7- درس في التربية
لم يظهر روبرتو في اليوم التالي قبل موعد الغداء . واعتقدت لورا انه تأخر في النوم , ولكنها دهشت عندما شاهدته في لباس الفروسية.
فقالت له:
- لم أكن اعلم أنك تملك خيولاً هنا؟
-اسطبلاتنا تبعد بضعة كيلومترات من هنا ؟
- وكم تمتد اراضيكم؟
- لدينا مئة هكتار هنا , ولكن املاكنا الأكبر في توسكانا. اذا كنت لا تزالين معنا في الصيف سيكون أمامك فرصة لزيارتها.
- سأنتظر بفارغ الصبر.
- هل نذهب لتناول الطعام , فأنا أموت جوعاً.
- ألن تنتظر والدتك؟
- ستقضي يومها في الفراش.
- لم أكن اعلم أنها مريضة.
- إنها ليست مريضة. ولكنني امرتها باراحة . قلبها ضعيف واذا لم اصّر عليها لتعتني بنفسها ستبقى تتجول في المنزل طوال النهار , ولديها لائحة طويلة بالاشياء التي ترغب في فعلها معك في الاسبوع القادم.
- مانوع هذه الأشياء ؟
- ستقول ذلك بنفسها.
- ها أنت تخادعني!
-هذه المره اأولى.
وقادها ألى غرفة الطعام حيث حضر مكانين على الطاولة الطويلة, وبينما هي تأخذ مكانها لم تستطع منع رجفه تملكتها.
- هل تشعرين بالبرد.
- لا....... انا فقط أشعر بالكآبة هنا.
- الكآبة؟
- بسبب الغرفة , انها واسعة جداً . ألا تجد الغرف مخيفة؟
- انا لا اجد منزلي مخيفاً . والحجم يتعلق بطريقة استخدامه وقد اجده صغيراً بالنسبة لي.
-لا تكن متباهياً بنفسك هكذا!
- ليس هناك تباه فيما قلته , صحيح ان المنزل كبير , ولكن كذلك الفرش واللوحات . لو كتعت نظرك بها فلن تجدي الغرفة كبيرة أو مخيفة ... بل ستجدينها ملائمه.
ومّت لورا شفتيها وغرزت شوكتها بغضب في القريدس في صحنها...
فقال ببرود:
-هذا قريدس... وليس شقيق زوجك..!
- أنت لست شقيق زوجي !
-قانونياً , لا . . . ولكن أخلاقياً , نعم . أتمنى حقاً لو أنك كنت متزوجة جوليانو يا لورا.
وابتلعت قطعة القريدس , ومعها ابتلعت الذنب الذي تشعر به لخداعها له .
- أنا مندهشة لأن لديك ضمير ياروبرتو .. حسب ما قالته والدتك هي من صعبت على جوليانو أمر الزواج مني.
- وهل قالت لك هذا ؟
- لست واثقة بأنني أصدقّها.. أظن انها قالت هذا بسبب..........
- ما قالته صحيحا... لو أن الأمر جرى كما أرغب , لسمحت لجوليانو أن يأتي بك الى هنا , ولكن لسوء الحظ استمعت إلى أمي...
أدهشها هذا الاعتراف , وأعجبت به أكثر من أي وقت مضى . وكانت تفكر بما ستقوله عندما عاود الكلام.
- عندما يكون الرجل مغرماً , لا سبيل للجدل معه . وكنت اؤمن أن جوليانو إذا رآك هنا في منزله لعلم أنك لن تكوني سعيدة فيه.
- أتعني انك كنت تأمل إن لا أكون ملائمة للعيش هنا . وان أتناول الخضار بالسكين , واتمضمض بالشوربا!
- شيء من هذا القبيل...
واجتاحها الغضب , وسلب منها قدرة الكلام , أرادت أن تقفز من مكانها لتضربه , لتصفع ذلك الانطباع
الساخر الذي على وجهه . ولكنها أجبرت نفسها على البقاء حيث هي , ولكنها لم تستطع اجبار نفسها
على ابتلاع ماتبقى من طعامها.
- لا يجب ان تغضبي مني لأنني أقول الحقيقه. ومن المؤكد أن مجرد إخبارك بهذا يشير الى أن ظنوني كانت خاطئه .
