12 – لا اتحمّل حبك !
علمت لورا في اليوم التالي أن روبرتو سافر الى تورين , وأنه سيغيب بضعة ايام. ومع ان الجزء
منها الذي يحبه كان مشتاقاً لرؤيته, فإن الجزء الذي يخاف منه كان سعيداً لخلاصه من عينيه
المراقبتين. بعد الظهر قادت السيارة الى روما لتلتقط صور الاطفال الامريكين الثلاثة . كانت تتوقع
ان تكون المهمة متعبة ولكنها دهشت لانها وجدت سهولة كبيرة مع الاطفال , واستطاعت ان تتحدث
اليهم على مستواهم . كان الاطفال الثلاثة صاخبون غاضبون وهم يتوقعون أن يجلسوا ثابتين في
اماكنهم لساعات , ولكنهم شعروا بالغبطة مع هذه الفتاة الصديقة الحمراء الشعر, وهي تركض معهم
حول الغرفة , تلتقط صورهم وهم يلعبون .
عادت الى القصر بعد السادسة مساء . ولكنها وعدت امهم ان تحضر لها الصور التجريبية في الغد
فبدأت العمل لتظهير الافلام,ولانها مجرد صور تجريبية طبعتها بالابيض والاسود وفي وقت قصير
اصبحت جاهزه.
الصور رائعه , وستبتهج أمهم كثيراً بها وربما أرتها للناس الآخرين في السفارة , وعندها ستحصل
على اعمال اخرى, وخرجت من غرفة التظهير وهي تفكر بالطريقة التي ستقوم بها بالدعاية لنفسها
دون ان يشعر روبرتو , لانه بالتأكيد سيعارض . وغيّرت ملابسها لتخرج لتناول العشاء مع بيدرو,
مع شعور بالراحه لان روبرتو يبعد اميلاً عنها.
ولم يسألها بيدرو شيئاً الى ان اصبحا في الشارع جالسين في سيارته اللوتس الضخمه متجهين نحو
المدينة , فأخبرته كل الوقائع التي اوصلتها الى هنا . وكشفت له مايكفي لأن يعرف ان وضعها صعب
وان روبرتو يعرف تماماً ماضي ماري , ولهذا السبب يعاملها بريبة كبيرة.
- إنه حكم سيء على الشخصيات إذ لم يستطع تمييز الفرق بينكما.
- إنه لم يلتقِ ابداً بماري.
- إنه يعرف كل شيء عنها من شقيقه . وأنت من الطراز الذي لا يقوم بما كانت تفعله .أنت شخصيه
مختلفة عنها تماماً.
- لا تبالغ.
- إنها ليست مبالغة ... أنت غاضبة ومتوترة , وليلة امس بدا عليك هذا.
- ليلة امس كانت استثناء . لقد صدمت عندما رأيتك. ظننت أنك ستفضح امري.
- ما زلت استطيع هذا .
- ولماذا قد تريد أن تفعل هذا؟
- لم أقصد أنني اريد... ولكن فقط استطيع ...
- أنت تهددني .. وليس السبب انك بحاجة الى المال.
وانفجر بالضحك وانحرفت السيارة قليلاً, فأعادها الى طريقها.
- بالتأكيد انا لست بحاجة الى مال . انت محقه . ولكن اشياء اخرى اهم عندي من المال .........
امرأه جميلة مثلاً . وكنت دائماً تتمنعين عليّ.
- انا لست من النوع الذي تفضله يابيدرو . فأنت كنت تحب شقيقتي.
- في ذلك الوقت ... اجل. ولكن هذا من الماضي. وها قد دخلت في حياتي واشعر وكأن ماري
عادت لي.
- لا تشعر هكذا ابداً.
- ولكنها الحقيقه . انت جميلة. انت جميلة كأختك تماماً . اضافه الى انك افضل منها بالذكاء. ماري
جميلة , ولكنها لم تكن متحدثه جيدة.
- ولا انت كذلك, حسبما اتذكره عنك !
وضحك ثانيه:
-حتى اهاناتك مسلية . لم اكن اتحدث معها لان ذلك مضيعه للوقت. ولكن انت....
وازاح يده عن المقود وامسك بيدها .
- لا ترفضيني بهذه السهوله . على الاقل اطي نفسك فرصة لتعرفيني.
