كاتب الموضوع :
الأمل الدائم
المنتدى :
الارشيف
4 - سيدها الوحيد
أشرق يوم الإثنين مشرقاً براقاً ، فسعت سيليا إلى تركيز أفكارها على جمال هذا اليوم ، وذلك عندما كانت تتناول الفطور مع كارول وحدها ، فكريستبال إير طلبت الفطور إلى غرفتها وكانت العجوز قد اختفت عن الأنظار منذ وصول سيليا إلى المنزل في الليل الفائت .
أصرت سيليا على عودة كارول إلى كليتها بداءاً من اليوم . . فعلى حياتها أن تعول إلى فلكها الطبيعي .
- وأضيفي أن والدك حينما يرى نفسه وحيداً معي في المنزل سيتقبل وجودي أكثر وتتضاءل رغبته في التخلص مني .
- - لا أعتمد على هذا . . صحيح أنه لم يعرف أنك وصلني ، إلا أنه في مزاج رهيب منذ ليلة أمس ابتسمت سيليا :
- - ربما عرف أنني وصلت .
- - لا أظن هذا . . من المستحسن ذهابي الآن . هل أنت واثقه أنك ستكونين على ما يرام ؟
- - كل الثقة . كان عندي مرضاً أسوء حالاً منه .
ترددت سليا أمام غرفة برودي ، تتساءل عن نوع الإستقبال الذي ستتلقاه . فإن كان ما قالته كارول عن مزاجه صحيحاً فهذا يعني أنه لم يفرش لها الارض ترحيباً .
حين دخلت بعد طرقة خفيفة ، كان خارج فراشه مرتدياً ثيابه ،
جالساً أمام النافذة ، ولكنه لم يرفع وجهه إليها وكأنه كان يعرف من دخل عليه حتى قبل دخولها .
قالت تهاجمه ما إن رأت النظارة :
- لم تضع هذه النظارات وعينيك لا تشوبهما شائبة ؟
بدلاً من الغضب التي أملت أن تثيره ، التوى فمه بابتسامه ساخرة :
- ولماذا ترتدين بزّة الممرضات الرسمية ، وأنت تعلمين أنني لا أراك ؟
- لكن هذا لا يجيب على سؤالي .
- أضعها لأنني أ{يد أن أضعها .
- هذا ليس رداً !
- وهو الرد الوحيد الذي عندي . . . وماذا عنك ؟ أنت لم تجيبي عن سؤالي بخصوص بزَّتك الرسمية .
- أنا . . ممرضة . .
- سبق أن قلت إنك ممرضتي . . . أنا أستحسن ألا ترتدي بزّة التمريض عندما تكونين معي . . . اخليعها .
تصاعد الللون الأحمر إلى وجنتيها :
- عفواً ؟
تشدق ساخراً :
- عزيزتي آنسة هالام . . . ماذا أعني برأيك ؟ ألا تقيمين في المنزل ؟
- أجل .
- إذاً توجهي إلى غرفتك وارتدي شيئاً آخر علماً أنك قادرة على خلع ما تريدين دون أن أستفيد من هذا شيئاً ! فقد حرمت حتى من متعة النظر إلى إمرأة جميلة .
- أنا لست جميلة .
- وكيف لي أن أعرف ؟ قد يكون وزنك مئة كيلو غرام أو تشتبهين " غوريلا " فكيف أعرف ؟
ابتسمت :
- لست على هذا القدر من البشاعة . . . كما أنك غير مضطر لرؤية جمال المرأة ما دمت قادراً على الإحساس به .
- أوه . . أجل. . وهل ستحب المرأة أن تجد يدي طريقاً إلى جسمها . أترغبين معي هذا آنسة هالام ؟
عضت على شفتيها غير واثقة من قدرتها على تحمل حديث حميم كهذا . فقال معلقاً بخشونة :
- عرفت أنك لم ترغبي .
أخذت نفساً عميقاً :
- سأعقد معك إتفاقاً .
تغيرت أسارير وجهه.
- أي نوع من الاتفاق ؟
- تخلع النظارة السوداء ، لأنها غير ضرورية خاصة وأن لك عينين ساحرتين ، وعندئذ أسمح لك بالتعرف إلي لمساً . . . اتفقنا ؟
فكر برودي برهة ، وهز رأسه ببطء :
- اتفقنا . مع أنني قد أصاب بخيبة أمل .
تقدمت تجثو أمامه وسألت :
- خيبة أمل ؟
- ابتسم :
- لك صوت مثير آنسة هالام ، لذا أخشى أن أكتشف أنك مختلفة تماماً عما أتصور .
أمسكت يديه مبتسمة ، وهما يدان حساستان ما زالتا تحملان آثار الجروح ، فوضعتهما على جانبي وجهها . لأن من الطبيعي أن يرغب في التعرف إلى وجهه الفتاة التي يسمع صوتها ولكن ليتها . . ليتها فقد لا تشعر بالتوتر .
لمس شعرها أولاً :
- همم. . . ناعم الملمس ، متجعد . . مالونه ؟
- أحمر ذهبي تقريباً .
راحت أطراف أصابعه تمر على وحهها . . فاقشعرت بشرتها لملمسه . . . كان مستغرقاً في مهمته ، حتى تمنت ألا يشعر باضطرابها . . وتمتم :
- حاجبان جميلا المظهر . . أهداب طويلة حريرية . . . مالون عينيك ؟
- عيناي خضراوان .
- خضراوان قاتمتان أم .. .
- قاتمتان .
- أنف مرتفع . . أهناك نمش ؟
- القليل منه .
أخذ توترها يزداد قوة كلما أمعنت يداه في لمس كل جزء من وجهها . . وتابع :
- وجنتان مرتفعتان . . مجوفتان . . إذن أنت لست سمينة .
- خمسون كيلو غراماً أما طولي فمئة واثنان وسبعون سنتمتراً .
- أنت نحيلة بالنسبة لطولك . ما عدت أستغرب أن يكون خداك أجوفين ! لك ثغر جميل . . همم ، يغري يتقبيله .
احتاجت إلى كل ما تملك من قوة إرادة لئلا تسحب نفسها بعيداً عنه . . . ولكنها كانت تعلم من التواء فمه أنه يقصد إثارتها ، فبقيت صامتة تبذل جهداُ كبيراً .
تحركت يداه إلى ذقنها وقال متمتماً :
- ذقن صلب . . . كنت أعلم هذا .
- رفع يديه إلى أذنيها ، ثم هز رأسه ينزلهما إلى جنبيه :
- هل أنتهيت ؟
هز رأسه :
- عليَّ الآن أن أرى جسدك بيديّ .
شهقت :
- لا! قست تعابير وجهه :
- هذا هو الإتفاق سيليا .
- لا . . .
- بلى . . سألتك إن كنت تقبلين أن تجدى يداي إليك طريقاً
- وقد وافقت على ذلك إن قبلت أن أنزع النظارة التي لا تعجبك
شهقت :
- عنيت وجهي ! لا جسدي !
- أنت تتراجعين عن الإتفاق إذن ؟
- لا أتراجع بل أقول إن الإتفاق ليس كما تصوره أنت .
أ- مر مؤسف . . مع أن نحولك لا يغريني أبداً بالاقتراب منك .
كانت الإهانة شديدة الوقع عليها ، فقد تذكرت سيليا زوجته الشهية التي فضلها عليها منذ ست سنوات.
صاح بها وهي لا تزال جاثية أمامه .
- حسناُ ؟
فوقفت تنظر إلى المرارة البارزة في وجهه . . ما أشد ما تكره هاتين النظارتين ! ولكن أتكرههما إلى درجة أن تتحمل يديه على جسدها ؟ وجدت في هذه الفكرة ما يبعث عن التوتر ومع ذلك صاحت به :
- حسناً. . لك ذلك .
نبض عرق في فكه ، ولكنه لم يتحرك ، بل قال يصرف النظر عن الأمر ببرود :
- لست يائساً إلى هذا الحد .
ثم هب واقفاً ولكن سيليا لم تكن قد تحركت ، فاصطدم بها حتى كاد يوقعها ولكن يديه سرعان ما أمسكتا بها .
- أنا آسف .
ثم ما لبث أن ابتعد عنها بحده ماداً النظارة إليها .
- هاك . . خذي هذه النظارة اللعينه إن كانت تهمك إلى هذه الدرجة .
تناولتها منه قائلة :
سأسعى إلى تبديل ملابسي لأنني أفكر في القيام بنزه في الحديقة . . .
- لا . .
- لا؟
- لقد سبق وقلت لك أن لا فائدة منها .
