لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > قسم الارشيف والمواضيع القديمة > الارشيف
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

الارشيف يحتوي على مواضيع قديمة او مواضيع مكررة او محتوى روابط غير عاملة لقدمها


 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-04-08, 11:06 AM   المشاركة رقم: 71
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

5/ ارحلي يا آنسة !


لم يصدق مارك ماحصل في الغابة 0لا، إن كلمة عاصفة تافهة لوصف ما حصل بينهما 0 بعد كل العظات التي رددها على نفسه وبعد التحذيرات من مغبة التورط مع رحالة مشاكسة 00هاهو يتعلق بها ، صحيح أنه لم يخطط لذلك إلا أنه لا ينفي تهوره المرعب ، ما الذي تملكه ؟
كان السؤال من السخافة بحيث أجفله 0فالجواب محفور في ذهنه 00لقد بات أسير عينين رماديتين ، وشفتين توبخانه بابتسامة ماكرة ، كل هذا يجذبه إليها ويغويه وفجأة فلت زمام الأمور0
لقد استغرق في عمله السنين الماضية كلها حتى انصرف عن الحياة الاجتماعية ومازال على هذه الحال حتى اليوم لاشك أنه كبت من المشاعر ما يهدد بالانفجار 0لقد صد الممرضة أورسولا لأسابيع 0 ومن سوء حظ ميمي أنها تواجدت في المكان الغير مناسب في الوقت الغير مناسب0
تذمر في نفسه :- واجه الأمر ميريت ! أنت ترغب في هذه المرأة وإن لم تتمالك نفسك ستنجرف إلى ما تندم عليه لاحقاً0
مازالت ذكرى مواجهتهما تبعث فيه مشاعر مجنونة 0 كانت رائحتها أشبه برائحة الطبيعة بعد أن يغسلها المطر 0
- مارك !
سمع اسمه فعاد للواقع كأنه سقط من السماء 0التفت ليجد الجميع يحدقا فيه 0 لقد فاته أنه في القصر يستمتع بعشاء عائلي0 كما استمتع رغماً عنه بوجه ميمي المفعم بالنشاط وهي تجلس قبالته على المائدة !1تعمدت تجاهله طيلة الأمسية وكأنها تثأر منه 0 مع العلم أنها تبادلت الحديث مع جاك وسوزان وجورج وتأملت كايل طويلاً وهو يلعب بسعادة في حضن أمه0
ولما ألقى نظرة للأطباق أدرك أن العشاء على وشك أن ينتهي 0أيعقل أن ينجرف مع أفكاره لهذا الحد ؟
- عد للعبة ياميريت !
سأل:- ماذا ؟
ضحك جاك :- ما بالك يا أخي الصغير ؟ أفقدت السمع ؟
واجههم بملامح أرادها لامبالية 00وكذب :- آنا آسف 00كنت أفكر في حالة مرضية 0
مال لأخيه باهتمام وقال :- ماذا كنت تقول ؟
- كنت أقول أني سمعت أنك تخطف مساعداتك هذه الأيام 0
وغمز ميمي ، فلاحظ مارك أنه أجابته بابتسامة ساحرة لا تمت بصلة لأحاديثها معه0
وتابع جاك : - يمكنني أن أجزم من خلال الدليل على رأسها ، أنك لجأت للعنف 00مع أني لا أحبذ أسلوبك ، لكن اسمح لي بأن أهنئك على ذوقك الرفيع 0
قهقهت ميمي وقالت لجاك :- شكراً يا جاك يسرني أن أحد رجال ميريت لا يستقوي على النساء الأضعف منه 0
ثم حدقت في مارك بحنق وحولت انتباهها لجاك وتابعت :- لكن لقاءك أنت وسوزان وجورج والطفل عوض حظي العاثر 0
سددت لمارك نظرة شعر بلسعتها الحادة 00
كتف ذراعيه وهو يجبر نفسه بالنظر لأخيه وقال :- صدقني يا جايك أنني أكفر عن جريمتي ، فنادراً ما التقي بأنثى بهذا الغضب

وبهذه الثرثرة0
تلاقت عيونهما فابتسم وهو يراها تحمر بمهانة 0
قهقهت سوزان وقالت :- كل ذلك ممتع يا شباب ، لكن ابني بحاجة إلى بعض الرعاية في قسم الحفاضات 0
حول مارك نظرة لجاك الذي وقف قائلاً :- دعيني أقوم بذلك عنك عزيزتي 0
نقلت ميمي بصرها لجورج 00كان ميريت الأكبر المتجهم دائماً مستغرق
ً في مراقبة جايك وهو يحمل حفيده 0فكر مارك00
لقد ورثا ولدي ميريت وسامة أبيهما وطبيعة أمهما الودودة 0تذكر مارك هذا أنما هل توافقه ميمي باتيست الرأي ؟ ضحك مارك بخفوت ، غير أنه نجح في إخفاء ضحكته بسعال0
حيت تأمل والده صدم بالرقة التي ارتسمت على ملامحه الصارمة المستبدة 0فمنذ وفد المولود الجديد كايل إلى حياتهم وحال هذا العجوز تتغير0
توجهت ميمي بالحديث إلى جورج :- جورج ، أخبرتني سوزان أنك تلعب الشطرنج 0
حملق جورج في الضيفة :- نعم 0 لم تسألين ؟ هل تحبين اللعبة ؟
- بل أنا مهووسة بها 0كنت اقضي ساعات الليل وأنا العب هذه اللعبة على ضوء مصباح0
أعجب مارك بالخجل الذي اجتاح وجهها وسمعها تضيف :- لن أكون لاعبة شطرنج محترفة لكن إن كنت تستمتع باللعبة فأود أن العب معك 0
هتفت سوزان ومارك معاً :- إن كان يستمتع 000
ثم انفجرا بالضحك فيما تابع مارك :- إني أبي يا آنسة الشطرنج يجري في دمه وإن وافقت على منازلته فمن الأفضل أن تكوني شجاعة00ومن الأفضل أن تكوني لاعبة ماهرة وإلا ألتهمك حية 00
- التهمني ؟
صرخ جورج :- إنها مجرد أكاذيب ، أكاذيب خسيسة 00لست إلا شخص يهوى الشطرنج ويأمل أن يجد في يوم من الأيام شخص ينغمس معه في لعبة ممتعة
وحدق في مارك :- وأنت توقف عن مضايقتها 00لفد آذيتها ما يكفي !
- ادخلي عرين أبي بمحض إرادتك وعلى مسؤوليتك آنسة باتيست 0

وأضافت سوزان :- و اعتمري قبعة سميكة !
ثم قهقهت وهي ترى النظرة الصارمة التي سددها إليها حموها ، رفعت يديها علامة الاستسلام 0

- حسناً ، حسناً جورج ، لن انبس ببنت شفة0
- عما ؟
كان هذا صوت جاك وهو يعود للغرفة مع كايل 0
- عن والدك وسلوكه الرديء عندما يتعلق الأمر بالشطرنج0
انحنى جايك ليضع كايل في ملعبه الصغير لكنه تسمر في مكانه ، ثم اختلس النظر إليهم بريب واضح :- لا تقولوا أن الملك جر ميمي لمنازلته في اللعب 00
نظر لميمي وتابع :- آمل على الأقل أنك لم تعرضي اللعب بنفسك ؟
سددت إليهم ميمي نظرة وقحة فيها من السحر ما أرسل قشعريرة في جسد مارك ثم وقفت وأخذت يدجورج قائلة :- هيا يا جورج ، فلنتخلص من هؤلاء المملين ولنستمتع بوقتنا0
قدم العجوز ذراعه لميمي في حركة مسرحية 0
همس في إذنها ببضع كلمات 00قهقهت لها ميمي وظل صوتها يتردد في ذهن مارك حتى بعد إغلاق الباب بوقت طويل0
وأضافت سوزان :- و اعتمري قبعة سميكة !
ثم قهقهت وهي ترى النظرة الصارمة التي سددها إليها حموها ، رفعت يديها علامة الاستسلام 0

- حسناً ، حسناً جورج ، لن انبس ببنت شفة0
- عما ؟
كان هذا صوت جاك وهو يعود للغرفة مع كايل 0
- عن والدك وسلوكه الرديء عندما يتعلق الأمر بالشطرنج0
انحنى جايك ليضع كايل في ملعبه الصغير لكنه تسمر في مكانه ، ثم اختلس النظر إليهم بريب واضح :- لا تقولوا أن الملك جر ميمي لمنازلته في اللعب 00
نظر لميمي وتابع :- آمل على الأقل أنك لم تعرضي اللعب بنفسك ؟
سددت إليهم ميمي نظرة وقحة فيها من السحر ما أرسل قشعريرة في جسد مارك ثم وقفت وأخذت يدجورج قائلة :- هيا يا جورج ، فلنتخلص من هؤلاء المملين ولنستمتع بوقتنا0
قدم العجوز ذراعه لميمي في حركة مسرحية 0
همس في إذنها ببضع كلمات 00قهقهت لها ميمي وظل صوتها يتردد في ذهن مارك حتى بعد إغلاق الباب بوقت طويل0

وتحول التعبير المرتبك على وجه سوزان إلى ابتسامة رقيقة :- يا إلهي ! أمثل هذا الشغف يصدر عن طبيب بارد الأعصاب 0
ثم التفتت لزوجها وتابعت :- أتعرف ياحبيبي ؟ أظن أنك محق مارك مفتون بامرأة فريدة من نوعها ، وهذا ضد ميله الفطري 0
ثم واجهت سلفها وقالت :- يا لمارك المسكين ! لقد أراد ربة منزل هادئة الطباع ، فحظي بامرأة مثيرة غريبة الأطوار 0
- لم أحظ000لم أحظ ، ولا أرغب فيها أهذا واضح ؟
أجاب جايك وهو يرفع حاجبيه بسخرية :- نعم00هذا واضح بالنسبة لي ن ماذا عنك ياسوزان ؟
أومأت برأسها من غير أن تتوقف عن الابتسام لمارك :- طبعاً أنت لا ترغب فيها وأذكر أنك كنت تكن المشاعر نفسها لأروسولا0
أجاب مارك بالموافقة 00رغم أنه علم بأن كلامها لم ينته بعد0
- إنما كنت تدعو أورسولا باسمها0
شعر مارك بسحابة ثقيلة تمر أمام عينيه إلا أنه صرخ :- لا !
ثم عض على شفته وهو يحاول أن يقنعهما بفكرة لم يكن مقتنع بها :- إني لا أشعر بأي انجذاب نحو ميمي 0إن الفكرة مجنونة بل مثيرة للضحك 0فعلى المرأة التي تكون جديرة بحبي أن تكون متزنة ن 00وهي في اتزانها تشبه القنبلة الموقوتة 0
- قنبلة إذاً ؟
وجه مارك نظرة قلقة نحو الباب الذي يؤدي للحجرة المجاورة ، فاعتراه الغضب حين رأى ميمي على عتبته 0فجأة بدا له أن الأصوات قد خفتت ، حتى النسيم قد توقف عن الهبوب 0كان على وجهها تعبير مهلك 00وبعد دقيقة من التوتر أشاحت بوجهها واتجهت لمائدة الطعام قائلة :- لقد نسي جورج نظارته 0
وبعد أن التقطتها سارت حتى توقفت أمام مارك وسددت له نظرة مميتة :- لمعلوماتك يادكتور لن لن أقبل برجل ثقيل نكد مثلك وإن قدموك لي على طبق من فضة 0
ثم التفتت نحو سوزان وجايك وتابعت بصوت جاهدت لضبطه :- شكراً على العشاء 000كان رائعاً0
رمقت مارك بنظرة سريعة :- في أغلب الأحيان 0
حين ذهبت ارتفعت ضحكة مارك تدريجياً حتى خرقت الصمت المخيم0
صرخ مارك :- ما المضحك ظ
أجاب جايك :- يبدو أننا وجدنا المغناطيس الجاذب ، بعبارة أخرى ميمي ومارك ، أم أقول الفاتنة والشرس ؟
- يا لظرفك ! ربما من الأفضل أن تنتقل بمسرحيتك إلى فيغاس 0 وألان 0
- مهما كان ما اقترفته بحقها ، فقد نفذته بدهاء لاذع 0 إنها تستشيط منك غضباً بكل ما في الكلمة من معنى 0
ستكون هذه الأسابيع الثلاثة ممتعة 0
زمجر مارك :- نعم ، تماماً كالمرض 0
توجه نحو الحديقة وقال لجايك :- إن لم يكن ذلك يثقل على برنامج الآنسة باتيست الاجتماعي ، قل لها أن عليه أن تستيقظ عند الخامسة 0

كان اليوم الأول الذي تمضية كمساعدة في عيادة مارك متعباً ، فقد وفد للعيادة العديد من المرضى 00لكنها صارت تعرف أن هذه الكتلة البحرية تسمى جزيرة ميريت وسمعت المرضى يتكلمون عن منجم للزمرد على الجزيرة 0يبدو أن مارك ميريت يملك ثروة هائلة00لم تكن ميمي قد التقت ملياردير في حياتها لذلك 00وجدت نفسها تتسأل لم يكلف نفسه عناء العمل ؟ لاسيما بهذه الوتيرة القاسية والمجهدة !!
في نهاية النهار كان التعب قد بلغ منها مبلغاً عظيماً ولكن كان عليها إعداد العشاء 00 كان مارك قد استحم وغير ملابسه 00وجدته منهمك في تقطيع الخضار تجاهلته قدر الإمكان 00وكان يلقي عليها الأوامر طيلة الوقت 0
لم تعمل في حياتها بهذا الجهد 00لقد استيقظا في الصباح وبعد فطور سريع توافد عليهم المرضى 00ومنذ ذلك الحين لم تتوقف للراحة أو لتناول الطعام 00وظلت كذلك حتى غادر آخر مريض العيادة 0 لم يبدو عليه التعب مثلها !! كيف يتعب وهو يلعب دور الطبيب الشافي ستة أيام في الأسبوع ؟
كان ناجحاً في عمله فطول النهار واظب على توزيع ابتسامته على كا لمرضى 0000ماعداها والكل يحبه حتى موظفي الجزيرة وزملائه في الجزر المجاورة0
كانت قد اكتفت بمناداته بـ الطبيب ميريت بلباقة منذ 12ساعة خلت0
- اسمع يادكتور000ماذا كان تشخيصك للمرأة الأخيرة التي جاءت في هذا العصر ؟
- أي امرأة ؟
لم تزر العيادة إلا ثلاث نساء اليوم قالت :- تلك التي كانت ترتدي سترة صفراء وتنوره جلدية سوداء0لاشك أنك تذكرها000تلك التي اشتكت ألما في الحنجرة0
تمتم :- تقصدين مادلين0
صرت على أسنانها وقد سمعته يستخدم اسمها الأول :- أي كان اسمها 0ما كان تشخيصك لحالتها ؟
- ألا يعتبر ذلك سر من أسرار المهنة بين الطبيب ومريضته؟
- كل مافي الأمر أنني لم أجد مايستوجب انتقالها بالزورق ، كي تفحص حنجرتها 0
حافظ على صمته فتابعت :- ترى ما هي القاعدة التي يتبعها الطبيب مع مريضته في المواعدة ؟
رد بغضب :- أتلمحين أنني افتقر للاحتراف خلال ممارستي لمهنتي ؟
- لا داعي لسرعة الغضب هذه يادكتور 0فما تفعله خلف ستار مهنتك يعنيك وحدك 0كل مافي الأمر أنني أحسست أنها لاتعاني تشنجاً في الفك بقد ما تعاني حرارة في الجسد0
التفت إليها فجأة بطريقة ارتعدت لها فرائصها وهتف والشرر يتطاير من عينيه :- ما رأيك لو نتكلم في الموضوع بصراحة 0فنعالج المسألة قبل أن ننساها برمتها0؟
أومأت بقلق ترى ماذا سيقول ؟ أسيخبرها بأنه يقيم علاقة مع مادلين ؟ أم يقول بأنه لاشأن لها بمن يغازل ؟ تمنت لو لم يدفعها فضولها لهذا السؤال السخيف0
غير أنه فاجأها إذ غير الموضوع :- أظنك تدركين الآن أنني لم أتهور بسببك كما أنني لا أغازل مريضاتي 0
أحست بأنه يجاهد ليمنع نفسه من الصراخ بعد سؤالها البذيء00حين التقت عيناهما بدا أنه استرجع هدوءه ، إنما ظلت الكآبة نفسها على وجهه0
- ليس من عاداتي أن أقدم على ذلك 0
رمت الشوكة بعنف وغضب :- لاتقلق يادكتور لقد نسيت حادثة الغابة منذ وقعت 00ماذا ستفعل ؟
نظر للأرض :- علينا أن نحاول أن تتفق على ما اعتقد0
همهمت بازدراء من غير أن تلتفت إليه 00لقد زرع فيها مارك القلق والاضطراب 0إنها تعرف تمام المعرفة أنها تعرف تمام المعرفة أنها لم تنس ذاك الموقف0 رباه كم تكره نفسها لأنها احتفظت بهذه الذكرى الغبية في قلبها0
- قصدت أن اسأل ماذا تريدني أن اعد للعشاء يادكتور ؟ يكاد الدجاج ينضج 0
- إني أجهل آداب العشاء في الأدغال ، لكن حضارتنا المحلية ترتب علينا أن نرتب المائدة ، وتتلخص هذه العملية في وضع أدوات معدنية ، تسمى 000
قاطعته وهي تتجه نحو خزانة الأطباق ك- يالذكاءك الخارق! إن موهبتك ضائعة في الطب 0إذا ذهبت إلى لاس فيغاس ، فإن مواهبك ستؤمن لك ملا يسعني تخيله!!
أمسكت بطبقين وأضافت :- أتريد القهوة ؟
- ماذا ؟
تمتم وهو يهز رأسه :- انسي الأمر0
وضعت الأطباق مكانها محدثة ضجة كبيرة 0استدارت ووجدت أنها تقابل مارك وجه لوجه 0لم يكن يفصل بينهما إلا انشات قليلة0تراجعت خطوة للوراء بدافع غريزي 00وبادلها بالمثل0ثم بقيا يحدقان يبعضهما والتوتر يزداد شيء فشيء0أخيراً أشار مارك للخزانة وقال :- سأحضر كوبي قهوة 0
اجتاحها شعور بالانتصار لما سمعت صوته يتشنج ، وارتسمت على وجهها ابتسامة 0
فتحت درج وهي تحاول أن تصرف النظر عن الموضوع ، ولم تدرك أنها تعد مائدة لأثني عشر شخصاً إلا بعد فوات الأةان0
كادا يصطدمان يبعضهما مجدداً وهي تعيد بقية الأطباق للخزانة 0 غير أنها حافظت على هدوئها وأشارت للطاولة :- تفضل
-راحت ترتب الأدوات الفضية وهو يضع الكوبين بجانب الأطباق :- كيف جرت مباراة الشطرنج مع أبي ليلة أمس؟
- لقد ربح لكنني سأنتقم هذه الليلة ن فأنا لم العب منذ وقت طويل0
استدارت فسألها :- الليلة ؟
- أتواجه مشكلة أن لعبت الشطرنج مع والدك هذه الليلة ؟
دس يديه في جيبي الجينز وقال :- أنت من سيخسر ساعات نوم لذيذة0
سكت ثم أضاف :- لا شك أنك تحبين الشطرنج ؟
نعم ولم لا ؟
هز رأسه بلا مبالاة :- مامن سبب معين 0
ظل نظره يجول على غير هدى حتى استقر أخيراً على المائدة0
- قلت أنك لم تمارسي اللعبة منذ فترة طويلة ، أليس كذلك ؟
علقت الكلمات في حنجرتها ثم همست :- منذ توفي 00والدي 0
لم ينبس ببنت شفة 0 ومرت دقائق اكتفى فيها من الوقوف أمام القدر وأخيرا قال:- إن كنت لا تمانعين سؤالي 000كيف توفي والداك ؟
رغم أنها أثارت الموضوع بنفسها إلا أن السؤال وقع عليها وقوع الصاعقة 0كانت ذكرى ذلك النهار الرهيب لا تزال حية في ذهنها 0
- في فيضان0
أسندت مرفقيها للطاولة وأراحت رأسها بين يديها وبعد تنهيدة طويلة أضافت :-
- كنا نعبر نهراً في كينيا ، ولم نعرف أن النهر فاض في الجبال0 وإذا بسيل يجرفنا من الأعلى0 كنت الأقرب للساحل فنجوت0
سرقت منها الصدمة القدرة على الكلام 00وبعد أن أخذت نفساً عميقاً واصلت :- كانا 000
لكن سرعان ما توقفت عن الكلام ، وابتلعت ريقها عدة مرات فمي محاولة لتستعيد رباطة جأشها 0
- كان هذا قبل عشر سنوات 0
سألها برقة :- كم كان عمرك ؟
- سبع عشرة سنة 0
ساد السكون لبرهة طويلة , أخيراً تمتم :- أنا آسف0
أحست بالرأفة في صوته فتمتمت بدورها : شكراً! إني آسفة أيضاً0
لبث واقف بجسده الطويل ، ترى لم خيل لها أن سبب عبوسه ليس استياء بقدر ما هو صراع داخلي يتحكم به ؟
لم يكن أمامها إلا أن تعد دقات الساعة لئلا تصرخ كالمجنونة 0 وراحت تعض على شفتيها وتصر على أسنانها وكأنها حيوان بري جريح 0
لماذا يستطيع هذا الرجل أن يدفعها للجنون ؟ ويثير فيها الاضطراب ؟ بل الخوف الشديد0هذا مالا تملك له جواباً0
بعد صمت طويل تكلم وإمارات الجد بادية على وجهه :- اسمعي يا آنسة باتيست، لقد غيرت رأيي 0 سأدفع ثمن الضرر الذي لحق بزورق صديقك 0كما سأدفع مصاريف رحلتك أياً كانت وجهتها 0
ثم استقام ، وأرجع يديه إلى جيبيه قبل أن يضيف أخيراً :- يمكنك أن ترحلي في الغد0


6 _المتهورة الفاتنة0


وقع الخبر على ميمي وقوع الصاعقة ، فعجزت عن الكلام ، بل عجزت عن تقبل الفكرة نفسها 0 استقامت في جلستها ، وحدقت فيه قائلة :- أتريد000أتريد مني أن أرحل 0000في الغد ؟
أومأ برأسه ببطء 0
اجتاح معدتها شعور حارق غريب أهو الغضب أم الاضطراب ؟0
- لماذا ؟ ألم أؤد عملي بشكم مرض اليوم ؟ هل وظفت مساعدة جديدة ؟
أشاح بنظره عنها :- بل كان عملك جيداً 0لكني أعتقد من الأفضل أن ترحلي 0هذا كل ما في الأمر0
تعجبت مابالها مكفهرة بدل أن تقفز فرحاً بالمناسبة ؟ألم تتمنى أن يحررها من هذا السجن ومن عينيه المثيرتين ؟
لم تشعر وكأنها مستأجرة ساخطة طردت من شقتها للتو؟ رمقته وهي تتمتم :- لقد عملت كجمل اليوم يادكتور 0
بادلها النظر لكنه التزم الصمت0
- لا يمكنك أن تتحمل عبء كل هذا العمل بمفردك طيلة ثلاثة أسابيع ، وأنت تعرف ذلك ؟
ماذا تفعل ؟ كيف تحاول إقناعه بإبقائها ؟
صرخت بغضب :- اسمع يادكتور ، أدرك أننا ضايقنا بعض كثيراً ، وافترض أنك تملك المال لإصلاح الاضرار0لكنك أهنتني وتستمر في إهانتي إن كنت تعتقد أني سأقبل إحسانك بصدر رحب وأديرظهري0
خطت نحوه ببطء ثم وجهت نحو صدره لكمة خفيفة :- أنا لا اضرب الرجال ، لكن اعتبر أني صفعت وجهك 0إنني أدافع عن طريقتي وإياك أن تنسى ذلك 0
تكلم بنبرة محذرة :- آنسة باتيست تابعي عرضك هذا 0وستلعبين الشطرنج واقفة على قدميك 0
كانت عيناه تومضان بمعنى خفي ، فغرت فاها ، وارتدت للوراء0
تلعثمت :-أنا 000إن النساء يقاومن الاعتداء الجسدي في هذه الأيام يادكتور 0
جاهدت لتتغافل عن خفقان قلبها 0
- لعلمك يا آنسة 000
سكت 00وأطبقت على أنفاسها حتى أحست بأوردتها تتمزق ازداد منها اقترابا وهمس :- كذلك هي حال الرجال0
ابتعدت عنه بسرعة وعندما التفتت كان قد اختفى عن ناظريها0
كان الأسبوع الأول الذي قضته كمساعدة للدكتور ميريت متعباًللغاية0وهي تملك الآن سبب حب هذا الطبيب لمرضاه، وبقائه في هذه الجزيرة0
مشت بتثاقل نحو موضع منعزل خلف الكوخ تطل عليه من نافذتها 00وكم من مرة فكرت في أن تسبح فيه لكنها الآن متعبة والمياه باردة 00عموماً هي تحتاج للبرودة0
مدت منشفتها على الرمل 0ثم خلعت خفيها ثم خاضت غمار الأمواج وغاصت بقوة في المياة0وراحت تسبح فرحة ً0أخذت تطلق صيحات الفرح0حتى أحست بتوترها يذهب أدراج الرياح0
كانت ميمي تأمل أن تنفرد بنفسها لبعض الوقت ، بعيداً عن مارك 0
تناهى إليها نباح فوفو من الشاطئ0 فتقدمت إليها لكن ما إن لامست قدماها الرمل حتى كبحت جماح غضبها ، وأزاحت الشعر عن وجهها وكشرت في وجه الكلبة :- قلت لك ألا00
سرعان ما ماتت كلماتها عندما أدركت بأن فوفو ليست وحدها 00لحسن الحظ كانت المياه تغمرها ولا يبدوا إلا وجهها المغطى بشعرها 00
أخيراً أرتدت قناع الثقة الكاذبة ولوحت من بعيد :- جيد ،أنت هنا 0
كان مارك بعيد عنها وضوء القمر خافت فلم تتبين معالم وجهه جيداً0لكن وقفته لم تكن عادية :- أنت سعيدة بمجيئي إذاً
-بالطبع فقد أمرت فوفو بالعودة ولكنها ترفض إطاعتي0
- أنها تشبه شخص أعرفه0
- كم أنت ظريف يادكتور0
شعرت بالمهانة00وأضافت :- خذ كلبتك وغادر المكان أريد أن أكون وحدي 0
لم يغادر بل هتف :- بشأن رغبتك في الانفراد00أخشى أنني أحمل لك أخبار سيئة0
عبست :- أرجو ألا تقصد أنك تنوي البقاء في الجوار؟
عرفت حين استدار أنه ينظر لمنشفتها وثيابها 0
صرخت :- أي عذر تستخدمه لملازمة المكان؟
مرر يده على فكه ونمت حركته أما عن إحباط أو تسلية0
صاحت :- آمل أنك لاتجد الأمر مضحكا ؟
- غير مضحك البتة !!
- ماذا إذاً ؟
أشارت للكوخ :- اذهب بعيداً0
انحنى ليداعب فوفو :- حسناً لكنني سأشعر بالذنب إذا لم أخبرك بأمر واحد أولا 0
نادت بغضب :- حسناً هيا ، افرغ مكنونات صدرك يادكتور 0لا أريدك أن تشعر بالذنب اخبرني وارحل0
رأته يخرج شيء من جيبه 00ولما أبصرت نوراً يومض ثم يخفت ، أدركت أنه مشعل كهربائي 0سرت الرجفة في أوصالها بسبب المياه الجليدية فصرخت :- أ000أسرع 000أني 000أتجمد برداً0
غير أنه لم يجب وظل يوجه المشعل نحو الأشجار 0وحين أطفأ النور ، أبصرت جسما معدنياً يرسل إشارات ضوئية من خلال الأغصان0
- أترين ذلك ؟
-ن0000نعم ، ما قصدك ؟
شعرت بمزيج من الحيرة والقلق ، وإذ بموجة تغمرها 0هاهي المياه التي منحتها منذ برهة حياة جديدة قد باتت الآن باردة لحد الإزعاج0
سلط الضوء على موقع مرتفع لم تره ميمي من قبل وكرر سؤاله :- أترين هذا ؟
راحت ترتجف من البرد 00ولكنها تمكنت من الصراخ :- وماذا في ذلك ؟
استقام وأجاب :- ابتسمي إذاً ياآنسة !!ففي هذا الموقع كاميرات مراقبة 0أيهمك أن تعرفي ماذا تصور هذه الآلات في الوقت الحالي ؟
سار للكوخ بخطى متثاقلة بعد أن أضاف :- استمتعي بوقتك 0
مرت ثوان قبل أن تستوعب كلامه 0ماذا يقول ؟ كاميرات ؟ تصوير ؟ابتسمي ؟0
كادت أن تنفجر من وقع الإهانة 00كيف يجرؤ على أن لا ينبهها من كاميرات التصوير ؟
حدقت فيه وهو يمضي وكأن شيء لم يكن ثم هتفت :- لن تتركني هنا ، أليس كذلك ؟
أختلس النظر إليها :- ظننت أن هذا مرادك 0
انحنت بتذلل قبل أن تغمرها موجة وتخل بتوازنها 00أطلقت شتيمة قبل أن تصيح :- يمكنك على الأقل أن ترمي لي بالمنشفة 0
واجهها ك- حتى لو خضت الماء ورميتها لك , فلن تصل إليك 0أبداً0
- إني أتجمد من البرد 0ألا يمكنك الاقتراب من الماء أكثر ؟
لكنه سار متمهلا وهو يعود للشاطئ :- وهل أعرض سترتي للبلل؟
صرخت :- حسناً ! لانفعل! لكن ، إن أجبرتني على السير للبيت بثوب السباحة ، فلن أوجه لك الكلام مجدداً !!
كتف يديه :- عرضك مغر جداً يا آنسة0
توقف عن الكلام متململا 0ثم هز رأسه ليفك شريط حذائه :- إياك أن تعتقدي أني أقوم بذلك خوفاً من عدم التحدث إليك بعد اليوم 0
- لن تخطر هذه الفكرة في راسي مطلقاً0
ما إن خلع جوربيه حتى اندفع نحو الماء فاستوقفته قائلة :- مهلاً وماذا عن المنشفة ؟
- ستحتاجين إليها ما أن تبلغي الشاطئ0
- لكن 000لكن ماذا000
تذمر :- اخرسي بآنسة باتيست 00إني أنقذك 00فاقبلي عرضي أو ارفضيه0
لزمت مكانها وقد جمد البرد أطرافها وراحت تلوم نفسها على قرار آخر من قراراتها المتسرعة 0
حين دنا منها حدقت فيه بحذر وسألته :- ماذا000ستفعل ؟
- كما قلت لك تماماً0
بدا يخلع قميصه ، ثم أضاف وهو يرى الإجفال مرسوم على وجهها :- البسي هذا!
أمسكت القميص وتركته ينسدل فوق رأسها ، ثم جاهدت لتدخل ذراعيها في الكمين، فيما الأمواج حولها تتلاطم وجسمها يرتعش0 حين نجحت أخيراً كانت قواها قد خارت تماماً ، والنسيج قد تشرب الماء 00
_ أيمكنك أن تقفي ؟
- ط00طبعاً0
لكنها انهارت وغاصت تحت الماء 0
وبخها :- كان ذلك ممتعاً للغاية0لكن الأسلوب الذي تعتمدينه للعودة للشاطئ قد يستغرق وقتاً طويلاً0
كانت تسعل بقوة وتتنفس بجهد وأغضبتها سخريته 00
فيما هي تعود للشاطئ غمرتها المياه وأخذ جسدها يرتجف وأسنانها تصطك تلعثمت :- شكـ000شكراً يادكتور000كان هذا غـباء مني000
ظل صامتاً ،لكنها أحست به يصر أسنانه0
- أهذه دولة عسكرية يصر الرئيس على مراقبة كل شبر منها ؟
- بل تقتصر المراقبة على الشاطئ، وذلك لاكتشاف الزوار الغير شرعيين ، قبل أن ينتشروا على الساحل للتنقيب على الأحجار الكريمة0
بدا كلامه منطقيا 00كيف لم تتسأل عن وسائل الأمن في إمبراطوريتهم ؟ فهذه جزيرة زمرد00وهي لا تقدر بثمن !

