كاتب الموضوع :
الأمل الدائم
المنتدى :
الارشيف
الفصل السابع...
خرجت "بليندا" من الحمام ولديها إحساس بالخجل وعدم الارتياح كانت و "وولف" في منتهى الانسجام أثناء السهرة و أثناء العودة.
ولكن سوء الفهم بدأ عندما طلبت منه أن يمرا على شقتها لتحضر شيئا ما لم تحدده .كان ضيقها من جانب وعصبيته من جانب آخر قد أثارا حنقها . ما إن دخلت "بليندا" شقتها حتى أخرجت عباءة من الحرير شبه الشفاف بلون كريم كانت قد اشترتها بسعر مرتفع جدا من "باريس" وهي مع الأستاذ "ديلند" ولكنها لم ترتدها حتى الآن .
عندما التقت ب"وولف" في السيارة ألقى نظرة قصيرة على الكيس الذي يحتوي على العباءة دون أن يلقي أي أسئلة.
دخلت الشابة الحجرة التي أشار إليها وارتدت العباءة التي انسدلت على جسدها .نظرت إلى نفسها في المرآة .كانت تريد أن تبدو رائعة في عيني "وولف" كانت تعلم أنها لا تستطيع أن تتأخر عليه أكثر من ذلك. ففتحت الباب المؤدي إلى الحجرة الموجود بها وقد جلس في مقعد ذي مساند أمام المدفأة.نهض عند دخولها . قال بصوت مفعم بالعاطفة.
- هأنت أخيرا . لقد أعددت عشرات الأحاديث الحارة في عقلي ولكني نسيتها كلها .
عندما رأت البيچاما الحريرية بلون أزرق مخضر قالت :
- هذا اللون يناسبك تماما ويزيد جاذبيتك .
أجابها وهو يمسك بيدها:
- ببساطة لقد قلبت كياني .. أنت فاتنة للغاية .
قالت الشابة وهي تخفض عينيها :
- قد أبدو لك مثيرة للسخرية ولكني بصراحة أحس بالخوف.
رد "وولف" وهو يقترب منها :
- وأنا كذلك .. إنها أهم لحظة في حياتي .
- لقد تعاملت مع الكثيرات من النساء في حياتك يا "وولف" أما أنا فلم أعرف أحدا غيرك لذا أريد أن تكون علاقتنا وقد أصبحنا زوجين أحسن و أقوى علاقة .
همس في حب :
- وأنا كذلك .
فهمت "بليندا" من تلك اللحظة أن مصيرهما أصبح واحدا . لقد ولد كل منهما للآخر .إنها لم تنس لحظات السعادة التي قضتها معه في "نيس" .لقد انفتحت الشابة أمام الحب بكل قلبها وكيانها .أما هو فكان يريد أن ينال ثقتها وأن يتصرف معها بتعقل .إن تحكمه في نفسه هذه الليلة كان أشق تجربة عليه أن يواجهها .قالت له وهي تبتسم :
- من الواضح أنك الليلة تتصرف تصرفا تقليديا .
- نعم ولأنني أحب أن تكون علاقتنا الزوجية قائمة على تبادل الاحترام و التفاني في حب الزوجة وتقديم رغباتها على رغباتي.
حملها "وولف" فوق جزيرة الحب وفردوس الغرام حيث جابا معا طرقاتها غير المتوقعة . لاحظت الشابة أن ما كان يشوب تصرفاته من سوء فهم وعصبية قد ذهب أدراج الرياح وحل محله التفاهم والحنان و أصبح كل منهما شخصا مختلفا ناضجا محبا وعاشقا .
عرفا في تلك الليلة السعادة الحقيقة التي تختلف عما كانا يشعران به من عشر سنوات من حب يعتبر صبيانيا بالنسبة لهذا الحب الناضج.
ساد صمت عميق وكان الهدوء الذي يلف الحجرة من العمق بحيث كان صوت أنفاسهما يبدو كصوت الرعد مرت الدقائق ثم بدآ يعودان شيئا فشيئا للواقع .عرفت "بليندا" ما الذي يجب عليها أن تتمسك به .إن حبها ل"وولف" لم يكف عن النبض داخلها منذ لقاء "نيس" ولكنها اليوم وجدت أنها تغيرت بطريقة لا علاج لها فلم يعد أمامها مشاكل تمنعها من أن تعيش معه للأبد.