ردت بعناد مماثل :
- بل هناك فائدة . . فالكلب بوبي الذي رأيته البارحة لا يأكل كما يجب . أحسبه مشتاقاً إليك .
- الكلاب مخلوقات متقلبة ، كالنساء تماماً . سرعان ما ينقلب حبها إلى شخص آخر .
- ولكنه ليس مضطراً إلى البحث عن آخر وأنت أمامه .
بدا غاضباً حقاً :
- لا أريد الكلب هنا كما لا أريد النزول إلى الحديقة ! بالله عليك . . . دعيني وشأني . . !
- لا أستطيع . . هل حلقت لحيتك هذا الصباح ؟
علت وجهه تقطيبة :
- وما شأن هذا ببوبي ؟
لا شئ . . كنت أشأل .
- حسناً . . لا تسألي فلا أحتاج مربية أطفال . تدربت على القيام بما يلزمني في الحمام . لقد مررت بهذا كله في المستشفى . . لماذا إهتمامك بحلاقة لحيتي أو عدمها ؟
ثم راح يلمس بشرة وجهه الناعمة . . فقالت :
- إنها جيده . . تسأل فقد عما إذا كانت باستطاعتك القيام بأشياء معقدة كالإغتسال أو الحلاقة أو ارتداء ملابسك . لماذا ترفض القيام بنزهة في الحديقة ؟
- لأنني أرفض السير معتمداَ على عصا بيضاء . . !
لماذا لم تفكر في هذا السبب من قبل . فلبرودي كبرياء يمنعه من عرض عجزه أمام الناس . . . لقد حفظ ما يحيط به في غرفته وحمامه . . ولكن في الحديقة ما زالت مجهوله بالنسبة له ، محفوفة بأخطار غير مرئية . فسارعت تقول له بمرح :
- لديّ ما هو أفضل بكثير من عصا بيضاء .
أوه . . صحيح ؟
- أجل. . جرب هذه .
وضعت يدها بيده ، فاتنفض :
أو هذه إذا شئت .
ثم وضعت يدها في ذراعه .
- هذا يسهل علي إعطائك التعليمات التي تحتاج إليها .
- - لا! .
- - لماذا ؟
- لأنني سعيد هنا .
- ربما ولكنني غير سعيدة ! فلن أمضي الصيف في هذه الغرفة الخانقة وهناك حديقة جميلة تمد يديها مرحبة .
أكملت هذه الكلمات ثم تحركت مبتعدة عنه :
- تهربن آنسة هالام ؟
- أبداُ . . إنما بوبي على ما أظن سيقدر صحبتي له أكثر منك .
رد ساخراً :
- دون شك .
نظرت إليه نظرة إحباط قبل أن تترك الغرفة خافقة القلب . . . فقد يظن أنه دفعها إلى الهروب . . ولكنها لم تنته منه بعد !
- بدلت ملابسها ثم قصدت الحديقة ، فسارع بوبر لملاقاتها . . فقالت بصوت مرتفع وهي تدرك أن الجالس جامداً أمام النافذة سيسمعها .
- سيدك المتقلب المزاج ما زال جالساً مقطب الجبينين في غرفته . .
- إذن لم يبقى سوانا . . . فلنبحث عن قطعة تلعب بها . . . هه ؟
قضت ساعة كاملة مع الكلب وهي تحاول بذلك أن يعرف برودي أنهما يتمتعان بوقت عظيم . . ولكن عندما أزف وقت عودتها إلى الداخل شعرت بالندم .
توجهت إلى غرفتها الملاصقة لغرفة برودي تريد الاعتسال وترتيب نفسها قبل الغداء . وعندمت هيأت نفسها توجهت إلى المطبخ حيث مدبرة المنزل تقدم الطعام . قالت لها :
- سأحمل طعام السيد بادجر مع طعامي .
بدا التردد على الآنسه ويل:
- اعتدت أن أحمل له الطعام على صينية .
- سأحمل طعامنا معاً على صينية واحدة .
- لا أحسبه يرضى بذلك .
- وهذا ما أعتقده أنا أيضاً .
بدت الحيرة على وجه مدبرة المنزل .
- ألا يقلقك هذا ؟
- أبداً .
- حسناً ولكن لا تقولي إنني لم أحذرك .
حملت سيليا الصينية ضاحكة ثم توجهت إلى غرفة برود ي فقرعت الباب بقدمها .
- ادخل .
صاحت ترد عليه :
- لا أستطيع!
- مالذي يمنعك ؟
سمعته يتمتم ثم فتح الباب . مرت به تحمل الصينية سائلة عن المكان الذي يفضل أن يتناول طعامه فيه , فقال لها :
- طننتك ممرضة لا ساقية في مطعم .
- لن أجادلك الآن ولن أسمح لك بإفساد شهيتي . . فلحم الغنم يبدو لذيذاً .
- إذن لم تموتي جوعاً . . صحيح ؟
جلست براحة على مقعد يقع قبالة مقعده :
- ألن تجلس ؟
رفع رأسه بعجرفة :
- حين تخرجين .
- أوه . . ولكنني لن أخرج .
- لا أريد مراقباً يراقبني أثناء تناول الطعام !
- لن أراقبك بل سأكون مشغولة بطعامي . .
التفت إليها بحدة :
- تتناولين طعامك ؟ لن تأكلي هنا !
- لكنني بدأت . . همم.. كنت على حق . . اللحم لذيذ لماذا لا تتذوقه ؟ انا واثقة أنك . . .
- لا تعامليني كطفل .
- إذن توقف عن التصرف كطفل ! هل في تناول الطعام ما يضرك ؟ اكره أن آكل وحيدة .
- كرتستبال . . .
- تتغذى عند أصدقاء .
تمتم:
- هذا تصرف مثالي منها .
لم يكن يستطيع مسامحة حماته على تجاهلها له ، فهي لا تزوره على الرغم من أنها تعيش معه تحت سقف واحد . ..
توسلت إليه سيليا بصوت ناعم
- رجاء إجلس برودي . . . سيبرد الطعام .
نظر إليها نظرة غاضبة جعلت عينيه تنصبَّان عليها حتى استصعبت تصديق أن هاتين العينين النافذتين لا تريانها . . قال بحدة :
- ألن تقطعي طعامي ؟
- أتريد مني ذلك؟
- لا!
كان في الواقع يتناول طعامه بطريقة رائعة ! ولكنها لم تعلق على هذا لأنها تعرف كرهه لمن يراقبه .
بعد تنظيف الطاولة قالت :
- سأحضر القهوة .
أدار ظهره إليها :
- سيليا . . .
- نعم ؟
- شكراً لك . . يستحسن أن أعرف ما أتناول قبل أن أقدم على الأكل ، الآنسة ويل تترك الصينية عادة دون تفاصيل هامة .وقد حدث أن تناولت الحساء مع حلوى التفاح .
- أوه . . برودي .
- لحضري القهوة
حين عادت تحمل صينية القهوة كانت لحظة التقارب قد تلاشت ، إذ رجع برودي إلى وجومه . . . ولكن ما حدث من تقارب قبل قليل كان بداية جيده . لذا لن تدفع الأمور قبل الأوان ، فكانت أن عرضت عليه قراءة الصحيفة . فصرف النظر عن الاقتراح قائلاً:
- أستمع إلى الراديو
ولكن الراديو لا يذكر إلا العناوين الرئيسية وهناك أمر آخر يتعلق بي . فأنا لم أقرأ الصحيفية اليوم .
- تردين قرأءتها أثناء دوام العمل ؟
- ولم لا ؟ لاعبت الكلب أثناء الدوام .
التوى فمه ساخراً:
- نعم . . عندما كان " سيده المتقلب المزاج مقطب الجبين في غرفته " .
بدا لها ما فعلته طفولياً فقالت :
كان بوبي يفضل أن تلاعبه أنت .
- لقد تمتع بصحبتك كثيراً . كنت تبدين مرحة .
- صحيح . . والآن هل أقرأ الصحيفة ؟
رد ساخراً:
- هيا إقرأي . أكره أن أفسد عليك يومك الرائع .
تركها في البدء تقرأ بلا تعليق ثم لم يلبث أن راح يسألها عن نقاط معينة ، فعلمت أنه يصغي إلها باهتمام . . أخيراً وضعت الجريدة من يدها .
- هذا يكفي الآن . . أحتاج إلى فنجان شاي ، ماذا عنك ؟
- آسف . . لم أفكر في الأمر . . . اذهبي وتناولي الشاي .
