كاتب الموضوع :
الأمل الدائم
المنتدى :
الارشيف
الان مع باقي الجزء الرابع
شبه واجبة في عيد الميلاد أو في ذكرى مولدها وكانت المرة الأولى التي يختار فيها شيئاً يعرف أنها تريده هكذا وفي خضم سعادتها كبتت عدائها الغريزي وشكرته وهو أمر تمكنت من فعله بشيء من الارتباك والتلعثم .
كانت سنة غريبة مثيرة للاضطراب فيها كان مزاجها سيئاً يتقلب من تطرف عاطفي إلى آخر .. وكانت على استعداد للبكاء بمقدار ما هي على استعداد للضحك .
كان هوود متفهماً وقد عزا فرط حساسيتها إلى الحزن الذي مازال في نفسها بعد وفاة أمها لكنها الآن تعرف أن الأمر لم يكن بتلك البساطة .
وقتذاك أشعلت هدية بروس شيئاً عميقاً في داخلها .. شيئاً جديداً فتياً وجل ما عرفته أن إحساسها به كان يتزايد بألم فغالباً ما وجدت أنها ترهف السمع لسماع صوت سيارته وهي تدخل إلى طريق المنزل الداخلية …وما أكثر ما كانت تراقبه خلسة في الأمسيات حين يتحدث إلى هوود … وعندما كان يغيب في رحلة عمل كانت تحس بالضياع والخوف … وكأنها مرمية على طوف في بحر عاطفي .
حين اصطحب معه صديقته إلى المنزل عانت كثيراً وغدت لا تشارك لورنا بانتقاد نسائه الساخر .
خلال هذا العذاب كانت تسمع إلى التسجيل الذي أهداها إياه حتى حفظت حتى عن ظهر قلب كل نغم وكل رنة وكل إيقاع عندما كانت تصغي إلى لحن انبلاج الفجر كانت تحس وكأن الموسيقى تحتوي على كل ما تحس به وكأنها تشير إلى انبلاج فجر ما داخلها شيء رائع بل أروع من أن تفكر فيه .
الآن جلست تصغي وأظافرها تنغرز في راحتي يديها ورأسها يضج بدوار.
قال هوود بمرح عند الباب وهو يدفع نفسه للداخل : كالأيام الخوالي .
تورد وجه هيلاري حاما رأت بروس يسير وراء والده … وتقدم يقول : انبلاج الفجر في المساء ؟ لا أظن هذا .
ودنا من الجهاز يطفئه فترك بذلك صمتاً مؤلماً خلفه .. جعلها صوت عميق تدرك أن الجميع قادرون على سماع دقات قلبها البطيئة الغير منضبطة .
ثم جاءت السيدة ستارلت بالقهوة وفي هذا الوقت بدأت أغنيس بالتكلم بتشدق عن خطط والدها لتوسيع أعماله ومرت اللحظة الحرجة بأمان وصدحت الموسيقى مجدداً ولكنها في هذه المرة لم ترجع أحد لذكريات الماضي .
قالت لورنا فجأة : لو أرجعنا السجادة إلى الوراء لاستطعنا الرقص … فهل نرقص ؟
لم تشعر هيلاري بالرغبة بالرقص وكم ودت لو اعتذرت وانسحبت إلى غرفتها لتبقى هناك بهدوء حتى الصباح.. ولكن لو اعتذرت وانسحبت لانقطعت عرى الحفلة ولخاب
أمل هوود هذا إن لم تقل شيئاً عن لورنا .
ما إن خلت مساحة كافية حتى عقد تشارلي ذراعه بتملك حول لورنا …
ضحكت لها أغنيس مجدداً : ما أروع أن يحب الإنسان !
ونظرت بتحد إلى بروس : حسناً حبيبي .. هل تذكر كيف كانت الأمور يوماً .
أدهشتها وقاحة تصرف أغنيس فسارعت تنظر إلى جون لترى ردة فعله .. ولكنه على ما يبدو غير ملاحظ أن زوجته تتعلق بعنق رجل آخر فشعرت مرة أخرى أن عواطف جون بعيدة كل البعد عن زوجته هل نسي ؟لعله غير مهتم بماضي زوجته وبالأخص بعلاقتها مع بروس .
نادت لورنا : جون … هيلاري لا ترقص .
توردت هيلاري حرجاً وانزعاجاً لأن جون دنا منها معتذراً فقالت : لا بأس جون كان يوماً مرهقاً لذا أفضل الجلوس بهدوء مع هوود .
أبعدت لورنا نفسها عن تشارلي المعارض وتقدمت إليهما : أوه لا تفسدي علينا مرحنا حبيبتي أنت تعرفين أنك تريدين مشاركته الرقص .
وارتدت إليه : كانت مغرمة بك بقوة يوماً .
امتقع وجه هيلاري بشكل مؤلم ولكنها قالت بهدوء : أنا لا أريد أن أرقص شكراً وأنا واثقة أن جون لا يريد سماع تفاصيل مملة عن أوهام أيام الدراسة .
تشدقت لورنا : ؟أوه لا أدري قد يجدها تفاصيل ساحرة لقد نسي الإحساس الذي يشعر به المرء عندما تعتبره كل امرأة رجل حياتها .
قال جون بقلق : إذا كان هذا ما تقولينه لورنا .. هل أجلب لك القهوة هيلاري ؟
رفضت بهدوء وجلست قرب هوود بعد صمت قال هوود بصوت هامس : لا أعرف ما يدور في خلد لورنا أحياناً إنها بحاجة إلى من يشد لها أذنيها … لكن تشارلي شاب مستقيم وطيب .. وإن كان هناك من يقدر على لجمها فهو القادر على ذلك …
_ أجل ………..
لكنها تمنت لو تكون مقتنعة ولو قليلاً .
توقفت الموسيقى و تغيرت الأسطوانة .. لتعلن لورنا : يجب أن نغير الشركاء تشارلي ارقص مع أغنيس وأنت هيلاري يجب أن ترقصي هذه المرة .. أقمنا الحفلة احتفاءً بك لا يمكنك الجلوس هكذا .
ابتسمت أغنيس : ولم لا قد تستمع بالتجربة الجديدة على أي حال لا أحد يرغب أن يبقى دائماً مركزاً للاهتمام .
وقفت هيلاري على مضض وهي تفكر بقبول دعوة جون لكن لم يكن جون من تقدم إليها ليأخذ يدها ويجرها إلى الرقص بل كان بروس .. تشنجت للحظات غير قادرة على السيطرة على نفسها .. ثم أدركت أن هوود يراقبها مبتسماً .. فأجبرت نفسها على الاسترخاء .
قال بصوت منخفض ساخر : هكذا أفضل … وكيف تستمتعين بالعجل المسمن ؟
ردت من بين أسنانها : هو طبق لا أحبه .
_ لسوء الحظ .. لكنك تجيدين التمثيل . أنت تفعلين هذا يومياً أمام الكاميرا وبإمكانك التمثيل الآن إكراماً لهوود .
_ أ،ا أمثل دور اللطيفة بروس … ألم تعرف ذلك ؟
نظر إليها وشفتاه مضمومتان بشدة .. وعيناه كقطعة جليد .. قال : لقد علق والدي أن اليوم شبيه بجو الأيام الخوالي
.. لكنه مخطىء فلا مجال للعودة إلى الخطى القديمة في هذا البيت .. وقعت أمور كثيرة غير مسموح بها فلا تفكري في المحاولة ؟
رفعت ذقنها بتحد : لا تقلقن .. حقاً ! أنت تعرف سبب وجودي هنا .. وما إن يتم العرس حتى أذهب اطمئن بالاً فلن أبقى هنا لحظة واحدة أخرى مهما فعل هوود لإقناعي بالعكس .
قال متجهماً : يسرني ما أسمع ولكن لدي كلمة أخرى هي بمثابة تحذير .. كنت مغرمة بجون وأنت تلميذة ولكنه اليوم رجل متزوج و أغنيس امرأة لا تتساهل في ممتلكاتها بسهولة .. مهما كانت قيمة هذه الممتلكات صغيرة بالنسبة إليها .
ردت بحدة : شكراً للتحذير … وهل تعتبرك أغنيس من ضمن ممتلكاتها … بسبب الأيام الخوالي ؟
أجاب بلطف : لا أظن أن ذلك شأن من شأنك .
ردت ساخراً : بكلمات أخرى المقاييس مزدوجة حية وبصحة جيدة وتعيش في ستونكليف .. وهذا جيد لك بروس .. أنت قانون بحد ذاته و أغنيس أيضاً .. وعلى هذا الأساس على الأقل متناسبان .
اسود وجه بروس غضباً ولكنه لم يرد انتهت الموسيقى فتحررت من بين ذراعيه وذهبت بحثاً عن قرصين من الأسبرين .
كان الطقس بارداً في الطابق العلوي فمكثت هناك فترة حتى تفعل الأقراص فعلها .. عرفت أن عليها أن تعود و إلا أرسل هوود من يبحث عنها .. كادت تبلغ منتصف منبسط الدرج حيث يستدير الدرج العريض حين سمعت لورنا يأتي من تحتها مباشرة : أوه حبيبي … حبيبي لا أستطيع الانتظار أكثر من هذا !
توقفت هيلاري التي أدركت أن خطواتها غير مسموعة بسبب السجادة السميكة .
إنه موقف محرج تزج به نفسها لذا سارعت للعودة للأعلى لكنها كانت تحس بالراحة فلورنا تحب حباً عميقاً وستتزوج تشارلي … وتعرف هيلاري سبب إصرارها على السرعة فهي لا تريد الترتيبات الصغيرة والمراسم والتقاليد التي تقيد كل شيء .
دخلت إلى غرفتها وأقفلت الباب ورائها ثم نظرت إلى صورتها في المرآة .. فرأت ما رآه الجميع فتاة الأمبر البهية الطلة
الواثقة من نفسها الفتاة التي يقبع العالم عند قدميها .
راقبت هذه الصورة قليلاً ثم أخذت الصورة بالتواري حتى لم يبقى سوى هيلاري … الوحيدة التعسة الخائفة
5 _ لا خيار أمامها
استيقظت وهي تشعر أنها تختنق وكأن شخصاً وضع يده على فمها يكتم أنفاسها كانت الغرفة مظلمة فحدقت للحظات إلى الظلام بارتياح ثم حاولت تكييف نفسها .. ففهمت ما حصل .
كانت متعبة حين آوت إلى الفراش فنسيت إطفاء السخان الكبير أو فتح النافذة قليلاً والنتيجة أن الغرفة أصبحت كالفرن .
دفعت عنها الأغطية متنهدة وتوجهت حافية القدمين على السجادة فعالجت أمر السخان أولاً ثم فتحت الستائر السميكة لتصل إلى قفل النافذة .. إن الغرف المفتقرة إلى الهواء تولد في نفسها خوفاً مرضياً .
كان قفل النافذة قاسياً فكافحت لتفتحه فجأة أحست بحركة في الحديقة تحتها .. فحدقت إلى الأسفل فرأت طيفاً طويلاً يسير ببطء وبريق نار السيجار أمامه .
لم يكن هناك ما يدفعه للنظر لفوق أو ما يدعوه للظن بأن هناك من يشهد سهره مع ذلك ارتدت إلى الوراء خلف الستائر خافقاً قلبها خفقان شديداً .. فلقد صدمتها رؤيته مع أن عليها عدم الشعور بالصدمة فالسير لمسافات طويلة في الظلام وهو يعمل على حل مشكلة إما عملية وإما شخصية أمر لطالما عهدته من بروس … في الواقع بسبب هذا .
جمدت هيلاري في داخلها تحاول أن تقفل الباب الذي في رأسها لتحجب الذكريات التي تدفقت لكنها تبدو الآن أقوى منها أمامها أمور كثيرة تتعامل معها .. هذا المنزل .. والموسيقى .. والآن بروس ذاته يذرع الحديقة كما فعل منذ سنتين
عادت إلى الفراش مرتعشة فاستلقت تنظر إلى الظلال في الغرفة … ثمة فروقات بالتأكيد كان يومذاك يوماً صيفياً و كانت لورنا في الفراش بالغرفة المجاورة .