بدأ النعاس يسيطر عليها بعد أن ساد الظلام الذي لم يكن يضيئه سوى لمعان النجوم في السماء والذي كان يتسلل إلى الحجرة من النوافذ ثم بدأ الأفق يظهر شاحبا معلنا عن ميلاد الفجر.
# # # #
استيقظت "بليندا" وتقلبت في الفراش في سعادة واسترخاء نظرت إلى عينيه الباسمتين وهمس :
- أحب أن أشاهدك وأنت نائمة . أما بالنسبة لها فقد رأته في منتهى الجاذبية تحت ضوء المصباح الباهت .
كان قويا ومسترخيا كالفهد وقت راحته .بينما في عينيه اختلط وميض الرجولة مع وميض الطفولة .
عندما نهضا وأخذا دشا كان الوقت قد تأخر.تذكر "وولف" وهو ينظر في ساعته :
- لدي موعد مع "وليام" .
أعلنت "بليندا" في سعادة ومرح :
- لابد أن "ليديا" تشد شعرها أمام مكتبي .
قرر "وولف" أنه من الأفضل أن يرحلا ولكنه لم يتحرك قيد أنملة. قال لها :
- يمكنك أن تنسي مواعيدك وأستطيع أن أرسل "وليام" ليقشر البصل. ما رأيك في الهروب إلى الريف ؟
أجابت بحماس:
- أقول: إننا أصبنا بالجنون المطبق ولكن يجب أن نتمتع بهذا الجنون .. موافقة .. هيا يا "وولف" .
- حسنا .. سنمر أولا على بيتي وسنأخذ بعض القهوة اللذيذة من صنع "لوريث" بينما تعدين حقيبتك الرياضية.
- ومضارب كرة الشاطئ .
قال متهكما :
- الأفضل لباس البحر ! إننا لسنا ذاهبين إلى البحر .. وعلينا أن نتخيل ماذا سنصنع .
بدأت الدماء تجري في عروقها وقلبها ينبض بشدة وقالت :
- لن نستطيع هكذا أن نرحل .
خرجا وكانت السماء زرقاء صافية لا يشوبها أي غيوم وهواء الخارج منعش وبارد كما تمنيا .صاحت "بليندا" وهي تنظر إلى "وولف" بطريقة غامضة :
- إنه نهار رائع .
سألها :
- ماذا هناك ؟ لماذا تنظرين إلى هكذا ؟
قالت:
- أنت رائع فعلا .. إنك مثل محارب من غزاة الشمال المعروفين باسم "الفايكنج" بشعرك الأشقر .
كان عبورهما لحي "مانهاتن" خرافيا .إنها المملكة التي سيعيشان فيها معا بعيدا عن العالم .
- هل تحب أن نذهب لنعيش في "كاليفورنيا" يا"وولف" ؟
- إن عملك هنا .طبعا سنتصرف من أجل الخروج من "نيويورك" ويمكنك أن تأتي معي من وقت لآخر.
احتجت :
- من وقت لآخر؟ تقصد كل الوقت.
- كما تحبين يا عزيزتي .
عندما وصلا إلى بيتها أخذا المصعد وفتحت "لوريث" لهما الباب وقفت أمام الباب وقد بدا عليها الضيق ووضعت يديها في وسطها قالت :
- إنك لم تتصلي يا آنسة! وهذا ليس بالأمر الطيب .. ثم .. السيد "وولف"! عرفت الآن أين كانت , ولكن كان من الواجب أن تخبرني يا سيدي .
- سأفعل ذلك في المستقبل يا "لوريث" ,على أية حال أنا سعيدة برؤيتك.
همهمت "لوريث" وهي تهز كتفيها :
- وأنا سعيدة كذلك ,لقد كانت مريضة بدونك لدرجة البؤس الحقيقي يا سيدي .
انفجر "وولف" ضاحكا .وحدجت "بليندا" "لوريث" بنظرات نارية.
قالت لتداري خجلها:
- أنت مفصولة.
ردت الخادمة العجوز:
- إن السيد "وولف" سيصبح حالا سيد البيت .. هل تريدان الغداء؟
قال "وولف" وهو يربت كتف الشابة :
- لا يا "لوريث" سنذهب للاستحمام .وأنت يا "بليندا" أتدركين جيدا من هو "سيد البيت" بعد زواجنا؟
قالت بغضب مصطنع :
- يا لك من مغرور برجولته ومن مؤيدي التفرقة بين الجنسين !
