كاتب الموضوع :
الأمل الدائم
المنتدى :
الارشيف
مع الروايه
1_فتاة الكهرمان الحزينة
كانت مرهقة إرهاقاً شديداً تكاد تعجز معه عن وضع المفتاح في ثقب قفل الباب الأمامي …. كانت رحلة طويلة متعبة فلقد تأخر هبوط الطائرة بسبب الضباب وأصيبت إحدى الفتيات الصغيرات بالهستيريا من جراء الخوف فكان أن جلست معها هيلاري لتهدئ روعها .
أقفلت الباب خلفها حامدة ربها ثم وقفت تنظر حولها في غرفة الجلوس كانت نظيفة مرتبة إذا اعتنت السيدة نورتون بهذا ولكن الجو عابق برائحة العفن الذي ولده عدم السكن بها … فتحت هيلاري النافذة لتسمح لهواء مساء شهر كانون الثاني بالتدفق للداخل ارتجف جسدها قليلاً فهي ما تزال تحن لشمس الكاريبي لكن عقلها المتعب رحب بلفحة الهواء البارد .
كانت كومة الرسائل البريدية تنتظرها على طاولة الطعام الصغيرة وعندما دخلت إلى المنزل التقطت المزيد من الرسائل من صندوق البريد … لكنها تستطيع الانتظار للغد إنها بحاجة للاستحمام … دخلت إلى غرفة النوم وراحت تخلع ثيابها …السرير بالانتظار والأغطية مرفوعة إلى الوراء ترحب بها وثوب نومها حاضر نظفت وجهها من المكياج وهو عمل روتيني تقوم به حتى ولو كانت على وشك الموت ورمت نفسها على السرير وغطت في نوم عميق ….. تحركت مرة أو اثنتين ثم فتحت عينيها فانزعجت من الأصوات في الشارع ولكن هذه الأصوات لم تكن السبب باستيقاظها تمطت متكاسلة متكاسلة قبل أن تجلس متثائبة ولما ألقت نظرة على الساعة وجدت أنها نامت ساعة كاملة نهضت من السرير لتدخل الحمام نظرت إلى جسمها في المرآة … لقد كانت في الويست انديز مع العارضات الأخريات للقيام بعرض مجموعة من أفخم ثياب السباحة لمجلة أزياء شهيرة .
ولكنها لم تخطط لتصبح عارضة ولم تعتبر يوماً أن مظهرها الجميل وطلتها بهية … ولكن مع ذلك كان جول أول من اقترح عليها الفكرة وهي ما تزال تلميذة في المدرسة ..
جاء ليزور ابنة عمه جوليا التي كانت أفضل صديقة لهيلاري وصحبهما للغذاء معاً يومذاك كان اسماً لامعاً بالتصوير وما كانت هيلاري لتكون من البشر لو لم يتحرك غرورها لاهتمامه بها لكن وفي الوقت ذاته رأت حياتها تسير باتجاه مختلف .
والشكر عائد لجول الذي منحها أول فرصة حين اختريت الفتاة الكهرمانية للقيام بدعاية لسلسلة أدوات تجميل غالية الثمن ولعل ما ساعدها شعرها البني الذهبي الطويل وعيناها اللوزيتان المتسعتان اللتان تصبحان خضراوين أو ذهبيتين حسب اللون الذي ترتديه وكانت تجربة مذهلة لها أزياء غريبة صممت لها ألوانها ذهبية كهرمانية صفراء وكان تأثيرها أمام لون بشرتها العسلية مذهلة وكان وجهها يبرز من المجلات وتبدو فيها عينيها وكأنهما تتسعان على الدوام بلا نهاية أما الفم الرقيق فيتكور قليلاً بمزيج من البراءة والإغراء فسرت دار الأزياء الفرنسي النشوة والسعادة لزيادة مبيعاتها .
لكن جول نصحها بعدم المضي بذلك قائلاً : سيصبح ذلك سمة لكي وسيربط الجميع بينك وبين مستحضرات الأمبر فقط …نعم لا بأس بذلك لمدة قصيرة ولكن ماذا سيحدث لو ضجرت من العمل .. أو ضجروا هم منك …………
وكان أن عملت بنصيحته وتهافتت عليها العروض ولكنها أحبت العمل مع جول وستبقى شاكرة له للأبد.
استحمت وجلست تطلب الاسترخاء أمام النار .كانت السيدة نورتون قد ملأت البراد وسلال الخضار راحت هيلاري تشوي قطعت ستيك وأعدت السلطة التي تناسبها .
بعدما أكلت ونظفت المائدة حملت قهوتها إلى الأريكة مع رسائلها وكان معظمها فواتير ثم وجدت رسالة من لورنا .
نظرت هيلاري إلى الغلاف وإلى الخط المائل المألوف أنبأتها غريزتها أن لورنا ما كانت لتراسلها لولا وجود أزمة تعاني منها …ولا شك أنه أمر لا تريد سماعه…
إلا إن كان الأمر يتعلق بهوود استحوذ عليها إحساس بالذعر … لم يكن بخير مؤخراً وهذا ما تعرفه من رسائله القليلة النادرة . ظلت نظراتها شاخصة للغلاف والقلق على هوود يتصارع مع الرغبة في تمزيق الرسالة قبل أن تقرأها فهي غير مدينة لأختها غير الشقيقة بشيء .. بل الواقع معكوس .
لكن هود لم تلقى منه غير العطف والتقدير وهي مدينة له بشيء مقابل هذا أوه ليس بسبب المال الذي يضعه في حسابها في المصرف كل فترة لأنها قادرة على رده فهي لم تلمسه يوماً.
فتحت على مضض مغلف الرسالة وأخرجت الرسالة كان خط لورنا يملأ الصفحة :
حبيبتي هيلاري … احزري ماذا سأتزوج سأذهل الجميع وأفعل الصواب ولو لمرة واحدة أما العريس فهو تشارلي إيزيربلود بالطبع …آه يكاد أبي يطير من الفرحة العرس في الشهر القادم وأريد أن تكوني وصيفتي … وماذا في الأمر ؟ أرجوك قولي أنك ستقبلين حبيبتي أرجوك تعالي للمنزل هيلاري أحتاج إليك أتوقع أن أسمع منك …. مع حبي … لورنا.
لكن الصدمة وقعت على رأسها في آخر الخطاب : بالتأكيد سيقدمني بروس إلى العريس في الكنيسة .
جلست هيلاري جامدة تحدق في الرسالة ثم أطبقت يدها بشدة عليها فحولتها إلى كرة مجعدة وقالت لا يا إلهي . أجبرت التفكير أن لورنا ستتزوج من الشاب الذي حلم هوود بأن يكون زوجها لم ترى لورنا منذ سنتين عندما كانت هيلاري في الثامنة عشر ولعل أختها قد نضجت الآن لكن عندما تذكرت لورنا أختها المجنونة وجدت أن هذا غير معقول .
حاولت أن تتذكر تشارلز إيزيربلود لقد كان موجوداً دائماً وهما تكبران فوالده يملك الأراضي المجاورة ولكنه لم يؤثر قط في هيلاري .. كان أشقراً لطيفاً وثرياً جداً إنه صيد ثمين بالنسبة لمعظم الفتيات ولكن لورنا ابنة الصناعي الثري المدللة العنيدة … لورنا الشابة الصغيرة الجميلة المتألقة ذات الشعر الأسود الكثيف الأجعد ستتزوج من أجل الحب ولا تظن أبداً أن السبب رغبة العائلتين في زواجهما … أعادت تمليس الرسالة من غير وعي منها ثم راحت تعيد قراءتها إنه أسلوب لورنا ولكن أهذه رسالة عروس تشع سعادة ؟
أغمضت عينيها فمنذ ذهاب هيلاري البالغة عشر سنوات إلى ستونكليف للعيش هناك وهي تحمي لورنا ففي الليلة الأولى على ذهابها أجفلها فتح الباب في غرفة غريبة وسمعت لورنا تقول بصراحة : تقول السيدة ستالرت أنني كبيرة كفاية لأنام دون مصباح ولكنني خائفة من الظلام أيمكنني النوم معك أرجوك هيلاري أرجوك !
أمضت هيلاري ليلة غير مريحة … إذ كان السرير لا يتسع لشخصين وفي اليوم التالي حين علم هوود بالأمر أغرق بالضحك وأمر بنقل سرير لورنا إلى غرفة هيلاري ثم ارتد إلى والدة هيلاري مبتسماً : ألم أقل لك أنهما ستصبحان أختين !
كانت أمها أوليفا أرملة منذ خمس سنوات ولم يكن لديها مهارات تساعدها وكانت مضرة لقبول أي عمل وأن تكون ممتنة للسقف الذي يأويها حتى لو كان السقف لأخت زوجها وزوجها . أدرك جوش و ميلاني جيستون أن من دماثة الخلق القبول بأوليفيا وطفلتها في منزلهما والواقع أنهما لم يكونا ملزمين بإيوائهما وهذا ما كان يؤكدانه وقد جعلا الأمر يبدوا وكأنه دلالة إحسان وحدهما هي و أوليفيا يعرفان أن أمها تدفع إيجاراً سخياً .وذلك لم يكن كافياً وكثيراً ما سمعت عمتها تتذمر من ارتفاع الأسعار والتضخم المالي وكان عليها أن تتعلم إطفاء الأنوار لئلا تذهب الكهرباء سدى وكان محسوباً عليهما كمية الماء التي تستخدمانها في الحمام ومع الأيام كانت ترى وجه أمها يزداد مع الأيام يزداد تعب وهزيمة .
