المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
ساحر النهر1
ساحر النهر
( 1 ) أميرة النهر
فى ذلك المساء البعيد ، كان "حسينة " يبلغ العاشرة من عمره ، وبمناسبة بلوغه هذه السن سمح له أبوه "مجيد " بمرافقته فى رحلة صيده اليومية ، فحمل الشبكة ، وجرى نحو النهر ، وهو يغنى ، ويصفر ، ويطوى المسافة طولا وعرضا 0
كم من مرة بكى كى يسمح له أبوه بمرافقته ، وكم من مرة شكا لأمه الطيبة ، لترجو أباه ، وتستعطفه حتى يرضى ، ويقبل مرافقته ، ولكن محاولاته باءت بالفشل ؛ فإصرار أبيه على بلوغه العاشرة أولا كان أقوى من أى إلحاح ، وأية دموع ، ودائما كان يردد :" النهر لا يحترم الضعفاء و لا الصغار "0
فى ذلك المساء رأى جنية النهر ، رآها تلعب على الجسر ، طفلة جميلة فى مثل عمره ، لها شعر فاحم كالليل ، ووجه كريم ، وغمازتان تدلان على أصل طيب عريق ، وثغر بسام ، ينثر البهجة فى أرجاء المكان 0
ابتسم " حسينة " بإعجاب وانبهار ، ودنا منها أكثر ، فشم رائحة زكية هفهافة ، لا هى رائحة الورد ، ولا هى الياسمين ، ولا الفل والنرجس ، ولا البرتقال ، إنها مزيج من كل هذا 0
انسحر بها ، فتحركت قدماه بضع خطوات ، وبلسان رقيق كان يقول :" من أنت ؟ أنا لم أرك فى مدرسة البلدة ، ولا فى الحارة 00 فمن أنت ؟ "0
قالت" أميرة النهر " بخفة وطفولة :" هيا نتسابق ، وإذا ماسبقتنى ، قلت لك من أنا "0
وافقها على شرطها الصغير ؛ فقد كان فعلا يتمنى معرفة من هى ، واستعد للسباق ، فوضع طرف جلبابه بين أسنانه ، ووقف فى وضع تحفز ، ثم أخذ نفسا عميقا ، وانتظر 0
قالت البنية التى هى أميرة النهر :" هل أنت مستعد ؟ "0
غمغم قائلا:" نعم 00 وأنت ؟ "0
تأهبت هى الأخرى ، وقالت بجدة :" سوف أعد من واحد إلى ثلاثة 00 واحد 00 اثنان 00 ثلاثة "0
بدأ السباق 0 انطلق حسينة كحمامة ، ولكنه توقف ، وراح يتابع البنية ، وهى تحلق فى المكان ، تحلق كعصفور 0 كانت قد أصبحت بعيدة ، وغابت عن ناظريه تماما ، فنادى بأعلى صوته :" لقد خدعت 00 لقد خدعت "0 وقعد على الأرض مبهور الأنفاس ، حين عادت ضاحكة قال :" أنت سريعة جدا 00 أنت ترفرفين كعصفور 00 هاها 00 وأنا أمشى كسلحفاة 00 لقد خدعتنى ياماكرة "0
كركرت بصوتها العذب ، وقالت:" إذن حزر فزر00من أنا ؟ "0
قهقه قائلا:" أنت ساحرة النهر 00 أنت ساحرة النهر "0
قالت مباشرة :" نعم أنا ساحرة النهر 00 أبى ملك الأنهار الطويلة والقصيرة 00 وقد سمح لى ببعض اللعب 00 هيا 00 هيا نلعب "0
قال " حسينة " :" أريد التحليق فى الهواء ، وأعلو فوق المدينة ، فأرى كم هى جميلة ، ثم ألمس النجوم ، وأعود أمشى على الأرض "0
أجابت "أميرة النهر":" تريد تصبح طائرا00أليس كذلك ؟ "0
قبيل إجابتها، دنت منه ، وأخذت ذراعيه ، ثم طارت به ، فإذا به يسمع صوت أبيه ، ينادى عليه ، ويستحثه ، فاهتز ، وكاد يقع على الأرض ، وقال حزينا :" ليكن هذا فى ليلة أخرى "0 أنزلته فورا ، وودعته ، ومضت ، ومضى ، وحين تلفت وراءه لم يجد شيئا !!
كان الرزق وفيرا كما وعدته،وكأنما فعلا همست للأسماك ، فارتمت فى شباكهم ،واشترى له أبوه حلة جديدة ، وكتبا كثيرة ، ونام ليلته ، وقد شاركته " أميرة النهر " فى أحلامه ، وراحت تلاطفه ، يطير معها عاليا ، فيلمس السحاب ، ويرى كائنات كثيرة تملأ الفضاء العالي ، بعضها بأجنحة زاهية ، وألوان غاية في الروعة 00 هام معها ، وهو يتشقلب في الجو ، ويهرب مع أميرة النهر ، خارج حدود الجاذبية الأرضية 0غفا في الفضاء فأدركته الأميرة ، وبأصابعها الرقيقة كانت توقظه ، فقد آن وقت العودة ، فصحا من نومه سعيدا ، يتمطى بملء ساعديه ، وفتح عينيه ليجد أمه فى انتظاره ، تتعجله ليفطر مع أبيه قبل ذهابه إلى مدرسته 0
كان كل ليلة يسارع بالذهاب ، جاعلا النهر نصب عينيه ، وهو يلف حول نفسه ، ويدور فرحا ، وكلما سأله أحد إلى أين أنت ذاهب ياحسينة ؟ يقول ، وهو ينط ويتشقلب :" النهر فى انتظارى00النهر فى انتظارى ،ويجب ألا أجعله ينتظر كثيرا "0
حين حاول الفتيان تأخيره ، وسدوا عليه الطريق كان يرجوهم إفساح الطريق ، فالنهر ينتظره ، وقد وعده بعدم التخلف 00 كل ليلة كان يحدث هذا ، حتى أطلق عليه الكبار " عاشق النهر "، وسماه الصغار " القرموط المسحور "0
التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب ; 31-03-08 الساعة 09:32 PM
|