كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
20- خطة..
(لست أفهم هذا)...!
نطق قائد فرق أمن "الإسكندرية" العبارة في توتر وهو يواجه "نور" الذي أشار إلى خريطة المدينة، وهو يقول، باذلاً أقصى جهده؛ للحفاظ على هدوء أعصابه:
- دعنا نشرح الأمر مرة أخرى.. أنصاف الوحوش الذين نطاردهم لديهم حتماً خطة عمل كاميرات المراقبة، وأقمار التتبع الصناعية؛ بدليل أننا لم ننجح في تعقّب سيارتهم عبر الوسيلتين، مع كل ما بذلناه من جهد، لذا ينبغي أن نلجأ إلى أسلوب غير تقليدي؛ لمعرفة أين ذهبوا بالضبط.
قال الرجل في عصبية:
- بأن نتتبَّع كل سيارة في المدينة.. أليس كذلك؟!
قال "نور" بشيء من الصرامة:
- لا.. ليس كذلك.
ثم التفت إلى ابنته "نشوى" التي أكملت:
- خطة أبي تعتمد على أن أية سيارة تقطع المدينة في هذا التوقيت لديها حتماً خط سير محدَّد، وهذا يعني أنها لن تتوقَّف في منتصف طريق ما، دون سبب واضح، كما أنه ليس من المنطقي أن تتوقَّف سيارة ما في مكان غير تقليدي لفترة طويلة، ثم تنطلق فجأة دون سبب واضح، لذا فسنراجع كل شرائط المراقبة خلال الساعة ونصف الساعة الماضية؛ لنرصد السيارات التي توقفت في منتصف المسافة، أو اختفت بعيداً عن نظم المراقبة على نحو منتظم، وتلك التي بدأت تحرُّكها من نقاط ميِّتة، أو نقاط مختفية عن الأعين.
قال القائد في عصبية:
- أتعلمين يا سيِّدتي كم يستغرق هذا من وقت وجهد؟!
قالت "سلوى" في حزم:
- ليس كثيراً.
قال في حدة:
- من أية ناحية؟!
أجابته "نشوى":
- أمي تقصد أننا لن نراجع هذا بأسلوب بصري نمطي.. لقد ابتكرت برنامج كمبيوتر خاص؛ للقيام بالمهمة في دقائق قليلة، وكل ما نحتاج إليه هو شرائط المراقبة، وتسجيلات الأقمار الصناعية فحسب.
نقل الرجل بصره بينهم في عصبية، وقال:
- أمك.. أبوك.. ما هذا بالضبط؟!.. فريق أمني عائلي؟!
أجابه "نور" بمنتهى الصرامة:
- هذا ليس من شأنك.. إننا نطلب الشرائط والتسجيلات بصفة رسمية، هل ستمنحنا إياها أم تتحمل مسئولية حجبها عن فريق مخابرات علمية في مهمة رسمية؟!
انعقد حاجبا الرجل، وهو يقول في غضب:
- أهذا تهديد؟!
صاح "نور" في وجهه غاضباً:
- نعم.. هو كذلك!
احتقن وجه الرجل، وبدا وكأنه سينفجر في وجهه، حتى أن "سلوى" و"نشوى" شعرتا بقلق شديد، إلا أن الرجل لم يلبث أن أشاح بوجهه، وقال في عصبية شديدة:
- أريد توقيعاً معتمداً.
أجابه "نور" في صرامة:
- فوراً.
مطَّ الرجل شفتيه في حنق، وجذب إليه جهاز التوقيع الإلكتروني في عصبية، فأضاف "نور" في توتر:
- المهم أن تنهي هذه السخافات الروتينية في أسرع وقت ممكن؛ فكل دقيقة لها ثمنها، ولو تأخّرنا ربما نفقد رفيقينا إلى الأبد.
وسرت ارتجافة قوية في جسدي "سلوى" و"نشوى".
فـ"نور" على حق..
لو تأخَّروا، فربما يفقدون "أكرم" و"رمزي" بالفعل..
إلى الأبد..
* * *
لم يصدق "أكرم" عينيه أبداً، وهو يشاهد ما يحدث أمامه..
لقد كان يشاهد ثورة..
ثورة حقيقية..
ثورة يقوم بها ضحايا الرعيل الأوَّل للجيل الثالث، من حُلم عالِم مجنون، على العالِم نفسه..
لقد صنعهم بتجاربه الرهيبة..
وأفقدهم آدميتهم..
وإنسانيتهم..
وتاريخهم..
ومستقبلهم..