وما لبثت أن شتمت نفسها لتسرعها مرة أخرى ولعدم تفكيرها 0
ولما خطت خارج المحيط ، راحت تمشي حتى تجاوزت كومة الثياب0
- ماذا عن الـ000المنشفة0
-أيمكنك أن تقفي بمفردك إن عدت لإحضارها ؟
- ليس بعد0
- ينبغي أن تصلي للبيت أولا0
- كيف وجدتني؟
لم تعد تشعر كأنها جبل جليدي فالحرارة التي يبعثها فيها هذا الرجل00
فجأة صرخت في نفسها محذرة :-لا ياميمي ، لن نخوض في هذا السجال مجددا0
- استعنت بنباح فوفو!
قالت وهي تشعر بالخزي:- إني محرجة للغاية ، هل تعتقد أن أحدهم رآني ؟
كانت ضحكته عميقة وساخرة 00رغم ذلك استقبلتها بسرور 0
- لا يتلقى قسم المراقبة راتبه كي ينقطع عن العمل لفترة طويلة 0
تمتمت بأنين :- لاشك أنهم اجتمعوا لحضور المشهد ، حاملين معهم الفشار وهم يقهقهون بلا توقف00قد أضطر لقتل نفسي0
- من جانب آخر , إنهم يتلقون رواتبهم كي يحافظوا على السرية
كنت قلقة من أن تبث مواقع الانترنت شريط مغامرتك البحرية، فلا عليك!
رفعت عينيها تحقدق فيه بهلع - أهي مسجلة ؟
ازدادت ملامحه ارتباكاً لما بادلها النظرات :- استنتج أنك غير ملمة بالأجهزة الأمنية0
في هذه اللحظة لم يكن مارك وحده من يتقد بالحرارة 0في الواقع شعرت بخجل شديد ، تنهدت بعمق ومدت يدها لشعرها المبلل0
- سأقتل نفسي بكل تأكيد0
بعد قليل أشار للكوخ قائلا:- قبل كل شيء ، هلا فتحت الباب ؟
باضطراب أدرت مقبض الباب ، حتى شعرت بحرارة الغرفة على جسمها المرتجف0
تركها وحيدة فأجفلت ، واشتد ذهولها لما راح يتابع السير بخطى واسعة0
- إلى أين تذهب ؟
- إلى الحمام 0أنت بحاجة إلى الدفء0

أحست بوخزه من الخوف فسارعت تقول :- ولكني أشعر بالدفء0
فتح باب الحمام وفتح الماء على المغطس ، ولم يمر وقت قليل حتى استقام ومرر يده في شعره ، بحركة تنم عن توتر عضلات صدره وذراعه ، سألها بصوت تشوبه الخشونة :- أيمكنك تولي الأمر من هنا ؟
على أي حال من يلومه إن كان عصبياً ؟ فقد كان الماء يقطر منه 00ولن تندهش ميمي إن انهار على الأرض بعد العناء الذي تكبده في انقاذها0
فجأة ، حانت منها التفافة وقد اتخذت قرارها 0كانت يداها تشدان القميص الفضفاض إلى الأسفل0غير أنها أرخت قبضتها بغتة ، وأومأت للطبيب بإصبع منها :- اقترب لحظة يادكتور0
أخفض حاجبيه ثم رفعهما ثانية في تعجب ملحوظ :- ما المشكلة ؟
أومأت بإصبعها مجدداً وتوسلت :- أرجوك !!
أقترب والشك يرتسم في عينيه :- ماذا تريدين الآن ؟
صمتت لحظة ، ثم همست :- شكراً0
وانسحبت بسرعة 0لم تبال إن كانت هذه الخطوة هي أحدى بنات أفكارها المتهورة0فقد كان شهما ودوداً معها ، ولم تستطع أن تكبح جماح نفسها0
وما لبثت أن أردفت :- أعلم أننا لا نتفق كثيراً ، لكنني أقدر ما فعلته من أجلي الليلة 0
ولم تكن ميمي تملك أدنى فكرة عما توقعه ، ولكن بدا واضحاً أنه لم يتوقع ما سمعه ، بقي صامتاً وهو يرمقها ، بوجه ساحر حتى في ذهوله0
وضع مارك المولود الجديد بين ذراعي ميمي0
وارتسم على وجه مساعدته المعارضة أبداً ، تعبير جديد00لم يلحظه عليها من قبل 0كانت ملامحها رقيقة وقد ترقرقت الدموع في عينيها 0بدا أن في زاوية من زوايا هذه البوهيمية شرارة أمومة0
حاول مارك أن يبعد نظره عن وجه ميمي ، ولكنه لم يستطع، بدت وكأنها تماثل مراهقة0
كان مارك قد تلقى اتصال رايف عند الواحدة يوم الأحد0ولم يكن النوم قد وجد إلي سبيلا، لاسيما أنه عجز عن طرد مغامرة المساء من ذهنه0بدت مهمة الإنقاذ تلك أسوأ أربع ساعات مرت علي في حياته0فلهذه المرأة قدرة عجيبة تقضي على رباطة جأشه، وتضاعف من توتره وتسهره الليالي00
في العادة قلما يفرح بالاتصالات الطارئة في منتصف الليل 0لكن حين رن الهاتف أمسكه وكأنه حبل النجاة ينتشله من نار مستعرة0
بعد أن انهي مارك وميمي عملهما عادا للجزيرة0كان ستار الليل يخيم على المحيط 00والسماء مرصعة بالنجوم 00جلست ميمي بسكون إلى جانبه، وهي تحدق عبر النافذة المقابلة ، ود لو يعرف الأفكار التي تشغل بالها !! وفي حركة جنونية ، استدار ليواجهها :- ما رأيك في الولادة الأولى التي ساعدت فيها ؟
لما التفتت إليه فوجئ بالدمع يترقرق في عينيها0أخذت نفساً وطرفت بعينيها حتى محت العبرات0
تمتمت بهدوء لا أثر فيه لتبجحها المعتاد :- كانت تجربة فريدة من نوعها يا دكتور 0
ابتسمت بضعف وهزت رأسها هامسة :- ميمي لغيت000هذه الفتاة الصغيرة ستشق مصاعب الحياة ، وتنعم بأفراحها ، وهي تحمل اسمي أنا!!
راح مارك ينظر إليها وهو يفكر في كلامها0لاحظ أن شفتها السفلى ترتعش 00حول انتباهه إلى عينيها ، فأذهله بحر المشاعر العنيف المتلاطم فيهما00التجربة اخفت المتسكعة الثرثارة ، لتحل محلها حساسة فاتنة في تأثيرها 0وجهت إليه نظرة ساحرة واحدة مسته في الصميم00
أدرك إنها تشعر بالامتياز والتفاهة في آن واحد فابتسم وقال
:- ستكون ميمي لغيت 00امرأة مميزة إذا امتلكت نصف شجاعتك فقط0
رغم أنه تفاجأ حين أفصح عن مكنونات صدره ، غير أنه لم يأسف0قفد قدمت له ميمي بهدوئها وسيطرتها على أعصابها ،عونا كبيراً وتستحق منه تشجيعاً0
لدى سماعها مديحه 0اتسعت عيناها المتلألئتين فجأة0
بدأت دمعة ترتعش على أهدابها ، وشقت طريقها أخيراً على خدها 0
في تلك اللحظة بالذات ، سيطرت على مارك رغبة مجنونة في غزالة المسافات بينهما ، حتى يشعر بدمعتها الندية0

 
 

 

عرض البوم صور الناظر  
قديم 26-04-08, 11:32 AM   المشاركة رقم: 72
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 45537
المشاركات: 187
الجنس أنثى
معدل التقييم: الناظر عضو على طريق التحسين
نقاط التقييم: 93

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الناظر غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
افتراضي

 

7_حديث المساء


لم تغمض ميمي جفنيها طيلة الليل ، رغم ذلك لم تكن تبغي أن تلازم الكوخ طيلة النهار0لكن عندما شاهدته منكباً على خزانة الملفات لم تستطع إلا أن تعرض عليه المساعدة00
اعلمها أنه ينهي أعمال سريعة وأنه يوم عطلتها 0بعدئذ أشار للباب وعاد يصب اهتمامه على الملفات ، خاتما بذلك حديثهما0
وافقها سلوكه تماما ، فمساء أمس طالعها في عيبيه سحر غامض ، بل عذاب جعلها تتقلب على فراشها طيلة الليل0
لا لن تدعي الدكتور يغرز سهامه في قلبك بملامحه الريفية البريئة ! إن هذا الرجل لا يستريح خوفاً من أن يحتاجه مريض ! إنه لا يناسبك ياميمي فانسي أمره0
إن آخر ماتريده هو أن تستسلم لمشاعرها وضعفها 00ل1ا فمن الواجب عليها أن تحافظ على سلامة عقلها وتبتعد عنه قدر الإمكان، فهو قادر على دفعها للتصرف بغباء وتفاهة0
ظلت ميمي تحاول أ، تطرد مارك من ذهنها 00فقد شغل أفكارها فيما هي جالسة مع كايل0 كان جايك وسوزان يرغبان بقضاء العصر في بورتلاند فسارعت ميمي لعرض خدماتها 0
وعند المساء ن دعتها سوزان لتناول العشاء معهم فوافقت0كانت تعلم أن مارك قد واظب على رفض دعواتهم للعشاء يوم الأحد 00فإذا حالفها الحط وبقي مسمراً إلى كرسيه وسط كومة الملفات ، ستتمكن من تجنبه طيلة المساء0
لقد اكتشفت أن كلاً منهما يكن للآخر شعور قل مثيله و فمن الصعب أن يذوق المرء حلاوته لبرهة ثم ينساه0
فإن تجلى هذا الشعور !! فكيف لكل منهما أن يمضي في حياته من دون أن يتذكر الماضي بمزيج من الألم والندم ؟
في يوم من الأيام ستنسى هذه المشاعر وسينير حياتها الرجل المناسب ، كما وجدت أمها أبيها وسيجوبان العالم معا ويعيشان مغامرات مثيرة000
كل هذا حلم يستحق أن تسهر لأجله ليالوتنتظر أيام 0
لاح لها الكوخ من بعيد ، فاستدارت وهمها أن تبتعد عن مارك وعن ملفات عمله قدر الإمكان!!
وجدت نفسها في منطقة لم يقع عليها نظرها من قبل ، سارت بتمهل يدفعها الفضول وهي تتأمل الأرض بتمعن 0حين وصلت حافة حفرة حدقت فيها ووضعت يديها على خصرها ، وهتفت :- إذاً ،هذا هو منجم الزمرد العظيم في جزيرة ميريت 1 برأيي ، ليس إلا فجوة كبيرة 0
- على الأقل نحن نتفق على أمر واحد ياآنسة باتيست 0
اعتراها إجفال شديد ، لم تعرف ما إذا سيغمى عليها أم تصاب بنوبة قلبية ؟ استدارت ناحية الصوت ، ويدها على قلبها
:- لقد أخفتني بشدة يادكتور ، حتى كاد كبدي يتفتت!
رمقها بنظرة متفحصة بعد أن ظهر من بين الأشجار وأشار إلى يدها التي فوق قلبها وقال :- بصفتي طبيب ياآنسة ، أؤكد لك أن هذا ليس كبدك 0
حدقت فيه قبل أن تجيب :- لماذا كنت متواريا خلف الأشجار ؟
اسند ظهره لشجرة ضخمة وقال :- كنت أراقب0
أصيبت بالإجفال فقد توقعت طل شيء إلا هذا :- تراقب ؟ ماذا ، أو من ، كنت تراقب على وجه التحديد ؟
أومأ برأسه بعيداً :- الطائر الطنان0
اختلست النظر للجهة التي أشار إليها ، وتفاجأت فعلا بالطائر الطنان يطير بين الأزهار البرية 00
هتفت :- وكنت من الاستغراق في مراقبة الطائر ، حتى أنك لم تلحظ وجودي ؟
- بل لاحظتك 00لكنني جئت هنا طلباً00
استعاد قناع الامبالاة وأضاف :-000للعزلة0
ثم ابتعد عن الشجرة :- إذاً ، أنت تظنين المنجم مجرد فجوة كبيرة ؟
لما غير الموضوع فجأة ؟ تباً لهذا الطبيب وأساليبه المشوشة!
- في 000في الواقع ليس منظراً يسر العين 0
ما إن أقرت بذلك 00حتى تمنت لو تفوهت بجواب أكثر ذكاء من هذا الهراء0
تقدم نحوها بضع خطوات فبلعت ريقها وحاولت أن تحافظ على توازنها 0 أكان عليه أن يبدو بهذه الوسامة ؟لا ن أنه مجرد رجل 00رجل يرتدي سروالا من الجينز وسترة بلون الصوف الطبيعي ، وينتعل حذاء ً رياضياً 00كالف رجل غيره 00أما شعرة الأبنوسي الأسود فهو مجرد شعراً ، والخصلة المتدلية على جبينه مجرد خصلة 0لا هي مسبوكة بالذهب ولا مغزولة بالحرير !!
وهل هاتين العينين الامعتان غير عينين فحسب ؟ لا شك أن في العالم ملايين العيون مثلها ! فما بالها إذاً ؟ وسرت في جسمها قشعريرة سمرتها مكانها0
حين أصبح على بعد خطوتين منها وقف وركع عند قدميها والتقط حجرة صغيرة 0وحين استقام أخيراً عرض ما بيده قائلاً :- هذه زمردة / أو أنها ستكون كذلك ما إن تصقل 0
حين رفعت يديها غريزياً ، ترك الحصاة تسقط في كفها 0تأملتها حتى تبينت النور الأخضر المتلالي فيها 00تمتمت برقة :- رائع0
وما لبثت أن التفتت وتابعت :- إن حدث وفشلت كطبيب بإمكانك العمل بمنجم الزمرد!
ضحك بخفوت وقال :- شكراً ، سأدرس هذا الاحتمال إذا فشلت حياتي المهنية0
ظلت تقلب الحصاة بين يديها وسألته :- أيمكنني الاحتفاظ بها ؟
ثم رفعت سوارها وأضافت :- إني أجمع بعض التذكارات من مغامراتي 0000
سكتت ثم أضافت :- 000إلا إن كانت نفيسة جداً ، فآخر ما أرمي إليه هو إفلاس الشركة 0
- هز رأسه بتعبير ساخر وأجاب :- تسرفي على رسلك فلا أظن أننا على شفير الافلاس0
- لست متأكدة من ذلك يادكتور ، فمع حياة الترف والرفاهية التي تعيشها في الكوخ لا استطيع أن امنع نفسي من القلق0
هزت رأسها بسخرية وأضافت :- إن استخدامك لهذا العدد الكبير من الخدم ، وانغماسك في الملذات ، يدفعاني للشك ، واخشي أن ينتهي بك المطاف تحت جسر0المسألة مسألة وقت ليس إلا 0
حتى تكشيرته كادت تخطف لبها :- يالهذا الانتقاد القاسي !
راعها ما تخلفه جاذبيته فيها من أثر !!

سرعان ما أشاحت بنظرها عنه والرعب يتملكها 0
أرادت أن تثرثر حول أي موضوع تافه لتنفلت منه0
ابتلعت ريقها وهي تقاوم لتتجاهله و جاذبيته0
وقد عقدت الفرصة على الهرب في أقرب فرصة ممكنة راحت تثرثر وتثرثر للتخلص من تأثيره عليها 0صرخ بها :- تباً ، ميمي ! ميمي اصمتي!
لما اكتشفت أنه قريب منها قرب شديد سألته بحدة :- ماذا ؟
كيف أقترب منها ؟ وهي ما انفكت تبتعد عنه !!
عادت لتسأله بصوت هامس :- ماذا ؟
كان الاضطراب يكتنف ملامحه 00زمجر :- أعفيني من هذه التفصيلات المطبخية 000لا أريد إلا شيء واحد ، وأريده في الحال !!
كانت تفضل ألا تعرف ماذا يريد000
اخترقتها نظراته حتى عرفت أنها تطلب منها ما لن تمنحه بسهولة0
- ماذا ستمنحينني كتذكار على زيارتك ؟
رغم أنه طرح السؤال بهدوء بالغ ،إلا أن تغييراً ما طرأ على وجهه0
وسرعان مافهمت أنه لم يسألها إلا كارهاً0كانت تحس بالصراع داخلة 00وأن رغبته في التورط مع غجرية طائشة تماثل رغبته في التهام حشرة!!
كما لاحظت بحر الانفعالات المتناقضة الذي يغرقه ، لأنها سبق وغرقت فيه0
أقسمت ميمي ، على ألا تسمح لنفسها بالانجراف ستتحكم بتصرفاتها ، وتكون مسئولة عنها مسؤولية تامة0
وأخيراً تمالكت أعصابها وقررت ألا تعير طلبه أي اهتمام0
ولمزيد من الاهتمام ، ابتسمت ابتسامة وقحة ، ثم قالت بهدوء ظاهري :- حسناً دكتور ، ماذا تريد لئلا تنساني ؟
أطلقت حنجرة مارك صوت مخنوق ، وإذا بجيشان من المشاعر
يسري في شرايينها كالنار الهشيم0
وما هي إلا ثوان حتى همس ك- لاترحلي يا ميمي0 أبقي معي0
أثار كلامه فيها عذاباً لا يوصف 00
إن الالتماس في صوته 00لا بل الطلب الآمر ، أرسل نوبة ذعر في جسمها 0
ماذا يقول ؟ دار العالم في عينيها 0 واكتسى لون أسود منذراً بالسوء, وأحست أنه رمى بها في فراغ لا نهاية له 0
أيتها المرأة الغبية 00ماذا كنت تتوقعين ؟ ألم تعرفي أن الحال ستؤول لذلك ؟ الم تعرفي لماذا كنت تخشين الاقتراب منه ؟
إن مارك قد اتخذ لنفسه موطناً ، مأوى يلتمس فيه الراحة ، ولا يرغب إلا في حياة تقليدية ، وزوجة مثالية ، انه يفتقد روح المغامرة ، بل هو إنسان مسمر في مكانه ! يخفف عبء من حوله ليل نهار ! وكتن تعرفين ذلك تمام المعرفة من البداية أيتها الغبية !!
استبد بها الغضب لأنها سمحت للضعف أن يتحكم بها00
صرخت :- دعني وشأني 000اذهب لتدرس ملفاتك !
تركها بسرعة 0 ولما تعثرت قدمها سددت له أصبع الاتهام 0
- أنت تعرف طبيعتي يامارك ، وتعرف طموحي ! كنت تعرف ذلك من البداية0
أخذت نفس عميق وتابعت :- إن حياتي مرسومة بالتفصيل 00وحياتك كذلك00أعترف أن سحراً غريباً فيك ن أوفي يشدني إليك ، أويجذبك إلي 0إنما لاتقع أسير هذا !!فأنا لست من النوع الذي يحب الحياة المنزليةالآمنة0
دفنت يد مرتجفة في شعرها ولم يعد يسمع إلا خشخشة الحلي في سوارها0أطبق مارك على أسنانه00
حذرته وقد أزعجته نبرة الالتماس في صوتها :- إياك أن تطلب مني البقاء ، ماذا كنت تقول لو طلبت منك الرحيل ؟
ومض الغضب في عينيه وسألها بخشونة ك- وأين عساي أذهب ؟ ولماذا ؟ إن حياتي هنا 0
- هذا ما أعنيه تماما0
ثم ولت مدبرة0صحيح أنها كانت تمشي ببطء وبشق الأنفس ، لكنها رحلت أخيرأ0
ظل مارك مستلقياً مدة طويلة 0حين أدرك ماذا اقترف وأين هو ، كانت الشمس تشرف على المغيب0هز رأسه وقد راعه تصرفه لقد جاهد على أن يتجنب ميمي 00وحين فرغ من أعماله ، راح يهيم في الجزيرة على غير هدى 0لماذا كلمها ؟ ولماذا أعلن عن حضوره ؟ كان ذلك خطأه الأول لماذا طلب منها تذكار ؟هذا خطؤه الثاني00
أغمض عينيه وأفلتت منه شتيمة 00لقد أرادها أن تبقى بقربه00
لم يتخيل نفسه رجلاً مندفعاً أو متهورأً، لكنه أقدم للتو على طلب يد هذه المرأة !!
_ أنت رجل مريض ! مالك نفسك 0لا يطلب الرجال من النساء الزواج على نحو غير متوقع، لاسيما حين يدركون تفاهة الفكرة !!
- إلى من تتكلم ؟
رفع مارك عينيه فوقع بصره على جايك وهو يتأبط ذراع سوزان 0 كانا ينظران إليه بفضول 0
قال مارك محاولا استعادة رباطة جأشه :- لم أتوقع أن أراكما هنا في مثل هذه الساعة 0
أفلتت سوزان ذراع زوجها واتجهت لمارك :- ماذا جرى لك ؟ أكنت تتقلب في الوحل ؟
حين سمع كلامها أحس بحرارة تجتاح عنقه ، وارتجل جواباً :- لقد وقعت!!
ارتفع صوت جايك بنبرة مريبة :- أحقاً ؟ وعلى من وقعت ؟
سأل ليبدل الموضوع :- ماذا تفعلان هنا الآن ؟ إن الظلام يخيم على المكان0
كشفت إمارات جايك عن تسلية هددت راحة بال مارك 0 وقال :- يبدو أن ميمي وقعت 0000بدورها0
أخذ جايك يراقب أخيه بابتسامة من كشف سراً , وأردف :- من العجيب أن كلاكما أخرف بهذا الشكل !!
منحت سوزان مارك نظرة رقيقة وبعد برهة تمتمت :- عزيزي مارك لم لا تنضم إلينا على مائدة العشاء 0
ابتلع ريقه بصعوبة ثم دس يديه في جيبيه وأجاب بسرعة :- لا أظن ذلك 000على أن أحضر ملفات عمل ما 000
وسرعان ما أجفل 0 صحيح أنه تلفظ بأول فكرة خطرت على باله 000لكنها كانت فكرة سيئة جداً00
التفت جايك لسوزان وما لبث أن أومأ ، وفي عينيه وميض مكر جلي 00
- أقلت ملفات ؟ حسناً ، إن أسرعت ، بإمكانك أن تعد ( ملفها ) فيما هي تستحم 0
أجتاح العبوس وجه مارك ، أحس أنه يخسر شجاعته شيء فشيء00صر على أسنانه 00لماذا يشعر أنه أكبر أحمق في العالم ؟ إنه يستحق هذه السخرية !! كيف طلب يد أقل من يلائمه في هذا العالم ظ لم تخطيء ميمي في صراخها وغضبها عليه ، بل في رفضها لغبائه00إنما مهما حاول أن يبرر رفضها أو يقنع نفسه به ، فما زال يولد في قلبه ألواناً من العذاب!!


8/ ضحية الفراولة


جلست ميمي عند الشاطئ ، بعد أن أضرمت النار 00كانت بحاجة للدفء ولتبقى لوحدها00فقد انقلبت حياتها رأس على عقب ، وساد فيها الاضطراب والفوضى 00وهاهي عالقة في جزيرة يسكنها أصحاب ثروة طائلة 0أنى لها أن تعرف أنهم سيكونون بهذه الطيبة والتواضع ؟ لم تحس بهذه الراحة مع الناس منذ وفاة والديها0
ومما يثير الاستغراب أن أي من آل ميريت لم ينشد المغامرة خلف البحار رغم الأموال الطائلة التي يملكونها والتي تسمح لهم بالسفر لأي مكان تشتهيه نفوسهم 0
فجأة أحست بحكة في رجلها ، فدفنت قدميها في الرمل00وعلا العبوس وجهها 0فكرت في مارك 00كم هو مختلف عنها ، لا يعقل أبداً أن تغرم به!
أنها بحاجة ماسة لمجالسة النجوم ، فقد خاضت اليوم تجربة عنيفة وأدركت أن تعلقها بهذه العائلة لن يجر عليها إلا المزيد من المشاكل0
فركت ميمي وجهها بعد أن شعرت بوخز خفيف ، ثم تنهدت وهي تحاول أن تطرد طيف الذكرى 0تباً لها أنها تشعر بالراحة والرضا في هذا المكان00عليها أن تعود لأسفارها00
تمتمت :- ياللمصيبة التي ألمت بك ياميمي ! أكان من الضروري أن تصطدمي بـ0000
تركت الكلمات تموت على لسانها ، وأغمضت عينيها بقوة ، لتمنع أفكارها من الهرب نحو مارك0
ثم أطلقت تنهيدة تنطوي على مزيج من الكآبة والتعب ،
تباً له لقد طلب منها ذلك الوغد000
ارتفع صوت محذر في داخلها : كفى يا ميمي ! توقفي عن التفكير في هذا الرجل !فكري فيما تريدين عدا هذا الرجل !
- ماذا تظنين نفسك فاعلة ؟
أجفلها سؤال مارك الفظ فاستدارت نحوه وأجابت :- يا إلهي يا دكتور! أعليك أن تظهر دائما كالشبح ؟ ستسبب لي نوبة قلبية0!
كانت تحاول أن تتبين مكانه في هذا الليل المعتم 00عندما عاودتها الحكة مجدداً ، لكن عندما كشفت النار عن قامة مارك الفارعة , نسيت أمر حكاكها ونسيت أمر مغادرة الجزيرة ، ولم يبق في ذهنها إلا منظره وهو يخرج من العتمة0
كان وهج النيران قد أضفى عليه جاذبية لا توصف ، فأضاءت وجهه وصدره 00كان حافي القدمين00فخيل لها أن طارئا انتشله من سريره على وجه السرعة 0فما كان منها إلا أن استقامت في جلستها ، وهي تنفض الرمل عن يديها :- هل طرأت حالة مستعجلة يادكتور ؟ أمن مريض يحتاج إلينا ؟
- كلا0
حين أمسى على بعد خطوات منها توقف وحدق بالنار المشتعلة قبل أن يعبس قائلاً:- ماذا تفعلين ؟
بادلته العبوس ومررت يدها على كتفها حيث شعرت بوخزه خفيفة 00ردت :- إني أهتم بشؤوني الخاصة يادكتور كثير من الناس يقومون بذلك 0يجدر بك أن تحاول ذلك في بعض الأحيان0
- يسعدني ذلك ، لكن رجال المراقبة لا ينفكون يتصلون بي بشأن مغامرتك الأخيرة 0
قاومت رغبة في التقدم نحو الكاميرا والصراخ أمام العدسة 0
- إني لا ألفت نظر سفينة القراصنة ! أمن الخطأ أن احظي بقصد من الراحة ؟ألا تستطيعون رجالك المجانين أتركني وشاني ولو لمرة واحدة ؟
أطلق زفيراً يعتريه التعب وتقدم نحوها قائلاً :- هل تنوين أن تقضين الليل في العراء ؟
مدت يدها بشرود إلى كاحلها ، وأخذت تفركه وهي تتمتم :- لست أدري 000وماذا لو فعلت ؟
أجاب بهدوء :- اسمعي يا ميمي 00إني آسف بشأن ماحدث هذا العصر0
ساد سكون عميق لم يقطعه إلا صوت الموج في البعيد 00قال أخيراً :- لا أدري ماذا انتابني ؟!
فكرت قليلاً وتمتمت :- إنه ماض انقضى , ما كا ن يجدر أن أتصرف بعصبية 0
ظلت تحدق فيه وهي عاجزة عن الإشاحة بوجهها 00يا لتلك الهفوة التي ارتكبتها !
أضافت :- إن كنت لا تمانع , أفضل أن ابقي لوحدي 0
لما لم يجبها ، التفتت نحوه حتى التقت عيناهما 0شيئأ فشيء ، بدأت ملامحه تتغير ، فاتسعت عيناه واكتسى وجهه بالهم والتجهم ، ولما فتح فمه أخيراً ، أبصرها وهي تفرك ذقنها بشدة 0
قرب وجهها من النار ، وهتف :- لا تتحركي 0
- في ماذا تحدق ؟هل طال أنفي ؟
وفجاه تذكرت هذه النظرة فبعد العمل معه أصبحت تعرف نظرة الطبيب المعاين0
أنعم النظر في ذراعيها وساقيها ُثم أجابها :- إن البثور تكسو وجهك 00هل تشعرين بحكاك
التفتت لذراعيها وقدميها فصرخت :- آه ، لا !
رفعت رأسها لمواجهة عينيه القلقتين وأضافت :- لا شك أن النحلية احتوت على الفراولة !
راحت تلوم نفسها لأنها أغفلت هذه المسألة مررت يدها في شعرها وأجابت :- إنه ضرب من ضروب الذكاء اقترفته فيما الدواء يكاد ينفذ مني 0
- لا تخافي 0 من حسن الحظ أنني طبيب وأملك أدوية أيضاً0
سار نحو الكوخ ، فيما أخذت تحك عنقها ، وهي تسير في أعقابه باضطراب0
ما إن دخلا الكوخ ، حتى ادخلها أمامه للحمام وهو يقول :-اصمتي أرجوك 0 ولآن ، خذي حمام معتدلا ، ونظفي عنك الرمل ، قبل أن أعاينك 0
كانت كل ثانية تمر تزيد من حدة الحكة 00فما كان منها إلا أن طردته بمزيج من العنف والشر للخارج :- حسناً دكتور ، لكن على أن أحذرك 0 أني أمسي غريبة الأطوار حين أشعر بتوعك ولن أتخلص من هذا الخبل إلا بمعجزة !!
ابتسم بسخرية :- يالسوء حظي 0هذا هو سبب غرابتك إذاً0
وقبل أن يتوارى خلف الباب لمحت التواء مريباً في شفتيه 0بعد عشر دقائق سرحت شعرها المبلل 00كانت تشعر كأنها ضحية هجوم نحل ساحق 0
لا شك أن ملمس الثياب على جسدها سيعذبها عذاباً مريراَ ، لكن مع وجود الطبيب الجذاب في الجوار ، أتملك خياراً ؟
لما خرجت من الحمام 00توقفت فجأة عندما رأته مستنداً على الجدار وفي يده حقنة 0 تقدم منها وراح يعاينها 0
- يبدو أن الحالة تشتد سوءاً0
كشرت :- لا أهذه حقنة أخرى ؟
- من الأفضل أن أحقنك في المطبخ حيث الإضاءة جيدة 0
ولما استدار تبعته متمتمة :- يالسعادتي !!
أكان من الضروري أن يراها بتلك البثور الممقرفة ؟
قبضت على منشفتها بإحكام وجلست 00حتي الجلوس بات في نظرها مشقة !
- لن يستغرق الأمر إلا ثوان0
أسندت مرفقها للطاولة ، ثم أرخت رأسها فوق يدها قائلة :- بما أنني على وشك الموت 00لا أظن أن وخزة إبرة ستحدث فرقاً0
لفتت انتباهها ضحكته الخافتة لكنه سرعان ما تجهم00ليصب اهتمامه على عمله 0 أغمضت عينيها وانتظرت بترقب0
- انتهينا 000ينبغي أن تشعري بتحسن ابتداء من الآن 0
حركت يدها :- أتمانع إن جلست هنا مستسلمة للموت ؟
- أخشى أنني أمانع ، فنحن لم ننته بعد 0
- إلى أين نحن ذاهبان ؟
- إلى غرفة المعاينة0
أرغمها على الوقوف ، وسألته :- لماذا ؟
ابتسم ابتسامة تفتقر للظرف :- أملك مرهما ً موضعيا قد يشفي:0
- أحقاً؟
- لقد شهد الطب تطور ملحوظ ياميمي , إن تجرأت على الخروج من البرية ، لعرفت ذلك بنفسك 0
أعادت تثبيت المنشفة حول عنقها 00وتبعته 0
- سأعطيك أنبوبين ، لتأخذيهما معك عند رحيلك ، بالإضافة إلى بعض الحبوب التي تعطي نتيجة فعالة ، أنما ليس بالسرعة نفسها0
أحست بمشاعر متخبطة في داخلها 00بدا كأي طبيب محترف إنما مع فارق بسيط00كان في غاية الروعة فعلاً ( إنه طبيب الروعة ) هذه الكلمة تصف احساسها0
التفت نحوها بعد أن كان يبحث في خزانة الأدوية وقال :- أقلت شيئاً؟
شتمت نفسها في سرها :- لا 00كنت أتألم وحسب0
ماذا لو سمعها فعلاً ؟أنها لا تحتاج في الوقت الحالي إلا إلى

طبيب صارم متحفظ 0
أضاف :- هذا دواء فعال0
نظرت إليه بارتياب وقالت م- سأدهن المرهم في غرفتي 00فلا تتعب000
قاطعها :- اهدئي ياميمي0 لن أهاجمك0سبق واعتذرت عما حصل اليوم00فماذا تريدين مني بعد ؟ أن أكتب اعتذاري بريشة مغمسة في دمي ؟
حاول أن يتكلم من جديد ، لكنه ضم شفتيه وكأن ذهنه استقر على الصمت أخيراً
لاطفته قائلة :- ماذا ؟
رمقها بنظرة أوقفت خفقات قلبها ، ثم هز رأسه وأجاب :- ضعي المرهم وحسب 0لقد تأخر الوقت وغدا يوم عمل 0
قبل أن ترد كان قد غادر الغرفة 0
حين استعادت رشدها لم تملك إلا أن تحدق في الباب المغلق ، وفجأة , وجدت دمعة طريقها لخدها وانسابت حتى حطت على الطاولة 0
من حسن حظ ميمي أن العيادة لم تزدحم بالمرضى يوم الاثنين ولما حلت الساعة الخامسة اغتسل مارك ن واستعد ليعد العشاء00فيما راحت ميمي تضع المرهم على جسدها 0
ألقت نظرة على صورتها المنعكسة في المرآة 00عشرات من البثور كانت تغطي وجهها حتى شوهته 0لكن على القل نجا شعرها من هذه البثور ن أما جفناها فمنتفخان ، حتى يخيل للمرء أنها تلقت لكمة على عينيها 0ولم يقتصر الأمر على ذلك بل انبعثت منها رائحة المرهم00فاحست كأنها وقعت في وعاء كبير من الليموناضة الفاسدة0
لقد بعث منظرها المرعب ورائحتها السامة الخوف في أكثر من مريض اليوم , لكن ما إن قيل لهم أنها ما تعانيه وحساسية حتى تنفسوا الصعداء00
أرادت أن تعد العشاء لكنها تفضل إن تسير على الجمر المتقد على التواجد بقرب مارك !!
قررت ارتداء قناع لامبالاة 00فخرجت من الحمام نحو المطبخ 0 وعندما دنت من الغرفة توقفت فجأة وقد أبصرت زائرة جالسة إلى مائدة المطبخ0تفحصتها ميمي من رأسها لأخمص قدميها ن فلم تغفل عن شعرها الرائع ن وقد عقصته بعناية ، ولم تنس أن تتأمل حذاءها اللماع العالي الكعبين0
لاحظت ميمي أنها وضعت ساقيها الطويلتين الرشيقتين رجلاً فوق رجل بطريقة مغرية 0 أما رأسها فملتفت نحو مارك الذي اتكأ بتكاسل إلى الخزانة ن وبدا مستغرق في حديث رسم ابتسامة عريضة على وجهه0
وبدل أن تحييها ميمي أكتفت بتساؤل :- ألديك ضيوف ؟
ولكن كم ودت أن تصرخ في وجهها :- ارحلي !!
ما أن التفتت المرأة نحوها ن حتى تلاشى تعبيرها المرح واتسعت عيناها وكأنها أبصرت وحشاً0
ولما أدركت أن ردة فعلها تعتبر اهانة ، سارعت للقول بابتسامة :- سامحيني ، لقد اجفلتني 0
أشار مارك لميمي وقال :- إينيد ، هذه مساعدتي المؤقتة ن ميمي باتيست 0ميمي أقدم لم انيد بلاك 0لقد عملنا سويا ً في بوسطن0
ابتسمت ميمي بتكلف قائلة ك- حقا ؟
أما إينيد فمدت يدها لميمي وكأنها تنتظر منها أن تقبلها ، ثم قالت بتهذيب :- تشرفت بلقائك ياميمي 00علمت ان لديك حساسية من الفراولة 0سلمت عليها ميمي مكرهة 0ثم ردت بمزاح ك- حساسية على الفراولة ؟ ظننت أن هره تصيد الجرذان قد عضتني بين عينيي 0
سألها مارك ك- كيف حال الحكة ؟
- إنها محتملة 0
الحق يقال لقد قلص عذابها إلى الثلث !
سألته :- إنه دواء ناجح ، كيف اكتشفت وجوده ظ
لوى فمه بابتسامه :- غني أجمع المعلومات من هنا وهناك ن كمدرسة الطب مثلاً0
كم أحست بالغباء البالغ 00لعل ظهور إينيد المفاجئ قد أثر فيها لسبب و آخر0
توجه مار لإينيد وابتسم لها بحميمية طعنت ميمي بسكين الغيرة 0
- لقد عرجت إينيد علي وهي في طريقها لحضور زفاف اختها0
رمقتها ميمي وهتفت :- أحقا
أمرت نفسها بصمت ك- قولي أن هذا رائع 000عليك أن تهنئي ضيفة مارك !
لكن سرً غامضاً أطبق فكها 00ترى لم تتصرف كامرأة غيورة ؟
اقتربت أيند من مارك ورفعت وجهها إلية ومنحته ابتسامة رقيقة 0
- رغم أن بيتك لم يكن في طريقي ن إنما كان علي أن أعرج عليك ، وأتفقد حالك في حياة الريف 00لقد حطم مارك الكثير من القلوب عندما ترك المدينة 0
تمتمت ميمي ك- حقاً0
في الواقع كانت تقاوم رغبة في أن تسألها إن كان مارك قد جرح قلبها أيضا، فإن فعل فيبدو أنها لم تستسلم للحسرة!!
أحست ميمي أن هذه المرأة قد تسلحت جيداً لاصطياد مارك 00فثوبها المثير وزينتها وحليها أشارات من الوضوح ما أدهش ميمي أن مارك لم ينتبه لها 00لكن الرجال لايلاحظون عادة نوايا النساء00
لما ضاقت عيني الصهباء أدركت ميمي أن إنيند عرفت أن ميمي كشفت سرها فابتسمت ميمي سألتها :- إذاً ، كم ستمكثين ؟
- هذا المساء فقط!
رمقت مارك وهي تطرف بأهدابها وأكملت :- أرجو ألا تكون مشغولاً0
فغمزها وسارع يجيب :- أنا حر كالعصفور0
شعرت ميمي بالاشمئزاز 00فقد مر أسبوعان على وجودها لم يكن فيها مارك حراً ولا ليلة واحدة 00أما الآن فقد أصبح بسحر ساحرحراً000يله من ساذج مغفل أبله00!!
ذكرت نفسها : لا 00هذا جنون مارك ليس أبله00وهو لم يقع في المصيدة إلا لأنه يريد ذلك 0ألم يوضح لها أنه ماعاد إلى جزيرة ميريت إلا للاستقرار والزواج 00وانين تنفع لذلك!!
عادت إينيد تكمل :- إليك فكرتي 00ما رأيك بتناول العشاء في بورتلاند ؟ وغن حالفني الحظ ، بإمكانك أن توصلني للمطار 0لن تقلع الطائرة إلا عند منتصف الليل0
تناهى إليها صوت مارك :- من الفضل أن أبدل ملابسي 0
سمعتها ترد :- لا تكن سخيفاًن فأنت رائع!
ثم مررت يدها على ثوبها وأردفت :- كما أنني ألبس هذا الرداء القديم0
حملقت فيها ميمي فإن لم يخب ظنها ، فإن رداءها القديم هذا لايعود إلى أبعد من الأمس0
ابتسم مارك ابتسامة عريضة لإينيد ن فأعتصر اللم قلب ميمي00اختلس مارك النظر إليها فكادت ان تتراجع للوراء0
- سأحمل معي هاتفي الخلوي ن فإن طرأت حالة مستعجلة ن أعلميني0
رمقها منتقداً وتابع :- يبدو أن التورم حول عينيك زاد سوءاً 0لن يضرك عن أويت للفراش باكراً0
- حاضر يا والدي!!
نظر إليها لثوان ، قبل أن يقول إينيد :هل أنت جاهزة ؟
- طبعاً0
راقبتهما ميمي وهما يغادران المطبخ ن فارتمت على احد الكراسي ، فجأة قفزت ميمي لحضنها بقوة أرسلت موجات من الألم فيها فعبست ميمي0
وتمتمت ك- عن أي رجل عاقل يفضل الخروج بصحبة امرأة جميلة شغوفة به ن على أن يلازم البيت مع امرأة كثيرة التذمر لها شكل الوحش ورائحته!!لم تبرح مكانها لفترة طويلة ن محاولة بلا جدوى أن تطرد صورهما وهما يتغازلان00لكنها سرعان ما باتت ضحية موجات من الغيرة قضت على تعقلها 0
تمتمت :- ها اعتبر سيئة إن تمنيت أن تكسر ذراعها هذه المرأة في هذه الليلة ؟
عطست الكلبة ، فما كان من ميمي إلا أن تنهدت بحزن وتمتمت :- ظننت ذلك أيضاً