- سأحضر الشاي هنا . . .
- أفضل أن أكون على انفراد عندما احتسي الشاي وعندما أتناول العشاء أيضاً.
- طبعاً . . ولكنني سأحمله لك بنفسي . هل من مانع ؟
وعندئذ أقول لك ما هو على الأقل .
قال لها : " حسن جداً " ثم أشاح عنها وجهه .
عندما وصلت سيليا أسفل الدرج كانت كارول قد عادت من كليتها . فسألتها :
- أكل شئ على ما يرام ؟
- نعم . . . لماذا لا تصعدين إليه ؟ فسيكون سعيداً برؤيتك .
- أكان على ما يرام ؟
- حسناً . . لم يرميني بشئ . كيف كان يومك في الكلية ؟
ردت وهي ترتقي الدرج :
- رائع ..
- اهتمي بكليتك وانسي القلق على والدك . . . بالمناسبة ماذا تدرسين ؟
ضحكم كاروول:
- احزري!
- لا تقولي الطب ؟
- وما سواه .
- حقاً . . أراك فيما بعد .
وقفت كارول أمام غرفة أبيها تهمس :
- هل الدخول إليه آمن ؟
- إنه آمن من البقاء خارجاً !
ضجكت كارول وهي تدخل ، فابتسمت سيليا ثم توجهت إلى المطبخ لتقول لمدبرة المنزل أن برودي وكارول يطلبان الشاي . أما هي فتريده في غرفة الجلوس.
بدت كارول هانئة البال تضئ وجهاا إبتسامة مشرقة .
- لقد جالس يحادثني . . مهتماً بما أقوله . . فعلاً.
لكن هذا لا يدل على نجاحها . . فقد يطلب منها غداً الرحيل وقد يشجعها على التنفيذ تعليقات خبيثة أخرى تطلقها كريستبال .
تلك الليلة عندما حملت إليه صينية الطعام حيث كان في النهار جالساً امام النافذة التي أحدق بها الظلام . وهذا ما ذكرها بأنه لا يستطيع إلا رؤية الظلام الذي يلفة ببراثنه .
- أحضرت لي العشاء ، وهذا يعني أن الظلام هبط على الكون خارجاً . أليس كذلك سيليا ؟
- كيف عرفت انني قادمة ؟
بدأت ترتيب الطعام على المائذة . فهز كتفيه :
- من عطرك .
قطبت جبينها :
- ولكنه عطر جديد . لم أضع مثله من قبل .
دنا منها حتى كادت أنفااسه تحرك شعرها :
- قلت لك عطرك سيليا . . . عطر جسدك كعطر الأرض والقمر والسماء . . . كأفروديت تماماً..
- أوه . . .
- أليس عندك أكثر من الآهه ؟
ولكنها عوضاً عن الرد راحت تصف له عشاءه , متجنبه النظر إليه . . فما برودي إلا مريض تعتني به . . ولكنه تمتم رداً على سؤاله :
- جبانه .
ردت بعنف :
- لست جبانه . . إنما أعتقد أن هذا النوع من الحديث قد يفضي إلى أية نتيجة .
- أنت على حق سيليا . . فلن يجدي الحديث نفعاً ما دمت أؤمن أن اللأفعال صوتاً يعلو صوت الكلمات .
وقبل أن تعرف نواياه شدها إلى فوق يضمها إليه بلهفة . . . أرادت ان تقاوم بل حاولت المقاومة ، ولكن جسدها خانها . . . فاندست في صدره متأوهة وكأنها لا تعرف لها سيداً غيره ز.تأوه هو أيضاً :
- ماذا تردين . . صفي ثوبك ؟
- إنه ثوب أسود . . .
- أله ياقة مقفلة ؟
راحت أصابعه تعبث بالزر المستلقي قرب عنقها :
- أحب ملمس بشرتك . ولكنني أعرف أن جمال شعرك البراق يتوهج متألقاً أمام اسوداد الثوب .
- وكيف عرفت ؟ . . .
- لقد وصفته أمامي . . . أتذكرين ؟
عرفت سيليا سبب تحركاته ، وندمت عليها . . كانت تعرف أنه في هذه اللحظات نسي عماه الذي ما عاد يهمه في هذا الوقت فقد كان يداعبها بيديه لا بعينيه .
تصرف برودي بوحشيه بغيتة إثارتها ومعاقبتها ، وقد كادت فعلاً تشهق ألماً . ولكن المشكلة أنها كانت تحس يالسعادة بين يديه رغم هذا الألم . . . فقد مضى زمن طويل منذ أن ضمها على هذا النحو . . . زمن طويل . . طويل .
فجأه أبعدها عنه بفظاظة وقد تحجرت عيناه قسوة والتوى فمه ازدراء حتى حسبته يراها .
قال لها وهو يمرر أصابعه في شعره الكث :
- لقد إستطعت لمسك أخيراً .
ابتلعت لعابها بصعوبة :
- برودي . . . أنا . . .
- ما أغرب الأمر ! لقد شعرت أنك مألوفة .
يستحيل . . يستحيل أن يتذكرها ! لقد مضى ست سنوات ، وقد تغيرت ، باتت أنضج . . . يالله . . . إن لم يثر فيه أسمها الذكريات فكيف لجسدها أن يذكره بها .
نادها عابساً
-سيليا ؟
- ما زلت هنا .
- أعرف . . أظنني برهنت أن كل حواسي ما زالت تعمل بشكل طبيعي .
اجمر وجهها وتلعثمت حياء وهي ترد :
- صحيح . . أعني . . لقد برهنت . . والآن يجب أن أنزل لتناول العشاء . . سيبرد طعامك ، بل برد طعامك . . سأحمل إليك صينية أخرى .
- ياللغرابة ، لم أعد جائعاً ! لقد اكتفيت .
كانت أنفاسها مقطوعة في حلقها أمام كلماته المهينة . فردت باشمئزاز :
- إذن ، من السهل إرضاؤك سيد بادجر ، لأنني لم أكتفِ بعد وأستطيع أن أجد ، إن تركت هذا السجن ، من يساعدني على الإكتفاء . . . عمت مساءً سيد بادجر . . .
- أيتها الـــ . . . .
استطاعت ، قبل أن تقبض عليها يدها ، الفرار إلى خارج الغرفة ، فقد بدا لها مجرماً يرغب في وضع يديه على عنقها لخنقها .
ترى أما زال برودي في عقله الباطني يذكرها ؟ ألهذا أحسَّ بأنه عانقها واحتواها بين ذراعيه على هذا النحو من قبل ؟ هل تذكرها ؟ لو تذكرها حقاً لوجب عليها الرحيل . . . نعم . . الرحيل . منذ ست سنوات أحبت برودي ولكنه أختار زوجته ورفضها . . . وإن ثابرت على عملها هذا علم برودي أنها ما تزال تكن له ذاك الحب . . .
الليلة ، عندما عانقها ، أيقنت أنها ما تزال تحب برودي بادجر !
5 - الكلمات لا تقتل
كان لسان كريستبال إير خلال العشاء أكثر حدة ولذاعة ، أما كارول فكانت تتكلم بسرور وسعادة غير مدركة للجو المشحون ، فقد شعرت بالراحة لأن سيليا ترعى أباها ولكن سيليا ودَّت لو يكون عندها الثقة نفسها ، فلم تكن تعرف كيف تواجه برودي على أساس مهني بحت بعدما جرى بينهما .
ظهرت مدبرة المنزل بباب غرفة الجلوس أثناء احتساء القهوه , تقول مبتسمة :
- لك اتصال آنسة هالام .
لحقت سيليا بمدبرة المنزل إلى حيث الهاتف .
- آنسة هالام ؟
كان المتكلم رجلاً .
- أجل .
- أنا جوناثان هال سيليا . . . هل أقدر على مناداتك سيليا ؟
- أوه . . طبعاً . . حرت في هوية المتصل .
- قطعت عليك عشاءك ؟
- أبداً . لقد أنهيته منذ برهة .
- وأنا كذلك . . وهذا أفضل . . لأنني . . ما أحاول قوله . . أنني أحب مقابلتك الليلة .
- اوه .. لكنني
- علينا التحدث عن مشكله برودي .
- طبعا .. اين نلتقي ؟
- سأترك المستشفي حالا وأوفيك في منزل ال بادجر بعد عشرين دقيقه .. حسنا ؟
- عظيم .
- كيف تشعرين بعد يومك الاول ؟
- كما تتوقع تماما .. مجهده .