وقالت وهي ترتجف:
- وهل كانت خاطئه فعلاً؟
- طبعاً أنا لا اقول إنني اؤمن أنكما كنتما ستسعدان , فأنا لا زلت أعتقد بأنك ستجدين الحياة هنا مقيدة جداً . ولكنني اعترف أن الفروقات بينكما كانت ستكون في الطباع وليست في الاجتماعات.
هذا اعتراف عظيم يأتي منك , الأ زلت مصراً أنك لست" سنوب"
- ألانني أعترف بوجود حواجز طبقية ؟ أنا اواجه الوقائع يا لورا , ولا أصنعها .
- ولكنك تحاول تخليد هذه الوقائع !
- لا ........... ليس صحيحاً... أنا آسف لواقع اننا جميعاً لم نحصل على فرص متساوية . ولكنني واقعي بما فيه الكفاية لأعرف أنه حتى ولو كانت أمام الجميع فرص متساوية ’ فالبعض منا سوف يصعد الى فوق والبعض الآخر لا..... ولكن كل البشر أمام الله متساوين .و..........
وقالت بمرارة:
- روبرتو ماسيني!
- انني اعني مااقول .... وسأكون منزعجاً جداً فيما لو ان من يعمل معي يؤمن بعكس ذلك.
- ألهذا قام العاملون عمدك بإضراب في الأسبوع الماضي؟
- إنهم بعض الفوضويون , وعندما تحدثت مع رجالي عادوا جميعاً الى العمل . لو كنت قرأت نظام العمل في " ماسيني موترز" لرأيت أنه أفضل اتفاق في اوروبا كلها.
ولم تجب, والتقطت شوكتها من جديد لتتابع الطعام وقال روبرتو بعد صمت :
- أعتقد أننا يجب أن نتوقف عن الكلام في الماضي.
مهما قال عن نسيان الماضي , وعن الترحيب بها هنا , فهي تعرف أنه انما يقوله دون اقتناع . واقعياً
يرغب في أن تغادر منزله وتترك له جوليو. وفكرت بأختها التي لم يكن ليدعوها إلى هنا سوى لإذلالها.
وتصاعد غضبها من جديد . ومع ذلك فترجمة الغضب إلى كلمات فيه خطورة , إنها تسير في طريق كله
خداع , وخطوة واحدة قد تكون نهايتها . والتقطت انفاسها واستطاعت ان تسترخي ثانية . وأشار إلى الخادم ليأخذ الاطباق الفارغة.
واستطاعت بعد جهد ان تتكلم وغيّرت الحديث الى الكونتيسة:
- لقد قلت ان والدتك قد حضرت برنامجاً للاسبوع القادم ... هل تعلم ماهو؟
فابتسم وقال:
- كل ما أعلمه انني سأدفع الفواتير!
- اوه .... أتعني اننا سنذهب لنتسوق؟
- أنت أول امرأه أسمع خيبة أملها لهذه الفكره !
- تسوق الثياب لطالما أضجرني.
ومع ذلك أصبحت موديلاً للازياء؟
- لقد كان لديّ مصور مشهور قدمني للعمل . وهو قمة في عمله . وأصرّ دائماً على استخدامي في كل اعماله المهمة . لقد كنت محظوظة.
-هل مازلت تقابلينه؟
- من ؟
- المصور الذي تكلمتي عنه . أم ان هناك رجال آخرين ساعدوك؟
ولم يكن هناك أي خطأ بما يقصده , فاشتعلت غيظاً:
- لا يعجبني ما تلمح اليه.
- ولكنك تقدّرين الصراحة.
- صحيح ... ولكن...
- إذاً لماذا الادّعاء ؟ اذا كنت عشت حياتك بطريقة خاصة , فلماذا تحاولين جعلي أصدّق أنك لم تفعلي؟ الا اذا كنتي خجلة من ماضيك.
واحمّر وجهها , ولكنها تحكمت بلسانها.
- أعتقد اننا اتفقنا على عدم البحث في الماضي؟
وبدا منزعجاً لدرجة أنها عضت شفتها لهذه الخشونه . ولكن عندما عاد إلى الحديث , أخذ يتحدث عن مدرس اللغة الايطالية الذي كتب له بأنه مسرور لتقدم تلميذته.
- وهل طلبت منه كتابة تقرير عني ؟
- اعتبر انه من دواعي الأدب عندما أرسل لي الفاتورة.