جرى "وولف" نحو السلم وجرت وراءه .قالت : "لوريث" وهي تهز رأسها في عدم رضا :
- يا ألهي! إنهما يلعبان كطفلين .
غادرا البيت بعد ذلك متشابكين ذراعيهما وكان "وولف" يحمل حقيبة "بليندا" وعندما وصلا إلى السيارة استدارت فجأة .
- يجب أن تعلم يا "وولف" أنه لم يدخل حياتي أي رجل ... فقط أنت .. هذا كل ما أريد أن أقوله .
عندما رأت وجهه يحمر من الارتباك أضافت :
- اعذرني .. لم أقصد أن أحرجك بهذا الكلام .
- بالعكس .. لقد سعدت بهذا القول .أنت تعرفين أنني عرفت نساء أخريات ولكنك يا "بليندا" لم تغادري فكري ولم أستطع بالطبع أن أرتبط عاطفيا بأي امرأة لأنك أخذت كل حبي معك عندما رحلت .دون أن تتركي لي أملا في العودة .
همست الشابة :
- إنني في منتهى السعادة .
- وأنا كذلك يا حبي .
- لقد شاهدت فيلم "الرجل الحجري" خمس مرات .هل تعرف هذا ؟
- لقد جعلتهم يكتبونه من أجلك .
بدأت "بليندا" في البكاء من ناحية من أجل سعادتها الحاضرة ومن ناحية أخرى من أجل تعاستها على الزمن الضائع .
قال "وولف" هامسا:
- لقد بحثت عنك في كل مكان وكان كل كياني يطالب بك كما لا يزال يفعل الآن .
أجابت "بليندا" .
- إنني أؤمن بك كما أؤمن بحياتي .
التقت نظراتها بعمق نظرات الرجل الذي تحبه بكل مالديها من عاطفة .
نهاية الفصل السابع...
الفصل الثامن..
لم تكن الأيام التالية سوى فوضى رائعة .كان "وولف" يقضي وقته إما داخل مكتب "بليندا" أو في أحاديث تليفونية معها .كانت الشابة مدركة أن معاونيها يظنون أنها أصيبت بمس من الجنون .
ولكنها لم تعد تهتم على الإطلاق بآراء الآخرين وهي عادة لم تكن تعير آراءهم أي انتباه.
كان يحدث أحيانا أن تقضي ساعات على الخط مع "دميانة" أو "كريستين" في مناقشة ثوب الزفاف الذي ستعده مصممة الأزياء الشهيرة "كارين" خصيصا من أجلها .أدركت كم فاتها الكثير من التفاصيل الصغيرة الأنثوية خلال السنوات العشر الماضية من العمل الجاد.
كانت "ليديا" متحمسة بالفعل أمام توقعات حفل الزفاف وكثيرا ما كانت تحس باليأس من تصرفات "بليندا" غير المكترثة .وفي هذا الصباح قالت السكرتيرة شاكية :
- على الأقل يجب أن نلقي نظرة على قائمة الزواج صباح هذا اليوم الموعود. لماذا أشعر بالعصبية وأنت لا تشعرين بها ؟
رن جرس التليفون في تلك اللحظة .رفعت "بليندا" السماعة :
- آلو ؟ من؟ السائق الخاص بالزفاف ؟
دهشت الشابة قبل أن تناول السماعة للسكرتيرة ,
وقالت :
- شيء آخر نسي "وولف" أن يخبرني به !
رفعت "ليديا" عينيها إلى السماء وزفرت:
- آلو ؟ ماذا قلت إذن ؟ آه .. نعم .. هل يمكن أن تخبرني عن اسم مكتبك و الخدمات التي تقترحها من أجل الزفاف الخاص بالآنسة "برونسكي" ؟ أنتم شركة "ليموزين جوتام" ؟ حسنا لقد سجلت الاسم سنمر لنأخذ الآنسة "برونسكي" ...
أضافت "بليندا" :
- وكذلك السيدة "كينمور" والسيدة "لارابي" ...
