كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
18- جيل الوحوش
أطلق الشاب الجواد صهيله وهو يحمل "رمزي" الفاقد الوعي على ظهره، ويضرب أرض ممر المستشفى بحوافره، فاندفعت الحسناء من حجرة "أكرم" نحوه، ووثبت على متنه هاتفة في شيء من المرح، كما لو أنها في لعبة مثيرة:
- انطلق.
قبل حتى أن يكتمل هتافها، وبمجرَّد استقرارها على متنه، انطلق الشاب الجواد بكل سرعته عبر ممر المستشفى، و"نور" يندفع من حجرة "أكرم"، مصوِّباً مسدسه الليزري إليهما هاتفاً:
- توقَّفا.
أطلقت الحسناء ضحكة ساخرة، وحملت جسد "رمزي" الفاقد الوعي، وصنعت منه درعاً يحمي ظهرها، فهتف "نور" في غضب:
- اللعنة!
وانطلق يعدو على قدميه خلفهما..
كان الشاب ينطلق بسرعة جواد نشط، على نحو يستحيل معه أن يبلغه بشر، مهما بلغت قوته وسرعته، لذا فقد توقَّف "نور"، وتلفَّت حوله، محاولاً تذكُّر خريطة المستشفى قبل أن يعدو في ممر فرعي، ووقع حوافر الشاب الجواد يملأ أذنيه، ويبدو أشبه بتحدٍّ ساخر في مسامعه..
وفي نفس اللحظة التي خرج فيها الجواد البشري من المستشفى بحمليه كان "نور" قد بلغ نافذة مطلة على المدخل، وهو يهتف:
- أوقفوه.. أوقفوهما.
اندفع بعض رجال الأمن للتدخُّل، ولكن رؤيتهم نصف جواد بشري يحمل على ظهره رجلاً فاقد الوعي، وفتاة بزعنفة وأسنان قرش أصابتهم بصدمة مذعورة، وجعلتهم يتراجعون في هلع، ويفسحون لهما الطريق..
وهنا وثب "نور"..
وثب من نافذة الطابق الثاني نحو الجواد البشري، ولكن الحسناء لمحته، وهتفت بالشاب:
- هجوم علوي.
توقَّف الجواد البشري لحظة، ورفع قائمتيه الخلفيتين، ليركل "نور" في صدره في قوة قبل أن يبلغ الأرض، وهو يطلق صهيلاً قوياً متحدياً..
وشعر "نور" بالضربة القوية..
شعر بها تضرب صدره في عنف، وتدفعه إلى الخلف بمنتهى القوة؛ ليرتطم جسده بباب المستشفى الزجاجي، ويحطمه، ليسقط في المدخل، ويرتطم برخامه البارد، ويتدحرج فوقه لحظات..
وبكل بأسه ويأسه وثب واقفاً على قدميه وسط المذعورين من عمال وأطباء ورواد المستشفى، وانطلق يعدو مرة أخرى نحو سيارته، ليثب داخلها، ويدير محرِّكها، وينطلق بها خلفهم..
خلف الجواد البشري..
والحسناء القرش..
و"رمزي"..
ولكن في مدينة مزدحمة، ذات تفرعات عديدة، كان الجواد أكثر تفوقاً من السيارة..
وخاصة مع حالة الرعب والذهول التي أثارتها عروس البحر الأبيض المتوسط، والتي جعلت الكل يتحاشاه، ويفسح له الطريق، مسببين ارتباكاً مرورياً رهيباً، ضاعف من العقبات التي تواجه "نور" الذي حاول جاهداً تفادي السيارات التي اختلت مساراتها، وراحت تدور حول نفسها، وتتجاوز خطوط السير، و..
وحدث الاصطدام..
اصطدمت سيارته بسيارتين، تقاطعتا أمامه في محاولتهما الفرار من ذلك الوحش نصف البشري الذي يشق الطرقات في مشهد أشبه بأفلام الخيال العلمي القديمة..
ودون التوقُّف لحظة واحدة وثب "نور" من سيارته، وواصل عَدْوَه اليائس، ورأى الجواد البشري يعدو أمامه بحمليه..
ويبتعد..
ويبتعد..
ويبتعد..
حتى اختفى تماماً في الأفق..
وكان هذا يعني أنهم قد خسروا اثنين من الرفاق في ساعة واحدة.
"أكرم" و"رمزي"..
والله سبحانه وحده يعلم ماذا سيكون مصيرهما الآن؟!..
ماذا؟!..
* * *
"لحظة يا أبي.."
هتف الشاب النسر بالعبارة، في عصبية شديدة عندما انغرست إبرة المحقن في صدر "أكرم"، فزمجر العالم الكهل، وهو يقول في حدة:
- ليس الآن.
اندفع الشاب نحوه، وجذب يده قائلاً في حدة:
- بل الآن.