0
9/ كيف أنساه

أدرك مارك أن الغباء وحده دفعه للخروج على العشاء مع إينيد 0 وما إن استلم سيارته من المر آب ، حتى راح يشتم نفسه على تصرفه المتهور 0كان غاضبا لأنه يدرك تماما هدف إينيد ولأن فكرة اللهو مع فتاة لعوب راقت له حينها 0فعلى أي حال لقد نبذته ميمي ن حيت تصرف كالمعتوه وناشدها حبها وهي أثبطت عزيمته وورطته في مشاكل هو في غنى عنها 00وهذا ارتأى أن العلاج الأنجع هو قبول عرض إينيد المغري0
تباً ! كيف قضى الأمسية وهو يفكر ماذا كانت بحاجة لحقنة إضافية ، أو لمساعدة في إعداد العشاء ن وخائفاً عليها من ألم في جلدها أو مشاكل في عينيها ظ
دخل الكوخ ن وإذا به يرى نوراً يتسلل من المطبخ 0 لابد أن ميمي نائمة ! نظر لساعته فوجدها تشير إلى الثانية وعشر دقائق 0الم يأمرها بالخلود للنوم مبكراً ؟
وما لبث أن هز رأسه هازئاً من حماقته 00وتمتم :- هل تسمع كلامك يا ميريت ظ متى رضخت لأي أمر أعطيتها إياه ؟
لم يتفاجأ حين دخل المطبخ ووجدها غير أنه أندهش من المكان الذي اختارته للجلوس 0كانت حافية القدمين ، وتجلس على الرف بجانب البراد 0 أما يدها فممتدة للأمام وكأنها تمسك طبقاً شهياً للغاية وفوفو تقفز على قدميها وكأنها كلبة سيرك مدربة0
سأل :- ماذا جرى ظ
قالت من دون أن تبتسم :- محباً00أوصلت للتو ؟
استند للباب وأجاب ك- أبدا ً 0 فأنا هنا منذ ساعات 0لكني أهوى الاختباء في غرفة الطعام 0
زمت شفتيها ونادت :- هيا يا فوفو ن بقيت قطعة أخيرة0
أجاب- آمل أنك لا تطعمينها الحشرات 0
رغم تعبه ابتسم ، ما هذا الحظ السعيد الذي انعم عليه بوجه منقط وعينين منتفختين ، في مطبخه وسط الليل ؟
رمت قطعة من الطعام ، قفزت فوفو في الهواء لتلتقطها 0 وهنا صفقت ميمي بيديها وضحكت بابتهاج ك- أحسنت فوفو 1 والآن آمل أن تنالي قسطاً من النوم 0
نظرت لمارك وأضافت :- كانت معدة فوفو تكركر بصوت عال ، فأيقظتني ، وأعددنا طبقاً من البيض0تملكت مارك رغبة هائلة في الدنو منها ، سألها :- أعددتما البيض ؟
قفزت ميمي للأرض وحكت ظهرها وقالت :- إن فوفو صعبة الإرضاء ، وهي ترفض أن تتناول لقمة غلا إذا رميتها إليها من العالي 0
أشارت للأرض الملوثة ببقايا الطعام :- تطلب منها التقاط الطعام في الهواء وقتاً لابأس به!
- في العادة تأكل فوفو طعامها في وعائها الخاض0
تقدم للمطبخ فتفاجأ بميمي ترفع يدها في وجهه :- إياك أن تدخل قبل أن أنظف هذه الفوضى !
سحبت مكنسة وقالت :- أيعقل إنها كانت تأكل طعامها في وعائها ؟ بالله عليك أين روح المغامرة في ذلك
أعادت ملاحظتها الأمور لنصابها ! تلاشت ابتسامته وكأنها وجهت إليه صفعة عنيفة 00نزع المكنسة من يدها وقال :- سأتولى الأمر 0 أما أنت ، فاذهبي للنوم 000تبدين رهيبة 0
كان شعرها ينسدل بفتنة حول وجهها المنتفخ ،
فيما عيناها اللوزيتان متورمتان00رغم ذلك ساورته في هذه اللحظة ، مشاعر رقيقة تجاهها 0
رفعت وجهها إليه وقد خلا من تعبير الوقاحة أو الجرأة ، بدت متعبة فهمست ك- تصبح على خير يادكتور000اراك في الصباح 0
- ميمـ 0000آنسة باتيست
- التفتت إليه وقد استحالت كآبتها لتسأل حذر :- نعم ؟
- كيف حالك
كان سؤال فارغ لا يهدف إلا إلى تأجيل رحيلها بضع ثوان 0بدا في تلك اللحظة طبيبها المداوي ، وهذه هي أكبر درجة من الحميمية يمكن أن تكتنف علاقتهما0
تنحنح قليلا قبل أن يضيف :
- أتريدين مني 000أن أعالج ظهرك بالمرهم ؟ فهذا لن يؤذي !
تبدلت ملامحها ببطء ن والتوت شفتاها بضعف :- بل يؤذي يامارك ، يؤذي جداً0


كان الأربعاء يوم عمل عادي في المكتب0 أما آثار الحساسية التي عانتها ميمي فقد بدأت تتلاشى ، فيما عاد جفناها إلى طبيعتهما 0 كما أن أسرها شارف على نهايته !!فقد قابل مارك المرشحات اللواتي أتين إلى الجزيرة 0 وسيتخذ قراره بين لحظة وأخرى ، فتبحر هي بحلول يوم الاثنين المقبل 00ثم تطير إلى أي مكان00
جلست ميمي وصبت اهتمامها على عملها حتى أنها بالكاد سمعت الباب يفتح0 ومن غير أن ترفع نظرها قالت :- سأتفرغ لك بعد دقيقة0
فارتفع صوت أنثوي مألوف : لا داعي للعجلة00فكرت أن أحضر لك ولمارك غداء بسيط0
رفعن ميمي وجهها وإذا به يقع على سوزان ، وسلة غداء في يدها ابتسمت لها وأجابت : شكراً ياسوزان ، أني أموت جوعا ً0
- سأضع هذه السلة في المطبخ على الطاولة 0فكرت00فكرت في أن أشاركك الغداء ، إن كنت لا تمانعين0
استغربت ميمي تردد سوزان :- طبعاً 00نود ذلك كثيراً00
- سأعد المائدة0
في معظم الأيام كان غداؤهما يتألف من أي وجبة سريعة يستطيعان إعدادها ، لكن غداء سرزان هذا كان وليمة لذيذة0
جلست سوزان بينهما ، مما سهل عليهما تبادل الحديث00إلا أنسوزان كانت تسكت بين الفينة والفينة ، فأحست ميمي أن أمراً يشغلها 00تنحنحت سوزان ، وكسا الجد ملامح وجهها 00فتوجست ميمي شراً0
:- اسمع يا مارك 00كنت أتساءل إن 000أعرف أنها استراحة الغداء ، لكن 000كنت أشعر بالتوعك مؤخراً ، وتسألت إن كنت 000
تورد وجهها وتابعت :- هل تمانع في أن تكشف علي ؟
راقبتها ميمي من الخلف وهما يخرجان ، وقد أثر فيها عطف مارك على زوجة أخيه0
وفجأة انتشلها صوت من أحلامها :- ميمي ؟
- نعم 0
- أحتاج للقيام ببعض الفحوصات 0
- سأحضر حالاً0
بعد ساعة تقدم مارك والغموض لا يفارق وجهه 0وتمتم بهدوء :- لا أدري كيف أنقل إليك الخبر يا سوزان 0
ابتلعت ميمي ريقها بشدة 00وسمعته يتابع :- إن هذا نادر اً ما يحصل ، لا سيما في حالتك 0 فمع أن بطانة رحمك ملتهبة ، لكن 000
افتر ثغره عن شبه ابتسامة :يبدو000أنك حامل 0
لم تكن تتوقع ميمي هذا ، التفتت لسوزان التي كانت تحملق في مارك 00وهمست سوزان : إني 000ماذا ؟
- إن هذا نادراً ما يحدث ، ولكنه يحدث أحياناً0 هنئيني ، سأغدو عماً0
- امتلأ قلب ميمي فرحاً فقفزت من مقعدها وهي تهتف بهجة 00وتبادل مارك مع سوزان التهاني :- سأنجب 000طفلاً؟
غمز مارك وأجاب :- انطلاقاً من خبرتي وثقافتي ، أجيبك بنعم 0
- متى ؟
- نهاية شباط القادم حسب تقديري 0أرجو ألا تكوني قد خططت لشيء آخر!
أجهشت بالبكاء وهي تمسك بميمي :- أنا 000لا أصدق ذلك !
بعد أن احتضنتها راحت تردد : سأنجب طفلا ً!
وجدت ميمي نفسها أسيرة بحر من الإثارة فقبلت سوزان ،وراحتا تصرخان معا وتقفزان بسعادة 0التفتت ميمي لمارك وهي تصرخ :- هذا رائع ، شكراً! شكرا!
قهقه مارك قائلاً : رغم أن الفضل لا يعود لي ، ولكن على الرحب والسعة0
ردت ميمي- بل يعود لك ! لقد قمت بالفحوصات وشخصت الحالة، وزفيت الخبر لنا 00أنت رائع0
ضاقت عيناه : استقري على رأي ! يا فتاة أنا رائع ، وطوراً منفي من حياتك ! ما1ا أمثل بالنسبة لك ؟
شحب وجهها 00لكن سعالا قطع عليهما حديثهما0
كانت سوزان :- يجدر بي أن أنبئ الوالد العتيد 00أكملا ما كنتما تفعلانه0
رحلت سوزان00وبقيا لمدة طويلة يتبادلان النظرات الصامته0
0تناهت إليها همساته ، فيما عيناه تتأملانها : ميمي00
ارتعشت أوصالها فقد كانت تتوق إليه وتخاف منه في وقت واحد :- نعم ؟
سألها بلطف :- أيمكن أن تحطي رحالك ذات يوم ؟
تملكها دوار عظيم 00فقد أدركت أنه سيطلب منها الزواج 00لكنها لن تمنح نفسها فرصة لتضعف فتقبل بمنزل وأسرة في مكان منعزل00
حذرته بصوت مرتعش :- إياك أن تبدأ مجددا يامارك ! إن عقليتك الرجعية تدفعك للاعتقاد أن أي إنسان قد يجد السعادة في هذه الحياة الراكدة!
أكفهر وجهه وأجاب :- من الناس من يعيش حياة سعيدة ، يحقق فيها كل آماله ، من غير أن يسافر طيلة حياته0
صرخت في وجهه :- سم لي واحداً منهم ! أما أنا ، فيمكنني من جهة أخرى ، أن اسمي لك المئات بل الآلاف ممن اشتهروا باكتشافاتهم0
ضاقت عيناه :- إذاً ، أنت تسعين وراء الشهرة 0لم أكن أدرك ذلك 0
رغم أنه وجه إليها الاتهام بصوت خافت إلا أنه دوى كالرعد في أذنيها 0
لم تخطر لها هذه الفكرة من قبل ولكن لعل شهرة والديها وحاجتها لإثبات نفسها قد أثرا على قراراتها 00ردت وهي تمرر يد مرتعشة في شعرها :- كل000كل ما أريده هو إحداث فرق0
لماذا يستنزف قواها ويخلف في قلبها هذه اللهفة ؟
- ألا تظنين أنني أحدث فرقاً؟
أسدلت جفنيها تسعى للهروب من الألم في عينيه000
_ أنت تحرف كلامي 0
لما عجزت عن إيجاد الكلمات للدفاع عن نفسها، حاولت أن تتأمل وجهه وتبحث في عينيه عن الاضطراب 0غير أنه أشاح بوجهه وزمجر قائلاً:
- حسناً كما تريدين0
ثم أشار للمكتب بنظرة سريعة وحادة وأردف :
- أمامنا عمل كثير0
خرج بتشامخ 0وتركها أسيرة للارتعاش والعبرات 0أربعة أيام فقط تفصلها عن موعد سفرها 0عليها أن ترحل بعيدا عن جزيرة ميريت وعن مارك000
- آنسة باتيست !
أجفلت ميمي 0كان مارك غاضباً 0لكن أيمكنها أن تلومه ؟ ففي غضون أسبوعين أقدمت على نبذه أكثر من مرة0
تناهى إليها صراخه :- ميمي ، إني احتاج إليك !!
هرعت للباب وتمتمت :- ستتغلب على مشاعرك0
من الصعب أن يقضي مارك بقية حياته وحيداً0
لكن ترى ، 000كيف تتغلب ميمي هي على مشاعرها ؟

10_هبطا إلى الأرض

إن كان من أمر تعلمته ميمي من مارك خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة ، فهو أنه لا يقبل الرفض جيداً0ولعل رفضها له يعد الأول من نوعه في حياته 00ولكن مارك سيتعامل مع الوضع الجديد0
وأمست الأيام القليلة المتبقية صعبة للغاية ، إذ راح يرميها بنظرات غاضبة ، ويزعق بالأوامر 00وباتت ميمي أسيرة للكآبة00
أملت ميمي أن تساعدها هذه الأمسية في الترويح عن أفكارها 0كان قد راق لها أن سوزان وجايك قررا إقامة حفلة على شرف المولود الجديد الذي سينضم لشجرة عائلة ميريت0
ومع أن مارك – ثقيل الظل – سيكون حاضر ، لكنها مصممة على الاستمتاع بوقتها0
تزينت بأبهى حلة استعداداًللحفلة00ولما وقع نظرها على مارك في المطبخ ،ظنت أنه غادر الكوخ ، بدت ملامحه حادة أما ملابسه فغير رسمية ومثيرة في آن 0حين تناهت إليه خطواتها ، رفع بصرع إليها فخطف أنفاسها0
- هل أنت جاهزة ؟
- جاهزة يادكتور 000ظننتك غادرت منذ فترة0
رفع حاجبيه وأجاب :- نسيت أن أطعم فوفو0لا أدري لما بت بهذا الشرود!
أما هي فتدري00أنطلقت أمامه 0
علمت أنه يتبعها لأنها تنشقت عطره 00حين بلغا الباب الأمامي تمتم :- اسمعي يا ميمي000
رمقته بنظرة سريعة :- أستمع لماذا؟
ابتسم بسخرية وأجاب :- فلنحاول أن ننسجم الليلة 0 فعلى أي حال ، إنها حفلة0
- أنا لا أواجه مشكلة في الانسجام ، لكن أنت من يواظب على التذمر وكأنك000
قاطعها :- حسناً ، حسناً000فلنتصرف كصديقين ، من أجل سوزان وجايك 0 فخبر الحمل أثلج صدرهما ، ولا أريد لخلافاتنا أن تعكر صفو الحفلة0
أملت رأسها بتبجح وقالت :-أنا في مزاج جيد للغاية0

وهرعت وهي تصر على أسنانها ، فمواجهته عسيرة 0
تابع :- كلا ، لست كذلك ، بل وجهك مكفهر كسماء تنذر بعاصفة0
سددت له نظرة غاضبة وصاحت :- دعني وشأني!
تذمر بوجه متجهم :- سنتصرف الليلة كصديقين ، وإن قادنا ذلك إلى حتفنا!
هزت يدها بعنف وهتفت :- من غير الضروري أن تنلكم لبعضنا البعض0
- لكننا سنفعل0
- ومن قال ذلك ؟
- أنا !
رفعت رأسها لأعلى وقد أذهلها الغضب في عينيه :- أنت ؟ ومن تكون أنت لتملي علي أي نوع من الأصدقاء نحن ؟ إلا يحق لي أن أشارك في التصويت ؟
- كلا0
أجبرت على الالتفاف لمواجهته :- بل سأصوت !! وبما أننا نعمل معاً من غير أن نصرح بمشاعرنا أصوت أن نتظاهر بالصداقة 0
تمتم بهدوء :- لا يحق لك أن تصوتي ياميمي0
لم يعجبها هذا الهدوء فهتفت :- ولم لا ؟
التفت بعيدا وهو يقول :- لأنني لا أرغب في منحك صوتا!
-ماذا تعني بأنك لا ترغب في ذلك ؟
- أعني ما قلته تماماً0
مشت وراءه وهي تكاد تتعثر :- هذا لبس بعدل0
- لقد أخبرتني أنت بنفسك أننا معشر الأطباء نتصرف على هوانا 0
وفجأة تعثرت ووقعت فعلاً0
اصطدمت قدمها بصخرة ووقعت 00أحنت رأسها للتفحص ساقها ، وقد أجفلها الألم 0كانت ساقها جريحة وتنزف منها الدماء بغزارة0
لم تعرف أن مارك بجانبها إلا حين سمعته يشتم :- آنا آسف ، إني أحمق0
كانت على وشك أن تفتح فمها لتوافقه القول ،حين علمت أن ذلك لن يكون إلا سخافة 00حاولت أن تقف إلا أن الألم حال دون ذلك0
- سأساعدك0
- لا شكراً، فلنقم بما علينا فعله0
وجهت للقصر نظرة وهي تشعر بالضعف0شعر مارك بالاشمئزاز من غبائه وحين وصلا للحفلة كان يشتم نفسه للمرة المائة 0
هل أصيب بالجنون ، لقد أوضحت له أنها لا تبادله نفس المشاعر 00نهاية النقاش 0وكيف تصرف حضرة الطبيب العظيم ؟
تمتم :- كأحمق يعوزه التفكير السليم ، هكذا تصرفت!!
- هل أصبحنا نكلم أنفسنا الآن ؟"
أجفل مارك ونظر للوراء فأبصر أخاه :
- أنت تسير كالهرره0
ابتسم جايك وقال :- ماذا تفعل وحدك هنا ؟ إن الحفلة في الحديقة 0
عرف مارك أن هروبه للمكتب ضرب من الجنون 00هل بات الآن أحمق وجبانا في نفس الوقت ؟
- أنا آسف جايك 00إنها حفلة رائعة ولكنني 000متعب وحسب0
- إذاً لم تدعو نفسك بالأحمق؟
اختلس مارك النظر لشقيقه وقال :- هلا نسيت الأمر00
سرعان ما تهالك على الأريكة الجلدية بجانب الموقد ، وأغمض عينين ، وأطلق تنهيدة طويلة قال بعدها :- اسمع ياجايك ، عد للحفلة ، وسأوافيك حالاً 000كل مافي الأمر أنني000
تنهد بإحباط وأضاف :- 000أحتاج000
دوى صوت في عقله متابعاً : ميمي ! أنت تحتاج ميمي0
جلس جايك بجواره :- أفترض أن قصة الحب العنيفة آلت بالفشل ، أليس كذلك ؟
أجفل مارك وأحس بصداع يتملكه فتمتم :- أما زلت هنا ؟
-تابع جايك :- لكن ميمي تبدو سعيدة ومرتاحة0
عبس مارك في وجه أخيه :- نعم ، هذا ما لاحظته أيضاً0
- هل بحت لها بمشاعرك ؟
لم يستطع مارك كتم ضحكة ساخرة0
- لديها فكرة عن الموضوع0
حدق مارك في السقف00وأحس بيد شقيقه على كتفه ، وكأنه يبدي تفهماً صامتاً0
- حسناً، أنت لا تريد الخوض في الموضوع 00هيا انضم للحفلة يارجل ! فإطالة الكآبة تزيد الطين بلة0أكلمك بصفتي خبير فقد كنت ملك العبوس سنوات عديدة ، قبل أن تظهر سوزان في حياتي00لكن تأمل حالي اليوم !!
التفت مارك لأخيه :- إنك تشعرني بالاشمئزاز جوكو 00ماذا فعلت لتستحق الشعور بالسعادة؟
ضحك جايك ووقف :- لقد حالفني الحظ0
أراد أن يفيض في الكلام ، غير أنه سكت فجأة وعلى ملامحه الجد0وتناهى الصوت لمسامع مارك كذلك0
- بدا لي أنه ذكر000
لكن مارك لم يتابع بل حدق في المذياع غير مصدق0
- 000وهي الابنة الوحيدة للسناتور لورانس نوردستورم من كاليفورنيا 0وتبلغ أوليفيا نوردستورم الثالثة والعشرين من العمر0وقد تعرضت اليوم لحادث كاد يودي بحياتها ، خلال ممارستها لرياضة القفز في الهواء 0
عند خروج السناتور من مبنى الكونغرس علق على هذه التجربة :- إني وزوجتي ندين لزاكري ميريت بفضل كبير 00فقد جازف بحياته لينقذ أوليفيا حين عجزت عن فتح مظلتها 0لقد شاهدت الشريط الذي صوره أحد الهواة 00وأقشعر بدني حين رأيت هذا الشاب يقفز في الهواء معرضاً نفسه للخطر ،ليمسك بابنتي فيما هي تنهار0000وبفضل شجاعة ومهارة السيد ميريت هبط الاثنان للأرض سالمين سنحرص على شكر الشاب شخصياً00
- ها أنتما إذاً000
همس جايك وهو يوقفها بيده :- انتظري لحظة ياحبيبتي 000إنهم يبثون خبراً عن زاك0
اختلس مارك النظر لسوزان التي تلاشت الابتسامة عن وجهها 00وعن بعد خطوتين منها وقفت ميمي والحيرة على ملامحها0
حين تابع مذيع الأخبار التعليق على عملية الإنقاذ00
تكلم مارك : قد تبث السي إن إن المشاهد 0
وماهي إلا ثوان وأدار التلفاز 00فظهر على الشاشة رجل يناهز الخمسين أما التعليق أسفل الشاشة فكان السيناتور نوردستورم وزوجته من كالفورنيا0
ظهرت على الشاشة مشاهد الانقاذ00
كشفت الصورة عن رجل هو زاكري ميريت وقد ابتعد عن المجموعة0
فيما الرجل يهبط إلى الأسفل كسهم ناري , سمع مارك شهقة وأدرك أن سوزان اقتربن منه 0 ثم همست بخوف : أهذا أخوك ؟
أومأ مارك : يبدو ذلك0
انضم جايك إليهم وهو يوجه حديثه لمارك :- أتذكر حين كان زاك في الحادية عشرة من عمره ؟ لقد قفز عن سطح الدكتور فليت ، أليس كذلك ؟
رسمت الذكرى طيف ابتسامه على شفتي مارك := نعم ، وقد أحسن اختيار المكان ، بما أنه كسر ساقه 0
قهقه جايك :- من كان يظن أنه يتدرب ليكون بطلاً؟
عرض الشريط هبوط زاك الصاروخي نحو المرأة التي تهوي 0وبحركة سريعة كالبرق أمسك بها وقبض عليها بإحكام ، قبل أن يفتح المظلة0بعد ذلك هبطا محدثين موجة عظيمة من التراب0
كان مذيع الأخبار يعلق على المشهد ، حين ظهرت على الشاشة الصورة نفسها من زاوية أخرى 0بدا زاك تحت الحبال ، وهو يحاول أن يتخلص من قطعة قماش المظلة الذي أعاق تحركه0
أظهرت الكاميرا بسرعة وجهه ، وهو منهك في استخراج عدته 0
تعجب مارك كيف تغيرت ملامح أخيه منذ أن رآه للمرة الأخيرة 0لقد أصبح أطول قامة وأمتن بنية0لكنه مازال له نفس الابتسامة الساحرة ، والشعر الأسود الكثيف0
كان يكبر زاك بسنة واحدة فعمره الآن 36عاماً0
بينت الكاميرا زاك وهو يساعد أوليفيا نوردستورم على الوقوف رغم أن ساقها أصيبت 00راحت تشكر زاك بحرارة0
قالت سوزان : للسيناتور ابنة جميلة جداً0
ضحك مارك :- من غير زاك لينقذ الجميلات ؟
أضافت سوزان :- إنهما يشكلان ثنائي لطيف 0
أجاب مارك :- نعم ثنائي لطيف ومجنون0
عندها قالت ميمي :- لا أظن أنهما مجنونان ، بل يتجرعان كأس الحياة حتى نهايته0
- ولكن أحدهما كاد أن يتجرع السم اليوم0
- ولكنها لم تمت ، وهذا هو المهم0
ارتفع صوت سوزان :- أظن أن زاك يشبهك يا مارك 0
تنفس مارك الصعداء حين تغير الموضوع فهو يعرف فلسفة ميمي في الموضوع ، وأقل ما يتمناه هو اثارة الموضوع من جديد00فما الفائدة ؟!قال جايك ممازحاً : بما أنك أثرت الموضوع ، أظن أن زاك ومارك يشبهان بعضهما كثيراً ، فكلاهما يحب الحياة العائلية البسيطة 0
دفعت سوزان زوجها بمرفقها وأجابت :- يل لآرائك الشخصية الساخرة000في الواقع ، عنيت أن لمارك ابتسامة زاك 0ولكن زاك يملك أيضاً غمازة ، وهذا مالا تملكانه أنتما الاثنان0
اقتربت ميمي من مارك وقالت :- لا أصدق أن هذا أخوك 0 لـم لم تذكره قط ؟
أطفا مارك التلفزيون والتفت إليها محاولا إلا يقع في أسر عينيها التي اتسعتا مع دهشتها :- زاك أخونا الأوسط 0لم يتفق والملك جورج يوماً0 لذا غادر المنزل قبل وقت طويل0يقولجايك أنه حضر مأتم أمي ، لكنه اختفى سريعاً 00كان ذلك منذ ثماني سنوات0
كانوا يفتقدون ذلك المتشرد00رغم أن رجال ميريت لا يظهرون عواطفهم00
- باستثناء الاتصال في الأعياد ، فإننا إجمالا لا نتلقى منه خبر 0
- فلنواجه الأمر ، إن البطاقات البريدية ، ليست مثيرة بقدر عمليات الإنقاذ0
قهقهت سوزان وأمسكت بيد زوجها قائلة :- والآن يا عزيزي ، فلنذهب إلى الحديقة حيث ينتظرنا قالب الحلوى يحرسه جورج وكايل بحياتهما0إني أرفض أن ألتهم نصفه وحدي 0يكفي أن وزني سيزداد قريباً!0- حسناً ياحبيبتي 0 تعرفين أني أكره أن أخيب آمالك 0ولكني أظن أن جورج وكايل لا يقومان بالحراسة وحسب000
راقبهما مارك يخرجان فيما مزاجه الكئيب يتحول لغيرة سوداء00
تمتمت ميمي :- هذا مثير للاهتمام 0لقد تبين أخيراً أن في عائلتك جينات شهوة السفر0
ابتعد عنها ليخلص نفسه من عذاب تنشق شذاها0ثم اختلس النظر إليها وقال :
- قد تلتقين به ذات يوم في مجاهل أفريقيا أو القطب الجنوبي ، إن فعلت أخبريه أن عائلته ترغب في رؤيته ثانية 0
بقيت تراقبه ، واختفت ابتسامتها ثم قالت :
- حسنا ً0
نظرت ناحية الباب ، وكأنها لا تطيق صبراً حتى تخرج ، فدفعته كآبته المجنونة إلى القيام بإيماءة ساخرة ، ثم ضحك وقال :
- اذهبي ، فأنت لست سجينتي0
استدارت نحوه وأجابت :- بل تسجنني يا مارك، حتى صباح الاثنين0
حين تذكر أنها تتحرق شوقاً لمغادرة جزيرة ميريت000000وعن مصدر الإزعاج فيها خانته شجاعته 0فأدار ظهره لها وأسند يديه إلى عتبة النافذة 0
- تبا! يا ميمي0لقد تم إصلاح زورقك ، ويمكن لوكيل سفريات جايك أن يرسل لك بالفاكس بطاقة سفر في غضون دقائق ز إن كنت متلهفة للرحيل فارحلي!
أحنى مارك رأسه وهو يشتم نفسه على تفوهه بهذه الكلمات ، فهو لا يريدها أن ترحل ! لا بل يفضل قطع يده على أن0000
تمتمت بهدوء :- حسناً 000رائع 0
شيئاً فشيء تلاشى وقع خطاها ، حتى انقطع نهائياً0
سرت في بدنه قشعريرة مخدرة 0 ودوى في أذنيه صوت له من ريح الشتاء هديرها0
تلك الريح التي تغلغلت في شعرك وتظل تتردد في رأسك حتى بعد أن تحط العاصفة رحالها وتموت00
كيف ينساها