همست "ليديا" :
- سأخبرهما بذلك ., ..نعم ..نعم أنا أسمعك يا سيدي العزيز ..متى يمكنك الحضور ؟
استدارت نحو رئيستها- بنظرة متسائلة- التي قالت :
- عند "كينمور" في الشارع الخامس حوالي الحادية عشرة صباح غد وأعتقد أننا سننتهي من بروفات ثوبي وقتها .
رددت "ليديا" التعليمات في الهاتف ثم وضعت السماعة ثم تنهدت :
- أعتقد أن كل شيء سيتم على مايرام .
ردت "بليندا" وهي تضحك :
- كل شيء سيكون على مايرام وسترقصين حتى الفجر .
قالت السكرتيرة مبهورة :
- إنني لم يسبق لي أن رأيتك في هذه الحالة .
- إن السعادة يمكن أن تغيرك تماما كما هو معروف!
بعد ذلك انهمكت "بليندا" في العمل ولكنها من وقت لآخر كانت تبتسم ابتسامتها المبهمة عندما تمر على ذهنها صورة "وولف" .
حدث في هذا المساء كما يحدث عادة منذ أن انتقلت إلى بيت "وولف" من أسبوع أن كان الخطيبان يجلسان متجاورين فوق الأريكة الكبيرة وهما يثرثران ويستمعان إلى الموسيقى – همس "وولف" في أذنها :
- غدا يا حبيبتي في مثل هذه الساعة سنكون في الطائرة متجهين إلى "باريس" .من الواضح طبعا أن "لوريث" لن تكون معنا ولكننا سنعثر على عشنا الصغير .
- أوه يا "وولف" إنني لا أستطيع أن أصدق أن تلك الفيلا أصبحت ملكنا .إن لها معنى كبيرا بالنسبة لنا .على أية حال لن أشعر بشوق شديد ل "لوريث".
ضحك "وولف" من أعماق قلبه.
# # #
قال "وولف" وهو يوقظها في الصباح هامسا :
انهضي أيتها الكسول الصغيرة !أعتقد أن عندك بروفة .
تمطت "بليندا" ثم تكومت على نفسها في الجهة الأخرى من السرير .
ثم أطلقت صيحة عندما رأت الساعة وقفزت من فوق السرير كالغزال وهي تحتج :
- ولكني سأتأخر .. لدي موعد مع "دميانة" و "كريستين" كان قلب "وولف" يدق بلا انتظام ومع ذلك لم يحس أبدا بمثل هذا الهدوء والسكينة من قبل .إن "بليندا" هي الوحيدة التي حققت هذا التضارب في حياته .
إنها تصيبه بالجنون والاطمئنان في آن واحد .وحتى لو عاد كابوس أن يفقدها مرة ثانية ليطارده فإن ذلك لن يكون إلا بطريقة متباعدة ومتقطعة .
انتبها إلى أن ساعة البروفة اقتربت فقال :
- سأتصل بمحال "كارين" لأطلب منهم أن يبدءوا عملية ضبط الثوب على "دميانة" أو "كريستين" وعودي بسرعة لأنني أريد أن أتزوجك.
نظرت في أعماق عينيه وقالت:
- أنا أحبك يا "وولف ويكفيلد" ولا أنتظر سوى شيء واحد في العالم .. أن أصبح زوجتك للأبد .
اختفت بسرعة وراء الباب ونهبت الدرج.صاح : "وولف" وراءها من أعلى الدرج :
- هذا ليس عدلا .. ليس من المعقول أن تتركني في منتصف الحديث المثير ثم تهربين بعد ذلك . وبهذه الطريقة التي يمكن أن تكسري بها ساقك فوق الدرج كان الحظ في ركاب "بليندا" حيث عثرت في الحال على سيارة أجرة ورغم الزحام أوصلتها إلى محلات "كارين" متأخرة عشرين دقيقة فقط عن موعدها .
استقبلتها "كارين" في مرح .
- آه هاهي الموعودة !لما كنت أعرف السيد "ويكفيلد" جيدا فإنني أعلم أنه لم يكن يرغب في أن يتركك .إنه فريد .. أليس كذلك؟ لقد كان أكثر من ذلك بالنسبة للشابة.لقد أصبح "وولف" كل عالمها .تابعت مصممة الأزياء العالمية:
- على أية حال اعتبري نفسك سعيدة لأن رجلا مثله أحبك .إن معظم الرجال مثيرون للملل .
