كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
24-اقتتال..
لهث مسئول الأمن في مدينة "الإسكندرية" على نحو ملحوظ، وهو يلوّح بيده هاتفاً:
- كنت على حق أيها المقدم.
التفت إليه "نور"، متسائلاً في لهفة:
- هل عثرت عليها؟!
أومأ الرجل برأسه في انفعال، وهو يجيب:
لجأنا إلى الوسائل التقليدية القديمة كما نصحت، وأرسلنا رجالنا يتفقدون شبكة الممرات والأنفاق، وأنت تعلم أنه توجد دوماً في كل شبكات الأنفاق مناطق مخصصة للسيارات التي تصاب بعطل ما؛ حتى لا تعيق حركة السير، و...
قاطعته "سلوى" في توتر:
- عثرتم على سيارتهم إذن؟
أومأ الرجل برأسه مرة أخرى، مجيباً:
- نعم.. هنا.
قالها وهو يشير إلى بقعة على خريطة الأنفاق، فالتفت "نور" إلى ابنته "نشوى"، وسألها في اهتمام بالغ:
- هل رصدت كاميرات المراقبة خروج سيارات جديدة من الشبكة، لم ترصد دخولها في الوقت المناسب، أو سيارة استغرق عبورها الأنفاق وقتاً أطول مما يتطلبه هذا.
راجعت بيانات جهاز الكمبيوتر الخاص بها في سرعة، قبل أن تقول:
- كلا..
أومأ برأسه، مغمغماً:
- هذا يؤيِّد نظريتي.
سأله مسئول الأمن، ولم يتوقَّف عن لهاثه العجيب بعد:
- أية نظرية؟!
لم يحاول "نور" حتى إجابة سؤاله، وهو يقول لابنته:
- حاولي دمج شبكة أنفاق التهوية بشبكة الممرات.
ضغطت أزرار الكمبيوتر في سرعة، قبل أن تعتدل قائلة في توتر شديد من فرط قلقها على زوجها:
- ها هي ذي، ولكنه أمر شديد التعقيد.
غمغم مسئول الأمن:
- مراجعة كل هذه الأنفاق الهوائية يحتاج إلى أسبوع على الأقل.
امتقع وجه "نشوى"، وغمغمت "سلوى" في عصبية:
- لسنا نملك حتى ساعة واحدة.
أشار "نور" بسبَّابته، قائلاً:
- ولكننا نملك سلاحاً شديد الخطورة.
سألته في لهفة:
- وما هو؟!
أجاب بسرعة:
- بل قولي: من هو؟
ثم أشار إليها، مضيفاً في حزم:
- إنه أنت.
واتسعت عيون الجميع بدهشة..
بكل الدهشة..
* * *
كل قواعد المنطق كانت تؤكِّد أنها النهاية..
"أكرم" و"رمزي" مسجونان داخل معمل نصف محطَّم، لا يدريان حتى أين يقع بالضبط، وثلاثة من المسوخ ذات القوى الهائلة والسمات الوحشية يهمون بالانقضاض عليهم..
ولا يوجد مهرب واحد..
أي مهرب..
"لا تظنون أننا سنستسلم لمصيرنا بهذه البساطة.."
نطقها "أكرم" في عصبية شديدة، وتحفز تام، في حين تراجع "رمزي" في توتر شديد، حتى التصق بالجدار، ويداه تبحثان عن أية وسيلة للقتال..
أية وسيلة..
على الإطلاق..
وعلى الرغم من إدراك "أكرم" الشديد لفارق القوة بينهما وبين المسوخ الثلاثة، فقد اتخذ وقفة قتالية متحفزة، وهو يهتف:
- لو مس أحدكم شعرة منا، فسوف..
قاطعته الحسناء في شراسة:
- فسوف تفعل ماذا أيها البشري؟!.. ألم تدرك طبيعة الأمر بعد.. بغضّ النظر عما ارتكبه والدنا في حقنا، فقد عمل منا كائنات أرقى منكم.. كائنات جبارة.
قال "رمزي" في توتر:
- بل كائنات ممسوخة مسكينة، تستحق الشفقة والرثاء.. كائنات لا هي برقي البشر، ولا بقوة الحيوان والطير.. كائنات لن يمكنها حتى أن تتعايش مع ما حولها ومن حولها، وكل ما تفعله هو أن تختبئ في جحر كالجرذان.