ثم اضطرت أوليفيا للعمل نادلة ليلية ومنذ ذاك الحين نادراً ما كانت تصل إلى المنزل قبل منتصف الليل وبما أنها بالأساس امرأة ضعيفة انهارت في النهاية وجيء بها للمنزل تذكر هيلاري غضب عمتها ولكنها اضطرت لإحضار الطبيب الذي قال أنها بحاجة للراحة وأنها بحاجة للابتعاد والراحة ولكنهما لا تملكان المال وفجأة حصلا على جائزة سندات التوفير ولم تكن ثروة كبيرة ولكنها كانت كافية لشراء تذكرة لرحلة بحرية في المتوسط بناء على نصيحة الطبيب ….
وحدث ما كان يتوقع فقد غضبت عمتها وزوجها وارتفعت الأصوات بالحديث عن الأنانية والطمع فيجب ترميم السقف ولكن أوليفيا هذه المرة لم تكن مستعدة للسماح لهما بالتسلط عليها فسارعت لحجز رحلتها البحرية ودفعت ثمنها …
وبعد أن عادت أمها ظهر في ابتسامتها عمق وبان في عينيها نظرة حالمة.
ثم وصل هوارد جيلفورد إلى المنزل كان طويلاً ضخم الجثة وجهه مربع يميزه شعر رمادي عند الفودين ابتسم لهيلاري وقال بلكنة شمالية :
مرحباً حبي … عندي فتاة أصغر منك بسنتين .
ردت هيلاري بابتسامة مترددة وأدركت أنه يريد أن تحبه لم تفهم السبب إلا بعد ابتعاد سيارته الجاكوار إذ صاحت العمة ميلاني كالعاصفة : يا للوقاحة كيف تجرؤين كيف تسمحين لهذا الرجل المغرم بك بالمجيء إلى هنا ………………
تورد وجه أوليفا لكنها ردت بهدوء : قبل أن تضيفي شيء أحب أ تعرفي أني و هوارد سنتزوج .
ارتفع صوت ميلاني لحد الصراخ : تتزوجان تتزوجين رجلاً قد إلتقيته في رحلة بحرية ؟ أنت لا تعرفين شيء عنه قد يكون متزوجاً … ولن تستفيدي بشيء
انتعش وجه أوليفيا بابتسامة : أعرف ما يلزم … إنه أرمل ماتت زوجته منذ أربع سنوات لديه ابن في الرابعة والعشرين ابنة في الثامنة …….. لعمله علاقة بالإلكترونيات ويعيش في يوركشاير ….هل من أمر آخر تريدين معرفته؟
أصبح وجه ميلاني أكثر تهجماً لعدم موافقتها على الزواج حتى يوم الزفاف وكانت ميلاني وزوجها المدعوان الوحيدين من جهة أوليفيا إلا أنه كان هناك عدد من الناس في مكتب الزواج يعرفون هوارد ويحبونه كما كان ظاهراً وقد توجهوا جميعهم إلى حفل الاستقبال الذي أقيم في فندق لندني .
وهناك كان في انتظارهما شاب أسمر طويل . فقال هوارد بسعادة : بروس .. تمكنت من المجيء !ارتد هوارد إلى أوليفا قائلاً : تعالي لأعرفك إلى ابنك الجديد كان في أمريكيا يدرس في الجامعة ولولا ذلك لإلتقيته من قبل .
قال بروس : هذا ما يظهر أنه ما كان علي أن أدير لك ظهري لحظة .
تقدم يصافح أوليفيا ولكن هيلاري المترددة في الخلف عرفت بغريزتها أن هذا الأخ الغريب لم يقل كلمته على سبيل المزاح … كان يبتسم ولكن ابتسامته لم تكد تصل إلى عينيه …. حين شد هوارد هيلاري للأمام كانت يده ثقيلة ودافئة على كتفيها . وطافت عينا بروس باكتئاب وبعداء وارتد مسرعاً تاركاً هيلاري تفكر ( أنا لا أحبه وهو لا يحبني ).
سمعت أمها تقول لزوجها : إنه يشبهك .
وأرادت هيلاري الإنكار فهما غير متشابهين أبداً .
أوه .. كانا مديدي القامة أسمرين ولكن بروس نسخة أكثر نحولاً من والده الضخم ووجهه نحيل أيضاً وخطوطه متعجرفة أما هوارد فذو وجه لطيف .. وعيناه ليستا زرقاوين كعيني أبيه بل هما رماديتان وفمه قاس .
كانت تتطلع شوقاً لرؤية ستونكليف ……… المنزل الكبير الحجري الرمادي الذي أخبرها زوج أمها الكثير عنه وأرادت أن تلتقي بلورنا أيضاً .
كان هوارد قد قال لها : تشعر بالوحدة لأنه ليس لديها من تلعب معه وأرى أنك مثلها مستوحدة .
لكن كل البهجة والترقب اللذين كانت تحس بهما أصيبا بالكلل مع وصول هذا الغريب المعادي …ولم تعد واثقة من رغبتها في الذهاب إلى الشمال إلى ستونكليف ما دام هو ذاهب إلى هناك دنت منها العمة ميلاني وهي واقفة مع أمها وبما أنهما كانتا تقفان بمفردهما اغتنمت الفرصة وقالت بصوت كالفحيح : حسناً لا بأس بما فعلت لنفسك لعمله علاقة بالإلكترونيات …… حقاً ! ولكنك أغفلت ذكر المصنع الذي يملكه ……… و أعتقد أنك مسافرة إلى الشمال بدون إلقاء نظرة للخلف أو التفكير في من أطعمك وآواك عندما كنت لا تملكين شيئاً .
رأت هيلاري أمها تشحب وكل السعادة تتلاشى عن وجهها .
قالت بصوت منخفض : ميلاني أرجوك اخفضي صوتك لا أظنك ستصدقينني لكنني لم أعرف هذا قبل اليوم أوه …. عرفت أن هوارد ليس فقيراً …. لكن كل هذا ………
وضحكت ضحكة مؤلمة : كان هذا صدمة لي ……… بمقدار ما كان لك .
سخرت ميلاني : أوه بالتأكيد عرفنا دوماً أننا لسنا من مستواك … حتى أخي المسكين … فطالما كنت معجبة بنفسك وبجمالك وبرشاقتك ….. أنت أكبر من العمل أو الحاجة … حسناً … لن تضطري إلى إزعاج نفسك بعد الآن !
انتفضت هيلاري ففي صوت العمة ضغينة حقيقية ولاحظت أن بروس واقف بالقرب منه ومما يبدوا أنه سمع أطراف الحديث وإن لم يسمعه كله .
رأت زوج أمها يقترب مبتسماً فتحركت العمة بعيداً وغادرت المكان مع زوجها فأحست بالارتياح لأنها لن تراهما بعد الآن .
تعبت هيلاري من الحفل والوجوه الجديدة فدخلت لغرفة النوم المجاورة .. كان هناك أريكة قرب النافذة فاحتبت عليها يهددها صوت الضحكات المتعالية في الغرفة المجاورة .
لم تدر ما أيقظها ولكنها لما فتحت عينيها وجدت أنها ليست بمفردها فمن مكان قريب تهادى لها صوت رجل يقول : كانت مفاجأة للجميع ألم يخبرك ؟
لم يقل كلمة واحدة حتى آخر لحظة وهذا ما جعلني غير قادر على القيام بشيء ….
وكان هذا صوت بروس الذي بدا مشبعاً بالغضب وهو يتابع كلامه :
يا إلهي هذا طيش وجنون يأخذ عطلة ثم يعود بسكرتيرة ****ة تسعى وراء ثروته ومعها ابنتها ….. لا يتوقع أحد منه أن يكون ناسكاً ولكن ما كان مضطراً لدفع ثمن لهوه بالزواج .
أحست هيلاري بالغثيان لم تفهم ما كان يقال ولكنها تعرفت على الازدراء البارد في كلمتي سكرتيرة وابنتها فأرادت أن تقف وأن تهرع لبروس كي تلكمه وترفسه حتى يأسف لكلامه ولكنها عدلت عن ذلك كي لا يدخل الموجودين ويسألون عن السبب ولأفسدت سعادة أمها .
إنها عائلتها الجديدة التي سيكون بروس جزءاً مهماً منها وهو لا يحبهما ولا يريدهما.
دفنت وجهها في الوسادة ووضعت يديها على أذنيها وهي ترفض سماع المزيد .
في وقت لاحق عندما جاءت أمها و هوارد لأخذها إلى ستونكليف كانت هادئة وأحست بالراحة عندما علمت أن بروس عائد لأمريكا ولن ينضم إليهما .
كان عليها بالتدريج إعطاء بروس حقه فهو لم يسبب الأذى لأمها قط وكان مضطراً للاعتراف أن أمها ووالده سعيدين وكان مؤدباً دائماً ولم يكد يلحظ هيلاري أبداً بل لم يزعج نفسه بالتفكير بأخته لورنا التي كانت تعتبره بطلها ومثالها الأعلى .
لوت هيلاري شفتيها وهي تفكر لم يملك بروس أية عاطفة أخوية ……… كان له صديقات عديدات جاء ببعضهن لستونكليف حيث يمررن تحت نظرات هوود المقومة الناقدة لكن كان من الواضح أنهن للتسلية ولم يظهر أن بوس على علاقة جادة مع أية واحدة منهن .