منذ عادتا من المدرسة و لورنا تسبب المتاعب .. فخلال الفصل الدراسي كانت تسيء التصرف مما أدى إلى مواجهات مع عدد كبير من موظفي المدرسة وأساتذتها وبسبب سلوكها عادت يوماً وهي تطالب بأن يرسلوها إلى مكان آخر و أقسمت ألا تعود إلى المدرسة في أيلول المقبل . كانت المدرسة جيدة وذات صيت جيد فقال لها هوود أن عليها البقاء فيها ثم أضاف بلهجة جليدية أنه يتوقع تقارير أفضل من سابقتها في نهاية الفصل القادم .
لكن لورنا صاحت أمام هيلاري حين أصبحتا بمفردهما : لن أعود … أكره المكان ! لقد سئمت ارتداء ذلك الزي الغبي سئمت أن يعاملوني كطفلة و أن يجروني إلى النوم في التاسعة والنصف ..
حاولت هيلاري أن تهدئ من روعها : لم يضرنا ذلك بشيء حقاً .
لكن لورنا رفض أن تهدأ : ربما عندما كنا صغاراً .. لكنني لست صغيرة .. أنا امرأة الآن .
كان هذا ادعاء دفاعي كررته أكثر من مرة في الأسابيع التالية .. حتى أصبحت هيلاري تخاف منه .. في البداية لم تربط تزايد تمرد لورنا بأسرة هورلي .. كانت لورنا التقت لوريس هورلي في ناد تنس محلي كانت تنتمي إليه مع هيلاري أثناء العطلات ومع أن لورنا كانت أصغر من لوريس إلا أنها كانت موهوبة في اللعب والواضح أنها اغترت عندما طلبت منها الفتاة الدخول معها في بطولة الأندية كشريك ثنائي .
لم تكن أسرة هورلي قد انتقلت إلى المنطقة منذ وقت طويل .. فالأب صناعي ثري والأم مصممة أزياء تقضي معظم وقتها في لندن وبسبب وضعهما أصبح منزلهما بيد روي و لوريس اللذين كانا يديرانه كما يحلو لهما كان منزلاً كبيراً أثاثه ضخم وهو يقع في بقعة جميلة فيه ملعب تنس ومسبح سباحة يمكن تسخين ماءها ولكن هيلاري وجدته جواراً مغماً للنفس ولعل السبب شعورها بمدى تأثيرهما السيئ في لورنا .
لكنها لم تجد طريقة لمنع لورنا من الذهاب إلى هناك كانت تذهب كل يوم للتمرن مع لوريس على التنس في ذلك الوقت وكتمت أمر وساوسها ولم تذكرها حتى لهوود ….
وبقيت مترددة حتى بعدما سمعت بعض الإشاعات عن أن الأخوين هورلي يقيمان حفلات صاخبة .. وماذا في هذا .. فكلاهما بلغا السن القانونية وكلاهما كبيران بحيث يحق لهما فعل ما يريدان كان محظوراً على لورنا الذهاب لحفلاتهما لأن هوود رفض أن تذهب لمنزل يغيب عنه الأبوان وطالما احتجت لورنا على هذا ولكن هوود كان مصمماً وحازماً .
أو على الأقل هذا ما كانت هيلاري تعتقده حتى أيقظها في أحد الليالي صوت وذهبت إلى غرفة لورنا لتجدها في الثالثة صباحاً في ملابسها وفي تلك اللحظة لاحظت أنها ليست بتوازنها .
_ لورنا .. أيتها الحمقاء ماذا يجري الآن ؟
ردت وعيناها غاضبتان عنيدتان : أوه لا تخترعي أغنية وترقصين عليها بما أني أبقى في ذلك السجن ثلاث أرباع العام يحق لي أن أستمتع بما تبقى من العام .
سألتها بمرارة : أهذه هي فكرتك عن المتعة ؟ التسلل للخارج والجميع نيام وخيانة ثقة أبيك فيك والعودة على هذه الحال .
ردت وبعنف : وماذا في هذا لم أصب بضرر فاصمتي إذن يا آنسة طهارة وتزمت .
_ شكراً لك . وارتدت لتذهب طارت لورنا في الغرفة تمسك ذراعها .
_ هيلاري ! آسفة .. لم أعن ما قلت .. أجل كنت أسهر ولم يحصل شيء أنا بخير حقاً و هوود لم يعترض يوماً على خروج إحدانا ..
_ في الناسبات وفي أعياد الميلاد وفي أيام الآحاد . إنما ليس حتى هذه الساعة المتأخرة .. أبداً .. أنت تحت السنة القانونية لورنا لم تبلغي السادسة عشر بعد فماذا كنت تفعلين هناك ؟
_ ليس ما تظنين هيلاري .. لن تخبري أبي .. لن تكوني شريرة إلى هذا الحد ! أردت بعض التسلية فقط وأنا أحب لوريس و إن كنت لا تحبينها لن أذهب ثانية أعدك بذلك شرط أن لا تخبري والدك
لانت هيلاري وهي تنظر إلى وجه لورنا الأحمر وإلى عينيها المشعتين .. عرفت أن عليها إخبار هوود لكنها عرفت كم سيتكدر وترددت لأنها تعرض علاقتها بلورنا للخطر كما أن لورنا وعدتها …
تنهدت : حسن جداً .. لن أقول شيئاً لدادي ولتكن المرة الأخيرة التي تقومين فيها بهذا لورنا الأخوان هورلي فاسدان وتدور حولهما شائعات وسخة .. إن عرف دادي أنك متورطة معهما سيهدم السقف على رؤوسنا .. ومن الأفضل أن تطلبي من لوريس إيجاد شريك جديد للتنس ..
دلت ابتسامة لورنا البشعة على أنها أكبر بكثير من عمرها : لا مشكلة ..ولا أظن لوريس مهتمة بالتنس على أي حال.
المشكلة أن منزل هورلي لا يبعد عن ستونكليف إلا عرض حديقتيهما المشتركتي الحدود .. لذا سهل على لورنا التسلل خارج المنزل والذهاب إلى هناك بدون أن يراها أحد .. لكن مع أن لورنا وعدت بعدم الذهاب لكن هيلاري تعتقد أن مثل هذا القرار يحتاج إلى تأكيد .
في اليوم التالي سارت هيلاري إلى المنزل أما لورنا فمكثت بالسرير مدعية أنها تلقت كمية كافية من أشعة الشمس في اليوم السابق والحقيقة أنها كانت تعاني من التعب من جراء السهر في الليلة السابقة .
شقت هيلاري طريقها حول جانب المنزل حيث المسبح الذي كانت لوريس وروي يتمددان قربه .. ومدت لوريس يدها ووضعت المنشفة على نفسها مبتسمة ابتسامة مصطنعة .
_ مرحباً ! إلام ندين بشرف هذه الزيارة ؟
قالت هيلاري بجرأة متجاهلة إشارة روي لتجلس : ما هي زيارة اجتماعية .. جئت أخبرك بأنني أعرف أن لورنا تحضر حفلاتكما و أنكما تشجعانها على أشياء يعرف الله ما هي وأقول لكي الآن إن هذا يجب أن يتوقف و إلا بلغت زوج أمي وعندئذ ستجدان نفسيكما في مشاكل لا تحلمان بها .
ابتسم روي وجرت عيناه على هيلاري بتقويم وقح : لا تخافي أيتها النمرة .. استرجعيها فهي لا تروق لمعظم الأذواق .. والآن هل تعرضين أن تحلي محلها ….
قاطعته ببرود لا … شكراً لك .
_ لا يا الأسف !
تبادل الشقيقان النظرات وتبادلا ضحكة اقشعر لها جسد هيلاري لكنها قالت بصوت أجش : شيء واحد آخر أرجو ألا تحاولا الاتصال بها بأية طريقة أو أن تقوما على تشجيعها على المجيء إلى هنا تحت أي ادعاء
قالت لوريس ساخرة : تخدعين نفسك حبيبتي إذا لم يكن حملك الوديع بحاجة للتشجيع بل الفكرة فكرتها نحن لا نقيم حفلات للأطفال والآن هل تستطيعين إيجاد طريقك إلى الخارج .
وارتدت مبتعدة .
وهي في منتصف الطريق المعشوشب الثاني بين المنزلين أحست بدافع للنظر للوراء فرأت أن روي لحق بها ووقف عند بوابة حديقتهم يراقبها ترددت قليلاً فلوح لها بيده ثم وضعها على فمه ليرسل إليها قبلة ساخرة .. فارتدت مبتعدة ببطء لأنها كانت تقاوم اندفاعاً يجعلها تريد الركض …
وعندما فتحت باب حديقتهم وخطت إلى دغلة الأشجار الشائكة وقعت يد على كتفها فصرخت لكن الراحة جعلتها تقول بضعف : أوه بروس أنت أجفلتني .
رد بصوت متجهم : هذا ما أراه .. أين كنت ؟
هزت كتفيها : أتمشى . _ وحدك ؟ . ردت طبعاً .
_ لا تكذبي علي هيلاري .. لقد رأيت وداع مرافقك من نافذتي التي تطل على الحقل .
همت بإنكار صلتها بروي حتى انتبهت أن بروس سيسألها عن سبب قيامها بزيارة ذلك المنزل الأمر الذي سيورط لورنا وهذا آخر ما تريده .
كانت عيناه كالعاصفة وهو ينظر إليها : لم أعرف أن هورلي من طرازك .
حاولت إبقاء كلامها مرحاً : في مكان مثل ستونكليف لا مجال لخيارات كثيرة .
التوى فمه بازدراء واضح : أعتقد هذا .. لكنني بدأت أعتقد أثق بعقلك ورجاحته هيلاري وأنا أسف لأني أخطأت .
ارتد مبتعداً عنها فودت بيأس أن تقول له الحقيقة ولكن في ظل هذه الظروف أصبح هذا مستحيلاً .
مرت الأسابيع الثلاثة التالية بهدوء وتغير الطقس وحل الشتاء فادعت لورنا أنها ضجرة وأن الحياة في ستونكليف أسوأ من الحياة في المدرسة الداخلية .
لكن بدا أن لورنا عند وعدها .. وعندما عرفت هيلاري من الشائعات أن الأخوين هورلي رحلا إلى لندن لزيارة أمهما شعرت بالراحة .
كانت عودة الصيف نذير خير ولم يعكر مزاج هيلاري شيء حتى سافر هوود إلى أمريكا في رحلة عمل .
تقلبت هيلاري في فراشها : ما أشد ما كانت غبية .
بدأ الكابوس بهدوء كان يوماً حاراً رطباً واعداً بالرعد وكانت لورنا فاترة الهمة تشتكي صداعاً لذا لم تدهش هيلاري حين قالت بعد العشاء أنها ستنام باكراً .
جلست هيلاري تستمع لموسيقاها المفضلة كانت غارقة بسماعها فلم تسمع صوت السيارة بل لم تدرك أنها لم تعد بمفردها حتى رفعت بصرها ووجدت بروس ينظر إليها لم تتوقع عودته قبل اليوم التالي ترجلت عن الأريكة صائحة صيحة صغيرة .
_ أوه لقد عدت لماذا لم تخبرنا لو علمنا لحضرنا لك العشاء … لكن
رفع يده متعباً : لا بأس لست جائعاً ستحمل السيدة ستارلت القهوة وبعض السندويشات للمكتبة .
استجمعت ابتسامة صغيرة : أوه إن كان هذا ما تريد .
يكفي هذا .. سأتركك الآن تستريحين … أين لورنا ؟
أحست فجأة بجفاف فمها فبللت شفتيها بلسانها : أرادت النوم باكراً .. لا داعي لتأكل بمفردك في المكتبة بروس بإمكانك أن تأكل هنا .
التوى فمه قليلاً : لم أظن أن رفقتي أمر مرحب به هكذا .
ردت بصوت هامس والرعدة تسري بجسدها : أنت من يتجنبني دوماً .
_ هذا تصرف شاذ مني هل أطلب من السيدة ستارلت إحضار الطعام لهنا ؟
_ ولم لا ؟
نظر إليها بروس نظرة طويلة غامضة ثم تقدم من الباب وخرج .
استندت هيلاري إلى وسائد الأريكة من جديد وأغمضت عينيها ولكنها شعرت بقلبها يخفق بشكل غريب لقد سبق أن كانت بمفردها مع بروس فهما يعيشان في المنزل نفسه هما جزء مت عائلة واحدة … ولكنها عرفت أن هذه المرة مختلفة .. ففي هذه المرة كان الخيار متعمداً من كليهما .
