كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
25- أصوات..
(مستحيل!..)
نطق كبير طاقم العلماء المعاونين الكلمة، وهو يهز رأسه نفياً أمام الدكتور "حجازي"، الذي بدا آسفاً يائساً، وهو يقول:
- حتى ولو حصلتم على كل المساعدات الممكنة؟
هزَّ الرجل رأسه نفياً مرة أخرى، وقال:
- المشكلة لا تكمن في الإمكانيات والمساعدات، بل في التفاعل الحيوي المنشود لإنتاج المضاد، فهو يحتاج إلى يومين كاملين على أقل تقدير، ولقد حاولنا تحفيزه باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، أو حتى بالاستحثاث الليزري، إلا أنه لم يستجب لأيهما.
غمغم الدكتور "حجازي":
- ربما ليس في الظروف المعملية الطبيعية.
أجابه الرجل في حزم:
- ولا حتى في الظروف المستحدثة.. لقد حاولنا استخدام الوسط الدافئ، والمعامل المفرغة من الهواء، وحتى التي يتم تنشيطها بالأشعة الأيونية، ولم يمكنّا الحصول على شيء.. أي شيء.. التفاعل الحيوي يحتاج إلى زمنه الفعلي، مهما كانت المؤثرات الخارجية.
زفر الدكتور "حجازي" في توتر، وقال في أسف وأسى:
- إذن فلا توجد وسيلة عاجلة لمواجهة تلك المسوخ.
تردَّد كبير طاقم العلماء لحظة، قبل أن يقول في حذر:
- ليس جميعهم.
رفع الدكتور "حجازي" عينيه إليه بحركة حادة، يسأله:
- ماذا تعني؟!
أجابه في حذر أكثر:
- التجارب الأوَّلية أنتجت جرعة واحدة من ذلك المضاد، لن تكفي لمواجهتهم جميعاً، ولكن ربما..
تردَّد باتراً عبارته مرة أخرى، فقال الدكتور "حجازي" يستحثه:
- ربما ماذا؟!..
تنهَّد الرجل في توتر، مجيباً:
- ربما تكفي للقضاء على واحد منهم فحسب.
انعقد حاجبا الدكتور "حجازي"، وهو ينظر إليه في صمت، فغمغم مستطرداً:
- يعتمد هذا المضاد على كسر التوازن الجيني الذي يجمع كل تلك الصفات الوراثية في جسد واحد، فعملياً، يستحيل أن تندمج جينات الأنواع المختلفة في ضفيرة وراثية واحدة؛ إذ ينشأ حتماً تنافر قوي بين الجينات غير المتماثلة، ولكي يحدث هذا الاندماج على النحو الذي رأيناه لا بد من وجود مادة وسيطة تشبه تلك التي استخدمت قديماً في عمليات زرع الأعضاء؛ لمساعدة الضفيرة الوراثية على قبول جينات من أنواع مختلفة، ولقد حصلنا على عينة من تلك المادة، من الأجزاء التي وصلتنا، وأمكننا صنع مضاد لها، يعمل على فصل الجينات، أو يعيدها إلى حالة التنافر، فتنهار الضفيرة الوراثية، وينهار معها التوازن الخلوي كله بالتالي.
بدا الدكتور "حجازي" شارداً، وهو يغمغم في انفعال:
- إذن فلدينا جرعة لمواجهة مسخ واحد.
غمغم الرجل:
- بالضبط.
هبَّ الدكتور "حجازي" واقفاً بحركة حادة، وقال:
- وأين هي؟!
حدَّق الرجل فيه بدهشة قائلاً:
- نحتفظ بها هنا، ولكنها مجرد جرعة تجريبية، لست أظن أن...
قاطعه الدكتور "حجازي"، في صرامة حادة:
- أين هي؟!
مدَّ الرجل يده يتناول الجرعة، وهو يغمغم متوتراً:
- هل تعتقد أن...
قاطعه الدكتور "حجازي" مرة أخرى في انفعال:
- من يدري يا رجل؟!.. من يدري..
نعم.. من يدري؟!..
من؟!..
* * *
على الرغم منها، شعرت "سلوى" بانقباض شديد في صدرها، وهي تزحف مع "نور"، عبر أنفاق التهوية الرئيسية، وغمغمت في عصبية واضحة:
- أكان هذا ضرورياً؟!
أجابها "نور"، محاولاً التشبث بأقصى قدر ممكن من الهدوء:
- شبكة أنفاق التهوية تمتد لنصف "الإسكندرية" تقريباً، وبالذات لكل المنشآت الحديثة نسبياً، والموجودة خارج حدود المدينة القديمة، ولا بد لنا من التواجد داخلها؛ حتى يمكننا التقاط الأصوات المطلوبة.