- لقد سررت بتعلم الايطاليه .
- واضح انك تبذلين جهدك . ماهي خططك لبعد الظهر ؟
- عادة أخرج مع جوليو في عربته . لماذا لاتسمح لي بالتنزه خارج املاككم.
- تستطيعين المغادرة متى شئتي ولكن من دون الصبي.
- وهل تخاف أن اهرب به؟
- يا ألهي .. مثل هذه الفكره لم تخطر لي.. ولكن الولد ابن اخي. وقد يكون هدفاً للاختطاف . لم اكن اود ان لخبرك بهذا . ولكنك ام تتركي لي الخيار.
- انا سعيدة لانك اخبرتني... هذا يوقف شعوري بأنني سجينة.
- إذا رغبت في أخذ جوليانو خارج نطاق الأملاك , فلك الحرية ولكن بمرافقة حارس
- لا...... لا.... سأشعر بالامان بقرب أكثر المنزل , لقد تذكرت هذا لأنني .... لقد اسأت الحكم عليك.. انا آسفه.
- مهما يكن , فأنت تعتذرين بشكل جميل يا لورا .
كان هذا أول إطراء يوجهه لها , وتساءلت إذا كان مدركاً لهذا الأمر . وأنعش هذا روحها وجعلها تتكلم معه
دون توتر . وتشعب الحديث حول العديد من الأشياء , ولاحظت اتساع معلوماته بكل المواضيع التي
طرقاها.
وأخذت تفكر بماذا سيفعله لو أكتشف حقيقة هويتها , لم تكن نؤمن بأنه كعم جوليو , لديه الحق بالطفل
أكثر منها , ولكنه رجل في عالم الرجال , والأهم , أن لديه سلطة ومركز . لو أنها متزوجة وتستطيع أن
تقدم لابن اختها منزلاً ملائماً , ورجلاً يحل محل والده , لكان من الممكن ان تكون أمامها فرصة للاحتفاظ
به , ولكن , والأمر كما هو عليه , من دون أدنى شك سيفوز عليها روبرتو . وصممت أن تركز على حاضرها .
فهو يعتقد أنها ماري , وطالما الأمر هكذا لن تكون في خطر وتستطيع أن تبقى هنا مع الصبي , وجالت
عيناها في اللوحات من حولها , وتذكرت فجأه الآت التصوير التي لم تستخدمها منذ أن وصلت . سوف
تستخدمها لتصوير جوليو , فهي تحتفظ بألبوم مصور , ومع ذلك فسيشغل هذا بعد ظهر يوم واحد وسيبقى
لها عدد لن ينتهي من الأيام لتملأها بالعمل.
بعد انتهاء الغداء , دخل روبرتو إلى مكتبه , وصعدت لورا لتحضر ابن اختها . وخلال ساعة من الزمن دفعت
العربة أمامها عبر الممرات الملتفه التي قادتها إلى مناطق لم تكتشفها بعد من الأملاك . هذه الأراضي
ستكون رائعة الجمال في الصيف , حتى الآن والأشجار عارية والأرض دون أزهار تبدو بهيجة المنظر .
والطقس الأفضل يقترب , وبعد بضعة أسابيع من الآن سيكون الطقس دافئاَ , الصيف لا يطاق في روما ,
ولكنها تعلم أن هذا هو الوقت الذي ستذهب فيه مع الكونتيسة بشكل عرضي . ولكن , لماذا عليها ان
تهتم به ؟ من المفترض أن يكون شقيق زوجها ومن الأفضل لها أن تفكر به بهذه الطريقة. ولكن كشقيق
زوجها , مايفعله , ومع من , من الطبيعي أن يهمها.
عند الرابعه والنصف أعادت ابن شقيقتها لرعاية روزا . وذهبت تبحث عن آلة التصوير . كانت تستخدم
كاميرا أتوماتيكية مع عدة عدسات متغيرة , لها فلاش اليكتروني يمكنها من التصوير في أي مكان . اليوم
ستحضر الكاميرا , وغداً ستأخذ بعض اللقطات , وبعد غد ستظهرها . ولكن .... ليس عندها هنا غرفة
للتظهير . نظراً للغرف الكثيرة هنا بدا الموقف سخيفاً . ولكن لو أن لديها غرفة لتعمل فيها , فليس لديها
المعدات الكافية . وتمنت لو عندها التفكير السليم لتأتي بكل معداتها معها.
