كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
الجيل الثالث ( ملف المستقبل ) 7- المخلوق
هدوء عجيب، ذلك الذي شمل العالم الكهل، وهو يقيِّد أحد مساعديه في إحكام، إلى السرير الطبي، داخل الحجرة المعقمة، ويقول للآخر:
- ابدأ الاستعدادات.
سأله المقيَّد:
- أأنت واثق من أن هذا التطوَّر سيؤتي ثماره؟!
أومأ برأسه، وابتسم، دون أن يتفوه بكلمة واحدة، ثم التفت إلى مساعدته، قائلاً في حنان:
- سيأتي دورك بعده.
أومأت برأسها، في خضوع شديد، وسألت في رقة وخفوت:
- ماذا ستضيف هذه المرة يا أبي؟!
ملأ صدره بالهواء، قبل أن يجيب في نشوة:
- أنبل وأقوى حيوان في الدنيا.
أطل تساؤل وشغف، من عيون الثلاثة، فأضاف في اعتزاز:
- الجواد.
التمعت عيون ثلاثتهم، حتى ذلك الراقد على سرير الفحص، والذي قال في نشوة أكبر:
- الجواد حيوان قوي، وسريع.
قالت الفتاة في حزم:
- الفهد أكثر سرعة.
قال الثالث:
- ولكن الجواد جميل.
أشار العالم إلى ثلاثتهم بالصمت، وقال:
- سنرى النتائج، خلال يومين فحسب.
تساءلت الفتاة:
- وبعدها.
ابتسم دون أن يجيب، واتجه نحو المبِّرد، والتقط منه واحدة من الزجاجات الصغيرة، التي تحوي السائل الوردي العكر، وعاد بها إلى الراقد، قائلاً في حنان خافت:
- مستعد؟!
أومأ المساعد برأسه، وبدا القلق على وجهي المساعدين الآخرين، والعالم يملأ محقناً كبيراً بذلك السائل الوردي، ثم يتحسَّس عظمة القص لدى مساعده، وهو يقول في إشفاق:
- أغلق عينيك في قوة، فهذا سيؤلمك قليلاً.
سأله المساعد الثاني في قلق:
- ألا يمكن تخديره أوَّلاً؟!
أجابه في صرامة:
- كلا.
ثم غرس إبرة المحقن، في عظمة القص في قوة...
وأطلق المساعد الراقد صرخة..
صرخة ألم عنيفة، دفعت المساعدين الآخرين إلى إغلاق عيونهما، والفتاة تهتف:
- ياللمسكين!
ثم فقد المساعد وعيه، من شدة الألم..
وفي هدوء وحزم، ودون أن يتأثَّر بما حوله، وكأنه انفصل تماماً عن عالمه، راح العالم يدفع ذلك السائل الوردي العكر، في عظمة القص في بطء، وعيناه تتألَّقان في شدة..
لقد تجاوز علوم عصره بكثير..
كثير جداً..
* * *
لم يكد الدكتور "حجازي" يصل إلى "الإسكندرية"، حتى انتقل مباشرة إلى مقر الفريق، حيث استقبله "نور"، قائلاً:
- نريد رأياً علمياً يا دكتور "حجازي".
سأله الدكتور "حجازي" في اهتمام:
- بشأن ماذا؟!
قاده "نور" إلى لوحة معلقة على الجدار، يتطلَّع إليها الجميع، وأجاب:
- هذا.
اتسعت عينا الدكتور "حجازي" عن آخرهما، وهو يحدِّق في ذلك الرسم، الذي بدا له خرافياً، وربما أكثر مما ينبغي..
كان الرسم لمخلوق، له تكوين جسدي بشري..
ووجه غير بشري..
على الإطلاق..
وجه، أشبه بوجوه القطط..
أو النمور..
العينان..
الأنياب الرفيعة الحادة..
الأنف الأسود..
وحتى تلك الشوارب الرفيعة الطويلة..
أما الأيدي فكانت تحوي أظافر طويلة..
قوية..
حادة..
ولكن كل هذا، على الرغم من غرابته، لم يكن السبب الرئيسي لدهشته..
ربما لأنه توقَّع أو تخيَّل هذه الهيئة، عندما فحص الحمض النووي للظفر..