ضحك قبل ان يقفل السماعه .. كانت سيليا جالسه في المقعد حين نزلت الانسه ويل تحمل صينيه عشاء بردوي . فسألتها :
- كيف حاله ؟
- ليس جيدا . سأل عنك .
- كنت سأصعد اليه .
ارتقت السلالم ببطء غير تائقه الي مواجههته ، لكنها لم تعد سيليا هالام الخجوله بل اصبحت ممرضه ذات خبره لذا قررت معامله برودي كما تعامل اي مريض اخر .
ولكن المنظر الذي واجهها في غرفته ابعد عنها تصميمها وعزمها هذا .. فقد كان برودي خارجا منذ برهه من الحمام مبتل الشعر مرتديا بنطلون بيجاما فقط.. توقف فاجأه عندما شعر بها فرفع رأسه .
- من هنا ؟
رطبت شفتها استعدادا للرد ولكنها وجدت صعوبه .. فقال ساخرا :
- سيليا ادخلي .. بالله عليكي ماكنت اريد ان تعود الانسهويل فتصدم .
- وانا اتراني لا اصدم؟
- اشك في هذا فانا لست اول رجل تشاهدينه هكذا .
- لا .. لقد اعتنيت برجال كثر في السنوات التي عملت فيها ممرضه .
- لم اكن اشير للتمريض .
وجلس علي حافه السرير ثم سألها وقد شعر بها تتحرك .
- الي اين تذهبين ؟
- الي الحمام . حان وقت الدواء .. اترغب في اقراص منومه ايضا ؟
- استلقي فوق اغطيه السرير :
- اجل .. وما غير النوم قد افعل ؟
حين عغادت اليه كانت عيناه مغمضتين ولكنه سرعان ما جلس لتناول كوب الماء منها راميا الحبوب في حلقه مع قليل من الماء .
- ظننتك خارجه ؟
- انا خارجه فعلا .
- الي اين ؟
- ارعبتها نبرته المتعجرفه :
- لم اتباحث مع كارول تفاصيل عملي ... ولكنها بألتاكيد ستمنحني حريه التصرف مساء .
- بكلمات اخري : ليس من شأني ان اسألك عن المكان الذي تقصدينه .
- بالظبط .
- سيليا ...
-أتريد شيئاً قبل خروجي ؟
أشاح وجهه عنها وقال ببرود :
- أحتاج أشياء كثيرة . ولكنني لن أطلب أياً منها .
دفعتها نبرته المهزومة إلى العبوس :
- لا أفهم . . .
- ولن تفهمي . بل لماذا تفهمين ؟ . . من هو . . سيليا ؟
- هو . . .؟
- الرجل الذي سيخفف عنك الإحباط الذي سببته لك .
احمر وجهها لأنها تذكرت ذاك الإدعاء الذي تفوهت به حين أغضبها وأفقدها أعصابها . . .
- أنا لن . . .
- من هو سيليا ؟ .. .
- إنه جوناثان . . . سأخرج مع جوناثان هال ؟
- مساعدي ؟
أجل .
- فهمت . . أو على الأقل أظنني فهمت . . هل تتورطين عادة مع كل طبيب مسؤول عن حالة مريضك ؟
إهاناته تجرحها فعلاً . وعليها الإبتعاد عنه حالاً ولو لبضع ساعات . . ولكنها لن تلوم إلا نفسها على هذا الوضع ، فنفور برودي منها جزء من العلاج الذي راح يحطمها شيئاً فشيئاً .
ولكنها ردت ببرود :
- إذا قضيت الظروف ذلك . . .
- إي إذا كان بهي الطلعة ووسيماً .
أجل . . هذا بالضبط ما أعنيه !
تحركت يداه لتطبقا على معصمها :
- وهل تشاركين الأطباء حياتهم عادة ؟
انتزعت سيليا يدها من قبضته متوردة الخدين ترد بغضب :
- إذا أعجبوني . . ألا تعلم أن المشهور عن الممرضات أنهن يشاركن الأطباء فراشهم ؟
التوى فمه :
- ولكن ممرضاتي لم يقمن بذلك معي.
- ربما لأنك لم تطلب هذا من الممرضة المناسبة !
ثم انسحبت من الغرفة دهشه من ارتجاف يدها . ماذا سيحدث يا ترى قبل أن تمضي هذه الحالة ؟
هز جوناثان رأسه بتفهم حين أخبرته بما جرى من حديث بينها وبين برودي :
- ليس برودي برجل يسهل فهمه . . . حتى وهو سليم الجسم .
- بكل تأكيد .
لم تكن أعصاب سيليا قد هدأت على الرغم من أنها وجوناثان يجلسان في هذه الصالة الهادئة المريحة منذ ربع ساعة تقريباً . . . كانت قد أخبرته بما قام به برودي اليوم معها ، ولكنها تمنعت عن ذكر ما حدث قبل العشاء .
قالت كارول أنك وبرودي تعرفان بعضكما بعضاً قبل الآن !
- كان هذا منذ زمن بعيد .
- لم ألاحظ أن برودي يذكرك .
- لم نكن صديقين بكل ما للكلمة من معنى !
- أوه ؟ ورغم ذلك هرعت إليه حالما سمعت بالحادث ؟
- اتصلت كارول بي . . .
قاطعها بنعومة :
- سيليا . . . هل أحببت برودي في ما مضى ؟
- لا ! بلى ! منذ زمن بعيد . . أجل . . لماذا تسأل ؟
- أحب أن أعرف شعورك تجاهه ؟ مع أنني لا أزج أنفي في شؤون الآخرين . ولكنني أود أن أعرف إلى أي مدى يصل اهتمامك ببرودي .
تورَّد وجهاا :
- إن أية ممرضة ستهتم به فهو جراح لامع و . . .
- لا تهمني مشاعرك كممرضة مع أن لهذا تأثير كذلك . أعتقد أنك تريدين لبرودي كل خير .
- طبعاً !
- حتى لو كان ما هو خير له وخير لي لا يتفقان ؟
التوى ثغرها :
- لو نفذ ما في رأسه لقضى ما تبقى من حياته أسير كرسي قرب نافذة غرفته .
ابتسم :
- وهل قلت له هذا ؟
- هذا ما قلته ضمن أقوال أخرى . . .
- كانت المرة الوحيدة التي شاهدته في أسوء حالاته عندما زرته في المستشفى .
تنهدت :
- حين فقد أعصابه .
- ولكنه على الأقل كان يحارب .
- حسناً . . ماذا تريد أن أقدم لمساعدته ؟
مال إلى الأمام بلهفة :
- سام بيانشن قدم من أمريما يوم الجمعة . أنه أشهر أطباء العيون في العالم . . وهو آتٍ لمعاينة برودي .
- هذا رائع !
- لا . . ليس رائعاً . ز
- لا . . ؟ أوه . . ثمة شخص واحد لم تخبره بقدوم بيانشن ؟
- بالضبط .
- وتريد أن أقوم بالمهمة ؟
- أوه . . أستطيع إخباره . . بل أن مطلق شخص قد يخبره ز ولكن لن يستطيع أحد إقناعه برؤية بيانشن إلا . . .
- انا .
- أجل .
- ولكنني لا أفهم . إن برودي يريد إستعادة بصره بقوه ، لذا لن يرفض أن يعاينه بيانش . . .
تنهد جوناثان :
- افهمي سيليا . . . برودي رجل غير عادي . إنه نابغة في ميدانه . . لذا هو خائف .
- خائف ؟ إتما ممَّ يخاف ؟
- أَوَلن تخافي أنت ؟
إنه في الواقع يخبئ نفسه رافضاً رؤية أخصائي لأنه يوهم نفسه أنه سيرى يوماً ، معتقداً أن عماه مؤقت . . .
- ولكنه بدا لي واثقاً أنه لن يرى مجدداً !
- لا . . المرارة هي أفضل دفاع له حالياً . . ولو قابل بيانشن وقال إن عماه دائم ، لفقد كل أمل ورجاء بالحياة . . . وهذا ما لا يقوى على تحمله .
- لماذا تكبده هذا العناء ؟ لقد عانى كثيراً ولن أكون المسوؤلة عن المزيد من المعاناة !
- ولو كان هناك أمل في استعادة بصره ؟ هذا ليس حقل إختصاصي سيليا . . . كانت أعصاب البصر بعد العملية حساسة جداً فلم نستطع تشخيص حالتها بدقة . وقد حان الوقت الآن ؟ فهل تحرمينه الفرصة ؟ هل تحرمينه العودة إلى مهنته ؟
شهقت :
- تعرف أنني لن أفعل هذا . ولكنني لا أريد أن أكون السبب في مزيد من الألم .