ردت على هذه الملحوظة ضحكات عالية صادرة من "دميانة" و "كريستين" من داخل ورشة البروفات .
قالت "كارين" ساخرة:
- اضحكا أيتها السعيدتان فلدى كل منكما زوج خارج المنافسة ,فليست كل النساء لهن حظكما .. هيا بنا فعلينا أن نعمل في الأثواب خاصة ثوب الزفاف .
هناك بعض اللمسات ولكن ذلك لن يأخذ وقتا طويلا .
انتهت "كارين" أولا من "دميانة" و "كريستين" .
قالت كريستين :
إلى اللقاء قريبا في الكنيسة .. يا إلهي ! كم أنا عصبية تماما مثلما كنت في زواجي .
قالت لها "دميانة" عاتبة:
- هل من الضروري أن تقولي ذلك؟ هيا من الأفضل أن نعد الأطفال .
ظلت "بليندا" مع "كارين" التي أخذت تديرها نحو اليمين و الشمال وللأمام والخلف لتدرس آخر التعديلات اللازمة ,أخيرا قالت المصممة المحترفة:
- غرزة هنا وغرزة هناك وكل شيء سيكون رائعا .
وسأرسل الثوب إلى بيتك في بداية ما بعد الظهر.هل هذا يناسبك؟
- ممتاز .. وشكرا على كل شيء يا "كارين".
- العفو يا آنسة وافبلي أخلص تمنياتي القلبية .
سبحت "بليندا" فوق سحابة صغيرة وهي تغادر الشارع الخامس وقبل أن تستدعي سيارة أجرة وجدت أمامها سيارة "كاديلاك" سوداء وأشار سائقها من وراء الزجاج الفاميه. فكرت أنها لاشك من مكتب "ليموزين جوتام" وهي تتذكر الترتيبات التي تمت في الأمس بواسطة "ليديا" من الداخل أشار إليها السائق أن تركب.
قالت الشابة وهي تستقر على المقعد الخلفي للسيارة:
- أنها فكرة رائعة . إن محاولة العثور على سيارة أجرة في هذا المكان وهذه الساعة تعد مغامرة .
وافقها السائق بهز رأسه وهو يسير وسط الزحام الشديد .وتركت "بليندا" نفسها لأحلامها إنها ستصبح السيدة "ويكفيلد" خلال ساعات .
أليس هذا رائعا ؟ هي التي انتظرت طويلا هذه اللحظة ترتعد أمام فكرة أن تأتي عقبة غير متوقعة بينها وبين سعادتها .ولكن لا ... إن ما تفكر فيه غباء مطبق .طردت الشابة أفكارها السوداء.
عندما وقفت السيارة ثم استأنفت السير ثم وقفت ثانية بين الزحام أجبرت "بليندا" نفسها على ألا تقلق . إن الوقت كله أمامها والمهم هو ألا تجد نفسها محصورة وسط مرور متوقف تماما.
وعندما زاغ السائق إلى شارع فرعي ظنت أنه يختصر الطريق متجنبا المحاور الرئيسية ولكنه عندما دار أكثر من مرة إلى اليمين والشمال وقطع شارعا بعد شارع نحو الجنوب الغربي وجدت الشابة نفسها ضائعة. رأت عن يسارها مياه نهر الهد سون وبدأت تشعر بالقلق .قالت معلقة:
- اخبرني أيها السائق . أيها السائق . لدي إحساس أننا انحرفنا كثيرا عن وجهتنا .
- كل شيء سيكون على مايرام يا سيدتي .إنني أعرف الطريق.وقفت السيارة الكاديلاك بعد بضع دقائق مما جعل "بليندا" تستيقظ من أحلامها .قال السائق قبل أن يصدر عنها أي تعليق:
- إنها لحظة الخروج.
هبط الرجل من السيارة ليفتح لها باب السيارة ,قالت في صرخة مكتومة عندما كشف عن وجهه:
- أنت !ولكن ماذا تفعل هنا يا "هيكتور" ؟ أين نحن ؟ ولماذا تقود سيارة أجرة ؟
- ما كل هذه الأسئلة يا أختي العزيزة ؟ أولا هذه ليست سيارة أجرة وإنما هي سيارتي .وهكذا ترين أنني أنا "ليموزين جوتام" وهي شركة مزيفة تماما أنشئت من أجل المناسبة .وأنا الذي اتصلت بسكرتيرتك أمس . لقد كان فخا استطعت به أن أصطادك. انفجر ضاحكا وأمسكها من ذراعها ليدخلها إلى الداخل .تذكرت "بليندا" أن "وولف" اتصل بإحدى شركات النقل بالسيارات بل إنها قالت ذلك "ليديا".