محلياً كان بروس الفتى الذهبي المدير الإداري لمؤسسة جيلفورد التي كانت تتسع بسرعة كان هوود فخوراً به ويقول إن هذا الشبل من ذاك الأسد .
لكن هيلاري اعتقدت أن في الأمر أكثر من ذلك ففي روس قسوة هذا عدا كراهيتها له وعدم ثقتها به فهي لم ترى منه أي حنان أو عطف .
وفي السادسة عشر من عمرها توفيت أمها فجأة وهي نائمة وكان يومذاك مسافراً لكنه عاد لحضور الجنازة لكنها شعرت حتى وهو يقدم العزاء أن أفكاره في اتجاه آخر وأرادت أن تصيح في وجهه أنه ليس آسفاً أبداً . اعتمر كل العداء القديم في قلبها فردت عليه بشيء من البرودة وارتدت مبتعدة . وفكرت أنها لن تكرهه أكثر مما كرهته في تلك اللحظات لكنها الآن ترى العكس الآن .
استندت للأريكة وهي تفكر أنها يجب أن تراسل لورنا وتعتذر فلن تعود مادام بروس موجوداً .
أجفلها رنين الباب لأنها لم تتوقع زواراً . كشرت قليلاً وهي تفكر بمظهرها فوجهها خال من المكياج وشعرها معقوص للخلف ولكن الجرس رن بنفاذ صبر ولا جدوى من التظاهر أنها غير موجودة في المنزل فبمقدور أي كان رؤية الضوء من تحت عقب الباب .
دفعت الرسائل جانباً ونادت : حسناً …… أنا قادمة !
افتر ثغرها عن ابتسامة وهي تفتح الباب فمن المحتمل أن يكون الطارق ستانلي الذي هو معجب بها ومع أنها معجبة به فهي بعيدة كل البعد عن الوقوع بالحب .
بدأت : لقد فاجأتني في وقت غير مناسب ……. فأنا …….
\وتوقفت . ماتت الكلمات على شفتيها فقد رأت الطارق الواقف عند الباب بانتظار الدخول
قال بروس جيلفورد : مرحباً هيلاري )
2_ غزو الشيطان
لم تستطع للحظات الحراك أو التفوه بكلمة شعرت أن أنفاسها مكتومة بشكل غريب ….. إنه كابوس …. لا شك أن بروس شيطان ابتدعته أفكارها … ففي الأشهر الماضية لم تسمح لنفسها التفكير به قط …ز لقد نحته بعيداً عنها ومحته من دماغها .
الآن أجبرت رسالة لورنا أبواب السد المحكمة الإغلاق على الانفتاح …. وهاهو الشيطان معها . شدت الباب تنوي صفقه في وجهه ولكن ترددها برهة أفشل حركتها فقد عرف ما تنويه ودخل الغرفة .
قال : اسمحي لي . وأغلق الباب بنفسه فأصبحا معاً .
قالت هيلاري من بين أسنانها : أخرج من هنا . رد ببرود كعادته : أخرج متى كنت مستعداً لذلك .. استرخي فكلما أسرعت في الإصغاء إلى ما جئت أقوله كلما أسرعت بالخروج وهذا ما نرغب فيه معاً .
قالت همساً : ماذا تفعل هنا بحق الله ؟
رد عليها بحدة : أنا لا أعد العدة لتنفيذ الهدف الشنيع الذي يخطر ببالك .. حباً بالله هيلاري ! اجلسي وتصرفي كإنسانة متحضرة .
بدأت ترتجف في داخلها وطوت ذراعيها على صدرها وقالت : ماذا تعرف عن التصرف المتحضر ؟ قل ما جئت من أجله واخرج من هنا . دنا من الغرفة يتجاوزها وجلس على كرسي قبالتها وقال :أنت دوماً مضيفة دمثة الأخلاق . أراك متوترة كثيراً… ما الأمر ؟ قلت إنني أزورك في وقت غير مناسب … ألديك أحد ؟ طافت عيناه عليها بوقاحة فتوردت غضباً وقالت : لا ليس لدي أحد . وكادت ترفس نفسها … ربما لو كذبت…… لرحل .
قال برقة : إذاًَ أنا محظوظ لأنني وجدتك بمفردك … فأنا أرغب في بعض القهوة .
وقفت للحظات تنظر إليه بعجز ثم ارتدت على عقبيها قاصدة المطبخ الصغير … كادت المنشفة حول شعرها تنزلق فانتزعتها بنفاذ صبر ورمتها إلى سلة الغسيل الصغيرة ثم وضعت على الصينية أكواباً من البورسلان ثم وضعت الحليب في إبريق صغير مماثل … ثم سمعت صوت صغير من ورائها فنظرت لتجد بروس واقفاً خلفها يراقبها .
قالت بصوت بارد اجتماعي : أتريد السكر ؟
رد ساخراً : ذاكرتك سيئة هيلاري … كم سنة عشنا معاً تحت سقف واحد وكم فنجان قهوة صببت لي ؟ لا … أنا لا أضيف السكر إلى القهوة وما فعلت يوماً .
تقدم إلى الأمام يحجزها بينه وبين رف المغسلة خلفها ثم مد يده يرفع ذقنها وراح ينظر إلى وجهها منتقداً
دفعت لمسته كل أطراف أعصابها للصراخ أرادت أن تضرب يده لتبعد يده عنها وتستخدم أظافرها وأسنانها للتخلص نفسها … ولكن لا فائدة إنه أقوى منها ولن يتوانى عن استخدام قوته .
قال برقة : لا تتغيرين أبداً أليس كذلك ؟ أذكرك في السنوات الماضية … مخلوقة عدوانية صغيرة كلها شعر وعينان .
ابتسمت ابتسامة جوفاء : غريب أن تقول أنت هذا كنت أفكر بالشيء ذاته بالنسبة لك … أوه لا أقصد الشعر بالتأكيد ولكن العدوانية والعينين لم تتغيرا قط ما زالتا باردتان .
ابتسم : باردتين ! أهذا هو رأيك فعلاً ؟ لا أظن .
تسارعت أنفاسها قليلاً : قد لا تحب سماع رأي الفعلي … والآن إن كنت تريد القهوة فالأفضل أن تتركني أعدها .
عندما قدمت القهوة كان جالساً قرب النار يدخن سيكار الذي كانت رائحته تعبق في أرجاء المنزل وضعت الصينية من يديها …. وسألت : ماذا حدث للسجائر ؟
لقد تخليت عنها منذ سنة ونصف …….. هل لديك اعتراض على ذلك ؟
لا ولماذا تسأل ؟ هز كتفيه : لأن السيكار لا يليق بهذا المكان إنه غزو رجولي لمحيط أنثوي بالكامل .. أو على الأقل هذا هو الذي خطر ببالي وقد أكون مخطئاً . قالت : ربما والآن أخبرني ما تريد مني .
لا شيء حبيبتي لا الآن ولا أبداً فلنؤكد هذا الأمر فلم آت للتطفل عليك لصالحي بل لصالح لورنا .
نظرت للرسالة المجعدة فتبع نظراتها فلما رأى حالة الرسالة أطبق فمه بشدة وقال : يبدو أني قمت بالرحلة سدى على أي حال سأقول ما جئت لأجله لورنا خائفة لأنها لم تتلق خبراً منك إنها يائسة فهي تريد أن تأتي لمساعدتها بالزفاف .
_ تلقيت الرسالة اليوم فقط كنت خارج البلاد ولم أعد إلا أمس .
_ لا يبدو أن الرسالة أثرت فيك .
قالت بلهجة لاذعة : انا وأنت نعرف أن لا مجال للعودة ويجب أن تقنع لورنا وأن تجد تفسيراً ما قد يرضيها .
_ لا أستطيع أن أجد تفسيراً يرضي هوود إنه لا يستطيع الانتظار لتعودي …
لاحظت بسخرية التردد الصغير وتساءلت عما إذا كان سيقول ( تعودين للبيت ).
سألته :وكيف حاله .فلم تكن رسائله كافية ولم تكن تكشف عن شيء وكانت هي بدورها ترسل له العذر تلو العذر حول عدم عودتها إلى يوركشاير .
رد بفظاظة : لو أردت أن تعرفي فعلاً لذهبت لرؤيته . وكيف تعتقدين حاله ؟ عالق في كرسي متحرك حتى لآخر عمره !
شهقت : مقعد متحرك ماذا تعني ؟
قال بقسوة : لقد أصيب بنوبة قلبية أقعدته جزئياً …. بإمكانه السير بضع خطوات بصعوبة … وهو قادر على استخدام يد واحدة .
هزت رأسها : قال إنه ليس على ما يرام لكنه لم يلمح قط إلى ……….
_ ولماذا يلمح ؟ لو كنت تهتمين لأمره لذهبت لرؤيته .
نظرت إليه : هذا تفسيرك أنت ……… لا تفسيره .
_ ربما .. كان دائماً ليناً معك … وكان على استعداد لتلمس الأعذار لك .. لن يكتب لك ويطلب أن تعودي لأنه مذعور من الشفقة . هو رجل قوي وجد نفسه أمام عجز جسدي لم يستطع السيطرة عليه أو التغلب عليه .. لديه ممرضة تعيش معه لكنه لا يطلب العون أو الشفقة من أحد غيرها. إنه يعتمد على عرس لورنا ليعيدك إلى ستونكليف كان بإمكاني أن أقول إنه أمل خائب .