خشيت ميمي أن تكون أفسدت الحفلة بنفسها ،فمارك لم يخرج لتناول الحلوى مما هدد بالقضاء على سعادة سوزان وجايك 0تباً لها !!أكان عليها إن تتسم بهذه الأنانية وتقبل دعوتهما ، بالرغم من مشاكلها مع مارك؟إنهم عائلته أما هي فكان عليها ملازمة الكوخ ببعيد عن آل ميريت وحفلتهم الخاصة00
في غضون ساعة كان جايك قد دبر لها تذكرة لجاوا ، كما وعدها مارك 00وبات رحيلها أمر لا بد منه000كان الظلام يخيم على الكوخ ، فافترضت أن مارك قد خلد للنوم 0
ولما كانت الليلة منعشة صافية ، قررت ميمي أن تشرع نافذتها على مصراعيها ، عسى نسيم المحيط يلفحها ورائحته تتغلغل فيها 00وما إن فعلت حتى لمحت شعلة بين الأشجار 00ظلت لبرهة تحملق علها تكتشف أمر 000وأخيراً بدا لها وكأن أحد أضرم النار في العراء000
ترى من ، ذاك المرابط فوق الرمال ؟
تقدمت ميمي نحو الباب الأمامي واندفعت نحو الشرفة بفضول 0ترى هل يخيم عمال المنجم على الشواطئ ؟لا يمكن بالطبع !! ولا يعقل أن يكون الطبيب الموسوس وراء ذلك ، وإلا نظف الساحل بأكمله أولاً0بدأت تكتشف الحقيقة التي لا تصدق 0كان الرجل يجلس وحيداً ، لا رفقي له إلا ضوء النار والبحر000وهذا الرجل هو مارك فعلاً!!
كانت النيران قد أكسبته لوناً برونزياً غريباً00تمهلت في سيرها ، وقلبها يخفق بشدة ففي منظره من الإثارة ما لا يصدق0
استدار إليها وفي عضلاته المفتولة تشنج واضح 0وما لبث أن ناداها :
- هل من حالة طارئة ؟
- لا 0
جلست بقربه ، ثم حانت منها التفاته إلى وجهه 0كانت نظراته شاردة في البعيد 0 أيحق لها أن تلومه لأنه غفل عن النظر إليها ؟
- ماذا تفعل هنا ؟
رمقها بنظرة قاتمة وأجاب :- اهتم بشؤوني الخاصة 000كثير من الناس يقومون بذلك 0 يجدر بك 000
تابعت بابتسامة :- أن أحاول ذلك في بعض الأحيان 000أعرف ذلك 0
ثم أراحت ذقنها فوق ركبتيها وتابعت :- وأفترض أن رجال المراقبة لا يواجهون مشاكل معك، أليس كذلك ؟
أرادته أن يبتسم ، رباه كم اشتاقت لابتسامته000لكن كل ما فعله هو رميها بنظرة ضيقة ، وأشاح بوجهه0
سأل :- لم ما زلت هنا ؟ اعتقدت أنك تتلهفين للرحيل ؟
أصابتها كلماته القاسية بالغضب :- لن تنفجر الجزيرة !كان على أن أغسل ملابسي 0ومن ثم يفترض أن أحزم أمتعتي 0هل سبق وفعلت ذلك ؟
حاولت ألا تفكر في الألم المتفاقم في أحشائها وكأنه حداد على شعور مات واندثر00
- كما أن الطائرة تقلع غداً ظهراً 0لكن لا تقلق يادكتور ، إني راحلة مع أولى ساعات الصباح0
مرر أصابعه في شعره بذهول ، ثم أنزل يده واستند إليها 0كان لتقلص عضلاته أثر من عذاب لا يحتمل 00
كان وقعه على ميمي أشبه بنار محرقة ، وأحست بنبضها يتسارع حتى كاد أن ينفجر0
كانت تتوقع منه كل شيء إلا أن ينحني نحوها ويتسأل بوجد :- من هو صديقك المفضل ياميمي ؟
أذهلها سؤاله فتلعثمت :- في الواقع000أصدقائي كُثر ز
تفحص وجهها :- سم لي واحد0
أجابته بتحد :- لا تكن سخيفاً0لي أصدقاء منتشرون في كل أنحاء العالم 0بل الآف من الأصدقاء0
هز كتفيه استهجاناً:- إذاً، لا داعي لاتخاذ هذا الموقف الدفاعي0
حدقت فيه وقالت :-لست دفـ0000
قاطعها وهو يوجه لها نظرة تساؤلية أخرى :- كيف التقى والداك ؟
استغربت أسئلته 00أهي وسيلة لتمضية الوقت من دون تبادل أحاديث حميمة ؟ أم يسعى لمضايقتها ؟
- كانت أمي تقضي إجازتها في مصر ، مع بقية المعلمين حين000
بنظرة سريعة :- أقلت معلمين ؟ ألم تكن مصورة في البراري ؟
-كلا , لماذا ؟
- مجرد فضول0
عادت تحملق فيه عابسة ، فيما هو يحدق في المحيط0أطبق أسنانه بإحكام 0إذاً لم يكن غير مكترث كما أرادها أن تظن00
- هل كانت تحب التعليم ؟
- بل كانت تعشقه 0
همهم 00ثم وجه إليها نظرة متأملة لم تعجبها 00وشيئاً فشيء لمعت في ذهنها فكرة 0
- إن كنت تحاول أن تبرهن أن أمي هجرت عملاً عزيزاً على قلبها من أجل أبي، وأنها قتلت أحلامها لتعيش معه ، فأنت مخطئ تماما، لقد أنجبتني وعلمتني ، لم أكن تلميذة حمقاء ، بل أنا أفضل ممن تلقوا تعليماً منهجياً! وهذا يثبت أن أمي لم تتخل عن حلمها !
بعد أن فرغت من حجتها ، أحست بارتياح شديد ، ثم هتفت بنبرة جافة وهي تسعى للانتقام منه :
- ماذا بوسعك أن تقول الآن ؟
أحنى ظهره وراح ينفض الرمل عن يديه ، ثم وقف وقال :
- فهمت0
بقي مدة يحدق في المحيط القاتم ، وأخيراً تمتم برزانة:
- لقد قدمت لي يد المساعدة خلال هذه الأسابيع ، وأنا أقدر ذلك 0أتمنى أن تعثري يوما على ما تبحثين عنه0
صمت للحظات ، ثم أضاف بهمس :
- تصبحين على خير يا ميمي0
واختفى00000000

كان مارك يتناول طعامه الذي أرسلته سوزان بشرود تام 00ففي هذه الأيام ، بات الطعام بلا نكهة ولا طعم0أما حياته الخاصة ففارغة تافهة 0 لكن لحسن الحظ كان المرضى يتدفقون على عيادته ، فيحولون دون أفكاره تلك0
بذل في الشهرين اللذين تليا سفر ميمي ، جهداً ملحوظاً لمواعدة النساء 0وحين حل شهر تشرين الأول واجه الحقيقة المرة 0إنه يحب ميمي باتست ، ولا فائدة من إضاعة الوقت في مواعدة غيرها حتى يطردها من قلبه ، وينتزع جذور حبها العميق ولكن كيف لرجل أن يطرد امرأة من قلبه ، إن لم يسع لاستبدالها بأخرى ؟ لكن قلبه يرفض الانخراط في البحث عن ضالته المنشودة 0من هنا قرر أن يمنح نفسه المزيد من الوقت عله ينسى 0
قضم قضمة أخرى من شطيرته ، ثم أعادها للطبق 0لم يكن يشعر بالجوع 00ليته جائع فعلاً00ليته يشعر بالجوع أو الظمأ أو الإثارة أو الاهتمام0
- مرحبا يا أخي 0
التفت مارك ، وإذا به يرى جايك عند باب المطبخ ، فما كان منه إلا أن رفع حاجباً ، وهو عاجز عن الابتسام0سأله :- ما الأمر ؟
- كنت أنا وسوزان نفكر في الذهاب إلى بورتلاند ، لتناول العشاء ومشاهدة فيلم ، ما رأيك لو تتصل برفيقة ، فنذهب نحن الأربعة ؟
تنهد جايك كمن عيل صبره وأضاف :- اسمع ، أتمانع إن وضعت النقاط على الحروف ؟
نعم يمانع 00فالحديث عن تعلقه بميمي ولإطلال لا يفيد0إن عقله يدرك هذا تماماً ، لكن قلبه لا يدركه0
تمتم :- ليتك تنسى الموضوع ياجايك ، فأنا على ما يرام 0
سارع جايك بالقول :- لكنك لست سعيد0
هز كتفيه وقال :- أنا أهذي من السعادة!0
زم جايك شفتيه وقال :
لا أريد أن أنعتك بالكذب ، ولكنك لا تبدو سعيداً
سارع مارك للإجابة بابتسامة عريضة :-إني أحاول إلا اظهر ذلك ، فأنت تعلم ما يقال عن الرجال الذين ينعمون بسعادة فائقة 0
قطب جايك وتمتم :- نعم000يحسدون000كأن يكون المرء باهر في الجمال أو فاحش الثراء ، أو سليم العقل0
اكتفى مارك بالابتسام وهو يعلم أن أي كلمة يتفوه بها لن تكون في صالحه 00
قال جايك بتعاطف :- إن تعليق الآمال على امرأة مضيعة للوقت 0فإما إن تبحث عنها أو تطردها من رأسك0
أقلع مارك عن ابتسامته البلهاء، وتمتم :- كيف ابحث عنها ، وأنا لا اعلم لها مكان؟
حدق جايك في أخيه فترة طويلة ، فمن يعرف الأحزان أكثر من الأخ الأكبر في عائلة ميريت ؟
إنما من حسن حطه أن وجد ضالته أخيراً في سوزان 0
تبادلت عيونهما حديث صامت ، احني بعده جايك رأسه 0000ثم هز كتفيه لا مبالاة واستسلاماً0


11_ التاريخ يعيد نفسه0


صار بوسع مارك أن يبحر إلى جزيرة ميريت ، حتى وإن كان الضباب مخيما ً0وحتى وإن كان بهذا الشرود 0
لقد ازدادت أفكاره تيهاً وسبح في عالم خيالي بعيد عن أرض الواقع 0
لم يعد مسحوراً بمعالم الطبيعة 0 فهذا الضباب المخيم فوق المياه 00وهواء البحر المثقل بآلف رائحة ورائحة ، وسكون الليل هذا ماعاد يحتل في نفسه المكانة المميزة 0 أما مشاعره فما عاد يخالطها أي فرح 0وفؤاده لا يحفل إلا بصحة المرضى وحسب 00ترى أهذا حال المرء حين تموت مشاعره ، ويفقد الجمال في نظره كل معنى ؟
تطلع للأمام بعينين لا تبصران ، وراح يجاهد لينزع من قلبه ألما زرعته امرأة لن يراها مجدداً0كم يكره العيش في مملكة الخيال يلاحق شبحاً0
تباً ياميريت لا تتصرف كأرمل باكي ! فهذا لا يليق بك !
وفجأة أحس بشيء يرتطم بمركبه ارتطام مدوي ، انتشله من أفكاره الشاردة 0
وضع يده فوق عينيه وحدق في الضباب 0تباً له ! لقد كان غارقاً في أحزانه حتى أنه لم ينتبه للرادار0
أحس بمزيج من القلق والعذاب ، ثم أشعل أضواء المركب وهو يشعر أن هذه الحادثة مألوفة0ما أن انتقل للجانب المتضرر ، حتى لأخذ يحملق في الضباب الذي اخترقه أنوار المركب 0
لم يكن من الصعب عليه أن يميز مقدمة زورق صغير 0لاحظ أن المجاديف تحطمت على جانبيه 0وطبقة الدهان اللماع أتلفت 0
كتم مارك شتيمة 0
هل مركبه هدف للمراكب الأخرى ؟
لمح مارك من زاوية عينيه شخص ينهض ببطء ويحاول أن يثبت ذراعه على الصاري0عساه يستعيد توازنه0
عبس مارك 00كيف لهذا الشخص الذي تسبب في تلك الضربة العنيفة لمركبه أن يشبه ميمي لهذا الحد ؟
أخذ مارك يفرك عينيه وهو غير مصدق 0لا يعتقد أنه وصل لهذه الدرجة من الهلوسة !!
أطلقت المرأة عويلا ، وقبضت على شعرها المسترسل 0
ثم حولت نظرها لمارك ، وأشارت بإصبعها لمقدمة الزورق المتضررة0
- أنظر إلى ما فعلته بزورقي ؟
رمقها مارك وهو لا يدري أهو في الواقع أم في الخيال 0إن صوتها يشبه صوت ميمي أيضاً!
بعد مرور دقيقة ، وضعت يديها على خصرها ونادته :- أليس لديك ما تقوله ؟ كأن تلوم طيشك لأنه جعلك تجنح بمركبك لتصطدم بمقدمة زورقي ؟
حدق فيها ثم همس بشك :- ميمي ؟
تقدمت منه بحذر وتابعت :- ومن ثم أقول : لكنه حتى ليس بمركبي 0
- يا الهي !
- كلا ، لا يفترض بك أن تقول هذا الآن ، بل عليك أن تسأل بنبرة ساخرة : وهل افترض أنك كنت تمرين بالجوار حين سمعت صوت الارتطام , وقررت تقصي الأمر ؟
دنت بسرعة من المجاديف المحطمة 0 وحين أصبحت قريبة منه رفعت إليه ناظريها 0كانت عينيها متيقظتين وشعرها مسترسل وقد انبعث منها عطر لطيف ، أحيى فيه ذكريات حلوة مرة في نفس الوقت 0
همس :- ماذا تفعلين ؟
ابتسمت بضعف وقالت :- كلا ، من المفترض أن تخبرني أن رأسي قد أصيب ، وأنك ستفحصه ، ثم تدعوني لمركبك 0
تملكته الحيرة ، لكن الغمامة بدأت تنقشع 0إلا أنه لم يرغب بالمزاح فلعلها ترغب بمغامرة جديدة0
أجابها بصوت حذر :- أنت لا تنزفين ياميمي0
رفعت يدها لرأسها :- يبدو أنني أتعلم من أخطائي0
وما لبثت أن ابتسمت له وكأنها تشجعه :- ولكني حطمت مركبك ، ولا يمكنني الإبحار بزورقي وهو على هذه الحالة ، اعتقد أن علي أن أعمل لحسابك يادكتور مجدداً0
ومن غير أن تنتظر ، رفعت نفسها حتى أصبحت على متن مركبه وبجواره ، اختل توازنها :- يالطيشي ! كم أنا آسفة!
لم يعرف ماذا يفعل 00اعتدلت في وقفتها وابتعدت عنه خطوة 0
- ما قولك ؟
- ما قولي ، في ماذا ؟
ترى هل أصيب رأسه هذه المرة ؟!!
- ما قولك في أن أعمل لحسابك حتى أدفع الأضرار؟
مرر أنامله في شعره وهو يحس أنه فقد قدرته على التركيز 00
- لقد وظفت ممرضاً ياميمي 0
- إذاً كيف تقترح أن أسدد ثمن الأضرار يادكتور ؟
لاحظ سلسلة تلمع حول عنقها ، وحجرة الزمرد حولها الذي منحها إياه ، رفع السلسلة بيده وقال :
- هذه تفي بالغرض 0
هزت رأسها وعينيها لا تغادران عينيه :- آسفة !لا استطيع أن أتخلى عنها ، فهي تذكرني برجل عرفته يوماً0
ارتبك00وسمع نفسه يقول :- رجل أعجبك ؟
- لا !
ابتسمت بوقاحة فتخبط قلبه بين أضلعه 0
تابعت :- بل رجل أحببته0
حرمه كلامها كل قدرة على التعبير ،وشعر بالغيرة فرمقها بذهول00
ساد صمت طويل فابتلعت ريقها00و تابعت :- إنه طبيب محافظ ، فيما أنا رحالة 0 كان من الطبيعي ألا تنجح علاقتنا0
راقبها بوجه علاه التقطيب 0أي لعبة تلعب ؟ هل خططت لتدفعه للجنون ؟
- أليس لديك ما تقول ؟
أيريد فعلاً أن يتسبب بمزيد من الأضرار، سألها بشك :- مثل ماذا ؟
صرخت :- مثل أنك تحبني أيها الأحمق ، مثل أنك تريدني أن ابقي أيها الغبي ، مثل أنك كنت تعيساً من دوني0
00هل يجرؤ ويؤمن أن عذابه قد وصل للختام ؟ هل يجرؤ ويجازف بالإفصاح عن مشاعره ، والتعرض لمزيد من الأذى؟
قال في سره : بلى يا رجل ، هل تريد أن تتابع حياتك كطيف بشري ؟هل تريد ميمي ؟ تباً! إنها هنا قل شيئاً ، حتى وإن كانت تمارس معك لعبة سخيفة ، وإلا ندمت طوال حياتك 0
تمتم برزانة :- حسناً ، أريدك أن تبقي ياميمي ، لقد كنت تعيساً من غيرك ، وأنا أحبك أكثر من حياتي0
ذُهلت وتسألت وقد اتسعت عيناها :- أنت 000أنت تحبني ؟
رأى دموع تترقرق في عينيها وارتجاف في شفتها السفلى فأدرك أن وقاحتها لم تكن إلا قناع 00اجتاحته سعادة غامرة تمكن من الابتسام 00
- بالطبع أحبك 000أيتها الحمقاء الصغيرة 0
مسحت دمعة منسابة وتمتمت :- حسناً ، ماذا نفعل في هذا الصدد ؟
شعر بوخز في قلبه :- ماذا يمكنني أن أفعل ، إن كنت لا تكتفين بالمرور من هنا ، وتحطيم المراكب ؟
سألته بصوت مرتجف :- ماذا لو لم أكن مكتفية ؟00ماذا00ستقول حينها ؟
همست :- كنت أنانية،فعجزت عن رؤية الحقيقة ، فيما هي ماثلة أمامي 00بعد أن تركتك أدركت أن السفر حول العالم ليس الحلم الذي أنشده، بل كنت أتوق للانتماء لعائلة محبة0
خاف أن يتحرك فيتلاشى الحلم000
- حين عشت معك ومع عائلتك , بدت لي أمنيات قريبة المنال ، غير أنني لم اسمح لنفسي بالاعتراف بذلك ، إلا عندما000
سكتت فجأة وقد تملكها الاضطراب00
تمتم :- ياميمي 000أريدك أن تصبحي زوجتي 0
كانت كلماته البسيطة حافلة بالوعود
- هل تتزوجيني ؟
مازحته دافعة به إلى جنون عاصف :
- لا يمكنني أن أتزوج وأنا أدين لك 000كيف تريدني أن أسدد لك ثمن الأضرار التي لحقت بمركبك ؟
أطلق ضحكة من كل قلبه ، وأجلسها على مقعد خشبي وهو يحذرها بابتسامة :- يستحسن أن يكون هذا رداً بالإيجاب 0
أطلقت تنهيدة عميقة وتمتمت :- نعم 000نعم يامارك 000ما أجمل أن يعود المرء لبيته !
وأردفت :- حبيبي 000سيكون حبك سلسلة من الاكتشافات الجميلة طالما أننا معا ولن نفترق0
ما إن قرأ الحقيقة في عينيها حتى أحس أنه يتجرع من كأس السعادة وإذا بالمشاعر تشتعل بعاطفة مجنونة جديدة عرف أنها لن تخبو أبداً0
أنها المرأة التي أحب ، وأحس بالأمان في أعماق روحه 0لقد وصلت ميمي إلى بيتها أخيراً ، وبلغ حبه المنشود0


تمت بحمد الله

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة الناظر ; 26-04-08 الساعة 12:06 PM
عرض البوم صور الناظر  
قديم 26-04-08, 05:15 PM   المشاركة رقم: 73
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
Flowers

 

تسلم ايديكي يال الناظر ...

اليوم جيت لكم برواية (ايظن ) ... واتمنى ان تحوز على اعجابكم ..
وقرأه ممتعه للجميع ..

وملخصها.

*~ أيظن ~*

- بربارة ماكماهون -

(روايات احلام)

هي...تحتاج خطيبا لليلة واحدة...
يتوقف مستقبل مولي ماغواير على ان تقنع شابا ذا مواصفات عالية ان يلعب دور خطيبها لليلة واحدة.
وعندما يضع القدر " نك بايلي" الساحر في طريقها تشعر مولي بأنها وجدت الحل لمشكلتها...
إنه رائع المظهر و ناجح و ممثل ناجح و سيكون رهن امرها للمدة التي تطلبها.
حصلت مولي على ما تريد لكن "نك" لن يتركها قبل ان يتأكد من انه اخذ حقه في الصفقة بالكامل...وبشروطه"

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 26-04-08, 05:16 PM   المشاركة رقم: 74
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
Congrats

 

الفصل الأول : طويل,أسمر , خطر


كانت "موللي" على شفير الانهيار وهي تسير على الرصيف المزدحم أمام فندق <ماغيللان> باتجاه ساحة "يونيون" وكانت أفكارها مشتتة في ألف اتجاه و اتجاه.
لم تكن تريد أن تصعد إلى الحفلة و لكن عدم ذهابها سيكون جبنا , ويزيد الأقاويل التي وقعت ضحيتها طوال الأشهر الثلاثة الماضية إنها حقا لا تريد أن تضيف المزيد إلى ذاك النهار!
وقفت سيارة أخرى أمام مدخل الفندق الرئيسي .تقدم الحارس ليفتح باب السيارة فرأت موللي هارولد ساتين و زوجته و هو أحد أصدقاء جاستين و من المتنفذين في شركة <زنتك> التي يعملون جميعا فيها.وكان من سوء حظها أن رأياها في اللحظة نفسها التي رأتهما فيها. كان الزوجان في طريقهما الى حفلة <زنتك> وهي الحفلة التي يفترض بها أن تصل اليها منذ حوالي 10 دقائق , وسألها هارولد وهو يقف بجانبها :
- مرحبا يا موللي هذا هو المكان أليس كذلك؟
فأجابت وهي تبتسم لزوجته بأدب: في الطابق الخامس والعشرين.
سألها : هل نذهب معا؟
فأجابت كاذبة بسهولة غير عادية: أنا بانتظار شخص.
- آه ظننتك لوحدك !
جاهدت كيلا لا يبدو العبوس على وجهها. هل أصبح العالم كله يعلم عن ذلك الانفصال الكبير؟ حسنا هذا طبيعي فقد حرصت بريتاني على ذلك. مسكينة موللي! ذلك أن بريتاني لم تكن تقصد أن تقف حائلا بينها و بين جاستين, ولكن عندما وقعا في الغرام ماذا كان بإمكانهما أن يفعلا؟ ألقت هذا السؤال على كل شخص يمكنه أن يسمع , وعادة عندما كانت موللي في مرمى السمع هي أيضا.
و كررت: لا, أنا في انتظار شخص . و مضت تبحث بعينيها بين المارة في الشارع المزدحم.
فقال هارولد: سنراك هناك إذن.
بقيت تنظر اليهما بابتسامتها المهذبة الزائفة حتى ابتعدا, فتنهدت ارتياحا. ظهورها في الحفلة ضروري, و تمثيل دور المرأة المبتهجة ضروري أيضا.فقد كانت الفكرة من تصميمها على كل حال و أفكارها المبتكرة هي المحور الأساسي في التوقيع على احد العقود المربحة للغاية مع شركة "مشاريع هاماكوموتو" الضخمة.
أليس ذلك ما جعل بريتاني تغضب؟ ذلك أن المرأتين كانتا في القسم الفني من "زنتك" وهي شركة رفيعة المستوى و رائدة في تقديم الأفكار للصناعيين.و منذ اليوم الأول لموللي في العمل أضمرت لها بريتاني تايلور الأذى لها. بعد سبع سنوات تقريبا كان المفروض أن تشعر موللي أن وضعها أصبح منيعا و لكن إغواء بريتاني لجاستين كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال. لن تستسلم موللي لنظرات الشفقة و تمتمات المواساة لانفصالها عن جاستين.لم تعد الآن (الآنسة اللطيفة ) كما يطلق عليها.... سوف ترد الصاع صاعين.
ابتدأت حفلة الافتتاح منذ عشرة دقائق.الصحفيون و الاعلاميون و المتنفذون كلهم كانوا على قائمة المدعوين . كل شخص مميز سيكون هناك! بما في ذلك جاستين موريس... و بريتاني !
سارت موللي على الرصيف و الأفكار تتقاذفها.ربما عليها ان تختفي لمدة أسبوعين ثم تخبرهم انها تعرضت للخطف او ربما يمكنها ان تقول انها وقعت و التوى كاحلها, او ربما بامكانها تبني الفكرة التي عرضتها عليها جارتها شيلي , و هي ان تدعي انها مخطوبة ولكن خطيبها لم يستطع القدوم معها .بامكان هارولد ان يشهد انه رآها فعلا على الرصيف بانتظار شخص ما .
كان الأمر محزنا... ربما هي المرأة الوحيدة في سان فرانسيسكو التي لم تستطع ان تجد مرافقا يصحبها الى احتفال مهني.لكن الرجال الذين تعرفهم الى حد يجعلها تطلب منهم ذلك, يعملون في شركة "زنتك" نفسها.و آخر ما تريده هو ان يعرف أي شخص في الحفلة انها تفكر في ذريعة لتخفف بها الأذى الذي سببته لها بريتاني.
عادة, لم يكن ذهابها وحدها إلى حفلة تقيمها الشركة شيئا مهما على الاطلاق,كان ذلك قبل مؤتمر الأسبوع الماضي حين طعنت بريتاني في قدرة موللي على الاحتفاظ بمشروع طويل الأمد و كأن موللي هي التي تخلت عن جاستين! صرفت موللي بأسنانها وهي تفكر في بريتاني و الآخرين و هم حول المائدة ينظرون إلى بعضهم البعض.إنها تعرف أن ذلك غيرة مهنية ذلك أن أفكار بريتاني لم تقبلها الشركة بعكس أفكار موللي.
منذ أربعة أشهر كانت موللي قد ابتدأت تفكر في حفلة الزفاف حين كان جاستين يواعد بريتاني خفية و هكذا تبددت احلام موللي عند علمها بالجقيقة.اذا كان يريد بريتاني تايلور فليذهب اليها! و الأسوأ من ذلك انها وجاستين و بريتاني يعملون في الشركة نفسها.وقد شاهد الجميع موللي و جاستين معا في حفلة عيد الميلاد الماضي. لكن الجميع يعلم الآن ان بريتاني باتت الآن حبيبة جاستين. قطبت موللي جبينها فقد ساءها ان تشعر انها منبوذة بينما جاستين يستعرض امام الجميع و يتباهى ببريتاني بالغة الجمال.
غبية,غبية,غبية! كان عليها ان تكون اكثر حكمة فلا تتواعد مع أحد زملائها في العمل.في كل مرة تراه الآن في الشركة تتذكر كيف كان يحوم حولها.وتفكر في انها لم تكن بالنسبة اليه سوى واحدة من كثيرات و أن بريتاني ستلقى النهاية نفسها ذات يوم و لكن ليس الآن.المتوقع من موللي الآن ان تظهر في الحفلة وتتصرف و كأن الحياة على خير ما يرام.تنفست بعمق و قررت ان تواجه الأمر بأحسن ما يمكنها من ذكاء. نظرت حولها مرة أخيرة وكانها تتوقع معجزة وادركت انها ستحضر الحفلة وحدها الا اذا تمكنت من دعوة رجل غريب وسيم.
لقد حان الوقت لتلبس محبس الخطبة الذي احضرته معها مصرة بكل وقاحة على انها مخطوبة, الا اذا تمكنت بريتاني من كشف هذه الخطة.فهذه المرأة ليس من طبيعتها الجلوس بصمت لتدع الآخرين يتابعون حياتهم. انها تحب ان تتأمل و تستنتج و تطيل التفكير بخبث. و تملكها الغضب... لو كان جاستين يكن لها ذرة من المودة لما حضر هذه الحفلة التي كان يفترض ان تكون تكريما لها هي,لا ان يأتي حبيبها السابق الذي يعرف الجميع كل شيء عنه مع حبيبته الجديدة ليسلبا الأضواء منها بكل دناءة.
أملت ان تنجح من صون ماء الوجه امام رجال الأعمال المتنفذين فرفعت رأسها و دخلت رأسا الى بهو الفندق المزدحم حيث لفت نظرها لافتة تشير الى اليسار كتب عليها "مقهى ماغيللان".
كان المقهى خاليا الا من رجل و امرأة في شهر العسل يجلسان الى مائدة بجانب الجدار و رجل يتكئ على البار يتحدث الى النادل.كان واضحا ان الوقت لا يزال مبكرا.
سارت الى البار و جلست بحذر على المقعد المرتفع .ترك الساقي حديثه و توجه اليها قائلا بابتسامة ودود:" هل من خدمة؟"
فكرت بكآبة لا بد انه لا يعلم شيئا عن مسألة بريتاني ووضعها هي,والا لاستحالت ابتسامته الى شفقة:"أريد كأسا من الصودا..لا,انتظر فأنا اكره الصودا ... اعطني كأس عصير حالا..لا,انتظر ربما فنجان قهوة يفي بالغرض...لا, انتظر حضر لي كوكتيل عصير..."
فسألها الساقي:"ماالذي تريدينه حقا؟"
- ما أريده حقا, حقا ... هو رجل طويل أسمر خطر
قالت هذا بكآبة متمنية لوأن بامكانها ان تأمر باحضار خطيب مؤقت بنفس السهولة التي تطلب بها كأس شراب .نظرت الى ساعتها فوجدتها تشير الى الرابعة و النصف تقريبا.اذا لم تذهب الى الحفلة حالا فسوف تبدأ الأقاويل.
فقال:" ما رأيك بأشقر ودود؟"
- ماذا؟
نظرت الى عينيه الزرقاوين اللامعتين تحت شعره الكثيف الأشقر.بدا لها رجلا ظريفا للغاية و لكن ليس من النوع الشاعري.
- لا اما ان يكون أسمرا طويلا خطرا و اما لا شيء على الاطلاق.
سألها و هو يحضر لها الكأس :"لديك مشكلة؟"
- و هل كل من يأتي الى هنا لديه مشكلة ؟
- فقط أولئك الذين يأتون مع الرابعة عصرا.
ووضع الكأس امامها:" وانا شبه عالم نفسي."
- هممممم ...
ارتشفت بعض العصير و نظرت الى ساعتها مرة أخرى, كان الوقت يتأخر.أترى بريتاني بدأت بالحديث والتحريض عليها؟ انها تسمع تلميحاتها السيئة و الخفية و ترى البراءة في عينيها الواسعتين و هما تدعيان العطف.وتساءلت موللي ان كان بامكانها مواجهة مبارة أخرى.
سألها الساقي:" هل تنتظرين رجلا في موعد؟"
- يا ليت! المفروض ان اكون في حفلة زنتك في الطابق الخامس و العشرين.
عادت ترشف كأسها, و فتحت حقيبة يدها و أخرجت منها خاتم جدتها و نظرت اليه ثم نظرت الى الرجل:"اذا انا لبست هذا هل ستظنني مخطوبة؟"
- وهل أنت مخطوبة؟
- ليس هذا هو الموضوع, ماذا كنت ستظنني؟
- كنت سأظن أن امرأة جميلة مثلك مقبولة بخاتم خطبة أم من دونه
طرفت بعينيها و ابتسمت:" أوه, ربما الأشقر الظريف سينفع على كل حال."
غمزها مشيرا الى الطرق الآخر من البار,فنظرت الى هناك فرأت رجلا أسمر عابسا.تأملته لحظة,فرأته ملائما ... انه طويل اسمر خطر حتما. بدا أشبه بقرصان في بذلة عمل.لم يكن وسيما بالظبط و لكن هالة الغطرسة التي تحيط به بامكانها أن تردع بريتاني و تعيدها الى حجمها.من تراه يا ترى؟
وعادت تنظر الى الساقي الودود:" إنه ينفع"
- أتظنين ذلك؟
- هذا اذا توقف عن العبوس ليبدو خطيبا مغرما.لكنني لظنني سألبس الخاتم و اعتذر من الحاضرين.
- عم تعتذرين؟
- سأقول ان شيئا طرأ في اللحظة الأخيرة فلم يستطع خطيبي الحبيب ان يحضر.
- وما الحاجة الى خطيب حبيب؟
سألها وهو يتكئ على البار مستعدا كما يبدو للإصغاء حتى النهاية.عادت تشعر بالإحراج الذي سببه لها جاستين,غريب هذا هو الاحساس الوحيد الذي شعرت به,ألم تكن تحبه حقا؟لقد كانت تستمتع بصحبته حتى انهما تحدثا عن الزواج اليس من المفروض ان يكون قلبها محطما؟ لكن بدلا من ذلك كانت تشعر بالإحراج ليس الا.و أجابت:" لحفظ ماء الوجه, هل تعلم ان اليابانيين يهتمون كثيرا بحفظ ماء الوجه؟"
- وما دخل اليابانيين في الموضوع؟
- سيكون في الحفلة عدد من اليابانيين. انا أعرف السيد <ياما موتو> و السيد<هاريشي> انهما يحبان تصميماتي و لهذا علي ان احضر و لكن الأمر سيكون أسهل بكثير لو واجهت الجميع برفقة خطيبي.
- و السبب؟
- سيكون الأمر اسهل لأن الرجل الذي كنت سأتزوجه سيكون موجودا برفقة حبيبته الجديدة.لقد حاولت جهدي ان اتجنب أي منهما طوال اسابيع, لكن الأمور لا تنجح دوما بهذا الشكل.وانا اريد ان ارقص خالية البال مع شخص وسيم.جاستين و بريتاني زميلان في العمل و لهذا يعرف الجميع الوضع و يشعرون بالأسف لأجلي وانا اكره ذلك.
- و الخطيب الطويل الأسمر الخطر سيمنحك الشعور بخلو البال الذي تحتاجينه؟
- نعم !
فضحك:" لدي الرجل المناسب,ويمكننا ان نصيب عصفورين بحجر واحد.انتظريني."


