لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-04-08, 04:29 PM   المشاركة رقم: 86
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
Deal

 

بينما كل واحد ينهض ليرحل بعد المصافحة المعتادة ظل الاثنان جالسين وجها لوجه وعيونهما تتلاقى. تقدم "وليام" من "وولف" مترددا وقال مقترحا:
- أتحب أن أوصلك إلى مكان ما ؟
- لا..شكرا..أفضل أن أتمشى فالهواء طلق ويفيدني.
ترك "وليام" القاعة وأصبحا بمفردهما. نهض "وولف" ليصفق الباب بعنف ثم عاد ليجلس في مواجهة "بليندا". ساد صمت ثقيل عدة ثوان ثم ضرب المائدة فجأة بقبضته. وصاح:
- لماذا ؟
كانت "بليندا" تعرف بالضبط ماذا يعني.
- لقد كنت موضع هجوم من جميع الجهات من صحافة الفضائح وكنت تعلم كل الضرر الذي يمكن أن تسببه. لقد كنت قد بدأت لتوك مهنتك التي كانت لا تزال هشة ويمكن أن تهشمها خبطة واحدة للأبد. وفي نفس الوقت شبه أخي كان يهددنا باتخاذ الإجراءات الجنائية القاسية وكنت في حاجة إلى الدراسة العملية التي تؤهلني أن أحصل على حريتي من قبضته. أشياء كثيرة كانت قائمة بيننا ‘ يا"وولف".
نظرت إليه نظرتها الصافية والجريئة. بعد كل هذه السنوات التي قضتها في تجميع كل صورة عنه و مشاهدة كل أفلامه تجد نفسها أخيرا أمامه وتحس بنوع من الدوار. رد "وولف" بصوت منخفض:
- فهمت ! إنك لم تفكري لحظة واحدة في أن بإمكاني الحفاظ على مهنتي وتخليصك من شبه أخيك والعناية بدراستك؟
كان يتميز غضبا ‘ كيف أمكنها أن تحطم هكذا حكايتها من نفسها وبطريقة ديكتاتورية؟
صاحت "بليندا" وهي تتوتر بدورها من مسلكه المتسلط:
- كل هذا ليس من شأنك ومن ناحية آخر فإنك كنت ستخسر أكثر مني في هذا الموضوع.
قال بلهجة مريرة:
- ولقد خسرت الكثير.
همهمت الشابة:
- وأنا كذلك.
أخذ كل منهما يحيط الآخر بنظراته بكل الآلم والأسى اللذين تجمعا على مر السنين. ووسط ذبذبة السكون المحيط بهما كانت لكل كلمة تنطق تأثير المتفجرات.
- أما وقد حدث ما حدث فقد ربحت كل شيء مثلك.
قال "وولف" معلقا وهو يضم قبضتيه:
- دائما لديك الرد حاضر ‘ أليس كذلك ؟ كان من الواجب أن نتخذ هذا القرار معا وباتخاذه بمفردك تخليت عني ولم تستشيريني..هل وضعت هذا في الاعتبار ؟
لقد حصل كل منا على حياة جديدة.
ترك "وولف" نظراته تتأملها كلها. إن تلك الصبية الممشوقة القوام التي كانت في يوم ما قد حلت محلها امرأة راقية ذات جسم فارع متناسق ومغر وأحس بموجة من الرغبة الشديدة في أن يحتويها بين ذراعيه فجأة. قال "وولف":
لقد مضى الوقت الذي كنت أجعلك تذوبين أمام نظراتي ولم يبق اليوم سوى تمثال من الرخام.
ردت الشابة وهي تحاول تجاهل الوخز الذي أحسته داخل قلبها:
- لقد قطعت مشوارا طويلا كما قلت لك.
أدركت أنه هو لم يتغير فيه شيء بزوايا وجهه الرجولي والتي زادت حدة ونضجا. إن "وولف" ساحر للنساء لاشك فيه. زادت سرعة نبضات قلب "بليندا" .
قال بسخرية وهو يدور حول نفسه ليثبت لها أنه يستطيع أن يقرأ تفاصيل أفكارها:
- ما أريك؟
- رأيي هو رأي امرأة تستحق لقب امرأة. لست سوى محطم للقلوب. كانت تحاول أن تستخدم اللهجة المرحة التي تعرف تأثيرها وإن كانت هذه المرة غير متأكدة. عندما استعدت لمواجهته نسيت "بليندا" أنه قادر على شفط كل الهواء في المكان وتركها تختنق من الرغبة.
أضافت بطريقة مثيرة ومتحدية لترمي الكرة في ملعبه:
- ثم إن وجهك أحسن وسيلة دعاية لأعمال شركتنا.
- هذا صحيح..لقد نسيت أن هذا هو الهدف من عقدنا.
لمح "وولف" في عينيها ومضة شك هاربة. أحست الشابة يدور حولها كسمكة القرش التي تنتظر اللحظة المناسبة لتوجيه الضربة القاتلة. سألها:
- هكذا إذن واصلت مهنتك؟
هزت رأسها موافقة ببطء وكان "وولف" يحتوي غضبه بصعوبة. لقد اصطادته بسنارتها كسمكة صغيرة بعد أن ظلت تراقبه يوما بعد يوم وسنة بعد سنة بينما هو تائه كالأعمى يبحث عنها. قال بصوت أجش:
- أين كنت ؟
- في باريس. لقد قيدت اسمي بجامعة "السوربون" في البداية عشت في منزل صغير في شارع "ريف جوش" ثم عثرت على عمل كخادمة فندق. كل ذلك تحت هوية "ليندا بينيت" وهو اسم أمي وهي فتاة. بل صبغت شعري.
- ماذا ؟ كل هذا التنكر حتى لا أستطيع العثور عليك؟
همست وهي تخفض عينيها:
- نعم.
زمجر "وولف" بصوت تأنيب :
- لقد بحثت عنك في كل مدن أوروبا بما فيها "باريس" بل إنني قابلت شبه أخيك ولكن بدا أنه ل لا يعرف مكانك.
لم يجد داعيا لأن يذكر لها أنه حطم وجه "هيكتور" عندما قابلته وتركه شبه ميت . أضاف قائلا :
- ألم يكن من الممكن على الأقل أن تتصلي بي ؟
- لقد اتصلت بك من ست أو سبع سنوات وكنت تصور أول فيلم لك في" باريس" عندما تحولت إلى مخرج وتركت رسالة في فندقك ولكنك لم ترد علي أبدا . ربما لم ينقلوها لك . على أية حال لقد أردت أن نكون على قدم المساواة في اليوم الذي نلتقي فيه .
- ونحن على قدم المساواة الآن .. أليس هذا ماتريد ين قوله ؟
اعترفت الشابة :
- لقد كانت هذه أعز أمنياتي .. هل يمكن فقط أن تفهمني ؟
رد "وولف" بحدة .
- إنني أفهمك جيدا . لقد تصورت اللوحة وقد وضعتني في مكان محدد فيها ويجب علي الآن أن التزم بهدوء بخططك .
كانت مجرد فكرة أنها تلاعبت به بهذه الطريقة تجعله يتحرق شوقا أن يوجه قبضته إلى الجدار . اضطربت "بليندا" من هذا الغضب الأسود المختفي تحت ابتسامة بريئة .
بدأت حديثها :
- يجب يا " وولف" أن ...
ولكنه أشاح بوجهه إلى الناحية الأخرى من المائدة وقد تكوم كالفهد المستعد للهجوم .. قاطعها :
- نعم .. أنت تحملين كل علامات النجاح . الثوب والحذاء الغالي الثمن من الماركات العالمية واللآلئ والمجوهرات لقد أحسنت لعب دورك ودفنت فتاة الشوارع.
ردت عليه في تحد:
- رائع! واعلم أنني في أي لحظة كنت أستحق أن أصل إلى هذا عن جدارة. وأنت نفسك لم تعد ذلك الممثل الشاب المتعطش للمجد الذي عرفته سابقا.
لم تكن "بليندا" لتعرف عنه شيئا سوى ما تنشره عنه الجرائد عن ذوقه ومتعه. ولكنها لم تكن لتعرف شيئا لا عن أسرته ولا عن ماضيه.
والوقت القصير الذي عاشا فيه معا قضياه في الحب واليوم هاهو واقف أمامها فقد اكتشفت رجلا مختلفا تماما .هل اختفى "وولف" الذي كان ملكها ؟
رأت حاجبه يرتفع قليلا أوحى إليها أن لديه فكرة ما لايمكن أن تخدعها ذكرياتها ولكن لايهم إلى أين يقودها الأمر إلا يقودها الأمر إلا أن العاصفة بدأت تبتعد.
قال وهو يدور على عقبيه ويصفق الباب وراءه:
- إلى اللقاء يا "بليندا" .
ظلت الشابة ساهمة تفكر وهي تائهة وسط الصمت والسكون ثم ذهبت إلى مكتبها وحاولت التركيز على عملها.
تركت العمل في منتصف النهار وأخطرت سكرتيرتها أنها ستذهب لتناول الغداء رغم أنها فقدت شهيتها.
عندما خرجت "بليندا" إلى الشارع توجهت إلى المنتزه القريب و أخذت تتجول بين المشاة دون أن تراهم وقد غرقت في أفكارها التي تقودها بلا انقطاع نحو "وولف".
كان جو الخارج قد حسن من حالتها وعندما وصلت إلى جانب المنتزه أبطأت خطواتها ووقفت تحت أشعة الشمس أمام بائع سجق ساخن. قال صوت خلفها:
- لو سمحت....
استدارت "بليندا" كان "وولف" واقفا خلفها وهو يمدلها سندوتش سجق ساخن كان ممسكابه في يده.
سألته في شك:
- هل تبعتني ؟
- طبعا.. هيا نعثر على أريكة لنجلس عليها.
جلسا في دائرة من مقاعد الرخام وأخذا يأكلان في صمت ثم ناولها "وولف" بعد ذلك علبة عصير برتقال ثم سألها: إن كانت ترغب في القهوة ؟ أجابته:
- لا...شكرا..إن عصير البرتقال يكفيني.
ساد صمت من جديد أنهته "بليندا" عندما قالت:
- حسنا ! أعتقد أن علي أن أذهب.
قال "وولف" وهو يلقي العلب و الأوراق في سلة المهملات:
- سأصحبك حتى مكتبك .
أخذ ذراعها في يده بطريقة طبيعية للغاية وقال في الحال وهو يرغب في ألا يتركها تنساب من بين أصابعه دون أن يفهم سبب النيران التي تشعلها داخله:
- هل يمكن أن أدعوك للعشاء هذا المساء ؟
أجابت "بليندا" :
- الأحرى أنني أنا التي تدعوك إلى بيتي . أنا متأكدة أنك ستعشق طهيي .. أتدري أنني اصطدت " لوريث " وأحضرتها معي هنا في نيويورك ؟
كانت تتكلم بسرعة حتى تستطيع أن تستحضر اللحظات السعيدة من لقائهما وحبهما الأول . قال مذهولا :
- لوريث ؟ ولكن لماذا ؟
- ولم لا ؟
فكر "وولف" أن يكون الجنون بعينه على مائدتها !
وهي التي كانت تتصور دائما أن يكون العثور عليها بطريقة ودية وهادئة ومؤدبة . وهاهي الآن تهدم كل الخطوات التي أعدتها في هدوء قال "وولف" وهو يقترب منها أكثر حتى اصطدم بها دون قصد وهما يسيران:
- موافق سنتعشى عندك في المرة القادمة . قولي لي :
ألا تحسين بصعوبة وألم وأنت تسيرين بهذا الحذاء ذي الكعب العالي ؟ على أية حال لا زلت أذكر أنك كنت تحبين أن تسيري حافية القدمين.
- إنني أحب ذلك دائما. ولكن الكعب العالي لم يعد يجرحني. ولدي الآن إمكان أن أشتري . النوع الذي يبدو مريحا مع الاحتفاظ بجماله الساحق.
كانت تتكلم وقد بدا عليها بعض المكر جعله يبتسم . هذه إذن بداية عودتهما إلى التأمر . لقد أقسمت الشابة أن تتذكر تلك الأيام مدى حياتها.

وجد "وولف" نفسه واقعا تحت تأثير فتنتها وترك عينيه تتجولان على ساقيها المخروطتين بيد نحات . ود لو عاد إلى الأريكة الحجرية وجعلها تخلع الحذاء .
انتزعته مرارة الذكرى والأسف من تأملاته عن الماضي الرائع .أحست "بليندا " بتغيير مزاجه وخمنت أنه يفكر في ذلك الزمن الذي كان يعرف فيه كل أفعالها وتغييرات سلوكها دون أن يشك في شيء . لقد فهمت أن ذلك يحرقه كالحامض اللاذع .
ارتعدت الشابة أمام فكرة أن يهجرها . لقد فكرت مئات المرات قبل أن تتأكد من إمكان مواجهتها لهذا الافتراض . ولكن نظراته هزت اطمئنانها .. أن تفقده مرة ثانية هي ضربة قاتلة . قالت وهي تسرع :
- لابد أن أسرع .
كان "وولف" مصمما ألا يدعها تفلت منه مرة ثانية .. ماذا يمكن أن يحدث له لو اختفت ثانية ؟
في هذه اللحظة بالذات ولدت الفكرة في رأسه .
إنه يستطيع هو أيضا أن يلعب دورا مزدوجا . أجاب :
- وأنا كذلك .. لدي نص لابد أن أقرأه .
أحست "بليندا " أن هناك فكرة في رأسه فشعرت في الحال بالضعف . بماذا يهددها ؟ ولماذا ؟ سألها " وولف فجأة عندما وصلا أمام المنى :
- ماالذي قادك إلى الوسط السينمائي ؟
- عرض لم أستطع أن أرفضه .
عندما وثقت " بليندا " بنفسها وأنها مستعدة لمقابلة "وولف " بدأت في التحري والبحث عن أفضل دور يصلح له بهدف أن تقوم بتمويل الفيلم وكان الفيلم الذي ستوقع عقده معه - وهو ريح الجنوب - هو الثاني الذي عثرت عليه .قالت شارحة :
- لقد أردنا في البداية أن نشتري - الرجل الحجري - ولكن الفرصة فاتت . أنت تستحق حقا جائزة الأوسكار للأحسن ممثل والتي نلتها عن ذلك الفيلم أقصد "الرجل الحجري " وكانوا يسمونك لذلك في الصحف "الرجل الحجري".
- أنت تعرفين أمورا كثيرة عني يا "بليندا " .
- لأنك أصبحت مشهورا .
- وهل أنت شريكة في مؤسسة "ديلند " التي أرادت أن تشترك في فيلم " الرجل الحجري " ؟
- نعم
- من الواضح أن لك أسماء كثيرة .
- إنه اسم شريكي وهو أروع رجل قابلته في حياتي .
سمع نفسه يجيب :
- حقا ؟ أنا سعيد من أجلك .
في الحقيقة كانت الغيرة تأكل قلبه وهو يرى عينيها تغشاهما الدموع . إنها تحب ذلك الرجل . تابعت "بليندا " حديثها :
-أنا واثقة بأنك كنت ستقدره . لقد كان نوعا خاصا من الرجال.
كان موت الأستاذ "ديلند " قد صدمها بشدة في اللحظة التي بدأت فيها شركتهما تزدهر . كان الرجل العجوز كريما وطيبا وحاو المعشر ويعتبر أباها الثاني ولازالت تشتاق إليه بدرجة رهيبة . طبع "وولف "قبلة على وجبينها وهو يقول بصوت عميق :
-هذه باسم الأيام الخالية الجميلة .. سأمر عليك في السادسة لأصحبك إلى بيتك .
كانت تشعر بالدهشة وعدم القدرة على الكلام . هزت "بليندا " رأسها علامة الموافقة وابتعد "وولف " . أحست بجبينها يحرقها .. لقد قبلها وعليها أن تظل ترقص فرحا حتى المساء .
تمشى "وولف " في الشوارع , كانت الخطة التي تكونت شيئا فشيئا في ذهنه لم تفارقه أبدا . إن "بليندا " لن تتبخر أبدا بعد في الهواء وستتخذ كل الإجراءات والاحتياطات اللازمة .
اتصل بسكرتيره "وليام " من إحدى كبائن التليفونات العامة على ناصية الطريق ليحصل على رقم تليفون الإدارة في الحال . ما إن كان على الخط حتى أعطى تعليماته في كلمات قليلة مختصرة ووضع السماعة مكانها . لقد بدأت المرحلة الأولى من خطته في الانطلاق . استأنف تسكعه دون أن يعير الشاة أي انتباه ودون ينصت إلى صوت آلات التنبيه الصادرة من السيارات كانت فكرة واحدة تحتل ذهنه : لن تهرب منه "بليندا " أبدا .
"بليندا " تلك الصبية التي رفعت في يوم ما عينيها إليه في ثقة أصبحت الآن بعيدة وحلت محلها امرأة واثقة بنفسها بقوتها ولا تحتاج لأحد . لقد شقت طريقها . ثم هذا المدعو " بليندا " ؟ لقد أحبت رجلا آخر .. هذا مؤكد وهو ما يعذبه أيضا .
أخذ يدير خطته في رأسه مرة ومرة ومرات وفي جميع الاتجاهات حتى سيطر الموضوع على أفكاره تماما .
في النهاية بدأ يمارس رياضة الجري إلى أن وصل إلى الحي الذي يقطن فيه وقد انقطعت أنفاسه وغرق في عرقه واستطاع أخيرا أن يسترد سيطرته على نفسه , على الأقل حدد هدفا وهو الذي سيمسك بزمام اللعبة .اختفى في شارع جانبي صغير فجأة ثم انضم إلى النادي الصحي الذي يتردد عليه وبصفة دائمة للمحافظة على لياقته البدنية . وهناك ارتدى لباس استحمام كان موجودا في دولابه الخاص ثم غطس في حمام السباحة وظل يسبح باستمرار ذهابا وإيابا بما يعادل مسافة كيلو مترين قبل أن يدرك أن ذلك لم يطرد من ذهنه صورة "بليندا " المثيرة . عاد إلى بيته يحدوه الأمل أن ينجح العمل الذهني فيما فشل فيه التمرين البدني وانهمك في دراسة نص سينمائي جديد قدمه له "وليام" هذا الصباح نفسه.
كان هذا النص مثل "ريح الجنوب" مبيعا أيضا إلى "شركة "ليندا" الدولية لمستحضرات التجميل" وبدا وكان الدور مفصل عليه بالضبط. لابد أن يكون مجنونا لو رفضه مادامت وعدته "بليندا" أن يكون له السيطرة الكاملة على النص وإخراج الفيلم لو أراد.
قرأ النص مرتين ليحاول إيجاد نقاط الضعف ولكنه وجده أفضل عند تحليل له.. لا زلت "بليندا" تناوره وتتلاعب به وعليه أن يقوي من خطته.
رفع سماعة التليفون من أول رنة وأجاب على المرأة المنفعلة وهي تتكلم على الطرف الآخر من الخط وقال:
- نعم يمكنك أن تطبعيه . كل شيء مضبوط .. إلى اللقاء.
فكرة "وولف" ماذا ستظن "بليندا" ؟ كل شيء سيثبت بسرعة وسينشر في كل الصحف صباح غد.
كان في بهو مبناها من الساعة السادسة إلا عشر دقائق. وهو يذرع الأرضية الرخامية منتظرا خروجها. كان المبنى جديدا وفاخرا.
هل كانت "بليندا" تستأجر فقط الأدوار الثلاثة العلوية أم تمتلك كل المبنى ؟ وإذا كانت قد استطاعت أن تشيد مشروعا دوليا في عشر سنوات فهل كان ذلك بمفردها أم مع ذلك المدعو "بليندا" ؟
في تمام السادسة فتحت أبواب المصعد وظهرت الشابة ‘ تقدم "وولف" نحوها وقد أذهله جمالها. كان مجرد تأملها يملأ قلبه بكل مشاعر الحب والرغبة في العالم. لقد ظلت نضرة وجميلة عبر السنين. كانت غير عادية وراقية وهشة وقوية في آن واحد. مراهقة وناضجة واستطاعت أن تجمع كل هذه التناقضات في سيمفونية رائعة جعلت منها إنسانة فريدة.
في هذه اللحظة أدرك "وولف" أن حبه ل"بليندا" الذي ظن أنه مات ودفن في التراب لم يكن سوى حالة من البيات الشتوي واستيقظ عند أول لمسة للحرارة. كان من الواضح أن الشابة تحتفظ بمجموعة كاملة من الملابس في مكتبها مادامت قد ظهرت وهي مستعدة مسبقا للخروج بعد أن استبدلت التايير المهني بثوب سهرة من الحرير اللامية والساتان الأرجواني يبرز اللون التركواز لعينيها الواسعتين ونعومة لون بشرتها قال "وولف" وهو يستقبلها بتقبيل يدها :
- ها نحن هنا .
سألته دون تكلف :
- إلى أين سنذهب ؟
- لقد فكرت أن بإمكاننا العثور أولا على مكان مسل يفتح شهيتينا للعشاء بعد ذلك .
كان رائعا في حلته السموكينج الحريرية الزرقاء الداكنة وحيث التفصيلة المضبوطة تظهر جمال جسده الفارع .
ظلت الشابة مصعوقة أمامه وانهمكت في فحص ثوبها حتى تعيد الثقة بنفسها. لقد كانت واثقة بنفسها ثقتها بالكون عندما التقت به في "نيس" لقد اختلفت الأمور تماما اليوم فقد بدأت تفقد ثقتها بنفسها من قرب "وولف" منها وكأنه انتزع منها كل تلك الثقة في لمح البصر بسطوة وجوده. قالت الشابة وهي تدرك أنه كان يحدثها:
- أرجو المعذرة.
- إنني تساءلت: لماذا تفحصين ثوبك وقد بدا عليك بعض القلق... إنك فاتنة إلى أقصى حد.
كان صوته كالنسيم الذي أصابها بالرعدة ‘ قالت:
- لقد كنت تتحدث عن شيء يفتح شهيتينا.. في الحقيقة لسنا مزودين بما يسمح لنا بالجري في الحديقة.
- لا... ولكننا في حالة رائعة تسمح لنا بالذهاب للرقص.
أدارت "بليندا" رأسها لترى سيارة "كوبيه الفاروميو" .
- هل هذه سيارتك التي نالت غرامة مرور؟

