا أستطيع القسم أنه والدها .
فصاح:
- وحق الشيطان لن تستطيعي!
وتغضن وجه بيتسي بالبكاء خوفاً فقال :
- لا بأس عليك يا صغيرة ......
ووضعها على الأرض ووقف . ثم أخد يذرع الغرفة ... وأخرج علبة سكائر وولاعة ذهبية :
- تأذنين لي بالتدخين
قبل أن تجيب أشعل اللفافة ولم يتحدث قبل لحظات طويلة :
- إذن أنت لا تعرفين إذا كان والد طفلك هو أخي ... دعيني أريح لكِ ضميرك .. بيتسي ابنته , ما من شك في هذا . إنها تشبه جداً إلم تلاحظي الشبه ؟ إم أنك نسيت كيف كان يبدو أخي في بحر الوجوه التي عرفتها ؟
وابيض وجه ليزا لإهاناته:
- وماذا تنوي أن تفعل سيد كوردوفا ؟ هل ستدفع لي لتصرفني عنك ؟
فالتوى فمه بسخرية :
- هذا أمر لا أنوي فعله أبداً آنسة كاميرون . وأنا واثق أن هذا ما كنت تتوقعينه من لوسيان .... ولكنك ستجديني أقسى عوداً من أخي .... لا... بيتسي ابنة أخي ..وأنوي أن أخذها في عهدتي... فلو أعطيتك المال فستصرفينه بدون شك على أشياء أخرى , وبالرغم من عاطفتيك تجاه الطفلة, إلا أنك شك ستقدرين أن باستطاعتي إعطاءها أكثر مما تستطيعينه أنت.... مهما كسب من صحبة الرجال .
صفعته على الفور . كل ما في تفكيرها أن تؤلمه كما ألمها كلامه, وابتعدت عنه خائفة. وحملت الطفلة وضمتها إلى صدرها بقوة , و لاحظت ليزا تعبيرا غريبا يمر فوق وجهه , ولكنه تلاشى قبل أن تحلل ماهيته . وقالت بصوت منخفض تسيطر على كل نبرة فية:
- ما لدي تجاه بيتسي ليس مجرد عاطفة بل أنا أحبها .... وما من ...ما من غريب سوف يأخذها مني .... اوه ... أعرف أنت بإمكانك إعطاءها أكثر مما أستطيع ولكنني أحبها ... ألا يعني هذا لك شيئاً ؟
- فرد ببرود " ليس كثيراً.... أنت تعرفين أن لدي الكثير من المال, فلوسيان قد أخبرك بهذا, ولا بد أنك أن فكرت أن الوقت قد حان لتلعبي ورقتك الرابحة . لذلك قررت أن تعلمينا بوجود الطفلة , ما الأمر آنسة كاميرون ؟ هل تعبت من العناية بها؟ هل تتوقين للعودة إلى حياتك التي كنت تعيشينها قبل أن يقع أخي الصغير في حبائل سحرك ؟
هزت ليزا رأسها ...لا يمكن أن يحدث كل هذا ! اوه..... يبدو أن ملاحظتها عن عدم ثقتها بأبوة الطفلة هو سبب غضبة الشديد هذا.... ولكن لو يعطيها الفرصة لتشرح له أن عدم وثوقها يعود إلى أت بيتسي ليست أبنتها .... لقد تمادى الأمر كثيرا .... فلو قالت له الحقيقة الآن, فسوف يأخذ منها الطفلة . فلا تراها ثانيه, فقالت له ببساطة:
- بيتسي هي حياتي الآن. ولن أدعك تخذها مني .
- لن تمكني من منعي لو صممت .. فلو لم تستطيعي أقناع أحد معجبيك بالشهادة لصالحك . فأنا قادر أن أجد الشهود ضدك وما علي سوى أن أثير الشكوك حول كونك أم صالحة . وسآخذ بيتسي منك .... أتدرين هذا
فصاحت به:
- أتظن أن المال يشتري كل شيء سيد كورودفا ؟
- أرجوك ناديني بانطونيو ... فأي اسم أخر سيكون سخيف في مثل هذه الظرف... وأنا سوف أنديك.....؟
- ليزا.
- اسم غير عادي ...أعرف أن المال لا يشتري كل شيء.ولكن في الحالة سيمكنني من الحصول على ما أريد
فسألته بخشونة, وهي تهز الطفلة التي عادت إلى النوم:
- ما الذي تريده؟
- أريد أن أصنع مستقبلاً لبيتسي ... ولا يمكنني أن أفعل هذا بأن أخذها إلأى منزلي كابنة لأخي فالجميع سيعرف عنها ما هي عليه وهذا ما لا أريده. إنها طفلة جميلة تستحق أن تعيش حياة صالحة ...ولهذا فأنا أتقدم للزواج من أمها ... وأسجلها ابنة لي .
*************