وحاولت ان تقول له انها لا تحتاج لوقت لتعرف انه لن يعني لها شيئاً. ولكن الحذر اسكتها . لقد قال
انه لن يفضح امرها , ولكنها ليست متأكده من أنه صادق.
واجبرت نفسها على الابتسام , فالامسية امامها ستكون رهيبة , ولكنها مضطرة لان تتحملها بثبات
قدر المستطاع. ولم يعد بها بيدرو الى القصر قبل ساعات الفجر الاولى. وبعد نوم قصير كانت مازالت
تعبة اثناء درس الايطالية مع البروفيسور نيرو.
بعد الغداء مباشره , ذهبت لتعرض الصور على السيدة وليامز. وأقامت لها السيدة حفلة شاي صغيره.
ووجدت لورا نفسها محاطة بمجموعة من الزوجات الامريكيات الشابات , وكلهن يتسابقن ليحصلن على
موافقتها لتصويرهن . وعندما غادرت كانت قد حصلت على درزينه من المواعيد , مع التأكد ان العديد
سيتبع عندما يعلم الجميع في السفارة الامريكية بموهبتها . وخلال بعد الظهر الايام التالية من الاسبوع
ذهبت لورا الى منزل مختلف كل مرة. وكانت حذره حتى لا يشاهدها احد وهي تغادر القصر مع معدات التصوير
ولهذا تركت معظم معدات التصوير في صندوق السيارة . وحملت الكاميرا والعدسات في حقيبة انيقه
كانت الكونتيسة قد أهدتها لها.
وراودت لورا فكرة ان تخبر الكونتيسة عما تقوم به , لانها علمت ان غيابها المتكرر عن القصر
قد لوحظ. ولكن لو فعلت هذا , فستضطر ان تطلب منها عدم ذكر هذا لروبرتو , ومع انها تعرف ان
المرأه تحبها , الا انها لم تكن واثقة من انها ستوافق معها على اخفاء الامر عن ابنها.
حتى انها لم تكن قادرة على تمضية الامسيات مع الكونتيسة , لان بيدرو كان يلاحقها دائماً بطلب السهر
معه . واوضح انها انما يخرج معها لانها هي نفسها وليست لانها تشابه شقيقتها.
وفي احدى الامسيات وهما جالسان في مطعم فخم يتبادلان الحديث. مد يده عبر الطاولة وامسك بيدها
وفي تلك اللحظه بالذات , ولسوء حظها دخل روبرتو ومعه اوليفيا الى المطعم.
ورآهما روبرتو على الفور , وتعالى اللون الاحمر الى وجه لورا..... لماذا اختار هذا المطعم بالذات ,
ولماذا هو هنا في وقت كانت تعتقد انه في تورين ؟ وجذبت يدها من يد بيدرو وحاولت التظاهر بعدم
الاكتراث عندما توقف روبرتو واليفيا امام طاولتهما.
وقالت مبتسمة:
- لم اكن اعرف انك عائد الى روما الليلة . لقد قالت والدتك انك لن تعود قبل الغد.
- لقد اتصلت بها بعد الظهر لاخبرها بتغيير الموعد اعتقد انك كنت في الخارج
وتوقف عن الكلام وكأنما ينتظر منها تفسيراً, ولكنها ابتسمت لاوليفيا التي ردت علي غير عادة
وعلمت لورا انها سرّت لرؤيتها مع بيدرو , فهذا سيجعلها أقل خطراً عليها
وقالت ارليفيا:
- لم اكن اعلم ان بيدرو صديق مقرب لك لهذه الدرجة
فردت عليها لورا ببرود:
- انه صديق عزيز جداً
- اذاً الصحيفة اولغا دول على حق لقد كتبت عنكما في صحيفة الاشاعات هذا الصباح الم تقرأيها؟
- انا لا اقرأ عن الفضائح اترك لاصدقائي ان يخبروني عنها !
- لن نزعجكم تعال يا روبرتو
وقال بيدرو عندما ذهبا :
- انا لا اريد ان يفهم الكونت الامر خطأ انه لم يحب رؤيتك معي
- كنت سأقول نفس الشيء بالنسبة لك ولاوليفيا !