وتشوقت لتشرب فنجان شاي , فنزلت إلى غرفة الجلوس الصغيرة , ولم تصادف أي خدم في طريقها ,
لكنها كرهت أن تقرع الجرس ليحضر أحدهم . واخذت تتجول في الغرفة ومن نافذة الى اخرى , وفتح
الباب ودخل أحد الخدم وقدم لها رسالة على صينية من فضة . الرسالة كانت من صديقتها ليندا, رسالة
طويلة جداً مليئه بالاخبار والإشاعات حول اصدقاءهما المشتركين . وهذا ما جعلها تحنّ الى وطنها اكثر .
ولكن آخر فقرة من الرسالة أبعدت عنها شفقتها على نفسها , لأن ليندا , لسبب لا تعرفه شحنت كل
معدات الغرفة المظلمة لها إلى روما.- ((لقد كلفت كثيراً , وسترين ذلك عندما تستلمين الفاتورة , ولكن
هذا سيكون كنقطة من محيط بالنسبة للمليونير .)).
وابتسمت لورا , وكان من الجيد أن تقترح ليندا عليها أن يدفع روبرتو الفاتورة . ولكنها لم تكن تنوي أن
تتركه يكتشف بأنها سترتاح من الضجر في سكناها هنا.
- مالذي يجعلك تبتسمين هكذا يالورا ؟
وأجفلت عندما سمعت صوت روبرتو وقد دخل الغرفة.
- كنت أظنك لا تزال تعمل ؟
- لقد أتيت لأشاركك الشاي.
- ولكنني لم أطلبه
- لقد طلبته.
- هذا تفكير جيد منك.
- أنا رجل جيد التفكير .
- انت تتمتع بتدبير حياة الآخرين.
وحاول الرد , ولكن الخادم دخل وهو يجرّ طاولة الشاي أمامه . وفي الوقت الذي غادر فيه الغرفة كان روبرتو قد فكر جيداً فيما سيقول.
وصبت لورا الشاي وناولته فنجانه .
وسألته فجأه:
- هل ستحضر الكونتيسة العشاء معنا؟
- لا.... ولكن اوليفيا ستتعشى معنا.
- إذاً سأتناول عشائي في غرفتي.
- ولماذا؟
-ليس لي مكان بينكما انتما الاثنان.
- لو أنني كنت أرغب في العشاء معها لوحدنا لرتيا الأمر على هذا.
وهزت كتفيها لتظهر عدم اهتمامها . ولكنها كانت تعلم انها تكذب على نفسها , لأنها كانت تشعر بالتوتر في حضورها مع انها قابلتها لوقت قصير.
وتقدم روبرتو نحو الطاولة وأعاد ملء فنجانه , وتناول بعض البسكوت ,
وقال مبتسماً:
- من الجيد أنني لا اكون في المنزل بعد الظهر دائماً , وإلا سأصبح الشاي عندي عادة .. هل كنتي دائماً مشغولة بالتصوير ؟ بالتأكيد العمل كموديل أسهل؟
- اعتدت أن أعمل القليل مع الاثنين معاً , وكان من الممل أن اعمل موديلاً طوال الوقت.
- وهل تشعرين بالملل لكونك سيدة خالية من العمل ؟
-أحب كل دقيقة من حياتي هنا . قصر أعيش فيه , خدم يقدمون لي كل شيء . ولا حاجة لأن أحرك اصبعاً طوال اليوم , هذا بالضبط هو تصور الفتاة العاملة عن الجنة!
وكأن الملاحظه هذه لم ترضه , لأن فمه تقوس عند الزوايا.
- من المؤسف أن اخي ليس معك ليشاركك هذه السعادة.
- لا أعتقد من الضروري الحديث عن جوليانو , بعض الأشياء ليست بحاجة لوضعها ضمن كلمات.
- انا آسف .. ولكن عندما تتكلمين الآن اعتقدت أنك نسيتي أخي.
- وهل تريدني أن أتحدث عنه طوال الوقت؟
- بالطبع لا ! أنت على حق يا لورا . ارجوك أن تنسي ما قلته.
