بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس:
السؤال.....
كان مصيره الهالك كل من يقف أمامه و تهوي عليه يداه, لم يبقى شيء على حاله, كل شيء آلا إلى الأرض, حتى أن أرضية غرفته أصبحت كومتا من الجثث............
نيران في داخله تنهش فيه , تحرق أوصاله, و قلبه كان محاصرا بين تلك النيران المتأججة في صدره........
كيف, كيف يحصل هذا؟
في البدء عمي و الآن كمال
يحول بيني و بينك,
لمــــــــــــــــــــــــــــاذا؟
أجتاحه شبح الماضي, ليزيد النار وقودا, لتتأجج و تشتعل أكثر فأكثر........
شبح الماضي فتح له باب تلك الذكرى المشأمة.......
ذكرى الوداع........
مـــــــــــــــــاذا قلت؟!
قلت أني أريد أن أتزوج من قمر.
صمت خيم على المكان...
وخوف و ترقب .....
و تهيئة و ستعاب للكلام.........
توقفــــــــــــــــــــــــــــــ ( قالها بأعلى طبقة من صوته )
توقف السائق المتفاجئ ....
عمي لماذا توقفنا هنا ؟! نحن لم نصل بعد إلى المنزل.
ألتفت إلى عماد و النار تقدح من عينيه...
هذا هو بيتك ( و أشار بسبابته إلى الشارع المكتظ بالناس) فنزل حالا.
بعيون حائرة ضائعة تبحث عن تفسير لكلام عمه :
ماذا قلت يا عمي, ما الذي جرى؟!!
و لازلت تسأل عن الذي جرى, حسنا سوف أخبرك بالذي جرى , الذي جرى أنك ولد ضائع , لا تحمل ذرة من الأخلاق, حاولت أن أعلمك , أدلك إلى الطريق الصحيح , لكنك أبيت , و أصررت على تصرفاتك المخزية, وآخرها الذي فعلته اليوم , تصل بك الجرأة بأن تحمل سكينا و تهدد صديقك بها , لقد جعلتني أدخل مركز الشرطة , أسمعت مركز الشرطة الذي في حياتي كلها لم أدخله, لقد مرغت رأسي في الوحل أيه العاق, و الآن وبعد كل هذا , و بكل وقاحة تريدني أن أزوجك بابنتي الوحيدة , كيف , كيف أسلمها إلى شخص مثلك , أتريدني أن أجعلها تعيش في جحيم مع شخص أناني , عديم الإحساس و عاطل مثلك, أغرب عن وجهه الآن قبل أن أرتكب فيك جريمة , أغرب.
و التفت إلى الجهة المعاكسة...
في حين أن عماد الجريح همس قائلا: ربما إذا تزوجتها سوف أصطلح , فأنا أحبها و لا أريد لها سوى السعادة.
فتح باب سيارة الأجرة و ترجل منها باللمح البصر و نغمس في فوج الناس حتى اختفى عن الأنظار......
كانت قبضة شبح الماضي شادت الوثاق على خلده...
لدرجت أنه كاد أن يفتح الجرح القديم ....
إلا أن صوت رنين هاتفه النقال أنقضه.....
ضغط على زر الاستقبال دون أن يتعين الرقم الظاهر على الشاشة, فهو قد عاد من عالم آخر لت:
ألو....
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ +
فتحت باب غرفتها تدريجيا , توقفت عن تحريك الباب ,فالرؤية باتت واضحة.....
أخذت تتنقل بعينيها العسليتان في كل أرجاء الممر.....
( المكان خالي, أيعقل أنه نائم؟)
صوت تناهى إلى مسمعها , أنه صوت باب يفتح بعنف و مصدره غرفة.....
( عمـــــــــــــــــــــاد) قالتها بصوت ملئه الخوف و الرعب.
أغلقت باب غرفتها لا إراديا....
أنفاسها بالكاد تقدر أن تمسك بها...