- وقد يتمكن بيانش من إجراء عميه له .
ردت بفتور :
- برودي يكرهني . . . ولا اظنه يسمع كلامي أو يتقبله .
لمس يدها بلطف :
- فكري في الأمر سيليا . . . أمامك مهلة حتى مساء الخميس وبعد هذا الوقت قد أضطر بنفسي إلى إخباره .
- أنت تعلم أنه لم يخرج من البيت منذ أن عاد إليه . . . إن مجرد إقناعه بالخروج أمر مرهق . . أما إقناعه برؤية أخصائي ، فأمر أكثر إرهاقاً. بل يكاد يكون مستحيلاً .
ضغط جوناثان على يدها :
- لا اطلب منك إلا المحاولة . . . والآن كفى كلاماً عن العمل الليلة . . فلنتحدث عن أشياء أخرى . . . فأنا موضوع مهم جداً .
أضحكها مزاحه ، ثم لم يلبث أن راحا يتناقشان في موضوع العمل والمستقبل فوجدته مرحاً جذاباً . يحب برودي ويحترمه وهو إلى ذلك معجب به جراحاً.
نظرت إلى ساعتها ، فدهشت حينما وجدت ان الوقت متأخر .
- يجب أن أعود حالاً . . . لأطمئن عليه قبل ان أنام .
- سأراه يوم الخميس إذن ن وعندئذ قد نتعشى معاً .
- سأحب ذلك . شكراً لك .
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة حين وصلت إلى المنزل . وهذا يعني أن برودي نائم منذ ساعات .. . ارتقت الدرج ببطئ متوجهة إلى غرفة برودي التي ما زال النور مضاء فيها ، ففتحت الباب بهدوء فإذا برودي مستلق في السرير والأغطية على الأرض . لم تستطع مقاومة الرغبة في الوقوف إلى جانب السرير لتتمكن من تركيز بصرها عليه دون التعرض بسخريته.
فجأة نهرت نفسها ، فهي تخوض معركة فوق أرض خطرة . . تعلمت منذ أن تدربت على هذه المهنة أن تهتم بالمريض , دون التورط عاطفياً معه ، ولكن مع برودي تحطمت كل القوانين .
أبعدت بنعومة شعره عن جبينه ، فأحبت ملمسه الناعم بين أصابعها . . غذاً سيعود كل منهما إلى إظهاار الكره ، ولكنها الآن ستسمع بحبها بالتدفق ولنفسها بالغرق قليلاً في أحلام اليقظة . . . ما أروع ان تكون زوجة برودي . . . ليتها تستطيع الجلوس قربه لتوقظه بأفضل طريقة محببه ما بين الرجل والمرأة .
- بإمكانك فعل هذا لو أردت .
نظرت العينان الرمادتيان إليها مباشرة فابتعدت يدها عنه مذعورة وامتقع وجهها .
- دخلت لأرى إن كنت بحاجة إلى شيء . . و . . و . . ظننمط ناضماً.
التوى فمه وهو يجلس مستنداً إلى الوسائد:
- هل تلسين مرضاك عادة وهم نيام؟
- بالطبع لا !
- ألم يكن جوناثان مرضياً لك ؟ يا للأسف ! . . دعوتي ما زالت قائمة .
رفعت سيليا يدها وعي إلى حنجرتها :
- آية دعوة ؟
- التي قدمتها لك . . ما إن تصبحي قربي حتى يزول بيننا هذا الوضع غير المتساوي معك .
- لك تكن يوماً غير متساوٍ مع أيِّ كان برودي . لا الآن . . ولا . . .
- ولا . . ماذا ؟
- لك سمعة رائعة في الجراحة . كان جوناثان يتغنى بك طوال السهرة .
- حقاً ؟
- أجل . . إنه . .
- لا أعبأ بجوناثان سيليا .
- قال إنه سيزورك مساء الخميس .
يا- سأكون هنا . . فأيم أذهب ؟
الله ! رثاؤك على نفسك يثير غضبي !
- إذن أتركيني .
- تعرف أنني لا أستطيع .
- أوأعرف ؟
- أجل . . اسمع لم تجبرني على تركك . قد تحاول ، وقد تهدد . .
- ما نوع التهديد الذي يشكله أعمى لك ؟
- أتريد فعلاً أن تعرف ؟
- ما كنت لأسأل لولا جهلي .
توجهت إلى الباب حيث أطفأت النور ، فعمت الظلمة الغرفة .
- ماذا فعلت. . هل أطفأت النور ؟
- أجل . . أوه . . هل لك أن تساعدني . . لقد خضت تماماً في الظلام ؟
- أضيئي النور إذن .
- لا أستطيع . . فلا أعرف أين أصبح الزر .
ما هي إلا لحظة حتى تعثرت ووقعت على الأرض . . فصاح برودي خائفاً :
- سيليا . ماذا حدث ؟
-
- بقد وقعت . . اللعتة .
أمسكت يده الثابتة بها لترفعا على الأرض . . ها هما في الظلمة سواسية .
- سيليا ! هل انت بخير ؟
- أجل . .
- ماذا تحاولين إثبانه ؟
- لا شئ . . أحاول قد أن أظهر لك إننا متساويان في العتمة .
- لقد أثبت أنني في الظلمة أتفوق عليك . كنت أعرف أين أنتِ بالضبط ، أما أنتِ فلم يكن لديك فكرة .
قادها ببطئ حتى أشعل نور الغرفة .
- هاك . . هل أنت أفضل حالاً ؟
ردت بجفاء :
- علي الإيواء إلى فراشي فقد تأخرالوقت .
- مازال عرضي مفتوحاً . وبإمكانك ترك النور كما هو . . لقد مضى علي زمن طويل سيليا ...
ليته صاغ طلبه بشكل آخر . . . ليته قال أنه يشتاق إليها منذ زمن طويل . . نعم إليها ! ولكن إسمعوا ما قال ؟ شعرت بالغضب يستحوذ عليها فصاحت به :
- كيف تجرؤ على هذا الكلام ؟ أنا ممرضتك سيد بادجر لا شئ آخر .
- أنت تدخرين كل شيء للطبيب المختص . . هه ؟
لم ترد على إهانته . . بل تركت الغرفة بهدوء متجاهلة نداءه الملح . . . ما أشد كرهها له على تحقير حبها . . .
كان برودي بارداً مريراً كعادته في اليوم التالي ، فقد رفض ثانيه مرافقتها إلى الحديقة ، كما رفض مغادرة غرفته . . فصاحت به :
- انت تتصرف كالأطفال .
- وأحس أن كارول هي الأب المسؤول وأنني الطفل الذي يقاد من يده . . هل لديك فكرة عما يفعله هذا في نفسية رجل ؟
- أوه . . برودي . . .
- أخرجي من هنا !
وأدار لها ظهره ، فأمسكت ذراعه :
- برودي . . .
- ألا تفهمين . . أريد الإنفراد بنفسي ! إذهبي إلى الحديقة وتسلي مع بوبي .
في الواقع ، وقعا أسيري رتابة متوترة مملة في الأيام التالية .فمزاج برودي بقي متفجراً بل راح غضبه يوماً فيوماً يزداد حتى باتت تعجز عن محادثته ، وكانت النتيجة أن إمتنعت عن ذكر زيارة سام بيانش .
ذلك أنها لم تجد الفرصة المؤاتية لأعلامه . . . بعد ظهر يوم الخميس ، سيطر اليأس عليها ، فهي تعلم أن جوناثان يعمد عليها ، وأن كارول تضع الآمال الكبيرة على زيارة الأخصائي وعلى الرغم أن سيليا هيأت الفتاة لأسوء الإحتمالات ، فد بقيت كارول على تفاؤلها . . وهذا ما دفع سيليا زخماً من الشجاعة لتعرض على برودي الفكرة .
بعدما أنهت قراءة الصحيفة عليه ، تأخرت في الذهاب لإحضار الشاي كما اعتادت . فأحس بترددها :
- حسناً . . ماذا هناك ؟
- برودي . . ماذا تعرف عن سام بيانش ؟
انتفض حينما سمع اسم الطبيب العيون وشحب وجهه .
- وماذا يجب أن اعرف ؟
- برودي . . .
- ماذا علي ان اعرف سيليا ؟
وقف بشراسة :
- جوناثان . . .
- لا . . لن أسمح بأن تتآمرا علي من وراء ظهري !
- أنت مصاب بعقدة الإضطهاد !