- إنني لا أستسيغ ذلك أبدا يا "هيكتور" .وإذا كنت تظن نفسك ظريفا فإنك أفسدت كل شيء .
حاولت أن تخلص نفسها من قبضته:
- لا يهمني ما تستسيغينه .
ظلت "بليندا" مذهولة لحظات .كان المكان مهجورا ومعزولا وعدوانيا .حاولت أن تدفعه .
- لا تكوني ساذجة يا "بليندا" واتبعيني في رقة وهذا مسدس وهو معبأ بالرصاص .
لم تصدق الشابة عينيها وهي ترى السلاح في يده .
- ماذا تريد مني ؟ إنني سأتزوج بعد الظهر و ...
قاطعها "هيكتور" :
- ليس قبل أن توقعي لي عقد بيع شركة مستحضرات التجميل.
تمالكت الشابة رد فعلها الأولي وقالت:
- أنت تعلم جيدا يا "هيكتور" أنني لا أستطيع أن أفعل ذلك اليوم هنا حتى لو أردت ذلك. يجب أن تكون العقود مسجلة قانونا ومعدة و...
- لدي ورقة ستوقعينها ثم بعد ذلك يمكنك الذهاب للزواج بالأستاذ عضلات الذي كان عشيقك في "نيس".
حاولت الشابة أن تحتفظ ببرودة أعصابها. قرأت في عينيه حقدا أسود لا صلة له بمشاغباته الماكرة التي كان يمارسها ضدها من سنوات تقلصت معدتها من الخوف. لابد أن "وولف" سيتصل بها في منزلها عدة مرات ولكنه لن يستطيع الوصول إليها وسيعتقد أنها مشغولة في ارتداء ملابسها ولابد أنه سيعمل على ارتداء ملابسه هو الآخر وسيحس الرغبة في أن يكون بجوارها.
في الساعة الواحدة جاء "بيتر" و "بير" للانضمام إلى "وولف" قال "بير" بتهكم:
- انظر إليه ,إنه أكثر عصبية من فهد في قفص .لاتفقد أعصابك يا "وولف" .. لقد مر كل منا بهذه اللحظات و أتذكر أنني كنت متأكدا من أن كريستين ...
قاطعه "بيتر" الذي رأى وجه صديقهما يتحول إلى حجر.
- ماذا هناك ؟
أجاب "وولف" .
- لست أدري .. لاشيء .. ربما أعصابي ...
لقد تركته "بليندا" مرة وحولت حياته على جحيم .
قال "بيتر" باهتمام وقد رفع حاجبيه:
- اتصل بها مادمت قلقا لهذه الدرجة.
تردد "وولف" مرة ثم قرر فاتصل بمنزلها:
- "لوريث" ؟ أنا "وولف" . أليست "بليندا" عندك ؟ لا ..إنها لم تصل بعد , لا..اهدئي ..ليس الموضوع موضوع حادثة وإنما مجرد تأخير بسيط .وستصل مابين لحظة وأخرى .انتظريها بدون قلق .
وضع "وولف" السماعة وقد صارت تقاطيعه باردة كالثلج ثم أدار رقم "كارين" في الحال وكان الاتصال قصيرا ومركزا ثم وضع السماعة .قال وهو يستدير نحو صديقيه:
- لقد تركت "كارين" من أكثر من ساعة. هناك شيء ماحدث وكان علي أن أصدق إحساسي وأتصل بها قبل ذلك .ماالذي حدث لها ؟ يا إلهي!
قال "بيتر" وهو يتقدم نحوه:
- إنها كانت ترغب دائما أن تعيش هذه اللحظة .إذن التأخير ليس منها .وإذا كان الأمر ليس منها فلابد أن شيئا ما غير سليم حدث وعطلها .مفهوم ؟
وافقه "بير" .
- "بيتر" على حق .