ثم توجه الى آخر البار بينما كانت تراقبه بلهفة.هل حقا سيطلب من ذلك الغريب الطويل الأسمر ان يمثل معها دور الخطيب؟ حتى لو فعل ذلك لا يمكن ان يوافق الرجل أبدا.لا يبدو من ذلك النوع الذي يوافق على شيئ لا يتماشى مع مصلحته الشخصية.ألم يكن جاستين كذلك؟ كانت حينذاك تشعر بالغرور ازاء اهتمامه بها اما الآن فهو يعاملها وكأنها حمقاء مسلوبة اللب اساءت تفسير صداقته.
اذا تورطت بعلاقة أخرى مع أي شخص كان فستحرص على ان يكون ودودا طيبا و ليس لديه رغبة خفية في التقدم الى الأمام.
هز ذلك السيد الطويل الأسمر رأسه فهبط قلبها.أتراها حقا كانت تأمل ان يوافق؟
لم تستطع ان تسمع الحديث و لكنها رأت الساقي يناقش معه الموضوع.شيء قاله لا بد ترك تأثيرا فلقد تأملها الغريب لحظة طويلة.ثم القى نظرة خاطفة على ساعته,ثم على باب المقهى,ثم وقف و توجه نحوها.
خفق قلب موللي,رباه, أترى الرجل جاء جاء ليتحدث إليها؟ اشتدت يدها على الخاتم؟وتسمرت نظراتها عليه و هو قادم.لقد كانت تمزح مع الساقي عندما فالت له ذلك.
- أنا بايلي.دوني يقول إنك بحاجة الى مرافق الى حفلة شركة "زنتك".
ابتلعت ريقها بصعوبة.هل ستحصل حقا على رجل طويل أسمر خطر؟:" نعم, كلا في الواقع,أنا بحاجة...أعني أريد،أعني...شيئا أكثر من مجرد مرافق.أنا بحاجة الى خطيب مؤقت...لهذه الليلة فقط"...
قالت هذا بسرعة,فرفع حاجبيه:"طوال الليل؟"
- أوه لا!لأجل الحفلة في الطابق الأعلى فقط.وهي ستنتهي الساعة الثامنة على الأكثر.
تأملها لحظة و كأنه يزن كلماتها:" ما الذي تتوقعينه بالضبط من خطيب مؤقت؟"
- ليس كثيرا.
وشملته بنظراتها و قلبها مازال يخفق بشكل غريب.كان طويلا بالغ الأناقة و قد بدت بذلته ثمينة للغاية و عيناه سوداوين تتفحصانها بثبات.وارتجفت... مازال يبدو شبيها بالقرصان. لكنها ابتسمت له و تملكها شعور عنيف بالطيش:" كل ما عليك فعله هو الوقوف بقربي و أظن ان بامكانك القيام بذلك على اكمل وجه.و سأقدمك الى اناس مختلفين, ولكن ليس عليك أن تفعل أو تقول شيئا كثيرا. ويمكنني,فيما بعد, أن ادعوك للعشاء على حسابي إذا شئت كعربون شكر."
- إذا كل ما علي أن افعله هو أن اكون موجودا؟
فأومأت, سيكون كاملا لا عيب فيه, إنه أطول من جاستين, و أكثر رجولة منه بعشر مرات.وقد لا جعلها تشعر بأنه خطيب حقيقي.
- آه, ربما ليست فكرة جيدة على كل حال.
و نظر ساخطا إلى الساقي ثم أومأ إلى موللي:" لا بأس, سأذهب معك.إذا استعطت أن تنتظري عدة دقائق,فأنا أتوقع حضور شخص".
و نظر إلى ساعته.و نظرت هي أيضا إلى الساقي الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة غريبة:" آه, لماذا؟" سألته خائفة من ان تصدق حسن حظها.
- لم لا؟
- لأنك لا تعرفني.
- ليس بإمكانك أن تفعلي الكثير في قاعة مليئة بالنساء و رجال الأعمال.كما أنك أنت أيضا لا تعرفينني.
فقالت بتبلد:" لا يبدو عليك أنك من النوع الذي يقدم خدمات للغرباء."
- ليس عادة.ولكن في هذه الحالة سيساعدني هذا على الخروج من مأزق, أنا أيضا.
- آه...
و نظرت إلى الخاتم ثم وضعته في إصبعها. كانت على صواب فهو رجل لا يسير الا وفق خطة مرسومة. و لحسن الحظ تطابقت خطته مع خطتها الليلة:" لا بأس إذن, لن يدوم ذلك طويلا و أنا شاكرة لك. اسمي موللي ماغاير."
- موللي ماغاير؟
- أنا اعلم أن معنى اسمي في لهجتنا المحلية الإيرلندية هو بلادة الإحساس و لكن لا تصدق هذا.
بدت التسلية في عينيه وهو يقول:" أدعى نك بايلي."
و قبل أن تصافح اليد الممدودة, إذا بصوت امرأة مثير يخترق جو المقهى:" نك حبيبي, كنت أبحث عنك في كل الأنحاء.قال لي أحد الحرس إنه رآك تدخل إلى هنا."
استدارت موللي فرأت امرأة مثيرة داكنة الشعر.وللحظة, تمنت لو أن شعرها هي البني الفاتح القصير طويل أسود كشعر هذه المرأة, ولو أن بإمكانها أن تبدو ممتلئة داخل ثيابها كهذه المرأة. أوقفت تأملاتها عندما انتبهت إلى أن جسم الرجل بجانبها قد تصلب و ازداد اقترابا منها قبل أن يحيي القادمة الجديدة:" متى عدت إلى المدينة يا كارمن؟"
قال هذا باتزان و لكن نبرة توتر بدت في لهجته لم تفهم موللي ما كان يحدث لكنها أدركت أن الأمور تتوتر.
- أخبرتك أنني سأعود, يا حبيبي, و ليس في نيتي الرحيل قبل أسابيع.
و تقدمت كارمن إليه لتعانقه ولكنه تحول جانبا وهو يضع ذراعه حول كتفي موللي:" موللي, أعرفك إلى كارمن هيرنانديز و هي صديقة قديمة.كارمن لا أعتقد أنك سبق و قابلت موللي... خطيبتي."
- خطيبتك؟
توهج وجه كارمن اللاتيني المثير غضبا:" ما الذي تعنيه بحق الله؟"
و نظرت إلى موللي غير مصدقة ثم عادت تنظر إليه متابعة:" إذا كان هناك من سيتزوج فهو أنا و أنت! أي لعبة تلعبها؟ لا أصدق هذا.لا يمكنك أن تتخلى عني بهذه السهولة. أنت لي وليس لامرأة أخرى."
و ازداد غضبها وتوهج وجهها.و حملقت بموللي بعينيها السوداوين:" لا أدري من تظنين نفسك, لكنه لي"
وشملت موللي بنظرة احتقار:" ليس لديك ما يجذب رجلا مثل نك." ثم عادت تنظر إليه:" نك..."
فقالت موللي :" ربما عليكما أن تتناقشا على انفراد." لقد لسعها كلام المرأة.أتراها تتقبل الإهانات بهذه السهولة؟
شدد نك ذراعه حول كتفهاو كأنهما يواجهان العالم معا. فكرت في أنه تمثيل حسن من جانبه رغم أنها تساءلت أي وضع جعلت نفسها فيه.كانت تظن أنها بحاجة إلى عون, لكن الظاهر أنها ليست الوحيدة في ذلك. هل كان نك في نفس وضعها؟ يا للسخرية! ومع ذلك فهذا يفسر سرعة موافقته على اقتراحها الغريب وشعرت موللي و كأنها دفعت إلى خشبة المسرح من دون نص مسرحي.
قال نك مواجها ثورة كارمن:" ولكننا انفصلنا منذ أسابيع."
قال ذلك بلطف لكن موللي شعرت بالفولاذ وراء هذه الكلمات.وكانت تحب الرجل الذي يخفي النار وراء هدوئه. و أجابت المرأة بلهجة مثيرة وهي تمد يدها لتمسك ذراعه:
- نعم, أنت قلت إن علينا أن ننهي الأمور بيننا, لكنني لست مستعدة لذلك,فأنا أحبك,و أنت تعلم هذا.
- كارمن, لقد انتهينا ولا شيء في العالم يمكن أن يغير هذه الحقيقة.هذا إلى أنني خاطب الآن امرأة أخرى. و رفع يد موللي يريها تألق الماسة في الخاتم.
بالكاد نظرت المرأة إلى الخاتم حتى حولت نظرها إلى موللي مباشرة:" ربما تظنين أنك أحرزت نجاحا بالغا في إغواء نيكولاس بايلي, ولكن دعيني أخبرك أن الأمور لا تنتهي هنا."
ثم رفعت عينيها الغاضبتين إلى نك:" لا يمكنك أن تتخلص مني بهذه السهولة أيها العاشق." ثم استدارت خارجة من المقهى بخطوات سريعة خلافا لتلك الخطوات البطيئة المثيرة التي دخلت بها.
قال الساقي:" انتهى الأمر بشكل جيد"
- اخرس. اجابه نك بهذا ثم ترك موللي و رفع حاجبيه:" هل نتوجه إلى حفلة <زنتك>؟ بعد تصرف كارمن ذاك سيبدو هذا سهلا."
- على الأقل هذا يجيب على سؤالي عن سبب موافقتك على هذا المشروع.فأنا أشك في أن جاستين سيصبح عاطفيا للغاية إذا سمع بخطبتي.
قطب نك حاجبيه:" ستهدأ."
فقال دوني:" لكنني أشك في أن تكون هذه آخر مرة تراها فيها.لو كنت مكانك لتوقعت رؤيتها في العرس,فهذه طريقتها الوحيدة للتأكد."
قال الساقي هذا فنقلت موللي نظرها بين الرجلين:" أي عرس؟"
فقال نك :" عرسنا طبعا. هيا بنا لنرى من يمكننا أن نصدمه في حفلة <زنتك>."
الفصل الثاني - تمثيل



كانت موللي و نك وحدهما في المصعد المتوجه بهما إلى الطابق الأعلى في ذلك الفندق المترف و كانت أفكارها تدور.ستدخل الحفلة مع هذا الرجل البالغ الحيوية, الذي يفترض أنه خطيبها.هل من الممكن أن تستمر هذه الخطبة؟ هذا ما فهمته كارمن في فورة غضبها. لكنها عند التفكير هل ستدرك مدى استحالة ذلك؟
قال بفظاظة:" ما فهمته أن رجلا تركك لأجل حبيبة أخرى و تريدين أن تبدي له انك مخطوبة لئلا يظن متكدرة بسببه."
فقالت و قد اغاظتها طريقته في الكلام:" أرى أن التدريب على الإحساس يلعب دورا هاما في حياتك."
- ماذا؟
- لا تهتم! أظنك فهمت ذلك.و إذا سمحت لي باقتراح لا أحد سيصدق أننا مخطوبان إذا بقي الغضب على ملامحك. هل يمكنك أن تبتيم أو ما شابه؟ و أثناء ذلك هل يمكنك أن تتظاهر أنك تراني فاتنة؟
- فاتنة؟
فأومأت:" دوما كنت أريد أن افتن أحدا.ألا تظن أن الخطيبة الجديدة يمكنها أن تكون فاتنة؟"
- تماما.
عرفت من لمعان عينيه أنه كان يسخر منها.فليكن مادام يفعل ما طلبته منه.ما تريده فقط هو أن تجتاز هذه الحفلة, و بعد ذلك يمكنها أن تؤلف قصة تفسخ بها خطبتهما خلال أسابيع قليلة.وعندما يرى زملاؤها في العمل نك فإن كل شفقة على موللي المهجورة ستتلاشى فورا. كان الاحتفال في أوجه عندما دخلا قاعة الرقص الفسيحة المزينة التي تطل على مناظر رائعة لسان فرانسيسكو.
- هاأنت أخيرا يا موللي؟ كنت أسأل عنك.
حياها رئيس الشركة " جون بيلينغز" ثم نظر إلى نك بفضول:
- مرحبا يا جون.أقدم لك خطيبي نك بايلي,و نحن آسفان لتأخرنا هذا فقد حدث ما أعاقنا.
سبق السيف العذل.و رجت أن لا تكون اقترفت غلطة كبرى.
- سعيد بمقابلتك، يا نك. لقد سمعت شائعات تقول إن فتاتنا موللي تصادق شخصا غير عادي.لا بد أن تعلم كم نحن فخورون بموللي وعملها. لقد كان حجر الأساس لهذا الاحتفال, و من دونها ما كنا أقمنا هذا الاحتفال اليوم.
توهج وجهها سرورا و دهشة. لم تكن تتوقع مثل هذا التكريم.و ازدادت دهشتها عندما وضع نك ذراعه حول خصرها و قال:" موللي ذات عزيمة بالغة لا تستسلم ما لم تحصل على ما تريد."
شعرت بالأحاسيس تتفجر من لمسته و نسيت طبيعة الحديث للحظة. لم يتملكها من قبل شعور كهذا من مجرد لمسة.ما الذي يحدث؟
تابع جون سيره و تحدث إليها آخرون أثناء سيرها يهنئونها على جودة تصميماتها متبادلين التحيات وكانت تقدم نك إلى الجميع.و فجأة أفسح القوم طريقا ليمر منه جاستين و بريتاني,و هدأ المحيطون بموللي و أخذوا يرقبون المشهد بشوق.
قال جاستين:" موللي, تسرنا رؤيتك.كنا نتساءل أين أنت.هل جد عليك عمل في آخر دقيقة؟"
- ماذا حدث يا موللي؟ كنا بدأنا نتساءل عما إذا كنت ستحضرين أم لا؟
قالت بريتاني هذا و هي تتأبط ذراع جاستين و كأنها غريق يتمسك بحبل النجاة.كانت الشقراء الطويلة ممشوقة القوام و الثوب الأزرق الفضي محكم التفصيل على جسمها النحيل. شهدت لها موللي بالأناقة الآن. و لكنها للمرة الأولى لم تهتم ببريتاني او جاستين.كانت تستمتع بتذوق لحظة النصر.
تقدم نك مادا يده:" أنا السبب فب تأخر موللي.أنا نك بايلي.هل تعملان لدى موللي؟"
كانت نظرة جاستين المجفلة لا تثمن.قطب جبينه وصافح نك وهو يهز رأسه:" أنا لا أعمل لدى موللي.بل نعمل معا أحيانا في المشاريع.أنا جاستين موريس محاسب في شركة <زنتك>."
و نظر إلى موللي :" لم أكن أعلم أنك ستحضرين مع شخص ما"

- أحقا؟ أجابته موللي و هي تنظر باسمة إلى نك و قد أجفلت عندما رأت الدفء في نظراته إليها.وعاد يحيط كتفها بذراعه بينما تابعت هي تخاطب جاستين:" ما الذي جعلك تفكر في ذلك؟"
قالت هذا دون أن تنظر إلى بريتاني بينما قال نك:" من الصعب أن أدع شيئا يشاركني في موللي. لكن هذا الاحتفال كان هاما يالنسبة إليها و لهذا جئنا,التأخر خير من العدم كما يقال." و مر على بريتاني بنظرة عدم اهتمام عابر ثم عاد بانتباهه إلى موللي.
كادت موللي تقهقه ضاحكة و هي ترى ذهول بريتاني فهذه بجمالها لم تعتد أن يرمقها الرجال بنظرات عابرة.نظرت موللي الى جاستين و شعرت بوخزة مفاجئة.لقد أضاعت أسابيع سدى في الحداد على نهاية علاقتهما, ثم هاهي ذي الآن لا تشعر بشيء.أتراها متقلبة إلى هذا الحد؟ أم كانت رغبتها مجرد مباهاة بأن لديها حبيبا تخرج معه إلى المطاعم الحديثة الطراز و إلى الحفلات و النزهات؟ مهما يكن فقد شعرت بالارتياح الآن كونها لم تعد تحت سحره,و لم يعد لديها ما تثبته لجاستين أو بريتاني.
قالت:" علينا أن نتابع سيرنا.لقد قابلنا جون و أنا أريد الآن أن يقابل نك شركاءنا اليابانيين الجدد."
- هل هذا خاتم خطبتك؟ سألتها بريتاني هذا و هي تحملق غير مصدقة في يد موللي. رفعت موللي يدها متباهية بخاتم زواج جدتها.عند ذلك التقط مصور صورتين فأجفلوا للوهج المفاجئ.
رتبت موللي نفسها ومالت قليلا باسمة نحو المصور بينما تراجعت موللي خطوة إلى الوراء إلى جانب نك ثم رفعت بصرها إليه باسمة:" هل نقترب أكثر من بعضنا البعض؟"
فمال إلى الأمام و همس:" هل ما فعلته يكفيك؟"
فقالت بصوت خافت:" عملك عظيم,و أنا أقدر لك هذا."
وسطع وهج آخر. قررت موللي أخيرا أن تدع جاستين و بريتاني يلتمسان الأضواء كانت مستعدة للذهاب فقد أكملت مهمتها.و قالت وهي تبتعد:" نستأذن."
وعندما أخذا يخترقان جموع الضيوف كانت يد نك على كتفها فقالت راضية:" هذا كل ما كنت أطلبه.شكرا."
- مواجهة جاستين و بريتاني... هل هذا هو السبب الوحيد لهذه الخدعة العظمى؟
- بريتاني أكثر, فأنا لا أطيقها لقد عملنا معا في شركة <زنتك> مدة سبع سنوات تقريبا و مع ذلك لم نتفق.
- إنها امرأة أنانية!
- معظم الرجال يجدونها فاتنة.
فقال بحزم:" بل معظم الرجال يجدون جسدها فاتنا وهذا مختلف."
- لا أدري ما الفرق
- ربما عليك أن تكوني رجلا لتدركي الفرق.والآن أخبريني يا موللي ماغاير,ما هو عملك في شركة <زنتك>؟ فكرة رئيسك عنك رفيعة.
- عملت في الشركة منذ تخرجت من كلية الفنون.وأنا أحد مديري القسم الفني الآن و حديثا حالفني الحظ و حصلت على مشروع شركة<هاماكوموتو>.
- هل أنت محظوظة ؟ أم موهوبة؟
فضحكت:" يعجبني تفكيرك.أنا أهتم بالتصميمات التخطيطية و الإعلانات."
- وماهو دور جاستين في كل هذا؟
إنه رجل ارتبطت به فترة من الزمن, لولا تصرف بريتاني الفظيع لما كان لانفصالنا أهمية كبرى.لكنها امرأة قذرة و قد سئمت من موقفها المتعالي. و نظرت من فوق كتفها فرأت المرأة تتحدث إلى المصور.ربما ترتب أمر صورة أخرى يمكنها أن تفيدها بشيء: "جاستين هو أحد المحاسبين المتنفذين في الشركة و نحن غاليا ما نعمل معا. أردت أن أسترد كرامتي أمام بقية الفريق فمن الصعب أن أشعر دوما أنني موضوع شفقة حين أدخل أي مكتب."
- إذا أنجزنا المهمة و انتهينا هنا؟
فأومأت:" حالما ننتهي من الحديث مع زبائننا.هل أنت مستعجل للرحيل؟"
فهز رأسه:" كانت مواجهتنا هنا أخف من مواجهتنا لكارمن."
ابتسمت موللي و هي تومئ محيية ضيفا آخر:" لو كان جاستين لاتينيا أتظنه كان سيظهر الغضب؟"
نظر نك إلى الجموع فرأى جاستين:" لا, إلا اذا كان هذا يخدم مصالحه."
- إنه يركز على الفرصة الرئيسية التي هي ترقيته.ولكن ألسنا جميعا من الطراز نفسه؟
- ربما كلامك صحيح.
رغم شكوكها الماضية, أدركت أنها مستمتعة بالحفلة.كانت تشعر بوخزة ذنب في كل مرة قدمت فيها نك بصفته خطيبها, و لكن خفف من ذلك علمها بأن أكثر من تحدثت إليهم لا يعرفونها إلا من خلال صلة العمل.فرتبت الأمر بحيث ينتشر خبر الانفصال خلال أسبوعين. انتهت الحفلة حوالي الثامنة, ولم يكن لديها ما تشكوه بالنسبة إلى اهتمامه الذي كان مركزا عليها طوال الوقت.في الواقع كان ذلك نصرقا ذكيا منه. و تملك موللي شعور بالأسف لانتهاء الحفلة.
- شكرا لك مرة أخرى نك.و أنا ممتنة لك كل ما فعلته.
- العون كان متبادلا. كان دوني يعلم أن كارمن ستثير المتاعب.
- ألم تتكهون أنت بذلك؟
- لقد انفصلنا منذ شهرين و هي تعلم ذلك لكنني سمعت أنها قادمة هذا النهار, ففكرت في مواجهة في المقهى في مثل هذا الوقت أسهل منها في مكان أكثر ازدحاما. ذلك أنني لم أكن أريد أن أنفرد بها.إياك أن تثق بامرأة تحتقرها, كما يقال.
- هذه نصيحة سأتذكرها دوما. إنها تبدو من النوع المولع بإثارة المشاكل بين الناس
- إنها تحب الاستعراض مثل بريتاني صديقتك.
- أرجوك برتاني ليست صديقتي.ولا أريد أن أراها مرة أخرى.
- لكنها ستكون غدا صباحا في الشركة كعادتها.
- آه حسنا هناك أشياء يجب الصبر عليها.
على الأقل ارتاحت موللي من شفقة زملائها في العمل.فقد سر أكثرهم بالتعرف إلى نك و بدت عليهم السعادة من أجلها.
- هل لديك سيارة؟
- لا فقد جئت في تاكسي.سأنادي سيارة و أصل إلى البيت بسرعة فائقة.
أومأ إلى حارس الباب فأحضر لها تاكسي في لحظة. فمدت يدها إليه لتصافحه:" شكرا مرة أخرى يا نك لمساعدتك."
- أنا واثق أن للخطيب بعض المزايا. ثم أخذها بين ذراعيه في عناق سريع.
ما الذي حصل؟ لم تدرك موللي ما يحدث. عدة ساعات من الثرثرة مع هذا الرجل وما زالت جاهلة به.لم تتوقع عناقه ولا استجابتها له: "الوداع , يا موللي ماغاير."
تنهدت و هي تنظر إليه من نافذة السيارة التي كانت تبتعد بها. جاستين ليس الرجل الذي يجب أن تبكي على فراقه إنما هذا الرجل نك بايلي .

الفصل الثالث:خدمة مدفوعة



في صباح اليوم التالي, أخذ نك يحدق في الصحيفة التي وضعتها سكرتيرته على مكتبه و قد تملكه الغضب...تبّا! كان عليه أن يتكهن بذلك الليلة الماضية.و الآن عليه أن يصلح ما أفسده قبل أن تخرج الأمور من يده.سألته هيلين:" هل هناك ما تريد قوله سيدي؟"
عملت معه هذه المرأة البالغة الخامسة و الخمسين من العمر منذ استلم إرثه من أبيه و المتمثل في سلسلة <فنادق ماغيللان> التي تغطي الساحل الغربي. وكان فندق <فلاغ شيب> هو الأول, و قد جعله مركز قيادته كما فعل أبوه قبل وفاته منذ عشر سنوات.
تبّا لماذا لم يفكر في الصحف عندما أخذت الكاميرات له الصور الليلة الماضية؟
تملكه وهو ينظر إلى الصور شعور بالضيق هل كان الأمر مجرد خطة موضوعة؟ نوعا من الخداع؟ تمثل دور الخطيبة لتبدأ بعد ذلك بابتزازه؟ أم أنها مجرد محاولة منها للتعرف إليه أملا في نوع من الربح؟
تعود نك على ملاحقة النساء له منذ ابتدأ في دنيا الأعمال... طمعا في حصة من ماله أو التألق الذي تجلبه إدارة الفنادق.لكنه لم يتوقع شيئا كهذا. كانا, هو و موللي, يحتلان عناوين القسم الاجتماعي في الصحيفة.
مالك الفنادق الكاره للزواج يستقر أخيرا... نك بايلي يتزوج. كان واثقا من أن دوني لم يكن يتوقع النتيجة عندما اقترح أن يمثل نك دور الخطيب لفتاة غريبة. كان الاقتراح يستحق التفكير نظرا لمتطلبات كارمن المتزايدة. ولقد حاول فسخ علاقتهما برفق لكنها لم تفهم أن ما بينهما قد انتهى. و شعر بوخزة من خيبة أمل وهو يفكر في أن موللي ستسرع إلى الاتصال به مقدمة اقتراحا او طالبة شيئا.وقفت هيلين بجانب المكتب متأملة الصور مائلة إلى الأمام لتقرأ المقالة. ثم تمتمت: "لم أرسل إليها أزهارا أو أحجز لها مائدة في أي من مطاعمك المعتادة"
- ليس الأمر كما تظنين. قال هذا وهو يطوي الصحيفة ثم يلقي بها في زاوية المكتب. لقد طلب من دوني أن يتحرى عن موللي ماغاير وما تسعى إليه و أن يقضي على أي شيء قد يكون نما في ذهنها.
قالت هيلين:" ما الذي علي أن لا أظنه؟ ألا تعني الخطبة التصميم على الزواج؟ "
- مخبر الصحيفة أخطأ . نحن غير مخطوبين.
- في إحدى الصور يبدو خاتم الخطبة.
- هل وصلتك الأرقام من موقع البناء في بورتلاند؟
- هل تغير الموضوع سيدي؟ قالت هذا و هي تعود إلى مكتبها و تأخذ في مراجعة التقارير و الملفات المكدسة.
و عندما رن جرس الهاتف تناولته بسهولة ثم رفعت بصرها باسمة: "دوني على الخط يا سيدي ".
فاختطف السماعة: " تبا لك و لأفكارك اللعينة!"
- أظنك قرأت الصحيفة
- لم أفكر قط في أن الصحافة ستكون هناك
-ربما موللي هي التي تدبرت هذا طمعا بالمال أو بمصلحة.ما الذي تعرفه عنها؟
- إنها تبدو لطيفة بما يكفي.هل تريدني أن أتحرى عنها؟
- نعم و أخبرني إذا وجدت شيئا ذا أهمية.
- أنت محظوظ لأنك لم تظهر على نشرة الأخبار فقد كان العناق جيدا.
- أي عناق؟ كان ذلك العناق جيدا و لكن كيف عرف به دوني؟
- ألم تر الصفحة الثانية؟
قلب نك الصفحة إلى حيث بقية المقالة, فرأى صورة لعناق وداعه, تبا لذلك!
و سأله دوني: " إذا, هل ستراها مجددا؟"
- لا فقد كان ذلك لليلة واحدة فقط.هل نسيت؟تبا! ألست أنت الذي سعيت بذلك؟ هذه المقالة تبدو مشبوهة. عليك أن تتحرى عن سبب نشرها و انظر ما بإمكاننا فعله لإصلاح الأمر. كذلك عليك أن تكتشف ما هي لعبة موللي.
- هيه... أنا أعيش للعمل هذا صحيح. و لكن أليس لديك من يمكنه القيام بعمل أفضل؟
- أدع أناسا آخرين يعرفون الوضع؟ هذا مستحيل.
- و كارمن؟
- لقد فهمت الأمر بالأمس.
- إلى أن تراك في مكان ما من دون خطيبة . فإذا اشتبهت أن هناك خلافا بينكم ستعود إليك هذه المرة بشكل يجعل رجوعها عنك مستحيلا.
- هذا جميل. سأهتم بذلك في حينه.ألم تفعل شيئا بالنسبة للأمر الآخر؟
- أعطني فرصة, يا نك, فقد ابتدأت لتوي منذ يومين. هذه الأشياء تأخذ وقتا. علي أن أبدي المودة قبل أن يفضي إلي أي شخص بالأمر.فإذا استعجلت الأمور سيشككون للأبد.
كان دوني مورغان قد أنشأ وكالة للتحريات الخاصة منذ عدة سنوات بعد أن عمل عشر سنوات في " قسم شرطة لوس أنجلوس".و كان نك قد استخدم ابن خالته هذا ليتحرى له عما إذا كان هناك اختلاس في المقهى, ذلك أن أرقام المبيع تدهورت مؤخرا على الرغم من ازدحام المكان الدائم.تملكته الشكوك لكنه كان يريد برهانا قبل أن يتصرف. ووافق دوني على أن يسعى متخفيا إلى العثور على برهان.
و سأله دوني: " كيف حال خالتي؟"
- على حالها. كان هذا هما آخر يتملكه فصحة أمه تتدهور منذ أسابيع. كانت الممرضة التي ترعاها طوال الوقت متفائلة على الدوام لكن الطبيب كان أكثر تحفظا. كان نك يكره العجز الذي يشعر به عندما يكون بجانب أمه. إنه يريدها أن تشفى و تستعيد نشاطها المعتاد لتعود مجددا تلك المرأة النابضة بالحياة.
- بلغها تحياتي عندما تراها. على أن أذهب الآن.
أدخلت هيلين إليه الملف الذي يريده ثم أخذت الصحيفة و هي تتأمل الصورة الجديدة.
ركز نك انتباهه على الملف باذلا جهده في نبذ موللي ماغاير من ذهنه. إذا فكرت في أن تستفيد بشيء مما حدث الليلة الماضية فسوف تندم. كانت بينهما اتفاقية لليلة واحدة و هذا كل شيء. لكنه أخذ يتساءل عما كانت تفعله تلك اللحظة... تخطط و تتآمر.
كانت موللي تعمل أثناء تناولها الغداء. لقد وصلت إلى المكتب باكرا لكي تتمكن من إنهاء عدة مشاريع كانت وضعتها جانبا عندما أخذت تعمل لحساب شركة<هاماكوموتو> و قد صممت على قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منتجع للمياه المعدنية...ابتداء من الغد. فساعات العمل الطويلة التي تطلبتها إبرام تلك الاتفاقية مع الشركة اليابانية استهلكت الكثير من ساعات فراغها. و لهذا أخذت عطلتها بعد ظهر الجمعة مباشرة حتى صباح الاثنين.و لم تكد تستطيع الصبر!
تناولت ملفا آخر مستمتعة بحس الإنجاز الذي يرافق إنهاء العمل.نشرت التخطيطات على منضدة الرسم ثم تناولت القلم الفحمي.كانت تريد أن تنهي آخر رسم لديها قبل أن تأخذ فترة استراحة.
ساد الصمت فجأة في القاعة الواسعة المخصصة للفنانين فرفعت موللي بصرها ليقع مباشرة في عيني نك بايلي.
حدقت إليه بدهشة. ألم يودعا بعضهما إلى الأبد الليلة الماضية؟
و على الفور تذكرته و هو يغازلها ممثلا دور الخطيب العاشق الليلة الماضية.لكن لم يكن يبدو عليه اليوم أي استعداد للغزل. البذلة القاتمة و القميص الأبيض اللذان يرتديهما أبرزا شخصيته الفياضة بالرجولة.وبدا لها أن مجرد وقوفه هناك ملأ القاعة.كان هذا غريبا. فهي لم تلحظ قط من قبل أن هذا المكان الفسيح المكشوف ضيق بهذا الشكل.
نظر إلى الفنانين الآخرين الذين أسرعوا جميعا للاهتمام بعملهم, ما عدا بريتاني التي أخذت تحملق فيهما من بعيد. و اذا كان نك قد لاحظ هذا فقد تجاهله تماما إذ كان ينظر إلى موللي مباشرة:" علينا أن نتحدث"
بدا الفولاذ وراء لهجته اللينة تماما كما كان مع كارمن. نظرت إليه بحذر:" نتحدث في عماذا؟"
ما الذي يفعله هنا؟ و كيف جاء إلى هنا؟ إنه يعلم طبعا أنها تعمل في شركة <زنتك>.ألم يجد صعوبة في الظهور أمام المكتب الخارجي و السؤال عنها؟و لكن لماذا تركته موظفة الاستقبال يدخل من دون مرافق؟هذه ليست العادة المتبعة.
سألها :" هل رأيت صحيفة اليوم؟"
فهزت رأسها :" نادرا ما أقرأ الصحيفة المحلية. لماذا؟"
استدار ووضع يديه في جيبي بنطلونه وهو يتأملها بتقطيبته المألوفة. توقفت موللي عن الحركة و لكن هذا استلزم منها جهدا بالغا. نظرت في أنحاء الغرفة بسرعة و لاحظت كيف أن الجميع كان يبدو مشغولا. لكنها تعلم أنهم يصغون بفضول. بريتاني على الأقل كانت أبعد من أن تستطيع سماع شيء لكن موللي رفضت أن تصب الزيت على نار الأقاويل فقالت له :" تعال معي"
و نزلت من على مقعدها العالي و اتجهت الى باب الخروج. كان المكان الوجيد الذي يمكنها الانفراد فيه هو قعر السلم. فتحت الباب ثم أطلت منه لتتأكد من أنهما وحدهما قبل أن تستدير لتواجه نك :" ما الذي تريده؟ لم أتوقع أن أراك مرة أخرى".
- أصحيح هذا؟ من الصعب تصديق ذلك خصوصا بعد تغطية الصحافة لما حدث الليلة الماضية.
- الصحافة؟ كنت أعلم أنهم سيكونون هناك. ذلك أن شركتنا الجديدة هي حدث هام. وما لدينا من مخططات يؤثر على عدة شركات في سان فرانسيسكو و حول العالم. هل حاول أحد أن يجري معك مقابلة؟
و كان هذا مستحيلا لأن نك كان بجانبها طوال الوقت إلا إذا حصل هذا بعد ذهابها.
- هناك صور لنا في الصحيفة اليوم بالإضافة إلى مقالة عن زوبعة حبنا و خطبتنا.
حدقت موللي إليه ذاهلة :" ماذا؟ أنا لم أعطهم أي قصة حتى إنني لم أتحدث إلى أي صحفي. كنت أنت معي طوال الوقت و تعرف أنني لم أفعل هذا."
كيف كتبت الصحيفة قصة الخطوبة و لماذا؟ كان من المفترض أن تتركز التغطية الصحفية على اتفاقية الشركة الجديدة.
- لا يهم كثيرا من الذي أعطى القصة للمراسل الصحفي. الموضوع هو أن القصة في صحيفة هذا النهار و ربما قرأها الجميع.
- لكن هذا سينتهي بعد يوم أو يومين. أعني من يهتم لخطبة مديرة فنية في <زنتك>؟"
- المجتمع بأكمله و القطاع المالي في سان فرانسيسكو سيهتم بذلك إذا كان خطيبها هو نيكولاس بايلي صاحب <فنادق ماغيللان>".
تخلخلت ركبتا موللي فهبطت جالسة على درجة السلم و هي تحدق فيه و تجفف راحتيها اللتين رطبهما العرق ببنطلونها.ثم هزت رأسها :
" مستحيل! لا يمكنك أن تكون رئيس <فنادق ماغيللان>.إنها موجودة منذ عشرات السنين وهي إرث عائلي."
- أنشأها جدي بعد الحرب ثم ورثتها أنا بعد وفاة منذ عشر سنوات.
- ما الذي كنت تفعله في المقهى عند العصر إذن؟ ظننتك... و سكتت فجأة.
أراح قدمه على الدرجة بجانبها ثم انحنى يتكئ على ركبته:" ظننتني ماذا؟"
- دعك من هذا عندما سألك الناس عن عملك لم تقل إنك صاحب الفندق! قلت فقط إنك تعمل في حقل الصناعة.
- أعني بذلك الفنادق. لكن <زنتك> لم تكن شركتي و لهذا لم أشأ أن أسرق الأضواء منك أثناء حفلتك.
- الآن ماذا تريد؟ أن أرسل تصحيحا للصحيفة؟
لم تستطع موللي أن تصدق هذا... أن رئيس <فنادق مغيللان> وافق على أن يقوم بدور خطيب مؤقت لها! لم تجد هذا معقولا.
سألها :" هل أعطيتهم أنت القصة؟"
فهزت رأسها.
- من غير المحتمل إذن أن يقبلوا تصحيحا منك. و بعد نشر الصور أشك في أن أحدا سيصدق ذلك على أي حال. و من ناحية أخرى تجاوز الأمر هذا الحد. فلقد رأت أمي المقالة و الصور.
- و هي لم تقبل بذلك؟
كوللي تتفهم فكل أم ترغب في رؤية خطيبة ابنها قبل الخطبة.
- أخبرها الحقيقة فأنا واثقة من أن مجيطها غير محيط بريتاني و جاستين و على أي حال أنا أفكر في إعلان انفصالنا قريبا.
- و كيف؟
فهزت كتفيها :" سأذهب إلى عدة مناسبات وحدي و إذا سألني أحد أقول بأن خطبتنا لم تنجح."
فتردد :" ليس الآن".
- ماذا تعني بقولك ليس الآن؟
- عليك أن تتمهلي قليلا
- ماذا؟ و لماذا؟
- أمي مريضة منذ فترة و هذه المقالة غيرت وضعها تماما. طبيبها و ممرضتها يظننا أن الحدث هو ما جعلها تعود إلى الوقوف على قدميها. لقد بدا عليها من التحسن بعد قراءتها المقالة أكثر مما اكتسبته منذ أسابيع."
- ما هو مرضها؟
- أصيبت في الشتاء الماضي بالتهاب رئوي لم تشف منه تماما. هزلت و فقدت اهتمامها بكل شيء.
فأجابت موللي :" لا بأس, لن نصحح الخبر إذن."
- هناك المزيد. إنها تريد أن تتعرف إلى خطيبتي.
- أخبرها بأننا انفصلنا.
- لقد أخبرتك لتوي بأنها تغيرت تماما لأنها ظنتني سأتزوج و هي تريد أن تقابل عروسي المقبلة.و إذا كنت تظنين أنني سأقضي عليها فأنت مجنونة.
فقالت باستنكار :" لكننا غير مخطوبين."
- أنا و أنت نعلم هذا و كذلك دوني. لكننا لسنا كذلك بالنسبة لبقية العالم. ألم تقدميني في حفلتك على أنني خطيبك؟ يمكنني أن أستدعي عشرات الشهودعلى ذلك الآن.
أخذ الشك يتملكها بالنسبة إلى قصده من هذه المناقشة :" لكن ذلك كان لتلك الليلة فقط."
- أنا ساعدتك في الخروج من مأزقك و عليك أن تساعديني في الخروج من مأزقي.
- لكني ساعدتك مع كارمن
- أنا ساعدتك مع بريتاني و جاستين و هما اثنان مقابل واحد. مازلت مدينة لي بواحد.
قفزت واقفة بغضب:" أنا لست مدينة لك بأي بشيء."
وقف بدوره و أخذا يحدقان ببعضهما البعض فلاحظت نظراته القاسية و ما فيهما من عزم و تهجم.
- إذن أنت لا تمانعين إذا أنا مررت على مكتب جاستين أثناء خروجي وأخبرته أن كل شيء كان مجرد ادعاء؟ و ربما أخبرت بريتاني أننا كنا نخدعهم جميعا.
- لن تفعل هذا
فقال بنعومة :" جربيني".
- لماذا تريد أن يعتقد معارفك أنك خطيبي؟ أنا فنانة أعيش في أحلام اليقظة و ألبس الجينز و الصندل.إذا كنت أنت حقا كما تقول فأنت غني و ربما لديك عشرات من النساء يرتمين عند قدميك. من سيصدق أننا خطيبان؟
- هذه ملاحظة هامة, أليس كذلك؟ لكن الحقيقة هي أن الصحيفة هي التي قالت ذلك, مكملة بصور تجعل من يراها يصدق الخبر.
- أنت مخبول من أدراني بأن ما تقوله صحيح؟
فقال و عيناه تلمعان بشكل خطر:" أتظنني أخترع كل هذا؟ اشتري الصحيفة."
أخذت تفكر كيف أن خدعة صغيرة لا ضرر منها يمكن أن تستحيل قضية معقدة كهذه.
سألته بارتياب:" ما الذي تريدني أن أفعله؟"
- تعالي الليلة لتتعرفي إلى أمي و ستتناولين العشاء في بيتها.لا أضمن لك أنها ستجلس معنا على المائدة.لكنها ستتعرف إليك على الأقل. تظاهري بأننا خطيبان و عندما تتحسن صحتها سنخبرها بأننا فسخنا الخطبة. و لكن ليس قبل أن تشفى! فهذا أول دليل مشجع رأيناه و أنا لن أعرضه للخطر.
- و كيف أتأكد من أنك حقا صاحب فنادق ماغيللان؟ أتراه يظنها تخرج مع رجل غريب عنها تماما؟
- عودي معي إلى الفندق إذا شئت و سأريك مكتبي و أجعلك تقابلين سكرتيرتي التي ستشهد معي. لقد عملت مع أبي من قبلي و هي تعرفني منذ كنت صبيا صغيرا.و سأدعو "دوني" ليشاركنا هذه الليلة إذا كان هذا يشعرك بمزيد من الارتياح.
- دوني؟
- ابن خالتي... الساقي في البار.
- ابن خالتك يخدم في بار؟ و تتوقع مني أن أصدق أنك صاحب سلسلة <فنادق ماغيللان>؟"
- إنه مخبر خاص يعمل في قضية فلا تخبري أحدا بذلك. ومادام وضعني في هذه الورطة أتصور أن الأفضل أن يكون موجودا ليساعدني على الخروج منها.
- كان يمكنك أن ترفض.
- و من يساعدني على كارمن؟
فهزت رأسها :" لا تحاول أن تقنعني بذلك.. أنت لست بحاجة إلى مساعدة مني ضد كارمن أو أي امرأة أخرى."
- لكنني بحاجة إلى أن تساعديني مع أمي. لقد جربنا كل علاج اقترحه الطبيب و هذه هي المرة الأولى التي تمنحني أملا.
حدقت إليه وهي تسمع الإخلاص في صوته. لقد ساعدها الليلة الماضية فهل سيكون صعبا أن تمثل دورا لأجله ليلة أخرى؟ و تنهدت.
- لا بأس. أعطني العنوان و ٍاذهب إليكم عند الساعة السابعة. هذه الليلة فقط و نصبح متساويين.
- لا انا أريدك أن تجاريني في هذا الأمر حتى تتحسن صحة أمي و بعد ذلك نتظاهر بالخصام ثم نفسخ الخطبة و يذهب كل في طريقه.
- و كم تظن هذا سيستمر؟
- حسب ما يقتضيه الأمر. أسابيع قليلة أو شهرا أو شهرين على الأكثر.
- شهرا أو شهرين؟ لا يمكنني أن أقيد حياتي شهرا أو شهرين. أنت تطلب مني أن أعطل حياتي كليا لأجلك بينما أنا لا أعرفك.
- كنت أعلم أننا سنصل إلى هذا الحد. كم تريدين؟
حدقت إليه مذهولة.
- هل تستلقي في سريرك ليلا لتفكر كيف يمكنك أن تهين الآخرين؟
ثم سارت نحو الباب و قلبها يخفق لشدة الانفعال من هذا الظلم.
- لدي أشياء أفضل أقوم بها في السرير
و على الفور قفزت إلى مخيلتها صورته مع كارمن و لم تشأ أن تفكر في ذلك.
- موهبتك إذن تظهر بشكل عفوي. أنا لا أريد شيئا منك! و قد تراجعت عن وعدي بالخروج معك الليلة. و تابعت وهي تفتح الباب:" ابحث عن طريقة تخبر بها أمك الحقيقة."