- صحيح ؟ حقاً ؟ ألم تقرري وجوناثان عرضي على بيانشن حتى دون استشاري؟
- حسناً . . أنا . .
- تعاملاني وكأني صرة من المهملات . وكن الحادثة لم تؤثر على عقلي سيليا . . . ولا يحق لكما اتخاذ قرار دون استشارتي .
- ولكن لو طلبنا منك . . .
- لقلت لا ! وهذا ما أقوله الآن !
- ولكنه قادم من أمريكا من أجلك فقد !
- إذن فهو يضيع وقته ورحلته سدى . فلن آراه لا الآن ولا في المستقبل !
- برودي . . .
- الرد هو "لا " سيليا .
ردت بغضب :
- إذا كنت لا تريد أن تراه من أجل نفسك فعلى الأقل من أجل كارول ! إنها تضع آمالها على هذه الزيارة .
ازداد احمرار وجهه :
- لم يكن من حقك تصعيد آمالها قبل أن تسأليني !
- أنا أثق بذكائك . . .
- أخطأت حين وثقتي بي . . . فأنا لن أقابل بيانشن أو أي شخص آخر .
ارتدَّ عنها مستقيم الظهر متوتراً , ولكنها دنت منه تضع يدها على ذراعه ، فلمّا انتفض من جرَّاء لمستها ردّت يدها إلى جانبها .
- اصغي إلي برودي ، أعرف أنك خائف . . لكن . .
جعلتها وحشيته عندمت التفت ترتد إلى الخلف .
- خائف ؟ انا لست خائفاً . . بل أحس بالسقم من بلهاء مثلك تحاول أن ترشدني إلى مت هو خير لي ! ماذا تعرفين عن العمى ؟ ماذا تعرفين عن مشاعري ؟ لا تعرفين شيئاً . . ! اخرجي من هذا المنزل . . الليلة .. أسمعتي ؟
- سمعتك .
- إذن إرحلي . . . ارحلي . . . اليلة . وقولي لجوناثان إنني لن أقابل بيانشن أو أي أخصائي آخر .
- إن سام هو أمهر طبيب في هذا المجال كما تعلم .
عندما لم يرد برودي عليها ، رأت أن لا خيار لديها إلا مغادرة الغرفة التي ما إن تركتها حتى استندت غلى بابها القوي بوهن . . . برودي يعني ما سقول . . إنه يريدها خارج منزله . . . وهي لا تريد الرحيل إذ لا تسطيع تركه وهي تحبه كل هذا الحب .
6 – لا أمل . . .
لم يظهر برودي ما يشير على التراجع في قراره . . وعندما حان وقت جرعة الدواء مساءً ، وجّهت سيليا كارول إلى ما عليها فعله .
وكانت كارول قد أبلغتها أن والدها ما زال يرفض مقابلة سام بيانشن عاماً أنه بات أهدأ حالاً ، ولكن سيليا تعلم أن مجرد ظهورها أمامه سيعيد إليه تكدره وغضبه .
وهكذا بقيت بعيدة عنه . . فظنها غادرت المنزل . كانت تعلم أن اللوم يقع عليها لأنها سمحت لنفسها باتختذ قرار يتعلق به ، ولكنها ما فعلت ذلك إلا في سبيل مصلحته . . . وانظر ما كانت النتيجة . اعتبر أنها وجوناثان خدعاه وهذا ما لا يغفره .
وصل جوناثان في السابعة والنصف مساءً . . فبدا وسيماً ببدلته الأنيقة . . . أدخلته سيليا على غرفة الجلوس وهي تعي نظرة كريستبال إير الممعنة . قال جوناثان بعد تحية مهذبة :
- علي فوراُ التوجه إلى غرفة برودي مع انني أعرف ما ينتظرني هناك .
ضحكت سيليا :
- فليكن الله في عونك .
- نعم أنا فعلاً بحاجة إلى العون .
قالت كارول بعد أن صعد الطبيب :
- عندما كنت معه رفض الحديث .
- عندما كنت معه رفض الحديث . . .
وردَّت السيدة إير ببرود :
- لأنه يعرف أن الأخصائي لن يقدم له شيئاَ . . . وكذلك الحالة بالنسبة للممرضة . . . إنه بحاجه إلى أن يترك وشأنه .
ردت سيليا بتحدٍّ وقد أغضبها تصرّف المرأة العجوز :
- لماذا نتركه ؟
تشدقت كريستبال باستخفاف :
- ليستعد عافيته طبعاً . .
- وكيف يستعيد عافيته دون معونه طبية ؟
- إنه لا يجتاح إلى النوع الذي تقدمينه له !
شهقت كارول من الإهانه المتعمدة :
- جدتي !
أما سيليا فوقفت تقول ببرود:
- عذراً . . علي الاستعداد لموعد العشاء . . لا أريد ترك جوناثان منتظراً .
ضاق
ضاقت عينا العجوز الزرقاوين :
- ستخرجين مع السيد هال ؟
ردت بتعال :
- أجل . . ولا أريد التأخر عن خروجنا .
كانت السيدة إير امرأة سليطة اللسان حقاً ولولا حاجة برودي إلى عونها لتركت المنزل الليلة إلى غير رجعة . . ولكنها قد تضطر إلى الرحيل إذا أصرَّ برودي على ذلك . . . إذ كيف لها البقاء رغماً عنه !
كانت تنتظر في غرفة الجلوس الصغيرة حين نزل جوناثان بعد نصف ساعة . . فضاقت عيناه إعجاباً بما رآه . . وتلاشى التوتر الذي مرَّ به عندما كان مع برودي ، فابتسم لها . . . وانحنى يلثم وجهها . في هذه اللحظه بالذات كانت كارول تتقدم نحوهما ، متضرجة الوجنتين .
- أوه . . آسفة ! لم أقصد مقاطعتكما . .
التفت جوناثان إليها وذراعه ما تزال حول كتفي سيليا !
- لم تقاطعينا . . . فكلانا مرَّ بالجحيم مع والدك حتى بتنا نحتاج إلى القليل من المؤاساة .
ضحكت كارول منزعجة ، ورفعت حاجبيها متسائلة :
- وهذا ما حدث لي أيضاً . . . فهل أستحق قبل’ ؟
تمتم جوناثان متردداً ثم لم يلبث أن سحب يده عن كتفي سليا .
- حسناً !
وانحنى يلثم وجهها . . . ارتبكت كارول ثم تمالكت نفسها وقالت بمرح تمازح جوناثان على ترددة :
- هذه هي المرة الأولى التي أتلقى فيها قبلة وأنا في سن النضوج !
ضحك:
- ستحصلين على أكثر مما ترغبين إن لم تتأدبي.
فضحكت :
- ما عليك إلا أن تطلب . .
ثم التفتت إلى سيليا . . .
- أريد الاعتذار على ما بدر من جدتي . . . إنها تتصرف بطريقة غريبة منذ حادثة أبي .
- لقد مرَّت دون شك بتوتر شديد كارول . . . أما أنا فلا أهتم بتعليقاتها اللاذعة .
- حسناً . . إذا كنت واثقة . . . ؟
ابتسمت وهي لا تريد تكديرها :
- أنا واثقة . . والآن اذهبي قبل أن يبرد العشاء .
سألها جوناثان وهما في الطريق إلى المطعم :
- عمّ كانت تتحدث ؟
- عن أمر تافه . . السيدة إير تكره وجودي في المنزل . . كما تكره وجود أي ممرضة لأنها ترى أن برودي لا يحتاج لمن يرعاه .
- لا أذكر أن كاثرين عانت من مصاعب معها .
إذن ربما لا تحبني وحدي . . . مع أن ذلك لا يقليني أبداً . . . كما عليك أن لا تقلق أنت . . . ماذا جرى مع برودي ؟
تنهد تنهيدة عميقة :
- لم أفلح كثيراً . . سنتحدث عن الموضوع خلال وجبة العشاء .
قال لها وهم يأكلان :
- لقد رفض بالطبع وهذا ما كنت أتوقعه منه بل لو كنت مكانه لرفضت . . . فليس هناك أخبار جديدة جيدة بالنسبة له . . ولكنني أعطيته شيئاً يفكر فيه . بيانشن دبر زيارته هذه بصعوبة فإن رفض برودي مقابلته ضاعت الفرصة من يديه لأنني لا أعرف متى يتمكن من رؤيته ثانية .
- وهل شرحت الأمر لبرودي ؟
- أجل .