قال "وولف" بصوت منخفض :
- أعرف ولكن شيئا ما عطلها وأستطيع أن أعرف ماهو .
رن جرس التليفون فرفع السماعة في الحال.
- اللعنة ؟ أين هي ؟ حسنا .. سأذهب إلى هناك .أعتقد أنني أعرف من هو شبه أخيها "هيكتور" حسب وصفك . ولكن أعرف لماذا قادها إلى هناك . مع السلامة وشكرا يا "شيم" .
وضع سماعة التليفون ثم استدار إلى صديقيه :
- ابقيا هنا .سيتصل "شيم لوك" مرة أخرى .لقد شاهد أحد رجاله سيارة "كاديلاك" سوداء تتبع "بليندا" هذا الصباح ثم انتظرتها أمام محلات "كارين" وعندما خرجت نقلها المخلوق الذي كان يقودها نحو المرفأ ...
قاطعه "بيتر" .
- اسمع يا "وولف" سأذهب إلى هناك أنا و "بير" وستبقى أنت هنا على الأقل لن تقتل شخصا .
صاح "وولف" بشدة :
- سأذهب لأحضرها ..لقد فقدتها مرة من قبل ولن أفقدها مرة ثانية.
أعلن "بير" بجدية:
- أنه يوم زواجك وإنه لأمر رهيب أن تلوث يديك بالدم اليوم.
- "بير" على حق يا "وولف" وأنت تعرف ذلك .
صمت "وولف" لحظات ليفكر ثم خلع لبس الاحتفال ليرتدي چينزا وحذاء كرة سلة . انفتح باب المدخل ثم انغلق بقوة واختفى "وولف".
علق "بير" بخوف:
- إنه يعرف من اختطفها وسيعلقه من رقبته.
- بشرط أن يحتفظ ببرودة أعصابه ولكني لا ألومه و أعرف جيدا ما يمكن أن يكون عليه إحساسه في هذه الحالة .
- سأتصل ب"كريستين" ويمكنها أن تذهب مع "دميانة" إلى الكنيسة وترتبان تأخير المراسم وسنتصل بعد ذلك ب"شيم" لنعرف أين "وولف" .
وافقه "بير"
# # #
تقدمت "بليندا" وسط الديكور العاري والكئيب لجسر عائم وعن بعد كان تمثال الحرية يرفع ذراعه وكأنه يودع شخصا منحوسا .نبح "هيكتور" كالكلب :
-استمري في التقدم ولا تحاولي خداعي .لقد اخترت هذا المكان لأن أحدا لا يأتي إليه أبدا ولن يسمعك أحد لو صرخت علاوة على أن ذلك يضايقني كثيرا.
تجهم وجه الشابة في اشمئزاز وصاحت:
- لا يهمني أن تغضب .لست سوى أحمق يا "هيكتور".
رفع فوهة المسدس مهددا ولكن الشابة لم يهتز لها رمش .في طفولتهما كان "هيكتور" يهاجم دائما من هو أصغر منه ويرتعد ممن هم في سنه .استمرت الشابة في الكلام:
-اسمعني .حتى لو وقعت لك على هذه الورقة التي تشهد أنني أتنازل لك عن نصيبي في الشركة فلن تضمن أبدا أن مجلس الإدارة سيقبلها .
أي شركة تدار بطريقة سليمة لها نظام للتحكم لمقاومة مثل هذا النوع من الاحتيال .
- لهذا ستوقعين لي شيكا يصرف لحامله وتوقعين توكيلا عاما عن شركة "ليندا" أمام "لهجته .إن حياتها حقا في خطر!كيف أمكن أن تكون بهذا الغباء بحيث تجهل إمكان أن يقوم بمثل هذا الدور الخطر؟
ألقت نظرة على الماء الأسود المثلج ثم قالت في نفسها :إنها على أية حال أمامها فرصة .كان "هيكتور" دائما يعطي قدراته أكثر مما تستحق ولا ينتبه إلى تفاهة مشروعاته الخيالية والتي دائما كانت تفشل .ولا شك أن هذا المشروع لاختطافها يحمل في طياته نقطة ضعف قاتلة .
ما إن أصبحا فوق القارب حتى دفعها بوحشية في الممر الأسفل وهبطا درجا إلى الكبينة الداخلية الكبيرة .