أحست بحلقها ينطبق ويثقل : هذا غير صحيح … أنا أحب هوود .
_هذا ما ادعيته دائماً … فأنت تقولين إنك لا تطلبين شيئاً أكثر من أن تكوني ابنة له وأختاً للورنا ..حسناً .. هذه هي فرصتك الآن فكوني صادقة في كلمتك . أخذت تجادل نفسها مع أنه الآن لن يعرف ذلك .
_ليس الأمر بهذه السهولة فلدي عملي …. والتزاماتي .
التوى فمه : كما أوضحت سابقاً … لكن ألا تستطيعين إقناع من أنت معه على التزام أن لديك التزاماً مع هوود ؟ إلا إن كنت لا تنظرين إلى الأمر بهذه الطريقة أما بالنسبة لعملك فأعتقد أنه لن تضيره إجازة صغيرة من عرس لورنا .
قالت غاضبة : اهزئ بي كما تريد فهذه حياتي .. وأنا سعيدة بها … ماذا تنتظر مني أن أفعل .. أن أكون سكرتيرة ****ة كأمي ؟
_صعب ذلك في وقت تستطيعين فيه الاعتماد على ما لديك ! كيف يحب الرجل الذي يعيش معك أن يشاركك مع آلاف المعجبين ؟
تعمدت أن تقوده إلى الاعتقاد بأن هناك مثل هذا الرجل : إنه يعيش .
لن يفيدها أن تصرخ في وجهه أن وجهها وجسدها ملك لها وحدها وأنها أمام الكاميرا تلعب الدور الذي يمليه جول عليها لا أكثر ولا أقل ……….
استقرت عيناه على وجهها : حتى وشعرك مشعث كأذناب الفئران .. أنت مذهلة
أحست بتقلص في داخلها … لكنه رفع يده وقال : لا تجزعي قلت أنني لا أريد شيئاً منك فأنا أعني ما أقول جل ما أريده هو تعاونك معي لبضعة أسابيع .
ثم أضاف ساخراً : ولن تخسري شيئاً خلال هذه المدة … فسأعوض عليك .
قالت من بين أسنانها : ما أقدرك على إنزال قيمة الأشياء إلى مستوى المال اللعين !أنت تعرف ماذا يمكنك أن تفعل بمالك !
قال : وفري علي سماع هذا الغضب الأخلاقي .. أعرف أن هوود يدفع لك مبلغاً محترماً لتعيشي بالمستوى الذي أصبحت معتادة عليه ولا أستطيع منعه طبعاً ! ولكن تذكري أنه سيأتي يوم يتوقف فيه قطار هذا الكسب الغير مشروع… وإلى الأبد .
فكرت هيلاري بوحشية : في ذلك اليوم ستكون راضية إلى حد لا يوصف لأنها ستعيد كل بنس من ذلك المال.
ردت بخفة مصطنعة : تخيب أملي .. اعتقدتني مؤمنة مادياً مدى الحياة .. أما الآن فيجب أن أحذر لئلا أخسر جمالي .
قال بلطف : سأعتني بك بشكل عام . وضع كوب القهوة من يده ووقف : شكراً للقهوة سأعود بسيارتي غداً إلى يوركشاير وسأمر بك في منتصف النهار .
_ شكراً .. لكن لا .. شكراً .. لدي ترتيبات أقوم بها وهناك قطارات .
_ أجل : هناك قطارات لكن هوود سيظن أن من الغرابة ألا نسافر معاً .. أنا لا أنكر جاذبيتك ولكني واثق من وجود عارضات أخريات في لندن .
قالت : ثمة كثيرات . فرد : إذاً لا مجال للاعتذار . نظر إليها بهدوء : افعلي كما أريد … هيلاري .. وسأتأكد ألا يزعجك أحد في المستقبل وبعد الزفاف عودي إلى هنا وعيشي الحياة التي تليق بأهوائك … سأراك غداً … لا تجعليني أنتظر .
أملت أن تستيقظ فتجد أنه حلم أو كابوس وتحرك فجأة بقلق فاصطدمت يدها بكوب القهوة الذي لم تشربه والذي انسكب حول المدفأة .. نظرت لحظات إلى ما فعلت وأجبرت نفسها على مواجهة الواقع .
ستعود بطريقة ما إلى ستونكليف لتساعد لورنا على ترتيب عرسها … لا غرابة إذن أن يكون بروس ناجحاً في أعماله .. فما من عقبة تبقى في مكانها تحت ضغط قوته التي لا تقاوم .
حبست هيلاري أنفاسها من فكرة شلل هوود .. فهو لطالما كان قوياً وإيجابياً لذا سيضايقه هذا الضعف الجديد كثيراً ووجدت نفسها تتساءل متى حدث هذا بالضبط .
في الوقت عينه أقنعت نفسها بأن عليها ألا تشعر بالذنب ..فلو كان لاختفائها من ستونكليف شأن بما أصابه ولو من بعيد لذكر لها بروس ذلك … التوى ثغرها بابتسامة قاسية لا رحمة فيها … يا إلهي ما أشد ما كان سيرغب في ذكر هذا !
كان هوود مريضاً وكان بحاجة إليها .. لكن لماذا لم تخبرها لورنا هزت رأسها على حماقتها فلا شك أن لورنا كانت تطيع الأوامر ولا شك أن هوود أراد منها العودة من تلقاء نفسها … ولن يقبل من أحد أن يتوسل من أجله بمن فيهم بروس .
تقدمت إلى الهاتف تطلب رقم جول فأجابت فيرا التي تدفق صوتها حالما تعرفت إلى صوت هيلاري .
_ هل استمتعت بالرحلة ؟ هل أنت متعبة ؟ تعالي إلى العشاء غداً وأخبريني كل شيء .
_ سأحب هذا .. ولكنني لن أستطيع .. أهو في مزاج رائق فيرا ؟
_تقريباً … ولكن لماذا هل من خطب ؟
قالت هيلاري : أنا مضطرة إلى السفر لبضعة أسابيع .. هذا كل شيء.
_ هذا عذر كاف .. ماذا حدث ؟ لست .. مريضة .. أو شيء ما …
عرفت هيلاري المغزى الحقيقي من وراء السؤال اللبق .
_ لا شيء من هذا القبيل .. يجب أن أسافر إلى الشمال لأنظم عرساً عائلياً .. ابنة زوج أمي على وشك الزواج وثمة ذعر قائم .
سمعت فيرا تتحدث إلى شخص آخر ثم تكلم جول بحدة : ما هذا هيلاري ؟ قالت فيرا أنك مسافرة أنت تمزحين بلا شك . أجابته هيلاري : ليتني كنت أمزح .
…..سرعان ما شرحت له الموقف وتابعت : لكن هناك أكثر من العرس لقد عرفت للتو أن زوج أمي أصيب بالشلل ويريد أن يراني .
_ أوه … يا إلهي . صمت للحظات … ثم : أتعلمين أن هذا وقع في وقت غير مناسب أبداً ؟
_ صدقني لو استطعت التهرب لفعلت ولكنهم عائلتي .. وأنا مدينة لهم بالكثير .
_من الواضح أنك مضطرة .. لكن حباً بالله عودي في أسرع وقت ممكن .. فالذاكرة قصيرة في مهنتنا .. قلت إنها العائلة الوحيدة … ألم يكن فيها أخ كذلك أذكر أن جوليا ذكرته لي .
أجل .. وما زال .. لكنني لا أعتبره أخاً لقد ترعرعت مع لورنا .
_ لورنا المحظوظة .. قولي لزوج أمك إنه أحسن صنعاً في تربيتك … واتصلي بي حالما تعودين .
_ إنه وعد . و أعادت السماعة إلى مكانها .
ستكتب مذكرة لجوليا وستدفع للسيدة نورتون سلفاً وتعطيها التعليمات اللازمة في الصباح فلا مشكلة هنا.
ولكن الصعوبة كيف ستواجه كل ما ينتظرها .. أولاً .. لولا العرس لعقدت اتفاقاً مع بروس قائلة : أريد العودة أريد رؤية هوود وقضاء بعض الوقت معه لكنني لن أفعل هذا إلا إن ابتعدت عن ستونكليف .
لكن بسبب شلل هوود سيقدم بروس العروس إلى العريس فهذا هو التقليد .. لذا لا مجال لعقد صفقة .
لكن بروس لا يعقد الصفقات ولكنه يتخذ القرارات وينفذها بحسب مصلحته .. فإذا فاوض توقع أن يكون الرابح وهذا ما يحدث معظم الأحيان لقد أظهر لها بقسوة أنها لا تستطيع أن تكسب شيئاً حياله وما زالت تحمل آثار الجروح العاطفية التي تثبت هذا .
لم تنم عندما آوت إلى الفراش لكنها أقنعت نفسها بأنها ما كانت لتنام على أي حال لأنها لم تمارس تمارينها المعتادة ولم تحصل على هواء نقي يساعدها على النوم .
كان أمامها الكثير في الصباح لذا لا وقت لديها للتفكير .. وضبت أمتعتها وحاولت تناول الفطور وهي تعطي للسيدة
نورتون الدهشة تعليماتها ثم وجدت برنامج رحلة جوليا وراسلتها على عنوان المسرح الذي تعمل فيه الآن شارحة لها الأمر بسرعة .