شعرت بضيق أكثر في هذا المكان الضيق، وهي تحاول إعداد جهازها للعمل، مغمغمة:
- أأنت واثق من أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة؟!
قال في حسم:
- بالتأكيد.
تصوَّرت أنه سيكتفي بهذا التأكيد المقتضب، إلا أنه صمت لحظة، ثم تابع في اهتمام:
- المفترض أن تقود كل أنفاق التهوية إلى منشآت سكنية، أو منطقة صناعية جديدة، ولقد طلب الأمن من كل المصانع في المنطقة إيقاف آلاتها، لمدة خمس عشرة دقيقة فحسب، وخلال هذه الفترة، سيقوم جهازك برصد كل الأصوات، التي تنقلها شبكة التهوية، وتحديد مصادرها.
غمغمت، وهي تستعد لتشغيل جهازها:
- ثم؟!
أكمل في اهتمام:
- المفترض ألاّ يلتقط جهازك سوى أحاديث منزلية، أما لو التقط شيئاً آخر فربما يقودنا هذا إليهم.
تمتمت في عصبية:
- شيء مثل ماذا؟!
جاب في سرعة:
- صهيل جواد، أو خفقان أجنحة كبيرة، أو صراخ دولفين.
ضغطت زر تشغيل جهازها، وهي تقول:
- فهمت.
اشتعل مصباح أحمر صغير في قمة الجهاز، وراحت عشرات الموجات الصوتية ترتسم على شاشته في سرعة كبيرة، و"سلوى" تغمغم في توتر:
- برنامج الكمبيوتر الذي ابتكرته "نشوى" يمكنه مسح ورصد وتسجيل وتصنيف عشرات الأصوات في لحظة واحدة.
سألها في اهتمام:
- وماذا لديك حتى الآن؟!
صمتت لحظة، تابعت خلالها المنحنيات التي تتراصّ على الشاشة في سرعة، ثم غمغمت في ضيق وتوتر:
- لا شيء.
انعقد حاجباه في شدة، وهو يتساءل:
- على الإطلاق؟!
تمتمت في أسى:
- على الإطلاق.
ازداد انعقاد حاجبيه في توتر شديد، وهو يعيد دراسة الأمر كله في ذهنه..
إنهم هنا حتماً..
في مكان ما هنا..
كل الأدلة تؤكِّد هذا..
ولكن أين هم؟!..
أين يجدهم؟!..
وكيف؟!..
صمتت "سلوى" تماماً؛ لتمنحه مهلة للتفكير كما اعتادت، واستغرق هو دقيقتين كاملتين تقريباً، قبل أن يرفع يده بساعة الاتصال، ويضغط زراً في جانبها، وهو يقول في حزم:
- "نشوى".. هل تسمعينني؟!
أجابته "نشوى" في انفعال واضح:
- نعم يا أبي.. هل عثرتما عليهما؟!
تجاهل إجابة سؤالها، وهو يقول:
- هل يمكنك إضافة صوتي "رمزي" و"أكرم" إلى برنامج التعقب الصوتي؟!
صمتت "نشوى" لحظات، دون أن تحاول تكرار سؤالها، ثم قالت:
- سأحاول.
مضت لحظات من الصمت، استثارت مشاعر "سلوى"، فغمغمت في عصبية:
- من أين ستأتي بنموذج لصوتَيْ "أكرم" و"رمزي"؟!
أجابه حازماً:
- لديها شبكة المعلومات المفتوحة، والشبكة الخاصة بالجهاز..
وصمت لحظة، ثم أضاف:
- وستجد وسيلة.
مرت لحظة أخرى من الصمت، ثم أتى صوت "نشوى"، وهي تقول:
- أبي.. أوصل ساعة الاتصال بجهاز أمي.
جذب "نور" حلية دقيقة في طرف ساعته، وألصقها بجانب جهاز "سلوى" لحظات، تم خلالها تبادل المعلومات بتقنية متطوِّرة، قبل أن تقول "نشوى":
- صوتاهما في البرنامج بالفعل.
غمغم "نور"، وهو ينهي الاتصال:
- أحسنت.
ثم التفت إلى "سلوى" يسألها:
- هل يمكنك تشغيله مرة أخرى؟!
ضغطت "سلوى" زر الجهاز مرة أخرى، وراحت المنحنيات تتراص ثانية في عنف، و...
"وجدتهما.."..
وانتفض قلب "نور"..
بعنف.
|