ابتلعت ريقها وأحست باندفاع الدم المجنون في شرايينها ثم وقفت لتتجه إلى الهاي فاي لتختار أسطوانة موسيقى .
عمت الموسيقى في أرجاء الغرفة فعكست التشوش العاطفي داخلها … ثم راحت تعد طاولة صغيرة قربتها من الأريكة ثم جلست تنتظر ويداها مطويتان في حضنها وقلبها يخفق بألم .
حين عاد بروس حاملاً صينية رأته في سروال رمادي و كنزة صوفية بدل تلك البذلة القاتمة التي كان يرتديها .
ارتفع حاجبيه حين شاهد الطاولة … وعلق : منظر منزلي .
تورد وجه هيلاري التي قالت بصوت منخفض : أنت تسخر مني .
وضع الصينية من يده : هذا غير مسموح ؟ حسناً .. ربما بسبب العلاقات القديمة هذا صحيح … قهوة ؟
هزت رأسها رفضاً … كانت ترتجف في أعماقها لذا ظنت أنها لن تستطيع حمل الفنجان بدون أن ينسكب منه السائل . لو كانت في أي وقت آخر لما همها الأمر أما هذا المساء فبدا أن لكل شيء أهمية بالغة .
قال بنفاذ صبر : يجب أن تتناولي شيئاً … أنت تخسرين من وزنك .
مد يده يرفع ذقنها وراح يتفرس في وجهها وكأنه لم يره من قبل : ما الأمر ؟
_ لاشيء .. أنا .. لم أكن أنام جيداً هذا كل شيء وأعتقد أن السبب هو الطقس الحار.
_ أو الضغط العصبي قلقة بشأن المدرسة ؟ بشأن المستقبل أم ماذا ؟
ابتلعت ريقها : لا … لا شيء . رد : فهمت .
صمت لحظات ثم ترك ذقنها وارتد يسكب القهوة في فنجانه ويمد يده لأحد السندويشات .
_ على أي حال … لماذا لا تسرين لي بشيء ؟ فلم أشجعك قط على هذا .
_ لا .
_ اكنني أستطيع أن أشجعك على الأكل … دجاج أم لحم ؟
تناولت سندويشاً أجبرت نفسها على أكله شعرت أنه يراقبها بعينين رماديتين باردتين مترقبتين .
حين أنهى طعامه أعاد فنجان قهوته وطبقه إلى الصينية ومال إلى الخلف مغمضاً عينيه وتحركت هيلاري لتعيد الصينية للمطبخ لكن يده أمسكت معصمها : اتركيها .. اجلسي واستريحي قليلاً .. تبدين وكأنك عالقة بين أسلاك شائكة .
عادت إلى الوسائد وراحت تعض على شفتها متوترة .. ففقد بدأت أطراف أصابعها تصرخ رعباً بسبب وجوده .
قالت وهي تحاول الحديث : أتظن أن العاصفة على وشك أن تهب ؟ إنها تهدد بهذا طوال اليوم … والهواء ثقيل .
قال بكسل : وهل تخافين من العاصفة ؟
وأخذت إصبعه تتحرك مداعبة معصمها من الداخل : ألهذا أنت متوترة ؟
جعلت المداعبة العفوية نبضاتها تتسارع بجنون … في الماضي لم يكن الجسدي بينهما … لذا لم يكن هناك سبيل لمعرفة ما إذا كان هذا تأثير لمسته الرقيقة لا …
قال برقة : أراك ترتجفين هيلاري … هل السبب قلقك من العاصفة .. أم السبب هو هذا ؟
مال إليها يعانقها عناقاً خاطفاً فشهقت شهقة كانت أشبه بدع
بدعوة خرساء له فسحب نفساً حاداً وشدها إليه .
فجأة قست عينيه وسلب عناقه منها كل الوعي والتعقل .
لم تعد تشعر إلا ببروس وبيديه الممسكتان بها كان تجاوبها معه كاملاً .. إنه أمر تاقت إليه منذ أشهر طويلة دون أن تعرف هذا … أو تترف به .
كان عناقه عميقاً .. كانت كمن يسبح في مياه عميقة مليئة بالتيارات المجهولة …..
كرهته دائماً ولم تثق به قط مع ذلك فها هو يحرك أحاسيسها كلها لم تكد تستطيع التنفس أما عينيها فاتسعتا وبرقتا ببهجة … كانت تعي وهي في خضم تلاطم مشاعرها صوت الموسيقى انبلاج الفجر وهبوط الفرح .. في كل انبلاج للنهار … بين ذراعي بروس .
ثم … سمعت صوتاً آخر كان أشبه بماء بمياه باردة تسقط على رأسها … سمعت وقع أقدام السيدة ستارلت وهي تتقدم في الممر ثم تلا ذلك قرع الباب .
انكسرت العلاقة السحرية الحساسة التي كانت تربطهما وابتعد بروس لاعناً متمتماً . ممرراً أصابعه في شعره الأشعث .
قال بصوت متوحش : اجلسي جيداً ولملمي شتات مشاعرك .
وأطاعته هيلاري .. لكن السيدة ستارلت قرعت الباب مرة أخرى بنفاذ صبر أخيراً نادى بروس ادخل .
كان واقفاً قرب الباب الزجاجي ينظر للحديقة يرجع الستار بيده … دخلت السيدة ستارلت على عجل ثم توقفت : لم أعرف أن الآنسة هيلاري هنا … سيدي ؟
أحست هيلاري بتورد شديد بسبب الاستهجان الذي بدا في صوت المرأة .. رغم وجودها بطرف و بروس في طرف آخر …
قال بروس ببرود : هل هذا مهم ؟
_ المسألة أن هناك مكالمة هاتفية لها سيدي أظن أنكما لم تسمعا رنين الهاتف بسبب الموسيقى لما صعدت لغرفتها ولم أجدها اضطررت لإبلاغ المتصل أنها خرجت لتتمشى .
سألت هيلاري : من كان التكلم سيدة ستارلت ؟
_ إنه السيد روي هورلي آنسة هيلاري … طلب مني أن أقول لك أن الدعوة مازالت قائمة لهذه الليلة .
جمعت السيدة ستارلت الصينية وغادرت , فسأل بروس متجهماً : منذ متى تقبلين الدعوات من الأخوين هورلي ؟
_ أنا لا أقبلها .. ولا أدري ماذا يعني لا شك أنها مزحة سخيفة .
_لكنها واضحة لي .. من الواضح أن لديك موعداً معه الليلة .. يبدو أني أخرتك بكل أنانية عنه , أعتذر .
وقفت هيلاري : لكن هذا غير صحيح ! لست خارجة معه .. إنه لا يعجبني حتى .
_ بدا أنك على وفاق تام معه منذ أسابيع .. ومع ذلك تنكرين أية علاقة معه .. لماذا هيلاري ؟ هل السبب معرفتك أن هوود لن يوافق ؟
منذ لحظات كان معلمها الوحيد… لكنهما الآن بعيدين أميالاً أخرى … و ها قد عاد العداء القديم وعدم ثقة الواحد منهما بالآخر .
قالت غاضبة : لا بالتأكيد لن يوافق ولا أظنه يوافق على تصرفك معي قبل قليل … ولا أظنه يوافق على تصرفك معي قبل قليل .
رد ساخراً : إن هذا صحيح ! لقد جاءت السيدة ستارلت بالوقت المناسب هل من عادتك التصرف بهذا النحو ؟ إذا كان الأمر هكذا أنصحك أن تكوني أكثر حذراً خاصة مع هورلي والزمرة التي حوله .
رفعت ذقنها بتحد : شكراً للتحذير لكنه غير ضروري … لأنني قادرة على الاعتناء بنفسي .
ثم ارتدت تاركة الغرفة .
ظنت في البداية أن صوت الرعد هو الذي أيقظها .. فاستلقت في الظلام مسمرة تصغي إلى المطر وهو يقرع بشدة على نافذتها .. لقد انفجرت العاصفة ويبدوا أنها تمطر بَرداً .. كان نقر البرد على الزجاج كنقر الحصى .. وكأن شخصاً ما يرمي حفنة من الحصى الناعم .
دفعت عنها الأغطية وهبت من السرير فتحت النافذة تنظر إلى الخارج فشهقت بسبب اندفاع الهواء البارد الرطب البارد إليها … ومض البرق ..فظنت أنها رأت وجهاً بيضاوياً شاحباً يتطلع إليها بتوسل إليها .. وقبل انفجار الرعد سمعته يهمس هيلاري .
إنه صوت لورنا .. لكنها نظرت إلى فراشها في وقت سابق فرأتها فيه ..
ردت بصوت هامس : إني قادمة !
خرجت من غرفتها بدون خف أو روب ونزلت الدرج متوجهة إلى الباب الخارجي التي لاحظت أنه غير موصد بالرتاج .. حين فتحته رأت لورنا متكورة في الشرفة المسقوفة في الخارج وحولها معطف واق من المطر لكن كان وجهها مبللاً وقدماها حافتين موحلتين .
شهقت هيلاري : لورنا … ستصابين بالتهاب رئوي !
و أدخلت الفتاة المرتجفة إلى المنزل وهزتها …
_ أين كنت بحق الله ؟
نظرت إليها لورنا نظرة تثير الشفقة :
_ أوه هيلاري !
لا بأس عليك .. تعالي إلى فوق فوراً وتخلصي من هذه الملابس المبتلة … أين حذاؤك ؟
_ لقد رميته … خلعته لأستطيع الركض بشكل أسرع .. سمعت شخصاً يلحق بي فذعرت ورميته و .. كان حذائي الجديد العالي الكعب …و ..
قالت بلطف : لا بأس عليك حبي … لا بأس .. لا تتكلمي الآن فلنصعد لفوق وندفئك .
وفيما كانت تجر لورنا إلى فوق وجدت نفسها تتساءل ما الذي جعل لورنا تهرب حافية القدمين في العاصفة … أحست بيديها تتجمعان في قبضتين وهي تفكر في الأخوين هورلي .
حمدت الله لأن هوود ليس موجود بالمنزل فغرفته أقرب غرفة إليهما و لا شك أنه كان سيسمع الصوت .. فقد أجهشت لورنا بالبكاء بصوت عال .
وضعتها هيلاري في غرفتها ونزعت عنها ثيابها ثم وضعت عليها غلالة النوم و فتحت حنفية الماء الساخن في مغطس الحمام المشترك وعبأت زجاجة ماء حارة عندما حملتها إلى غرفتها أطلقت شهقة بسبب الشكل الذي لا يحرك ساكناً الملقى على فراش لورنا ..
قالت لورنا : استخدمت الوسائد الإضافية … عرفت أنك ستبحثين عني إن وجدت الفراش فارغاً .
أرجعت هيلاري الغطاء إلى الخلف ورمت الوسائد إلى الأرض : ذكية كم مرة لعبت هذه اللعبة القذرة ؟
_ إنها المرة الأولى … أعرف أنك لن تصدقيني … لكن …
_ ولماذا أصدقك ؟ لقد وعدتني ثم حنثت بوعدك .
وضعت زجاجة الماء الساخن في الفراش وأعادت الأغطية .
قالت لورنا بقلق : لم أقصد هذا .. كنت .. ضجرة .. عندما صعدت السيدة ستارلت لتقرع الباب عليك وقالت أن روي يتصل بك قررت الذهاب إلى هناك .. ولكنني لن أعيد هذا مرة أخرى .. ما جرى هناك فظيع لم تكن الزمرة العادية بل حضر أناس كبار .. لم يعجبوني .. قالوا أننا سنلعب بعض الألعاب .. وسألت أي نوع .. لأنهم بدوا لي كبار في السن فعلاًَ فضحكوا وقالوا أنها ألعاب لحفلة … وإنني سأستمتع بها .
وضعت يدها على فمها وأغمضت عينيها : حين أدركت ماذا كانوا سيفعلون .. وماذا يريدون أن أفعل .. ذعرت وهربت .. فلحق بي روي وأخذ يقول لي أشياء رهيبة . لقد إنني متزمتة سخيفة هادمة اللذات وأن علي أن أؤدي الغرامة لأنني لم أكن مدعوة .