تحرك "وولف" بسرعة وهو يصيح ويقودها نحو الباب الخاص بالمبنى.
- اللعنة.. هيا نسرع
شاهدتهما الشرطية وهما يصلان بهدوء ودون أن يبدو عليها أي تعبير. قالت بصوت اتهام:
- أنتما تقفان في منطقة ممنوعة!
رد "وولف" وهو يبتسم :
- سنرحل في الحال .
تغير تعبير الشرطية في الحال عندما رأته . ظلت فاغرة فمها واتسعت عيناها عن آخرهما و أسقطت القلم . لا يزال "وولف" يؤثر فيهن نفس التأثير . تلعثمت المرأة:
- ولكنك ... أنت .. أنت "وولف ويكفيلد" . إن أختي ستموت حسدا عندما أحكي لها .
فتح "وولف" الباب أمام "بليندا" ثم التقط القلم ليناوله الشرطية في أدب . سألته:
- هل يمكن أن أطلب منك أن توقع لي في الأوتوجراف ؟
- طبعا .. أين ؟
- هنا في دفتر المخالفات بجوار اسمي.
استدار "وولف" عندما سمع صوت نفير سيارة كانت سيارته تسد الطريق أمام سائق غير صبور.
صاحت الشرطية وهي تلوح بحركة إمبراطورية :
در حوله !
ثم عادت إلى "وولف" وهي تبتسم:
- لا تعره أدنى انتباه .. وقع من فضلك.
قال "وولف" بعد أن وقع وناولها القلم:
- هاك ! وشكرا لتفاهمك.
أجابت المرأة:
- ولكن لا .. أنا التي أشكرك وشكرا على التوقيع وهذه هي مخالفتك. تركته مسمرا في مكانه بعد أن أدارت له ظهرها وتركت له المخالفة في يده. وعادت أصوات آلات التنبيه تنطلق مرة ثانية فقفز إلى السيارة بينما انفجرت "بليندا" في الضحك الصاخب . نظر إليها بطرف عينيه:
- ظريفة للغاية.
كان المرح الفجائي و الطبيعي في عينيها قد أسعده وأعاد إليه ذكريات حبيبة إلى قلبه. لقد سبق لهما أن ضحكا كثيرا في الماضي.
قال وهو يندس وسط زحام السيارات:
- لماذا لم تسارعي بنجدتي؟
- أنا ؟ أنحشر في رقصة الإغراء حول الشرطية ؟ لايمكن أبدا .
استأنفت الضحك من أعماقها وأصابته العدوى .
قال من بين ضحكاته :
- إنك لست سوى ساحرة شريرة " يابليندا " .
خلال ثوان قليلة اختفت بعدها عشر سنوات من الفراق .
لقد وقف الزمن ليحرصهما وسط دائرته الذهبية .
كتما أنفاسهما وابتسم كل منها للآخر واستأنف الزمن مساره وأصبح الحاضر هو المهم .
لقد أحست "بليندا " أنها تدور وسط شبابها .
لم يسبق لها أن ضحكت بهذه السعادة من زمن طويل وبدا هذا واضحا .قالت بمرح لتخفي عواطفها :
- ياصغيري العزيز .. لا بد أن كرامتك اهتزت أمام خيبة الأممل . رد عليها بحنان :
- نعم ولايوجد شخص آخر يستطيع أن يضحك علي مثلك .
كانت " بليندا "تهتز من السعادة وهي تشعر بهذه الحرية بجواره كيف استطاعت أن تعيش بدون ذلك ؟
ولماذا لم تقدم تلك اللحظات الثمينة عن موعدها ؟ قالت :
- في رأيي أنك لم تتعرف جيدا على تلك الشرطية إنها لم تصدق عينيها ولكن لاشيء يمكن أن يحولها عن أداء عملها . لابد أنها تعول أسرة بأكملها من هذا العمل . اعترف " وولف " وهو يطبع قبلة على ظهر يدها :
- لايهم .. لقد استطاعت خداعي وأنا الذي كنت أظن أنك فقط القادرة على ذلك ...
قالت " بليندا " بصوت سريع :
- زد السرعة على الثالث .
- هذه السيارة أوتوماتيكية . هل يضايقك أن أمسك يدك ؟
- طبعا .. لا ولكن الأمان قبل كل شيء .
قال بصوت رقيق :
- لاتخافي .
إنه لا يستطيع أن يتركها ولا يرغب في ذلك خوفا من أن تهرب منه مرة أخرى . حاولت "بليندا
أن تجد ماتقوله :
- إنك لم تصادف سوى النجاح في كل السنوات . هل تحب مهنتك إلى هذه الدرجة ؟
- نعم ,ولكن حدثيني عن نفسك .. كيف وجدت نفسك وسط صناعة مستحضرات التجميل ؟
- لقد حدثتك عن شريكي "اندريه ديلند "وهو كيميائي تعرفت عليه خلال دراستي في "السوربون كان يصنع مراهم ضد الحساسية للعناية بزوجته .
وعندما توفيت تابع أبحاثه . جعلني أهتم بعمله .
همس "وولف " وهو يلاحظ الحزن في صوتها .
- هل كان شخصا مهما بالنسبة لك ؟
قالت وهي تشعر بالحزن لدرجة الهوس :
- مهم جدا .. لقد مات هو أيضا في اللحظة التي بدأت فيها أعمالنا تزدهر أخيرا.
لم يستطع "وولف" أن يكتم السؤال الذي كان يحرق شفتيه.
- هل كنت تعيشين معه؟
أجابت "بليندا" :
- "أندريه" كان أستاذي وشريكي وصديقي وكان في السبعين من عمره يوم وفاته.
أعتذر لها وهو يحس بالارتياح الشديد:
- أرجو المعذرة فليس هذا من شأني ولم يكن من الواجب أصلا أن أطرح عليك هذا السؤال.
- هذا بالضبط.. ما كان يجب عليك أن تفعله. هل تدخلت في كل مغامراتك النسائية؟ والتي ذكرتها الصحف؟
رد عليها "وولف" هجوما مقابل هجوم:
- هذه ليست سوى إشاعات في معظمها ولو كان لدي عنك ربع المعلومات التي لديك عني لما احتجت لأن أطرح عليك هذا السؤال.
قالت الشابة وهي تنظر إلى الزجاج الأمامي:
- هذه ثاني مرة تفعل بي ذلك.
- إذا كان الأمر كذلك فلن أمل من تكراره.
- حقا؟ لو كنت راغبا إلى هذه الدرجة في العثور علي فلماذا لم ترد على رسالتي التي تركتها لك في الفندق وأنت تمثل فيلم "انهيار باريس" ؟
- أقسم لك أنني لم أتسلم أي رسالة ثم إن هذا كان من سبع سنوات.
أجابت بعد أن كتمت أنفاسها:
- هذا صحيح.
وصلت السيارة إلى وجهتها وأحس "وولف" بالأسف. إن ما شعر به من خصوصية مع "بليندا" داخل السيارة جعله يشعر بالدفء والحياة.
ركن السيارة في ساحة الانتظار أمام واجهة فاخرة تعرفت عليها بدهشة.
- ولكن ملهى "البيلوري" .. إننا لا نستطيع الدخول. إنه من أكثر النوادي خصوصية.
قال "وولف" مطمئنا:
- باعتباري من نسل المتعاطفين مع التقدميين أثناء الثورة فلدي الحق في الدخول.
- لا شك أنك تمزح.
- لا...على الإطلاق . إن النصف المحافظ من أسرتي عاد إلى إنجلترا ونحن على الجانبين .
- بالمناسبة هذا لا يبدو عليك من قليل أو بعيد.
همس في أذنها وهو يعبربها مدخل النادي:
- هذه أحيانا الطريقة الوحيدة للرجل ليحصل على ما يريد.
- دائما ساخط يا "وولف" وأنت كنت أكثر قسوة عندما تثور.
- أثور؟ ولكني لست غاضبا لدرجة الثورة معك يا حبيبتي.. ثم إن كبير الخدم ينتظر.
قالت له وهي تدير له ظهرها:
- لا مجال للعشاء مع رجل دائما يحاصرني.
تهكم "وولف" وهو يدفعها في اتجاه كبير الخدم:
- وتقولين: إنني غاضب .. مساء الخير يا"نيلسون" هل الفرقة الموسيقية جيدة هذا المساء؟
قال كبير الخدم وهو يبتسم بطريقة راقية جدا:
- ككل مساء يا سيد "ويكفيلد" .. نحن سعداء برؤيتك ثانية .. أتحب أن ترقص؟ أم تتناول العشاء؟
تقدمها "نيلسون" فوق المرات المغطاة بالسجاد الناعم عبر حجرات مغلقة بستائر من المخمل خلفها أحاديث هامسة إلى أن وصلا إلى حجرة أصابت الشابة بالذهول ‘ كانت عبارة عن قاعة ثلاثية الأسقف محاطة بمقصورات تعلو حلبة الرقص وتطل على الراقصين وكانت الجدران كلها مغطاة بقماش حافاته مطرزة بخطوط بيضاء بينما النجف الكريستال يعكس آلاف الأنوار الذهبية والفضية . همس "وولف" عندما رأى دهشتها:
- إنها جميلة .. أليس كذلك ؟ أعرف أنك كنت ستحبينها.
أجابت:
- إنني أحبها جدا.
قدم لها مقعدا وهي لا تعرف ماذا تقول. طلب "وولف" عصير التفاح مع حلوى "البتي فور" وأضافت الشابة:
- ومياه معدنية من فضلك من أجلي.
قال لها عندما رحل الساقي:
- لقد كنت تشربين عصير البرتقال في "نيس"
- لم أكن راقية ومميزة كما أنا الآن.
- معنى هذا أنك تفضلين شرب عصير التفاح بدلا من المياه المعدنية.
- أتريد أن تقول: إنك تفضل من يشرب عصير التفاح على من يشرب المياه المعدنية.. لم تذكر شيئا عن الرقص؟
قال "وولف" وهو ينهض:
- هذا حقيقي.
عندما أمسك بيدها ليقودها إلى حلبة الرقص عرفت أن هذا أسوأ طلب طلبته منه. أن ترقص مع "وولف" فإن ذلك آخر حصونها.
وجد "وولف" لذة في أن يشاهدها تسير أمامه حتى وسط الحلبة. كان جسدها يتأرجح في ليونة في منظر لم ير في جماله مثيلا من قبل.
همس في أذنها:
- أتذكرين تلك الليلة التي ذهبنا فيها للرقص على الشاطئ ؟
قالت كاذبة:
- نعم .. قليلا.
إنها تذكر أدق تفاصيلها ووجدت قلبها يشتعل أمام الذكرى. تابع بصوت دافئ وعميق:
- ثم راقبنا شروق الشمس فوق البحر وقلت: إنني أريد في طعام الإفطار....
قاطعته حتى لا يسترسل في الذكريات:
- "وولف" ! إنني أنصت للموسيقى.
ولكن الأوان قد فات.فإن سيل الذكريات غمرها بلا رحمة.
أحست بيد خفية تدفعها للالتصاق به وتغمض عينيها لتطير فوق أجنحة الموسيقى نحو عالم خرافي لذيذ ... كان عالمهما من عشر سنوات مضت.
نهاية الفصل الرابع