ولم يكتفِ بهذا، وإنما سعى للسيطرة عليهم وتحجيمهم أيضاً، كما لو أنهم مجرَّد قطع جامدة على لوحة شطرنج، يدير لعبتها كيفما يشاء..
وكما لو أنه صاحب الحق في معاقبتهم وتدميرهم وقتما يشاء..
يا للجنون!..
لقد تصوَّر نفسه إلهاً..
شخص فوق مصافِّ البشر..
تصوَّر نفسه منافساً للخالق -عزَّ وجلَّ- في صنع مخلوقات خاصة به..
ولكن هيهات!..
هيهات أن يقترب أعظم عباقرة الأرض ذرة واحدة من ذات الله عزَّ وجلَّ..
المسافة بين عقل أعظم علماء وعباقرة الكون وعقل أصغر نملة وليدة هي مسافة ضئيلة للغاية لو قورنت بالمسافة بين بشر وإلهه..
بل هي ذرة من مليارات مليارات مليارات الذرات، من لحظة واحدة من إرادة الخالق عزَّ وجلَّ..
وربما أصغر من هذا..
مليار مليار مرة..
ولكنه الجنون..
جنون العظمة..
والغطرسة..
والثقة المختلَّة..
لقد صنع ذلك الجيل من المتحورين؛ ليبدل بوساطته البشر كلهم، ويسيِّطر على الأرض بجيل جديد..
ولكنه انهزم..
وبيد من صنعهم..
فأمام عينيه شاهد "أكرم" ثلاثتهم يُفقدون العالم الكهل وعيه، ثم يُرقدونه أرضاً فوق محفة صغيرة، راحوا يوصلون بها أجهزة صغيرة، ذات سمة لم يفهمها، فقال في شيء من العصبية:
- ماذا تفعلون به؟!
أجابته الحسناء القرش وهي تبتسم في ظفر وتشفٍّ:
- نبقيه حيّاً.
قال وقد عاود محاولة التخلُّص من قيوده:
- تبقونه ماذا؟!
أجابه الشاب الجواد في عصبية:
- حيّاً.. لقد زرع في أجسادنا -كما سمعتَه يقول- جهازاً خاصاً سينفجر فور توقُّف قلبه عن النبض.. لقد فعل هذا ليسيِّطر علينا، ويضمن طاعتنا المستمرة له.
أضاف الشاب النسر في مقت:
- ولكنه لم يحسب حساب توقف قلبه بصورة طبيعية.. ماذا لو أنه أصيب بسكتة قلبية في هذا العمر؟!.. أيعني هذا نهايتنا جميعاً؟!
مطَّت الحسناء شفتيها، وراحت توصّل مجموعة من الأسلاك والأنابيب الدقيقة بجسد العالم الكهل الفاقد الوعي، وهي تقول:
- فور علمنا بهذا رحنا نتدارس الموقف، وجدنا أنه تصرَّف معنا طوال الوقت بأنانية مفرطة.. لقد حرمنا من بشريتنا العادية؛ ليجعل منّا مجرَّد نماذج فريدة لما يطمح في الوصول إليه، ولكنه لم يبالِ بنا أو بمصيرنا لحظة واحدة.. كنا مجرَّد آلات، تنفذ إرادته ومشيئته، ويقضي عليها عندما تنتهي مهمتها.
اعتدل الشاب الجواد، وقال في حزم:
- لذا، فقد قرَّرنا أن نتعامل معه من المنطق نفسه، ونحافظ على حياتنا وبقائنا، حتى لو كان هو الثمن.
وأشار الشاب النسر بيده، قائلاً:
- ووضعنا خطتنا، واستغللنا المعرفة العلمية التي اكتسبناها من قضاء الوقت إلى جواره، وصنعنا وسائل الإعاشة الدائمة، التي تراها هنا أمامك.
تساءل "أكرم"، وقد أحنقه بشدة عجزه عن التخلُّص من قيوده:
- ستبقونه إذن فاقد الوعي.
بدت الحسناء شامتة متشفية، وهي تقول في سخرية وحشية:
- بل سيستعيد وعيه، وسيدرك ما فعلناه.
غمغم "أكرم" مندهشاً:
- وهذا يسعدك.
هزَّت كتفيها، وابتسمت دون أن تجيب، فأضاف في عصبية:
- وماذا عنِّي؟!
تجاهله الشابان تماماً، وهما يتعاونان على نقل المحفّة إلى منضدة في نهاية المعمل، في حين سألته الحسناء:
- وماذا عنك؟!
قال في حدة:
- ماذا ستفعلون بي؟!
أجابته في هدوء عجيب:
- سنقتلك بالطبع..
وكانت صدمة عنيفة..
للغاية.
|