- وماذا كانت ردة فعله ؟
- لم يهتم . . ولكن أمامه ست عشرة ساة لتفكير . فالموعد محدد في الساعة الثانية ظهراً . . . وأظن أن عليك أن تصحبيه بنفسك . . . أتجدين قيادة السيارة ؟
- أجل . ولكن لو غير رأيه ، فأنا على استعداد لحمله إلى هناك ! هل تعتقد بأن الوقت كفيل لتغير رأيه ؟
- إذا لم يقنعه الزمن فقد فشلنا . . .
ردت بصوت منخفض متهجم :
- وأنا فشلت . . وإذا قرر برودي غداً الذهاب إلى المستشفى ، فسيكون هذا من صنيعك وحدك .
- وكيف تجدين كارول ؟ أتقوى على تحمل هذه المسؤوليات كلها ؟
- إنها تتحملها بنضوج ووعي .
- إنها تحب مداعبتي كتلك القبلة مثلاً .
داعبته سيليا هذه المره بالقول :
- أكانت مزاحاً ؟
بدا عليه ما يشبه الغضب .
- ظبعاً . . كارول إلا طفلة .
تهلل وجهها شفقة :
- ابنة الثامن عشر قادرة على الحب كابنة الخامسة والعشرين تماماً . . هذا مت أعرفه تمام المعرفة لأنني جربته بنفسي .
- لكنه حب لا يدوم .
- بل كانت كذلك . . .
تأوه :
لم يكن لدي فكرة عن هذا . . حسبتك تغلبت على ألم ما كان بينك وبين برودي .
- كان حب من طرف واحد ، وبرودي إلى هذا لم يكن يعرف أنني أهبه .
- البقاء معه في الوقت الحاضر جحيم إذن عليك .
- لا يهم هذا . . أما الأهم فإلغاء فكرة الابتعاد عن كارول بسبب صغر سنها . . إنها ليست طفلة .
- ربما . . حين ينتهي هذا كله . . .
- هذا إذا انتهى . . وهذا واقع يجب أن نواجهه .
- ليس الآن إنما بعد أن يقابل برودي بيانشن .
انتقلا من المطعم إلى نادي الرقص حيث رقصا إلى بعد منتصف الليل . . بعد إنتهاء السهره توجه جوناثان إلى منزل آل بادجر ليوصلها .
- أراك في الغد .
- أرجو هذا .
كان الجميع نياماً ، فالساعة تجاوزت الواحدة ليلاً . . ولا مجال لتأخير دخولها إلى غرفة برودي . . . عندما دخلت عاودها الاضراب ثانية . فعوضاً عن رؤيته نائماً في سريره ، وجدته جالساً على الأريكة أمام النافذة ، في كامل ثيابه . والستائر مسدلة بحيث لم يعد أمامه إلا المخمل البني .
التفت بحدة حينما شعر بوجودها رافعاً رأسه مقطب الجبين . لم تكن تحلم أنه ما زال خارج فراشه ، وكانت المجابهة آخر ما تحتاج إليه .
- آسفة برودي .. . ظننتك . . نائماً .
بدلاً من الغضب الذي توقعته ، ارتعش صوته وهو يقول :
- وأنا ظننتك رحلت !
مدت يديها متوسلة ولكنها لك تلبث أن أسلبتهما بعدما تذكرت عجزه عن رؤيتها . قالت بحزن :
- لن أرحل برودي . . مهما كان عدد المرات التي تطلب مني فيها الرحيل .
- ولكن كارول قالت أنك تركت المنزل .
- صحيح . . خرجت هذا المساء .
- برفقة جوناثان ؟ لا تنكري ! أشم رائحة عطره عليك . . . سيليا . . أهو كفؤ لك ؟
شهقت :
- برودي !
مد يده يمسك يدها :
- أهو كفؤ ؟ أخبريني ؟
سحبت يدها منه بقوة :
- لن أخبرك شيئاً . . دخلت أريد الإطمئنان عليك . . . وبما أنك بخير أقول عمت مساءً !
وأسرعت تخرج من الغرفة قبل أن تتفوه بشئ يزيد الأمور سوءاً .
سمعته يتجول في الغرفة دون هوادة ، فوضعت الوسادة على رأسها . . لأنها لا تستطيع تحمل ما شير إلى قلقه . . كانت تشعر بالالم لأنه يرفض رؤية بيانشن ، وبالعجز لأنها لم تقدر على إقناعه !
- سيليا ؟
تسمرت في الفراش ولكنها لم تلبث أن ازالت الوسادة عن رأسها في عتمة الغرفة فشاهدت برودي بوضوح يقف قرب سريرها . في تلك اللحظات لم تستطيع التفكير إلا في أنه غادر الغرفة أخيراً . . لقد غادر أخيراً الغرفة التي أصبحت سجناً له .
كرَّر بصوت أجش : "سيليا ".
ردَّت وهي تجلس أمامه على الأرض :
- أنا هنا . . أنا هنا برودي .
أمسكت يديه بيديها ، فقال ببساطه :
- أحتاج إليك .
- تحتاج . . ؟
- أحتاج أن أكون معك . . أحتاج أن تمسكي بي . . أن أكون معك وحسب . . .
ثم أنهى صوته بصوت متقطع : " فهل أطلب الكثير ؟ "
بدا لها وهو واقف تحت ظلال القمر متوتراً ، معرضاً لكافة أنواع المخاطر ، فعصف الألم بقلبها ولم يعد عقلها أو روحها أدنى رفض له . فردت بخشونه :
- لا . . هذا يس بالكثير .
- أيمانع جوناثان .
- برودي . . .
ولكنه سرعان ما ابتعد عنها .
- انسي أنني قلت هذا . . انسي أنني جئت إلى غرفتك . . إنها غلطة . . أنا فقد . . فكرت . . أنك رحلتِ حقاً .
مرّر يده على وجهه دليل تعب . . فرددت قولها مطئمنه :
- أنا هنا برودي .
ثم وقفت تطوق خصره بذراعيها من الخلف ، وتُحرِّك يديها على صده وااضعة خدها على ظهره الصلب :
- سأبقى هنا . . اجلس قربي. . .
- أواشقة ؟
ردت دون تحفظ :
- جداً .
استدار إليها متنهداً تنهيدة عميقة تحتضنها ذراعاه كطوق فولاذي . .
شهق قائلاً : " سأقابل بيانشن " .
ثم دفن رأسه في شعرها العطر ، مرتعشاً ، مرتجفاً . . فصاحت بإثارهة ولهفة :
- ستراه ؟
- سأراه . ولكن سيكون الأخير . إذا قال إن لا أمل . . فهذه النهاية . . موافقة ؟
- برودي . . .
- قلت لا مزيد من الأطباء سيليا . . هل توافقين ؟
عضت على شفيها مرتبكة ، بيلنشن هو أفضل طبيب عيون وإن قال لا أمل فهذا يعني أن لا امل طبعاً . فهل ستستطيع قطع الوعد ، والأمل يلازم الحياة دائماً ؟
- أعني ما أقول سيليا . . سأرفض بعده أي طبيب . . .
- حسناً جداً .
نظرت إليه بكل الحب لاذي في قلبها وكيانها ، ثم اندست بين ذراعيه تريد أن تشعره بما يعتمر في نفسها من حب وشغف .
- أنا متعب سيليا . . . متعب جداً .
- إذن أخلد إلى الفراش .
كان قلبها يعتصر ألماً وشوقاً إليه : " هيا أصعد . . . "
بعد لحظات قليلة عرفت من انتظام أنفاسه أنه غطََ في نوم عميق .
ولكنها تشعر بخيبة أمل كبيرة . . فحين قال لها أنه يحتاجها ظنت . . . يا الله . . اعتقدت أنه يحتاجها فعلاً . . فإذا به نائم قربها عاجزه عن الإقتراب منه رغم توقها الشديد إلى لمسه .
سمعته يتأوه وكأنه يحتج على وجودها معه :
- لا أريدك . . ألا تفهمين هذا . . دونا ! لا تذهبي . حباً بالله لا تتركيني ثانية . . أحبك . . وقد أحببتك دائماً . . سيليا لا . . ! لماذا تتخلين عني . . يالله . . لماذا تركتني ؟
بدا لها أنه فقد حين يغفو يذكر في عقله اللا واعي أنه عرف يوماً ممرضة صغيرة تُدعى سيليا هالام . . . ولكنها بالنسبة له لعبة يلهو بها ، أما المرأة التي أحبها فعلاً فهي دونا .
- برودي !
كان عليها أن توقظه الآن ، لأن بدأ بالصراخ . وقد يوقظ صراخه هذا أهل البيت جميعاً . . هزته قليلاً .
- برودي . . لا بأس عليك .