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 29-04-08, 04:30 PM   المشاركة رقم: 87
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل الخامس...
رقصا ورقصا حتى ساعة متأخرة من الليل وقد تاها في ذكرياتهما ولم يقطعا رقصهما إلا لكي يتناولا بعض عصير الفاكهة أو يلتهما بعض الجمبري أو الجبن المقدم على قطع من الخبز المدهون بالزبد.
قالت "بليندا" :
- إنني أعشق طعم الجبن و الفواكه.
قال "وولف" وهو يلتهم العنب وشراب التفاح:
- إنهما مفيدان لك .. أترغبين في الرقص ؟
قبلت في الحال وأخذا يرقصان على أنغام الموسيقى الهادئة. سألته الشابة حتى ينظر إليها وتغرق في سحر عينيه :
- أتعتقد أن القروض الحكومية استثمار جيد؟
أجاب وهو شارد:
ماذا ‘ حكومة؟
قالت "بليندا" وهي تضحك:
- يالها من إجابة ممتازة ! ثم لماذا ترتجف؟
- لاشيء إنه من تأثير السعادة.
أخذت تفكر في هذه السعادة وخشيت أن تفقدها فارتجفت بدورها .
سألها:
- لماذا ترتجفين؟ هل دست على قدمك؟
- لا .. لدي مشكلة في ركبتي.
قال مقترحا:
- من الأفضل أن نجلس.
- لا طبعا.
أوشكت أن تصرخ فالتفتت بعض الرؤوس نحوهما . أسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها . لابد أن تعيش هذه اللحظات أطول وقت ممكن ولقد اشتاقت إلى "وولف" شوقا عارما . إنها لا تجرؤ على عد الليالي التي زارتها فيها الكوابيس و أيقظتها وهي غارقة في عرقها لأنها كانت ترى فيها الرجل الذي تحبه يرفضها بلا رحمة. سألها :
- هل تركت حقا لي رسالة في "باريس" من سبع سنوات يا "بليندا" ؟
نظرت في وجهه مباشرة وهزت رأسها بالإيجاب إذن هو يعرف أنها تقول الحقيقة وأن القدر شاء في ذلك اليوم أن تخطئ موظفة الاستقبال في الفندق في عملها وتنسى أن توصله بالمكالمة.
عندما حيا الأوركسترا الحضور وبدا يجمع أفراده آلاتهم . ابتعد عنها "وولف" وهو يشعر بالأسف.
قالت الشابة معلقة :
- إننا لم نفعل سوى تذوق الطعام طوال السهرة . ما رأيك لو ذهبنا إلى بيتي ؟ لابد أن "لوريث" قد أعدت لنا شيئا دسما.
رد "وولف" :
إنه عرض لطيف جدا.
ظلا صامتين طوال طريق العودة ولم يتبادلا النظرات . ثم فتحت له "بليندا" في خجل باب شقتها قالت له وهي تدخله إحدى الغرف في الدور العلوي لشقتها :
- تصرف وكأنك في بيتك.
شكرها بابتسامة واختفت الشابة . ما إن أصبحت في حجرتها الخاصة حتى أخذت تتأمل صورتها في المرأة . إن "وولف" عندها وسط الليل ! إنه الرجل الوحيد الذي وهبته قلبها للأبد والذي جعل لحياتها طعما ومعنى إنه موجود الآن هنا وهو قريب منها كان ذلك يرعبها كثيرا. هل ستفقده في اللحظة الرائعة؟
وهل لازالت عواطفه نحوها سليمة دائما ولم تتغير ؟
ارتجفت يدها فلوثت خدها ببعض أحمر الشفاه الذي كانت تمسك أصبعه . قالت لصورتها تطمئن نفسها :
كل شيء سيكون على مايرام . وستنجحين مهما كان الأمر يا "بليندا" تأمل "وولف" الحجرة التي أدخلته فيها , كانت الحجرة في منتهى الرقة و الفخامة ومجهزة بكل وسائل الترفيه وعندما دخل الحمام وجده تحفة من الألوان الهادئة التي تغلب على تجهيزاته . لم يكن عادة ليهتم بالديكور الداخلي وكان يكتفي بإلقاء نظرة على ما يعرض عليه من مخططات تاركا للأخصائيين تنفيذ كل شيء ولكن هذه الليلة أخذ يدرس كل التفاصيل وكأنه يدرس التاريخ الشخصي ل "بليندا".
كان "وولف" يحب بيته ويعجب بالأثاث تماما كما أعجب بشقتها وأثاثها. لقد صعق عندما رآها هذا الصباح بجسدها الممشوق الممتد نحو السماء أمام زجاج الجدار خلف مكتبها...
ولكنه تساءل : ماذا يمكن أن يقدمه لها أكثر مما يمكن أن يقدمه الرجال الآخرون ؟ أخذ "وولف" نفسا عميقا وعبر الحجرة ثم فتح الباب رآها في الحال وهي تخرج من حجرتها الخاصة لتعبر الشرفة وتهبط إلى الدور الأسفل وهي تتماوج.
أخذ "وولف" وقته ليدرس بتأن "بليندا" ورغم أنها كانت مختلفة إلا أنها احتفظت بتلك المسحة من البراءة التي لا يملكها أحد غيرها. وكل ما زاد عليها هو النضوج. يا إلهي! إنها رائعة في بريق الثلاثين من عمرها. قال بمرح:
- هاللو! .. مرحبا.
قالت وهي ترفع عينيها نحوه:
- مرحبا بك أنت.
قال معترفا:
- لقد أحببت بيتك.
لم تكن بالطبع كما كانت من قبل. ويكفي أن يعلم "وولف" أن كل الجرأة والقوة التي واجهت بهما شبه أخيها حتى تصبح سيدة نفسها.. كل هذه القوة اختفت وطارت أدراج الرياح أمامه هو الذي انتظرته كل هذه السنين. لقد نزع "وولف" أسلحتها في الحال وأصبحت هشة.
سألها "وولف" وهو يراها تقطب وجهها:
- هل هناك ما يسوء؟
ردت الشابة:
- نعم.. صداع خفيف يبدو أنني لم أكل جيدا.
قال وهو يصحبها إلى المطبخ:
- سأعدلك شيئا لتأكليه.
- لابد أن هناك طبقا في الثلاجة يمكن تسخينه بالفرن أو الميكروويف.
لابد أن "لوريث" نائمة ومن المستحيل إيقاظها في الخامسة صباحا.
ابتسم "وولف" وهو يداعب طرف أنفها:
- سرعان ما ستتعود على ذلك لو عشت معك هنا. إنها تعيش حسب العادات القديمة ولكن ما إن يوجد رجل في البيت...
احتجت "بليندا".
- إن "لوريث" ليست من النوع الذي يخضع إلى السيطرة الرجولية في مجتمعنا .. أتذكر كيف كانت تعامل البقال في "نيس" ؟ ورغم سنها الكبيرة فهي متحضرة وتؤمن بأن الرجال والنساء متساوون.
قال "وولف" مازحا:
- وهل كانت هكذا هناك ؟ على كل هذه ليست مشكلة وأنا متفق تماما معها والآن لنهتم بك .. أين دولاب الصيدلية ؟
سألته دون أن تفهم:
- لماذا ؟
رد "وولف" دهشا.
- أبحث عن أسبرين من أجل صداعك.
- أوه! .. نعم طبعا. هناك دائما أنبوبة في أعلى الرف بجوار الفيشار.
أحس "وولف" أنها قلقة وغير مطمئنة ولم يزعجه ذلك , فقد كانت تحتفظ بأوراق اللعب في يدها مدة طويلة والدور عليه الآن ليلعب وجد الأنبوبة بسهولة وملأ كوبا بالماء وناولها قرصين ابتلعتهما "بليندا" بسرعة حتى تبتلع معهما كذبتها الصغيرة . قال:
- اجلسي الآن سأعدلك الموجود.هذه غلطتي لأنني صحبتك للرقص دون مراعاة لصحتك.
- لا .. أؤكد لك . ثم إنني تحسنت كثيرا وأحس بذلك فعلا. ثم إنني التهمت كمية كبيرة من الأشياء الصغيرة هناك.
لم يكن لديها صداع وإنما هي الذكريات التي لم تعد تتحمل تدفقها على ذهنها.
- لابد أن تأكلي ثم إنني لن أقدم لك ما يصيبك بالتسمم قالت "بليندا" :
- من يدري ؟ على كل حال "لوريث" هي التي تطبخ.
نهض ثم اتجه نحو باب الثلاجة وهو يقول:
- وعلى أية حال فقد حققت بعض التقدم من يومها.
أخرج من الثلاجة لفافة محاطة بورق الألمونيوم وسألها:
- ما هذه ؟
- ماذا ..؟ آه.. إنها يخني الفاصوليا بلحم الضان .
نزع "وولف" الغطاء ووضعها في الميكروويف. سألها:
- وما أخبار شبه أخيك الآن ؟
أجابت بابتسامة مقتضبة:
- كما هو دائما. أنه يبحث عن مال لأعماله الصغيرة ويمر على المكتب كل خمسة عشر يوما وسكرتيرتي تحلم بأن تلقي به من النافذة.
قال "وولف" معلقا:
- تحيا السكرتيرة.
كان يبتسم ابتسامته الخالدة وهو يتحدث. ولكن "بليندا" لمحت بعض الغضب في كلامه, فكرت "بليندا" أنه من الأفضل ل"هيكتور" ألا يعترض طريقه وستحذره في المرة القادمة. بعد فترة قصيرة كانا جالسين فوق مقاعد عالية في المطبخ أمام الطبق اللذيذ المصحوب بسلطة خضراء. كانا يأكلان بطريقة آلية ولا يتبادلان سوى القليل من الكلمات . تساءلت "بليندا" فجأة عن التحفظ الذي ظهر فجأة على "وولف" . ربما لا يزال يحتفظ ببعض المسافة بينهما. قال لها عندما حانت لحظة اصطحابه إلى الباب:
- لقد سعدت من هذه السهرة.
قالت بصوت غير ثابت ومنخفض:
- لقد كانت ممتازة.
ابتسم وخرج. عندما أصبحت بمفردها صعدت إلى المستوى العلوي وهي تحدث نفسها وتلومها:
أيتها الغبية ... لماذا لم تقتربي منه.. لا. إنه جذاب أكثر من اللازم وكان من الممكن أن تفقدي عقلك وتتصرفي تصرف المراهقات.
حملت هذه الليلة بـ"وولف" وهو يهزأ بها لأنها صرحت له بحبها كله أما هو من ناحيته فقد ظل يتقلب طوال الليل كالفهد المحبوس في قفص تساءل:
ماذا سيكون رد فعل "بليندا" أمام أول جزء من خطته؟
إن ذلك سيحدث ابتداء من الصباح. إنه يريدها بقوة وستعرف الشابة عن عواطفه من أول طبعة من جرائد الصباح. لقد وقع المقدور.

نهضت "بليندا" من الفراش في الساعات الأولى وتطوحت وهي ذاهبة إلى الحمام حيث أخذت دشا بالشامبو أزال الصداع وبعد أن ارتدت التايير والحذاء من الجلد الكستنائي هبطت ومعها حافظة أوراقها قالت "لوريث" وهي تستقبلها في المطبخ:
- لقد وجدت خوخا في السوق هذا الصباح يا آنسة واشتريت أيضا الجريدة. وصورتك جميلة جداً وكذلك صورة السيد "وولف" .
قالت "بليندا" وهي شاردة بعد أن جلست أمام المائدة:
- آه .. حسنا ؟
ثم ألقت نظرة مذهولة إلى الريفية العجوز الباسمة عندما فهمت ما تقوله:
- صورتي ؟ وصورة "وولف" ؟
فتحت الصحيفة بأصابع مرتجفة وأطلقت صحية ثم قفزت واقفة وهي تهمهم كلاما غير مفهوم. قالت "لوريث" وهي تحاول أن تهدئها:
- هل أنت مريضة يا آنسة؟ ربما ترغبين في تناول إفطارك في السرير؟
صاحت الشابة وهي تلوح بالجريدة في غضب:
- مريضة؟ نعم بسبب الغضب . سأتبعه واقتله.
سألتها "لوريث" وهي مدهوشة :
- هل أعجبتك الصورة ؟
قالت "بليندا" أخيرا وهي تلقي الجريدة على الأرض وتتجه نحو التليفون :
- سأنزع روحه.
قبل أن تلمس التليفون رن الجرس وقالت بعد أن رفعت السماعة:
- هنا "بليندا برونسكي" .
سألها أحد الصحفيين على الطرف الآخر من الخط.
- هل حقا ستذهبين للعيش بصفة دائمة في أوروبا ؟
ولكن "بليندا" وضعت السماعة بعنف . قالت لمديرة البيت.
- من اليوم ستغيرين رقم تليفوني يا"لوريث " .
قالت " لوريث " التي لم تفهم شيئاً :
- سأصعد لك بالبيض وعصير البرتقال وأنت في السرير .
أجابت الشابة :
- لا داعي لذلك .
سألت الدليل عن رقم تليفون ثم أدارته في الحال وانتظرت رفع السماعة وهي تطرق سطح المائدة بأظافرها ولكن كل ماسمعته هو صوت " وولف " على جهاز الرد الآلي يعلن أنه غير موجود في تلك اللحظة . وضعت " بليندا " السماعة بعنف . أخذت تغلي وهي تكلم " لوريث" :
- كيف تجرأ وأعلن الصحافة أننا سنتزوج ؟
قالت الأخيرة في حكمة :
- آه .. إذن هذا هو الأمر .. يجب أن تكوني سعيدة أنت تحبينه .
صاحت " بليندا " .
- ولكني لا أحبه .. إنه خائن وغير أمين وليس سوى ساحر نساء سوقي .
ردت عليها " لوريث " بهدوء :
- كل ذلك سينتهي عندما يتزوجك . إن السيد " وولف " سيكون زوجا ممتازا وسينسى معك كل النساء الأخريات .
ظلت الشابة تشعر بتقلص في معدتها من هذا الحديث .
قالت بعد أن استردت أنفاسها :
- أنت مطرودة " لوريث " . أعدي أمتعتك واحزميها وعودي إلى فرنسا .
ردت عليها العجوز بهدوء :
- هيا اهدئي ! إنك ستتأخرين .. اشطفي وجهك بالماء قبل أن ترحلي .. إن وجهك أحمر قان.
بعد ذلك أدارت العجوز ظهرها لها وعادت إلى المطبخ صمتت "بليندا" أمام هذا المنطق الهادئ والتقطت حافظة أوراقها ونهبت الدرج ثم قفزت فوق الرصيف ولديها نية أن تستوقف أول سيارة أجر تمر عليها. ولكن حشدا من المصورين الصحفيين جعلها تتقهقر وهي تتعثر إلى مدخل العمارة.
خشيت أن يطاردها مصورون آخرون في مكان عملها فطلبت من السائق أن ينزلها خلف مبنى شركتها واستخدمت مفتاحها الخاص لتفتح باب الفناء الخلفي.
ثم وصلت إلى المصاعد وصعدت حتى مكتبها . أعلنت سكرتيرتها وهي تستقبلها:
- إن الأمر لم يتوقف من الصباح . ولقد بلغ الحنق برجال الأمن أشده في محاولة منع المصورين و الجماهير من دخول المبنى. أمرتها الشابة:
- اقطعي كل الاتصالات . واعثري على السيد "ويكفيلد" بأي طريقة عن طريق التليفون.
- ولكنه موجود في مكتبك يا آنسة.
صرخت "بليندا" وهي تسرع إلى الداخل:
- ماذا؟
كان "وولف" مسترخيا في أحد المقاعد ذات المساند داخل المكتب صفقت الشابة الباب وراءها بعنف وسارت في خطوات ثابتة نحو مكتبها. ثم صرخت وهي تواجهه وقد أسندت ذراعيها على السطح اللامع:
- والآن عليك أن تشرح لي.
- لا تصرخي عاليا فلربما اعتقدت "ليديا" أننا نتعارك.
- هذا بالضبط ماسنفعله يا "وولف".
قال بصوت راض:
- لا زلت جميلة وأنت غاضبة وفي منتهى الفتنة و الجاذبية.
قالت "بليندا" وهي تضع كل دفاعاتها أمام صوته الناعم والذي تعرف تماما مدى خطورته:
- سألقي بك من النافذة إذا لم تخبرني في الحال مامعنى كل هذا؟ إن الصحف حددت تاريخ الزواج خلال خمسة عشر يوما بالضبط .. هل أنت الذي أصدرت هذا البيان إلى الصحافة ؟
اعترف بصوت هادئ :
- نعم هو أنا . في الحقيقة سنتزوج ثم ...
قاطعه رنين التليفون الداخلي ولم يتردد هو لحظة في أن يوجه الحديث إلى السكرتيرة:
- حسنا يا "ليديا" نحن في انتظارهم فأدخليهم.
قال "وولف" وهو يدور حول المكتب ليمسكها من وسطها:
- إنهم أصدقاء .. هيا اهدئي أنت تشبهين قنبلة موقوتة.
قالت له في اللحظة التي انفتح فيها الباب على رجلين وجهاهما مألوفان بعض الشيء:
- تدخل من ؟
قال "وولف" وهو يتقدم نحو القادمين ليصافحهما:
- إن "بليندا" تعشق طرح الأسئلة. كيف حالك يا " بيتر" وأنت يا " بير"؟
هز الاثنان رأسيهما بطريقة آلية دون أن تترك نظراتهما الشابة في إمعان وجدية.
قالت وهي تحس بالاختناق من هذا الفحص الغريب و الشاذ:
- من أنتما وما معنى هذا التطفل ؟
تدخل "وولف" ليقوم بعملية التعارف:
- إنهما أفضل أصدقائي يا عزيزتي: " بيتر لارابي" و " بير كيتمور" أقدم لكما "بليندا برونسكي"
قال " بيتر" بصوت حاد وهو يمد لها يده:
- أنا سعيد جدا لأنني عملت أخيرا بعودتك. لقد كان "وولف" ينتظر هذه اللحظة من زمن بعيد.
قالت في دهشة وقد فغرت فمها:
- حقا ؟
قال " بير" مؤكدا بدوره وهو يبعد صديقه ويقبلها على خدها :
- نعم .. حقا إن من يراك اليوم يفهم كل شيء. لا شك أن " وولف" سيقتلني لأنني قبلتك . انظري إليه.
قالت الشابة بعد أن استعادت توازنها:
- لا يهم ما يظنه والأمر ليس كما تظنان.
قال " بيتر":
- أيتها النمرة! إنك تذكرينني بزوجتي. آه هذا يذكرني بضرورة أن أدعوك إلى العشاء عند " بير" للاحتفال بإعلان زواجكما. وستكون عائلة " بير" موجودة وقد وعدنا الأولاد أن يظلوا هناك فلا تتأخرا.
قال " بير" :
- بالمناسبة يا " وولف" أنت تعرف طبعا أن والدي قد يصران على إقامة حفل الزفاف عندهما.
رد " وولف" :
- لقد اهتممت بذلك. وكل شيء تم ترتيبه في نادي "بيلوري" .
كررت " بليندا" كلامه بصوت منخفض وكل مقطع على حدة.
- كل..شيء..تم..ترتيبه ؟
تبادل " بيتر" و " بير" النظرات وابتسما. قال " بير" وهو يستأذن في الانصراف من "وولف":
- حسنا.. وشكرا لأنك اتصلت. كانت كريستين " ستغضب بشدة لو عرفت هذا الخبر العظيم من الصحف.
قالت " بليندا" بحدة وقد تصلبت بجوار " وولف" :
- ولكن هذه هي الطريقة التي عرفت بها الخبر شخصيا.
صاح " بيتر " في مرح:
- كيف ؟ هل أعد لك " وولف " المفاجأة ؟ أنا أحب ذلك.
زمجر " وولف " :
- ظريف جدا يا " بيتر " ! لم يبق أمامنا سوى بعض التفاصيل وسيتم إنهاؤها بسرعة.
قال " بيتر " الذي ذهبت بهجته أمام نظرات صديقه:
- لاشك في هذا. أعرف يا " وولف " أنك لا تحب أن يتدخل أحد في أي شيء تفعله.
قال " بير" متهكما:
- وهذا هو شعوري أيضا.
أعلن " بيتر" وهو يطرقع أصابعه:
- حسنا. كان بودي أن أبقى قليلا ولكن أعتقد أنه من الأفضل أن نرحل..إلى اللقاء يا " بليندا " .
مال عليها وطبع قبلة على خدها وحذا " بير" حذوه :
- إنني سعيد للقائك .
أجابتهما الشابة بصوت منخفض ممطوط :
- وأنا كذلك .
اختفى الرجلان وهما يبتسمان وأصبح " وولف "و " بليندا " بمفردهما مرة أخرى في مكتبهما . قال وهو يحس أنها تقلى على نار الغضب :
- لنبق هادئين .
- لقد اتصلت بصديقيك ولم تفكر لحظة في الاتصال بي أو تأخذ رأيي أنا صاحبة المصلحة الأولى ؟ على أية حال لن نتزوج .
رد عليها صوت ثابت وغير مكترث :
- بل سنفعل .
- هل تعرف أنك تلاعبت بي تماما في هذه الحكاية ؟
- وأنت ؟ هل عملت غير ذلك من عشر سنوات قضيتها في انتظارك وانتظار أي مكالمة منك أو علامة تدل على أنك لازلت على قيد الحياة ؟
ماذا كنت تنتظرين؟باقة ورد؟ لقاء حار وهتاف ترحيب؟
بدأ صوته يتصاعد ويضربها كالسوط من الغضب.
ردت وهي تشكو:
- لقد اتصلت بك وتركت لك رسالة.
قال مزمجرا:
- مرة واحدة خلال عشر سنوات!
- أحذرك يا " وولف" لا ترفع صوتك في وجهي.
- آه لا ؟ من الواجب أن أفعل أكثر من ذلك.
- حقا؟ وماذا إذن من فضلك؟ لقد صعدت كل هذا الموضوع دون أن تقول شيئا بالطبع من حقه أن يغضب؟
تصاعد غضب " بليندا" مع غضبه. وبقدر ماتسعفها ذاكرتها فإنها لم تشاهد " وولف" يخرج عن حدوده عدا اليوم الذي جاء فيه "هيكتور" ليغتال قصة حبهما. وباستثناء تلك المرة يمكن تلخيص أخلاق "وولف" في أنه نموذج للتحكم في النفس الكامل والمطلق. تابعت صياحها وهي على استعداد للدخول معه في جدال:
- لا تحاول أن تمثل علي دور الرجل المجروح من الماضي...
ولكنها كفت عندما رأت لون وجهه يتحول من الأحمر إلى الأبيض الشاحب من الشعور بالمهانة و العذاب.
قال بصوت أبح :
- أمثل؟ ليس هناك أي تمثيل. إن ما فعلته أوشك أن يقتلني يا " بليندا".
- ولكن..ليس..ليس هذا حقا ما أردت أن أقوله ولم أنتظر منه أي شيء محدد و...
قاطعها بإشارة من يده لوح بها في الهواء كالسكين:
- كذب! لقد كنت تنتظرين الكثير مني , لقد أردت مراقبتي و التجسس علي و اختباري خلال سنوات قبل أن تخرجي فجأة من مخبئك لتصطاديني كالفراشة وتضميني إلى مجموعتك.
- كيف تستطيع أن تحدثني هكذا؟ إنني لم أخرج من مخبئي... لقد قضيت كل هذا الوقت في بناء مشروع عالمي و...
- أعرف . وأعرف رقم ثروتك , ولكنك لست الوحيدة التي تتحكم في حياتنا. إن لي كلمتي التي سأظل أقولها للأبد. والآن اسمعي جيدا , لقد تحدثت مع محامي عن تلك الرابطة المغناطيسية التي سأحصل عليها عندما تأتين لتعيشي معي.
قالت " بليندا" فجأة وهي تحس بالعجز التام:
- أليس لديك تلك الرابطة باستمرار؟ ولكن أي فرق هناك ؟ ثم ليس لديك أي إثبات لهذه العلاقة.
- لم نقف بعد أمام المحكمة يا عزيزتي ؟ وأنت لست محامية ورجال القانون الذين يعملون معي يؤكدون لي أن ما بيننا يعد وعدا لو أخللت به لسمح لي بأن أرفع عليك قضية أمام المحاكم. هل نسيت تلك الليلة التي أصابنا فيها جنون الحب وأخذنا نحتسي الشراب المنعش , ونقرأ الشعر الذي موضوعه الحب , وتبادلنا القسم أن نظل معا للأبد ومن باب المزاح سجلناه كتابة؟ صدقيني: إنهم سيصغون إلى قضيتي وسيفهمونها .لقد طلبت منهم أن يجدوا لي وسيلة أستطيع بها أن أسيطر عليك.
احتجت " بليندا" في ضعف:
- إنك لن تجرؤ.
- أتظنين هذا؟ لو كنت مكانك لما وثقت بنفسي لأنني سأستخدم حقي يا " بليندا" إما أن تقبلي الزواج بي يا "بليندا" وإلا جررتك أمام المحاكم أنت ومشروعك.
هل فهمت؟
صاحت الشابة وهي تتمرد وتستعد للدفاع عن مشروعها لآخر نفس:
- ليس لك أي حق.
- انظري في عيني يا "بليندا" وخبريني: أيهما أفضل؟
الزواج بي أو الصراع ضدي في المحاكم بلا رحمة ولا شفقة إلى أن يسحق الأقوى منا الآخر؟
قالت تتحداه:
- إن محامي يستطيعون أن يعدوا لي ملفات ممتازة تجعلني أصارعك على قدم المساواة.
رد عليها وهو يهز كتفيه:
- بلاشك .ولكن رجالي هم الأفضل ثم إنهم بدءوا العمل بالفعل.
قبل أن تأتي بأي حركة حاصرها ولم يترك لها أي فرصة للهرب. كان يود أن يقبلها قبلة يضع فيها حرمان السنوات العشر.ولكن هذا مستحيل . بينما كانت " بليندا" تصارع النار التي سرت داخلها . أخذت تصارع لتفلت من حصاره. قال لها:
- إنك ترتجفين ياحبي.لاتقلقي.ما إن نتزوج حتى أعمل جاهدا على ألا ترتجفي مرة أخرى . سأعود لمقابلتك بعد ست ساعات.
اختفى في لمح البصر بينما " بليندا" لازالت تترنح وعيناها تحومان حول الباب الذي أغلقه خلفه.
رفعت يدها ببطء نحو فمها وسدته حتى لا تصرخ.
للعشاء هذا المساء. اختارت تاييرا من الساتان البليسيه مكونا من چيب مستقيم وسترة مربعات أزرارها بنفس شكل قرطها الذهبي وبلوزة من الحرير الكريم بكمين منفوخين . حلت شعرها من الضفيرة الجادة التي تستخدمها في ساعات العمل.
وتركته ينسدل على كتفيها بعد أن مشطته بقوة لتعطيه لمعانا وحجما ضخما. انهمكت في فحص نفسها في المرأة فلم تسمع صوت الباب وهو يفتح خلف ظهرها.
- إنه أنا " وولف" " ليديا" أخبرتني أنك تستعدين . أنت رائعة.
- لقد اعتقدت أنني أغلقت الباب.
- أنت مخطئة...هل نذهب ؟
قالت " بليندا" معلقة:
- الآن أنت في ملابس كلاسيكية.
كان رائعا في بذلته الحريرية الداكنة بلون الفحم.
- لقد ارتديتها من أجلك فقط ., ولأذكرك بالوقت الذي قضيناه معا في "نيس" .
قالت الشابة حتى لا تتوقف أمام تلك الصورة الحارقة:
- أنا مستعدة .. هل سنأخذ سيارتي أم سيارتك ؟
- سيارتي أسفل .
طوال فترة هبوط المصعد أحست " بليندا" بنظراته تثقل فوقها بقوة. استند على جدار المصعد وأخذ " وولف" يدرس تفاصيلها .كانت كل أفكاره حول أول لقاء لهما لم يعد لها وجود .لقد أراد أن يلعب بها عن طريق إعلان زواجهما في الصحف وهاهو يشعر بالسعادة أمام فكرة أن يصبح زوجها.
تظاهر بأنه يراعي احتياطات الأمن وأمسك بذراعها ليعبر البهو ولم يتركها إلا بعد أن جلست في سيارته والتي كانت واقفة في مكان ممنوع فيه الانتصار.
لسوء الحظ لم تكن هناك مخالفات . إن تلك الشرطيات لا يتواجدن عندما تحتاج إليهن .شعرت "بليندا" بالأسف لسوء حظها الذي أوقعها في الفخ.
كانت "مانهاتن" ساحرة في المساء وكان الهواء جميلا وتركت الفتاة نفسها على سجيتها رغما عنها وهي على مقعد السيارة " الفيراري" عندما أمسك " وولف" بأصابعها التي التفت حول أصابعه بحركة لا إرادية.
قال " وولف" :
- إن " بير" يمتلك بيتا في هذا الحي أما بالنسبة ل " بيتر " فإنه يعيش بعيدا في " لونج إيلاند" .
لمحت في صوته حرارة الصداقة فقالت معلقة:
- إنهما يعنيان الكثير بالنسبة لك.
- لدي إحساس أحيانا أنهما أنقذاني من الجنون.
لم ترغب أن ترد على العبارة الأخيرة وأحست بالارتياح عندما وصلا إلى وجهتهما .ركن " وولف" السيارة أمام مبنى جميل مكون من أربعة طوابق من الحجر المنحوت .
دار حول السيارة ليفتح لها الباب ثم تقدم نحو الباب الذي انفتح قبل أن يطرقه قال:
- مساء الخير يا "بير" .
أجاب " بير" .
- لقد كنت أنتظر حضوركما .. ادخلي يا " بليندا" وستقابلين باقي العصابة.
ما أن دخلت الشابة إلى المسكن الفسيح و العالي حتى انفتح باب جانبي فجأة واندفع نحوها صبيان صغيران توءمان متشابهان كل الشبه.
قال " بير " برقة وهو يحاول الإمساك بهما .
- كونا عاقلين .
ولكن التوءمين تجنباه ليندفعا نحو " بليندا" التي أوشكت أن تسقط على ظهرها لولا نجدة " وولف" لها الذي قال :
- انتبها أيها الولدان . هذه السيدة ملكي وليست ملككما .
لم تكن " بليندا" لتترك هذه الفرصة لولا أن التوءمين نالا كل انتباهها.
ورغم قلة خبرتها بالنسبة للأطفال فإنها خمنت أن سنهما ثلاث سنوات.
انحنت عليهما وقالت:
- مساء الخير .
قال أحدهما قبل أن يشير إلى " وولف" بإصبعه الصغير.
- أنا " باتريك" وهذا " إيريك" وذلك أبونا الروحي.
أجابت الشابة :
- أنا سعيدة بمعرفتكما.
ابتسم " إيريك" في خجل بينما كان " باتريك" أكثر جرأة.
- نحن نعرف من أنت .لقد سمعت أبي يقول لأمي :إنك ستنجبين أطفالا في منتهى الجمال وإنك...
تدخل " بير" وهو يحملهما بين ذراعيه و ينظر إلى " بليندا" في حرج :
- يا إله السموات ! إنني أحاول دائما ألا أتحدث أمامهما ولكنهما أفسدا كل شيء .كف عن الضحك يا "وولف" فإن " بليندا" ستغضب .
قال " وولف" .
- ولكن لا ..إنها لن تغضب أليس كذلك يا عزيزتي ؟
ردت الشابة :
- كلا ..على الإطلاق.
في الحقيقة تمنت لو اختفت تحت الموكيت .كان " وولف" لا يزال يضحك وهما يتبعان " بير" إلى الصالون الفسيح المزود بالسجاد الشرقي . ألقت سيدتان ممشوقتا القوام نظرات دهشة على القادمة الجديدة.
تقدم " بيتر" نحو " بليندا" وأمسك بيدها ليقدمها .
قالت المرأة الأولى الضخمة الشقراء ذات الشعر الذهبي :
- أنا " كريستين كينمور" ولقد سمعت الأخوين التوءمين وأنا آسفة جدا بالنسبة لهما.
وجدتها " بليندا" شديدة الجمال بعينيها الواسعتين الحادتين .
تدخلت المرأة الثانية وهي تمد لها يدها بود.
- أولادي أسوا منهما .. أنا " دميانة لارابي" .
قدمت الشابة نفسها وهي تتساءل : إن كانت قد سبق لها أن رأت هذا الوجه ذا الشعر الفضي على غلاف مجلة " فوج ".
- أنا " بليندا برونسكي ".
قالت " دميانة وهي تشير بيدها نحو بنت صغيرة وولد صغير .
- هاهما ..سوزان سنها أربع سنوات و "روبرت" عنده سنتان .
قالت " بليندا" متهكمة وهي تشير إلى " وولف" .
- وأنت طبعا الأب الروحي لهما.
هز رآسه موافقا في فخر . قالت "سوزان" بصوت كالقيثارة :
- أنا لا أتكلم مثل الأولاد وأنا المفضلة عند العم " وولف" .
اتسعت ابتسامتها عندما رأت الكبار يضحكون.
همس " وولف" في أذن " بليندا" التي احمر وجهها وابتعدت عنه.
- هل أقول لها :إن لدي مفضلة جديدة؟
بعد ذهاب الأطفال للفراش . التف الجميع حول المائدة وأمامهم الأوزي اللذيذ.
رغم أن أيا من الموجودين لم يجرؤ على أن يطرق الموضوع فإن الشابة فهمت أن أصدقاء " وولف" لديهم فضول قاتل أن يعرفوا كيف التقى الاثنان.
قررت " بليندا" أن تقص عليهم بالتفصيل كيف أن " وولف" فشل في محاولته إغواء الشرطية التي حررت له مخالفة الوقوف في الممنوع.
أعجبتهم القصة كثيرا وانفجر " بيتر" و " بير" في الضحك بينما أخرجت " كريستين " منديل يدها لتمسح دموعها و قالت :
- كم كنت أود أن أشاهد ذلك يا " وولف" .
قالت " دميانة" وهي تضع يدها على كتفه:
- وأنا كذلك.
همس " وولف" نحو صديقتيه.
- أيتها الخائنتان.
بعد أن تمنيا للجميع ليلة سعيدة أخذ " وولف" و " بليندا" طريق العودة. قالت معلقة:
- لقد فهمت الآن لماذا هم أعزاء على قلبك.
أجاب بلهجة جادة:
- إنهم عائلتي و أصدقائي في وقت واحد وهم دائما يمثلون العاطفة الوحيدة و الغالية في السنوات الأخيرة بالنسبة لي.
انسلت برودة فجائية إلى داخل السيارة . اقتربت " بليندا" من الباب في حزن . ود " وولف" لو نزع لسانه قبل أن يقول عبارته الأخيرة.