صمتت وراحت تنظر إلى هيلاري وعيناها متسعتان .
لقد هربت .
أحست هيلاري بالغثيان لكنها ابتسمت بمرح وتشجيع وقالت بصوت هادئ : أحسنت صنعاً .. لقد انتهى الأمر الآن ولن تري أي منهما بعد الآن .
أدخلتها إلى المغطس الساخن حيث جعلتها تسترخي وبعد ذلك ساعدتها على تجفيف نفسها وكأنها طفلة صغيرة وألبستها بيجامتها .. بدت لورنا صغيرة بوجهها المتورد المتورد الممتلئ ذعراً .
قالت هيلاري : حاولي أن تستريحي حبيبتي يكاد الفجر يبزغ سأترك باب غرفتي مفتوحاً .. ناديني إذا احتجت لشيء .
أمسكت يد لورنا بيدي هيلاري بذعر : أريد شيئاً أريد حذائي … أرجوك هيلاري .. يجب أن تذهبي لتجلبي الحذاء .
_ سأجلبه ……… سأجلبه غداً .
_ لا الآن أرجوك اذهبي الآن إن تركته حتى الغد فقد يجده أحد سواك .. وقد يحمله إلينا فيعرف بروس الذي سيسارع لإخبار دادي .. أرجوك هيلاري .. أرجوك .. أحضريه لي .
أبعدت هيلاري نفسها بلطف .. لقد مرت العاصفة وانقطع المطر لكن التفكير في الذهاب إلى الخارج للبحث عن حذاء ضائع لم يرق لها البتة ..
قالت على مضض : حسن حبي … سأذهب الآن.
عادت إلى غرفتها وارتدت الفستان الذي كانت ترتديه في وقت سابق وانتعلت صندلاً له أربطة حول ساقيها .. بعد ذلك وجدت مشعلاً وارتدت معطف لورنا الواقي من المطر حول كتفيها قبل أن تنزل إلى الأسفل .
في هذه المرة وجدت الباب الجانبي مقفلاً والمزلاج عليه فعرفت أنها لم تقفله لأنها كانت مشغولة بلورنا فتحته بحذر ثم تركته مفتوحاً ستبحث بسرعة عن الحذاء وإن لم تجده ستبحث عنه بالصباح .
لكنها وجدت الحذاء دون صعوبة تذكر فعادت إلى المنزل بهدوء وأقفلت الباب مجدداً ووضعت المعطف و الحذاءين في غرفة الملابس في الأسفل وتوجهت إلى الدرج حتى أحست بيد تهبط على كتفها .. وصوت بروس يقول : أهلاً بعودتك .
كان غاضباً غضباً شديداً ولكنها رأت مع الغضب عاملاً آخر لم تستطع أن تحلله بسهولة أقلقها هذا فحاولت التراجع .. لكن قبضته اشتدت عليها حتى تأوهت ألماً .
كان يرتدي روب حمام وشعره مبلل و كأنه كان يستحم .
قال ببطء : تعجبت حين وجدت الباب الجانبي مفتوحاً غير مقفل بالمزلاج لكنني ظننت أن السيدة ستارلت نسيت إقفاله .. كان علي أن أعرف بعد تلك المخابرة .. هل استمتعت بالحفلة .. هيلاري ؟ تقول الإشاعات إنها حفلات صاخبة … لكن على أي حال لم أعتقد أنك حتى أنت
ستهبطين إلى مثل هذا الدرك .
أردف بصوت لاسع : أتحاولين التفكير في قصة مقنعة إنسي الأمر هيلاري .. أقدر على رؤية بوابة الحقل من غرفتي .. ألا تذكرين ؟ رأيت مشعلك يدور فوق الأرض لماذا لم تبقي الليل كله .. أم لعل عشيقك ضجر منك بسرعة ؟
قالت : ليس لي عشيق .
التوى فمه : لا ؟ أمر عجيب فلا أظنك تفتقرين الرغبة .. أيضاً حبيبتي ؟ أنت لا تحبينني ومع ذلك تجاوبت معي بشغف .. أتعرفين ما الذي منعني عنك .. عدا السيدة ستارلت ؟ ظننتك طاهرة بريئة لا تعرفين ما الذي تفعلينه .. ولم أرغب بإفساد براءتك .
ضحك بوحشية : يا إلهي ما أغباني ! لم أستطع النوم الليلة .. فخرجت أتمشى فكل ما كنت أراه هو وجهك كنت كرجل يتضور جوعاً يراقب مائدة عامرة من بعيد ولكنك كنت طوال الوقت مع ذلك النكرة الذي جعلته يحولك إلى وجبة سائغة له .
كان يمسكها بكلتي يديه فظنت أن عظام كتفيها ستنكسر لكنها لم تترك نفسها تصرخ .
قالت : أستطيع الاعتناء بنفسي .
لان صوته ولكن أبقى فيه رنة جعلت دمها يبرد .
أنا واثق من هذا هيلاري .. لذا فلنبدأ من جديد يا حلوتي هيلاري ذات العينين البريئتين الناعستين ؟ إنما في هذه المرة لن أزعج نفسي بالتفكير ببراءتك .. دعيني أرى أي خداع مازال مختبئاً فيك .
تأوهت برعب صرف .. قالت باحتجاج :
بروس … لا ليس الأمر كما تظن حقاً .
ضحك بسخرية : لا الأمر لم يكن قط كما أظن .. لذا لا داعي للتفكير … حبيبتي .
رفعها بين ذراعيه ليحملها إلى غرفته رافساً الباب ليقفله خلفهما كانت تقاوم كالحيوان تعض وتخدش لكنه لم يلاحظ شيئاً .
_ بروس … لا … أرجوك … لا ؟
جعلته ابتسامته الساخرة يبدو كالشيطان .
قال بصوت أجش : بلى هيلاري بلى … لا خيار للفاسقات وقد خسرت خيارك وستدفعين الغرامة .
الغرامة .. تحدثت لورنا عن الغرامة وكانت مذعورة … فهربت وهي الآن مذعورة بل لم يسبق أن شعرت قط بمثل هذا الذعر …..
6 _ اكرهني أكثر
قالت : أكرهك يا إلهي كم أكرهك ؟
_ اكرهيني قدر ما تشائين .. لكنك لن تغادري هذا المكان ما لم أنتهي منك هيلاري …
حاولت رفع اليد التي أمسكت بها وكأنها حيوان مذعور … فقال : هش .. لا تقاوميني هيلاري لا تقاومي نفسك .
تصاعدت المرارة في حلقها .. يا إلهي يحب أن تبتعد عنه وعن ستونكليف .
قاومته ولم تعرف كيف استطاعت الإفلات من بين يديه فهرعت إلى الباب فلحق بها ولكنها سبقته إلى فتح الباب وخرجت لا تلوي على شيء كانت تركض وقلبها يخفق بين جنبيها بقوة لم تظن أنه يملكها لما وصلت إلى غرفتها أخيراً أوصدت الباب خلفها خشية أن يلحق بها ثم انهارت على السرير تبكي وتبكي حتى جفت مآقيها من الدمع .
منذ تلك الليلة انصب تفكيرها على أمر وهدف واحد وهو ترك ستونكليف .. لتفر إلى الأبد من بروس جيلفورد .
نجحت هذه الفكرة لفترة …. أو هكذا بدا لها لكن لم يكن هنالك مجال للهرب حقاً …
مع ذلك فقد كان الأمر ضرورياً فبعد أشهر على ترك ستونكليف كانت الذكريات تلاحقها .. وكم ليلة استيقظت خائفة من مشاعرها التي مازالت تحن إلى ذلك النذل .
كم مرة لعنت نفسها لأنها لا تقدر على نسيانه مع أنها حاولت كثيراً ومع ذلك لم تنجح فها هي الآن مستيقظة كل عصب وكل إحساس فيها موجه إلى الرجل الذي يشق طريقه وحيداً في الظلام خارجاً .
وحيداً ؟ ضحكت بازدراء … لا شك أنها وجهة نظر رومانسية للموقف .. فبروس مغرم بالسير ليلاً .. وطالما فعل فهذه المسيرات تساعده على رؤية المشاكل بوضوح .. ويمكنها أن تعرف المشكلة التي تمنع عنه النوم هذه الليلة .
تسللت من جديد تحت أغطية الفراش متنهدة . لكن .. وحيد.. ؟ لم يكن لديها قط أدنى سبب لتفكر في أنه من بين الناس جميعهم قد يكون وحيداً .. فإن لم يدع أي سيدة للعشاء معه هذه الأمسية فهذا لا يعني أن لا امرأة في حياته .
ارتدت على وجهها تغمض عينيها بشدة حتى آلمتاها .. وفكرت بائسة : يا إلهي .. اجعله يكرهني .. اجعله يحتقرني إذا أراد .. مادام ذلك السبيل الوحيد لأبقى آمنة منه !
لا بد أنها نامت بعد ذلك .. فالشيء التالي الذي وعت عليه كان نور النهار ووجه لورنا التي كانت واقفة قرب سريرها مبتسمة وفي يديها فنجان شاي .
قالت متذمرة : هذه الغرفة ككوخ في القطب الشمالي .. نسيت أنك تحبين الهواء النقي .
جلست هيلاري وتناولت منها فنجان الشاي : آسفة .. ضعي روبي حولك إن كنت باقية .
_ بالطبع باقية .
جلست على حافة السرير وبدأت تحتسي فنجانها .
_ أوه هيلاري ما أجمل عودتك إلى المنزل ! كنت بائسة في السنتين المنصرمتين .
مازحتها بلطف : بائسة ؟ وأوقعت تشارلي في حبك ؟
_ أوه .. لا أعني هذا .. لكن لم أجد من أتحدث إليه .
_ خلتك عينت أغنيس لتسري لها بأسرارك .
_ إنها ليست بالسوء الذي تظنين .
_ هذا ما أرجوه .. وماذا قصدت من وراء إيحائك للجميع بأنني كنت أموت حباً بجون ؟ تعرفين جيداً أنه كلام سخيف .
هزت لورنا كتفيها : خلت أن قولي ذاك سيجعل أغنيس أقل غروراً ولو لمرة إنها متملكة بشكل رهيب .
هزت هيلاري رأسها : وهي الآن تكرهني .. شكراً يا صديقتي .
وضعت الفنجان من يدها : والآن ما هو برنامج اليوم ؟
ابتسمت ابتسامة ماكرة : لن نفعل شيئاً كثيراً .. يجب أن نؤقلمك بهدوء بعد بقائك في الجنوب الكسول .
_ لكنني لم آت إلى هنا من أجل هذا .. المفترض بي مساعدتك على التحضير للزفاف .. ويجب أن نبدأ بالتحضيرات إلا إذا كنت تريدين تأجيل المراسم .
_ لا .. لا أريد لا تفتعلي ضجة هيلاري .. سيتم كل شيء في حينه .. إن أردت نذهب لنلقي نظرة على الشقة .. تحثني ماما ايزيربلود على إبقاء عيني على تقدم العمل .. تعتقد أن علي الإشراف على وضع كل أداء صغيرة في مكانها.
قالت هيلاري بصراحة : حسناً تحب الفتيات هذا .. ولا يحصل الجميع على بيت مفصل كما يريدون .
_ ربما .. لكنني أعتقد أن التحضيرات المنزلية أمر متعب ………
أنهت شايها ووقفت متمتمة : أترغبين في الاستحمام أولاً ؟
_ لا استحمي أنت أولاً .
عاد إلى هيلاري اضطرابها لم تعرف السبب لكنها فكرت ما أشد حماقتي .. إنهما متحابان وقد شهدت البرهان ليلة أمس لا بد من وجود ثغرة ما .. و أتمنى لو تتحدث لورنا عنها لأنها لا تجعل من الحبة قبة .
حين نزلت إلى غرفة الفطور أدهشها ألا تجد لورنا فيها .. كان هوود جالساً مع الممرضة وهي امرأة معقولة المظهر ذات شعر رمادي .. بروس هناك أيضاً .. يأكل اللحم المقلي مع الفطر والطماطم انتفضت هيلاري عندما رأته فالأحداث التي مرت بخاطرها ليلة أمس جعلتها حية وكأنها حدثت بالأمس .. لذا صدمتها رؤيته جالساً بهدوء .