هرعت للخارج لتضع الرسالة في صندوق البريد ثم عادت ولاحظت وجود سيارة متوقفة أمام مبنى الشقة كانت تعيش
فوق محل لبيع قطع صغيرة من الأنتيكات ومن الأثاث الأثري والمجوهرات ولا شك أن السيارة لأحد الزبائن ولكنها لا تظن هذا .
كان بروس بانتظارها في أعلى السلم .. ارتد بنفاد صبر يواجهها : كدت أظن أنك هربت مني .
_ كنت أبعث برسالة .
ولكن ليس هناك ما تعتذر عنه وهي لم تتأخر هو من جاء باكراً سبقته للشقة ..
فقال : إذا كنت جاهزة أرغب أن نغادر بسرعة .. لا تنذر التكهنات بحال الطقس بخير .
دخلت لغرفتها وانتعلت مداساً عالياً من الجلد الأحمر فوق الجينز العاجي اللون الضيق … وارتدت معطفاً مماثلاً فوق كنزة سميكة من الصوف وثبتت شعرها فوق رأسها إنه طراز متزمت ولكنه يظهر عظام وجنتيها ويخفف من بروز فكيها
التقطت الحقيبة وحقيبة الكتف التي تناسبها وخرجت لغرفة الجلوس حيث يقف بروس مرت نظرته على حقيبتيها .
_أهذا كل ما ستأخذينه ؟
_ إنه كاف لقد تعلمت السفر بأحمال خفيفة .
_ لكن ليس بمفردك . في كلامه الناعم حدة أغضبتها لكنها قررت تجاهله
التقط الحقيبة وقال أنه سيضعها في السيارة ريثما تتأكد من الأقفال .
كانت تحكم رتاج النوافذ حين رن جرس الهاتف الذي تناهى منه صوت ستانلي بلاكهام واضحاً على الخط : هيلاري أخبرني جول أنك مسافرة للشمال لوقت غير محدد ماذا يجري ؟
غار قلبها بسبب نبرة الحزن في صوته ولكنها تفهم حزنه فقد التقته منذ أشهر وتوافقا فوراً تقريباً .. ثم بدأ الجميع يتحدثون عنهما وكأنهما حبيبان وراحوا يدعونهما إلى المناسبات لم تكن هيلاري واثقة أن هذا ما تريده غير أنها كانت سعيدة إلى حد ما فكان أن سمحت لكل شيء بالمضي قدماً شرط ألا يبدأ ستانلي بالمطالب التي لا يمكنها الوفاء بها .
قالت : أنها حالة عائلية طارئة وقعت على رأسي فجأة آسفة لأنه لم تتح لي الفرصة للاتصال بأحد .
_لم أعتقد أنني مجرد أحد … هل ستغيبين مدة طويلة ؟
_أرجو ألا أغيب طويلاً .. سأبقى هناك الوقت اللازم ولن أطيل لحظة أطول لدي رزقي الذي علي أن أجنيه بعرق الجبين وكما ذكرني جول لديهم ذاكرة قصيرة في عالم الأزياء .
أصبح صوته دافئاً ومرحاً قليلاً : سيتذكرونك فأنا مثلاً لا أستطيع إخراجك من رأسي ليلاً ونهاراً.
هذا ما أقلقها قليلاً لكنها ابتسمت : ليت وكالات الدعاية في البلد تشعر بما تشعر به أتظن أن العدوى تسري .
أحست أن بروس عاد ووقف بالباب يراقبها بصمت ويصغي ولم تعد تسمع ما كان ستانلي يقول فاضطرت إلى التركيز على ما يقوله إن الأسمر القاتم وراءها شوش
أفكارها وعقلها .
قال ستانلي بلكنة خاصة : سيكون الطقس رهيباً في الشمال في هذا الوقت من السنة والأرصاد الجوية تنذر بجو سيئ اليوم .. هل ستعتنين بنفسك حبي ؟
_ أجل سأعتني بنفسي . تسمرت لا تقوى على الحراك عندما أدركت ما قالت .. كانت الكلمات كمفتاح سري في عقلها أو سبباً لإطلاق الكوابيس المسجونة هناك وجدت أنها تمسك بسماعة الهاتف بقوة حتى ابيضت عقد أصابعها
وأجابت ستانلي بكلمات مفردة : نعم أو لا وكانت خلال ذلك تدعو الله أن يكون كل رد هو الرد المناسب لأن كلامه كان غامضاً لها . أخيراً قالت بمرح مجنون في صوتها : اسمع علي حقاً الذهاب أراك حين أعود .
ودعها ستانلي الذي بدا خائب الأمل فقد أمل أن تعطيه العنوان الذي ستذهب إليه أو رقم الهاتف ليتصل بها .
أعادت السماعة بأصابع مرتجفة ثم ارتدت ببطء تلاقت عيناها مع عيني بروس بدت عيناه باردتين مترقبتين فعلمت أن كلماتها أثارت في نفسه الذكريات أيضاً وفي لحظات لا نهاية لها أمسك الماضي الكئيب بخناقهما .
لو تراجعت لتقدم نحوها كنمر يلحق بفريسته .. لكن لا داعي للتراجع ففي ما قالته هذه المرة حقيقة ناصعة . إنها قادرة على العناية بنفسها وستفعل .. ولن يقدر أحد بمن فيهم بروس على أذيتيها .
جلست إلى جانبه بصمت فيما السيارة تنهب الأميال فوق الطريق الرئيسية وجدت هيلاري نفسها تكرر تلك الكلمات مراراً وتكراراً كأنها تعويذة ستحفظها سالمة .
3_ وشم النار
كانا قد انطلقا منذ ساعة ونصف ولكنها لم تدرك ذلك حتى شغل بروس ضوء إشارة التحذير ليبتعدا عن الطريق العام
فسألته بحدة : إلى أين تذهب ؟
_ لنأكل .. ثمة نزل أستخدمه دائماً غير بعيد عن هنا .
_ أيجب أن نتوقف أنا لست جائعة . قال ببرود : أجل أنا أنوي أن أتوقف .. فإن لم ترغبي بالانضمام لي فانتظريني بمفردك في السيارة .
ضمت هيلاري شفتيها بغضب لأنها لا تنوي أبداً الجلوس في السيارة .. فالقرية التي دخلاها أخيراً ساحرة منازلها جميلة
تتجمع حول مروج وبحيرة للبط .. أما النزل الواقع بعيداً عن الطريق قليلاً فهو عبارة عن مبنى طويل مطلي بالأبيض
حاولت فتح الباب دون جدوى فاستدار بروس وفتح لها الباب من الخارج .. كانت خائفة للحظة أن يساعدها على الترجل فهي لا تريده أن يلمسها ترجلت دون تلك الرشاقة التي اعتادت عليها فلاحظت الابتسامة الصغيرة الساخرة التي تلوي فمه.
وفيما كانا متوجهين إلى باب النزل ظهر كلب ألزاسي من وراء النزل وتوقف عندما رآهما ثم شنف أذنيه تسائلاً وحرك ذنبه قليلاً . صاحت هيلاري باندفاع ومدت يدها : ياله من كلب جميل !
تقدم الكلب يشم أصابعها ثم سمح لها بحك رأسه …….
قال بروس بفظاظة : أنت لا تتعلمين أبداً .. أليس كذلك يا هيلاري ؟
أمسك يدها وقلب راحتها لفوق ليشير إلى علامة بيضاء واهية وقال : ألم يعلمك كلب كايل نيوتن شيئاً ؟
تورد وجهها وهي تسحب يدها من يده .. حدث ذلك في أول صيف قضته في ستونكليف يوم ذاك رأت الكلب في الطريق خارج المنزل فهرعت إلى خارج البوابة تتوق لملاعبته .. حيث ارتد عليها مزمجراً وعض يدها وأدماها صرخت من الرعب أكثر منه من الألم .. بروس الذي كان في المنزل كان أول الواصلين إليها .. فارتمت عليه تنتحب وذراعاها تتعلقان به .. لكنه أبعدها عنه وصحبها بقسوة إلى سيارته ليقلها إلى المستشفى المحلي للاعتناء بالجرح وهناك حقنت بحقنة مضادة للكلب … كانت أسوء من العضة ذاتها تتذكر جلوسها باكية قربه في السيارة وتتذكر ما قاله لها بازدراء
و ببرود : ألا تعرفين أن من الخطر مد يدك إلى كلب غريب .. أيتها الحمقاء الصغيرة ؟
لم تقل يوم ذاك أنها تعرف القليل عن الكلاب فالعمة ميلاني لم تكن تملك أي نوع من الحيوانات الأليفة . كم كرهت بروس في ذلك الوقت لأنه لم يتفهمها .. إنه أسوء من ذلك الكلب !
ابتسمت للذكرى : لو كان كلباً شرساً لما تركوه يجوب المكان كما أني تعلمت الكثير عن الكلاب .. لكن الناس هم الذين لا أثق بهم .
وفيما تركت الكلب يبتعد ليرحب بالمزيد من الوافدين أضافت بعفوية :فحتى من يبدون متمدينين قد يتصرفون كالحيوانات أحياناً . عندما استرقت النظر إليه رأت أن كلماتها أصابت هدفها فقد شحب لونه فجأة وأصبحت عيناه كما الجليد عندئذ شعرت بالاكتفاء فتقدمته بالمسير .