نهاية الفصل الخامس....

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 29-04-08, 04:35 PM   المشاركة رقم: 88
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل السادس ...
قضت " بليندا" اليوم التالي في العمل وهي تعطي ردا مبهما على كل سؤال يطرح عليها دون أن تترك الابتسامة فمها .لقد افترقت هي و " وولف" و علاقتهما يشوبها بعض البرودة ولكنها حرصت أن تذكره أن اتفاقهما قائم.
بعد أن تناولت غداء عمل على حسابه لم تعد الشابة تحلم إلا بشيء واحد :أن تحصل على أربعة أيام من النوم المتواصل . أوشكت أن تنفذ ذلك في مكتبها عندما سمعت رنين التليفون الداخلي و أعلنت " ليديا" :
- إنه شبه أخيك .. إنه يريد بإلحاح أن .. هاي انتظر.
انفتح الباب على صرخة " ليديا" وهي تحاول أن تمنع " هيكتور" من الدخول على رئيستها والذي وقف على الباب .قالت " بليندا" بصوت كالفحيح:
- ادخل هكذا مرة أخرى إلى مكتبي وسأطلب الشرطة و سأجعلهم يلقون القبض عليك لو استلزم الأمر ذلك .هل هذا واضح؟
لم يتغير " هيكتور" خلال السنوات العشر وإن زاد صلعا وبدت عليه البلاهة وعدم الاكتراث و الإهمال نحو نفسه.
وتساءلت " ليديا" :ماذا سيظن " وولف" لو رآه هنا ؟
همهم " هيكتور" .وهو يشير إلى " ليديا" التي تبعته حتى داخل المكتب :
- إن سكرترتك لا تساوي شيئا. ولم تعرني انتباها .
ردت الشابة :
- لدينا عمل . ثم إنه ليس لدينا ما نقوله لك.
لقد كان أكثر الأشخاص الذين تحتقرهم في العالم .
لابد أنه قرأ المقالات في الجرائد وأتى من أجل ذلك .
رد " هيكتور":
- أعتقد تماما العكس . أريد جزءا من نصيبك في هذه الشركة . فيما مضى كنت أطلبه منك أما الآن فأنا ألزمك به .
أمسك بمحبرة و أخذ يفحصها ثم قال :
- إنها جميلة أليس كذلك ؟ هل يضايقك لو أخذتها ؟
- بل يضايقني . وستضعها في مكانها .. خذ أقل شيء من هذه الحجرة وسأستدعي الشرطة ولا أريد أن أراك بعد الآن .. هل فهمتني جيدا ؟
رفع التعس حاجبيه ولوى فمه في تأثر . قال وهو يضع المحبرة ببطء :
- إنه أنت التي لم تفهم جيدا .. أنا لا أطلب منك عملا وإنما أريد فقط استثمار في مشروعك و أعمالك مالا لم أحصل عليه فإنني سأكشف كل شيء لصحافة الفضائح . أختي القاصرة وحياتها مع " وولف" كعشيقة ..
هل هذا ما أدركته ؟ ولكن كل ذلك ليس سوى حكايات قديمة علي أية حال , ثم بالنسبة لي فإن إعادة ظهور كل هذا البؤس سيكون عذابا حقا وأنت تعرفين ذلك جيدا.
صمت ليسحب لنفسه مقعدا وقال:
- لا يمكن لأي شخص أن يظهر العلاقة بين " ليندا" المديرة الحالية لشركة " ليندا العالمية لمستحضرات التجميل " وفتاة " وولف و يكفيلد" الخاصة من عشر سنوات , لا أحد سواي . وأستطيع أن أثبت ذلك.
- "هيكتور" !
قال متهكما :
- أحب هذا المكتب كثيرا .. إنه يعجبني جدا .
ضربته بالمحبرة في صدره مباشرة فتدحرج للخلف هو ومقعده.
عندما رأته " بليندا" فوق الأرضية مكوما و مذهولا انطلقت في الضحك ولكنها كانت مجروحة في أعماقها . دارت حول مكتبها ورفعت المحبرة الثقيلة وكأنها ستضربه بها مرة ثانية . قالت بعنف وهي تكز على أسنانها :
- والآن إلى الخارج ولا أريد أن أرى وجهك القبيح مرة ثانية أبدا, ومهما قلت للصحف فلن تحصل على بنس واحد.
- اللعنة عليك يا "بليندا" لقد أوشكت أن تكسري ساقي وسأجرك إلى المحاكم.
- هيا ابدأ إجراءاتك من الآن ولن تحصل مني على شيء. " ليديا"!
سيخرج الآن من هنا صندوق قمامة على قدمين وعلى الأمن أن يخرجه من الباب و يعمل على عدم عودته ثانية.
أجابت السكرتيرة عبر التليفون الداخلي:
- لقد أخطرتهم بالفعل .
في الحقيقة انفتح الباب وظهر حارسان .أعلن " هيكتور" بصوت مليء بالكراهية عندما أمسكا به .
- لا تحاولا .. ففي يوم ما سأكون الصاحب و السيد لهذا المكان وستمسحان حذائي.
ردت " ليديا" ولم تفارقها روح الفكاهة الدائمة.
- هذا عندما ترى حلمة أذنك وتطلع أسنان للدجاجة .
أخرج الرجل المقزز الكريه بسرعة من المكتب.
قالت " بليندا" لسكرتيرتها :
- لا تحولي لي أي مكالمات حتى لو كانت من ملك إنجلترا.
- إنك تخلطين الأمور فليس لديهم ملك في انجلترا و إنما ملكة ...
خرجت " ليديا" وهي تضحك وتغلق الباب وراءها .
بقيت " بليندا" بمفردها في مكتبها ورأسها بين يديها لابد أن كل ذلك ليس سوى حلم مزعج .