سألته الشابة لتحصل على وقت كاف للتفكير والتركيز على فرصها:
- منذ متى تمتلك هذا القارب؟
- من وقت قريب..لقد اشتريته في الأوكازيون عن طريق بطاقة ائتمان يا أختي الصغيرة .لقد كانت هذه أكبر صفقة اشتريتها من حسابك هذا الشهر. لقد كنت أكتفي بمشتريات متواضعة حتى الآن. حتى لا أثير انتباهك .لقد قلدت إمضاءك بطريقة متقنة ولم يكتشفها محاسبوك .إنهم مهملون ولكن ذلك كله سينتهي بعد أن أتولى الإدارة. كانت "بليندا" مذهولة .إنه يتحدث وكأنها لم تعد موجودة في الشركة وكأنه يعتبر أحلامه حقيقة .كانت عيناه تعكسان جنونا حقيقيا وفمه يرتعد.
تساءلت: هل كانت حقا تعرف حقيقة "هيكتور" ؟
- إذن ستتزوجين اليوم؟ لم تدعيني ؟ هذا خطأ يا "بليندا" ماذا كان يمكن أن يظن أبي و أمي.
- لم يكن لدي أي فكرة.
صاح في وحشية :
- حقا ؟لقد كنت صغيرتهما المدللة حقا.إن أمي نفسها كانت تفضلك علي وتدافع عنك في كل شيء .إن لي الحق في نصف المال وبدلا من ذلك أعطياك إياه كله دون أن يتركا شيئا للمسكين "هيكتور" .
- إن هذا المال يخص أمي وهو ميراث شخصي ووالدي موافق على ذلك .ثم إنه لم يكن هناك ما يكفي إلا لبدء دراستي ولا شيء من تلك الثروة المزعومة – التي تطالب بها باستمرار – كان موجودا آنذاك .
- أنت تكذبين دائما وهما أيضا كانا يكذبان .
أخذ يبحث عن حبل وقال:
- لابد أن أقيدك وبعدها نبحر.
ارتجفت الشابة .لو قيدها وتركا المرفأ إلى عرض البحر فإن كل فرصها للهرب ستضيع ولن يعرف أحد مصيرها وسيعتقد "وولف" أنها هجرته عن عمد .جعلتها هذه الفكرة تصاب بالجنون. لابد أن تجد حلا بأي ثمن .استأنف "هيكتور" الحديث :
- آه لو علمت مدى سعادتي عندما ماتا .كان والدك يريد أن يطردني وأمي الكلبة كانت ستسمح له بذلك.
همست:
- إنني لم أعرف شيئا عن ذلك .
- لا يهم .سنرحل للأبد .اصعدي معي إلى كبينة القيادة وسأربطك هناك حتى تعطيني نقودك .
تقدمته "بليندا" فوق سطح السفينة وهي تبحث في حمى عن شيء يصلح سلاحا لها .في كبينة القيادة لمحت في الحال مطفأة الحريق مثبتة على الجدار .وقف "هيكتور" عند عجلة الدفة وهو يفحص آلات السطح بينما وضع المسدس على خدها .
وقفت الشابة ببطء أمام مطفأة الحريق لتخفيها عن نظره وحاولت نزعها عن طريق تحسس الحزام الذي يربطها عندما تمكنت من ذلك .
ألقتها في وجهه بكل قوتها .تنبه "هيكتور" بالغريزة في آخر لحظة فرفع ذراعه ليحمي نفسه ولكن ثقل المطفأة كان كافيا ليفقد توازنه ويترك سلاحه .
كانت "بليندا" قد عبرت باب المقصورة عندما سمعته يطلق صيحات الغضب الشديد ومجموعة من السباب قفزت فوق المعبر الذي سبق أن عبرته ثم قفزت إلى المرفأ لتنطلق جريا كالريح .
انطلقت رصاصة أخطأتها بمسافة بسيطة جرت بكل قوتها ويأسها محاولة أن تهرب منه .ولكن "هيكتور" انطلق في مطاردتها وسرعان ما لحق بها. كانت على مرأى من الجسر الرئيسي والطريق المؤدي إلى الشوارع الكبرى عندما استطاع أن يمسك بها ويحاصرها.
اصطدمت رأس الشابة بخشب الجسر وغرقت في الظلام.
نهاية الفصل الثامن...
|