- الحقيقة؟ أي حقيقة؟
ألقى جاستين هذا السؤال من حيث كان واقفا قرب الباب الذي يؤدي إلى قاعة العمل. أرادت موللي أن تقفز عائدة إلى السلم ة تصفق الباب في وجهه. ثم ما الذي يفعله جاستين هنا؟
و تدخل نك يساعدها :" أمي تريدنا أن نقيم عرسا مترفا بينما موللي تريد حفلة هادئة تدعو إليها أصدقاءها المقربين.لكنها تكره أن تؤذي مشاعر أمي."
و سألت هي جاستين :" هل تريد شيئا؟" أما هي فلم يسألها أحد ماذا تريد طبعا ... و هكذا وقفت تنظر إلى خطيب حالي و حبيب سابق يحدقان ببعضهما البعض ... كما كان الأمر في الماضي عندما كان الرجال يتقاتلون لأجل امرأة.
وقال جاستين:" أنا بحاجة إلى ناثان لكي يخطط لي نموذجا لكنه يقول إنه مشغول بعمل أوكلته به لذا يريد موافقتك.ساعديني في هذا يا موللي"
حملقت موللي فيه. كانت تعلم أنها تفرغ احباطها عليه لكنه يستحق ذلك فقد أدركت أنه كان يحصل على ما يريد منها بظرفه و عذوبته أثناء علاقتهما. هل كان هذا هو سبب إظهاره الاهتمام بها و الحرص على إرضائها.
- اذهب و اسأل بريتاني إن كان لديها أحد ليساعدك.
- انتظر دورك إذن.
ثم عادت بانتباهها إلى نك و كان متكئا على إطار الباب ببساطة و كأن لا شيء في العالم يشغل باله ما عدا التوتر حول عينيه الذي كان يناقض ادعاءه. وقالت بحدة :" إذا لم يكن لديك ما تفعله, فأنا لدي."
- سأمر لاصطحابك بعد العمل, نحن لم ننته من حديثنا.
أدركت أن عيون الجميع منصبة عليهما فأومأت بالإيجاب لكنها لم تكن راضية بالوضع:" عملي ينتهي عند الخامسة و لكن سيكون علي أن أغير ملابسي.يمكنني أن أقابلك هناك."
ثم انتبهت إلى أنها لا تعرف أين يقيم و المفروض أن تعرف الخطيبة ذلك. لكنها لم تستطع أن تسأله بوجود جاستين.و كأنه استطاع أن يقرأ أفكارها فهز رأسها:" أنت تعلمين أن ليس لدي مانع من أوصلك إلى بيتك ثم أنتظرك ريثما تغيرين ملابسك. أراك عند الخامسة يا حبيبتي."
ثم مال إلى الأمام و عانقها.
و كادت موللي تنفجر.لم تكن تريد ذلك لم تكن تريد شيئا من هذا الرجل, لكن وجود جاستين و بريتاني و بقية الزملاء جعلها تتمسك بالهدوء. كان خفقان قلبها يعلو وهو يتركها و يغمز بعينه ما كاد يصيبها بالجنون! نظرت إليه وهو يخرج, ثم نظرت إلى جاستين الذي مازال واقفا بقربها يكبت غضبه:" متى تعرفت إليه؟ "
- بعد أن انقطعت علاقتنا. أنا مشغولة الآن
- أنا بحاجة إلى ناثان. قال جاستين و هو يتبعها إلى مكتبها.
- أي جزء من كلمة " لا" أنت لم تفهمه؟
قالت هذا و قد ازداد غضبها. لو كان لديه ذرة عقل لاستعملها و تركها و شأنها.
- هيه ما الذي كدرك؟ إنها خدمة بسيطة. كنت دوما تساعديني في الماضي. نحن مازلنا صديقين يا موللي أليس كذلك؟
و ازداد اقترابا منها و كأنه يريد أن يؤثر عليها بسحره لكي تستجيب له.
و تصورت موللي الأقاويل التي سرعان ما تنتشر عصر ذلك اليوم, فبقيت عيناها على أوراقها:" لا, نحن لسنا صديقين و أنا لن أدع ناثان يترك عمله الحالي. اذهب و اسحر بريتاني و هي تعطيك ما تريد بكل تأكيد فأنتما الاثنين متلائمان."
فقال بلطف :" أتغارين؟"
فأجابت ساخرة :" لا. انفصالنا كان أفضل ما حدث لي فقد تعرفت إلى نك فانظر أين أنا الآن."
كانت في مأزق لكن جاستين لم يكن يعرف هذا. و بعد أن أدرك أخيرا أنها تعني ما تقول ذهب متذمرا بينما حاولت أن تعود حيث تركت عملها لكن صورة نك كانت تتراقص في ذهنها. إذا استمرت العلاقة بينهما سيؤدي بها إلى الجنون.ماكان له أن يعانقها أمام جميع الموظفين! إنه خبير حتما! و لكن إذا كان عليهم أن يتناقشا في مسألة خطبة مزعومة ستكون هناك شروط ثابتة عليه اتباعها و ستوضح له ذلك عندما يأتي ليأخذها. و لكن هل صحيح ان والدته مريضة؟ و هل خبر العرس جعلها تتحسن؟ أن ان نك بايلي يقوم بلعبة ما؟
لقد بدا لها منزعجا حقا مما أصدرته الصحيفة. و هنا تذكرت فاتصلت بموظفة الاستقبال و طلبت ارسال نسخة من الصحيفة اليومية. و عندما وصلت هذه قرأت موللي المقالة في صفحة الاجتماعيات كلمة كلمة و تأملت كل صورة. و كانت الأوضاع التي اختارها المصور مقنعة حتى كادت تصدق أنها حقيقية لولا أنها تعؤف الحقيقة. كما أن المقالة أخبرتها المزيد عن (كاره الزوج)! و تفحصت بسرعة أسماء نساء اقترنت باسمه مفكرة أن تلك النسوة لا بد كرهن أن توضع أسماءهن بصفتهن حبيبات سابقات ما عدا كارمن التي ربما من النوع الذي يحب الشهرة مهما كان نوعها.
لكن موللي ليست كذلك. و مع ذلك ما كان لها أن تلوم سوى نفسها لهذه المقالة و للمأزق الذي وجدت نفسها فيه.يا ليتها فقط لم تشترك هي و شيلي في اختراع هذه الفكرة السخيفة! و يا ليتها دخلت تلك الحفلة وحدها وواجهت جاستين و بريتاني و شفقة زملائها!
فتحت دليل الهاتف بحثا عن رقم <فتدق ماغيللان> في ساحة "ساحة يونيون" ثم طلبته.و بعد لحظة قصيرة أجابها نيكولاس بايلي:"بايلي"
بإمكانها أن تميز ذلك الصوت في أي مكان.
- أردت فقط أن أتأكد من أنك أنت حقا من تقول إنك هو. ثم أقفلت الخط.
يبدو أنه حقا صاحب تلك السلسلة الضخمة من الفنادق الناجحة.يمكنها ان تواجه ذلك أما ما لم تكن واثقة منه فهو الاستمرار في تلك التمثيلية نزولا عند رغبته.
ماذا لو بدأت أمه حقا ترتب أمر الزفاف؟ سيكون من الظلم أن تنتزع هذا الأمل منها بعد أن تتحسن صحتها؟ أليس من الأفضل أن تخبرها بالحقيقة الآن و تمنحها أملا حقيقيا في أن يجد فتاة يقع في حبها
و يتزوجها؟ تساءلت إن كانت الأم تعرف كارمن.ولم تستطع موللي أن تتصورها من نوع النساء اللاتي يرغب نك أو أي رجل آخر أن يأخذها إلى بيته و يقدمها إلى أمه.
في الخامسة تماما خرجت موللي من مبنى المكاتب الضخم. و بالرغم من الازدحام البالغ في الشارع و مواقف السيارات كانت سيارة نك راكنة أمام المبنى بالضبط. عندما رأته لم تستطع موللي أن تتجنب الشعور بالبهجة الذي غمرها و تمنت لحظة لو أنهما خارجان معا للمرة الأولى ليكتشفا ما يحبانه و ما لا يحبانه.
قال وهو يفتح لها باب السيارة: "هل أنت راضية الآن؟ "
- عن ماذا؟
- عمّن أنا حقا.
تجاهلت قوله و دخلت السيارة, كانت المقاعد وثيرة ناعمة و خاطبت نفسها باستغراب: مرحبا بك يا موللي في عالم الثراء!
و جاءها صوت دوني من المقعد الخلفي: " مرحبا, يا موللي ماغاير".
التفتت إليه جزئيا فكانت ابتسامة التحري الخاص عريضة مرحة كالعادة: " مرحبا أظن أنه كان عليك أن تملأ كأسي فقط في الأمس و تتجاهل الطلب الثاني".
- آه يا لها من شبكة أكاذيب نحوكها... لكن الأمر بالنسبة إليك و إلى نك غير معقد. هو ساعدك على الخروج من مأزقك و أنت ساعدته على الخروج من مأزقه.
و دخل نك خلف المقود ثم أدار المحرك.
- تحدثت مع السيدة براوم قبل أن أترك المكتب.إنها ممرضة أمي. أمي متلهفة إلى التعرف عليك. سنتوقف امام بيتك كي تغيري ملابسك ثم نتابع طريقنا.
انطلق نك بالسيارة و سرعان ما تحول إلى شارع "إمبركاديرو".
- ألست بحاجة إلى معرفة الاتجاه؟
- أعرف الطريق.
- من أين أخذت عنوان مسكني؟
- أخبرني دوني بذلك.
التفتت إلى المقعد الخلفي:" كيف عرفت ؟"
فضحك دون خجل :" أنا أعرف كل شيء و الأفضل لكما أن تتعرفا الآن على بعضكما قبل أن تقابلا الخالة ايلين. لقد أعطيت نك المعلومات الرئيسية عنك ثم كتبت لك صفحة سريعة عنه."
ثم ناولها ورقة تحتوي على المعلومات الأساسية عنه: العمر, تاريخ الميلاد, مكان دراسته. فتمتمت موللي:" هل لدى نك معلومات وافرة عني هو أيضا؟"
- أنت ابنة وحيدة أبواك يعيشان في فريمونت حيث نشأت أنت و حاليا هما في رحلة بحرية أمنتها الشركة التي يعمل فيها والدك. أمك تعمل في مدرسة للصم.أنت كنت متفوقة في المدرسة الثانوية, في كلية الفنون. و تسكنين في شقة قرب الحي الصيني.و يبدو أن لديك اصدقاء كثيرين و لكن ...
و ألقى عليها نظرة خاطفة :" قليل من الرجال الأصدقاء المحبين"
- كان عليك ان تسألني فأعطيك ما تريد من معلومات.
استاءت لأنه كلف دوني بالتحري عنها. كان عليها أن تكلف شخصا بالتحري عنه ليرى إن كان هذا يعجبه!
و قال نك :" مازلت أريد أن أعرف نوع الألوان التي تفضلينها, والطعام و الأفلام و الكتب و ما إلى هنالك"
- و أنا أيضا أريد أن أعرف ذلك عنك.
أتراها تجاريه في هذا؟ و ماذا حدث لإصرارها على الشروط الأساسية؟ لقد سلمت بأنه أنقذها أمس من موقف صعب و اليوم من جاستين. لكنها تعرض نفسها للقلق و الاضطراب رغم انها غير واثقة من أنها تشعر نحوه حتى بالمودة.
كان نك يتخلل الزحام بمرونة وهو يجيب:" لوني المفضل هو الأزرق, طعامي المفضل هو الدجاج المقلي رغم أنني أعرف أن الطعام المقلي مضر بالصحة. أحب أفلام المغامرات و اذا استطعت أن استأجرها نادرا ما أذهب إلى السينما.و لدي تذاكر دوما للقاعات الموسيقية حيث أستمع إلى السمفونيات.لا أقرأ كثيرا لكنني عنما أقرأ أفضل القصص البوليسية الغامضة.ماذا عنك؟"
- أحب اللون الأزرق أنا أيضا, الشوكولا هو أكثر ما أفضل من الأطعمة و أظن انه ينبغي تصنيفه أحد الأغذية الأساسية. أفضل الأفلام و الكتب الهزلية و أحيانا الروايات العاطفية الحقيقة. لعبة كرة القدم لا تهمني البتة و أحب كل أنواع الموسيقى.
فقال دوني من الخلف:" الآن أعلنكما خطيبا و خطيبة."
و رد عليه صوتا نك و موللي في وقت واحد :" اخرس"
قالت:" هل وجدت سببا تتذرع به أمام أمك و يبرر عدم إطلاعها على خطوبتنا.أعني أليس هذا غريبا؟ أم أنكما غير متقاربين؟"
- إننا متقاربان كمعظم الناس كما أظن. و السبب الذي منعني من أن أحدثها عنك هو مرضها طبعا.
- و كانت علاقتنا عاصفة على كل حال أليس كذلك؟
- ماذا تعنين؟
- ألم تقرأ المقالة في الصحيفة؟ أم أنك اكتفيت بمشاهدة الصور؟ فحسب مصدر موثوق, و أظنه تلك السافلة بريتاني, كانت قصة حبنا عاصفة. ولا بد أن هذا صحيح ما دمت أنا قد قطعت علاقتي حديثا بجاستين و كلنا نعلم عن كارمن.
فقال دوني:" أرجو ألا تكون خالتي ايلين تعلم بأمرها"
وقف نك أمام مبنى من ستة طوابق ثم نظر إليها:" سننتظر هنا"
- هذا حسن. لن أتأخر.
فتحت الباب و دخلت بسرعة شاكرة لحصولها على عدة دقائق تنفرد
فيها بنفسها.ربما عليها أن تقفل باب شقتها ولا تعود إلى الخروج مطلقا. لم تكن واثقة من حكمة تورطها في هذا المشروع إلا أن الفضول كان يتملكها بشأن نك.
عادت إلى تلك السيارة المترفة بعد ثلث ساعة و أخذت تنظر إلى نك وهو يخوض زحام السير بكفاءة.قبل أن يصعد في طريق خاص ليقف أمام بيت عتيق جميل تلتف حوله نباتات متعرشة يتصاعد الشذا من أزهارها.
- هل تسكن هنا؟ سألته موللي وهي تنظر إلى بعض البيوت الفسيحة الجميلة التي كان يعود بناؤها إلى مائة عام.
- أمي تسكن هنا أما أنا فأسكن في شقة في منطقة "توب هيل". اسمعيني جيدا يا موللي لا أريد أن تتكدر أمي إنها واهية ضعيفة الصحة و سأفعل كل ما بإمكاني لكي تتحسن.هل نحن متفقان؟ لا ينبغي أن يدور أي حديث مثير للجدل .أفهمت؟
- آه , يا لروعة هذا الزواج! تهديد ,أهانات, تحريات, مزيد من التهديد.ماذا تتمنى المرأة أكثر من ذلك؟
خرج دوني و فتح الباب لموللي:" هل حفظت المعلومات التي أعطيتك إياها؟"
- لم أنته بعد من تلاوتها. أظنني سأتسلل إلى الحمام و أحفظ كل شيء عن ظهر قلب ثم أمزق الورقة قطعا صغيرة و أرميها في المرحاض.
وقال نك لابن خالته:" كان ممكنا أن يكون الوضع أسوأ لو انها لا تتحلى بروح الفكاهة." ثم عبس و مد يده فوضعت يدها في يده على مضض شاعرة بأصابعه تلتف حول أصابعه.
استدارت تواجه المنزل آملة أن ينجحا في تمثيل مهزلتهما الجنونية لأجل المرأة المريضة. لكن شعورا سيئا تملكها بالنسبة لهذا الأمر.

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
قديم 26-04-08, 05:18 PM   المشاركة رقم: 75
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Apr 2008
العضوية: 70240
المشاركات: 113
الجنس أنثى
معدل التقييم: الأمل الدائم عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
الأمل الدائم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الأمل الدائم المنتدى : الارشيف
Congrats التكمله

 

الفصل الرابع: خلف الكواليس:



قاد نك موللي إلى غرفة استقبال مترفة ثم استأذن للذهاب و الاطمئنان على أمه.و تمنت فجأة لو انها امضت قليلا من الوقت مع نك لمراجعة قصتهما.أخذت تنظر مأخوذة رغم قلقها.وكانت الغرفة أنيقة فاخرة و سألت دوني:" هل نشأ نك هنا؟"
أومأ الشاب و هو ينظر حوله :" نعم و كانت أمه تخشى دائما أن يتلف أيا من تحفها.و عندما كنا نحن الأقرباء نجيء للزيارة كنا نمضي وقتا سيئا.لا تلمس هذا, لا تجلس على ذاك! لا أدري كيف احتمل العيش هنا. هناك غرفة خاصة في الناحية الخلفية من المنزل كان نك يمضي فيها أكثر أوقاته فالخالة ايلين كانت أكثر قلقا على لحفها و أغطية مقاعدها المطرزة من أن تسمح لنا باللعب في هذا القسم من المنزل."
و تساءلت إن كان نك مشاغبا في صغره, يركض في أنحاء المنزل يصرخ و يلعب. هل كان يلعب كرة القدم في المدرسة؟ إن بنيته تشير إلى ذلك.و أخذت تقرأ الورقة التي أحضرها دوني معه إذ ربما ستجد الأجوبة فيها.
دخل نك بعد دقائق فرفعت بصرها إليه لكنها لم تستطع أن تقرأ شيئا
في ملامحه.فقالت:" لا أظنها فكرة حسنة."
- إذا كانت فكرة حسنة الليلة الماضية فهي فكرة حسنة هذه الليلة.
- كانت الليلة الماضية مختلفة.
- و كيف؟
لوحت بالورقة التي أحضرها دوني:" لم أكن أحاول أن أخدع أسرة هل يفترض بي حقا أن أتذكر كل هذه الأشياء؟"
- ليس فيها الكثير فأنا في السادسة و الثلاثين فقط
- لقد درست في جامعة ستانفورد و حزت على ماجستير في إدارة الأعمال.أنت تحب السفر و سافرت إلى بلدين لم أسمع باسمهما قط.
- و ما هو اعتراضك؟
- إننا غير متلائمين على الإطلاق و ستلاحظ أمك ذلك فورا.
- إذا أنت أديت دورك جيدا لن تلاحظ. لقد صدقت القصة الآن و لن تحاول أن تحلل شيئا.
و أمسك بذراع موللي برفق:" هيا بنا, إنها مستيقظة و متلهفة لرؤيتك."
و نظر إلى دوني:" سنعود حالا."
- خذا وقتكما. سأذهب إلى المطبخ و أرى ما يعدانه.
- عندما اتصلت أمي تدعونا للعشاء فالت إن شوــ وين ستجهز العشاء عند السابعة.قريبا سيكون جاهزا.
قالت موللي شاكية و هما يصعدان السلم:" أنت لا تصغي إلي. نحن لا نعرف بعضنا."
عندما وصلا إلى أعلى السلم أخذها نك بين ذراعيه:" أنا أصغي لكنني أتجاهل ما تريدين قوله.إننا سنجعل هذا الأمر ينجح فالكثير يتوقف على ذلك."
- و لكن...
و فتحت فمها لتعترض لكنه شدد من احتضانها مسكتا أي اعتراض قد تتفوه به. و قفت بين ذراعيه شاعرة فجأة بدفاعاتها تذوب. عرفت رجالا من قبل و لكن لم يعانقها أحد بمثل هذا الشكل و لا عجب أن كارمن لم تشأ أن تتخلى عنه. و بعد لحظات ابتعد عنها ثم أخذ ينظر إليها و الرضى في عينيه فسألته وهي تحدق في عينيه الداكنتين اللتين تخفيان الكثير:" لم فعلت هذا؟"
- أريد أن تصدق أمي هذه الخطوبة. سأمثل أنا دور المفتون ما دمت تمثلين أنت دور المحبة المشغوفة.
- آه, مشغوفة...؟ لا بأس. سأبذل جهدي!
كانت موللي الذاهلة على استعداد أن تعد بأي شيء.
عندما دخلا غرفة النوم الفسيحة, أول ما لفت نظر موللي هو سرير مستشفى بدا و كانه يحتل الغرفة و نهضت ممرضة من على كرسيها و تقدمت إليهما باسمة.
- سأترككما مع السيدة بايلي.نادوني إذا احتجتم لأي شيء.
ثم خرجت بينما اقترب نك و موللي من السرير:" أمي أريدك أن تتعرفي على موللي.موللي هذه أمي ايلين بايلي."
بدت المرأة المستلقية في السرير أضعف من أن تستطيع الجلوس. وكانت غائصة بين الوسائد نحيلة إلى حد محزن بشرتها أشبه برق قديم.
بدا الفضول في عينيها لكن ابتسامتها كانت مرحبة:" أهلا و سهلا بك يا موللي ماغاير.أتمنى لو أقول إني سمعت عنك لكن نك أخفى الأمر عني تماما."
- يسرني جدا التعرف إليك يا سيدة بايلي.
- ادعيني ايلين يا عزيزتي.أما بالنسبة إليك أيها الشاب فسنتحدث فيما بعد عن سبب إخفائك هذا الحدث عن أمك.
تقدم نك إليها و قبل خدها:"لم يكن لدي ما أخبرك به حتى مؤخرا.و الآن موللي هنا وأمامكما وقت طويل لتتعرفا إلى بعضكما, لذا لا تستائي."
ربتت على السرير بجانبها و قالت لموولي:" تعالي و اجلسي بجانبي وحدثيني عن نفسك."
جلست موللي بجانبها:" ليس لدي الكثير لأخبرك عنه.أنا أعيش في هذه المدينة وو أعمل في شركة زنتك في القسم الفني وقد و لدت و نشأت في كاليفورنيا."
- مثل نك أنا من بوسطن.لم أكن أظن أني سأغادرها يوما لكن توماس بايلي أرغمني على ذلك.أخبريني كيف قابلت نك.
حملقت موللي فيها بينما أخذت أفكارها تدور بسرعة.ما عساها تقول لها؟ فتدخل نك بنعومة:" قابلتها في حفلة عمل اقامتها شركتها في الفندق لقد افتتنت بها منذ البداية."
- إذن لهذا أعلنت خطبتك الليلة الماضية في حفلة زنتك.
و أومأت برأسها و كأن الأمر توضح أخيرا. لاحت ابتسامة واهنة على شفتي موللي و نظرت إلى نك.فليجب على كل السئلة فهذا سيوفر عليها توتر الأعصاب! و قالت له أمه مقطبة:" اجلس يا نك.تسبب لي وجعا في عنقي."
سحب نك كرسيا إلى قرب موللي و جلس فاحتكت ساقه بساقها.وانتبهت إلى قربه هذا منها ما سبب لها رجفة في داخلها و فقدت تسلسل أفكارها. لماذا تسبب لها لمسته هذه الفوضى في أعصابها؟
- هذه أول مرة تجلسين فيها مع الناس منذ شهرين.لا أريدك أن ترهقي نفسك.
- إياك أن تمرضي يا موللي فسيقلقك حتى الموت في محاولته أن يشفيك حالا.في الواقع انا لا أرهق نفسي بل اشعر أنني أقوى مما كنت عليه منذ زمن طويل.و ربتت على يد موللي:" كل هذا لأنني قابلت المرأة التي سيتزوجها نك. لم اظن قط أنني سأرى هذا اليوم.عندما كنا أنا و أبوه في مثل عمره كنا متزوجين منذ خمس سنوات و كان نك يتعلم المشي."
ضاقت عينا نك بنظرة محذرة لموللي و كأنها لحاجة إلى تحذير. وشعرت أنها تسير في حقل ألغام.نظرت إليه بجانب عينها:" أراهن على أنه كان صعب المراس, ومازال كذلك."
فضحكت ايلين:" ستكونين مناسبة له.حدثيني عن خططك للعرس! لن تدعاني اقرأ عن هذا في الصحف أليس كذلك؟"
هزت موللي رأسها الذي فرغ الآن من كل فكرة. لم تتعود ان تكون خطيبة زائفة ولم تفكر قط في عرس. سألتها ايلين:" هل ستتزوجين هنا في سان فرانسيسكو أم في منطقتك؟ من أين أنت أساسا؟"
شعرت موللي بقدم نك تحتك بقدمها محذرة.إذا كان لا يثق بها في سير التمثيلية فلماذا تزعج نفسها؟ فقالت:" لم نناقش التفاصيل بعد. أنا اساسا من <فريمونت> لذا سأرغب في الذهاب إلى منطقتي لنتزوج. ومادامت المسافة تستغرق أكثر من أربعين دقيقة فسيكون سهلا على الأصدقاء قطعها بالسيارة."
- وهل حددتما تاريخ الزفاف؟
- مازال الوقت مبكرا. علينا ان نختبر بعضنا أولا.
فقالت ايلين:" قاعات الحفلات تحجز عادة قبل أشهر أو حتى سنوات. هذا إلى أن موللي ستحتاج إلى وقت لشراء الجهاز و التخطيط لشهر العسل. هل ستسكنين في شقة نك؟ أم تريدين مكانا أوسع؟"
بدت عند الباب امرأة صينية قصيرة القامة حاملة طبق طعام: "العشاء جاهز يا سيدة بايلي."
قالت هذا و هي تدخل محيية نك فقدمها إلى موللي بأنها شوــ وين مدبرة المنزل.و تبعتها الممرضة السيدة براوم إلى غرفة النوم.و سألت:
" أتريدين أي مساعدة يا سيدة بايلي؟"
- بعد دقيقة ما زالت الزيارة قائمة.
- سنتركك الآن لتتعشي يا أمي. و أنا واثق من أن عشاء شو ــ وين ينتظرنا في الأسفل و سأعود مع موللي قبل أن نخرج.
قال نك هذا وهو يقف مادا يده إلى يد موللي فوضعتها في يده و ابتسمت له ابتسامة ترجو بها أن تعبر عن الشغف لكن الصدمة تملكتها للأحاسيس البهيجة التي شعرت بها.كانت يده دافئة حازمة. و عندما اشتبكت أصابعه بأصابعها خفق قلبها. و نصحت نفسها بأن تحاذر. قادها إلى الطابق السفلي. ومن نظرة الرضى التي لمحتها موللي في عيني الأم قبل أن تغادر الغرفة أدركت أن المرأة زالت شكوكها و اطمانت لتصرف ابنها.لو انها تعرف الحقيقة!
عندما دخلا غرفة الجلوس سأل دوني:" كيف سارت الأمور؟"
- بشكل ممتاز.
و ترك نك يد موللي. فقالت موللي شاعرة بالحرمان لترك نك يدها: "أمك مريضة جدا أليس كذلك؟"
فقال دوني:" إنها مريضة منذ أشهر."
- تبدو أحسن اليوم.
و قال نك مخاطبا موللي:" اكتسيت وجنتاها بعض اللون كما ان عينيها عادتا تلمعان كالعادة. ما كنت أعلم أن خطبتي يمكن ان تشفي أحدا. و لكن اذا كان الأمر كذلك فليكن."
كانت موللي متفهمة قلق نك. اذا كان ادعاؤهما سيساعد أمه على الشفاء فعليها اذن ان تستمر في تلك التمثيلية إلى أن تشفى هذه المرأة. يمكنهما أن ينجحا في ذلك إذا تركت له أمر الإجابة عن أسئلة أمه الشخصية.كل ما عليها فعله هو التحدث قليلا ثم تحدق في نك بشغف. مازالت طبيعة خداعهما تزعجها’ فقد كانت ايلين بايلي سعيدة حقا لظنها بأن ابنها سيتزوج.و سيخيب أملها عندما تكتشف الحقيقة. عندما انتقلوا الى غرفة الطعام للعشاء, سرها أن يستغرق الرجلان في الحديث حيث أضبح ب‘مكانها أن تفكر.نظرت في أنحاء الغرفة إلى الأثاث التراثي و الستائر المقصبة وهذا أثيت لها الفارق مرة أخرى بين خلفياتهما. ودهشت لأن ايلين لم تظنها طامعة في أموال ابنها.
قال نك :" أراك هادئة يا موللي."
فنظرت إليه:" ليس لدي ما أقوله."
فقال دوني مداعبا:" أي امرأة لا تتكلم إلا عندما تجد ما تقوله؟ أخبريني يا موللي كيف نجح الخداع بين أصدقائك في زنتك؟"
- يبدو أنهم صدقوا ذلك.
- هذا غريب ربما لديك موهبة في التمثيل.
- هل ظننت أني لن انجح؟
هز دوني كتفيه و عيناه تلمعان هزلا:" و كارمن, ما الذي ستفعله بها؟"
- لا شيء. لقد فهمت الأمر.
غمز دوني:" ربما. الأيام ستبرهن لنا ذلك."
عندما انتهى العشاء توقف الحديث و نظر نك إلى موللي:" يمكننا أن نودع أمي ثم اوصلك إلى بيتك."
- يمكنني ان أستدعي سيارة أجرة
فقال نك بفروغ صبر:" بل أوصلك أنا. أي رجل يرسل خطيبته إلى بيتها وحدها بينما بإمكانه أن يوصلها بنفسه؟"
أومأت موللي شاعرة بغبائها فالخطيبان الحقيقيان يترافقان حتى باب المنزل حيث يودعان بعضهما. عندما دخلا غرفة ايلين كانت هذه قد غلبها النعاس فأشارت إليهما الممرضة أن يقتربا قائلة:" لقد طلبت مني أن اوقظها . لقد أكلت معظم طعامها.هذه أول مرة تكمل فيها طعامها تقريبا منذ بدأت أعمل هنا."
ربتت على كتف ايلين برفق ففتحت هذه عينيها على اتساعهما. وعندما رأت نك و موللي ابتسمت ابتسامة عريضة و سألتهما و هي تحاول الجلوس:" هل استمتعتما بالعشاء؟"
فقالت موللي و هي ترى وجه المرأة المتعب:" كان لذيذا أرجو أن تتحسني قريبا."
- سأتحسن. كنت أفكر في أن علينا أن نقيم حفلة خطبة, لكي اقدمك إلى كل الأقارب و الأصدقاء. ما رأيك يا نك؟
وضعت الممرضة عدة وسائد خلفها بينما قال نك:" فكرة رائعة يا أمي. لكننا سننتظر حتى تشفي تماما."
- حسنا جدا. فكرا في ذلك بينما أشفى أنا بأسرع مما تتوقعان.
انحنت موللي تقبل وجنتها:" تصبحين على خير."
- تصبحين على خير يا عزيزتي. في المرة القادمة سنمضي انا
و أنت مزيدا من الوقت معا.
و في السيارة التفتت موللي إليه:" نحن بحاجة إلى خطة محددة نسير عليها."
- ماذا تعنين؟
كان دوني قد اختار أن يستدعي تاكسي لنفسه و بهذا اصبحا وحدهما في السيارة.
- أنت تعلم ما نخبر به الناس وما نفعله بصفتنا خطيبين. لا اظن أن علي توطيد علاقتك بأمك لأنها ستتكدر جدا عندما نفترق.
- بامكاننا أن نضع خطة نسير عليها, مساء غد. عليك أن تمري عليها من وقت لآخر و الا شكت في أمرنا وهذا يسبب لها قلقا لا أريده لها.
- ماسء غد؟ لن أكون هنا’ فأنا راحلة لقضاء عطلة الأسبوع
فقال بحدة:" مع رجل؟"
- لا ليس مع رجل ثم هذا ليس من شأنك.
أخذت تفكر في غرابة ردة فعله.لو كان لها صديق لما طلبت من رجل غريب أن يرافقها لحضور حفلة زنتك.
- إلى أين ستذهبين؟
- إلى منتجع في "نابا".
فقطب جبينه:" منتجع؟ حيث تخوضين في الأوحال و تشربين عصير الكرفس؟" ز كان صوته أقرب إلى الرعب.
- بذلت جهدا كبيرا في العمل لأجل <هاماكوموتو> وهذه مكافأتي منهم.
- إلغي ذلك. دوني على صواب في قوله إنه لم يعد بإمكاني الخروج وحدي بعد أن ذاع نبأ خطبتي و إلا وصلت الشائعات إلى أمي. سأحضر
مناسبة خيرية يوم السبت و سيكون عليك مرافقتي.
- ليس علي أن أفعل أي شيء فقد خططت لهذه العطلة الأسبوعية منذ دهور.
- عندما ينتهي هذا الأمر سأدفع لك نفقات أسبوع كامل تقضينه هناك.
تقبضت يدا موللي غيظا:" هل هذا فقط ما تفكر فيه؟ ألم يخطر ببالك أن تلتمس ذلك بصفته خدمة؟"
هز نك رأسه ببطء:" تصورت أنه بما أنني أطلب منك إلغاء عطلتك الأسبوعية فأقل ما يمكنني فعله هو أن أعوضها عليك."
- حاول أن تلتمس فترى ما سيحدث
فقال صارفا أسنانه:" هل لك أن تأتي معي إلى الحفلة الخيرية ليلة السبت؟"
- طبعا! لقد التمست هذا بمثل هذه الرقة فكيف أرفض؟
و عندما حل ظهر يوم الجمعة كانت موللي قد غيرت رأيها مرة بعد أخرى. لم تشأ أن تتخلى عن تلك العطلة الأسبوعية الفريدة.وتساءلت عما يجعلها تذهب إلى حفلة خيرية ستشعر فيها حتما بأنها في غير موضعها.ثم إن والدة نك لن تعرف مطلقا بأنها لم تذهب إلى الحفلة, كما أنها لا تتصور أن نك هو موضع اهتمام الصحافة بحيث ينشرون له المزيد من الصور في الصحيفة بهذه السرعة بعد هذه النشرة الأخيرة.
تناولت غداء سريعا ثم عادت للعمل.سمعت حركة من خلال الباب المفتوح لكنها ما لبثت ان رفعت بصرها و إذا بها تهتف بصوت منخفض:" عجباً,عجباً."
فقد تسمرت لمرأى كارمن هيرناندز تشق طريقها خلال طاولات الرسم
و المكاتب و كأنها تتنزه في منتجع عصري.و استقرت عليها عيون كل الرجال في القاعة و كذلك عيون النساءو لكن لأسباب مختلفة.ومرة أخرى أخذت موللي تتساءل عما أصاب موظفة الاستقبال لتدع الناس يتسكعون في المكاتب كما يشاؤون؟ عندما وصلت كارمن أمام موللي نظرت حولها مقطبة:" هل تعملين هنا؟"
و لم يكن لمعان عينيها يبشر بخير
- نعم.
ما الذين كانت كارمن تتوقعه؟ و كيف عثرت عليها؟ ربما قرأت ما كتب عنها في الصحيفة و رأت صورها في احتفال زنتك. نظرت المرأة حولها و كأنها تختبر ردة فعل كل رجل هناك.و بعد أن رضيت بلفت انتباههم عادت تنظر إلى موللي:" أين خاتمك؟"
نظرت موللي إلى يدها.كانت قد خلعت خاتم جدتها عندما انتهت الحفلة ذلك المساء. و سرعان ما وجدت العذر:" على أن أغسل يدي من الأضباغ عشرات المرات في اليوم و أنا أخاف عليه من ان يضيع."
فقالت كارمن بلهجة مسرحية:" لو أن نك ألبسني الخاتم لما خلعته من إصبعي أبدا."
- لكنه لم يفعل أليس كذلك؟ قالت موللي هذا ببشاشة منتظرة أن تفصح المرأة عن سبب زيارتها هذه إذا كان هناك سبب.
ضاقت عينا المرأة:" ليس بعد لكنكما غير متزوجين.أين تعرفت عليه؟ هل يعلم أنك تعملين هنا؟أم يظنك غنية مثله؟ رجل في مركزه عليه أن يخاف من صائدات الثروات."
فأجابت موللي قائلة:" نك يعلم كل ما يريده عني."
نهضت موللي و هي تنظر حولها بعد أن لاحظت اهتمام جميع زملائها و سرها أنها لم تر بريتاني و لكنها أدركت من العيون المتلهفة حولها أن مزيدا من الأقاويل سيطالها.
- لا أدري ما الذي أعجبه فيك. كنا حبيبين مدة طويلة. قالت كارمن هذا وهي تتأمل موللي بوقاحة.
- أنا سعيدة لأجلكما.
فسألتها كارمن بدهشة:"ألا تشعرين بالغيرة؟"
- وهل يفترض أن أغار؟ كل ما بينكما انتهى قبل أن أعرفه.
- مثل تلك العواطف المحمومة لا تنتهي بهذه السهولة.إنه متكدر لسبب ما و يحاول أن يثبت لي أن بامكانه أن يطلب الزاوج من أية فتاة تافهة.أنا يمكنني أن أثير فيه النيران و العواطف المشبوبة ماذا بامكانك أنت ان تمنحيه؟أنت نحيلة هزيلة شاحبة اللون.إنه بحاجة إلى امرأة حقيقية! تأكدي أنه سيفسخ خطبته بك ليعود قريبا إلي زحفا.
استبد الضيق بموللي لهذا القول و فكرت في أنها لو كانت تهتم حقا بنك لضايقها أن تعلم عن تلك العلاقة المحمومة.
- لا أظن أن هذا سيحدث.
قالت موللي هذا و هي تتساءل كيف يمكنها أن تتخلص من زائرتها غير المرغوب فيها.هل هذا جزء من كونها مخطوبة إلى مالك فنادق؟
- سترين!و نظرت مرة أخرى في أنحاء القسم بازدراء ثم استدارت لتبتعد قائلة:" ليس لديك شيء بينما بإمكاني أعطيه أن كل شيء ."
كان الصمت يصم الآذان و العيون تتبعها خارجة. ضحكت امرأتان تعملان بجانب موللي, و قالتا:" إذا كان ذلك الرجل الرائع الذي كان هنا أمس هو محور القتال بينكما فقد أحسنت يا موللي من هي هذه المرأة."
- لا أحد ذات أهمية.
حيرتها ردة فعلها الهادئة إزاء محاولات كارمن الوقحة لإثارة فضيحة. تسللت خارجة بعد دقائق و اتصلت به. حولتها السكرتيرة إليه مباشرة إذ يبدو أنها تعتقد أن هذه الخطبة حقيقية.
- بايلي
فقالت بصوت غنائي عذب:" مرحبا يا حبيبي, كنت متشوقة لسماع صوتك.هل يسير يومك جيدا كيومي؟"
- موللي؟
- هل لديك خطيبة أخرى كامنة تترصد؟ واحدة يمكن أن تضايقها كارمن بزياراتها؟
- كارمن؟ ماذا يحدث؟
- أرادت أن تخبرني شخصيا عن العلاقة المحمومة التي كانت بينكما و كيف أنكما ستستعيدانها حالما تلقي بي جانبا. دعنا نوضح شيئا بالنسبة لهذا الوضع... عندما تنتهي هذه المهزلة أنا من سيلقي بك جانبا فقد تعبت من كوني دوما الضحية المنبوذة.
- هل جاءت إلى مكتبك؟
- نعم و لكن لا تخف. فأنا أشك في عودتها.
- لم أتوقع أن تفعل شيئا كهذا.أرجو أن تكوني قد قمت بدورك جيدا.
- أنا أعيش لأرضي الآخرين.لكنني سأقدر لها عدم عودتها مجددا.
- ليس لدي نفوذ عليها.لكنها اذا اقتنعت ان خطبتنا حقيقية فستتركني و شأني.
فقالت مفكرة:" أتوقع أن تبقى منتظرة إلى أن تفسخ خطبتنا فتعود إليك عندئذ."
- كارمن ليست صبورا إلى هذا الحد.
- إلى أي حد عليها أن تصبر؟ فخطبتنا لن تستمر طويلا ذلك أن أمك ستشفى قريبا.
- لا تستمري في الحديث عن إنهاء الخطبة فقد يسمعك أحد.
-لا أحد سيسمع فأنا لا أتحدث الآن أمام جمهور.
- ليس الآن. و لكن اذا بقيت في حالتك الذهنية هذه سيزل لسانك أمام أي أحد.
آه, ما أسوأ ما سيكون ذلك!
- سأحرص على أن يكون سيئا للغاية. و كان الفولاذ في لهجته واضحا جليا .
- هذا تهديد آخر. هل هذه هي طريقتك في الحياة؟ أنا خطيبتك فأظهر بعض الشغف و الحب.
و كادت تضحك وهي تتصور وجهه في الناحية الأخرى من الخط.
- معك حق.سآتي لآخذك الى العشاء الليلة و سنمثل دور العاشقين الهائمين المفتونين.تمثيلك الليلة الماضية لم يكن وافيا.
- ماذا؟ أنا تصرفت بشكل رائع و أمك مقتنعة أنني أعبدك.
أجفلت لانزعاجها من قوله هذا.أي نوع من الأداء كان يتوقعه منها؟
- كنت تتوترين كل ما لمستك و المغرمون يزدادون ارتياحا بجانب بعضهم بعضا.
- ربما أنت تعلم عن ذلك بعد العلاقة المحمومة مع كارمن.
- انسي أمر كارمن.فأنت بحاجة إلى تدريب.
- أما أنت فلا؟
- حسنا سنتدرب نحن الاثنين.هل الساعة السابعة وقت مناسب؟
وافقت موللي على الموعد ووضعت السماعة و قلبها يخفق توقعا. أي نوع من التدريب يفكر فيه نك؟و كيف سيجعلها ترتاح بجانبه؟