وقبل أن تفكر بشيء مناسب تقوله , غادر الغرفة.
بعد بضع دقائق خرجت تبحث عن الخادم لتسأله إذا كان هناك مكان ضيق مظلم تستطيع تحويله الى
غرفة تظهير . وبعد تردد قادها إلى الطابق الأول وتجاوز جناحها , ثم سار في ممر آخر ليصل إلى غرفة
كان واضحاً أنها تستخدم كغرفة مؤنة , إذ ليس لها نوافذ , مما يوفر عليها جهد إغلاقها , والأهم أن فيها
مغسلة وماء جاري . كذلك يوجد رف على طول أحد الجدران على ارتفاع الخصر . تستطيع استخدامه
لوضع الصواني , وماكينة التجفيف , ويوجد أيضاً عدة خزائن لتضع أوراق التصوير والسائل اللازم للتظهير .
فقالت:
- لا يمكن أن تكون أفضل حتى لو حضرتّها بنفسي.
وبدا السرور على وجه الرجل:
- إذا اخبريني أين ترغبين في وضع كل شيء, سأفعلها بنفسي..
- لن أعلم هذا قبل وصول كل شيء . ولكنني سأحتاج إلى كهربائي..
- هناك واحد في المنزل , فالأسلاك هنا بحاجة الى صيانه دائمه.
من المذهل ان الأمور سارت بهذه السهولة , وتوجهت لورا الى جناح الطفل لتؤدي مهمتها الليلة في
تغسيل الطفل . كانت تتمتع بهذا الوقت من النهار أكثر من أي شيء اخر. في لندن . كانت تصل الى
المنزل متعبة , فلت تكن تشعر بالمتعه , ولكن في "البلازا" فقد كان الروتين يغلب على ايامها , وكانت
تمضي وقتاً أكثر من اللازم في فرك جوليو بالصابون , وتركه يلعب في الماء وحوله لعب البط والقوارب
الطافية , تلك الليلة كان مسروراً جداً وأخذ يضرب الماء بيده حتى انه بلّل خالته . وبعد إن أخذ وقتاً أكثر
من كاف , أخرجته من الماء ولفته بالمنشفة , ولكنه اخذ يضرب بيديه ويركل بقدميه طالباً العودة الى
الماء , وكان صعبا عليها ان تستمر بحمله وهو في هذه الحاله الغاضبة , وأسرعت إلى الكرسي الصغير
قرب الطاولة التي وضعت عليها ثيابه . وما ان جلست وبدأت تجففه , حتى لاحظت أن روبرتو كان يقف
هناك قرب النافذه .
وسألها وهو يرفع صوته فوق ضجيج الصبي:
- هل يفعل كل هذه الضجة كلما استحم؟
- ليس عندما يكون في الماء , فقط عندما يخرج منه
- سأهدئه...
ورفعه عمه بين ذراعيه , واستمر جوليو في الصراخ ثم توقف فجأه
فقال روبرتو:
- إنه بحاجة الى التعامل معه بصرامة.
- ثم وضعه في حجر لورا .
فقالت وهي تصرّ على أسنانها:
-احياناً تنجح هذه الطريقة واحياناً لا . ومن حظك انها نجحت هذه المرة.
- جوليانو يحترم عمه.. لهذا التزم الهدوء!
وأنهت تجفيف ابن أختها , ورشت عليه البودرة, وألبسته ثياب النوم. وحملته بانتظار روزا لتحضر له طعامه. وعندما دخلت روزا, توقفت مندهشة لرؤية الكونت.
وسألت لورا:
- هل تريدين ان اطعم جوليانو؟
- لا سأطعمه بنفسي.
ومدت يدها لتأخذ الملعقه عندما قررت أن تعطي الطفل لروبرتو قائلة :
- انا واثقه انك ترّحب باطعامه.
وجلس روبرتو على الكرسي الذي اخلته لورا ووضع الطفل على حجره .
فقالت:
- الافضل ان اغطي بنطلونك , قد ينثر بعضاً من طعامه.
- قد ينثره.... ولكن انا لن افعل!
وكتمت ضحكة , ووضعت منشفه على ركبتي روبرتو , ثم وقفت لتراقبه وهو يطعم الصبي . كانت تظن انه
لن يعرف كيف . ولكنها دهشت لبراعته . هل كل الرجال الايطاليون بارعون مع الأطفال؟ أم ان روبرتو له
صفات خاصة؟ وانتظرت إلى أن أنهى الطفل طعامه , وفرك عينيه بقبضتيه , ووقف العم بعد أن قبّله قبلة
ناعمة , وهو لا يزال يحمله وتمتم:
- إلى الفراش الآن.
ونظر إلى لورا :
- أترغبين إن تضعيه في الفراش بنفسك ام نضعه سوية؟
وهزت رأسها بالإيجاب وسارت إمامه نحو فراش الطفل وكانت غرفة نومه مظلمة قليلاً مما جعلها حميمة جداً , ومرة أخرى شعرت برجولية الرجل الواقف بقربها .
وبحذر وضع روبرتو الطفل في سريره , وسألها:
- أليس لديه وسادة.
- بالطبع لا.. أرى معرفتك بالأطفال ليست كما كنت أظن.
- ليس لي معرفة بالأطفال.
- ولكنك تدبرت أمرك معه ببراعه.
-الحب معلم ممتاز.
- وهل تحبه؟
- طبعاً انه ابن جوليانو... كل ما بقي لي من اخي . وبالتأكيد تفهمين من بين كل الناس ما اشعر به؟
- بالطبع افهم.. ولكن المرأه تشعر برد فعل عاطفي , والرجل عادة لا يشعرون هكذا.
-اعتقد انك ستجدين الرجال يشعرون هكذا , ولكن معظمهم تربوا على عدم إظهار مشاعرهم . الرجال الانكليز يشعرون بالخجل من إظهار مشاعرهم, ولكننا لا نخجل منها.
وتثاءب جوليو , وانحنت لورا لتقبله قبلة النوم , وجعلها هذا قريبة جداً من روبرتو الذي كان ينحني فوق السرير بدوره. ووقفت بسرعة وابتعدت عنه . ووقف ايضاً والتفت إليها
- الا زلت لا تحبيني يا لورا؟
- ليس هناك سبب يجعلني أغير رأيي فيك.
- هذا ليس صحيحاً! في البداية اعتقدت انني سآخذ منك ولدك.
-ومازلت تنوي هذا.. لقد قلت إنني إذا رغبت في ترك القصر يجب أن اترك جوليو هنا.
- لا احد يطلب منك ان تتركي القصر . قلت لك ان تعتبري منزلي كمنزلك تماماً.
- منزلك لن يكون منزلي ابداً! دعني اعيش حياتي كما اريد يا روبرتو ! كم تنوي ان تبقيني هنا؟ لماذا لا استطيع العيش مع الطفل لوحدنا؟
- لأنه من عائلة ماسيني , وسوف يكبر هنا !
- لو أن جوليانو حياً..
- كنت ستعيشين هنا ايضاً.
من العبث النقاش معه , واظهرت اشارة الهزيمه , لانها تعلم انها ستهزم دائماً اذا اصطدمت مع هذا الرجل .
وقالت بغضب:
- انت تنتظر مني ان اذهب .. ولكنني لن افعل.
- لديك عادة مزعجه بتكرير ماتقولينه . ارجوك لا تقولي هذا ثانية !
- يوماً ما سآخذ الطفل واهرب !
وعلمت على الفور انها اخطأت بكلامها هذا , فقد اسرع وامسك يدها بقبضة كادت ان تكسر معصمها
وقال بغضب:
- لن تأخذيه من هنا ابدا . واذا لم تعطيني وعداً بهذا , سأضطر الى اعطاء تعليمات بأن لا تتركي لوحدك معه .
-لن تفعل هذا!
وحدقت في وجهه , ورأته وقد عبق بالغضب ولم تعد عيناه مرئيتان
فأجابت نفسها:
- بل ستفعل.
- هل تعطيني وعداً ؟ اما ان تعديني او .....
- اجل... ولكنني اكرهك لاجباري على هذا.
- استطيع العيش مع كرتهيتك يا لورا.
- وأنا كذلك!
- ولكنني لا اكرهك ... بل على العكس , لديك العديد من المزايا التي تعجبني .
- وهل هذا مصدر ازعاج لك؟
وارتفع فمه الى جانب واحد.
- في الواقع هذا يدهشني , ولكنك شابة مليئة بالاشياء المدهشه يا لورا.
* * *
يتبع