ما أثار دهشته، وربما ذهوله أيضاً، هما الجناحان..
جناحان ضخمان كبيران، ينبتان من ظهر المخلوق، ويجعلانه يحلِّق في فراغ كبير..
جناحا نسر..
إفريقي..
وبكل دهشته العارمة، غمغم الدكتور "حجازي":
- أهذه هيئتهم؟!
أومأ "نور" برأسه إيجاباً، وقال:
- كما رسمتها شاهدتنا الوحيدة.
سأله بنفس الدهشة:
- وكيف بقيت على قيد الحياة؟!
أجابه "نور":
- لم تكن الضحية المقصودة.. لقد ظفرت تلك الكائنات المخيفة بضحيتين اليوم، والثانية كانت تقيم، في الشقة التي تعلوها مباشرة.
غمغم الدكتور "حجازي":
- ياللمساكين!
وافقه "نور"، بإيماءة أخرى من رأسه، وتساءل:
- كيف يمكن أن نحصل على شيء كهذا؟!
أشار الدكتور "حجازي" بيده، قائلاً:
- من الناحيتين، العملية والعلمية، هذا مستحيل تماماً، فحتى أحدث أبحاث الهندسة الجينية، وزرع وتركيب الجينات، مازالت تواجه مشكلة كبيرة، في إقناع جينات الفصائل المختلفة، في الاندماج ببعضها البعض.. العلوم الحديثة، أمكنها مزج جينات أنواع مختلفة من الحيوانات ببعضها البعض، في ظروف شديدة التعقيد، وباستخدام آخر تطورات التكنولوجيا، وكذلك الأنواع المختلفة من الطيور، أو الزواحف، أو حتى الحشرات، ولكن كل نوع منها، مازالت جيناته ترفض الامتزاج بجينات الأنواع الأخرى، أو على الأقل إكمال نموها، في ظل هذا الامتزاج، وما تراه أمامك هو مزيج مدهش، من الحيوان والطير، وتحليلاتنا تضيف الزواحف أيضاً، وفي رأيي الشخصي، لا يمكن أن يحدث هذا، تحت ظروف طبيعية.
سألته "سلوى" في قلق:
- من أين أتت تلك السلالة إذن؟!
صمت لحظات، وهو يتطلَّع إلى الرسم، قبل أن يجيب:
- إما أنه قد تم إنتاجها، عبر تكنولوجيا تفوق كل ما نعرفه، أو..
عاد إلى صمته، فقال "أكرم" يستحثه:
- أو ماذا؟!
التقط نفساً عجيباً، قبل أن يجيب في توتر:
- أو أنها قد أتت من خارج كوكب الأرض..
وانتقل توتره إلى الجميع..
بمنتهي العنف..
* * *
فجأة، استعاد المساعد الشاب وعيه، وانطلقت من حلقه شهقة قوية، قبل أن يلهث في عنف، ويدير عينيه فيما حوله، في توتر شديد، فربت العالم الكهل على كتفه مهدئاً، وهو يقول في حنان:
- لا بأس.. لقد انتهى الأمر.
غمغم المساعد في توتر:
- حقاً؟!
ربت على كتفه مرة أخرى، في حين ابتسمت له المساعدة، قائلة:
- لقد حللنا قيودك.
انتبه إلى هذا، في اللحظة نفسها التي نطقت فيها عبارتها، فهبط عن سرير الفحص، وتساءل في قلق:
- هل نجحنا؟!
أجابه العالم في هدوء:
- سنعرف، قبل مرور يومين من الآن.
بدا عليه قلق أكثر، في حين قالت الفتاة:
- هل أبدأ أنا؟!
ابتسم لها العالم، وهو يقول:
- ولكن جيناتك ستختلف.
سألته في شغف:
- علام سأحصل.
أمسك يدها، قائلاً:
- سأريك.
قادها في هدوء إلى قبو كبير أسفل معمله، يكتظ بأقفاص، تحوي أنواعاً مختلفة، من الطيور والحيوانات والزواحف، وتوقف معها أمام قفص زجاجي كبير، وسألها:
- ما رأيك؟!
وتألَّقت عيناها بشدة..
فما رأته كان مدهشاً، وقادراً على منحها قدرات مختلفة..
ومدهشة..
إلى حد كبير.
* * *
|