في الساعة العاشرة ظهر " وولف" في مكتبها وقال بصوت ناعم:
- إن منظر " ليديا" غريب وكأنك لاقيت متاعب .
أجابت " بليندا" وهي تستدير نحو النافذة زجاجية الجدران التي تخترقها أشعة الشمس الغاربة في سماء "نيويورك" .
- هذه هي الحقيقة . لقد حضر " هيكتور" لمقابلتي وقد هددني أن يبيع للصحافة رؤيته الخاصة عن لقائنا في " نيس" إذا لم أترك له مكتبي ووظيفتي كمديرة .
قال " وولف" بصوت بارد كالثلج :
- ثم ماذا ؟
كان قد تمكن بصعوبة من السيطرة على نفسه وضم قبضتيه و كأنه يمسك " هيكتور" من رقبته . قالت :
- لقد ألقيت به إلى الخارج .
- اللعنة .. كم كنت أتمنى أن أقوم بهذه المهمة بنفسي . لقد حلمت من زمن بعيد أن أعطي لشبه أخيك المجنون هذا العقاب الذي يستحقه وبقوة للأبد .
صاحت " بليندا" وهي تنظر إليه .
- سيفعلها يا " وولف" .. إنه سيبيع قصته لأكبر عرض .
أحس " وولف" بالحب الشديد لما يجتاحه وهو في مكانها وقد انعكست أشعة الشمس الذهبية على جسدها الممشوق .
قال بصوت ثابت يدل على تحكمه في نفسه :
- دعيه يفعل .
- ولكن مهنتك وسمعتك ...
- لقد تعرضت سمعتي للكثير من ذلك وسترى أكثر .
تساءل : ألم يخطر ببالها مرة أنه لن يتردد أبدا في الاختيار بينها وبين مهنته وأنها هي دائما الاختيار الأول .قال لها :
- وهل هذا سيؤثر على أعمالك ؟
ردت الشابة :
- لا أظن ذلك .. ولكن من يدري !
- لن أجعله يفعل ذلك أو يسبب لك أي ضرر , وسأعمل بجدية على القضاء عليه لو حاول وبعدها لن يشعر أبدا بأي رغبة في أن يصبح مديرا هنا أو في أي مكان .
دهش عندما وجد " بليندا" تنفجر ضاحكة وقالت :
- لا تقلق وليست لدي نية أن أصبح مجنونة من هذا الضحك وإنما أضحك على هذا المشهد الكوميدي .. كان عليك أن تشاهده وهو يخرج على أربع من تحت المقعد ذي المساند . لقد ضربته بهذه المحبرة الكريستال.
فحص " وولف" القطعة باهتمام وسألها :
- خبريني .. هل أنت مناضلة صغيرة ؟
- نعم ومن الأفضل لك أن تتذكر ذلك أنت أيضا.
- عندما نتزوج سأسير وأنا مرتد ملابس مدرعة ولكن هذا المساء سنحتفل بخطبتنا مثل كل العشاق.
قالت الشابة بصوت ممطوط :
- حقا ؟
رد عليها وهو يدير رقم تليفون و ينظر إليها :
- حقا مادمت أقول ذلك .. من السعادة أن أحس بك بجواري.
- أعرف ذلك.
أغلقت " بليندا" عينيها. لم تفهم أبدا لماذا أخرت هذه اللحظة كل هذا الوقت ؟ لقد كان "وولف" هو الوحيد محور حياتها و طموحاتها ورغبتها في النجاح .
قال "وولف" في السماعة عندما رد عليه "بيتر لا رابي" .
أنا "وولف" يمكنك أن تنضم إلينا أنت و "دميانه" في "كاسوريل" وسأجد أيضا " بير "و "كريستين" .
- لا مشكلة . و أعتقد أن لديهم فرقة ممتازة للموسيقى وأنا متلهف على الرقص مع زوجتي و مع "بليندا" .
زمجر "وولف" :
- لم أسمع شيئا.
قال "بيتر" وهو يطلق ضحكة صاخبة .
- إلى اللقاء هذا المساء .
أغلق "وولف" الخط وهو يحدج "بليندا" بنظرة تأمر .
- إن "بيتر" و "بير" يستطيعان أن يقرأ ما في فكري ككتاب مفتوح . إنهما يفهمان مدى أهميتك بالنسبة لي .
أخذ قلب " بليندا" يدق بشدة وسرعة . تابع "وولف":
- خلال سنوات كانا يتساءلان عما أخفيه .. لقد أخفيتك في أعماقي بشدة حتى إنهما لم يستطيعا أن يستشفا أي شيء . و الآن هما يعرفان السر. على أية حال فإنني لم أعد أستطيع أن أخفي هذا الشيء الكبير .
لقد بدت له الحقيقة ساطعة : إنه يريد هذه المرأة حتى آخر أيام عمره .
عادت "بليندا" بذاكرتها إلى أيام "نيس" لقد كان "وولف" مصدر سعادتها في الأمس وهو مصدر سعادتها اليوم .
ودت لو بكت من السعادة والعرفان . لقد غرق كل منهما في أعماق عيني الآخر وهمس "وولف" .
- لا يمكن أبدا أن أتركك تهربين مني مرة ثانية. ردت عليه وهي تضحك من القلب:
- لا يمكن أبدا أن أسمح لك بذلك ويجب عليك أن تحضر إلى الكنيسة في الموعد لأنني لا أريد أن أنتظر ساعات أمام المذبح .
- سأكون هناك يا عزيزتي لا استقبالك .. هل لديك شاهد على الزواج يصاحبك ؟
- لا سأسير بمفردي على طول الممر الرئيسي.
أحست " بليندا" في تلك اللحظة بمدى وحدتها في السنوات الماضية واجتاحها حزن الماضي . وأحس "وولف" بأفكارها مما جعل قلبه ينفطر .. لقد كان سبب عذابها وهي ملكه.
- مستعد لأتنازل عن مال الدنيا لأنتظرك وأنت تأتين نحوي أمام المذبح يا " بليندا" . لا تبكي .. لا تبكي يا عزيزتي .. أنا ملكك منذ اليوم الذي وجدتك في سيارتي وحملت معك كل حياتي عندما رحلت و اليوم أولد من جديد.
اجتاحت العواطف الشابة وغرقت في دموعها ولم تستطع سوى أن تردد اسمه وهي تتلعثم من بين شهقاتها .
همس "وولف" :
سأحتفظ بك للأبد.
همست "بليندا" :
لم أظن أن هذا اليوم سيأتي .. لقد حلمت به كثيرا ويجب أن تعلم ذلك . ولكن في أعماق روحي كنت مقتنعة أن الأمر لن ينجح .
- كان من الواجب عليك أن تثقي بي من البداية يا وبائي الصغير في "نيس" .
شرد "وولف" في الذكريات و همس :
- "نيس" ! إنني أذكر كل شيء .. لقد كنت تعلمين الأعمال البستانية طوال النهار وكان وجهك دائما مغطى بالغبار والعرق وأنت ترتدين المريلة الواسعة عليك عشر مرات .
- يا لها من لوحة جميلة !
- أنت جميلة اليوم كما كنت دائما ولازلت أحبك كما كنت في الماضي .
- وأنا كذلك .
- سأحبك بكل قوتي و كياني .
- على حبك القوي أن يصبر قليلا .. يجب أن نرحل .
سألها فجأة وهما يتجهان نحو المصاعد :
- هل ترغبين في أطفال يا "بليندا" ؟
ترددت في الإجابة ثم اعترفت :
- منذ أن رأيت "باتريك" مساء أمس أريد فعلا صبيا .
أعلن "وولف" :
- أما أنا فأريد بنتا ذات شعر أحمر وعينين بنفسجيتين لا تخاف شيئا .
- مثل " سوزان" ؟
- بالضبط .
وصلا إلى الدور الأرضي بسرعة ولحقا بالسيارة الواقفة في الممنوع كالعادة .قالت الشابة:
- أريد حقا أن تمر على بيتي لأنني أريد أن أخذ دشا وأبدل ملابسي .
قال "وولف" :
- وأنا كذلك ويمكننا المرور على بيتي بسرعة بعد ذلك هل ستبقين معي هذه الليلة "بليندا" ؟
- نعم .
همهم .
- حمدا لله .
ما إن ركن السيارة أمام بيتها حتى تبعها إلى شقتها ذات المستويين.
صاح "وولف" وهي تصعد إلى الدور العلوي :
- هل هناك ما أستطيع أن أؤديه لك ؟
قالت وهي تنحني على الدرابزين:
- لا .. ليس الآن .
هربت بسرعة من أمام الوميض الذي يلمع في عينيه و أغلقت على نفسها الحمام وهي مستمرة في الضحك.صاح :
- سأخذ "دشا" في الدور الأول حتى لا نتأخر على أصدقائي. عندما التقيا في الصالون وكان شعرهما لا يزال مبتلا قال لها "وولف":
- أتعرفين أنك ستصيبينني بالجنون يا زوجة المستقبل ؟
كانت تحب لهجته القاطعة و المرحة في آن واحد والتي يستخدمها أحيانا ليخلب ألباب الآخرين .قال:
- يجب أن نرحل.
وافقته.
- فعلا يجب أن نسرع .
ما أن فتح باب شقته حتى قال لها على العتبة :
- هنا بيتك الجديد وأنت خطيبتي .

وسألها عندما دخلا في بهو الاستقبال الفسيح :
- هل أعجبك بيتك الجديد يا "بليندا" ؟ إنه ملك أسرتي من أجيال وقد احتفظت بكل الديكور الأصلي من فترة المستعمرات وإذا كان هناك ما تريدين تغييره أو أن تعيشي في مكان آخر ...؟
رفعت إليه وجهها المغطى بالدموع و قالت :
- إنني أحب بيتك جدا. إنني أؤمن بقوة التقاليد وسينتقل بعد ذلك لأبنائنا وإذا كان هناك ما يحتاج إلى التغيير فسنقرره معا.
همس "وولف" :
- هل قلت : أبنائنا ؟ كم هو رائع أن أسمع ذلك أنا أحبك يا " بليندا " وذلك من وقت طويل ولاأعتقد أن ذلك سيتوقف في يوم من الأيام .
لم تستطع الشابة أن تجيب بعد أن تملكها الحب الشديد .
- يجب أن تذهب لتبديل ملابسك يا "وولف " .. اذهب ولا تشغل بالك بي .
قال مقترحا :
- يمكنك التجول في كل البيت إذا أحببت ولن أغيب سوى دقائق .
تركته يبتعد ثم غادرت البهو كي تدخل حجرة المكتب حيث جلست وهي تتأمل الكتب التي تغطي الجدران من الأرض للسقف . فجأة بدت كل الأسباب التي دعتها للابتعاد عنه بلا قيمة ولاوداع .أخفت وجهها بين كفيها واسترخت في المقعد ذي المساند . لقد ضحت بدافع الغرور والأنانية والغباء بحياتها وحياة "وولف " سنوات طويلة .لماذا ؟ لماذا لم تفهم ماستطاع أن يشرحه لها في الحال ؟ كان بإمكانهما أن ينجز أشياء كثيرة معا ويهزما العديد من العوائق . لقد كانا متساويين ومتطابقين وكانا هكذا دائما ومن هنا تأتي قوة الحب .
أخذت تردد وهي تنتحب :
- غبية .. غبية .. بلهاء !
قال " وولف " وهو يظهر في الحجرة .
- ماذا حدث يا " بليندا " ؟ أنت شاحبة ياعزيزتي ؟
هل أخافك شيء ما ؟
قالت بصوت متكسر :
- طمئني يا " وولف " ! لقد كنت مخطئة ومخدوعة في نفسي لقد أضعت وقتا طويلا .
قال وهو ينظر في عمق عينيها بإمعان :
- أفهم ياعزيزتي . وأتساءل : إلى متى ستتحملينها إن آجلا أو عاجلا وأعرف ذلك جيدا .
- هل تعرفني حقا ؟
- نعم .
شرحت الشابة :
- لقد تساءلت كثيرا حول لقائنا بعد طول غياب .
- وهذا جعلك تشعرين بالألم .. أليس كذلك ؟
- بلى .
- اطمئني .. كل شيء سيمر على خير وسترين ذلك , ويلزمك فقط بعض الوقت .
اعترفت " بليندا " وهي تبتسم ابتسامة شاحبة :
- إنني بدأت فعلا أحس بالتحسن .
قال وهو يصحبها إلى باب البيت :
- إذن هيا بنا . لن نفترق أبدا ياعزيزتي وهذا وعد مني .
زفرت الشابة بعمق ونظرت إلى الطريق الذي خرجا إليه .
قالت :
- أنا أحب كثيرا هذا الحي .. إن المرء لايعتقد أنه في " مانهاتن " وإنما في بلدة صغيرة من " نيوإنجلاند " .
- أريد أن تحسي بالراحة والسعادة هنا لأننا سنقضي هنا أكبر قدر من وقتنا ولدي نية الحصول على فيلا مرتفعات " نيس " .
سألته " بليندا " في سعادة :
- هل هذا ممكن ؟
- سأبذل كل ما في طاقتي لتحقيقه على أية حال .
بعد أن ركبا السيارة اتجها إلى الشمال وقال معلقا :
- لقد سألني "بير " عن أسباب انفصالنا .
أجابت الشابة : - يمكنك أن تجيبه أن الغلطة غلطتي . لقد كان من الواجب أن أتزوجك في اليوم التالي للقائنا .. هل هذا كلام مجانين ؟
قال ساخرا :
- ولكنك كنت صغيرة وقتها .
- ولكن عواطفي لم تكن طفولية . أتمنى أن تحدثني أكثر عن الزواج .
- ماذا ؟
- حسنا .. إنها ستكون اللعبة الكبرى أو شيئا حميما وخاصا .. من سيكون الشهود وهل أعرفهم ؟
- يا عزيزتي .. سنتزوج وهذا هو الأساس .فما أهمية معرفة من سيحضر وغير ذلك؟
- الشهود يا "وولف" .. إنه القانون والشرع .
بدا دهشا ثم ابتسم.
- هذا صحيح .. لقد نسيت .
يمكنك أن تطلب ذلك من "بيتر" و "دميانة" وكذلك من "بير" و "كريستيان" .. أليس كذلك ؟
أجاب :
- أنها فكرة طيبة في الحقيقة .
- إنني أحبهم كثيرا هم وأولادهم . ولا عجب في أنك تعتبرهم كعائلتك.
- لقد دخلوا حياتي بعد أن اختفيت من حياتي بوقت قصير وقد فكرت باستمرار أني لم أكن سأجتاز المحنة دون مساعدتهم .. أرجو ألا تغضبي لأنني نسيت موضوع الشهود.
أعلنت الشابة :
- لن أتركك أبدا يا "وولف ويكفيلد " .. أنت شمس حياتي و الهواء الذي يعطيني الحياة وأنا محتاجة إليك كثيرا .
همس "وولف" وهو يمسك يدها ويقبل راحتها :
- يا له من كلام رائع !
بدأت حرارة مطمئنة تملأ قلبه بالأمان . إنه يعرف من الآن أنه ليس هناك ما يمكن أن ينزع منه تلك المرأة حتى لو دفعته في يوم ما بعيدا فإنه سيبقى رغم ذلك وسيجد الوسيلة ليعدها إليه .لقد أحس بكل هذا من اليوم الأول في "نيس" ولم يحدث ما يمكن أن يغير هذه الحقيقة .
همست "بليندا"
- لقد كنت مجنونة تماما عندما تركتك . لقد كانت أفكار الفروسية التي تملكتني وقتها قد أضرت بحياتنا ولن أعيد أبدا هذه المهزلة .. هل تصدقني ؟
وافقها بإيماءة من رأسه و الغصة تمنعه من الكلام .
- لقد أعدتني إلى الشمس و الحياة يا "بليندا" وربما انطلقت في البكاء .
قالت بصوت عميق :
- سيكون مشهدا رائعا .. هيا نمر بسرعة يا "وولف" ولكن لا ترتكب مخالفة مرورية .
- أمرك يا سيدتي !
ضغط على بدال السرعة.

نهاية الفصل السادس...

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 29-04-08, 04:37 PM   المشاركة رقم: 89
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل السابع...

خرجت "بليندا" من الحمام ولديها إحساس بالخجل وعدم الارتياح كانت و "وولف" في منتهى الانسجام أثناء السهرة و أثناء العودة.
ولكن سوء الفهم بدأ عندما طلبت منه أن يمرا على شقتها لتحضر شيئا ما لم تحدده .كان ضيقها من جانب وعصبيته من جانب آخر قد أثارا حنقها . ما إن دخلت "بليندا" شقتها حتى أخرجت عباءة من الحرير شبه الشفاف بلون كريم كانت قد اشترتها بسعر مرتفع جدا من "باريس" وهي مع الأستاذ "ديلند" ولكنها لم ترتدها حتى الآن .
عندما التقت ب"وولف" في السيارة ألقى نظرة قصيرة على الكيس الذي يحتوي على العباءة دون أن يلقي أي أسئلة.
دخلت الشابة الحجرة التي أشار إليها وارتدت العباءة التي انسدلت على جسدها .نظرت إلى نفسها في المرآة .كانت تريد أن تبدو رائعة في عيني "وولف" كانت تعلم أنها لا تستطيع أن تتأخر عليه أكثر من ذلك. ففتحت الباب المؤدي إلى الحجرة الموجود بها وقد جلس في مقعد ذي مساند أمام المدفأة.نهض عند دخولها . قال بصوت مفعم بالعاطفة.
- هأنت أخيرا . لقد أعددت عشرات الأحاديث الحارة في عقلي ولكني نسيتها كلها .
عندما رأت البيچاما الحريرية بلون أزرق مخضر قالت :
- هذا اللون يناسبك تماما ويزيد جاذبيتك .
أجابها وهو يمسك بيدها:
- ببساطة لقد قلبت كياني .. أنت فاتنة للغاية .
قالت الشابة وهي تخفض عينيها :
- قد أبدو لك مثيرة للسخرية ولكني بصراحة أحس بالخوف.
رد "وولف" وهو يقترب منها :
- وأنا كذلك .. إنها أهم لحظة في حياتي .
- لقد تعاملت مع الكثيرات من النساء في حياتك يا "وولف" أما أنا فلم أعرف أحدا غيرك لذا أريد أن تكون علاقتنا وقد أصبحنا زوجين أحسن و أقوى علاقة .
همس في حب :
- وأنا كذلك .
فهمت "بليندا" من تلك اللحظة أن مصيرهما أصبح واحدا . لقد ولد كل منهما للآخر .إنها لم تنس لحظات السعادة التي قضتها معه في "نيس" .لقد انفتحت الشابة أمام الحب بكل قلبها وكيانها .أما هو فكان يريد أن ينال ثقتها وأن يتصرف معها بتعقل .إن تحكمه في نفسه هذه الليلة كان أشق تجربة عليه أن يواجهها .قالت له وهي تبتسم :
- من الواضح أنك الليلة تتصرف تصرفا تقليديا .
- نعم ولأنني أحب أن تكون علاقتنا الزوجية قائمة على تبادل الاحترام و التفاني في حب الزوجة وتقديم رغباتها على رغباتي.
حملها "وولف" فوق جزيرة الحب وفردوس الغرام حيث جابا معا طرقاتها غير المتوقعة . لاحظت الشابة أن ما كان يشوب تصرفاته من سوء فهم وعصبية قد ذهب أدراج الرياح وحل محله التفاهم والحنان و أصبح كل منهما شخصا مختلفا ناضجا محبا وعاشقا .
عرفا في تلك الليلة السعادة الحقيقة التي تختلف عما كانا يشعران به من عشر سنوات من حب يعتبر صبيانيا بالنسبة لهذا الحب الناضج.
ساد صمت عميق وكان الهدوء الذي يلف الحجرة من العمق بحيث كان صوت أنفاسهما يبدو كصوت الرعد مرت الدقائق ثم بدآ يعودان شيئا فشيئا للواقع .عرفت "بليندا" ما الذي يجب عليها أن تتمسك به .إن حبها ل"وولف" لم يكف عن النبض داخلها منذ لقاء "نيس" ولكنها اليوم وجدت أنها تغيرت بطريقة لا علاج لها فلم يعد أمامها مشاكل تمنعها من أن تعيش معه للأبد.
بدأ النعاس يسيطر عليها بعد أن ساد الظلام الذي لم يكن يضيئه سوى لمعان النجوم في السماء والذي كان يتسلل إلى الحجرة من النوافذ ثم بدأ الأفق يظهر شاحبا معلنا عن ميلاد الفجر.
# # # #