صرخت في عصبية:
- اصمت.
ثم وثبت تنقضّ عليه في نفس اللحظة التي انقضّ فيها الشابان على "أكرم"..
وبكل قوته، ودون حتى تحديد هدفه، راح "أكرم" يركل..
ويلكم..
ويضرب..
و...
"ضربة أخرى، وقل لرفيقك وداعاً.."
هتفت به الحسناء في قسوة، فالتفت إليها في حدة، وانعقد حاجباه بشدة مع ذلك الانفعال الجارف الذي ماج به جسده كله..
فهناك في ركن المعمل كانت الحسناء القرش تكبّل حركة "رمزي"، وتضع أسنانها الحادة على عنقه..
وعلى الرغم من دقة موقفه وصعوبته، هتف "رمزي":
- لا تستسلم يا "أكرم".. قاتل حتى النهاية.
كان هتافه هذا يتفق مع ما يموج به عقل "أكرم" بالفعل، إلا أن هذا الأخير لم يكد يرى رفيقه في هذا الموقف حتى خفض قبضتيه، وترك الشابين ينقضّان عليه من الخلف، ويكبلان حركته في إحكام..
وفي مرارة قال "رمزي":
- كان ينبغي أن تقاتل.
غمغم "أكرم":
- النهاية واحدة في الحالتين يا صديقي، ولكنني لم أحتمل رؤية تلك المتوحشة تقتلك أمام عيني.
زمجرت الحسناء القرش، هاتفة:
- ومن أدراك أنني لن أفعلها الآن؟!
نعم.. من أدراه..
لقد استسلم دون أن يفكر حتى في هذا الاحتمال..
استسلم؛ لأن عواطفه التي طالما قاومها قد انتصرت على عقله، ودفعته إلى تغيير مساره المعتاد..
ذلك المسار الهمجي كما يصفونه، والذي يتعامل مع الأمور بمنطق المقاتل المحترف، وليس بمنطق رجل المخابرات الرصين في جهاز علمي يتطلَّب المعرفة وحسن التدبير.. ولكن كل شيء من حوله يوحي بأنهم سيقتلونهما في النهاية..
وما دام الموت آتٍ لا ريب، فليمت في سبيل من يؤمن به..
ومن يحب..
ويصادق..
كان الشاب النسر يمسك به من الخلف، ولسانه الطويل المشقوق يتراقص أمامه، وهو يهمس في أذنه بصوت كالفحيح:
- أعترف أنك تثير إعجابي يا سيد "أكرم"، ولكنني مضطر لـ...
قاطعه فجأة صوت العالم:
- لا..
التفت الكل إليه في تساؤل، وهتفت الحسناء القرش في حدة:
- لا تستمع إليه أيها النسر.. اغرس أنيابك السامة.. هيا.
تردَّد الشاب النسر لحظة كانت كافية ليهتف العالِم، وهو مستسلم تماماً لقيوده وموقفه:
- لا.. لو قتلتموهما ستخسرون الكثير.
صهل الشاب الجواد هاتفاً في سخط:
- نخسر ماذا؟!.. لقد خسرنا مستقبلنا بالفعل، فماذا ينتظرنا أسوأ من هذا؟!
أجابه العالِم، وهو يغمض عينيه في مرارة:
- ستخسرون أسبوعاً إضافياً، لا أحد يدري كيف يمكن أن تتطوَّر فيه الأمور، في زمن تسارع فيه الإيقاع إلى حده الأقصى كهذا الزمن.
قال الشاب النسر في عصبية:
- مهما حدث، ومهما فعلنا، سنموت في النهاية.
تردَّد العالم لحظات، ثم قال في صوت أقرب إلى الهمس:
- ربما لا.
تألَّقت عيون الجميع في لهفة، وغمغم "أكرم" في عصبية:
- ما هذا بالضبط؟!.. مسلسل بوليسي هولوفيزيوني؟!
صرخت فيه الحسناء القرش:
- اصمت.
ثم التفتت إلى العالِم مكملة في حدة:
- ماذا تخفي أيها العجوز؟!
صمت العالم لحظات، قبل أن يجيب في بطء:
- زجاجة.. زجاجة من إكسير حياتكم.
وكانت مفاجأة قوية..
للغاية.
|