نادها هوود بمرح : هاأنت إذن حبيبتي .
وارتد إلى الممرضة : لا أظنك تعرفين ابنتي .. ابنة زوجتي .. هيلاري هذه دوير التي تعتني بي والتي جعلتني أقوم بتماريني الجهنمية .
قالت الآنسة دوير : واثقة أنك لا تقول كلمات كهذه من وراء ظهري . وصافحت هيلاري .
دخلت السيدة ستارلت حاملة إبريق قهوة كبير وضعته على المائدة وسألت : هل تتناولين فطوراً مطبوخاً آنسة هيلاري ؟
_ لا شكراً سأتناول التوست والقهوة فقط .
عبست السيدة ستارلت دليل على عدم موافقتها ولكنها لم تعلق بشيء بعد ذهابها قال هوود : يجب أن تأكلي أكثر من هذا يا هيلاري .. أنت نحيلة جداً .
ابتسمت هيلاري : لن يوافقك جول الرأي أبداً .
سأل بروس وهو يلوي فمه : من هو جول ؟
ردت ببرود: إنه مصوري أو على الأقل المصور الذي أعمل معه أكثر من غيره .
علقت الآنسة دوير : ويلتقط صور رائعة … كنت آمبر غيرل فتاة الكهرمان أليس كذلك يا آنسة جيلفورد ؟
هزت هيلاري رأسها مؤكدة .. لكن بروس سارع يقول : اسمها كوارثمان .. هيلاري كوارثمان ,
بدا الحرج على المرأة : بالتأكيد .. كان يجب أن أعرف ..
قال هوود بمرح : إنها شكليات ليس إلا .. هيلاري جزء من عائلة جيلفورد إلا من جهة الاسم أليس كذلك حبيبتي ؟
أجبرت هيلاري نفسها على الابتسام فقد كانت واعية لنظرة بروس الساخرة .
إذا كان هذا ما تريده هوود … هل يعرف أحد أين لورنا ؟
قال هوود هي لا ريب في الخارج تتمشى فهذا ما تقوم به دائماً قبل الفطور .
ارتفع حاجبي هيلاري عجباً … وضحكت : حقاً ! يا إلهي لقد تغيرت !
تركزت عينا بروس عليها : وماذا توقعت ؟ أن يكون كل شيء هنا في فراغ بانتظار عودتك ؟
ردت بحدة : بالتأكيد لا .. لكن التنزه في الصباح عادة لم أعهدها في لورنا … هذا كل شيء .
رفع عنه طبقه ومد يده إلى سلة التوست : ربما تعتبرين ذلك حقاً حصرياً لك أم لعلك تغيرت أنت أيضاً على الأقل في هذا المضمار .
فكرت بجنون .. كيف يجرؤ ؟ كيف يجرؤ على السخرية منها هكذا وهو يعرف أنه غير قادرة على الدفاع عن نفسها بوجود هوود والممرضة ؟
قالت بخفة متعمدة : وأنا أيضاً لم أعان من الفراغ .
التفتت عيناه إليها بقسوة وقال : لا .
في تلك اللحظة دخلت لورنا وعيناها براقتان وخداها مشرقان ودارت حول الطاولة وهي تكاد ترقص .
_ مرحباً جميعاً ……….
قبلت هوود وعانقت هيلاري : أليس يوماً جميلاً ؟
قالت الآنسة دوير : تنذر الأرصاد الجوية بهطول الأمطار .
ضحكت لورنا : لا يهمني ما يحصل فيما بعد طالما تشرق الشمس في الصباح سآخذ هيلاري لنرى الشقة .
وصبت لنفسها طبق سيريل أما بروس فابتلع آخر قضمة من التوست ووقف يقول لوالده : إن اتصل هيبورغ فقل له أنني في مدينة ليدز طوال اليوم .
هز هوود رأسه وقالت لورنا : آه بروس حبيبي .. إذا كنت باقياً في ليدز فهلا أتيت لاصطحابنا للغذاء لقد مر زمن طويل منذ فعلت ذلك .
تردد .. ولكنه لم ينظر إلى هيلاري : ليس اليوم لورنا … لدي جبل من الأعمال .. ربما في وقت آخر .
غضبت لورنا فقال هوود : لا يمكنك رفض عرض كهذا يا فتى .. عليك أن تأكل ولا شك أن تناول الغذاء مع فتاتين جميلتين سيساعد جبل العمل على الانتهاء .
تجهم وجه بروس بشدة … وقال ببرود : حسناً تعاليا إلى المقهى في الثانية عشر والنصف .. لورنا .. وسأرى ما أستطيع أن أتدبر .
_ حبيبي .. أنت أخ رائع .. أليس كذلك هيلاري ؟
وضعت هيلاري قطعة التوست من يدها وتمتمت بكلام غير مفهوم وكانت تعي نظرة بروس الساخرة ولكنها عندما رفعت رأسها لم تجده فتمكنت من الاسترخاء قليلاً .
بعد الطعام ترافقت الفتاتان إلى الكراج حيث تقف سيارة لورنا السوداء الميني ..
علقت هيلاري : رائعة ..
ضحكت لورنا : إنها مكافأة .. لم يصدق دادي أنني قد أنجح في امتحان القيادة ولكنني نجحت في المحاولة الرابعة .
عندما كانت هيلاري تراقب لورنا وهي ترجع السيارة إلى الوراء وتتقدم إلى الطريق الداخلية تساءلت إن نجحت فعلاً في المرة الرابعة فعلاً .. فقد ابتهلت إلى الله حتى تصلا سالمتين .
يقع منزل ايزيربلود بعيداً عن الطريق داخل ممر خاص مرصوف تحده بوابتان وسياج خشبي خاص بالمواشي .. كان المبنى كبيراً رحباً بني من حجارة محلية تقليدية تحيط به حديقة رسمية كبيرة كانت معظم مباني المزرعة بما فيها مخزن الغلال الذي سيتحول إلى شقة تشارلي و لورنا في مؤخرة الأملاك .. لكن لورنا لم تتوجه إلى هناك مباشرة بل توقفت أمام المنزل ثم نظرت إلى هيلاري عابسة وقالت : تعالي .. من الأفضل أن نعلن عن وصولنا إلى العمل .
أدخلتهما مدبرة المنزل ثم اصطحبتهما إلى غرفة جلوس كبيرة واسعة … وهناك وجدتا السيدة ايزيربلود جالسة وراء منضدة قرب النافذة تكتب لكنها وقفت مبتسمة ابتسامة ترحيب للفتاتين .
_ لورنا عزيزتي .. ما أروع هذا فنحن لا نراك كثيراً .. وهذه هيلاري بالتأكيد يا لنجاحك الباهر .. لقد تابعنا عملك الناجح باهتمام كبير هنا .
عندما ارتدت السيدة ايزيربلود إلى مدبرة المنزل لتطلب القهوة تمتمت لورنا همساً إلى هيلاري : أعلن الآن عن افتتاح البازار .
عبست هيلاري في وجهها مؤنبة وحضرت نفسها لما لا يقل عن نصف ساعة من الحديث عن عملها في عرض الأزياء .
قالت السيدة ايزيربلود وهن يتناولن القهوة : كنت آمل أن أتصل بك لورنا .. إذ يكاد العمال يبدؤون بتبليط المطبخ والحمام ولقد وصلتني نماذج عن البلاط التي أريد عرضها عليك لست مضطرة للاختيار منها عزيزتي فهناك كاتلوجات
كثيرة هل نظرت إلى تلك التي أعطيتك إياها عزيزتي ؟
هزت لورنا كتفيها بعدم اكتراث : لم يكن لدي الوقت … واثقة أن ما تختارينه سيكون جيداً .
_ لكنني لم أختر شيئاً عزيزتي .. الخيار خيارك وخيار تشارلي إنه منزلكما .. لقد تركت النماذج في الشقة وليس عليك إلا اتخاذ القرار و إخبار رئيس العمال به .
تنهدت : أملت أن يكون تشارلي هنا هذا الصباح لكنه اضطر للذهاب مع والده .
وضعت لورنا كوب القهوة على الطاولة : لا يهم أردت أن تلقي هيلاري نظرة على الشقة فقط تعالي هيلاري … من الأفضل أن نبدأ يجب أن نكون في ليدز في الثانية عشر والنصف لا تنسي .
وهما تسيران في فناء المنزل الخلفي قالت هيلاري : لورنا .. كدت تكونين فظة معها .
_ حسناً ما تقوله سخيف تعرف أنها هي التي ستختار نوع البلاط في النهاية تماماً كما اختارت كل شيء آخر آه .. كل شيء ساحر وجميل لكن ما يعجبني هو دائماً " ليس مناسب يا عزيزتي " ربما أنها تدفع التكاليف فقرارها هو الأخير حسناً هاقد وصلنا .
بدا تحويل المخزن إلى شقة جيداً جداً فالطابق الأرضي تحول إلى كراج وقاعة استقبال و غرفة ملابس .. وهنالك سلم من خشب السرو يفضي إلى غرفة جلوس كبيرة تشرف على منظر الوادي الخلاب أما المطبخ فبدا كبيراً لتناول الطعام فيه وإضافة إلى حمام صغير رأت غرفتي نوم مقبولتي الحجم .
نظرت لورنا إلى صندوق كرتوني موضوع أرضاًُ : أعتقد أنها النماذج التي تكلمت عنها ما رأيك هيلاري ؟
عليك إلقاء نظرة لتقرري فأنت من سيعيش معها على أي حال .
تمتمت بلهجة تكاد تكون متوحشة : أجل هذا صحيح .. سأعيش مع الجميع .
دنت من النافذة الواسعة ونظرت للخارج فلاحظت هيلاري أن بريق الصباح الذهبي قد خبا وأن غيوما ًرمادية قاتمة تتلبد في الجو .. انضمت إلى لورنا وعلقت قائلة : سيتساقط الثلج .. ياله من منظر رائع .
ضحكت لورنا : أليس كذلك ؟ والمناظر من النافذة الأخرى أفضل بكثير انظري !
قطعت الغرفة ومدت يدها بحركة مسرحية دراماتيكية .. فقالت هيلاري بعد صمت : إنه المنزل الرئيسي .
_ أجل .. المنزل الرئيسي .. هانحن .. منفصلان كلياً .. ومكتفيان كلياً ومع ذلك لا نغيب عن الأنظار أبداً ويا لها من حياة ! ضحكت بعدم ثبات .
_ هيا الآن أنت على مسافة من المنزل .
_ إنها تراقب
إنها تراقب فكلما جئت إلى هنا تراقبني وقد لوحت لي أكثر من مرة فهل تتصورين ما سيكون الأمر عندما أعيش فعلاً هنا ؟
تنهدت هيلاري : أوه لورنا إنها ملهوفة على قرانكما فهي تريد أن تساعد وأن تتأكد أن كل شيء كامل فتشارلي هو ابنها الوحيد على أي حال .
ردت لورنا بتمرد : ألا أعرف هذا ؟
وضعت هيلاري يديها على كتفي لورنا ونظرت بقلق إليها : لورنا ما دام هذا شعورك فلماذا لا تؤجلين الزفاف فترة أمهلي نفسك فترة لتتأكدي !
نفضت لورنا عنها قبضة هيلاري بلؤم تقريباً : عم تتحدثين ؟ أنا واثقة سأتزوج تشارلي في الموعد المتفق عليه المشكلة أن أمه تحبطني .
جادلتها هيلاري بلطف : وهل من المستحيل إيجاد مكان آخر تسكنان فيه؟
تقدمت لورنا إلى صندوق البلاط : لا بأس بهذا سأعتاد …………
أخرجت بعض منها : هذه مناسبة للمطبخ ما رأيك ؟ وهذه المذهبة مناسبة للحمام سأعطيها لرئيس العمال .. ثم ننطلق إلى ليدز .
تنهدت هيلاري : أترينها فكرة صائبة ؟ بدا واضحاً أن بروس لا يريد منا أن نذهب .
لوحت لورنا بيدها مستخفة : أوه قد يفيده أن ينزعج بعض الأحيان كما أنني أريد الذهاب إلى ليدز للتفتيش عن ثوب العرس .
_ ظننتك ذاهبة إلى محل معين في سيكبتون .
_ قد افعل لكن فلنفتش في ليدز أولاً .