داخل النزل وجدت أن المكان لم يتعرض لأي تغيير فالسقف ما يزال مدعوماً بعواميد خشبية ونار وحطب تشتغل بقوة في موقد حجري قديم ومقاعد من خشب السنديان الصلب المرتفعة الظهور تحيط بالمدفأة وأشار بروس إلى أنهما سيجلسان هناك .
أعطاها لائحة الطعام : ماذا تشربين ؟
_ عصير الطماطم فقط أرجوك .
كانت لائحة الطعام قصيرة وبدا أنها تتجنب الوجبات الدسمة والشواء وتركز على المعجنات والحساء الساخن البيتي
كحساء الخضار وتشكيلة من السندويشات .
قال بروس وهو يجلس إلى جانبها على المقعد :
_ الحساء هنا وجبة بحد ذاتها .. ولا شك أن هود قد طلب عشاءً للاحتفال الليلة .
ردت بلهجة تعمدت أن تكون مرحة : من أجل عودة الابنة الضالة المفضلة .. حسناً إذن سأتناول الحساء مع سندويش جبنة .
قال بروس مبتسماً للفتاة التي حملت طلباتهما وقال سأتناول مثل ما طلبته .
لاحظت هيلاري أن الفتاة ألقت عليه التحية وكأنها تعرفه خير معرفة وهذا ما فعالته زوجة صاحب المكان التي تخدم الزبائن وراء طاولة القهوة والعصير .
رشفت عصير الطماطم وحاولت تجاهل نظرات الفضول الموجهة إليها فقد أوشك الزبائن على التعرف إليها لكن لم تكن كل النظرات موجهة إليها فمعظم النساء كن ينظرن إلى بروس بإعجاب ظاهر ..ساحر حين يختار أن يظهر سحره
وهاهي النادلة الشابة واقعة تحت تأثير سحره لكن لم يرمها سوء حظها حتى الآن لترى حقيقته .. وليس لديها فكرة عما يخبئه تحت مظهره البراق المخادع سمعت هوود يوماً يقول لزميله بالعمل : بروس صديق وفي ولكنه عدو لدود أيضاً . حسناً هي خير من تعرف مدى سوء خلقه فقد كاد يحطمها .
قال لعلي لم أقاطع حديثاً مهماً عندما كنت في الشقة ؟
فتورد وجهها قليلاً : ليس بشكل خاص لقد قلنا ما نحن بحاجة لقوله قبل عودتك .
سألها : كان رجلاً ؟ ردت : أجل . قال : ذلك الرجل .. ؟ قالت : واحد منهم !
وكانت كذبة قد ترتد عليها .
_ لا تمنحين حظوتك على ما يبدو إلى شخص معين بشكل حصري ؟
أحست بالازدراء في لهجته .. لكن لماذا تهتم ؟ إنها لا تريده ولا تريد أن يحسن رأيه بها .؟
_ لا يتوقع أحد مني هذا … هل من غرض ما وراء هذا الاستجواب ؟
نظر إليها بقسوة : بالتأكيد أريد أن أشير إلى أن شقيقتي تمكنت خلال غيبتك من تحقيق الاستقرار في حياتها ولا أريد أن يكدر هذا شيء .
تسمرت هيلاري .. فقالت ببرود : لا أظن أن لي هذا القدر من التأثير في لورنا .
_ أظن أنك تقللين من قدر نفسك .
_ في هذه الحالة يذهلني أنك ضغطت علي لأعود معك .. كان يجب أن تبذل ما في وسعك لأبتعد للأبد إلى الأبد .
_ لو كان الأمر متروكاً لي وحدي لفعلت ذلك صدقيني هيلاري آخر ما أريده هو أن تعودي إلى حياتها .. إلى حياة أي من .. و أنا أعرف أنك تكرهين عودتك إلينا بمقدار ما نكره .
لم تحاول إخفاء السخرية من ردها : شكراً لك …..
_لقد بذلت جهداً كبيراً لأثني لورنا عن مراسلتك لكنها حين أشركت هوود في الأمر وقالت له أنها تحتاج إليك ولا تستطيع تدبير أمورها بدونك وجدت أن لا مجال لدي للمعارضة .
_ هذا غير عادي بالنسبة لك وأنت على حق لقد تجنبت الاتصال بك وتجنبت رؤيتك أو التكلم معك مرة أخرى لكنني ما كنت لأفسد علاقتي بأحد لو كنت مكانك بل سأفعل ما تطلبه لورنا ثم أعود إلى حياتي الخاصة .
_ طمأنني قولك هذا ولكن ماذا عن هوود هزت كتفيها : سأفكر بقصة ما ترضيه .. لا شك أنه كثيراً ما تساءل عن سبب ابتعادي كل هذه المدة فهل لي أن أعرف ما الذي قلت له هذا إذا قلت شيئاً .
_ أقل قدر ممكن ولكنه لم يكن شيئاً قريب من الحقيقة وهل تتصورين أني قادر على ذلك ؟ فضلت أن يبقى له بعض الوهم في نفس هوود عنا .. هل من شيء آخر تريدين معرفته .
_ لا شيء . لكن قلبها كان يخفق فالطريقة التي تكلم بها لا تبين لم يراهما أنهما افترقا بعنف ومرارة .. وكانت مسرورة لوصول الساقية التي حملت إليهما الحساء وسلة خبز … ولولا وجود الرجل المعادي الذي يجلس إلى جنبها
والمشاكل التي تنتظرها في يوركشاير لاستمتعت بالوجبة .
بعد صمت قصير قالت : أما تزال السيدة ستارلت تعد السلطة المطلقة في ستونكليف ؟
قدم لها طبق السندويشات ورد :إذا أحببت وصف الأمر هكذا .. لم تحبيها قط .. أليس كذلك هيلاري ؟
_ ليس كثيراً .. لكنها طالما أوضحت أن لا وقت لديها لي أو لأمي .
تقلص وجه بروس لحظات ثم قال : يجب أن تتذكري أنها مع عائلتي منذ زمن بعيد …
_من غير المحتمل أن تسمحوا لي بالنسيان .
بالعودة إلى الماضي تذكرت كم واجهت أوليفيا صعوبات في الأشهر الأولى على توليها شؤون المنزل كونها سيدة ستونكليف .. في البداية واجهت صعوبة في القبول بالتغيير وزاد من توترها السيدة ستارلت المعتادة على الاعتراض على أي اقتراح إذ كانت تقول بصوت وقح : كانت سيدة البيت تحب هذا بهذه الطريقة . .. لكن تدريجياً تعلمت الثقة بنفسها وبما أن هوود دعمها استولت بهدوء وحزم على زمام الأمور من السيدة ستارلت التي اضطرت إلى التراجع متذمرة .. لكن هيلاري بحساسيتها المفرطة أدركت أن السيدة ستارلت لن تتسامح أو تنسى بأن يحل مكانها كسيدة فعلية للمنزل . امرأة تعتبرها دخيلة .. عانت هيلاري في طفولتها بطرق كثيرة لكنها لم تكن الوحيدة فلم تكن السيدة ستارلت تهتم بلورنا أيضاً كانت تعتبر كالأطفال عوائق أمام إدارة المنزل فلورنا في مراهقتها تعرضت لنوبات اضطراب وصلت أحياناً لحد الهستيريا وتعتقد هيلاري أن ذلك عائد إلى قيام السيدة ستارلت بإجبار الطفلة على النوم في الظلام وهذا ما عرفته منذ وطئت قدماها ذاك المنزل كان الإقناع بالحسنى هو أنجح وسيلة معها لكن ما إن يحاول أحدهم فرض أي نوع من التسلط عليها حتى يأتي رد فعلها شديداً . وتتذكر هيلاري أن الشخص الوحيد الذي كانت لورنا تخاف منه هو بروس الذي طالما قلق عليها من تصرفها المتهور والذي كان مستعداً لتقديم التنازلات من أجلها في أكثر المناسبات .
إن عودة هيلاري إلى ستونكليف هي إحدى المناسبات تلك خاصة إذا أظهرت لورنا ميلاً للعودة للهستيريا وهذا سلاح لم تتردد قط في استخدامه .
تنهدت متسائلة عما إذا عرف تشارلي ايزيربلورد ما هو قادم … أم اكتشف تركيبة سحرية للسيطرة على لورنا الحب يجترح المعجزات … لكن ….
أحست فجأة أن بروس يتفرس فيها عاقداً حاجبيه في عبوس واضح . قالت : آسفة أقلت شيئاً كنت أفكر .
قال بصوت جاف : بل كنت ضائعة في أفكارك التي لم تكن لطيفة على ما يبدو .. سألتك إن كنت ترغبين في القهوة .
قضمت آخر قضمة في السندويش : أجل أرغب بالقهوة .. كانت الوجبة لذيذة ما أجمل هذا المكان وما أجمل القرية فهي تبدو مثيرة للاهتمام … ما أروع الإقامة فيها !
قال ببرود : أستطيع القول إن من الممكن تدبير أمر هذا .. فلا سياحة في هذا الفصل هنا .. ولا شك أن لديهم غرفاً شاغرة .
لما تلاقت عيونهما اتسعت عيناها بعدم تصديق صريح وغزا الدم وجنتيها
وقالت بصوت مرتعش : كنت أتحدث بشكل عفوي ولم أقصد بقولي أن أطلق لك دعوة .. ربما كان يجب أن أوضح لك هذا .