لم يصدق نك أنه سيتعشى مع موللي مرة اخرى و انه اصر عليها بذلك. لقد رافقها ليلة الأربعاء الماضي إلى الحفلة.ثم ذهب معها الى منزل أمه و حطط لرؤيتها ليلة غد و حفلة الرقص الخيرية.لكنه الليلة مرهق للغاية. الواقع أن موللي ماغاير تثير فضوله فهي لا تشبه أي امرأة عرفها و لديها الاتزان الذي تفتقده معظم النساء أمثال كارمنو آخر ما تفكر فيه هو المال.
عندما يفكر بموللي يجد من الصعب أن يتذكر أي شيء عدا عينيها اللامعتين و فمها الجميل و سلوكها الجريء. وقف و سار إلى النافذة و نظر إلى ساحة يونيون الفسيحة حيث يبدو الخليج.لم يستطع أن يرى شقتها في الحي الصيني أخذ يحدق في بالمباني متأملا.أتراها تقوم بلعبة ما؟ أم أنها واضحة كما تبدو؟
لم يستطع أن يرى كيف كان بإمكانها أن ترتب فرصة تعارفهما الأولى. كيف لها أن تعلم عن كارمنو سبب وجوده في المقهى؟ و مع ذلك لم يستطع إلا ان يفكر كيف ظهرت صورهما في الصحيفة و كم أحدثت الصحيفة من ضجة حول خطبته المزعومة.موللي بحاجة إلى أن توضع تحت المراقبة.لكنها مادامت لا تثير مشكلة فسيتابع معها التمثيلية.لأن شفاء أمه يأتي في المقام الأول و إذا ساعدها ادعاؤه على الشفاء فهو حتما سيطيل من أمر الخطبة.
سيكونان مرغمين على البقاء معا بطبيعة خداعهما.كان دوني يتحرى عن خلفيتها ذلك أن نك ليس بالرجل الذي يؤخذ بالمظاهر.و مع ذلك لم يكن من الصواب تضييع الفرصة. فهو لم يصل إلى ما وصل إليه في دنيا الأعمال بتجاهله الفرص عند ظهورها.
عند السابعة بالضبط سمعت موللي قرعا على بابها ففتحته من أن دون أن تدهش لرؤية نك. أما ما أدهشها فعلا خفقان قلبها عندما رأته. بدا أطول مما تتذكر و أكثر حزما ببذلته الداكنة و قميصه الرمادي.
قال من دون ابتسامة تضيء وجهه ولا لمحة ترحيب:
- جاهزة؟
أومأت بالإيجاب و هي تتساءل إن كانت معتوهة لتمضي السهرة معه.إذا كان سيمضي العشاء مقطبا جبينه هكذا فالأفضل لها أن تخرج و تأكل وحدها!
- هل هذا مناسب؟
قالت ذلك مشيرة إلى ثوبها الأزرق الصارخ.لم يكن لديها فكرة إلى أين سيأخذها, فبدت بالمقارنة مع شكله الرزين أشبه بإعلان مضيء.ولكنها تحب الألوان الصارخة. انحدرت نظراته من وجهها إلى جسمها و شعرت بقلبها يزداد خفقانا.
- يكفي أن تقول نعم أو لا. قالت هذا بحدة خائفة من تأثير مظهره عليها.
- نعم.
حملقت فيه باستياء لأنه لم يقل أكثر من ذلك و لكن كان عليها أن تتذكر أن هذا ليس موعدا غؤاميا حقيقيا.
- انت لم تخبرني إلى أين نحن ذاهبان.هل ملابسي أكثر تألقا مما ينبغي؟ سألته و هي تخطو جابنا لكي يمر.
- هذا يعتمد على نوع خططك. و مد يده يمسك بذقنها و يطبع قبلة خفيفة على خدها:" إذا كنت ستذهبين إلى النوم, فملابسك حتما اكثر مما ينبغي."
- العشاء؟
قالت هذا و قد تملكها الغيظ لتسارع خفقان قلبها بسبب القبلة البسيطة, إنه على صواب! كلاهما بحاجة إلى تدريب ليشعرا بالارتياح مع بعضهما البعض:" لكن القبلات ليست طريقة للابتداء"
- الابتداء بالعشاء؟
قطبت جبينها و قد أدركت أنها فكرت بصوت مرتفع. فتراجعت عنه عدة خطوات:" لا بل الابتداء بالشعور بالارتياح.أظنك قلت إننا بحاجة إلى تدريب لنشعر بالارتياح مع بعضنا البعض."
أومأ و هو يتأملها بعينين ضيقتين:" علينا أن نبدو كحبيبين حقيقيين أمام الناس."
- حسنا, لكننا لسنا أمام الناس الآن.
هز رأسه وهو ينظر في أنحاء الشقة القائمة على السطح.و تفاجا بصغر حجم المكان و افتقاره للمساحة كما تفاجا بالصور الملونة المرسومة على الجدران و قطع الأثاث المتنوعة المريحة. كانت الأرضية خشبية و قطع السجاد ملقاة هنا و هناك. فكر في أن
ذلك يتلاءم مع شخصيتها.و نظر إلى السلم الحلزوني الصاعد إلى غرفة النوم. كيف تراها تبدو غرفتها تلك؟ ما قاله سلفا قصد به أن يثيرها.فهي تشتعل كالنار عندما يغيظها,و كان قد ابتدأ يتطلع إلى الدلائل. ثوبها كان ملائما تمام لعشاء لشخصين.ولاحظ نك التصاقه على جسدها الرشيق.لم يكن لديها مزايا كارمن الطبيعية من امتلاء لكنها كانت تمتاز بشيء أنثوي مثير تفتقر إليه كارمن.وحاليا, وجد نفسه يفضل الرشاقة الهادئة على الإثارة الصارخة.
تناولت موللي معطفا دافئا فدرجة الحرارة تنخفض بسرعة بعد حلول الظلام.مد يده يمسك بالمعطف مظهرا لياقة فأثار بذلك فضولها. بالرغم من إكراهها على خطبة المصلحة هذه و على الأخص مصلحته هو افتتنت بالرجل.عندما يعرفان بعضهما البعض بشكل أفضل قليلا ربما سيتلاشى هذا الافتتان.ولكن حتى ذلك الحين ستستمتع بهذا اللغز.
اللغز الأكبر هو لماذا احتاج إليها لكي تمثل دور الخطيبة بينما بإمكانه أن يحصل على أي امرأة في سان فرانسيسكو فتقفز فرحا لهذه الفرصة؟


الفصل الخامس: تحريات:


بقي نك صامتا طوال الطريق أقسمت موللي في سرها على ألا تكون هي البادئة بالحديث.فأخذت تنظر حولها و كأنها لم تر المدينة من قبل. وعندما اقترب نك من منطقة <ليتل إيتالي> حيث تكثر المطاعم و النوادي الليلية, و أوقف السيارة و نظر إليها:" هل الطعام الإيطالي يناسبك؟"
- ممتاز. وكادت تضحك لنظرة الحرص التي بدت في عينيه.و كانت تتحدث بمثل إيجازه فسألها:" ما المضحك؟"
- لا شيء.تساءلت فقط عما إذا كان هذا كله جزءا من خطتك.
- خطتي؟
- انت تعلم. التدريب يجعل الخطو كاملة. لأنها إذا كانت كذلك على أن أخبرك بأن عليك أن تقطع طريقا طويلا.
-أحقا؟
- أذا كان هذا موعدا حقيقيا ألا تظن أن عليك أن تتصرف بشكل مختلف؟
- هذا موعد يمكننا فيه أن نرسخ بعض القواعد المتعلقة بخطبتنا.
- يا له من حب شاعري تغمرني به.
مال إليها و عيناه تلمعان:" هل تريدين حبا شاعريا؟"
فتنتها نظرته و تعلقت عيناها بعينيه, و مرة أخرى عرفت خفقان القلب و انحباس الأنفاس.و غامت عيناها بحس من الإثارة.كيف سيكون شعورها لو كانت علاقتهما غرامية؟
فقالت :" لا."
أتراها تنكر ذلك على نفسها أم عليه؟ و مالت إلى الخلف محاولة ان تفك عنها السحر الذي تملكها:" لا, انا لا أريد حبا شاعريا.لكنك قلت إننا بحاجة إلى تدريب.و كنت أتوقع مزيدا من ... الرقة كما أظن."
- الرقة؟
و بدا عليه الإجفال ثم ضحك. و طرفت بعينيها لتغير ملامحه و خفق قلبها ثم غمرتها موجة ساخنة وهي تنظر إليه.
الأفضل لها أن تحاذر بقرب نك بايلي!
- جاء دوري لأسألك ما المضحك؟
- أرى أن أهذب تصرفاتي.
و مد يده إلى مقبض باب السيارة يفتحه و يشير إليها بالخروج.
- شيء ما يخبرني بأنك لست بحاجة إلى تدريب.
فقال وهو يشير إلى مطعم إيطالي صغير عبر الشارع:" وما هو هذا (الشيء)؟"
- أنا واثقة من أن لديك خبرة واسعة
- أنت تمنحينني قيمة أكثر مما أستحق.
- لا أدري في السادسة و الثلاثين من عمري.أتظنين رجلا في عمري لم يواعد في حياته؟
- يواعد؟ آه, هذا ما تصف به الأمر إذن! هذا الوصف قد يكدر كارمن.
فتوتر فكه:" أنا حقا لا أريد أن أمضي السهرة في الحديث عن كارمن بل أفضل أن أمضيه في الحديث عنك."
فقالت بدهشة :"عني؟"
كانا قد وصلا إلى المطعم فدخلاه و تفاجآ بالحشد فيه:" تيا لذلك! نسيت أنها ليلة الجمعة." تمتم بذلك وهو يسير إلى المديرو قال ينبهها:" سيكون علينا ان ننتظر."
فهزت كتفيها:" لا يهم"
عندما ذكر اسمه للمدير منحه هذا ابتسامة عريضة:" السيد بايلي هذا سرور لنا. أنا مسرور برؤيتك و رؤية خطيبتك.تفضلا من هذه الناحية.لدي مائدة رائعة لكما."
تبعته مذهولة, متجاهلة تذمر الناس من خلفها.وخلال ثوان كانت تجلس حول مائدة صغيرة في زاوية منعزلة أنيقة و هادئة في المطعم. أحضر لهما النادل قائمة الطعام فاختفت خلفها حتى غادر الرجل ثم رفعت بصرها إلى نك:" لا بد من حصولك على صديق في مكان مناسب هو شيء حسن."
- أنا لا أذكر أنني رأيت هذا الرجل من قبل.لكنني أكلت هنا مرة أو اثنتين.
خفضت بصرها إلى قائمة الطعام
- هل يحدث هذا معك غالبا؟ سألته و هي تلقي بالقائمة جانبا إذ كانت تعلم أنها ستطلب لحم العجل, فهذا ما تطلبه في المطاعم الإيطالية.
فوضع قائمته جانبا:" أحيانا,إذا كانوا يعرفونني و يعرفون أنني سأمنحهم شيئا."
- بقشيشا جيدا؟
- توصية من فندقنا عندما يسأل النزلاء الأجانب عن مطعم جيد يقصدونه.
- هممم... هذا جميل. ربما علينا أن نكثر من الأكل في الخارج طالما دامت هذه الخطبة.أراهن أنني سأرى أماكن لم أعرفها من قبل.
تصلب جسم نك للحظة بشكل غير ملحوظ لكن موللي انتبهت لذلك: "ماذا؟"
- ماذا تعنين؟
ضاقت عيناها و هي تتأمله:" لم يعجبك ما قلته.ما الذي جعلك تنقبض؟"
- فلنقل أن لدي بعض التحفظات.
- بالنسبة إلى ماذا؟
- إلى الوضع كله.
طرفت بعينيها ثم استندت إلى الخلف:" أي وضع؟ خطبتنا الزائفة؟"
- منذ يومين لم أكن اعرفك. و الآن مدينة سان فرانسيسكو بأجمعها تعتقد بأننا خطيبان, ومازلت أنتظر لأعرف ما الذي تتوقعينه من هذا كله.
قطبت جبينها:" أنت تثير جنوني.أنا احتجت إلى شخص لأجل حفلة زنتك لليلة واحدة فقط.أنت الذي أدمت الخطبة فلماذا تصر أنني أريد منك شيئا منك؟ هل تراودك دوما هذه الشكوك؟"
تجاهلته و بحثت في حقيبة يدها ثم اخرجت قلما و بطاقة و أخذت تكتب عليها.
- ماذا تفعلين؟
- لا أدري إذا كان هذا قانونيا, و لكن هذا ما ينبغي أن يكون.إنه اعتراف بخطي بأنه لا يحق لي أن أطلب أي شيء منك.
ووقعته و دفعته إليه عبر المائدة.وهي تقول متوترة:" إذا لم يناسبك هذا فاعتبر إذن أن خطبتنا قد انتهت و فكر في طريقة تخبر بها أمك."
نظر إلى البطاقة و في هذه اللحظة جاء النادل فوضعها نك في جيب سترته بينما وضع الرجل كأسي ماء على المائدة:" ماذا ترغبان في الأكل؟"
عندما اخبره نك بما اختاراه. نظر إلى موللي التي كان الاحمرار مازال يكسو وجنتيها و الغضب يلمع من عينيها.ما كان له أن يضايقها لكن الفضول مازال يتملكه لردة فعلها هذه.
- نك بايلي, هذا ما ظننته.
و تقدم إلى مائدتهما رجل طويل يرتدي بذلة عمل:" تهاني. قرأت عن خطبتك في الصحيفة.هل هذه خطيبتك؟"
نهض نك و صافح الرجل و أومأ:" موللي أعرفك إلى جاسون هولتون. هذه موللي يا جاسون."
ابتسم الرجل لها:" يسرني أن أتعرف المرأة التي استطاعت أأن تفوز بصديقنا.لم يظن أحد أنه سيرى هذا اليوم.متى موعد العرس؟"
و نظر إلى نك:" أتوقع أن يكون أفخم عرس في سان فرانسيسكو. فكر في كل الذين سيحضرون المناسبة فقط كي يروا حدوث المستحيل."
- هل كان نك يتهرب من الزواج؟ ألقت موللي هذا السؤال متفكهة بالارتباك الذي سببه جاسون لصديقه.
- كان يعبث بشكل...
و أدرك فجأة إلى من يتحدث:" آه, أنت تعرفين حال الرجل قبل أن يعثر على المرأة المناسبة."
فقال نك بجفاء:" ربما عليك أن تدع موللي تستمتع بجهلها بماضيّ و عد أنت إلى سيليست"
- لقد ابتدأنا العشاء لتونا.ربما عندما ننتهي جميعا نجلس معا لتناول القهوة.
فقال نك بحزم:" لدينا مشاريع لبعد العشاء."
نظر جاسون إلى موللي ثم عاد إلى نك:" بكل تأكيد.إنني أفهمكما.فلندع ذلك لوقت آخر."
و ربت على ظهر نك ثم أومأ إلى موللي محييا:" يمكنك أن تتعرفي إلى سيليست في المرة القادمة.تهاني لكما."
انتظرت موللي إلى أن أصبح بعيدا ثم مالت إلى الأمام وقالت بهدوء: "كيف يكون حال الرجل بالضبط قبل أن يجد المرأة المناسبة؟"
فرفع حاجبيه:"أعتقد ان هذا النوع من الأمور لا يأتي الرجل أبدا على ذكره عندما يجد المرأة المناسبة."
- ولكنك تحاول أن تخبرني بأن ليس لديك كل تلك الخبرة؟
- جاسون يبالغ, فقد تزوج سيليست حال خروجه من الجامعة ومازال يشعر بأنه كان عليه أن يعبث قبل الزواج.
- وهل هذا صحيح؟
فهز نك رأسه:" أظن زواجهما سعيدا, لم تنتشر قط عنهما أي نوع من الشائعات أنا أحد أصدقائه الذين مازالوا عازبين."
- ولماذا؟ لقد أدركت موللي فجأة أنها تريد أن تعلم كل شيء عن الرجل.ليس لكي تجيب على أسئلة قد توجه إليها.ولكن إرضاء لفضولها.إنها تعرف اللون الذي يحبه و الطعام الذي يفضله و لكن هناك الكثير مما لا تعرفه.وليس هذا لأنها بحاجة إلى الانخراط التام في حياته.ذلك أن الخطبة المؤقتة قد تنتهي بنفس السرعة التي حدثت بها, ولكن حتى ذلك الحين تريد أن ترضي فضولها بمعرفة ما تستطيع ت أن عرفته عن هذا الرجل.
هز كتفيه:" في العمر الذي يبدأ فيه الرجل بالبحث عن رفيقة حياته كنت أكافح في سبيل التحكم بسلسلة فنادق ماغيللان.وكان أبي قد مات فجأة بنوبة قلبية, فرأيت نفسي في سن الخامسة و العشرين أخلف أبي و أدير السلسلة عنه."
- أتريد أن تخبرني أنك لم تخرج مع نساء طوال السنوات العشر الماضية؟
- كلا بالطبع.لكن نوع النساء اللاتي عرفتهن لم يكن يصلح للزواج.كانت مواعيد لمناسبات عمل أو احتفال جمعيات خيرية.
- أو لمجرد المتعة
فأومأ:" أو لمجرد المتعة."
- لكنهن لسن من نوع النساء اللاتي تأخذهن إلى بيتك وتقدمهن إلى أمك.
- عندما يأخذ الرجل امرأة إلى بيته ليقدمها لأمه, عليه أن يكون حذرا.
ابتسمت موللي محاولة أن تتصور نك خائفا من تعليقات أمه إذا أحضر امرأة إلى البيت.و لأمر ما لم تقنعها الصورة ذلك أن نك لم يكن ممن يرهبهم أحد.
- لدي احساس بأن بإمكانك أن تواجه أمك.
- ليس مؤخرا. ما زلت لا أعرف ما تريدينه من وراء كل هذا لكنني سأبذل جهدي كي تشفى أمي.
نظرت إليه موللي متسائلة كيف لا يستطيع أن يفهم أن بعض الناس
يساعدون الآخرين لمجرد الخدمة.إنه مقتنع بأن دوافعها مادية.هل يمكن له يوما أن يغير نظرته إليها؟
- عليك أن تنتظر لترى.
- أقول على سبيل التحذير إنني لست خصما يسهل التغلب عليه.حذار وإلا ستكونين أنت التي ستتألمين في النهاية.
بعد وجبة لذيذة وخدمة ممتازة خرجا وهما يلوحان لجاسون و زوجته مودعين. وقد سرت موللي لعدم اضطرارها إلى تناول القهوة معهما. فالإدعاء أمام أمه المريضة هو شيء و التمثيل أمام أصدقائه هو شيء آخر لأنه من المحتمل أن يحلل أصدقاؤه الأمور أكثر من أمه.
عندما جلست موللي في السيارة بعد ذلك بلحظات, تذكرت أنهما لم يتدربا على شيء. أو لم يكن هذا سبب خروجهما؟ و بدلا من ذلك أخذا يثرثران,أثناء العشاء,بأسلوب ودي تقريبا كما أنه لم يمسك يدها و لو يعانقها كما لم يدعها حبيبتي أو عزيزتي أو بأي شيء شاعري حتى أمام النادل. عندما جلس نك وراء المقود التفتت إليه:" ماذا عن ذلك التدريب الذي تحدثت عنه؟"
- هل في ذهنك شيء خاص؟
سألها بكسل وهو ينظر إليها. كان الظلام قد حل والضوء الوحيد كان ضوء الشارع ولافتات النوادي الليلية والمطاعم حول الساحة. تحت الأضواء الخافتة والظلال بدا شكله أكثر شبها بالقرصان. وارتجفت موللي هل يمكن السيطرة على مشاعرها؟
- أنت أثرت الموضوع.ماذا في ذهنك؟
فقال بكسل:" أولا, أن نتعرف أكثر على بعضنا و بهذا لن تنفعلي عندما تكونين بقربي."
- أنا لست سريعة الانفعال!
مال نحوها وتسلل بيده إلى رقبتها فتسارعت خفقات قلبها.و سمرتها عيناه السوداوان اللتان اشتبكتا بعينيها.حاولت أن تأخذ نفسا عميقا تهدئ به أعصابها و تسترجع تسلسل أفكارها.
سألها:" إذا عانقتك هل ستعتبرين ذلك تدريبا؟"
كلمة (تدريب) ليست الكلمة المناسبة, كما أخذت تفكر! "البهجة" و"الإثارة" ... قد تصلح أكثر وهذا لا يعني أنها ستشارك هذا الرجل المتغطرس هذه الانفعالات.لقد حان الوقت لكي يشعر بالإذلال:"سأعتبره كذلك و لكن هل ستعتبره أنت كذلك؟"
قالت هذا وهي تميل نحوه و كادت تبتسم لما أحست به منه من إجفال. ولكن سرعان ما جذبها نحوه و أخذ يغذي بخبرته المشاعر المحمومة التي بدأت تثور.أحاطها بذراعيه مشددا من احتضانها بينما تشبثت هي بكتفيه و كأنها تتشبث بحبل النجاة.
تفجر عالم من الألوان خلف جفنيها المغمضين و رهفت حواسها. وتراقص قلبها فرحا و سمعت خفقات قلبه,و ارتفعت الحرارة بشكل مثير حتى تمنت موللي أن تفتح النافذة لتدع ضباب الليل ينعش الجو. ولكن ليس إلى حد يجعلها تقطع هذا العناق الذي أملت أن يستمر إلى الأبد. بعد لحظات طويلة تراجعت موللي و رفعت بصرها إلى نك. تنحنحت و تمنت لو أنها كانت محنكة حاضرة البديهة ولكنها أكثر من ذلك تمنت لو تعود فتلقي بنفسها عليه وتعانقه حتى الصباح. قالت:
" ربما هذه ليست فكرة جيدة.أنا أعلم أنك تريد تدريبي وما شابه و لكن هذا يكفي لهذه الليلة."
لامس نك وجهها ثم استند إلى الخلف و نظر حوله:" تبا! لا يمكنني أن أصدق أنني نسيت أننا وسط "ساحة واشنطن" في منتصف ليلة الجمعة. على الأرجح أن نصف سكان مدينة سان فرانسيسكو قد رأونا."
- لا أحد يمكنه أن يرانا في هذا الظلام.
قالت هذا و هي تستند إلى الخلف شاعرة فجأة بالبرد.كان بإمكانه أن يقول شيئا يلطف هذا التوتر لكنه بدلا من ذلك عاد إلى التقطيب, متجها بالسيارة إلى الحي الصيني ومنه إلى شقتها.كلاهما بقي صامتا طوال الوقت.
نظرت إلى الأنوار محاولة أن تتجاهل الدم الذي مازال يندفع في عروقها و الشوق الذي كلأ كل خلية فيها. لم تعرف مثل هذا الشعور من قبل. هل هذا لأنها عانقت رجلا لا تكاد تعرفه؟ فاكهة محرمة كما يقول المثل؟ أم أن هناك شيئا فريدا في شخصية نك؟
لم تشعر أن من السهل معرفته.فقد أرغمها على التعاون معه في هذه التمثيلية مع أن ذلك يتناقض مع سمعته.و بعد أن اقترح هذا المشروع وضعها تحت المراقبة.و مع ذلك كان سلوكه الليلة ودودا و حريصا على الإرضاء.عندما وصل إلى شقتها أوقف السيارة و نظر إليها:" أنا لن أصعد معك إذا كان هذا لا يزعجك؟"
كبحت موللي ضحكة قصيرة فهذا جل ما تريده الليلة إذل عليها التحكم بمشاعرها.
- حسنا. سأراك غدا إذن.
- الحفلة تبدأ عند السابعة سآتي لآخذك قبل ذلك بربع ساعة ولن يستغرق وصولنا إلى الفندق وقتا طويلا.إنها حفلة رسمية.
ونظر إليها بعينين ضيقتين متأملا.
أومأت موللي ثم فتحت الباب:" هذا ما توقعته.شكرا للعشاء فقد كان ممتعا."
ثم نزلت قبل أن يقزل شيئا و أسرعت إلى الباب الأمامي.
- موللي؟
التفتت إليه و كان قد نزل من السيارة و أخذ ينظر إليها:" ذلك العناق الذي تبادلناه... لم يكن لمجرد التدريب."
وقفت حائرة بينما عاد إلى سيارته ثم تحرك بها مبتعدا.
في الصباح الباكر من يوم السبت تنشق نك الهواء المنعش العابق بشذا أورق شجرة "الأوكالبتوس" و برائحة البحر.وكان يتهيأ للركض في "حديقة البوابة الذهبية" العامة الأمر الذي لم يعد يقوم به بقدر ما يتمنى.هناك خمسة كيلومترات يستمتع بقطعها و تؤدي به إلى أهدأ نواحي الحديقة العامة حتى أن بإمكانه أن يتمشى على الشاطئ.
وقفت سيارة جيب داكنة اللون خلفه و ترجل منها دوني.
- ألم تجد وقتا و مكانا آخرين؟
قال هذا متذمرا وهو يسير إلى نك و يرشف قهوة أحضرها من بائع جوال.
- لا.
كان كلاهما يرتدي سروالا قصيرا و حذاء للركض و قميصا مقفلا فضفاضا.
- أجاهز أنت للركض؟
- لا علي أن أنهي قهوتي أولا.
ومال متكئا على السيارة و أغمض عينيه:" أنا لست مثلك. بقيت ساهرا حتى الثالثة صباحا."
و فتح عينيه و نظر إلى نك:" متى اوصلت موللي إلى بيتها الليلة الماضية؟"
- قبل الثالثة بوقت طويل.
ز مد نك يده يتناول فنجان القهوة يرتشف من جرعة طويلة.
- مهلا ... هذا فنجاني.
فقال نك و هو يناوله الفنجان :" كلما أسرعنا في إنهائه أسرعنا في البدء من جديد. هل عرفت شيئا جديدا؟"
- عن موللي أم عن المقهى.
- عن الاثنين.حاول نك أن يجعل لهجته طبيعية لكنه كان فضوليا وحذرا
- لا شيء عنها.إنها مستقيمة.
- أنا لست بحاجة إلى رأي الشرطة.فأنا لا أظنها متورطة في جريمة ما. أتظن أن لديها خطة في ذهنها؟
- الشيء الوحيد الذي تمكنت من معرفته هو أنها لم تمض قط علاقة طويلة مع شخص.لا أظنها تحاول أن تحطمك.ماضيها لا يوحي بذلك و لن تتحول فجأة إلى امرأة مخادعة.
أومأ نك و هو يستدير لينظر إلى الطريق.كان يعلم أن موللي ليست مخادعة و لكنه يريد إثبات ذلك.قال وهو يبدأ الركض:"فلنذهب."
أدركه دوني في ثانية, ثم ابتدأ الاثنان يركضان معا.
سأله نك :" وماذا عن المقهى؟"
- هناك حتما خطب ما و أظنه هاري كوكر.
- هاري؟ إنه هناك منذ سنتين و نحن لم نلحظ النقص إلا قبل ثمانية أشهر.
- الأشياء تتغير على كل حال و أنا أبحث في الخلفيات.ربما برز شيء منذ ثمانية اشهر فغيره.
- هل أنت واثق من أنه هاري؟
- هناك برهان سأحصل عليه
ركضا فترة صامتين عاد دوني بعدها ليسأله:" هل ستتخذ ضده الإجراءات القانونية عندما أحصل على البرهان؟"
- نعم على الفور.تبا له !
- هذا ما تصورته.ماذا لو كان لديه طفل بحاجة إلى عملية جراحية أو ما شابه؟
- تحر عما يحدث و دع الأمر لي.
- نعم, يا سيدي, كما انني لست مهتما تقريبا بهذا الأمر قدر اهتمامي بما ستفعله بالنسبة لموللي.
- أنا لا أفعل شيئا معها.
- الخروج برفقتها أربع مرات هذا الأسبوع يبدو و كأنه شيء ما.
- كيف عرفت بمسألة ليلة امس؟
- هيه ... لا تنسى أنا التحري الخاص البالغ المهارة.
خرجا من تحت الأشجار إلى الجزء الذي ينحدر نحو الشاطئ. فكر نك في سؤال دوني عن موللي عندما ابتدأ الركض على طريق ترابي. ما الذي ينوي عمله بالنسبة إليها؟
لم يتعلق عناق الليلة الماضية بالتدريب. كان ناجما عن مشاعر صرفة. لم يتملكه مثل هذا الشعور نحو امرأة منذ سن المراهقة كما أنه كان معروفا بضبط النفس. لكن عناق موللي نسف ذلك.
- هل تشاركني النكتة؟
- ماذا؟ و نظر إلى دوني
- أنت تبتسم. ما المضحك؟
- لا شيء.
كان يتساءل عما عسى تكون فكرت فيه بالنسبة إلى آخر ما قاله لها عندما افترقا في الأمس.

