6- الوجه الآخر للكونت
معرفتها أنها إذا لم تكن حذرة فقد تخسر ابن اختها, أعاد إيقاظ كل الحب في قلب لورا له,ودون النظر الى
روزا أمضت معظم وقتها معه.
وسافر روبرتو , بعد أن دبّر أمر الدروس لها . وأبلغتها مساعدته أن البرفسور نيرو سيأتي كل يوم ليعطيها
درساً من التاسعة صباحاً الى الواحدة بعد الظهر.
بعد الأيام الثلاثة الأولى , شعرت لورا أن روبرتو كان على حق عندما قال ان الدروس المكثفة صعبة عليها.
ولكن عنادها منعها من طلب تخفيف كثافة الدروس . وأبلغتها الكونتيسة أن روبرتو سيتأخر أكثر مما هو
متوقع:
-انه لا يتأخر عادة ولكن هناك مشكلة في أحد المصانع ويريد أن يتعامل معها شخصياً, لو أنه يرضى بأن يرعى مصالح أملاكنا واستثماراتنا فقط , ولكنه يحب تحدي التجارة.
ليس صعباً ان تعرف انه مقاتل أكثر من أي شيء آخر
وتابعت الكونتيسة:
-عندما يعود ستتمكنين من التحدث معه بالايطاليه . البرفسور نيرو يقول انك تتقدمين في دروسك وأعتقد
ان هذا عائد لقدرتك في التمثيل
-ربما...لم افكر بهذا من قبل.
- أنت لا تفكرين بنفسك كثيراً, أتوقع منك ان تهتمي بنفسك أكثر, اعني ان تهتمي بنفسك وبمظهرك..
اعتقدت أنك بكونك موديلاً يجب أن تحبي الملابس أكثر.
-الأزياء هذه الايام حرة اكثر و اسهل . فهي تعطي المرء مظهراً عادياً.
- كنت أفكر فقط في الملابس , مثلاً انت لا تنظرين إلى نفسك في المرآه ابداً, عندما تمرين , معظمن
النساء يفعلن هذا , حتى انا افعل هذا.
وابتسمت لورا:
- سأفعل هذا في المره القاده.
وارتاحت لدخول روزا مع الطفل . وقالت الكونتيسة:
- اتركي الطفل معنا , وعودي بعد ساعه لأخذه.
وقالت لورا:
-سلآخذه الى غرفته بنفسي.
وأجلست ابن اختها في احد المقاعد, ونظر من حولة وتناول منفضة سكائر فضية , وبدأ فوراً بالعض عليها.
فقالت لورا مداعبة:
- المرة القادمه ستتناول سيجارة.
وأخذت منه المنفضه وأعطته بدلاً منها منديلاً رماه على الأرض فوراً
وقالت الجدة:
-انه بحاجه الى شيء صلب ليعض عليه, كنت اعطي اولادي عظمه من عاج.
ومد جوليو ذراعاه فالتقطته ووضعته على ركبتيها و فأخذ يلعب بالسلسلة التي في رقبتها, ثم حاول
الوقوف في حجرها
فقالت الكونتيسة:
- انه يبدو اكبر من عمره ... ولا واحد من اولادي حاول الوقوف قبل بلوغه السنه.
- اعتقد ان هذا عائد للتدريب ..الأطفال هذه الايام يعاملون بطريقة ناضجه اكثر . لقد تلقى طعاماً عادياً
عندما كان في الشهر الثامن.
- كان صعباص عليك تربية طفل بمفردك.
- لم يكن هذا سهلاً..
-بعد عشرة ايام من سفر روبرتو الى ميلانو , دخلت جناح الطفل لتجد روبرتو راكعاً قربه وهو ممد على
الارض. وتحركت روزا خارجه وتركتهما لوحدهما . وركعت بدورها امام جوليو , وهذا ماجعلها ملتصقه
بروبرتو فعادت الى الوقوف
- هل تريدين ان تحمليه؟
- لا .......... العب انت معه........... سأعود فيما بعد
- ليس هناك مايمنعنا من اللعب معه معاً.
وبقيت حيث هي , فرفع روبرتو الطفل بين ذراعيه , وكأنه معتاد على حمل الأطفال . وأخذت تتفرس في
ملامح وجهيهما المتماثله , حتى التعبير عليهما كان متماثلاً, وكان عليها ان تقاوم رغبة بالابتسام. وبدأ
يتحدث الى الصبي , بصوت ناعم وبالايطالية. وضربه الطفل على وجهه ثم دفن وجهه في رقبته.
- انتبه. والا سوف يسيل لعابه عليك.
- عليّ ان اغيِّر ثيابي على كل الاحوال.. لا امانع في ان ياوثني بلعابه..
وأزاحه بلطف ليجد بقعه على قبة قميصه فتابع قوله:
- انه مبتل ايضاً, وهذا غير مريح.
- سأغيِّر له..
وأخذته من بين يدي عمه الى غرفة النوم . وفتشت عن منديل لتغير له.. ودخل روبرتو واتكأ على خزانة
الجوارير وأخذ يراقبها وهي تزيل الفوطة المبتلة وتضعها في سلة المهملات قبل ان تضع اخرى ناشفه.
- ألن تضعي له البودرة؟
وفتشت عن العلبة ,ثم ضغطت عليها فخرج منها الكثير وانتشر في الهواء مما جعلها تسعل.
- كان من يمكن ان افعل هذا أفضل منك.
- اليس هناك شيء لا تستطيع ان تفعله؟
-مع أنني احب الأطفال , فلم استطع إنجاب واحد لي.
-انا واثقه لأنك لم تفكر بالأمر جيداً!
وانفجر ضاحكاً , وانزعجت لورا من نفسها لأنها احبت ضحكته هذه.
كيف سيكون الأمر بينهما لو أنها التقته في ظروف عادية؟ ولكنهما ليس مقدراً لهما ان يلتقيا كما المريخ
وعطارد المختلفا التكوين . المريخ وعطارد, ماهذه السخريه ؟ ولماذا مر الاسمان في ذهنها ؟أحدهما
يعرف بكوكب الحرب والآخر بكوكب الحب .. حسناً هناك حرب اكثر من الحب بينهما...
تلك الليلة تعمدت لورا ان تتأخر عن النزول الى العشاء , آملة ان يكون قد ذهب الى طاولة العشاء قبل
نزولها . ولكنها عندما دخلت غرفة الجلوس وجدته واقفاً يتحدث الى امرأه شابة . وما ان راى لورا حتى
تقدم نحوها.
- كنت سأرسل احد الخدم بطلبك , لماذا تأخرتي؟
ووضع يده تحت مرفقها , ودهشت لملمس يده الدافئه , وكأنه كان يهرّضها للنار طلباص للدفء.
- أوليفيا.. هذه زوجة شقيقي لورا... لورا هذه اوليفيا جوفاني, صديقة قديمة للعائلة.
وابتسمت اوليفيا ببرود للورا , كانت سمراء داكنة الشعر , اللون العادي لايطالية , مع ان عيناها رماديتان
براقتان
- احببت ان احضر الى هنا خلال النهار لارى الطفل... روبرتو يتكلم عنه كثيراً...
- انه عم محب...
تكلمت هكذا بدافع التأدب أكثر من كوه حقيقه , ودهشت لنظرة القلق التي بدت على وجة الفتاة
الايطالية. وتساءلت لماذا بدت الغيره على هذه الفتاة لأن روبرتو يحب ابن اخيه.
- هل تحبين الحياة في روما؟
- لا أعلم ... لم اشاهد الكثير من المدينه.
وتدخلت الكونتيسة قائلة:
- كان روبرتو في ميلانو كل هذا الأسبوع , ولم اشعر بالقوه لأرافق لورا بنفسي. أصبت بنزلة صدرية , وتركت الفراش لتحيتك يوم وصلتي يالورا...
وقالت لورا, وقد فهمت للمرة الاولى لماذا تقضي الكونتيسة معظم وقتها في غرفتها:
-آسفه لم أكن أعرف.
- ولكنني أتحسن ببطء , وسنبدأ نتمتع بوقتنا في الاسبوع القادم.
وقال روبرتو:
-ربما تكون فكرتك عن التمتع مخالفة لفكرة لورا.
فقاطعته لورا:
-سأكون سعيده بالذهاب الى اي مكان تختاره امك... على كل انا مشغوله كل صباح.
- اه ... اجل ..لقد نسيت الدروس ....زوجة اخي تدرس الايطاليه يا اوليفيا.
فابتسمت اوليفيا للورا:
- لا لزوم لهذا... فكل من ستلتقين بهم يحدثون الانكليزيه ببراعه.
- ولكنني آمل أن التقي بمن هم اقل حظاً.
وعلمت انها قد أزعجت روبرتو للنظرة التي رمقها بها.
-ماتعنيه زوجة اخي انها تأمل بلقاء الناس العاديين, ليس فقط من هم من المجتمع المخملي في روما .
إنها كانت تعمل لكسب رزقها وحياتها تختلف عن نمط حياتك.
وابتسمت اوليفيا وقالت:
-بالنسبة لي العمل من أجل العمل فقط لا معنى له . افضل أن اجعل من رجل ما رجلاً سعيداً أكثر مما افضّل العمل لرئيس يكثر من التذمر.
واجابتها لورا:
-إذا كنت تشعرين بهذه الطريقة , وانت مرتاحة مالياً فلماذا لا ؟.. ولكنني اموت ضجراً اذا لم افعل شيئاً
- إذاً ... امر جيد ان تتعلمي الايطالية...... انه العمل الوحيد الذي سيسمح لك روبرتو به.
- لو أردت العمل... لن يستطيع روبرتو ايقافي.
وساد الصمت, بطريقة متوترة, حتى تمنت لو أنها صانت لسانها أكثر
وتكلم روبرتو في النهاية:
- المسأله نظرية . في الوقت الحاضر وقتها مشغول بتعلم الايطالية وتتعود ان تأخذ مركزها في منزلنا .
وعندما يأتي وقت تشعر فيه بحاجتها لاشغال نفسها باتجاهات أخرى, سنتكلم عن هذا في حينه!
أثناء تناول العشاء تكلم روبرتو واوليفيا بالايطاليه ولدهشتها استطاعت لورا ان تتابع حديثهما , ولكنها
لم تتظاهر بهذا , يوماً ستفاجئ روبرتو بمعرفتها هذه . وحتى ذلك الوقت ستتظاهر بالعكس. بعد العشاء
غادر روبرتو واوليفيا المنزل لينضما الى اصدقاء في احد النوادي الليله, وبقيت وحيدة مع الكونتيسة و فجلستا على جانبي المدفأه, وكانت قطع حطب الصنوبر تحترق في المدفأه, على الرغم من عدم فائدتها, لوجود التدفئة المركزيه .
وكسرت الكونتيسة الصمت:
- اتمنى ان يتزوج ابني من اوليفيا. ستكون زوجة رائعه له.
- واضح انها من نفس الطبقة الارستقراطيه.
- والاهم من هذا انها تحبه. وهو بحاجة للحب. من النظرة التي على وجهك لا توافقيني الرأي.
- لا اعرف ابنك جيدا حتى اوافق او لا اوافق . مع انه يبدو لي راضيا بنفسه.
- انت لا تعرفين الرجل الكامن وراء قناعه . انه قادر على الحب والكراهية بنفس المستوى.
- انا مندهشه لانه لم يتزوج بعد.
-الايطاليون اما ان يتزوجوا في عمر باكر او في اواسط الثلاثين.
- لم أكن اعرف هذا .
- لقد توقف عن لهوه عندما مرض والده. لقد حمل مسؤولية كبيرة بالنسبة لعمره يوم ذاك . لقد كان في
الثالثه والعشرين عندما مات والده, منذ عشر سنوات.
-إذا كان جوليانو في اوائل مراهقته.
- لهذا كان روبرتو يشعر بمسؤوليته تجاهه دائماً. كان هناك رباط بينهما أقوى ممايجده المرء عادة بين
شقيقين . لقد كانا متوافقين حتى...
ولم تكن بحاجة لإنهاء الجملة , لأن لورا فهمت انها تعني حتى ظهرت هي في حياته,
وتابعت الكونتيسة:
-لقد تصرفنا بحماقة , لو التقينا بك عندما اقترح جوليانو ذلك. انني واثقه ان حبه لك كان حقيقاً . لقد كنت
انا السبب لعدم دعوتك الى منزلنا حتى الآن
- أتعنين ان روبرتو لم يكن هو المعارض للتعرّف اليّ؟
- إنها الحقيقه , فمن الآن وصاعداً لن يكون بيننا سوى الحقيقه. بنظري انت ارملة ابني, ومثل ابنتي,
اريدك ان تعتبري هنا كمنزلك يالورا . ولن يتم وانت تشعرين بالعداء لروبرتو. ارجو ان لا تلوميه من الآن
وصاعداً على ماحدث.
لو كان يريد ان يقابلني... فأنا مندهشه لماذا تركك تتحكمين به؟
- انه ايطالي , والوالدة للايطالي تعني الكثير, الى ان يتزوج.
- وهل تعتقدين انه سيتزوج من اوليفيا؟
- انه يرفض مناقشة المسأله. انه جذاب جداً, والنساء يقعن في حبه دائماً, وليس عجيباً انه يكره
الاستقرار. ما رأيك لو نلعب الورق؟ ستجدينه في تلك المكتبه في الجارور.
كيف لها ان تستمر في هذه الحياة هكذا! تتعلم الايطالية في الصباح , تلاعب الطفل بعد الظهر, وتتظاهر بالاهتمام بلعب الورق مع الكونتيسة بعد العشاء , وتدرس ماتعلمته من الايطالية بعد ان تذهب الكونتيسة للراحه؟ سيكون الامر أسوأ الآن وقد عاد روبرتو الى المنزل , فبمجرد معرفتها بقربه منها يجعلها لا ترتاح, ومع ذلك لا تجرؤ أن تدعه يشعر بهذا.
وفي وقت متأخر من تلك الليلة, بينما هي تستلقي في فراشها غير قادرة على النوم, سمعت روبرتو
يعود , ولم يدخل السيارة الى الكاراج بل تركها امام الباب ليدخلها السائق في الصباح, كانت الساعه
تقارب الثالثة صباحاً, وتساءلت, هل من عادته أن يتأخر الى هذا الوقت؟ وضربت وسادتها بغضب لماذا
تفكر به عند الثالثه صباحاً؟ هل اصبح هذا الرجل يستحوذ على تفكيرها؟ وجذبت الأغطيه الحريريه
تحت خدها. اغطيه حريريه لها اطراف مزخرفه من كل زاوية منها,ومع ذلك فهي مستعده
للتخلي عن ترف هذا الحرير في سبيل العودة الى شقتها وان تكون مسؤوله عن مصيرها بنفسها...
* * *
يتبع