وضعت يدها على ذراع هيلاري متوسلة : أوه حبيبتي … هل أنا مشكلة رهيبة لك ؟
ابتسمت : كالعادة .
قالت بسعادة : إذن سنعود إلى المنزل لنبدل ملابسنا سترتدين ما يصرع عيني بروس لقد آن لكما أن تعقدا الصلح بشأن كائناً ما وقع خلافكما عليه أنا واثقة أنه يهواك في سره لم يعجبه الأمر حين مازحتك بشأن جون .
_ لا أهتم بهذا .. لكن أرجوك لا تدعي خيالك يجمع بشأني وشأن بروس .. نحن هكذا سعيدان ببغضنا المتبادل .
_ لكن لا يجب أن تكونا على بغض فأنت رائعة الجمال هيلاري فصورك في كل تلك المجلات مذهلة .. و بروس مثير جداً فحتى أنا ألاحظ هذا .
بللت هيلاري شفتيها وضحكت ضحكة قصيرة متوترة : انسي يا لورنا أية معادلة تعملين عليها في عقلك لا يمكنك جمع الناس معاً والحصول على النتيجة المرغوبة والحقيقة أننا لا نتبادل الإعجاب .
قالت لورنا بعناد : لكنني أريد أن تتبادلا الإعجاب وهذه أمنية هوود أيضاً حين سمع بخبر عودتك إلى البيت وحين علم أن بروس هوود الذي سيصحبك تهلل ابتهاجاً وقال إن أغلى أمنية لديه هي أن ..
قاطعتها هيلاري بحدة : أرجوك لورنا لا أريد سماع المزيد ولا أريد مناقشة المسألة أكثر من هذا …. الأمر كله سخيف وإن أصررت فلن أرافقك إلى ليدز بل سأعود حالاً إلى لندن .
نظرت لورنا إلى هيلاري بحيرة ووعدت : حسناً لن أضيف كلمة أخرى .
حافظت لورنا على وعدها لكنها لم تكن رحلة هادئة إلى ليدز بأي حال من الأحوال فقد كانت قيادة لورنا رعناء وعاشت هيلاري على أعصابها حتى وصلا أمام أبواب مصنع جيلفورد .
سارت بثقة إلى مكتب الاستعلامات تلقي التحية على العاملة هناك وقالت من فوق كتفها وهي تتجه إلى المصعد : قولي للسيد جيلفورد إننا في الطريق إليه .
لم تتغير المكاتب في الطابق العلوي كثيراً بعد انقطاع هوود عن المجيء تذكرت هيلاري بحنين كيف كانت أوليفيا تحضرها وهي طفلة إلى هنا لتراه وتتذكر كيف كان يجلسها على كرسي دوار وتذكر أن الآنسة كرومر سكرتيرته الكبيرة في السن لأعطتها مرة بعض الحلوى من علبة في درج مكتبها وتركتها تطبع اسمها ببطء شديد على آلة طباعة إلكترونية براقة .
ما زالت هناك خزانة الملفات المرتفعة والسجادة الخضراء الكبيرة والمكاتب السنديانية الصلبة السوداء .
لكن لم تعد الآنسة كرومر موجودة وتشك هيلاري أن يكون لدي الشقراء النحيلة الجالسة وراء الكمبيوتر أي حلوى في الدرج .
كان بروس يتحدث هاتفياً فانتظراه بضع دقائق وبدأت لورنا بالتحدث مع السكرتيرة أما هيلاري فدنت من النافذة ووقفت تنظر للخارج .. في الجو ما يدل على اقتراب موعد تساقط الثلج فها هي بضع غمامات بيضاء تمر بالأجواء .. ولكنها أملت أن لا تتلبد فقيادة لورنا على الطرقات الجافة سيئة فكيف هي على طرقات يتساقط عليها الثلج .
انفتح الباب في الجهة الأخرى وقال بروس بصوت جاف : لقد حجزت مائدة في وارف كورت في الساعة الواحدة لذا يجب أن نسرع هل أنتما جاهزتان ؟
ارتدت هيلاري بسبب ظهوره المفاجئ فاصطدمت يدها بكومة ملفات تطايرت أرضاً .
صاحت محبطة : آه !
وهرعت لتلتقطها كان على الأرض أوراق وأوراق مغطاة كلها بالأرقام …
قال بروس : دعيها ستهتم بها الآنسة كارلايل .
وقفت ببطء وبوجه متورد : لم أنتبه .
_ بالتأكيد لا كنت مهتمة فقط بمصلحة العائلة وبأعمالها حسناً اطمئني بالاً فشركة جيلفورد لا تعاني أيداً من الركود الاقتصادي والمالي .
_ لم أكن أتطفل .. حقاً .. ولا شأن لي في هذا .
_ ولكنه شأن من شؤوني فأنا الذي أعمل على إيصال المصروف الذي خصك به والدي ولا داعي للحرج فالآنسة كارلايل تعرف هذا لأنها من ينظم انتقال المال إلى حسابك شهرياً .
قالت هيلاري وهي ترتجف غضباً : إذن أستطيع أن أريحها من مهمة صعبة .. أرجو أن تلغي ما خصني به هوود منذ الآن فلست بحاجة إليه .
طافت عيناه بها ساخراً : لا أعتقد أنك بحاجة له ولكنك ستجدين له طريقة للاستخدام على أي حال أضيفي إلى هذا أنها رغبة أبي لا رغبتي فإن أردت أن تتغير الترتيبات فاطلبي منه هو ذلك .
عندما لحقت به إلى الخارج كانت هيلاري مخدرة الإحساس من فرط الغضب أما لورنا فنظرت إليها بعطف وشفقة .
عندما وصلوا اعترضت لورنا على الجلوس في المقعد الأمامي بحسب رغبة هيلاري : يجب أن تجلسي أنت في المقدمة فعلى أي حال أنت ضيفتنا اليوم .. وأنا شقيقته .
قال بروس بتجهم : لم أعرف أن أية واحدة منكما هي ضيفة علي اليوم فلو تكرمت إحداكما بالدخول إلى السيارة لتمكنا من الذهاب إلى الغذاء .
صعدت لورنا إلى الخلف ونظرت إلى هيلاري نظرة انتصار فكان أن رضخت للأمر الواقع وجلست في المقعد الأمامي يقع المطعم الذي يقصدونه في بقعة ساحرة وهو عبارة عن منزل ريفي جميل حول بمهارة إلى فندق ومطعم ولو كانت هيلاري بصحبة أخرى لتطلعت شوقاً إلى وجبة الطعام لكنها والحال هذه لم تعط اهتماماً للائحة الطعام وطلبت الحساء والسمك النهري المشوي وهذا ما خيب أمل كبير النادلين وكان أن طلب بروس ما طلبته ولكن لورنا رفضت الاستعجال واختارت اللحم الستيك المطهو بالفطر وأخيراً البطيخ .
قالت لورنا وهم يتوجهون إلى طاولتهم : السير مع هيلاري كالسير في موكب ملكي الرؤوس كلها تلتفت لدى مرورها .
قال بروس هذا ما لاحظته .
قالت لورنا مؤنبة : مزاجك نكد اليوم يا حبيبي أما زلت غاضباً لأننا دعونا أنفسنا إلى الغذاء ؟ لكن ليس لديك من تخرج معه فما زالت ديلسي في برمودا .. أليس كذلك ؟
قال باختصار : أجل .
فكرت هيلاري : إذن اسم السيدة الحالية ديلسي .. شقراء .. فطالما أحب بروس الشقراوات ولا شك أنها ثرية مثله فهذا هو الطراز المعتاد .
سألها بروس ببرود رسمي وكأنها امرأة غريبة مجبر على إظهار الأدب واللباقة معها : هل ذهبت إلى الشقة .
ردت هيلاري بكياسة باردة مماثلة :أجل .. وأظنها ستكون ساحرة .
هز كتفيه : إذا كان هذا ما تريده لورنا .
لكن هل هذا صحيح ؟ لماذا لا نكشف جميعاً أوراقنا لنرى ماذا تريد لورنا حقاً ؟ أنت شقيقها فلماذا لا تفضي ما بنفسها إليك ؟
لكن النادل جاء حاملاً الطبق فلزمت الصمت وبقيت صامتة .
لم تلمس من الطعام الذي أمامها سوى القليل حينما جاءت عربة الحلويات اختارت قصعة صغيرة من سلطة الفاكهة الخالية من الكريمة فضحكت لورنا : تحافظين على رشاقتك مجدداً حبي ؟ لا حاجة بك إلى هذا حقاً .
ردت هيلاري : هذا ما تظنيه أنت فلدى من أعمل معهم عين صقر فترينهم يعرفون إذا زاد وزني غراماً واحداً .
سأل بروس : بمن فيهم جول ؟
_ إنه واحد منهم . وكان ردها حاداً أكثر مما أرادت .
_ أليس متزوجاً ؟
_ أجل . وأخذت قطعة أناناس وعنب من السلطة : لكن هذا الأمر لا يضرني .
وهذا صحيح كلياً فما تفعله هو تعديل التركيز قليلاً لطالما كان جول أخاً كبيراً لها يشغل المكان الذي تخلى عنه بروس لكن هل أرادت من بروس أن يلعب دور الأخ ؟
تعرف أنها تصرفت بحماقة لكن ماذا يهم ؟ فبروس يحتقرها وطالما احتقرها وسيظل يحتقرها لذا لن يكون لما تقوله فرق كبير
مالت لورنا إلى الأمام وعيناها تبرقان مكراً : ما كل هذا ؟ هل لجون المسكين منافس ؟
ووضعت يدها على فمها عيناها تتراقصان : أوه هيلاري آسفة .. أعرف أنك طلبت مني عدم التكلم عنه .
تساءلت هيلاري كيف نسيت ميل لورنا إلى المكر قالت : ليس هذا ما قصدته .
قال بروس بلسان سليط : أعتقد أن له عدداً كبيراً من المنافسين .
و أشار للنادل أن يحمل القهوة فقالت هيلاري بخفة لم تشعر بها : يقال إن الأمان في الكثرة .
قالت لورنا لبروس : سترافقني هيلاري للتفتيش عن ثوب العرس
_ إذن من الأفضل أن أقلكما إلى مركز التسوق .. هل أنتما على استعداد ؟
_ على أتم استعداد .
ودفعت عنها فنجان القهوة وقالت لهيلاري : أليس طعمها مراً ؟
انتظرت هيلاري خروج لورنا من غرفة السيدات ولكنها انتفضت شاهقة حين أحست بيد تهوي على كتفها ..
قال بروس متجهماً : حذار هيلاري .. العبي ألعابك الوسخة في لندن ولا تلعبيها هنا لن أسمح بفضيحة محلية تزعج والدي وتشوه زفاف شقيقتي .. هل هذا مفهوم ؟
لم تحاول إخفاء مرارتها أو عدوانيتها : فهمتك نعم الفهم .
أنزل يده عنها فاتجهت إلى الباب وخرجت إلى حيث تقف السيارة .
عادت الريح تنذر بتساقط الثلج فتوقفت هيلاري قليلاً والريح تكاد تقطع أنفاسها وتجعلها تشد معطفها حولها ترنحت قليلاً فاصطدمت ببروس الذي لحق بها إلى الخارج وفي اللحظة عينها رفعت الريح شعرها المنسدل فنفخته على وجه بروس
لم يتحرك لبضع لحظات بل وقف جامداً ثم شتم شتيمة مكتومة وانتزع الخصلات عن فمه وخديه .. كان وجهه شديد الشحوب وقرب فكه عضلة تنتفض بشدة .
قال بفظاظة : اللعنة عليك هيلاري .. لماذا عدت إلى حياتنا ؟
ثم سار بسرعة نحو السيارة وتركها واقفة بمفردها في وجه الريح الباردة .
7 _كلمات تجرح
عندما وصلتا إلى قسم العرائس في مخزن البيع الكبير كانت هيلاري قد استعادت هدوءها .
لم يتحدث إليهما بروس واكتفى بأن قال للورنا بحدة أن تستقل سيارة أجرة إذا ساء الطقس كثيراً وأنه سيتدبر أمر إعادة السيارة فيما بعد لم يقل كلمة واحدة لهيلاري ولم ينظر إليها حتى .. لكنها كانت تحس به وكأنه يضمها بين ذراعيه .