********

السبت هو يوم موللي المفضل ففيه تنهض باكرا و تتناول فطورا بسرعة ثم تبدأ في الرسم. وهو بالنسبة إليها يوم راحة تبتعد فيه عن الزبائن و ذوي النفوذ و الرؤساء الذي يتوقعون المعجزات أحيانا والذين يعتبرون الفن سلعة و ليس إبداعا. أحب العمل في شركة زنتك لكنها احبت الرسم و حلمها ان تتمكن ذات يوم من أن تعيل نفسها من فنها , لكن ذلك اليوم لم يأت.
هي دائما تعرض بعضا من لوحاتها في معرضين للفنون في المدينة. واحد بجانب المرفأ و الآخر قرب " ساحة يونيون". كلاهما صغير لا يزال في طور النمو.إلا أن اللوحات التي باعتها ساعدتها في زيادة دخلها و مكنتها من شراء شقتها.فضلا عن هوايتها كما يدعوها والداها خولتها قضاء إجازاتها في أماكن غريبة.
كانت اليوم تريد وضع اللمسات الأخيرة على لوحة أمضت في رسمها عدة عطلات اسبوعية في " حديقة البوابة الذهبية" العامة و هي تمثل جزءا من " حديقة الشاي اليابانية". حيث تبدو أغصان الصفصاف منحنية وكانت مسرورة من النتيجة.
ارتدت بنطلون جينز مريحا و قميصا قطنيا ناعما ثم دست فوق ثيابها
مئزرا ملطخا ترتديه أثناء الرسم.كان الجو دافئا إلى حد استغنت فيه عن الحذاء. اغتسلت بسرعة و غسلت اسنانها.ثم رفعت شعرها إلى الخلف كي لا يزعجها أثناء الرسم. تفحصت اللوحة لحظة فرأت أنه بعد ساعتين ستكون اللوحة قد انتهت.و مدت يدها إلى الألوان.
عادة ما إن تلمس الفرشاة حتى تضيع في عالم الألوان و الأشكال. لكنها اليوم لم تشعر بالراحة. رسمت ورقة شجر ثم أخذت تفكر في نك و عناقه.
تأملت صورة المياه و لكنها بدلا من ذلك رأت صورتهما هما الاثنين أثناء عشاء الليلة الماضية. ورغم جهودها لم تعرف عنه ما تريد أن تعرفه.إنه إما بطل في النفاق و إما أكثر تحفظا مما تظن.
مرة أخرى حولت انتباهها إلى اللوحة.لم تكن تريد مداومة التفكير في نك , فاليوم هو اليوم الوحيد الذي بامكانها فيه أن تكرس نفسها للرسم. وغدا لديها واجبات منزلية عليها أن تقوم بها و بعد ذلك يبدأ العمل الأسبوعي.
ماذا كان يفعل نك اليوم؟ هل أمضاه في المكتب؟ في لعب الغولف؟ في رحلة بحرية؟ أما عليها أن تعرف هوايات خطيبها المزعوم؟
وضعت فرشاة و لوحة الألوان ثم سارت تبحث في حقيبة يدها. أخرجت الورقة التي أعدها لها دوني. كانت تلقي عليها نظرة عندما ذهبت إلى بيت والدة نك ذلك اليوم, لكنها لم تستوعب كل شيء.و أخذت تقرأ بسرعة. كان الأمر كما ظنت تماما ذلك أن دوني لم يسجل هوايات نك.
تملكها الغضب وعادت إلى الرسم. أخذت تضع اللمسات الأخيرة على اللوحة بينما أفكارها مشتتة بين العمل و نك بايلي.

و عنوان فصلنا الجديد هو: مسرح الخداع:



بعد وقت قصير أجفلت موللي لرنين الهاتف.نادرا ما كانت تتلقى مكالمات يوم السبت, فمعظم أصدقائها يعرفون أنه اليوم الذي تتفرغ فيه للرسم.و رفعت السماعة:
- آلو؟
- موللي.أنا ايلين بايلي أرجو ألا يكون اتصالي في غير وقته. بدا صوت المرأة أقوى مما عهدته سابقا.
- على العكس. كيف حالك؟
- أحسن بكثير شكرا. لكنني أشعر بنفسي قوية بما يكفي لأحظى برفقة على الغداء.هل لك بالمجيء؟ ذلك سيمنحنا فرصة للتعارف دون أن نهتم لنك.
- نهتم لنك؟
ضحكت ايلين برقة:" حسنا, لا يمكننا أن نتحدث عن كل ما نريده إذا كان جالسا معنا."
تملك موللي الفضول:" وما الذي عسانا نتحدث عنه من دونه؟"
- عن طفولته مثلا... لدي ألبومات إذا كنت تحبين رؤية بعض صور الأسرة القديمة.
نظرت موللي إلى اللوحة التي كانت قد انتهت لتوها من رسمها والتي لا تزال تتمسك بها لأنها تكره دوما أن تنهي مشروعا.و إلى أن تجد موضوعا جديدا, تبقى شاعرة بالضياع.
و قالت ايلين بكبرياء:" إذا كان لديك مشروع آخر سأتفهم ذلك."
لم يكن لدى موللي أي مشروع آخر, أو أي سبب يجعلها ترفض ما عدا أنها لم تشأ أن تتورط أكثر من ذلك.لكن الوحدة في صوت المرأة أثرت عليها. كم سيكلفها قضاء ساعتين مع ايلين بايلي؟
- لا ليس لدي مشروعات أخرى. متى علي أن أحضر؟
- في الثانية عسر و النصف. ثم اقفلت الخط.
ترددت موللي لحظة ثم حاولت الاتصال بنك في الفندق.دهشت قليلا وهي تكتشف أنه لا يعمل يوم السبت.ولم يكن هناك من يخبرها أين هو. أقل ما كان يمكنه فعله هو أن يعطيها رقم هاتفه الخليوي أو رقم بيته, كما أخذت تفكر متذمرة و هي تبحث عبثا عن ذلك في دليل الهاتف. قلقت من ردة فعل نك عندما يعلم أن موللي و أمه تناولتا الغداء من دونه و فكرت في أنه ربما سيتهمها بمحاولة خداع أمه لتتنازل لها عن ميراثها.


**********


عندما وصلت موللي أرشدتها مدبرة المنزل إلى غرفة ايلين بايلي.وكانت ترتدي قميصا ملونا و تجلس مستندة إلى عشر وسائد. وعندما وصلت موللي بادرتها بابتسامة عريضة مرحبة وكان التحسن باديا عليها.
أنا مسرورة جدا لمجيئك موللي. وسامحيني إذا لم أقف لك فقد سبق وحاولت ذلك فكان مجهدا للغاية. لذا قررت أن أرتاح و أكرس طاقتي لهذه الزيارة بدلا من أجلس على كرسي.
- لا عليك. إذا كان وجودي هنا يتعبك أخبريني بذلك فأخرج حالا.
نظرت موللي إلى الممرضة فابتسمت لها مرحبة ثم انتقلت لتجلس بجانب النافذة.
- وجودك هنا أشبه بالدواء المقوي.أتريدين أن تشربي شيئا؟
- سأنتظر حتى الغداء.كيف حالك؟ و جلست على كرسي بجانب السرير.مازالت ايلين تبدو هشة كما كانت تلك الليلة و فكرت في أنها لا بد هزلت كثيرا أثناء المرض.
- أنا احسن بكثير. شكرا يا عزيزتي.لاحظت تلك الليلة أن خاتم الخطبة لم يكن في اصبعك و تصورت أنك لا بد تركته في البيت أو ماشابه.ألم أر خاتما في صورة الصحيفة؟
- آه. حاولت موللي أن تفكر راجية أن لا تفضحها ملامحها لا سيما أنها لم تكن بارعة في اختلاق الذرائع:" لدي في الواقع خاتم جميل, لكنني لا ألبسه أثناء الرسم.لا أريده أن يتلطخ و عندما اتصلت بي كنت أرسم. وهكذا نسيت أن اعيده إلى إصبعي عندما غسلت يدي."
عليها ان تتذكر دوما أن تضع خاتم جدتها في اصبعها. و أخذت ايلين تسألها بلهفة:" أنا متلهفة لرؤيته.أخبريني مرة أخرى كيف تعرفت إلى نك وكيف عرض عليك الزواج هل كان الأمر مفاجأة؟ هل كان ذلك رومانسيا؟"
- دوني عرفنا ببعضنا البعض.
قالت موللي هذا آملة ألا تلح المرأة في إلقاء الأسئلة.ما الذي أخبره نك لأمه؟ماذا لو اختلفت قصتيهما؟ و تابعت تقول:" ليس من وقت طويل في الواقع كان ذلك بحب عاصف."
على الأقل عليها ان تقول هذا ... و عادت تقول:" أنا متلهفة لرؤية نك وهو صغير."
أفضل طريقة لتمضية فترة الغداء هو أن تدع ايلين تتحدث عن نك مكتفية هي بالإصغاء. و بهذا تأمن زلة اللسان.
قالت ايلين مخاطبة الممرضة:" هلا ناولتني أول ألبوم يا سيدة براوم؟"
نهضت الممرضة و أحضرت لها الألبوم وهي تقول:" سأنزل إلى المطبخ لأرى ماذا جرى مع شو ــ وين بالنسبة للغداء الذي لا بد أصبح جاهزا الآن."
- سنكون هنا. قالت ايلين هذا بجفاء بعد خروج الممرضة ثم ابتسمت لموللي:" إنها عزيزة علي.لكنني أظن الوقت حان لكي تذهب. فقريبا سأقف على قدمي و أساعدكما على التخطيط لهذا الزفاف. أنا متشوقة للتعرف على والديك أيضا. هل كانا مسرورين لسماعهما أن ابنتهما ستتزوج؟"
- هما ... لا يعلمان عن الخطبة.
- لم لا؟
- إنهما حاليا في رحلة بحرية و من الصعب نوعا ما الاتصال بهما. طبعا كان لدى موللي كل ما يلزم للاتصال بوالديها لكنها لن تخبرهما عن هذه الخطبة.و إذا حالفهما الحظ ستكون انتهت قبل عودتهما. قالت ايلين ببطء وهي تتأمل موللي مفكرة:" أنا واثقة أنهما متشوقان لسماع أخبارك."
أومأت موللي و أشرق وجهها بالابتسام و هي تتظاهر بالنظر في الألبوم:" هل لديك صور لنك و هو طفل رضيع؟"
و عندما انفتح الباب بعد عدة ثوان رفع كل من موللي و ايلين والممرضة نظرهن بدهشة. وكانت النسوة الثلاث يتأملن الصور في الألبوم. كانت موللي مستغرقة بالنظر إلى نك الذي بدا لها طفلا مشاغبا. متى أصبح بهذا الشكل الجدي الجاف؟
وكان نك يقف عند الباب ينظر إليهن غير مصدق.
- ماذا تفعلين هنا يا موللي؟
- أزور أمك.
قالت هذا و هي تحملق فيه باستغراب. لقد ذهب ذلك الثري ذو البذلة الفخمة و الحذاء الايطالي ليحل مكانه رجل أكثر شبها بذلك القرصان الذي يذكرها به. كان يرتدي سروالا رياضيا قصيرا و قميصا ضيقا يحتضن صدره الرحب فكاد منظره يخطف أنفاسها. كان واضحا أنه كان يمارس الرياضة. تقابلت نظراتهما فرات الشك في عينيه. فكرت أنهما عادا إلى ذلك مرة أخرى و نظرت خلسة إلى الأم و الممرضة. أتراهما لاحظتا؟
و قالت خارقة الصمت:" إننا نشاهد صور الأسرة."
و سألته أمه :" ما الذي تفعله هنا يا نك؟"
- اتصلت بي شو ــ وين وقالت إن علي أن أحضر فورا فظننت شيئا حصل.
فقالت الأم :" أنا طلبت منها أن تتصل بك لتعلمك أن موللي هنا. لقد دعوتها للغداء و رأيت أنك ربما تريد أن تقلها إلى بيتها فيما بعد. لكن الأمر لم يكن مستعجلا.
- موللي ستبقى للغداء؟
- نعم.
من النظرة التي رمقها بها عرفت موللي أن بقاءها هناك لا يعجبه. كانت تحاول جهدها أن تفكر كما تفكر أي خطيبة. ماذا يتوقع منها نك أن تفعل إذا دعتها أمه إلى الغداء؟
- سأغير ملابسي و انضم إليكما و لكن هل يمكنني أن أرى موللي لحظة الان؟
فقالت الأم بابتسامة عريضة:" طبعا"
كانت تعلم أن أمه تتصور لقاء محموما بين عاشقين. وبدلا من ذلك تبعته إلى الردهة خائفة من التعنيف بينما أغلق هو باب غرفة النوم فبقيا وحدهما. ثم سألها بخشونة:" أي لعبة تقومين بها الآن؟"
- أممممم ... أعتقد أنها اللعبة التي ابتدأت بها. أخدع أمك حتى المدة التي تناسبك.
- اعني لماذا جئت إلى هنا هذا الصباح؟ هل ظننت حقا أنن لن أعرف؟
كانت قد تضايقت قليلا لشكوكه المستمرة:" هي التي دعتني. لقد ترددت لكنها ألحت علي. ألست أنت الذي تحاول أن تجعلها تتحسن؟ أظنها كانت تشعر بالوحدة و السأم فجئت أسليها."
- تشعر بالسأم؟ لديها أصدقاء كثر.كان بإمكانها أن تدعو أحدهم.
- و ماذا عن ابنها الشغوف؟
- أنا لا أتجاهلها نحن لا نتحدث عني الان. أنا لا اريدك أن تجلسي مع أمي عندما لا أكون موجودا. هل هذا واضح؟
- ولم لا؟
تخلل شعره بإحباط:" دعي الأمر عند هذا الحد. سأغير ملابسي و أنضم إليكما."
و بجرأة اخذت تمرر أصابعها على ذراعه:" لا تغير ملابسك بسببي."
قالت هذا مداعبة و كادت تضحك و هي ترى ملامحه المجفلة. ربما عليها أن تبدأ في لعب دور الخطيبة لترى إن كان هذا ما يريده حقا.
أمسك اصابعها يضغط عليها برفق دون أن يتركها وقال:"ما هذا الآن؟"
- لم لا تحاول أن تثق بالآخرين أحيانا؟
- علمتني الحياة أن الثقة قد تحطم لي أسناني.
فمالت عليه:" آه, لا نريد أن يحدث لك ذلك لأن أسنانك جيدة للغاية."
- جيدة للعض. قال هذا وهو يجذبها إليه ثم يحيطها بذراعيه.
- و هل أنت تعض؟ سألته باسمة و قلبها يخفق توقعا.
- أحيانا.
و أخذ ينظر إليها وهو يحني رأسه ببطء حتى انعدمت المسافة بينهما. كان عناقه دافئا و مفعما بالرجولة و تسربت إليها حرارة جسمه الصلب حتى كادت تشتعل.
كان يعلم ان عليه الابتعاد فهو لا يريد التورط أكثر مع موللي ماغاير. لكنها كانت بالغة الليونة بين ذراعيه و بالغة العذوبة, ما اشعل نيرانا في عروقه... و تراجع عتها ببطء ثم أراح جبهته على جبهتها ناظرا إلى عينيها و هما ترمشان.
- سألتحق بكما حالما أغير ملابسي.
- هل عليك أن تذهب إلى بيتك لتغير ملابسك؟
وكان صوتها منخفضا ما جعل نك لا يريد أن يتحرك مقدار سنتمتر.
- لا. لدي بعض الملابس هنا و لن أتأخر.
- سأحاول إذن أن أتحكم بمشاعري حتى تعود.
و تراجعت ثم اتجهت إلى الباب المفتوح فقال ينبهها:" حذار مما تقولينه لأمي."
- نحن ننظر فقط إلى صور الطفولة. كنت طفلا جميلا. هل كنت حينذاك تشك في كل شيء مثل الآن؟
- الحياة تعلم بعض الدروس الصعبة.
- لا أستطيع أن أتصور أن أي شخص يمكن أن يعلمك شيئا.
أجابته بذلك بابتسامة جريئة و هي تتابع:" و لكن سيسعدك أنني أتقدم في هذا التظاهر.إنه التدريب كما تعلم."
و فتحت الباب و خرجت منه و كأنها من أصحاب البيت.
أراد أن يتبعها على الفور و ينظر إلى كل ما تفعل ليتأكد من أنها لا تحاول أن تصل إلى قلب أمه. فقد كانت موللي تعلم أن أمه واهنة الصحة. أتراها تحاول بشكل ما أن تستغل ذلك لمصلحتها؟
اغتسل و غير ثيابه في وقت قياسي. فهو لا يثق بموللي إذ يعلم أن النساء يردنه للأموال التي ينفقها عليهن و للمتعة التي يشعرن بها فالحب و الوفاء لم يعد لهما أثر هذه الأيام.
عندما سار متجها إلى غرفة أمه حاول ان يتذكر متى بالضبط انعدمت ثقته بالنساء. هل عندما هجرته جيليان برينتس أثناء سنته النهائية في الجامعة؟ أم بعد تلك التمثيلية التي قامت بها ماريا بيلينغهام حين استلم <فنادق ماغيللان>؟ مازال مدينا بالشكر لصديقه هاملتون الذي جعله يسمعها من حيث لا تعلم و هي تعترف بأنها فقط تتزوجه لأجل ثروته. وكان في ذلك النهاية العاصفة. كل امرأة عرفها بعد ذلك جعلها تفهم منذ البداية أنه لا يفكر في الزواج. حتى كارمن رغم رغبتها في تغيير القاعدة. لم يكن لديه سبب يجعله يرى موللي مختلفة عن غيرها. بل العكس,فالفرق بينهما اكبر مما كان عليه بينه وبين النساء اللاتي اعتاد الخروج معهن. فهي تعيش في شقة صغيرة في الحي الصيني وهو يعيش في "تلة توب" كما أنها ترسم لتزيد دخلها بينما هو لديه ثروة طائلة تسنده. دوني يثق بنواياها, لكن نك يشك في عدم استغلالها للفرصة التي نزلت عليها من السماء. سيصبر عليها ليساعد أمه لكنه سيراقبها عن كثب.
فتح الباب فدهش وهو يرى أمه تضحك. كان اللون يكسو وجنتيها ولمعت عيناها و هي تنظر إلى نك بسرور. كان التغيير فيها أشبه بمعجزة.
- تعال و استمع إلى موللي و هي تخبر كيف قامت بطلاء شقتها.
سحب كرسيا و جلس قريبا من موللي إلى حد احتكت ركبتاه بركبتيها. و عندما ابتعدت عنه قليلا, مال نحوها ووضع ذراعه على مسند مقعدها.
كانت تبذل جهدها لتسلية أمه لكنها تشعر بانعقاد لسانها و تحس بأن وجوده يكاد يعصف بها.
تمتم يقول :" ظننتك ترسمين لوحات."
نظرت إليه ثم انتقلت قليلا إلى اليسار.
- فعلا لكنني أردت أن أبعث بالإشراق إلى شقتي. كانت الجدران قاتمة كئيبة فأردتها براقة مشرقة.
- حدثيه عن البديل المؤقت للسقالة الذي صنعته.
نظرت موللي إلى نك مترددة. أنه لا يتصور ماذا يمكن أن تكون البدائل لأنه يستطيع أن يستخدم فرقة من الدهانين إذا أراد تغيير أي لون.
- حسنا انت تعلم أن في بيتي علية تحت السقف, و بهذا تعلو الجدران من ثلاث جوانب سبعة امتار تقريبا.
أومأ بالإيجاب.لم يذهب إلى منزلها سوى تلك المرة الوحيدة لكنه يتذكر ذلك.
استعرت طاولة جارتي شيلي ووضعتها مع منضدتي بجانب بعضهما البعض ثم وضعت عليهما كرسيين عليهما لوح خشب كالجسر. ونجح ذلك تماما.
- كان بالإمكان أن تقعي و تكسري عنقك.
- كان مزعجا جدا نقلها كلما احتجت تغيير موقعي. لكنني نجحت تماما ووفرت علي مبلغا كبيرا. أحضرت دهانا كي يخمن التكاليف لكنها كانت أكثر مما أردت أن أدفعه بكثير.
تصورها نك على تلك السقالة المؤقتة ثم تخيلها و قد وقعت و انهارت السقالة بالكراسي ولوح الخشب فوقها, فقال بحدة:" لا تفعلي مثل ذلك مرة اخرى."
فنظرت موللي إليه:" ماذا؟"
- هذا بالغ الخطورة لا تفعليه مرة أخرى.
- لكنني كنت شديدة الحذر.
فقالت ايلين:" كان هذا قبل أن تعرفك نك. وأنا واثقة من أنها لن تحتاج إلى القيام بذلك مرة أخرى. وعلى أي حال لن تستمر موللي في السكن هناك طويلا. نحن لم نتناقش في عرسكما على الإطلاق. ولكن لا تدعا مرضي يؤخركما, فأنا أشعر بأنني أقوى لحظة بعد لحظة. وتحديد موعد زفافكما سيسرع حتما في شفائي."
حملقت موللي في نك. ماذا الآن؟ هما لا يجرؤان على تحديد موعد, بصرف النظر عما سيحدث لإيلين. ولكن كيف سيحتالان للتأجيل دون الكشف عن تمثيليتهما؟
- علينا أن ننتظر عودة والدي موللي.
- أحسنت.
تمتمت له موللي بذلك بصوت خافت من دون أن تسمعها ايلين ثم التفتت إلى المرأة:" أنا واثقة من أنك تتفهمين أنني أريد أن أتحدث معهما قبل أن نتابع هذا. لقد كان حبنا مفاجئا عاصفا كما تعلمين."
- لكن هذا الحب خلق ليبقى فأنتما مناسبان تماما لبعضكما البعض.
عندما انتهى الغداء, طلب نك من أمه أن ترتاح ريثما يأخذ موللي إلى بيتها. عندما وصلا إلى الطابق الأسفل من البيت اوقفته قائلة:" ليس عليك أن تفعل ذلك. سأستدعي تاكسي."
- أريد أن أتحدث معك.
- آه ه ه ... محاضرة أخرى؟
فقطب جبينه:" أنا لا ألقي محاضرات."
ابتسمت وربتت على ذراعه شاعرة بعضلاته القوية و الحرارة التي تنبعث منه. ثم استدارت و هي تتنهد أسفا على مما لن يكون. وتمنت لبرهة لو أن الأمور كانت مختلفة بينها وبين هذا الرجل ولو بامكانها أن تصدق أن الرجال والنساء من مختلف الخلفيات يمكنهم أن يجدوا قواسم مشتركة. لكن هذه لم تكن حتى مجرد محاولة للعثور على القواسم المشتركة فقد عقدا هذه المعاهدة فقط ليساعدا امرأة مريضة على الشفاء. وبينما كانا يسرعان باتجاه المرفأ مالت إلى الخلف في تلك السيارة الفارهة و أخذت تنظر من النافذة بكسل. لقد استمتعت بهذه الزيارة و عرفت الكثير نك. كما ارتبطت بإيلين بايلي بشكل غريب.
سألها:" ما الذي تحدثتما عنه أنت و أمي ؟"
- عن هذا و ذاك.و بالأخص عن طفولتك, ظنا منها أنني أريد أن أعرف
كل شيء عنك. يبدو أنها تلوم نفسها بعض الشيء, فقد كانت أكثر انشغالا بأثاثها و تحفها من أن تدع صبيا صغيرا يركض و يعبث في أنحاء البيت.
- كانت أما مميزة.
- وكانت تتمنى لو انجبت المزيد من الأولاد.فتاة صغيرة حتما.
ألقى نظرة باتجاهها :" لم أعرف ذلك قط. كنت أظن أنها تريد ولدا واحدا."
- قالت إنها هي ووالدك كانا يتمنيان المزيد لكن هذا لم يحدث.كما أنها افتقدت أباك إلى حد بالغ. مات منذ عشر سنوات و مازالت تشعر بالوحدة. ومن الطبيعي أن تفتقده وربما ستمضي حياتها في ذلك.
- كان بإمكانها أن تتزوج مرة أخرى.
- لو وجدت من تحبه كما أحبت أباك لربما فعلت.ألا تظن ذلك؟
- رأيي أن ما يسمونه حبا هو شيء مبالغ في أهميته. والرجال والنساء يتزوجون لأسباب مختلفة.فإذا افتتنوا او أعجبوا بأحدهم سموا ذلك حبا.
- أظنك ستحصل حتما على جائزة السنة لأكثر الرجال سخرية. ولكن كونك لا تؤمن بالحب لا يعني أن أمك لا تؤمن به.
- وأنت؟ هل تؤمنين بالحب؟
سكتت موللي لحظة طويلة:" أنا أريد أن أؤمن."
قالت هذا بحزن لكنها والحق يقال تساءلت إن كانت ستعثر عليه يوما ما. كان الافتتان صعبا بما يكفي فهل ستميز حب حياتها إذا هي صادفته يوما.
ربما كل ما في الأمر أنها لم تصادف بعد الرجل المناسب.كان أبواها سعيدين وكانت ايلين سعيدة مع زوجها, أما هي موللي التي بلغت الثامنة و العشرين من العمر فقد ظنت مرتين أنها وجدت الرجل الذي يمكنها أن تتخذه شريكا لحياتها, و بعد خيبة أمل كان غشاء الوهم ينزاح عن عينيها. ربما كانت تتوقع أكثر مما ينبغي.
عندما توقف نك قرب بيتها. مدت يدها لتفتح باب السيارة لكنه وضع يده على ذراعها يعترضها:" سآتي لآخذك الليلة في السابعة إلا ربعا"
- سأكون جاهزة.
- سأفتح أنا الباب.و نزل من مقعده و دار حول السيارة يفتح لها الباب فقالت:" إلى اللقاء."
وعندما توجهت إلى بيتها قال :" موللي؟"
- ماذا؟
- سيكون في الحفلة كثير من الناس ينظرون إلينا ليتأكدوا من أن خطبتنا حقيقية.بما في ذلك كارمن.
فقالت ضاحكة:" لا تخف. سأرتدي أكثر ملابسي إثارة و التصق بك كما تلتصق صلصلة الخردل بالسجق."
ابتسم بخفة وهز رأسه:" يا له من تشبيه فاتن."
فلوحت له بيدها و ابتعدت بينما وقف ينظر إليها.كانت تبدو مثيرة في بنطلون الجينز فكيف ستكون في الثوب المثير؟ وشعر تقريبا بالخوف من أن يعرف ذلك.
- حدثيني عن هذا الرجل. سألتها شيلي بعد أن أنهت تصفيف شعرها. وكانت تنظر إلى صديقتها في المرآة:" آخر ما أتذكره هو أنك كنت تتظاهرين بأنك مخطوبة و تتباهين أمام جاستين بخاتم جدتك جائلة في أنحاء القاعة و بعد ذلك رأيت وجهك في كل الصحف مع خطيبك المزعوم و الآن تذهبين إلى مكان حيث ربما سيراك كل شخص في سان فرانسيسكو و تخبرينني بأنها مجر تمثيلية؟"
فاعترضت موللي:" إنها ليست تمثيلية."
و لمست خصلة من شعرها بمرح:" هذه تبدو عظيمة.شكرا شيليي."
ثم سارت نحو سريرها وتناولت ثوبها تريها إياه و تسألها:" إنه أسود. لكنه ينفع للمناسبة.أليس كذلك؟"
- أنا أتذكر متى اشتريته.أنت تحاولين أن تجربي تأثيره على هذا الرجل, أليس كذلك؟
فقالت موللي ضاحكة:" لا أظن ذلك. ابقي هنا سترينه عندما يحضر.إنه من النوع الذي يعتبر أن العمل هو كل شيء."
- لهذا هو قمة في الثراء.
نظرت موللي إلى شيلي:" إنه غني,أعلم ذلك, ولكن (قمة في الثراء)؟"
- هيه ... إنه صاحب فنادق ماغيللان.
- وهذا ليس أمرا بسيطا.قد لا يكون من أغنى أغنياء أميركا لكنه يلعب بالمال و يتمرغ به.
- دوما كانت أمي تقول إن الفتاة تقع في غرام الغني بنفس السهولة التي تقع فيها في غرام الفقير.
- لكنني لست مغرمة بأحد.
قالت موللي هذا وهي تلبس الثوب.كان أنيقا و ملائما ومحاكا بخيوط فضية متألقة ما جعله يجذب النظر كما يجذب اللهب الفراشة. كان قصيرا مكشوفا عند الذراعين و الجزء الأعلى منه محكم على جسدها. من حسن الحظ أنها تذهب إلى عملها سيرا على الأقدام فبقي وزنها كما كان لأن هذا الثوب يبرز أي زيادة في الوزن. انتعلت حذاء عالي الكعب مع أنها تعلم أن نك يبقى أطول منها بحوالي عشرين سنتمترا وجاءتها شيلي بأحمر شفاه صارخ:" هذا يناسب ملابسك و وضعك أيضا."
- وضعي؟
- نعم. وضعك هذه الليلة, لأن عليك أن تنافسي كارمن, ومن يعلم من أيضا في هذه الحفلة؟
- أنا لن أتنافس مع أحد فهذه خطبة زائفة.فإذا أراد أن يتركني من أجل امرأة أخرى فهذا لا يهمني.
لكنها عندما ازدادت اقترابا من المرأة لكي تصبغ شفتيها شعرت بوخزة من الغيرة.أزعجها على الرغم منها أنه قد يميل إلى امرأة أخرى. وكان هذا حماقة بالغة منها. لقد عقدا الخطبة لأجل مصلحة و هي لن تدوم. وستكون معتوهة لو ظنت لحظة واحدة أن نك بايلي يمكن أن ينجذب إلى امرأة مثلها!

5

 
 

 

عرض البوم صور الأمل الدائم  
 

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم الارشيف
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:28 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية