كان يوماً عاصفاً من أيام آذار وصلت لورا وابن أختها إلى مطار ليوناردو دافنشي في روما . وكان روبرتو
قد حضّر كل الترتيبات, سيارة أوصلتها الى مطار لندن , مع تعليمات للسائق أن بؤمّن وصولها بالسلامة
الى الطائرة , ومقعد في الدرجة الأولى. لم تكن معتادة أن تسافر في مثل هذه الفخامه, فقد كانت
رحلاتها السابقة كلها رحلات عمل , مع سواح, والعديد من الكاميرات وأدوات التصوير والموديلات.
ونام جوليو طوال الرحلة , ولم يستفق إلا عندما كان مهده ينتقل إلى قاعة الوصول. كانت لورا تعلم أن
هناك من سينتظرها في المطار, ولكنها دِهشت عندما شاهدت أن من ينتظرها هو روبرتو بنفسه. وبدا
ايطالي المظهر, يرتدي بذلة رمادية فاتحه وربطة عنق فضية. وشعره أكثف وأكثر سواداً من ذي قبل,
مقدمة شعره مبعثره الى خصل وكأن الريح عبثت فيهظ وانحنى لها مرحباً عندما وصلت إلى جانبها, ثم
حدّق فوراً بابن أخيه , واضعاً يده الضخمة على وجهه الصغير المستدير بحنان.
- هل كانت رحلتك مريحة؟
- أجل شكراً لك.
- - هيا بنا نذهب إذاً. . فوالدتي متشوقة لرؤية الطفل.
- ولكن حقائبي.
- سيتم احضارها..
- على يد واحد من موظفيك..
وقادها روبرتو نحو سيارة ليموزين فضية, يقودها سائق . لورا لم تستقل من قبل سيارة بمثل هذه
الفخامه, وبدت وكأنها تطير فوق الطريق, بنعومة وهدوء.
- أين يقع منزلكم؟
- على إحدى التلال التي تشرف على المدينة.
- هل هو قرب مصنعكم؟
- أي واحد منها؟
- وكم مصنعاً لديكم؟
- العديد منها . ولكن منزلي ليس بالقرب من أي مصنع. لديّ مكتب في روما, ولكن المصانع قرب ميلانو وتورين.
- أليس ملائماً أكثر لك أن تعيش هناك؟
- ممكن , ولكن العائله هنا , لهذا أتنقل بالطائره, ولدينا مطار قرب كل من مصانعنا الرئيسيةو وهذا
يسهل عليّ أكثر.
- وهل عندك أخوة او أخوات آخرين ياكونت؟
- ادعيني روبرتو .. ليس هناك سواي. كانت لدي شقيقة ولكنها توفيت منذ سنوات.. أنت لاتعرفين شيئاً
عن عائلتنا يالورا.
- لا ... لقد قلت لك, جوليانو و... نحن لم نتحدث ابداً عن عائلتكم.
- مابال ساقيك؟
- ولماذا تسأل؟
- لأنك تبدين كارهه لإظهارهما. هذه ثالث مرة نلتقي فيها ولم أرى ساقيك.
- أحب لبس البنطلون أجده أكثر راحة عندما أعمل...
- بما أنك لن تعملي بعد الآن, فلا سبب لارتدائه..
- معظم النساء يرتدين البنطلون هذه الأيام, لم أكن أعلم أنك من الطراز القديم
-- أنا لا أرغب في أن أضع لك القوانين يالورا. ولكن بخصوص الثياب, ستجدين أن اشياء محددة غير
مقبولة هنا. عندما تتعودين على طريقة حياتنا ستعرفين بنفسك ماهو صح وما هو خطأ.
- إذا كانت البناطيل ممنوعة فنصف ثيابي سأرميها.
- من الأفضل أن تتخلي عنها كلها, وتضعي نفسك بين يديّ واحد من مصممي أزياءنا في روما. والدتي
ستكون سعيدة لإرشادك.
- وهل سأتلقى دروساً في كيفية التصرف.
- لا أرغب في أن أكون فظاً معك يالورا. تعليقاتي أقصد بها تسهيل أمر اقامت معنا.. سيكون من الأسهل
لك أن تعتادي على طريقة حياتنا.