استيقظت "بليندا" وتقلبت في الفراش في سعادة واسترخاء نظرت إلى عينيه الباسمتين وهمس :
- أحب أن أشاهدك وأنت نائمة . أما بالنسبة لها فقد رأته في منتهى الجاذبية تحت ضوء المصباح الباهت .
كان قويا ومسترخيا كالفهد وقت راحته .بينما في عينيه اختلط وميض الرجولة مع وميض الطفولة .
عندما نهضا وأخذا دشا كان الوقت قد تأخر.تذكر "وولف" وهو ينظر في ساعته :
- لدي موعد مع "وليام" .
أعلنت "بليندا" في سعادة ومرح :
- لابد أن "ليديا" تشد شعرها أمام مكتبي .
قرر "وولف" أنه من الأفضل أن يرحلا ولكنه لم يتحرك قيد أنملة. قال لها :
- يمكنك أن تنسي مواعيدك وأستطيع أن أرسل "وليام" ليقشر البصل. ما رأيك في الهروب إلى الريف ؟
أجابت بحماس:
- أقول: إننا أصبنا بالجنون المطبق ولكن يجب أن نتمتع بهذا الجنون .. موافقة .. هيا يا "وولف" .
- حسنا .. سنمر أولا على بيتي وسنأخذ بعض القهوة اللذيذة من صنع "لوريث" بينما تعدين حقيبتك الرياضية.
- ومضارب كرة الشاطئ .
قال متهكما :
- الأفضل لباس البحر ! إننا لسنا ذاهبين إلى البحر .. وعلينا أن نتخيل ماذا سنصنع .
بدأت الدماء تجري في عروقها وقلبها ينبض بشدة وقالت :
- لن نستطيع هكذا أن نرحل .
خرجا وكانت السماء زرقاء صافية لا يشوبها أي غيوم وهواء الخارج منعش وبارد كما تمنيا .صاحت "بليندا" وهي تنظر إلى "وولف" بطريقة غامضة :
- إنه نهار رائع .
سألها :
- ماذا هناك ؟ لماذا تنظرين إلى هكذا ؟
قالت:
- أنت رائع فعلا .. إنك مثل محارب من غزاة الشمال المعروفين باسم "الفايكنج" بشعرك الأشقر .
كان عبورهما لحي "مانهاتن" خرافيا .إنها المملكة التي سيعيشان فيها معا بعيدا عن العالم .
- هل تحب أن نذهب لنعيش في "كاليفورنيا" يا"وولف" ؟
- إن عملك هنا .طبعا سنتصرف من أجل الخروج من "نيويورك" ويمكنك أن تأتي معي من وقت لآخر.
احتجت :
- من وقت لآخر؟ تقصد كل الوقت.
- كما تحبين يا عزيزتي .
عندما وصلا إلى بيتها أخذا المصعد وفتحت "لوريث" لهما الباب وقفت أمام الباب وقد بدا عليها الضيق ووضعت يديها في وسطها قالت :
- إنك لم تتصلي يا آنسة! وهذا ليس بالأمر الطيب .. ثم .. السيد "وولف"! عرفت الآن أين كانت , ولكن كان من الواجب أن تخبرني يا سيدي .
- سأفعل ذلك في المستقبل يا "لوريث" ,على أية حال أنا سعيدة برؤيتك.
همهمت "لوريث" وهي تهز كتفيها :
- وأنا سعيدة كذلك ,لقد كانت مريضة بدونك لدرجة البؤس الحقيقي يا سيدي .
انفجر "وولف" ضاحكا .وحدجت "بليندا" "لوريث" بنظرات نارية.
قالت لتداري خجلها:
- أنت مفصولة.
ردت الخادمة العجوز:
- إن السيد "وولف" سيصبح حالا سيد البيت .. هل تريدان الغداء؟
قال "وولف" وهو يربت كتف الشابة :
- لا يا "لوريث" سنذهب للاستحمام .وأنت يا "بليندا" أتدركين جيدا من هو "سيد البيت" بعد زواجنا؟
قالت بغضب مصطنع :
- يا لك من مغرور برجولته ومن مؤيدي التفرقة بين الجنسين !
جرى "وولف" نحو السلم وجرت وراءه .قالت : "لوريث" وهي تهز رأسها في عدم رضا :
- يا ألهي! إنهما يلعبان كطفلين .
غادرا البيت بعد ذلك متشابكين ذراعيهما وكان "وولف" يحمل حقيبة "بليندا" وعندما وصلا إلى السيارة استدارت فجأة .
- يجب أن تعلم يا "وولف" أنه لم يدخل حياتي أي رجل ... فقط أنت .. هذا كل ما أريد أن أقوله .
عندما رأت وجهه يحمر من الارتباك أضافت :
- اعذرني .. لم أقصد أن أحرجك بهذا الكلام .
- بالعكس .. لقد سعدت بهذا القول .أنت تعرفين أنني عرفت نساء أخريات ولكنك يا "بليندا" لم تغادري فكري ولم أستطع بالطبع أن أرتبط عاطفيا بأي امرأة لأنك أخذت كل حبي معك عندما رحلت .دون أن تتركي لي أملا في العودة .
همست الشابة :
- إنني في منتهى السعادة .
- وأنا كذلك يا حبي .
- لقد شاهدت فيلم "الرجل الحجري" خمس مرات .هل تعرف هذا ؟
- لقد جعلتهم يكتبونه من أجلك .
بدأت "بليندا" في البكاء من ناحية من أجل سعادتها الحاضرة ومن ناحية أخرى من أجل تعاستها على الزمن الضائع .
قال "وولف" هامسا:
- لقد بحثت عنك في كل مكان وكان كل كياني يطالب بك كما لا يزال يفعل الآن .
أجابت "بليندا" .
- إنني أؤمن بك كما أؤمن بحياتي .
التقت نظراتها بعمق نظرات الرجل الذي تحبه بكل مالديها من عاطفة .

نهاية الفصل السابع...


الفصل الثامن..
لم تكن الأيام التالية سوى فوضى رائعة .كان "وولف" يقضي وقته إما داخل مكتب "بليندا" أو في أحاديث تليفونية معها .كانت الشابة مدركة أن معاونيها يظنون أنها أصيبت بمس من الجنون .
ولكنها لم تعد تهتم على الإطلاق بآراء الآخرين وهي عادة لم تكن تعير آراءهم أي انتباه.
كان يحدث أحيانا أن تقضي ساعات على الخط مع "دميانة" أو "كريستين" في مناقشة ثوب الزفاف الذي ستعده مصممة الأزياء الشهيرة "كارين" خصيصا من أجلها .أدركت كم فاتها الكثير من التفاصيل الصغيرة الأنثوية خلال السنوات العشر الماضية من العمل الجاد.
كانت "ليديا" متحمسة بالفعل أمام توقعات حفل الزفاف وكثيرا ما كانت تحس باليأس من تصرفات "بليندا" غير المكترثة .وفي هذا الصباح قالت السكرتيرة شاكية :
- على الأقل يجب أن نلقي نظرة على قائمة الزواج صباح هذا اليوم الموعود. لماذا أشعر بالعصبية وأنت لا تشعرين بها ؟
رن جرس التليفون في تلك اللحظة .رفعت "بليندا" السماعة :
- آلو ؟ من؟ السائق الخاص بالزفاف ؟
دهشت الشابة قبل أن تناول السماعة للسكرتيرة ,
وقالت :
- شيء آخر نسي "وولف" أن يخبرني به !
رفعت "ليديا" عينيها إلى السماء وزفرت:
- آلو ؟ ماذا قلت إذن ؟ آه .. نعم .. هل يمكن أن تخبرني عن اسم مكتبك و الخدمات التي تقترحها من أجل الزفاف الخاص بالآنسة "برونسكي" ؟ أنتم شركة "ليموزين جوتام" ؟ حسنا لقد سجلت الاسم سنمر لنأخذ الآنسة "برونسكي" ...
أضافت "بليندا" :
- وكذلك السيدة "كينمور" والسيدة "لارابي" ...
همست "ليديا" :
- سأخبرهما بذلك ., ..نعم ..نعم أنا أسمعك يا سيدي العزيز ..متى يمكنك الحضور ؟
استدارت نحو رئيستها- بنظرة متسائلة- التي قالت :
- عند "كينمور" في الشارع الخامس حوالي الحادية عشرة صباح غد وأعتقد أننا سننتهي من بروفات ثوبي وقتها .
رددت "ليديا" التعليمات في الهاتف ثم وضعت السماعة ثم تنهدت :
- أعتقد أن كل شيء سيتم على مايرام .
ردت "بليندا" وهي تضحك :
- كل شيء سيكون على مايرام وسترقصين حتى الفجر .
قالت السكرتيرة مبهورة :
- إنني لم يسبق لي أن رأيتك في هذه الحالة .
- إن السعادة يمكن أن تغيرك تماما كما هو معروف!
بعد ذلك انهمكت "بليندا" في العمل ولكنها من وقت لآخر كانت تبتسم ابتسامتها المبهمة عندما تمر على ذهنها صورة "وولف" .

حدث في هذا المساء كما يحدث عادة منذ أن انتقلت إلى بيت "وولف" من أسبوع أن كان الخطيبان يجلسان متجاورين فوق الأريكة الكبيرة وهما يثرثران ويستمعان إلى الموسيقى – همس "وولف" في أذنها :
- غدا يا حبيبتي في مثل هذه الساعة سنكون في الطائرة متجهين إلى "باريس" .من الواضح طبعا أن "لوريث" لن تكون معنا ولكننا سنعثر على عشنا الصغير .
- أوه يا "وولف" إنني لا أستطيع أن أصدق أن تلك الفيلا أصبحت ملكنا .إن لها معنى كبيرا بالنسبة لنا .على أية حال لن أشعر بشوق شديد ل "لوريث".
ضحك "وولف" من أعماق قلبه.
# # #
قال "وولف" وهو يوقظها في الصباح هامسا :
انهضي أيتها الكسول الصغيرة !أعتقد أن عندك بروفة .
تمطت "بليندا" ثم تكومت على نفسها في الجهة الأخرى من السرير .
ثم أطلقت صيحة عندما رأت الساعة وقفزت من فوق السرير كالغزال وهي تحتج :
- ولكني سأتأخر .. لدي موعد مع "دميانة" و "كريستين" كان قلب "وولف" يدق بلا انتظام ومع ذلك لم يحس أبدا بمثل هذا الهدوء والسكينة من قبل .إن "بليندا" هي الوحيدة التي حققت هذا التضارب في حياته .
إنها تصيبه بالجنون والاطمئنان في آن واحد .وحتى لو عاد كابوس أن يفقدها مرة ثانية ليطارده فإن ذلك لن يكون إلا بطريقة متباعدة ومتقطعة .
انتبها إلى أن ساعة البروفة اقتربت فقال :
- سأتصل بمحال "كارين" لأطلب منهم أن يبدءوا عملية ضبط الثوب على "دميانة" أو "كريستين" وعودي بسرعة لأنني أريد أن أتزوجك.
نظرت في أعماق عينيه وقالت:
- أنا أحبك يا "وولف ويكفيلد" ولا أنتظر سوى شيء واحد في العالم .. أن أصبح زوجتك للأبد .
اختفت بسرعة وراء الباب ونهبت الدرج.صاح : "وولف" وراءها من أعلى الدرج :
- هذا ليس عدلا .. ليس من المعقول أن تتركني في منتصف الحديث المثير ثم تهربين بعد ذلك . وبهذه الطريقة التي يمكن أن تكسري بها ساقك فوق الدرج كان الحظ في ركاب "بليندا" حيث عثرت في الحال على سيارة أجرة ورغم الزحام أوصلتها إلى محلات "كارين" متأخرة عشرين دقيقة فقط عن موعدها .
استقبلتها "كارين" في مرح .
- آه هاهي الموعودة !لما كنت أعرف السيد "ويكفيلد" جيدا فإنني أعلم أنه لم يكن يرغب في أن يتركك .إنه فريد .. أليس كذلك؟ لقد كان أكثر من ذلك بالنسبة للشابة.لقد أصبح "وولف" كل عالمها .تابعت مصممة الأزياء العالمية:
- على أية حال اعتبري نفسك سعيدة لأن رجلا مثله أحبك .إن معظم الرجال مثيرون للملل .
ردت على هذه الملحوظة ضحكات عالية صادرة من "دميانة" و "كريستين" من داخل ورشة البروفات .
قالت "كارين" ساخرة:
- اضحكا أيتها السعيدتان فلدى كل منكما زوج خارج المنافسة ,فليست كل النساء لهن حظكما .. هيا بنا فعلينا أن نعمل في الأثواب خاصة ثوب الزفاف .
هناك بعض اللمسات ولكن ذلك لن يأخذ وقتا طويلا .
انتهت "كارين" أولا من "دميانة" و "كريستين" .
قالت كريستين :
إلى اللقاء قريبا في الكنيسة .. يا إلهي ! كم أنا عصبية تماما مثلما كنت في زواجي .
قالت لها "دميانة" عاتبة:
- هل من الضروري أن تقولي ذلك؟ هيا من الأفضل أن نعد الأطفال .
ظلت "بليندا" مع "كارين" التي أخذت تديرها نحو اليمين و الشمال وللأمام والخلف لتدرس آخر التعديلات اللازمة ,أخيرا قالت المصممة المحترفة:
- غرزة هنا وغرزة هناك وكل شيء سيكون رائعا .
وسأرسل الثوب إلى بيتك في بداية ما بعد الظهر.هل هذا يناسبك؟
- ممتاز .. وشكرا على كل شيء يا "كارين".
- العفو يا آنسة وافبلي أخلص تمنياتي القلبية .
سبحت "بليندا" فوق سحابة صغيرة وهي تغادر الشارع الخامس وقبل أن تستدعي سيارة أجرة وجدت أمامها سيارة "كاديلاك" سوداء وأشار سائقها من وراء الزجاج الفاميه. فكرت أنها لاشك من مكتب "ليموزين جوتام" وهي تتذكر الترتيبات التي تمت في الأمس بواسطة "ليديا" من الداخل أشار إليها السائق أن تركب.
قالت الشابة وهي تستقر على المقعد الخلفي للسيارة:
- أنها فكرة رائعة . إن محاولة العثور على سيارة أجرة في هذا المكان وهذه الساعة تعد مغامرة .
وافقها السائق بهز رأسه وهو يسير وسط الزحام الشديد .وتركت "بليندا" نفسها لأحلامها إنها ستصبح السيدة "ويكفيلد" خلال ساعات .
أليس هذا رائعا ؟ هي التي انتظرت طويلا هذه اللحظة ترتعد أمام فكرة أن تأتي عقبة غير متوقعة بينها وبين سعادتها .ولكن لا ... إن ما تفكر فيه غباء مطبق .طردت الشابة أفكارها السوداء.
عندما وقفت السيارة ثم استأنفت السير ثم وقفت ثانية بين الزحام أجبرت "بليندا" نفسها على ألا تقلق . إن الوقت كله أمامها والمهم هو ألا تجد نفسها محصورة وسط مرور متوقف تماما.
وعندما زاغ السائق إلى شارع فرعي ظنت أنه يختصر الطريق متجنبا المحاور الرئيسية ولكنه عندما دار أكثر من مرة إلى اليمين والشمال وقطع شارعا بعد شارع نحو الجنوب الغربي وجدت الشابة نفسها ضائعة. رأت عن يسارها مياه نهر الهد سون وبدأت تشعر بالقلق .قالت معلقة:
- اخبرني أيها السائق . أيها السائق . لدي إحساس أننا انحرفنا كثيرا عن وجهتنا .
- كل شيء سيكون على مايرام يا سيدتي .إنني أعرف الطريق.وقفت السيارة الكاديلاك بعد بضع دقائق مما جعل "بليندا" تستيقظ من أحلامها .قال السائق قبل أن يصدر عنها أي تعليق:
- إنها لحظة الخروج.
هبط الرجل من السيارة ليفتح لها باب السيارة ,قالت في صرخة مكتومة عندما كشف عن وجهه:
- أنت !ولكن ماذا تفعل هنا يا "هيكتور" ؟ أين نحن ؟ ولماذا تقود سيارة أجرة ؟
- ما كل هذه الأسئلة يا أختي العزيزة ؟ أولا هذه ليست سيارة أجرة وإنما هي سيارتي .وهكذا ترين أنني أنا "ليموزين جوتام" وهي شركة مزيفة تماما أنشئت من أجل المناسبة .وأنا الذي اتصلت بسكرتيرتك أمس . لقد كان فخا استطعت به أن أصطادك. انفجر ضاحكا وأمسكها من ذراعها ليدخلها إلى الداخل .تذكرت "بليندا" أن "وولف" اتصل بإحدى شركات النقل بالسيارات بل إنها قالت ذلك "ليديا".
- إنني لا أستسيغ ذلك أبدا يا "هيكتور" .وإذا كنت تظن نفسك ظريفا فإنك أفسدت كل شيء .
حاولت أن تخلص نفسها من قبضته:
- لا يهمني ما تستسيغينه .
ظلت "بليندا" مذهولة لحظات .كان المكان مهجورا ومعزولا وعدوانيا .حاولت أن تدفعه .
- لا تكوني ساذجة يا "بليندا" واتبعيني في رقة وهذا مسدس وهو معبأ بالرصاص .
لم تصدق الشابة عينيها وهي ترى السلاح في يده .
- ماذا تريد مني ؟ إنني سأتزوج بعد الظهر و ...
قاطعها "هيكتور" :
- ليس قبل أن توقعي لي عقد بيع شركة مستحضرات التجميل.
تمالكت الشابة رد فعلها الأولي وقالت:
- أنت تعلم جيدا يا "هيكتور" أنني لا أستطيع أن أفعل ذلك اليوم هنا حتى لو أردت ذلك. يجب أن تكون العقود مسجلة قانونا ومعدة و...
- لدي ورقة ستوقعينها ثم بعد ذلك يمكنك الذهاب للزواج بالأستاذ عضلات الذي كان عشيقك في "نيس".
حاولت الشابة أن تحتفظ ببرودة أعصابها. قرأت في عينيه حقدا أسود لا صلة له بمشاغباته الماكرة التي كان يمارسها ضدها من سنوات تقلصت معدتها من الخوف. لابد أن "وولف" سيتصل بها في منزلها عدة مرات ولكنه لن يستطيع الوصول إليها وسيعتقد أنها مشغولة في ارتداء ملابسها ولابد أنه سيعمل على ارتداء ملابسه هو الآخر وسيحس الرغبة في أن يكون بجوارها.