و أوصالها تتصادم ببعضها البعض من شدة الرعشة التي تخللت جسدها الهزيل..
و قلبها كاد أن يسقط من عرشه إلى الأقدام.....
صوت وقع أقدامه تقترب رويدا رويدا من غرفتها.....
توقف الصوت..........
( انه هنا, يا الله أعني)
عاد صوت و قع أقدامه يصل إلى مسامعها من جديد.....
وضعت أذنها على الباب لتتأكد من أنه قد رحل....
عاد الهدوء من جديد...
( أيعقل أنه ذهب!)
بيد ترتعش فتحت الباب رويدا رويدا, في بادئ الأمر لم تلمح شيئا, لكن ما لبثت أن سمعت وقع أقدام من جديد, فأغلقت الباب على الفور..
توقف الصوت أمام غرفتها...
ابتلعت ريقها بصعوبة...
صوت قرع الباب دوى ...
لم تفتح بل أكتفت بإغماض عينيها , و شد قبضت يدها على مقبض الباب حتى تمنع دخول أحد إلى غرفتها , أو بالأحرى الذئب...
تسلل إلى مسامعها صوت أبرد فوائدها, و حررها من سجن الخوف...
(
سيدتي قمر اتصال لك)
( أهذه أنت رجاء؟)
و مسحت وجهها بيدها, لتمسح ملامح الخوف و تصبغ ملامح الراحة..
فتحة الباب و قالت:
( رجاء هل عماد هنا؟)
( لا سيدتي , لقد خرج )
خطت قمر على شفتيها ابتسامة
وقالت: شكرا لك رجاء.
واندفعت راكضة إلى الدرج...
ما هي إلا ثواني معدودة إلا وهي أمام الهاتف, تناولته و من ثم قالت و الابتسامة لم تفارقها و السعادة جلية على صوتها: ألو حبي..
( أحقا أنا حبك ؟)
شهقت من شدت الصدمة...
هو ليس الشخص الذي كانت تتوقعه...
( ماذا بك لا تتكلمين, ألهذه الدرجة تحبين, لدرجة أنك لا تقوين على الكلام؟)
بلا وعي أغلقت السماعة....
وضلت واقفة مكانها بلا حراك....
خيم الهدوء....
لكنه لم يدم حيث قتله صوت رنين الهاتف....
قمر لم تتحرك بل أكتفت في المراقبة ....
تحول الهاتف إلى المجيب الآلي......
عاد صوته من جديد ليقتل موجة سعادتها من جديد....
( ألو قمر, قمر)
تخلل طبلتا أذنيها صوت تنهيدة مصدرها الهاتف...
تلاها:
قمر أنا أعلم أنك تسمعيني, لهذا سوف أتكلم و أقول لك عن قراري بخصوص زواجك ب.... ب.....بكمال
( قلبه لم يطاوعه على قولها)
قمر إذا تزوجتي بكمال فليس لك مكان في حياتي, أقصد أنك سوف تصبحين وحيدة في هذا العالم, و حيدة, أعلم أن هذا السؤال سخيف و أجابته معروفة لكن سوف أطرحه عليك, هل تختارين العيش معي أو العيش مع كمال؟
أنا أنتظر إجابتك.
أخيرا نطقت و بكل ثقة: مع كمال بطبع.
أخذ نفسا عميقا وما أن أخرجه من صدره قال: إذا وداعا قمر.
و أغلق الهاتف...
ضلت قمر لم تستوعب الذي جرى منذ قليل, هي صحيح أجابت, لكن , لكن , كل شيء مشوش في عقلها , أتفرح أم تحزن...
في حين أن الطرف الآخر كان يتعذب , يحترق من الداخل , حتى أن النار التي تشتعل في قلبه خنقته بدخانها , فما عاد يقوى على التنفس ...
أخذ يفتح أزرار قميصه لعله يلتقط أنفاسه الضائعة....
### يتبع###