- وهل تخافين من هذه ؟ انها كقطعة " الفروج" مجرد فرقعة اصبع و..... تنكسر فوراً
لا ياعزيزتي انه الكونت الخطر . انه لا يحب ان يراك مع رجل وهذا يعني...
فقاطعته بسرعه قائلة:
- هذا لانه يعتقد انني ارملة جوليانو , فلم يمض على وفاتة سنة على كل الاحوال ,
ولو كنت حقاً ماري لكنت ما زلت في حداد عليه.
- لو كنت حقاً ماري لكنت وقعت في حب شخص آخر .لا تتخيليها غير ماكانت ,
احبيها على ما كانت عليه , لجمالها , لمرحها , لدفئها , لو كانت حية اليوم لكانت تتمتع بكل
لحظه من حياتها , وبثروة عائلة ماسيني لكانت الآن تسبح بالمال !
- ولكنني لست ماري, وليست لدّي النية ان اعيش ذلك النوع من الحياة التي عاشتها.
اذا كان هذا ما تفكر به يا بيدرو انسى الامر !
- انت تعلمين ان هذا غير صحيح, لقد قلت لك انني احبك لانك مختلفة.
- انت لا تحبني !
- بل احبك , فيك كل شيء قد احبه في امرأه.
- وكم مره قلت هذا الكلام؟
- اكثر مما اتذكر, ولكن هذه المره الاولى التي اعني فيها ما اقول.
وكان مستحيلاً عليها ان لا تضحك:
- على الاقل انت صادق , وااظن هذا جزء من سحرك.
- انت تبدين قاسية في وقت انا جاد فيه.
- اذاً دعني اكون جادة ايضاً انا لا احبك , ولن احبك ابداً , ومن الافضل لك ان لا تستمر في رؤيتي.
وهز رأسه وكان هناك عناد بارز في ملامح وجهه , مما حذرها ان لا تجادله , ولانها تعلم انه لا يزا
لديه تلك الورقة فلن تجروء على اغضابه , لذا بقيت صامته , ولكن عندما اوصلها تلك الليله الى القصر
لم يصر على ان يراها في اليوم التالي , ورضي بأن يخرج معها السبت المقبل.
كانت لا تزال تفكر به , وما بإمكانه ان يفعل بها لو قرر يفضح امرها وهي تسير عبر الممر الى غرفتها
ووضعت يدها على الباب ثم توقفت , وشعرت بحاجتها الى الطمأنينه , فانسلّت الى جناح الطفل.
روزا كانت نائمه في الغرفة المجاوره لغرفة نومه , وكان هناك ضوء خفيف ينير المكان فسارت
على رؤوس اصابعها الى سريره وركعت امامه , كانت ذراعه خارج الغطاء وراحته مفتوحه, فأحنت
رأسها الى ان وصلت شفتاها الى يده تقبلها.
وهمست:
- اه يا حبيبي .... انا احبك.
عندما شعرت انها ليست لوحدها وادرات عينيهاً جانباً دون ان تدير رأسها, فشاهدت ساقاً
تعلوها رجل بنطلون ضيق. وحاولت النهوض, الا ان يد روبرتو على كتفها جعلتها تبقى مكانها,
ثم ركع بقربها ووضع يده بحنان على رأس ابن اخيه, وبعد لحظات وقف و خرج الى الغرفة الخارجية
ولحقت به لورا.
-ارغب في التحدث اليك يا لورا.
-الا تستطيع الانتظار حتى الصباح؟ انا تعبة واريد ان اذهب الى الفراش.
وتركته وخرجت, ولكن ما ان وصلت الى غرفتها حتى كان وراءها ودخل معها الغرفة واغلق الباب.
- نستطيع ان نتكلم الآن.
-اذا كان الكلام يدور حول بيدرو...
- اذاً تعرفين .... أليس كذلك؟
- لقد جعلت الامر واضحاً في المطعم.
- لقد قلت لك الاسبوع الماضي انني لا ارغبفي ان تقابليه.
- انه صديق لي , وسأقابله قدر ما أشاء.
- أليس لديك احترام لذكرى جوليانو ؟ ألا تهتمين بتسببك الآلم لآمي.
- لأنني أقابل صديقاً؟
- لأنك تخرجين مع عشيق سابق لك !
- وهل حصلت على معلوماتك من اوليفيا ؟ لا بد انها تنظر اليّ كتهديد لها طالما هي تحاول
تدميري هكذا.
- اوليفيا تعرف كم انا اهتم باسم عائلتي. اما أنت كشخص فلست مهمة لديها.
ودفعتها المرارة لمحاولة إيذاه بقدر ما يؤذيها.
- او.... بلى ... أنا اهمها فهي تخشى أن تلحق بخطوات جوليانو !
- وهذا ما ستحبينه , اليس كذلك . ولكنني لن استطيع بعد الآن أن احبك, أكثر مما استطيع...
- تستطيع ماذا ؟ كن صادقاً يا روبرتو , لقد عانقتني تلك الليلة لأنك لم تستطع منع نفسك.
وأنت ترغب في هذا الآن ايضاً ! ارى هذا في الطريقة التي تنظر بها اليّ.
وتقدمت منه , وألتصقت به , ورفعت وجهها في جهة متحدية:
- هيا .... عانقني.... هيا روبرتو ..... افعل !
- وأتبع خطى جوليانو ! لا , أفضل أن اصبح راهباً !
- منذ فترة قلت انك لن تفكر في الماضي . وانا أيضاً احب نسيان الماضي, لو انك تتركني افعل.
ولكنك لن تتركني.
- اننا من صنع الماضي , حاولت نسيان هذا , ولكنني لم أقدر . الناس لا يتغيرون. إنهم يتعلمون
الاّدعاء اكثر فقط.
- لو أنك قابلتني دون ان تعرف من انا .... فكيف كنت ستفكر بي لو كنت انا الأخت التؤام لنفسي .
- نفس الشيء .... نفس الشيء ... فستكونين مصنوعة من نفس الطينة المصنوعه منها اختك
وفي نفس الوعاء لهما نفس الطعم .
وملأت الدموع عينيها , ورآها , ولكنه اساء التفسير.
- كم أنت جميلة عندما تبكين. هل تستخدمين الدموع دائماً لتحصلي على ما تدريدين...
وتقدم منها ومد يده نحوها وهمس.
- وهل هذا ما تردينه يا لورا القاسية القلب. المغرمة بحريتك.
فصرخت به:
- لا
ووضع يده على خصرها وجذبها نحوه, نفس ما تصرف به في تلك الليلة , عناق فيه عاطفه
وفيه غضب ولم يكن فيه أي حس أو حنان , وعلمت لورا أنها لاتستطيع ان تستسلم تماماً له
مهما كانت الظروف .
وفجأه تمتم:
- يا ألهي !
وابتعد عنها وتركها هذا الابتعاد المفاجئ , مترنحه , فوقعت على حافة الكرسي , ولكنها تحاشت
أن تقع وأجلست نفسها , ويداها ترتجفان بقوة....
وقال لها من خلفها :
- أرأيت بأي سهولة أستطيع ان احصل عليك, ولكنني لا اريدك.
- انت تتلاعب بالألفاظ يا روبرتو , أليس كذلك ؟
-اتلاعب بها بنفس السعولة التي تتلاعبين بها مع الرجال.
- إذا فكلانا من الاذكياء.
- اذكياء بما يكفي كي نبقى بعيداً عن طريق بعضنا البعض.
- لم ابحث انا عنك , أنت من سعيت وراءي.
- سعيت وراءك لنني كنت مصمم ان اجبرك على التصرف اللائق طالما انت تعيشين هنا
واذا غادرت روما. فلك ان تفعلي ما تشائين في حياتك , ولكن مادمت تحت سقف بيتي
ستتصرفين كأرملة اخي !
- واذا لم افعل ؟
- سوف آخذ جوليو منك , وأجعل المحكمة تعلن انك ام غير لائقة.
- لن تجروء على هذا !
- جربيني .
- انا اكرهك !
صوتها كان قريباً من الهمس , ولكن بما يكفي كي يسمعه,
فرفع رأسه :
- كراهيتك شيء لا يهمني يا لورا . حبك هو ما لا استطيع تحمله !
وصفق الباب وراءه , وتنهدت بقوة , ودفنت رأسها بين يديها ولكنها لم تشعر بالراحة للدموع
التي ذرفتها , وحدها معرفتها المريرة بأنها ما دامت في القصر , تحت نظر وسمع روبرتو,
لن تستطيع ابداً ان تنساه.
* * *
يتبع