كانت تلك الثواني القليلة التي استراح فيها جسمها على جسمه تجربة مدمرة .. ولكن عليها ألا تفكر في هذا فأجبرت نفسها على تأمل أقمشة الساتان و الدانتيل والشوفان الموضوعة على تماثيل بلاستيكية .
ظهرت بائعة لطيفة متوسطة العمر وعرضت خدماتها .
قالت لورنا : أريد رؤية أثواب العرس قياسي عشرة .
أدخلتا إلى غرفة فيها مرايا وهناك علقت البائعة معطف لورنا وفستانها ثم ساعدتها على نزع حذائها الطويل الساقين لتنتعل بدله حذاء من الساتان الأبيض ثم أخذت شريط القياس .. فقالت لورنا متوترة : لا داعي لهذا قلت لك إنني أرتدي قياس عشرة .
تمتمت البائعة شيئاً عن رغبتها في التأكد ومررت شريط القياس حول صدرها وخصرها وأردافها ثم اختفت .
علقت لورنا ما أسخفهم ! سنرى إن كان عندهم أثواب وصيفات .. سأختاره أخضر .
قالت هيلاري : يشاع أن اللون الأخضر لا يجلب الحظ .
عادت البائعة مع زميلة لها وهما تحملان أثواباً بيضاء .. راقبتهما لورنا مفكرة وهما تعرضان الأثواب .
_ همم .. ما رأيك هيلاري ؟
_ فستان الشوفين ساحر يعجبني الدانتيل كذلك .. لكني لا أحب الساتان ولو كنت مكانك لتجنبته .
_ إذن سأجرب الشوفين فلألق نظرة واحدة .
وبدأت تتأمله بدقة ولكنها عبست فجأة وظهر في عينيها ذلك البريق الخطير وقالت : ثمة خطأ إن مقاسه اثنا عشر وأنا قياسي عشرة .
نظرت البائعة إليها باعتذار : آسفة سيدتي . لكنني أخذت قياسك وأظن أن أوزاننا جميعاً تزداد في الشتاء بدون أن نلاحظ .. جربي الفستان .
قالت لورنا من بين أسنانها لم يزدد وزني ولن أجرب فستان مقاسه غير مناسب لمقياسي … إنها مضيعة للوقت إذا كنت لا تريدين جلب مقاسي الصحيح فقولي هذا ودعيني أذهب لمكان آخر .
تورد وجه البائعة : لا بأس يا سيدتي … سأحمل إليك قياس عشرة .
قالت هيلاري بحدة : لورنا حباً بالله أحسني التصرف ! ربما تغير مقاسك قليلاً ..
أنكرت بحرارة : لا ريب أن شريط المقاس الذي استخدمته غير صالح .
_ حسناً .. لكنني أظن أن من المؤسف ألا تسمحي للسيدة انغلواز بحياكة فستانك .. إنها خياطة رائعة و ..
كادت تضرب قدمها بالأرض وهي تقاطعها : لا.. لا أريد أن تقترب مني تلك المرأة الفضولية الثرثارة !
_ لكن الأعراس شؤون عامة .
ردت بوجه متجهم : عرسي لن يكون هكذا .
صمتت قليلاً ووضعت يدها على رأسها : المكان حار بشكل فظيع هنا ليت تلك المرأة تسرع !
نظرت هيلاري إلى ملابس لورنا الداخلية : من غير المفترض أن تشعري بالحر .
_ المكان خانق ألا تشعرين بهذا ؟
_ ليس تماماً … أوه .. ها قد جاء الفستان .
كانت البائعة تبتسم مجدداً .. ربما عزت إظهار لورنا للغضب إلى توتر العروس .
_ هذا قياس عشرة يا سيدتي .. هل لك أن ترتديه ؟ و الآن هناك سحاب خفي وصف أزرار وهمي في الخلف .. دعيني فقط ..
رفعت السحاب عدة إنشات ثم رأت هيلاري أنها تتبادل النظر مع مساعدتها قبل أن تعاود رفع السحاب .. الواضح أن الفستان ضيق فعلاً يكاد يتمزق .
قالت بسرعة : كفى شقيقتي فلنر تأثير الفستان قالت البائعة وهي تتراجع إلى الخلف : إنه رائع .. ومقاسه مناسب ..
صاحت لورنا غاضبة : إنه القياس الصحيح لم تحاولي حتى رفع السحاب تفتعلين مشكلة لأنك لا تحبين الاعتراف بخطئك .
أظهرت تعابير وجه البائعة أنها تعتبرها من يفتعل المشكلة ولكن صوتها كان رقيقاً ومؤدباً فالفستان مرتفع الثمن وقماشه في غاية الرقة لذا قد يؤدي الضغط المتزايد إلى كارثة .
صاحت لورنا غاضبة : إذن انزعيه عني .. وأبعديه .. أبعدي جميع الفساتين إنها لا تعجبني !
كانت هيلاري تهم بالاعتذار عندما أوقفتها صيحة مكتومة من المساعدة .. فارتدت في الوقت المناسب لترى لورنا بيضاء الوجه شاحبة تترنح ويدها على رأسها ثم وقعت على السجادة السميكة .
كانتا لطيفتين و كفوءتين .. فقد جلبت إحداهما كوب ماء وساعدتا في حملها إلى مقعد مغطى بالساتان جلب من غرفة العرض ..وذهبت فتاة أخرى على طلب هيلاري لا
لاستدعاء سيارة أجرة .
ركعت هيلاري وأمسكت يد لورنا أخيراً تحرك جفناها وعاد قليل من اللون إلى وجهها ..
قالت : هيلاري .. لا أريد شراء الفستان اليوم .. أشعر أني مريضة .
_ سنعود إلى المنزل لا تحاولي الكلام .
وجف فم هيلاري فجأة .. فقد لاحظت معنى النظرة التي تبادلتها البائعة مع مساعدتها .. وفكرت .. لورنا … يا إلهي .. أهذا صحيح ؟
لم تجد الفرصة المناسبة للتحدث في سيارة الأجرة ولكن حين تصلان إلى ستونكليف ستواجهها .
ما إن توقفت السيارة أمام الباب الرئيسي حتى خرجت السيدة ستارلت التي بدت مذعورة .
آنسة لورنا … أبك خطب ؟
قالت هيلاري بصوت هادئ مطمئن : إنه دوار بسيط .. هلا عبأت زجاجة ماء ساخن لها .. أين السيد جيلفورد ؟ لا أريد أن يقلق ؟
_ إنه يستريح .. تبدو شاحبة .. هل أعد لها بعض الشاي ؟
_ أجل … رجاء .
وتساءلت إن كانت لورنا ستتذمر من مرورة الشاي كما تذمرت من القهوة وقت الغذاء . أوصلت لورنا إلى غرفتها وألقتها في السرير حيث كانت لورنا مستقلة مغمضة العينين .
قالت بلطف وثبات : حان وقت الحقيقة لورنا .. أنت حامل .. أليس كذلك ؟
فتحت لورنا عينيها بشدة وقالت بفظاظة : لا أدري عما تتحدثين .
قالت هيلاري بغير إشفاق : بل تعرفين وهذا يفسر كل شيء .. زيادة وزنك مزاجك المتقلب وافتقارك للشهية والإغماء … ثم استعجالك بالزواج .. لهذا السبب ترفضين أن تخيط لك السيدة انغلوز ثوب العرس إذ تخشين أن تشك فيك .
_ ستشك بالتأكيد لأنها شديدة الملاحظة .
أمسكت يد هيلاري بقوة : ويجب ألا تعرف .. يجب ألا يعرف أحد .. العرس قريب .. وفي بعض الأحيان يلد الطفل الأول قبل أوانه .. أليس كذلك هيلاري ؟
وتذكرت الذعر في صوتها حين قالت منذ زمن بعيد ليس هناك ما هو مخيف في الظلام .. أليس كذلك هيلاري ؟ ليس هناك غول يأتي إلي إن لم أنم ؟
توسلت لورنا مرة أخرى : ألا يأتون هكذا ؟
تنهدت هيلاري : لا أعرف حبيبتي .. ربما .. وهل يهم على أي حال ؟ قد تحدث أمور كهذه ..
قالت لورنا بسرعة وهي تتعلق بيد هيلاري : لكن الأمر مهم .. لا أريد أن يعرف أحد ….
ابتسمت هيلاري مؤنبة : لكن الناس يعرفون .. فأنا عرفت .. وهناك تشارلي ..
_ لا
حدقت إليها بذهول : لا أفهم .
بللت لورنا شفتيها بطرف لسانها : أنا .. لم أخبره .
سألت بذهول : لكنه لم لا ؟ حبيبتي … له الحق أن يعرف .. يجب أن تفهمي هذا .. يجب أن تفهمي هذا وهل تظنين أن لهذا فرقاً كبيراً ؟ تعرفين أنه يحبك .
_ أجل أعرف .. ولكنني لا أريد أن يعرف … بأمر الطفل .
ارتجفت فجأة : لا أريد أن يعرف أحد سواي .
نظرت إليها هيلاري باضطراب واعتقدت أنها فهمت فقد يقول تشارلي لأمه التي ستستغرب وترفض وسيظهر هذا في تصرفها نحو لورنا والله يعرف أن الأمور متوترة بما فيه الكفاية .
انحنت تلثم وجنة لورنا : حاولي أن تنامي حبي .. وقبل أي شيء انتبهي لنفسك فهذا يضر الطفل .
اشتدت أصابع لورنا حول أصابع هيلاري لحظة ثم استرخت : هيلاري ! أنا سعيدة لأنك معي .. أنا مسرورة بعودتك .. أنا بحاجة إليك فعلاً .
ابتسمت هيلاري لها : هذا عظيم … ما أروع أن يشعر المرء بأن أحداً يحتاج إليه .
نزلت للاتصال بالمصنع بغية إخبار بروس بأن لورنا لن تأخذ سيارتها .
طلبت رقم المصنع ثم طلبت مكتب بروس كانت تتوقع سماع صوت سكرتيرته ولكنها فوجئت بصوت بروس يقول : نعم
قالت مقطوعة الأنفاس : إنها لورنا .. لقد عدنا إلى المنزل باكراً لأنها لم تكن بعافية وأعتقد أن عليك أن تعرف .
قال ساخراً : حسناً ..عرفت .. ما بال لورنا ؟
قالت كاذبة : لا أدري .. ربما أنفلونزا … إنه موسمها .
فكرت : لماذا أتحدث بأمور تافهة وهناك أشياء هامة أخرى يجب أن أقولها … ليتني أجد الكلمات المناسبة .
_ حسناً .. قولي لها ألا تقلق بخصوص السيارة .. أما السيدة ستارلت فأخبريها بأنني لن أعود إلى المنزل للعشاء .
_ سأقول لها .. وداعاً بروس .
علقت السماعة بسرعة .
مل إن ابتعدت عن الهاتف لتبلغ الرسالة حتى تساءلت لماذا لن يأتي إلى العشاء أهو موعد عمل .. أم شيء خاص ؟ وجدت نفسها تتساءل كيف سيكون الأمر لو كانت واحدة من نسائه ترى ماذا سيكون الأمر لو كانت هيلاري كوارثمان غريبة تلتقي بروس جيلفورد فجأة في حفلة فيدعوها إلى العشاء ؟ .. وما هو الإحساس بأن تكون معه بدون الحاجة إلى الخفاء ؟ أن تكون بين ذراعيه … أن تعرف السعادة بدل ألم الحب ؟
همست لنفسها : أن أعرف أنه بحاجة إلي ولو لفترة بسيطة ..
مرت الأيام التالية من دون أحداث تذكر .. واجتازت لورنا أزمتها بدون أن يلاحظ أحد شيئاً .
بعد ظهر أحد الأيام ذهبت الفتاتان إلى سيكبتون حيث اشترت لورنا فستان الزفاف في هذه المرة لاحظت هيلاري أنها طلبت قياس اثنا عشر .
كانتا تسيران في الشارع الرئيسي تشاهدان منصات السوق حيث حياهما أحدهم .. نظرت هيلاري حولها بدهشة إنه جون ميدوينتر .