نظر إليها ساخراً : ربما … قد تكونين امرأة متحررة هيلاري .. ولكنك ما زلت مرغوبة وجميلة .. ولقد قلت في وقت سابق أن لا حق حصري لأحد عليك .. فهل تلومينني حقاً إن جربت ؟
كاد الغضب يهدد بخنقها ولكنها أجبرت نفسها على القول بهدوء : ألومك .. لا .. بل أحتقرك أجل والآن هل لنا أن نغير الموضوع أجد هذا الموضوع مقرفاً .
قال ساخراً هذا ما تقوله عادة العذارى المحتشمات لكننا نعرف أن هذا بعيد عن الحقيقة أليس كذلك يا هيلاري ؟
اشتدت قبضتاها بقوة وبدأ صدرها يعلو ويهبط ثم قالت متوترة : هل تذهب الآن أرجوك .. لا أرغب في القهوة .
_ كما ترغبين . أشار للساقية لتحمل إليه الفاتورة فاعتذرت هيلاري وتوجهت إلى الحمام حيث وقفت طويلاً وأصابعها تقبض على حافة المغسلة وعيناها تنظران إلى صورتها في المرآة .. ما جنته على نفسها بالموافقة على العودة لا بد أنها فقدت رشدها عندما وافقت . غسلت وجهها وسحبت نفساً عميقاً لتستعيد سيطرتها على نفسها إنها تكرهه تقرف منه فلماذا عندما ينظر إليها وإلى قدها تشعر بتحرك شيء في أعماقها ؟
أحست بالغثيان من الغدر الداخلي .. فالثقة بالنفس التي كسبتها في السنتين الماضيتين بدأت تهجرها ولكن لطالما كان لبروس القدرة على تحطيم ثقتها بنفسها لكن من المهم جداً عدم إظهار دليل على ذلك يجب أن تقنع بروس ونفسها أن ما تشعر به هو عدم الاكتراث وأن أشد ملاحظاته المؤلمة لا تؤثر فيها .
سحبت نفساً طويلاً وعادت إلى غرفة الطعام كان بروس واقفاً يتحدث لزوجة صاحب النزل ويبتسم .. وفيما كانت تنظر إليه أحست بجاذبيته لكن يجب ألا تدع نفسها تنسى الجرح الذي سببه لها منذ سنتين أبداً .
بدأ المطر يهطل إلى شكل قطرات كبيرة وباردة فبدت نذير شر .
كانت تراقب الطريق بشوق لكنها تمكنت من كبت الشوق بتذكير نفسها بأن من المستحيل أن تعود .
لكنها عادت وبصحبة الرجل الذي دفعها للهروب في هذه اللحظات فكرت أنها لا شك فقدت عقلها !
قال بروس فجأة : بإمكانك فتح عينيك الآن لقد وصلنا .
أطاعته لكنها انبهرت من الأضواء المتدفقة من الطابق الأرضي كان الباب الأمامي مفتوحاً على مصراعيه ورأت جسد لورنا النحيل يتراقص هياجاً .
_ آه هيلاري ! هيلاري ! ما أروع رؤيتك أيتها الماكرة كيف ترحلين دون أن تودعيني لقد اشتقت إليك !
عقدت ذراعها حول خصر هيلاري وأدخلتها إلى المنزل كانت السيدة ستارلت بالانتظار في الردهة وكالعادة بدت مرتبة في فستانها الكحلي أما تعابير وجهها فلم تشر إلى الترحاب ولا الرفض .
نظرت هيلاري إليها ببرود : مساء الخير سيدة ستارلت .
_ مساء الخير يا آنسة إن أحببت أن تلحقي بي لأريك غرفتك .
قاطعتها لورنا بنفاذ صبر :لا ضرورة لذلك فهي تعرف غرفتها ألا تتذكرين أنه بيتها ؟ ودادي يريد أن يراها فوراً فهو على أحر من الجمر منذ الغذاء … الحبيب المسكين .. هل أخبرك بروس بحالته .
تنهدت هيلاري : أجل لماذا لم تخبريني بذلك لورنا ؟
قالت بانفعال : لو فعلت لخنقني إنه يكره الشفقة ويكره أن يتنازل أحد من أجله يصر على القيام بأكبر قدر من حاجاته بنفسه وظنناه يبالغ في إظهار استقلاليته في البداية ولكن الطبيب قال أن لا بأس بذلك .
سحبت نفساً عميقاً وقالت : الآن أنت هنا وسيكون كل شيء على ما يرام لقد عدنا عائلة من جديد .
ردت هيلاري : حتى تتزوجي .
ضحكت لورنا مترددة : أجل …. هذا ما أعتقد لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة .
ضغطت هيلاري على ذراعها بمحبة : حبيبتي هل أنت سعيدة ؟
ردت لورنا بخفة : كأنني في الفردوس .. فتشارلي يعبد الأرض التي أسير عليها .
_ الواضح أنه زوج مثالي .. وأرجو أن يكون هذا الإخلاص متبادلاً .
_ طبعاً و إلا ما كنت لأتزوجه .
اقتادت لورنا هيلاري من الردهة إلى غرفة الاستقبال وهناك فتحت الباب بانفعال معلنة : هذه هي دادي .
لم يكن هوارد جيلفورد في الكرسي المتحرك بل كان واقفاً بصعوبة على قدميه يسند نفسه بصعوبة على عكازين ..
قال : هيل يا فتاتي العزيزة . وهرعت إليه وحين استطاعت الوثوق بصوتها قالت : هذا ما تفعله ما إن أدير ظهري .
قال بصوت أجش : هذا ما يبدوا .
وابتسم لها لقد فقد الكثير من وزنه وعلى وجهه خطوط قلق ومعاناة .
أردف : لكنني صممت أن أرحب بك وأنا واقف على قدمي وليس في هذا الشيء اللعين .
ونظر إلى الكرسي بغضب نظرت إليها هيلاري بانتقاد وقالت : تبدو أنيقة لماذا كل هذه الآلات ألن تريني كيف تعمل نظرت لورنا إليها بامتنان أما هوود فكان يحاول العودة إلى الكرسي ونظر إليهما باعتداد : أستطيع تدبر أمري كما تريان نحن لا نحتاج إلى الممرضة لماذا لا نصرفها من العمل ؟
انحنت لورنا تقبل رأسه : لأنني و هيلاري لن نستطيع خدمتك كما يجب ليلاً ونهار أنت لا تستطيع الحراك دادي وبدل طرد المسكينة يجب أن أقنعها يومياً بالبقاء .
تمتم وقد ازدادت نظرة الاعتداد بالنفس عمقاً : المرأة بلهاء أين بروس ؟
دخل بروس الغرفة : أنا هنا كنت أنتظر حتى ينتهي اللقاء .
نظر إليه والده عابساً : أوه ..؟ حسناً لدي ما أقوله لك لكما معاً أنا لست أعمى أو غبياً وأعرف أن مشاكل وقعت بينكما قبل أن ترحل هيلاري لا أدري ما السبب ولا أريد أن أعرف أنتما ناضجان الآن ولم تعودا طفلين ومن حقكما أن تختلفا إذا أردتما هذا لكنها عادت إلينا مرة أخرى إنها في بيتها حيث تنتمي وأريد نهاية لكل ما جرى مهما كان يجب أن ينتهي وأريد أن يعم السلام بينكما .
قال بروس ببرود إذن ليكن السلام شرط أن تكون هيلاري راغبة .
عندما مد يده تركت أصابعه تلامس أصابعها للحظة سريعة بإحساس مخدر وبعدم القدرة على الكلام .
_ هذا سلام جليدي قبلها وصالحها يا رجل من يراكما يظنكما غريبين .
وقفت هيلاري مشلولة من فوقها رأت وجه بروس محفوراً كالقناع وعندما انحنى نحوها أغمضت عينيها رفضاً لكنها
أطاعته لكنها انبهرت من الأضواء المتدفقة من الطابق الأرضي كان الباب الأمامي مفتوحاً على مصراعيه ورأت جسد لورنا النحيل يتراقص هياجاً .
_ آه هيلاري ! هيلاري ! ما أروع رؤيتك أيتها الماكرة كيف ترحلين دون أن تودعيني لقد اشتقت إليك !
عقدت ذراعها حول خصر هيلاري وأدخلتها إلى المنزل كانت السيدة ستارلت بالانتظار في الردهة وكالعادة بدت مرتبة في فستانها الكحلي أما تعابير وجهها فلم تشر إلى الترحاب ولا الرفض .
نظرت هيلاري إليها ببرود : مساء الخير سيدة ستارلت .
_ مساء الخير يا آنسة إن أحببت أن تلحقي بي لأريك غرفتك .
قاطعتها لورنا بنفاذ صبر :لا ضرورة لذلك فهي تعرف غرفتها ألا تتذكرين أنه بيتها ؟ ودادي يريد أن يراها فوراً فهو على أحر من الجمر منذ الغذاء … الحبيب المسكين .. هل أخبرك بروس بحالته .
تنهدت هيلاري : أجل لماذا لم تخبريني بذلك لورنا ؟
قالت بانفعال : لو فعلت لخنقني إنه يكره الشفقة ويكره أن يتنازل أحد من أجله يصر على القيام بأكبر قدر من حاجاته بنفسه وظنناه يبالغ في إظهار استقلاليته في البداية ولكن الطبيب قال أن لا بأس بذلك .
سحبت نفساً عميقاً وقالت : الآن أنت هنا وسيكون كل شيء على ما يرام لقد عدنا عائلة من جديد .