في الساعة الواحدة جاء "بيتر" و "بير" للانضمام إلى "وولف" قال "بير" بتهكم:
- انظر إليه ,إنه أكثر عصبية من فهد في قفص .لاتفقد أعصابك يا "وولف" .. لقد مر كل منا بهذه اللحظات و أتذكر أنني كنت متأكدا من أن كريستين ...
قاطعه "بيتر" الذي رأى وجه صديقهما يتحول إلى حجر.
- ماذا هناك ؟
أجاب "وولف" .
- لست أدري .. لاشيء .. ربما أعصابي ...
لقد تركته "بليندا" مرة وحولت حياته على جحيم .
قال "بيتر" باهتمام وقد رفع حاجبيه:
- اتصل بها مادمت قلقا لهذه الدرجة.
تردد "وولف" مرة ثم قرر فاتصل بمنزلها:
- "لوريث" ؟ أنا "وولف" . أليست "بليندا" عندك ؟ لا ..إنها لم تصل بعد , لا..اهدئي ..ليس الموضوع موضوع حادثة وإنما مجرد تأخير بسيط .وستصل مابين لحظة وأخرى .انتظريها بدون قلق .
وضع "وولف" السماعة وقد صارت تقاطيعه باردة كالثلج ثم أدار رقم "كارين" في الحال وكان الاتصال قصيرا ومركزا ثم وضع السماعة .قال وهو يستدير نحو صديقيه:
- لقد تركت "كارين" من أكثر من ساعة. هناك شيء ماحدث وكان علي أن أصدق إحساسي وأتصل بها قبل ذلك .ماالذي حدث لها ؟ يا إلهي!
قال "بيتر" وهو يتقدم نحوه:
- إنها كانت ترغب دائما أن تعيش هذه اللحظة .إذن التأخير ليس منها .وإذا كان الأمر ليس منها فلابد أن شيئا ما غير سليم حدث وعطلها .مفهوم ؟
وافقه "بير" .
- "بيتر" على حق .
قال "وولف" بصوت منخفض :
- أعرف ولكن شيئا ما عطلها وأستطيع أن أعرف ماهو .
رن جرس التليفون فرفع السماعة في الحال.
- اللعنة ؟ أين هي ؟ حسنا .. سأذهب إلى هناك .أعتقد أنني أعرف من هو شبه أخيها "هيكتور" حسب وصفك . ولكن أعرف لماذا قادها إلى هناك . مع السلامة وشكرا يا "شيم" .
وضع سماعة التليفون ثم استدار إلى صديقيه :
- ابقيا هنا .سيتصل "شيم لوك" مرة أخرى .لقد شاهد أحد رجاله سيارة "كاديلاك" سوداء تتبع "بليندا" هذا الصباح ثم انتظرتها أمام محلات "كارين" وعندما خرجت نقلها المخلوق الذي كان يقودها نحو المرفأ ...
قاطعه "بيتر" .
- اسمع يا "وولف" سأذهب إلى هناك أنا و "بير" وستبقى أنت هنا على الأقل لن تقتل شخصا .
صاح "وولف" بشدة :
- سأذهب لأحضرها ..لقد فقدتها مرة من قبل ولن أفقدها مرة ثانية.
أعلن "بير" بجدية:
- أنه يوم زواجك وإنه لأمر رهيب أن تلوث يديك بالدم اليوم.
- "بير" على حق يا "وولف" وأنت تعرف ذلك .
صمت "وولف" لحظات ليفكر ثم خلع لبس الاحتفال ليرتدي چينزا وحذاء كرة سلة . انفتح باب المدخل ثم انغلق بقوة واختفى "وولف".
علق "بير" بخوف:
- إنه يعرف من اختطفها وسيعلقه من رقبته.
- بشرط أن يحتفظ ببرودة أعصابه ولكني لا ألومه و أعرف جيدا ما يمكن أن يكون عليه إحساسه في هذه الحالة .
- سأتصل ب"كريستين" ويمكنها أن تذهب مع "دميانة" إلى الكنيسة وترتبان تأخير المراسم وسنتصل بعد ذلك ب"شيم" لنعرف أين "وولف" .
وافقه "بير"
# # #
تقدمت "بليندا" وسط الديكور العاري والكئيب لجسر عائم وعن بعد كان تمثال الحرية يرفع ذراعه وكأنه يودع شخصا منحوسا .نبح "هيكتور" كالكلب :
-استمري في التقدم ولا تحاولي خداعي .لقد اخترت هذا المكان لأن أحدا لا يأتي إليه أبدا ولن يسمعك أحد لو صرخت علاوة على أن ذلك يضايقني كثيرا.
تجهم وجه الشابة في اشمئزاز وصاحت:
- لا يهمني أن تغضب .لست سوى أحمق يا "هيكتور".
رفع فوهة المسدس مهددا ولكن الشابة لم يهتز لها رمش .في طفولتهما كان "هيكتور" يهاجم دائما من هو أصغر منه ويرتعد ممن هم في سنه .استمرت الشابة في الكلام:
-اسمعني .حتى لو وقعت لك على هذه الورقة التي تشهد أنني أتنازل لك عن نصيبي في الشركة فلن تضمن أبدا أن مجلس الإدارة سيقبلها .
أي شركة تدار بطريقة سليمة لها نظام للتحكم لمقاومة مثل هذا النوع من الاحتيال .
- لهذا ستوقعين لي شيكا يصرف لحامله وتوقعين توكيلا عاما عن شركة "ليندا" أمام "لهجته .إن حياتها حقا في خطر!كيف أمكن أن تكون بهذا الغباء بحيث تجهل إمكان أن يقوم بمثل هذا الدور الخطر؟
ألقت نظرة على الماء الأسود المثلج ثم قالت في نفسها :إنها على أية حال أمامها فرصة .كان "هيكتور" دائما يعطي قدراته أكثر مما تستحق ولا ينتبه إلى تفاهة مشروعاته الخيالية والتي دائما كانت تفشل .ولا شك أن هذا المشروع لاختطافها يحمل في طياته نقطة ضعف قاتلة .
ما إن أصبحا فوق القارب حتى دفعها بوحشية في الممر الأسفل وهبطا درجا إلى الكبينة الداخلية الكبيرة .
سألته الشابة لتحصل على وقت كاف للتفكير والتركيز على فرصها:
- منذ متى تمتلك هذا القارب؟
- من وقت قريب..لقد اشتريته في الأوكازيون عن طريق بطاقة ائتمان يا أختي الصغيرة .لقد كانت هذه أكبر صفقة اشتريتها من حسابك هذا الشهر. لقد كنت أكتفي بمشتريات متواضعة حتى الآن. حتى لا أثير انتباهك .لقد قلدت إمضاءك بطريقة متقنة ولم يكتشفها محاسبوك .إنهم مهملون ولكن ذلك كله سينتهي بعد أن أتولى الإدارة. كانت "بليندا" مذهولة .إنه يتحدث وكأنها لم تعد موجودة في الشركة وكأنه يعتبر أحلامه حقيقة .كانت عيناه تعكسان جنونا حقيقيا وفمه يرتعد.
تساءلت: هل كانت حقا تعرف حقيقة "هيكتور" ؟
- إذن ستتزوجين اليوم؟ لم تدعيني ؟ هذا خطأ يا "بليندا" ماذا كان يمكن أن يظن أبي و أمي.
- لم يكن لدي أي فكرة.
صاح في وحشية :
- حقا ؟لقد كنت صغيرتهما المدللة حقا.إن أمي نفسها كانت تفضلك علي وتدافع عنك في كل شيء .إن لي الحق في نصف المال وبدلا من ذلك أعطياك إياه كله دون أن يتركا شيئا للمسكين "هيكتور" .
- إن هذا المال يخص أمي وهو ميراث شخصي ووالدي موافق على ذلك .ثم إنه لم يكن هناك ما يكفي إلا لبدء دراستي ولا شيء من تلك الثروة المزعومة – التي تطالب بها باستمرار – كان موجودا آنذاك .
- أنت تكذبين دائما وهما أيضا كانا يكذبان .
أخذ يبحث عن حبل وقال:
- لابد أن أقيدك وبعدها نبحر.
ارتجفت الشابة .لو قيدها وتركا المرفأ إلى عرض البحر فإن كل فرصها للهرب ستضيع ولن يعرف أحد مصيرها وسيعتقد "وولف" أنها هجرته عن عمد .جعلتها هذه الفكرة تصاب بالجنون. لابد أن تجد حلا بأي ثمن .استأنف "هيكتور" الحديث :
- آه لو علمت مدى سعادتي عندما ماتا .كان والدك يريد أن يطردني وأمي الكلبة كانت ستسمح له بذلك.
همست:
- إنني لم أعرف شيئا عن ذلك .
- لا يهم .سنرحل للأبد .اصعدي معي إلى كبينة القيادة وسأربطك هناك حتى تعطيني نقودك .
تقدمته "بليندا" فوق سطح السفينة وهي تبحث في حمى عن شيء يصلح سلاحا لها .في كبينة القيادة لمحت في الحال مطفأة الحريق مثبتة على الجدار .وقف "هيكتور" عند عجلة الدفة وهو يفحص آلات السطح بينما وضع المسدس على خدها .
وقفت الشابة ببطء أمام مطفأة الحريق لتخفيها عن نظره وحاولت نزعها عن طريق تحسس الحزام الذي يربطها عندما تمكنت من ذلك .
ألقتها في وجهه بكل قوتها .تنبه "هيكتور" بالغريزة في آخر لحظة فرفع ذراعه ليحمي نفسه ولكن ثقل المطفأة كان كافيا ليفقد توازنه ويترك سلاحه .
كانت "بليندا" قد عبرت باب المقصورة عندما سمعته يطلق صيحات الغضب الشديد ومجموعة من السباب قفزت فوق المعبر الذي سبق أن عبرته ثم قفزت إلى المرفأ لتنطلق جريا كالريح .
انطلقت رصاصة أخطأتها بمسافة بسيطة جرت بكل قوتها ويأسها محاولة أن تهرب منه .ولكن "هيكتور" انطلق في مطاردتها وسرعان ما لحق بها. كانت على مرأى من الجسر الرئيسي والطريق المؤدي إلى الشوارع الكبرى عندما استطاع أن يمسك بها ويحاصرها.
اصطدمت رأس الشابة بخشب الجسر وغرقت في الظلام.

نهاية الفصل الثامن...

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 29-04-08, 04:40 PM   المشاركة رقم: 90
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