- ماذا . . .
ارتفعت الاهداب السوداء الطويلة وهو يستيقظ ، فسأل :
- أين أنا ؟ من انت ؟ سيليا . . ؟
- أجل . . كان كابوساً حعلك تصرخ وتصيح . . .
مرر يده على عينيه :
- أنا آسف . . أما زال الوقت ليلاً ؟
- أجل . . نمت ساعتين فقد .
اشتدت ذراعاه حولها :
- سيليا . . !
كانت تعلم أن عليها أن تمتنع عنه ، فهو ما زال يحب زوجته ، وسيبقى يحبها رغم موتها . فحاولت الابتعاد ولكنه منعها متمتماً :
- أنت بنعومة الحرير . . . أهناك كثيرون شعروا بملمسك الحريري ؟
شهقت : " أنا لم . . . "
- أكان هناك أحد ؟ أنت تتجاوبين بسرعة أكاد معها لا أصدق أن الوضع جديد عليك .
- برودي . . .
- أريد أن أعرف . . ألا تفهمين ؟
- لماذا تريد أن تعرف ؟ أتريد أن تعرف قوة منافسك؟
- لا . . ليس الأمر هكذا .
- ما هو إذن ؟
ثم نهضت من السرير ووقفت تنظر إلى الرجل المستلقي ، وسألت بحدة :
- لماذا تسألني هذا السؤال وأنا لم أطلب منك شيئاً . . أبداً ؟
- إذن ربما كان يجب أن تطلبي .
- ماذا تريد أن أطلب . . ؟ لائحة بأسماء النسوة اللواتي عاشرتهن منذ وفاة زوجتك ؟
التوى فمى سخرية :
- لن تكون لا ئحة كبيرة .
وابتعدت . . فقال شاهقاً :
- إلى أين ؟
- لأحضر بعض الحليب الساخن . . . وأكون شاكرة لو عدت فوجدتك خارج غرفتي .
- سيليا .
- أرجوك برودي . . أعرف أن ما حدث يظهرني انني أنانية . . أنا آسفة . . .
صمتت قبل أن يتحول الحديث إلى إحراج . أكملت :
- أريد منك أن تترك غرفتي على ألا تعود إليها ثانية أبداً . . . أبداً . . فأنا لا أقدم خدمات كهذه لمرضاي .
وخرجت تتعثر في خطواتها لا تلوي على شيء وعندما عادت كان قد رحل . وبما أنها كانت عاجزه عن كبت مشاعرها ارتمت على السرير تجهش بالبكاء ألماً .
كان الوقت متأخراً عندما إستيقظت في صباح اليوم التالي . بعد أن إغتسلت وارتدت ثيابها توجهت إلى المطبخ فوجدت الآنسة ويل التي قالت لها بحرارة :
- ألن تتناولي الفطور ؟
- في العاشرة والنصف ، إنه وقت الغداء . . لا سأنتظر ، سأتفقد السيد بادجر أولاً . . .
- إنه ليس في غرفته .
- ليس في غرفته ؟
- أنه في الحديقة يتناول فطوره فيها هذا الصباح .
لم تصدق ما تسمع ، فأخيراً قام برودي بخطوة أخرى لكسر سجنه !
- وكيف نزل ؟
- نزل وحده . . . هكذا . . وكان يتمتم لاعناً . . أظنه صدم رأسه بضع مرات . كان صدمة العمر حين دخل المطبخ يطلب الفطور !
- أستطيع تصور صدمتك . . سأخرج إليه حالاً . . .
كانت الشمس مشرقة في الخارج ، برودي جالس تحت مظلة مبهرجة الألوان ، وإلى جانبه كوب عصير . . كان أول من شعر بها بوبي الذي هبَّ من رقدته أما قدمي برودي وقفز إليها يحييها بابتهاج . فالتفت برودي إليها وسأل بصوت منخفض :
- سيليا ؟
- أجل .
فدعاها إلى الجلوس : " هيا شاركيني جلستي هذه ؟ "
أخذ بوبي يشم يدها فقال برودي مازحاً :
- يريد البسكوت الذي تقدميه إليه عادة .
- وكيف عرفت ؟
- لقد شمَّ يدي حين خرجت . . . سيليا . . أعتذر عمّا بدر مني ليلة البارحة من إهانات . . .
- لا بأس . . كانت غلطتي . . كا مان يجب أن . . .
صاح نافذ الصبر :
- أنت لا تفهمين . . أنا آسف لانني حاولت التطفل على حياتك الخاصة فأفسدت عليك مزاجك .
- فهمت .
- أشك في هذا . وأنا لست في وضع يخولني تأكيد ذلك لك وقد لا أتمكن إطلاقاً . . .
- لا أفهم إذن .
- ولا أريد أن تفهمي .
ثم هبَّ واقفاً وهو يقول : " هل اقودينني إلى غرفتي الآن . . أريد الاستلقاء قليلاً ، فقد أمضيت ليلة مضطربة " .
وضعت يدها على ذراعه ، ثم راحت توجهه بدقة لئلا يتعثر . . .
- أتريد أن أبقى معك ؟
- لا . . سأراك في الساعة الثانية .
- والغداء . . .
- ليس اليوم سيليا . .
احترمت رغبته في الانفراد وفهمت الاضطراب الذي يعتمل في نفسه ترقباً لما سيحدث عندما يذهب إلى المستشفى .
عندما قادت السيارة إلى المستشفى جلس إلى جانبها متوتراً يرفض الكلام . . . وكان قبل خروجه
برفقتها قد أصَّر أن تذهب كارول إلى الكلية بدل مرافقته ، وفهمت رغبته في إبعادها . فلو ثبت أن الفحص سلبي ، فلن تشهد كارول إنهيار أحلام أبيها . وإذا كان إيجابياً فأمامهم وقت طويل للإحتفال بالمناسبة .
قابلها جوناثان أمام أبواب المستشفى الرئيسية مرحباً .
بعد الترحيب انتلقوا إلى المستشفى فالتقى برودي باشخاص كانوا يسارعون لإلقاء التحية . أما سيليا كانت تشعر بتصاعد توتره مع كل خطوة .
حين وصلوا إلى غرفة الإنتظار قال لسيليا :
- انتظري هنا .
نظرت إلى جوناثان :
- أوه . . ولكن . .
قاطعها بشراسة :
- قلت إنتظري هنا !
- حسن جداً.
قال جوناثان :
- برودي . . أعتقد . . .
صاح برودي بوحشية في وجه الرجل الآخر :
- أتتصور أنني أريد من يشهد هذا ؟ ابقَ معها هنا إذا أردت . . ولكن لا تدعها تدخل معي . لا أريدها . . اتفهم ؟
ردت سيليا بحده :
- أفهمك برودي .
حين لامس جوناثان كتفها بعد قليل كانت تقف
سيليا . . برودي مع بيانشن وقد طلب مني أن أكون معك .
- لتلتقط القطع التي بعثرها ؟
- بل لئلا تذهبي .
- أليس هذا ما يريده ؟
- تعرفين العكس . . في هذه الللحظات يريد برودي أن يضرب في كل اتجاهات . . . ولعله اختارنا في خط المواجهة .
- تنهدت :
- نعم . . أعرف هذا تماماً . ولكنني لا أستطيع تحمل هجومه . .
- اصبري قليلاً . . هه ؟
تنهدت :
- سأصبر ولكنني لن أسمح له بإغضابي . . فأنا أحبه ، وهذا ما يجعل كل شي مختلفاً .
بعد عشر دقائق ، بدا أنها لن تضطر إلى الإنتظار دقيقو أخرى فقد خرج رجل طويل أشقر من غرفة الفحص تدل خطواته الطويلة السريعة على استرخائه . فعرفت أن هذا المقبل إليها هو سام بيانشن .
سألته بهفة :
- هل أنهيت الفحص ؟
ارتفع حاجباه بتساؤل وقال بصوت هادئ:
- هل أنت . . . . ؟
- سيليا . . سيليا هالام . . . ممرضة السيد بادجر . .
تجهم وجهه :
- كيف أستطيع مساعدتك آنسة هالام ؟
- كيف كانت نتيجة الفحص ؟ أيمكن إجراء عمليه له ؟
لم تستطع إخفاء القلق عن صوتها .
- لن تفيد العملية الجراحية السيد بادجر أبداً . . . إنه . . .
لم تسمع سيليا ما تبقى من كلامه , فقد أجست بصوت مزعج يهدر في رأسها ، أعقبه ظلام دامس . . سيبقى برودي أعمى طوال عمره !
|