جذْبته سحبت إبرة المحقن من صدر "أكرم"، قبل أن يدفع العالم ذلك السائل البنفسجي المائل إلى الحرقة في نخاع عظامه، فالتفت العالم إلى الشاب في غضب، وصرخ فيه:
- ماذا فعلت أيها الأحمق؟!
أجابه الشاب في حدة، وهو يمسك معصمه في قوة:
- أحاول منع كارثة.
صاح به العالم في غضب:
- أية كارثة؟!.. إنني أصنع تاريخاً.
هتف به الشاب:
- تاريخ من؟.. مملكة الحيوانات، أم عالم البشر؟
احتقن وجه العالم في غضب، وهو يدفعه صائحاً:
- كيف تجرؤ؟
تشبَّث الشاب بمعصمه في قوة أكبر، وهو يقول:
- لا بديل عن هذا.. إنك تحاول تدميرنا، ولا بد وأن نحمي أنفسنا.
- "من ماذا؟!.."
لم يُلقِ العالِم السؤال، وإنما ألقاه الشاب الجواد، الذي وصل مع الحسناء القرش، و"رمزي" الفاقد الوعي في هذه اللحظة، فالتفت إليهما العالم في حدة صائحاً:
- لا شأن لكما بهذا.
قالت الحسناء في توتر:
- إنه يتحدَّث عن تدميرنا، وضرورة حماية أنفسنا، وهذا حتماً شأننا.
وأضاف الشاب الجواد:
- ولا بد أن نعرف.
قالت هي في حزم:
- ونفهم.
نقل العالم بصره بينهم في غضب في حين ضاقت عينا "أكرم"، وهو يحاول فهم ما يحدث، وأصابه هلع شديد، عندما أدرك أنهم قد ظفروا بصديقه "رمزي" أيضاً، ولكنه لم يحاول التدخُّل فيما يحدث، وهو يعاود محاولة التخلُّص من قيوده، والعالِم يقول في غضب:
- مهمتكم ليست أن تفهموا، بل أن تعملوا.. أن تنفّذوا ما آمركم به فحسب.. أنا وحدي أفكِّر، وأقرِّر.
هتف الشاب النسر:
- ولكنك تريد أن تصنع من هذا الرجل جيلاً يفوقنا قوة وقدرة.
صاح العالم:
- هذا هو الهدف منذ البداية.
قالت الحسناء في قلق عصبي:
- أن تجعله أقوى منا؟!
صرخ العالم:
- أنتم مجرَّد مرحلة.. مرحلة من حلم قديم طويل، استغرق الوصول إليه جهداً رهيباً، وتجارب لا حصر لها.. تجارب نجحت، وأخرى أخفقت.. تجارب كلفتني عمراً، ونفقات لا حصر لها، و..
صمت لحظة، ثم استطرد في حدة:
- وضحايا بلا حدود.
قال الشاب الجواد في غضب:
- نحن حصدنا الضحايا.
هتف به العالِم:
- في هذه المرحلة فحسب.
بُهِت الشباب الثلاثة، وهم يحدِّقون فيه، قبل أن تقول الحسناء القرش:
- وهل كان هناك ضحايا آخرون؟!
هتف في انفعال:
- بالطبع.
ثم مال نحوهم، مضيفاً:
- قبل حتى أن تولدوا، كنت مضطراً للتضحية بالعديدين من أجل صالح البشرية.
قال "أكرم" في حدة:
- يا له من منطق سخيف مختلّ!.. تقضي على البشر في سبيل البشرية؟!.. ياللحقارة!
التفت إليه العالم صارخاً:
- اخرس.
ثم عاد يستدير إلى الشبان الثلاثة صارخاً:
- عندما يتكلَّل مشروعي بالنجاح لن يعود لأمثاله وجود في العالم الجديد.. سيسود الجيل الثالث من البشر الدنيا.. الانتخاب الطبيعي سيحسم المعركة لصالحي.. سيفنى البشر الضعفاء، ويبقى البشر الأقوياء، الذين يحملون السمات الجديدة، وسيتحقَّق القانون الأزلي...
والتمعت عيناه، وهو يضيف:
- البقاء للأقوى.
انعقد حاجبا الحسناء، وتبادلت نظرة عصبية متوترة مع زميليها، في حين تابع العالم في صرامة شرسة:
- أنتم الرعيل الأوَّل من الجيل الثالث، وسيسجِّل لكم التاريخ هذا عندما يسود جنسكم الأرض.
غمغم الشاب الجواد في مرارة:
- التاريخ.
التفت مرة أخرى إلى "أكرم"، وهو يقول:
- أما نسله، فسيسود.
وفي هذه المرة لم يكن هناك ما يمكن أن يمنعه من إتمام تجربته المخيفة..
أبداً.
|