-يبدو أنها حياة محافظة.
- إذا لم تعجبك بإمكانك العودة إلى انكلترا.
- ستحب عودتي.. أليس كذلك؟ ولكنني لن أعود .. لن أترك ولدي.
- أرجوك لا تغضبي.
واستقبلهما, تمثالين لأسدين, عند مدخل "بلازا ماسيني" وفِتح باب القصر, وأقبل خادمين للقائهما,
أحدهما حمل مهد الطفل, والآخر حمل الحقائب. ودخلت الردهة الداخلية ببطء , كانت كبيرة جداً لدرجة أن
بالامكان استخدامها كقاعة رقص. وبدا كل شيء فيها وكأنه مصنوع من رخام! الجدران, السقف, الأرض,
الطاولات,ومقاعد مكسوة بالكنافا, والعديد من الجرار الأثرية, بعضها ملئ بالزهور. وبدا المكان وكأنه
متحف أكثر من منزل خاص, وتمنت أن لا يكون باقي المنزل هكذا.
- والدتي ترتاح الآن.. أقترح عليك أن تذهبي إلى غرفتك وتستعدي للقائها بعد ساعة.
- بعد تناول الشاي؟
- إذا رغبت في الشاي اقرعي جرس الخدم واطلبيه , أنت تعلمين أن شرب الشاي ليس من عاداتنا.
ونظر إليها نظرة بدون معنى وقادها بصمت إلى فوق. وتبعته ووراءهما الخادمين يحملان المهد والحقائب.
ووصلا الطابق الاول, واستدارا يميناً نحو ممر طويل, ثم يميناً ايضاً الى ما بدا لها جناح صغير مخصص لها.
وتوقف روبرتو وفتح الباب ووجدت لورا نفسها في جناح اطفال رائع الديكور وتقدم نحو نهاية الغرفة وفتح
غرفة النوم, لتجدها بنفس الروعة ومليئه بالسجاد , وفيها سرير طفل وسرير عادي صغير. إضافه إلى
طاولة وكرسي صغيرين . وراء هذه الغرفة, يقع الحمام, وفيه مغطس واسع.
- إذا رغبتي في تغيير أي شيء فلك مطلق الحرية.
- لا ارغب في تغيير شيء هنا . من الواضح أنك تكبدت المشقه والمال لتحضيرها . هل غرفتي قريبة؟
- إنها في الجناح المقابل.
- ولكنني أريد أن أسمع الطفل إذا بكى!
- لا لزوم لذلك ... فسيكون معه مربية.
وفتح الباب ودخلت امراءه في اواسط الاربعين من عمرها , وحيتها بانكليزيه ضعيفة , ثم توجهت نحو المهد وحملت جوليو وضمته الى صدرها , وتدثت مع روبرتو بالايطالية, وتمنت لورا لو أنها تعرف اللغةوكأنما استشف افكارهافقال:
- تقول روزا إن الولد صورة من أبيه في نفس العمر.
- وهل كانت تعرف جوليانو.
-لا تقولي إنه لم يتكلم أبداً عن روزا؟ احياناً كنت أعتقد أنه يحبها أكثر من والدتنا.
- ربما ذكرها لي , ولكني لا أذكر.
- أرجوك لا تقولي لها, سيؤلمها كثيراً . تعالي سأريك غرفتك..
ونظرت لورا الى ابن اختها وابتسمت لروزا ولحقت به الى جناح من الغرف في الناحية الأخرى من الممر.
ووجدت هناك غرفة جلوس وغرفة نوم مفروشين بأفخم الاثاث , ومقاعد الجلوس فيها مريحة بشكل
مدهش, ومكتبة رائعة قرب النافذه , تطل على منظر رائع لروما.
- سأعود إليك بعد ساعة لآخذك إلو والدتي..
وشعرت وكأنها ستقدم أمام محكمة,فنظرت اليه عبر الغرفه, متوقعه ان يقول لها ماذا سترتدي. ولكنه انحنى لها وتركها لوحدها..
* * *
يتبع