الفصل التاسع والأخير...
كان "وولف" يتصرف كمن مسه الجنون .وحتى لا يضيع ثانية نادى أول سيارة أجرة مرت به وناول السائق ورقة بمائة دولار ثم قال له:
- ستنال ضعف هذا المبلغ لو استطعت الطيران وسط الزحام. ابتسم السائق ثم خبت ابتسامته عندما رأى هذا الوجه المألوف للممثل وقد تحول على وجه قاتل قائلا:
- موافق .. أين .. علي أن أذهب بك؟
وضح له "وولف" الاتجاه الذي عليه أن يتبعه ثم راجع خزانة المسدس الذي أخذه من مكتبه وحاول أن يطرد الصور المفزعة لما يمكن أن يحدث ل"بليندا" .
كان عبور حي "مانها تن" أسوأ فترة مرت بحياته وكان متوترا لدرجة أنه أحس بأنه يوشك أن ينفجر من الداخل في كل لحظة. وأخذ يسب ويلعن بثلاث لغات مختلفة وهو يدعو أن تجنب السماء "بليندا" أي سوء.
وعندما وصل إلى المكان الذي وصفه رجل "شيم" كان مشحونا بالكهرباء لدرجة رهيبة .قفز من السيارة الأجرة وناول السائق الورقة الثانية بمائة دولار وقال له:
- إذا لم أعد في ظرف ساعة فاتصل بالشرطة.
أجاب السائق :
- سأحضر معك يمكنني دائما أن أكون نافعا .
نظر "وولف" إلى السائق وقدر بنيته القوية :
- طبعا ستكون نافعا .ولكن أفضل طريقة لمساعدتي هي أن تظل في مكانك .
- كما تحب .ولكن عند أقل ضجة سأتصل بالشرطة باللاسلكي وأحضر لأنضم إليك .
كان "وولف" قد أطلق لساقيه العنان قاطعا الجسر إلى أن شاهد سفينة راسية عن بعد بمعزل عن السفن الأخرى عند آخر الجسر الخشبي .ضاعف من سرعته بعد أن أوحت له غريزته بكل ما يجري واتجه إليها ولكنه اضطر للوقوف في مكانه ثابتا .
كانت "بليندا" تقفز في تلك اللحظة من السفينة فوق الجسر الخشبي.
كان سيناديها عندما رأى "هيكتور" يقفز وراءها وينطلق في مطاردتها.
جرى "وولف" نحوها وهو يناديها ولكن "هيكتور" لحق بها قبله وألقى بها أرضا وهو ينبح كالكلاب بصوت تهديد :
-سأقتلها .
وقف "وولف" في مكانه متخشبا وقلبه ينبض بشدة .
أخذ نفسا عميقا ليطرد خوفه وصاح :
- لماذا ؟يمكنك أن تحصل على كل ما تريد .. هيا تكلم !
هل تريد مالا؟ ستحصل عليه.
عوى "هيكتور" :
- لقد أخذت كل ما هو ملكي .
همهمت "بليندا" :
- "وولف" .
رد "وولف" على "هيكتور" وهو يتجنب النظر إليها حتى يركز عليه .
كان بعيدا عنه حتى يطمئن إلى إمكان السيطرة عليه في قفزة واحدة ..
ثم إنه كان ممسكا بسلاحه .
زاد عواء "هيكتور" مقرونا بالمهانة وتطاير الرذاذ من فمه .
- لا تحاول أن تهاجمني .
استرد "وولف" سيطرته على نفسه وهو يرى الآخر يرفع "بليندا" كان منظر الشابة وهي مرعوبة والمسدس على عنقها قد أصابه بالصدمة .
قال صارخا :
- لن تحصل على شيء ما لم تقبل النقاش وكل الناس يعرفون الآن انك هنا الآن .
ألقى "هيكتور" نظرة حوله كحيوان محاصر وصرخ :
- سأقتلها لو اعترض أحد طريقي ولن يبقى أمامك سوى أن تصطاد جثتها بالشبكة من النهر !
تراجع "وولف" خطوة للوراء ولكن الشابة توسلت إليه:
- لا .. "وولف" ...لا ...
قاطعها "وولف" وعيناه لا تغادران "هيكتور" .
- كل شيء سيكون على ما يرام يا عزيزتي .
تردد صوت عن بعد من سائق سيارة الأجرة:
- هاي !أنت يا من تحمل المسدس.
فزع "هيكتور" وقفز في مكانه وانتهز "وولف" الفرصة في الحال وقفز وهو يبعد "بليندا" من أمامه وأمسك بيد "هيكتور" التي تمسك المسدس ورفعها نحو السماء .
انطلقت رصاصة ورأت الشابة "وولف" يتعثر قليلا ليقفز مرة ثانية نحو "هيكتور" صرخت في رعب .
- لا .. لا ...
فاجأت صرختها الرجلين مرة ثانية استغلها "وولف" ليكيل ل "هيكتور" لكمة مباشرة طرحته أرضا وهو يتدحرج .
سألها "وولف" في قلق في الحال وهو يقفز نحوها :
- خبريني يا حبيبتي .. أنت بخير هل جرحت ؟
تعلقت في رقبته في حالة عصبية وهي تقول :
- لا .. أنت الذي أصبت يا "وولف" لقد رأيتك تتعثر لحظات بعد طلقة الرصاص .
أخذ "هيكتور" يرجع للخلف ووجهه مليء بتعبيرات الخوف والحقد التي شوهته .ثم قفز واقفا فجأة وجرى نحو السفينة .
أعلن السائق الذي جرى نحوهما فوق الجسر .
- لقد استدعيت الشرطة و الإنقاذ .
في الحقيقة كان رجلان في الزي الرسمي للشرطة يغزوان الجسر الخشبي ورأت "بليندا" بينهما "بيتر" و "بير" .
في هذه اللحظة انطلقت السفينة بعد أن دارت حول نفسها وهي تنزل الحبل الذي يربطها بالمرسى و ابتعدت وسط هدير محركها .قال أحد الشرطيين .
- أتمنى ألا يذهب بعيدا من أجل مصلحته . لقد أعلنت خفر السواحل أن عاصفة شديدة على وشك أن تهب .في الجزء الجنوبي .
قال "وولف" وهو يحتضن "بليندا" بقوة :
- لقد ذهب إلى الجحيم بقدميه . ومن الأفضل الاتصال برجال حرس السواحل .
قال "شيم" ل "وولف"
- إنني سعيد لأنك خرجت دون إصابة.
تدخلت الشابة وقالت بصوت قلق :
- إنه ليس مصابا وإنما مجروح .
أجاب "وولف" :
- هذا لاشيء فاطمئني , على أية حال هذا لا يقارن بالصدمة التي تلقيتها عندما علمت بأنك اختفيت ثانية .
صاح "بير " .
- قل لنا .. أليس هناك زواج متوقع ؟
أيده " بيتر" وهو يبتسم وإن بدا عليه القلق :
- يبدو لي أنك على حق.هل كل شيء بخير يا "بليندا" ؟
- سأجيب بنعم على سؤالين : لقد خشيت ألا أرتدي الثوب المطلوب لهذه المناسبة ولكن ثوبي لابد أنه في انتظاري بالبيت .
تدخل "وولف" :
- سأصحبك قبل كل شيء إلى المستشفى . إن لديها جرحا تحت ذقنها.
- إنه ليس سوى خدش وقليل من المطهر يكفي ولكنك أنت الذي في حاجة إلى العناية الطبية.
أدركت مدى الشحوب الذي شاب وجهه .رد "وولف" وهو يتجاهل ملاحظتها الأخيرة:
- لا يمكن أن نكون متأكدين من أن جرحك ليس خطيرا لقد اصطدم رأسك بسور الجسر بعنف شديد وليذهب "هيكتور" إلى الجحيم على ما فعله بك.
اعترفت الشابة وهي ترتجف .
- لقد كان كا لمجنون .إنني لم أره أبدا هكذا . لقد كنت أعتقد أن والدي كانا على علم باضطرابه العقلي .لقد اعترف لي أنه ود أن يقتلهما ولكني لم أتصور أنه مريض لهذه الدرجة.
همس "وولف" في رقة قبل أن يكلم صديقيه .
- كل شيء سيكون على ما يرام يا حبيبتي .. إنها مصدومة وسأنقلها إلى المستشفى القريب .
رحل الجميع معا من فوق الجسر الخشبي وقال "بير" ل "بليندا" .
- هيا نسرع .. لابد أن نقودك للكنيسة وخير البر عاجله.
وافقت الشابة وهي تضحك ولا حظت أن "وولف" انتهز فرصة الفوضى وانتحى جانبا مع "بيتر" .
وتساءلت : ماذا يمكن أن يقول كل منهما للآخر؟
قال "وولف" لصديقه:
- إن المخلوق الذي في السفينة هو شبه أخيها .
رد "بيتر" متسائلا وهو ينظر نظرة تفاهم :
- وأنت تريد منا أن نشويه على نار هادئة عندما نضع أيدينا عليه ؟
هكذا إذن الأمر ؟
- أريد بصفة خاصة ألا يرى "بليندا" مرة أخرى .
- لقد سبب لها الكثير من الضرر وربما أكثر مما أعرف وهذا يرجع إلى طفولتهما وأعتقد أنني فهمت منها أنه حاول مرة أن يغرقها وكان من الواجب علي أن أحاسبه على ذلك من قبل وأن أعرف النتائج المترتبة على تلك الحادثة مبكرا .
- هل تعرف أنه كان يحوم حول مكتبها أو في المنطقة؟
- نعم بل وصل به الأمر أن مر على مكتبها ليهددها بأن يكشف كل شيء عن علاقتنا .ولم أفعل شيئا لأن "بليندا" لم تكن لتريد أن تقلب الماضي ولكني ألوم نفسي لأنني لم أستشعر الخطر كما ترى. قال "بيتر" مطمئنا وهو يضغط على ذراعه بحب :
اطمأن "وولف" وانضم بسرعة إلى "بليندا" وقال "بير" :
- إنك لا تتركها لحظة .أليس كذلك ؟
رد "وولف" بمرح :
- ولا غمضة عين خاصة معك .
داخل سيارة الأجرة التي أقلتهما إلى المستشفى قال لها "وولف" وهو يربتها في حنان :
- لا تسببي مثل هذا الرعب مرة أخرى. إن عواطفي نحوك لا تترك أي مجال لتحمل رجفة خوف عليك مرة ثانية.
قالت بصوت يرتجف من السعادة:
-كيف يمكنني أن أشكرك لأنك أنقذتني يا "وولف" ؟
أجاب وهو يبتسم :
- لا شيء سوى أن تصبحي السيدة "ويكفيلد" .
# # #
لم تستغرق زيارة المستشفى سوى دقائق قليلة كانت الرصاصة قد احتكت ب"وولف" ولم تترك سوى خدش سطحي و "بليندا" لم تعان إلا خدش شظية من خشب سور الجسر .كان موعد المراسم قد انقضى من وقت طويل عندما عادا إلى البيت. قال "وولف".
-سأتصل بالجميع لأخبرهم بعودتنا. هيا ارتدي ملابسك بسرعة.
تساءل عندما رآها واقفة على رأس السلم :
- إيه! ماذا هناك ؟
- إن ثوبي في بيتي.
قال يطمئنها:
- لا .. إنه هنا. لقد أخبرني "بير" أن "كريستين " مرت على بيتك وأحضرته هنا.
انفرجت أساريرها وزفرت في ارتياح. إن كل شيء يصبح سهلا ماداما معا. قال وهو يتأملها:
- هل قال لك أحد من قبل: إنك فاتنة؟
أجابت "بليندا" وقد احمر وجهها:
- نعم .. أنت .
- إذن لدي ذوق حقا.
كانت سعادته لا تطاق ويكفيه الآن أن يمسك بيدها أمام المذبح . قالت دون أن تتحرك قيد أنملة:
- لابد أن أسرع.
سألها:
- هل هناك شيء آخر تريدين مني أن أفعله؟
- نعم. ألن تتزوجني!
سمع "وولف" باب حجرتها ينغلق وراءها وظل ثابتا في مكانه.لقد أحس فجأة بأنه حر وطليق ."بليندا" عنده في بيته سليمة معافاة استدار وهبط الدرج وهو يتمتم بدعوات غير مفهومة شاكرا السماء.
تأملت "بليندا" صورتها في المرأة. تساءلت: من هذه المرأة؟كانت عيناها مزينتين بدوائر داكنة وبشرتها قد لوحتها الشمس بعض الشيء كما كانت هناك آثار لاصطدام جبهتها بسور الجسر وهي تسقط. إنها كارثة! ومع ذلك كانت مسرورة لأن "وولف" موجود هناك أسفل.وخلال ساعات سيكونان متزوجين. ولكن "هيكتور" .. كيف تجاهلت أنه مريض لهذه الدرجة؟
أحست بتعب شديد .ألم تكن حياتها كلها مجرد صراعات ؟ لماذا لم تر "هيكتور" على حقيقته؟
إن والديها لم يفهماها أي شيء عنه ومع ذلك لم تشك في اختلال قواه العقلية لحظة واحدة عندما تركت "وولف" من عشر سنوات كان قلبها لا يحس إلا بآلام شديدة. فلماذا؟
لقد أمضت عشر سنوات في إقامة حياة على أعلى مستوى مهني ونظمت حياتها في سبيل تحقيق أهدافها التي اعتقدت أن لها ما يبررها .. دون أن تتخيل أن تلك أهداف أنانية .وهكذا لم تلاحظ انحراف "هيكتور" التدريجي والبطيء , ولا حاجته إلى علاج مناسب لحالته. إنها لم تمد له يدها لحظة واحدة.
دخلت الحمام وأخذت "دشا" وغسلت شعرها دون أن تكف عن تقليب أفكارها.
ارتدت ثوبها الذي بلون شراب التفاح ونظرت لنفسها في المرآة ولم تهتم بالخدوش ولا الهالات الموجودة حول عينيها لقد هادنت الشابة نفسها ولا داعي لأن تنتقد هيئتها .
أقسمت ألا تخفي الحقائق الخفية و الشخصية ولا أن تهتم بالمشاكل التي كانت دائما تزعجها .مثلما فعلت مع "هيكتور" إنها ستأخذ راحتها في فحص كل شيء بإمعان وهي تفكر دائما فيما عليها .ثم إنها بالأخص ستحب "وولف" من كل روحها وأن تقدم له نفسها كباقة من السعادة.
أما بالنسبة ل"هيكتور" فسيتلقى كل الرعاية والنصائح والأمان الذي يحتاجه .ولديه كفاية من المال يحقق ذلك .
كان "وولف" بانتظارها في الطابق الأسفل عندما هبطت .همس في رقة:
- أنا مستعد لأصطحبك إلى المذبح يا آنسة.
كانت أجمل من أي وقت رغم ظلال التعب التي كانت تبدو في عينيها.
إن هذا الجمال من الحب الذي يأخذ مصدره من أعماق الروح ليشيع البهجة في كل جسدها .
أمام ضياء جمالها أحس "وولف" بالشكوك تجتاحه لام نفسه لأنه لم ينظر إلى الجانب المتعقل والذي يبرر رحيلها المفاجئ من "نيس" .إنه هو لم يفعل سوى أن تقوقع على آلامه كحيوان جريح وسط الغابة.
سألته "بليندا" في قلق:
- لماذا هذا المظهر المهموم ؟هل بسبب "هيكتور"؟
- لا ياحبي! إنني ثائر على نفسي لأنني لم أتزوجك عشر سنوات.
إن هذا يصيبني بالجنون .
لم يعد "وولف" يستطيع الكذب على نفسه . إنه لم يقلب الدنيا بحثا عنها . على أية حال كان بإمكانه أن يفعل أفضل من أن يدفع أجر المخبرين السريين الذين كانوا يقدمون له عن بعد – تقارير غير واضحة اكتفى بها كأنها أمر محتم . لقد سيطر عليه غروره بأن ركز على نفسه وعلى حالته النفسية داخل تلك القوقعة التي أغلقها على نفسه . قالت بصوت رقيق:
- لست الوحيد المسؤول عما حدث لنا .
- ربما لا ولكني حانق على نفسي لكل ما لم أفعله .
كانت بعض المرارة تشوب كلامه وفهمت الشابة أن "وولف" يفحص نفسه وأعماقها ولا تعجبه الصورة.التي يراها عن نفسه . استأنفت الحديث :
- أفهم جيدا ما تحسه .كان من الواجب أيضا أن أعرف حالة "هيكتور" .ولكن الأهم أنه كان علي أن أعرف أكثر عنك . لقد كنت أعرف أنك حساس وتراعي شعور الآخرين . كيف استطعت أن أغادر "نيس" وأنا مقتنعة أنني أؤدي لك معروفا كبيرا ؟لقد كنت غبية تماما .
اعترف "وولف" وهو يقبل يدها في حنان:
- لقد أجريت حسابا للنفس .. إنه مؤلم.
قالت "بليندا" بمرح:
- ولكن هذا لا يمنع أنك ساحر جذاب في هذه البذلة أرجو ألا تتضايق من أن أقول لك هذا على الأقل ؟
- لا على الإطلاق .. أنت تعجبينني إلى أقصى حد ولكن كل ما هناك أنني لم أتعود على أن تكون روحي عارية إلى هذه الدرجة ياحبي .في منتهي نتبادل المجاملات كما نتنفس الهواء ولكن المجاملة منك تصيبني بالاضطراب .لك تأثير وقوة علي يا "بليندا" فكرت في نفسها: إنها إذن قوية .قال "وولف" :
- أوه .. نعم أنت قوية جدا وأعدك أن ينال "هيكتور" كل ما يستحقه حتى لا ينسى نفسه على الإطلاق .
صاحت الشابة وهي تنتحب :
- أوه .. شكرا .. شكرا .. لقد كان ذلك مهما جدا بالنسبة لوالدي .لماذا لم أفهم ولماذا تظاهرت بالفهم ؟
حرك منظر آلامها مشاعر "وولف".
قال شارحا :
- أحيانا ما نضر أنفسنا بأنفسنا .لقد أخفيت قلقي وألمي لأنني فقدتك ولم أتحدث عن ذلك لأحد . ربما كان بدافع الغرور أو الاعتزاز بالنفس .
سقطت دموعهما معا على وجهيهما .قالت :
- نحن تأخرنا ويجب أن أعيد زينتي مرة ثانية وإذا استمررنا على هذه الحالة فلن نتزوج أبدا .
صاح "وولف" في غضب وهو يدفعها إلى حجرتها ويجبرها على الجلوس أمام التسريحة :
- بل سنتزوج .. واعتبري الأمر منتهيا .
أصلحت زينتها بيد مرتعشة فقال لها :
- أنا أيضا مهزوز .. إنه يوم رهيب . نحن معا الآن ومع ذلك لا أطيق صبرا على الذهاب.
أجابت بضحكة مكتومة ولكن حقيقية وهي تغادر التسريحة :
- أنا كذلك .
أمسك "وولف" بذراعها وأحس ببعض التردد عندها .
- حسنا ؟هل نسيت شيئا ؟
- لا ..ليس الأمر هكذا .وإنما أتساءل ببساطة :هل سأتحمل المقارنة مع تلك الفاتنات اللاتي دخلن حياتك؟
أجاب وهو يضحك :
- أنت خارج المنافسة يا "بليندا" ولدي إحساس أنك تشكين في ذلك ولكن أؤكد لك أنني لم ولن أحب غيرك .
بعد خروجهما من بيت "وولف" عثرا على سيارة أجرة أمام البيت نزل السائق .. نفس السائق الذي ساعدهما على مرسى السفن من قبل وأشار إليها .وقال شارحا:
- لقد دفعتما لي أجر أيام كثيرة من العمل .
أجاب "وولف" :
- شكرا لأنك انتظرتنا .وأنت مدعو على حفل الزفاف على أية حال .
قالت "بليندا" في تهكم وهي تصعد للأريكة الخلفية :
- شخص آخر مكتوب عليه أن يصبح ضمن أصدقائك مثل "شيم لوك" أليس كذلك ؟
عرف اسم السائق من لوحة تحقيق الشخصية المعلقة على تابلوه السيارة .
- أنا أحب جدا "توماس ميلاس" إنه مخلوق شجاع وذو عزم .
رد عليه السائق :
شكرا يا "ويكفيلد":
قالت معلقة:
- لقد لاحظت أنك تقدر الصفات التي تتمتع بها .
- أتظنين حقا أن لدي تلك الصفات ؟
- نعم .
- هذا رائع .تصوري أن أعز أمنياتي هي أن أرى في عينيك كل الفضائل وهو ما يحدث لي لأول مرة.
وقفت سيارة الأجرة أمام الكنيسة وكان على "توماس" أن يهبط ليفتح لهما باب السيارة معلنا عن وصولهما .صاح "بيتر" وهو يستقبلهما :
- أخيرا حضرتما! ظننت أن الأمر سينتهي برحيل القس .لقد اتصلت بنادي "بيلوري" والتأخير لن يسبب أي مشكلة.
قال "وولف" :
- إنني أضعها أمانة في يدك يا "بيتر" .
- اعتمد علي ويمكنك أن تذهب .
تلكأ "وولف" في الرحيل فصاح "بيتر" وهو يدفعه إلى داخل الكنيسة.
- اللعنة عليك! اتركها قليلا .
جلس الكل في أماكنهم بعد عدة دقائق وأمسكت "بليندا" بذراع "بيتر" لتسير على الممر المركزي وتتقدم نحو حبها .
لم تنتبه الشابة إلى كل الصيغ الرسمية حيث ظلت مثبتة نظرها على رجل عمرها .إن كل أحلامها تتحقق في هذه اللحظة بينما اختفى كل ندمها على أخطائها الماضية أمام القسم الذي تبادلاه.
أنهي القس كلامه بأن قال ل"وولف" :
- يمكنك أن تقبل العروس.
التفت "وولف" نحو عروسه وهو يبتسم .إنها الآن عالمه الخاص. ربما كانت هناك لحظات صعبة أو مؤلمة ولكنها ذهبت أمام الحب .
وطالما عاشا فسيعيشان معا هما الاثنان وهذا هو المهم .
مال على عروسه وقبلها قبلة الزواج .
خرج العروسان على أنغام آمال السعادة من الكنيسة وركبا سيارة الأجرة.
كان "نيلسون" كبير خدم نادي "بيلوري" في انتظارهما أمام النادي وقد بدا عليه التوتر أكثر من المعتاد.
سألته "بليندا" في قلق:
- أتعتقد أنه غاضب من تأخيرنا؟
- لقد اتصلت "دميانة" بهم لتشرح أسباب التأخير على أية حال كان بإمكانهم أن يرفضوا استقبالنا.
- هل سبق أن رفض شخص ما طلبك يا "وولف" ؟
قال ساخرا في لهجة غامضة :
- مرة أو اثنين .ولكن لا أهمية لذلك لأن الرفض كان منك.
قالت بحزن :
- هاهي مرة أخرى جراح الماضي الصغيرة .. أتظن حقا أننا نستطيع أن ننساها ؟
قال "نيلسون" وهو يذكرهما بوجوده بصوت جاد :
- لو تكرم السادة والسيدات أن يتبعوني.
ومع ذلك مال "وولف" عليها وقال هامسا :
- سنتمكن دائما من تسوية خلافاتنا في الوقت المناسب ولدينا الوقت الكافي للحديث عن ذلك . أليس كذلك ؟
ابتسمت "بليندا" وهي تهز رأسها موافقة بينما تقدم "بير" نحوها وصاح وهو يرفع "بليندا" بسرعة بين ذراعيه :
- هاهي العروس وفارسها المغوار.
همس "وولف" في أذن "بيتر" وهو يضع كفه على كتفه:
- دعه يفعل ذلك .. لقد طلبت منه ذلك حتى أستطيع أن أقول لك كلمة.
هل هناك أخبار عن شبه أخيها.
- إنه يستطيع أن يرسو في أي مكان جنوب " نيويورك " .
على أية حال لابد أنه سليم لأن العاصفة غيرت اتجاهها نحو كارولينا الشمالية .
- لندع " شيم لوك " ورجاله يتولون الأمر وسيعثرون عليه إن عاجلا أو آجلا.
المهم لدى " وولف "ألا يرى هذا الشبح الهارب يمر أمام عيني " بليندا " الزرقاوين .. إنها كالملاك في ثوبها بلون عصير التفاح .
علق " بيتر " بطريقته في ادعاء الحكمة :
- أفهم أنك لاتريد أن تفكر في أي شيء غيرها ؟
- بالضبط .. ألم يحدث نفس الشيء بالنسبة لك ول" دميانة " ؟
لحق "وولف " ب " بليندا " وأمسك بيدها وابتسمت له في سعادة وتشابكت أصابعها .
لما كان " بيتر " ودميانة " و" بير " و "كريستين " وأطفالهما ووالدا " بير " هم المدعوون فقط إلا أن السهرة تحولت إلى فوضى ولم تراع فيها الرسميات .
عندما قدم العشاء استقرت مجموعة من الموسيقيين في طرف القاعة وبدءوا يعزفون قطعا موسيقية ترضي جميع الأذواق من "جاز" وفولكلور شعبي وموسيقى كلاسيكية .
قبل إحضار الجاتوه قام "وولف" وسحب "بليندا" إلى حلبة الرقص وسرعان ما قلدها باقي الأزواج. اقتربت الشابة من الموسيقيين وقالت :
- هل يمكن أن تعزفوا رقصة البولكا ؟ إنني وزوجي نحب أن نرقصها .
كانت الألحان حيوية وسريعة مما نشر الحياة في داخل القاعة.
كانت "بليندا" مشرقة وهي تتمايل على الألحان السريعة وكأنها تسبح في الجو وقدماها لا تلمسان الأرض . لقد تحولت في لمح البصر إلى فتاة في التاسعة عشرة من عمرها والتي عثر عليها على الأريكة الخلفية لسيارته في "نيس" صاح :
- رقصة البولكا ؟هل تعتقدين أنني قادر على أدائها ؟
- أجابته.
عليك إثبات هذا .
# # #
انطلقا في متابعة اللحن السريع وقد اختلطت ضحكات السعادة من الجميع .
بعد أن انتهت الرقصة السريعة تبعها لحن رومانسي هادئ . همس في أذنها :
- سنحتفظ ببعض الذكريات المؤلمة يا "بليندا" عن هذا النهار ولكن أحسن الذكريات هي التي ستطفو .
- آه .. نعم وذلك بفضلك .ما رأيك في أن نرحل ؟
اعترض "بير".
- مستحيل لابد من قطع التورتة أولا .. انتظرا فسأحاول استعجال الأمور .
وافقه "وولف" .
- تصنع خيرا لو فعلت.
قطعا التورتة ثم حل الحلواني محلهما ليقوم بتقسيمها بعناية أمسك "وولف" بيد "بليندا" وهو يتعجل الرحيل .أعلن "بيتر" :
- نرجو أن تصحبكما أجمل تمنياتنا لكما .
تقدم الصغير "باتريك" بسرعة ودس كفيه في كريمة التورية .تأوه "بير" يائسا وسارع ليمنع الكارثة بينما انفجر العروسان في الضحك .
صاح "وولف" وهو يسحب زوجته:
- إلى اللقاء و أتمنى لكم شهية طيبة مع الحلوى .
رد الجميع في صوت واحد :
- شكرا !
# # #
الخاتمة...
بعد تسعة أشهر استقبل "وولف" و "بليندا" أصدقاءهما من عائلتي "كينمور" "ولارابي" على العشاء .
قالت "بليندا" في تعاسة وهي تنظر إلى بطنها المكور .
- لم تعد النساء يحصلن على أطفال بعد تسعة أشهر من الزواج لأن هذه العادة كانت أيام جداتنا وأصبحت الآن عتيقة .
سالت الدموع على خديها وهي تستدير نحو مدعويها .ركع "بير" و "بيتر" على ركبتيهما أمامها ليسريا عنها وهما ينظران في غيظ إلى زوجتيهما اللتين كانتا تضحكان من الموضوع كل قلبيهما.
صاح "بيتر" مناديا "وولف" .
- "وولف" تعال هنا وأنت يا"دميانة" .كفي عن الضحك إنني لا أتحمل أن أراها تبكي هكذا.
صاح "بير" بدوره نحو لوريث .
- مناديا يا "لوريث" .. وأنت يا "كريستسن" لست أفهم ما الذي يضحك . ألا ترين أنها يمكن أن تمرض .هكذا.
اعترفت الأخيرة وهي تمسح دموع الضحك :
-- فعلا .. وهذا أمر رهيب .
صاح "وولف" من المطبخ :
- هل هي تبكي ؟
ردت "كريستين" و "دميانة" في نفس واحد :
- نعم.
علق "وولف" في هدوء يعود إلى صالة الطعام:
- هذا يحدث لها كثيرا .من وقت الحمل أصحبت الدموع عادة عندها.
أقل سيء يحولها إلى نافورة وتبكي براميل من الدموع .
تلعثمت "بليندا".
- أنا .. أنا .. آسفة.
أحضر "وولف" معه منديلا كبيرا ومسح به دموعها قال "بير" وهو يعود إلى مقعده .
- إنني لا أطيق أن أراها تبكي.
تبادل "وولف" و "كريستين" و "دميانة" نظرات متآمرة ثم شدت "بليندا" كم قميصه.سألها :
- ماذا هناك يا عزيزتي ؟
أعلنت في صوت منخفض :
- أعتقد أن الوقت حان للذهاب إلى المستشفى.
تغير وجه "وولف" بدرجة رهيبة وسقط على ركبتيه.
انفجرت "بليندا" ضاحكة وقالت وهي تضربه على رأسه:
- لقد تمكنت منك.
بعد ذلك بفترة مال "وولف" على "بليندا" وهي في سريرها في المستشفى وهو لا يزال شاحبا.كانت قد وضعت لتوها .همس في أذنها:
- إنها رائعة يا حبيبتي.
علقت زوجته وهي تتثاءب :
- تأكد من أن الممرضات سيعتنين بها جيدا لأنني لاحظت أن عيونهن لم تفارقك أبدا .. إنني أحس بأنني نحيفة ومنهكة .. أنا أحبك يا رب الأسرة .
فجأة استغرقت في النوم دون أن تتركها ابتسامتها. قال "وولف" بصوت منخفض:
- أنا أحبك أيضا للأبد .. لقد أنرت حياتي.
خلف زجاج الحجرة كان فريق كبير من الممرضات قد تجمع وهن يتهامسن ويتدافعن ليشاهدن الممثل السينمائي الشهير "وولف ويكفيلد" .




أتمنى أنها تكون عجبتكم الرواية وأنا بصراحة قرأتها في منتدى وعجبتني وحبيت اني أنقلها لكم

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:06 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية