الفصل الرابع :
مهمة سرية
- كل الدلائل تشير إلى ذلك يا سيدي ..
كان الجنرال (عمر) عصبيا للغاية .. متوترا لدرجة أن العرق كان يسيل من جبهته بشدة من الحمى .. وإن حاول كتمان ألمه ومرضه عن الضباط الذين التفوا حوله في طاولة الإجتماعات ببناية أمن المجرة الرئيسية على كوكب المريخ
وأردف الضابط الذي كان يتكلم :
- الرجال الذين كانوا بالسفينة من أكثر الرجال ولاء وثقة .. وكلهم من عرب المريخ .. البيوآليون كانوا تحت مراقبة أجهزتنا الأمنية الحساسة تحسبا لأي تمرد .. فقط أعضاء المجلس الإتحادي كانوا خارج طوق المراقبة الأمني طوال الوقت
والتقط نفسا عميقا وهو يكمل :
- احدهم خائن ..
قال (عمر) بعصبية :
- هذا اتهام خطير .. نحتاج لدليل مادي لا يقبل الجدل
قال ضابط آخر بلهجة شبه مستنكرة :
- لقد كاد الجنرال (جاد) يقتلك لولا أفقدك رجالك الوعي وسهلوا فرارك مع فرقة الشرطة الجنائية تلك في مركبتها السريعة مضحين بحيواتهم بآخر لحظة .. أتريد دليلا أكبر من ذلك؟؟؟
نظر إليه (عمر) بغضب ولم تعجبه طريقة كلامه وطريقة نطقه لفظة "فرار" .. فخفض الضابط عينيه وقال بصوت أقل حدة :
- لماذا لا تطالب المجلس بمحاكمة الجنرال وتجريده من صلاحياته ؟؟
قال الجنرال (عمر) بحدة :
- هل تظن ذلك سهلا ... الجنرال (جاد) كان معنا في الاجتماع وكان مهددا مثلي في الهجوم .. ولقد لفق هذا الثعلب الوغد حكاية عن استيلاء المتمردين على قطعة من أسطوله هي التي استخدمها لنسف المركبة الاتحادية ... كيف سترد عليه ؟؟
قال ضابط :
- كان يعلم أنك لم تكن لتغادر المركبة وتضحي برجالك ...
وقال آخر :
- ما العمل إذا ؟؟ .. لن نترك هذا الوغد حرا بعدما فعله .. لقد فشل هذه المرة في اغتيالك ... لكن من يضمن لنا ان لا ينجح في المرة المقبلة
قال الجنرال (عمر) وهو يشرد بعيدا ببصره :
- اطمئنوا ... لقد أرسلت بعض الرجال ليخترقوا صفوف الجنرال (جاد) ... وسنحصل على الدليل الكافي لإدانته وتورطه مع المتمردين
كان يفكر في الكابتن اجول ورفيقه عدنان اللذان أرسلهما في مهمة خاصة إلى مستعمرة ( بيغن ) .. حيث يستقر الجنرال (جاد)
وأردف دون وعي .. بصوت متهدج :
- المهم الآن هو أن أعثر على ابنتي
احترم الضباط الآخرون شروده وقال أحدهم في محاولة للتسرية عنه :
- هون عليك يا سيدي ... لقد نفت تحرياتنا وقوع ابنتك في أيدي المتمردين أو حتى رجال الجنرال جاد .. يبدو أن النقيب سامر الذي كان يقود مركبتك رعد استخدم وسيلة الإنتقال الجسيمي التجريبية كمحاولة منه لضمان سلامة ابنتكم من الهجوم ... لا بد أنه انحرف في مكان ما من الفضاء ... لقد أرسلنا إشارة إلى كل وحداتنا في انحاء المجرة ولابد أن نعثر عليهما فنطاق الإنتقال محدود
نهض الجنرال (عمر) من مقعده وقال وهو يرفع يده لإنهاء الإجتماع :
- في انتظار ألأخبار الجديدة علينا أن نستعد للحرب المقبلة ضد المتمردين ... هؤلاء الوحوش يريدون نسف ما بناه أجدادنا في قرنين من الزمان لبسط الوحدة والنظام في انحاء المجرة ... ولن نسمح لهم بمزيد من التقدم ...
وضم قبضتيه وهو يكرر :
- لن نسمح ..
......................................................
حين عاد النقيب (سامر) لوعيه كان أول شيء فعله هو الإطمئنان على ( زهرة)
ولقد عثر عليها في قمرتها على السرير تجلس القرفصاء ودموع ساخنة تتفجر من مقلتيها المحمرتين دليلا على انها كانت تبكي منذ فترة
قال لها بصوت متوتر :
- لا تخافي يا
سيدتي فوالدك قبطان فضاء ماهر وسيجد طريقة للنجاة
قالت بصوت مبحوح :
- كانت هذه المركبة طريقته للنجاة ... لكنه فضل أن يبعدني انا عن الخطر
من قال أنهما بعيدين عن الخطر ؟؟ كذا فكر (سامر) لكنه اقترب منها قائلا :
- صدقيني لقد عملت تحت قيادة والدك كثيرا وأنا على يقين أنه الآن على سطح المريخ يفكر كيف يرد الضربة على المتمردين
وأردف :
- ولكي نساعده ... علينا الإسراع باللحاق به هناك ...
صمت لحظة تحدق في وجهه .. قبل أن تنهض وتكف دموعها وقالت وقد أخد صوتها نبرة مختلفة :
- لقد تفحصت المركبة في أثناء فقدانك الوعي ... وسيدهشني جدا ان تجعلها تطير
قال بقلق :
- هل تعرفين أين نحن الآن ؟؟
هزت رأسها وقالت :
- أعرف ... يبدو المكان مختلفا عن صور الموسوعات لكن لا شك أن هذا هو كوكب الأرض
- لكنهم يقولون أنه كوكب ملوث لا حياة فيه ... وهواءه غير صالح للتنفس
قال سامر وهو يجول بعينيه في الطبيعة الدغلية الكثيفة التي سقطوا فيها :
- إذن فهم على خطا ... أو أنهم يخدعوننا.
وأردف بقلق :
- علينا ان نرسل نداء استغاثة عبر جهاز الإتصال بالمركبة .. ربما تكون إحدى فرق الأسطول الإتحادي تقوم بدورية بالقرب من الأرض .. أو في محطة القمر .. أدعو الله فقط أن يكون بأفضل حال من المركبة ذاتها
قالت زهرة بيأس :
- إنه يعمل .. لكنه لا يبث شيئا ... هناك تشويش كبير ...
قال بعد برهة :
- إذن علينا أخذه معنا والبحث عن مكان ما يقل فيه التشويش ... هذه فرصتنا الوحيدة
وحول عينيه في المكان وهو يساعدها لتنهض واقفة ..
كانت هناك طيور لم يريا مثلها من قبل ... وحيوانات صغيرة غريبة تجري هنا وهناك ... خرجا من حطام المركبة رعد وقد أخذا كل منهما كل ما يمكن استعماله في حقيبتي ظهر كبيرتين وشرعا يستكشفان الأدغال
الأمتار الأولى كان يشوبها الكثير من الحذر .. فهما يجهلان كل شيء عن طبيعة الكوكب .. أو ما آلت إليه بعد أن هجرت مئات السنين
لكنهما ما لبثا أن تركا حذرهما هذا جانبا وهما ينبهران بالمشاهد الطبيعية الخلابة التي لم يسبق لهما رؤيتها من قبل
حتى على كوكب المريخ الذي حوله التقدم التكنولوجي إلى جنة من الطبيعة الإصطناعية بنباتات من كوكب لأرض وأخرى هجينة
وأسعدهما التعرف على كائنات كانوا يدرسونها عنها كحيوانات منقرضة أسطورية
كان المكان يبدو مجهورا من كل حياة بشرية ..
فقط حيوانات برية تقفز هنا وهناك بسعادة لا يعكر صفو شيء
وأدغال كثيفة ...
غزو مهول للون الأخضر جعلهما يتعثران أكثر من مرة .. ويستعملان أسلحتهما لشق طريق وسط المتاهة الخضراء
- لنتوقف .. لا أستطيع المتابعة ..
قالت زهرة وهي تجلس بالفعل تحت ظل شجرة
كان سامر يحمل الجهاز بيديه وقال :
- ليس بعد .. أنا لا زلت لا أتلقى إشارة .. لا يعجبني هذا التشويش .. أخشى أن تكون طبيعته صناعية
وجلس بجوارها وهو ينتزع حقيبته من ظهره ويلقيها أرضا
قالت وهي تلهث وتتحسس قدميها اللتين تعبتا من المشي على أرض صعبة :
- ماذا تقصد ؟؟ .. هل تظن أن الكوكب مأهول أيضا ؟؟ ..
لم يجب على الفور .. وفتح الحقيبة مخرجا طعاما معلبا مد لها علبة وفتح واحدة شرب منها عصيرا لزجا قبل أن يقول :
- من الأفضل أن نستعد جيدا لكل الإحتمالات .. لدينا طعام يكفي تلاثة أيام .. وبندقيتي أشعة .. بضعة قنابل ضوئية وأسلحة أخرى بسيطة .. أنت تعرفين أستعمال الأسلحة طبعا ؟؟
قالت مستنكرة :
- ما رأيك ؟؟
اتسعت عيناه دهشة وأطلق شهقة قوية حتى أنها تراجعت للخلف فزعة وقالت :
- ما بك ؟؟
رأته يرفع سبابته ويشير خلفها وهو ينهض
حين التفتت وراءها رأت ذلك الشيء الذي أثاره لتلك الدرجة
كان سفينة مربعة كبيرة ترتفع في تلك اللحظة في سماء الكوكب تحيط بها هالة من الضوء الأزرق .. قبل أن تختفي تماما كالسحر تاركة خلفها خيطا من الضوء في انطلاقها
قال سامر بدهشة :
- لكن .. لكن .. يبدو هذا كنوع أكثر تطورا لتقنية الإنتقال الكوني ..
واردف يسألها بقلق :
- هل رأيت شعار المركبة ؟؟
قالت متجاهلة سؤاله :
- تبدو كسفينة مناجم .. كان عمي يملك مناجما في المريخ ويستعمل سفنا كثيرة كهذه لنقل الخامات لمعامل التكرير
قال سامر :
- مناجم ؟؟ .. اللعنة ..
والتقط حقيبته يعيدها إلى ظهره مردفا :
- علينا أن نسرع باكتشاف الأمر .. هناك لا بد محطة عسكرية ما هنا على الكوكب لا يعلم بها الإتحاد .. يجب أن نبلغهم بهذه الأخبار مهما كلف الأمر ..
نظرت إليه غير فاهمة لكنها نهضت بدورها وهو يقول بحزم :
- فشعار المركبة التي رأيناها منذ قليل ... تلك النجمة السداسية السوداء .. هو شعار المتمردين
ارتفع حاجباها دهشة وتبعته وهو يسرع الخطو بالإتجاه الذي انطلقت منه المركبة.
وكان قلبها يدق ..
بقوة ..