تهلل وجه لورنا : جون ما أجمل أن نراك ماذا تفعل هنا ؟
أزور زبوناً .. وماذا عنكما ؟
_ نتسوق ……
وانتظرت هيلاري منها أن تذكر ثوب العرس لكنها تابعت بالقول بصوت عفوي : كنا سنتناول الشاي هل لديك وقت ؟
رد مبتسماً ووضع نفسه بينهما : دائماً .. أعتقد أنه يوم سعدي .
قالت لورنا بعد جلوسهم على طاولة الشاي :لماذا تزور الزبائن ؟ خلت أن مركزك أهم من أن تزورهم .
كشر وجهه قليلاً : اسمياً أجل .. لكن عملياً أنفذ ما يطلب مني .
اختلست إليه هيلاري النظر وهو يهذر مع لورنا إنه جذاب جداً لكن في فمه وذقنه ضعفاً أساسياً لم تلحظه من قبل .. ربما أن حياته سهلة وتذكرت جمال أغنيس ووقاحتها وفظاظتها معه ولكنها لم تكن قط مختلفة عما هي عليه الآن ولا ريب أنه عرف هذا حين تزوجها .
فكرت : يا للغرابة كيف شعرت يوماً بميل تجاهه .. ولكنها في تلك الفترة من الأيام كانت تنظر للحب من وجهة نظر مثالية ورومانسية ولكن ما فات قد مات وقد تهشمت مثالياتها إلى الأبد .
التقطت فنجان الشاي ترتشفه في محاولة لتهدئة الضيق المؤلم المفاجئ في حلقها ..
كانت غارقة في أفكارها العميقة وهم يعودون إلى موقف السيارات ولكنها انتفضت عندما سمعت صيحة لورنا : أوه اللعنة لقد نسيت قفازي على طاولة المقهى .. يجب أن أعود لأسترده .
قالت هيلاري التي لاحظت علامات التعب عليها : لا ابقي هنا في السيارة .. سأذهب أنا .
أسرعت إلى غرفة الشاي
تبحث عنه فلم تجد أثراً للقفاز أخيراً عثرت عليه في المحل حيث اشترتا الفستان .. دفعته هيلاري على عجل إلى حقيبتها ثم عادت تركض إلى موقف السيارات .
ولكنها لم تجد أثراً للمينى السوداء وبدل ذلك أبعد جون نفسه عن روفر خضراء وتقدم منها معتذراً .
_ اضطرت لورنا للذهاب .. تذكرت أنها على موعد مع القسيس لأمر يتعلق بالزهور في الكنيسة .. وطلبت مني أن أعيدك .
كادت هيلاري تصرخ غيظاً .. لكنها جمعت ابتسامة هادئة وكلمة شكر مهذبة ثم صعدت إلى سيارته لولا سخافة الفكرة التي طرأت على بالها لظنت أن لورنا ناورتها لتكون بصحبة جون .. فهذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها عن موعد القسيس .. لقد تقرر معظم التفاصيل حول مراسم الزواج وانتهى أمرها .. وبسبب ملاحظة لورنا عن حب هيلاري القديم له بدا من المحرج أن تكون في صحبته هكذا .
تبادلا أحاديث عامة منها الفرق بين السكن في يوركشاير ولندن .. بدا جون في هذا حسوداً قليلاً .. فسألت : أليس لشركة والد زوجتك فرع في لندن ؟ تستطيع الانتقال إلى هناك بالتأكيد .
_ بالسهولة التي تبدو .. إذ يعتبر الانتقال إلى هناك عادة مكافأة على تصرف جيد .. ولا أظن أنني أتأهل لهذا !
سألت : يا الله!ماذا فعلت ؟
رد بخفة : خطيئة إهمال الواجب .. على الأقل هذا ما أظنك ستسمينه والفشل في الوفاء بعملي مائة بالمائة و الأخطر فشلي في التوفير حفيد ووريث للاينر العجوز .
_ ولكن مازال الوقت باكراً على الإنجاب فلم يمض على زواجكما سنوات عديدة وقد ينتهي بكما الأمر بأن تنجبا ستة أولاد .
قال جون ساخراً : أشك كثيراً في هذا .
غيرت هيلاري دفة الموضوع بسرعة لأنها تتطفل على مسائل خاصة مع أنها لم تلق صداً من جون ولاذا بالصمت حتى وصلا إلى ستونكليف فأحست هيلاري بالسعادة لانتهاء الرحلة .. والتفتت إليه تشكره وتدعوه إلى فنجان قهوة لكنه رفض كما توقعت .
ثم سرعان ما شعرت بالصدمة فقد وصلت سيارة خلف سيارة جون .. سيارة باتت تعرف صوتها جيداً .
تمتمت بوحشية : أوه اللعنة !
ودخلت المنزل تاركة بروس و جون يتبادلان التحية ولم تكد تصل الدرج حتى ظهر بروس في الردهة السفلى فناداها بصوت حاد هامس : هيلاري ! هل لك أن تنزلي إلى هنا أرجوك ؟ أريد كلمة معك .
ترددت هيلاري .. فأضاف برقة : أرجوك لا تضطريني إلى الصعود لأنزلك هيلاري .
ارتدت على عقبيها عائدة أدراجها فمرت به ثم دخلت إلى المكتبة فلحق بها ورمى حقيبة أوراقه على الطاولة وعندما راح يتأملها بدا وجهه قاتماً ومخيفاً .
قال : أنت لا تصغين أبداً للتلميحات أو للتحذيرات كم مرة يجب أن يقال لك إن جون ميدوينتر ليس لك ؟
ارتجف صوتها وهي ترد : وكم مرة يجب أن أقول إنني لا أهتم به أبداً ؟
_ لا أظن زوجته تجد تأكيداتك مقبولة وقد تتساءل لماذا اخترت قضاء بعد ظهر اليوم معه وكيف يستطيع جون أن يجد وقتاً ليجوب الريف معك .
_ ما أسهل أن يفترض المرء ما يريد بروس لم أقض بعد الظهر معه .. كنت مع لورنا في سكيبتون إلى ما قبل النصف الساعة الأخيرة ولكنها تركتني مقطوعة هناك فوجدتني بين أمرين إما القبول بعرض جون .. أو الانتظار ساعات حتى استقل الباص .
التوى فمه بعدم تصديق : وهل التقيت به صدفة ؟ وهل قررت لورنا لعب دور كيوبيد .. عجباً .. فكرة من هذه ؟
انتفضت هيلاري .. أهذا دافع لورنا ؟ أتصدق تلك الغبية أنها لا تزال تحمل في نفسها حباً لجون ؟
رفعت ذقنها تنظر إليه بتحد : ليست فكرتي بالتأكيد ..
فجون لا يؤثر في أبداً .
_ هذا مؤكد فتاة الأمبر قادرة على اختيار من تشاء .. وهو بالنسبة لمرتزقة فاسقة [محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]ة مثلك فاشلاً عديم الشأن .
صعقتها وحشية كلماته لكنها قالت ببرود : شكراً … هل لي أن أذهب الآن ؟ أم لديك بعض الإهانات الأخرى ؟
قال ساخراً : الحقيقة مؤلمة .. أليس كذلك ؟
_ الحقيقة ! وماذا تعرف عنها ؟.
_ أعرف كل ما أحتاج إليه هيلاري … تعرفين أنني درست الموضوع عن كثب سنين عدة إذا كنت تذكرين ورغم كل الدلائل كدت تخدعيني فترة حتى بدأت أظن ..
وتردد ثم شد فكيه ورأت عضلة صغيرة تنتفض بلا توقف … ثم قال : هذا غير مهم الآن .
ابيض وجهها غضباً : إنك لعلى حق … فرأيك بي لا يهم أبداً فطالما كرهتك وطالما عرفت أنك متعجرف قذر لا تهتم بشيء …
_وماذا عنك أنسيت روي هورلي ؟ أنسيت أنك استسلمت له كامرأة عديمة الأخلاق ؟
وقعت كلماته كضربات المطرقة على وعيها .. و لأنها ترفض أن تتركه يعرف مدى ألمها جعلت صوتها حلواً كالسم : ولماذا بروس .. هل تغار من روي المسكين ؟
رأت قبضته تتكور بشدة فذعرت وتساءلت ما إذا كان العنف في صوته سيتحول إلى واقع جسدي .
لكنه أجاب : لا حبيبتي .. لا أغار منه أو من أي غبي مننت عليه .. بسخاء لكنني لا أريد أن يصبح جون أحدهم فهو صديق .. ولا أظنه قادراً على التحمل حين يكتشف أن هذا غير صحيح !
_ وما هو غير صحيح ؟
كانت حمقاء لأنها طرحت هذا السؤال
_ مظهرك هيلاري … هاتان العينين البريئتان وهذا الفم الشهي … لا شك أن حواء كانت هكذا حين استيقظ آدم في الجنة فرآها قربه .. يا حلوتي .. لكنك لست حواء .. بل أنت ربة الشر الفاسقة ذات الوجه الملائكي والروح الفاسدة .
ارتفعت يده فأمسكت ذقنها بقوة حتى أنها تساءلت بذهول عما إذا كان وجهها سيصبح مكدوماً : لا آبه كم رجلاً في حياتك في لندن هيلاري ولا تهمني طبيعة الحياة التي تعيشينها هناك .. ولكنك هنا وسيكون عليك أن تحسني التصرف إذ أرفض أن يتعرض هوود أو لورنا للمعاناة بسبب المزيد من الكلام عنك .
_ مزيد من الكلام .
انتزعت نفسها منه بالقوة : هلا شرحت لي عما تتكلم ؟
قال ببرود : أتكلم عن أمر حدث قبل سنتين هل تصورت أن زياراتك للأخوين هورلي والآخرين لم يلاحظها أحد ؟ أو ظننت أن ما من أحد من المجتمع سيعرف أو يتكلم ؟ لقد قيل لي تلميحاً بأن علي أ أفتح عيني على نساء منزلي .. أتعرفين هيلاري … لم أصدق في الواقع ما يقال و أظنني ضحكت يومها وقلت أنهم مخطئين وسخرت من الشائعات والنظرات الجانبية والتلميحات المستورة حتى رأيتك بأم عيني تعودين من منزلهم في وضح النهار فحاولت أن أقنع نفسي أن الشائعات المحلية تجعل من الحبة قبة وأن البراءة في عينيك حقيقية .
أفلتت شهقة من شفتيها .. إذن رغم كل ما فعلته .. ورغم كل ما قاسته .. ما تزال هناك شائعات و أدركت أن لورنا هي المجهولة التي كان يهتم بها أدعياء الخير وأن ما من أحد منهم قد ذكر اسماً .. ولكن يا للأسف افترض بروس أنهم يشيرون إليها ! وكان الافتراض طبيعياً لأن لورنا أصغر سناً من أن يشك فيها أحد 0
أحست بالغثيان فجأة …
_ حسناً ؟ أليس لديك ما تقولينه ؟
_ وهل من جدوى ؟ هل لي أن أذهب الآن ؟
_ بكل سرور … لكن أريد منك أولاً وعداً مهما كانت قيمته بأنك ستتركين جون وشأنه لا أعرف أي خداع استخدمت لإقناع لورنا بتركك معه ولكن ..
قاطعته متوترة : لو قلت لك لن تصدقني حسناً لك وعدي سأبتعد عن جون فهل اكتفيت الآن ؟
ظل صامتاً لحظات ثم ابتسم ابتسامة قاسية لا شفقة فيها وقال ساخراً يقلدها : لو قلت لك لن تصدقني .
كانت آخر سنتين قاحلتين أقنعت نفسها فيهما أن قسوة بروس المتعمدة قتلت فيها ينبوع الدفء والعطاء في داخلها … لقد استخدمت جاذبيتها وشهرتها وفتنتها لإبقاء العالم بعيداً عنها ولقد نجحت .
أما الآن فتعرف أنه نجاح واه … لقد تصرفت ببرود وأبقت معجبيها على بعد ذراع ليس لأن فيهم عيباً بل لأن حبها لبروس لم يمت .
يا إلهي … فكرت مذهولة .. ليته يلمسني … ليته يعانقني .
رأته يدنو خطوة منها ثم يتوقف وفمه يلتوي بازدراء ذاتي .
قال : سألت إذا كان بإمكانك الذهاب … فماذا تنتظرين ؟
تحركت شفتاها لتقولا بصمت كلمة : لا شيء .
ثم ارتدت على عقبيها مبتعدة
|