ردت هيلاري : حتى تتزوجي .
ضحكت لورنا مترددة : أجل …. هذا ما أعتقد لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة .
ضغطت هيلاري على ذراعها بمحبة : حبيبتي هل أنت سعيدة ؟
ردت لورنا بخفة : كأنني في الفردوس .. فتشارلي يعبد الأرض التي أسير عليها .
_ الواضح أنه زوج مثالي .. وأرجو أن يكون هذا الإخلاص متبادلاً .
_ طبعاً و إلا ما كنت لأتزوجه .
اقتادت لورنا هيلاري من الردهة إلى غرفة الاستقبال وهناك فتحت الباب بانفعال معلنة : هذه هي دادي .
لم يكن هوارد جيلفورد في الكرسي المتحرك بل كان واقفاً بصعوبة على قدميه يسند نفسه بصعوبة على عكازين ..
قال : هيل يا فتاتي العزيزة . وهرعت إليه وحين استطاعت الوثوق بصوتها قالت : هذا ما تفعله ما إن أدير ظهري .
قال بصوت أجش : هذا ما يبدوا .
وابتسم لها لقد فقد الكثير من وزنه وعلى وجهه خطوط قلق ومعاناة .
أردف : لكنني صممت أن أرحب بك وأنا واقف على قدمي وليس في هذا الشيء اللعين .
ونظر إلى الكرسي بغضب نظرت إليها هيلاري بانتقاد وقالت : تبدو أنيقة لماذا كل هذه الآلات ألن تريني كيف تعمل نظرت لورنا إليها بامتنان أما هوود فكان يحاول العودة إلى الكرسي ونظر إليهما باعتداد : أستطيع تدبر أمري كما تريان نحن لا نحتاج إلى الممرضة لماذا لا نصرفها من العمل ؟
انحنت لورنا تقبل رأسه : لأنني و هيلاري لن نستطيع خدمتك كما يجب ليلاً ونهار أنت لا تستطيع الحراك دادي وبدل طرد المسكينة يجب أن أقنعها يومياً بالبقاء .
تمتم وقد ازدادت نظرة الاعتداد بالنفس عمقاً : المرأة بلهاء أين بروس ؟
دخل بروس الغرفة : أنا هنا كنت أنتظر حتى ينتهي اللقاء .
نظر إليه والده عابساً : أوه ..؟ حسناً لدي ما أقوله لك لكما معاً أنا لست أعمى أو غبياً وأعرف أن مشاكل وقعت بينكما قبل أن ترحل هيلاري لا أدري ما السبب ولا أريد أن أعرف أنتما ناضجان الآن ولم تعودا طفلين ومن حقكما أن تختلفا إذا أردتما هذا لكنها عادت إلينا مرة أخرى إنها في بيتها حيث تنتمي وأريد نهاية لكل ما جرى مهما كان يجب أن ينتهي وأريد أن يعم السلام بينكما .
قال بروس ببرود إذن ليكن السلام شرط أن تكون هيلاري راغبة .
عندما مد يده تركت أصابعه تلامس أصابعها للحظة سريعة بإحساس مخدر وبعدم القدرة على الكلام .
_ هذا سلام جليدي قبلها وصالحها يا رجل من يراكما يظنكما غريبين .
وقفت هيلاري مشلولة من فوقها رأت وجه بروس محفوراً كالقناع وعندما انحنى نحوها أغمضت عينيها رفضاً لكنها أحست بقبلته وكأنها وشم ساخن .
قال هوود راضياً مبتسماً : هكذا أفضل .
قال بروس : سأذهب لأضع السيارة في المرآب .
وترك الغرفة بدون أن يلتفت إليها . نظر هوود إليه وهو ينسحب : ماذا دهاه الآن ستحمل السيدة ستارلت الشاي بعد لحظات .
ضحكت لورنا وقالت بمرح : كأنه بحاجة إلى دوش بارد تعالي فلنصعد إلى فوق ولنتأكد من وجود كل ما تحتاجين إليه قبل وصول الشاي .
في الطريق إلى فوق همست لورنا : ما كان كل هذا بحق الله هل كرهت بروس حقاً .؟
هزت هيلاري كتفيها وقالت مراوغة : بطريقة ما .
_ أعرف أنه قد يكون خنزيراً قذراً لقد أشعرني أني … أنني حشرة لكن ربما تحسن قليلاً مؤخراً أو أنا أصبحت أكبر سناً إذا لم أعد أخاف منه كما كنت .. أتذكرين ؟ ردت : أذكر جيداً .
ضحكت لورنا : طالما دافعت عني أليس كذلك يا حبيبتي فلم تخافي قط من بروس إذن ما الذي قاله لك ليجعلك تتركين البيت هكذا ؟ عم تشاجرتما ؟
اختارت هيلاري كلماتها بدقة :حسناً بإمكانك القول أنا تشاجرنا بسببك .
بدت لورنا مدهوشة : بسببي أنا ؟ لكن هذا رهيب لم يكن لدي فكرة أوه هيلاري .
ضمتها هيلاري قليلاً : لا يهم حبيبتي كما قال والدك لقد انتهى كل شيء الآن .
أو هذا ما آمله فجأة شعرت بالذعر أوه لماذا كان على هوود أن يقول شيئاً ؟
تابعت لورنا بإلحاح : لكنه مهم يجب أن تخبريني ماذا جرى هيلاري لي الحق بمعرفة السبب .
فتحت الغرفة التالية بعد غرفتها تلك التي سكنتها منذ كبرا عن المشاركة بغرفة واحدة ترددت هيلاري ثم توجهت إلى السرير تفتح حقيبة زينتها لتبدأ بإخراج مواد التجميل ثم قالت ببطء : يتعلق الشجار بالحفلات التي كنت تذهبين إليها وبتلك الزمر الفظيعة التي كنت تخرجين معها كان بروس على ما يبدو يلومني .
قالت لورنا ساخطة : هذا غباء . ثم برزت فكرة صدمتها ونظرت إلى هيلاري نظرة رعب : أكان يعرف بها آه يا إلهي لكنه لم يقل كلمة ولم يلمح تلميحاً أنه يعرف حتى حين داهمت الشرطة منزل هورلي وضبطتهم يدفنون الحشيش .
ارتعشت : أشكر الله لأنني لم أكن هناك تلك الليلة .
لكنك كنت هناك في ليال أخرى رغم كل ما قلته
هزت كتفيها بعدم ارتياح : حسناً أجل يرتكب المرء هفوات في مرحلة ما في حياته .
بدا رأس هيلاري يؤلمها فانتزعت الدبابيس منه وتركته ينسدل على كتفيها سألت : ليس جميع الناس فلم يحدث أن فعلت ولا أعتقد تشارلي فعل ذلك .
ضحكت لورنا : تشارلي ؟ يا إلهي إنه رجعي لقد نال يوماً مخالفة مرور بسبب ذلك وقوفه في مكان ممنوع فتصرف وأن ذلك نهاية العالم .
نظرت إليها هيلاري بقلق في صوتها رنة سخرية لم يفتها سماعها ..
قالت بلطف : ليس عيباً أن يتقيد بالقانون تعرفين هذا يا حبي فقلة من الناس هم هكذا في هذه الأيام .
أجل أعرف لكن فلنعد إلى ما جرى بينك وبين بروس هل قال إن ذهابي إلى تلك الحفلات هي غلطتك ؟
_ شيء من هذا القبيل . ردت لورنا : وتشاجرتما ؟
_يمكنك قول هذا اسمعي لورنا أفضل أن أفعل ما اقترحه هوود أن أنسى كل شيء .
اكتسى وجه لورنا الجميل تعبيراً شيطانياً : إذن سأسأل بروس .
نظرت هيلاري إليها برعب : لا ! لا لورنا يجب أن لا تسأليه إن تحدثت بهذا مع أي شخص فلن أسامحك وسأغادر البيت ولن أعود إليه ما دمت حية .
تلاشت كلماتها المقطوعة الأنفاس إلى صمت عميق وطويل ثم تكورت شفتا لورنا في صفير صامت ملؤه الذهول
قالت ببطء : أرى أنك تعنين ما تقولين أنا آسفة حبيبتي لن أقول شيئاً إذا كانت هذه رغبتك ولن أذكر الأمر مرة أخرى لكن لا تذهبي أحتاج إليك أحتاج إليك حقاً لن أتحمل ذهابك الآن .
ارتدت عنها فجأة : أراك في الأسفل بعد قليل .
وذهبت إلى غرفة نومها تقفل الباب المشترك بين الغرفتين .
أثارت المصالحة التي جرت بينها وبين بروس في الأسفل توترها ورفعت يداً إلى الخد التي لثمها عليه وكم دهشت لأنها لم تر علامة عليه تذكرت بقوة آخر مرة عانقها بقسوة غاضبة .
كل الدفاعات التي بنتها بكل حذر ضد الماضي ضد العنف وضد الألم والعذاب والبؤس بدأت تتداعى من حولها الباب السميك الذي تعلمت أن تقفله في رأسها تعطل .
هزت رأسها لتنفض عنها الصور التي بدأت تتراكم فيه لو تركت تلك الصور تأخذ مجراها لغادرت المكان حالاً وفوراً
لكن لورنا بحاجة إليها قالت لورنا إنها لن تتحمل أن تذهب مرة أخرى .
همست لنفسها بصوت مرتجف :
لكن … هل أتحمل أنا … البقاء ؟
|