كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
الجزء الجديد من العدد الخاص ملف المستقبل ((الجيل الثالث))
15- فريق الوحوش..
"لقد توقَّف قلبه عن النبض.."
نطقها كبير جراحي مستشفى "الإسكندرية" في أسف، فغمغم "نور" في أسى:
- وكيف حدث هذا؟!
هزَّ كبير الجرّاحين كتفيه، وقال:
- لقد نزف الكثير من الدم، والإصابة كانت في موضع شديد الحساسية، و...
قاطعته "سلوى" في لهفة:
- ولكنكم أسعفتموه.
ابتسم، قائلاً:
- من حسن الحظ، وتوفيق الله سبحانه وتعالى.. كنا قد أيقنّا من وفاته، عندما أشار الكمبيوتر إلى وجود نبضات بالغة الضعف، فانكبّ أحد الأطباء الصغار على محاولة إنعاش قلبه بكل الوسائل الممكنة، وعندما كاد ييأس استخدمنا طريقة حديثة كانت حتى اليوم موضع تجريب فحسب، فغرسنا إليكتروناً رفيعاً في قلبه مباشرة، وأوصلناه بتيار كهربي مدروس، مسببين صدمة محدودة أنعشت القلب مباشرة.
انسابت دموع " نشوى"، وهي تقول:
- إذن فقد نجا.
أومأ كبير الجراحين برأسه، مجيباً:
- حمداً لله.
تفجَّرت الدموع من عينيها في غزارة، وأجهشت بالبكاء، فاحتواها زوجها "رمزي" بين ذراعيه، وربَّت عليها في رفق، وهو يسأل:
- ومتى يمكننا أن نراه؟!
أشار كبير الجراحين بيده، قائلاً:
- إنه تحت تأثير عقار منوِّم ومسكِّن، وسيفيق بعد ساعة تقريباً، وعندئذ يمكنكم رؤيته.
تنهَّد "نور"، مغمغماً:
- عظيم.. لقد كادت قلوبنا تتوقَّف عندما أخبرونا أن قلبه قد فعلها.
ابتسم كبير الجراحين، قائلاً:
- الآن يمكنكم الاسترخاء.. لقد نجا والحمد لله.
ابتسم "نور" في ارتياح، والتفت إلى رفاقه قائلاً:
- أظن أن أفضل ما نفعله لزميلنا الآن هو أن نواصل عملنا.
تمتمت "نشوى":
- وأن ننتقم له.
قال "رمزي" في حزم:
- بالضبط.
في نفس اللحظة التي نطقها فيها، كانت أجنحة قوية ترفرف فوق سطح المستشفى..
ثم هبط الشاب النسر فوقها، وتلفَّت حوله في توتر، وهو يطوي جناحيه الضخمين خلف ظهره، ويطلق من حلقه فحيحاً أشبه بفحيح الثعابين، وهو يخرج لسانه المشقوق، ويضرب به الهواء البارد في سرعة، ثم يعيده إلى حلقه..
ولثوانٍ ظل ساكناً صامتاً على السطح، حتى اطمأن إلى أن أحداً لم يشعر بهبوطه، ثم زحف نحو حافة السطح، كما لو كان ثعباناً ضخماً، وأمسك الحافة، ثم مال ينزلق عليها من الخارج إلى أسفل..
وفي الوقت نفسه دخل الشاب الجواد مع الحسناء إلى المستشفى من باب الطوارئ، واتجهت هي إلى الطبيب مباشرة قائلة:
شقيقي مصاب بتوتر عصبي شديد، ويحتاج إلى عقار مهدئ.
نقل الطبيب بصره بينها وبين الشاب، وقال في هدوء:
- لا يمكن صرف المهدئات دون حاجة ملحة، وكشف طبي دقيق.
قالت في برود:
- لدينا حاجة ملحة.
قال الطبيب في حزم:
- فليخضع شقيقك للكشف الطبي إذن.
ابتعدت قليلاً، وهي تقول، في لهجة أقرب إلى السخرية:
- حاول.
لم يفهم الطبيب ما تعنيه، والتفت إلى الشاب بنظرة متسائلة، ثم اتسعت عيناه بكل دهشة الدنيا، وهو يتراجع في رعب..
وفجأة، تحوَّر النصف السفلي من الشاب على نحو عجيب..
فجأة، بدأ يبدو أشبه بقائمي جواد..
ثم إلى قوائم أربع..
وجسم..
وذيل كبير..
وعندما أطلق الشاب ذلك الصهيل القوي، داخل حجرة طوارئ المستشفى، كان نصفه السفلي كله قد تحوَّل إلى جسد جواد أبيض قوي..
وقبل حتى أن يطلق الطبيب صرخة رعب، كان الشاب قد استدار، ورفسه في صدره بقائمتيه الخلفيتين بكل قوته..
وطار جسد الطبيب المسكين في الهواء، ليرتطم بالجدار في عنف شديد، ثم يسقط على وجهه فاقد الوعي، محطَّم الصدر، والدماء تسيل من بين شفتيه غزيرة..
وفي جذل عجيب، هتفت الحسناء:
- هيا بنا.
اندفع اثنان من رجال الأمن داخل المكان، في هذه اللحظة، واتسعت عيونهما في دهشة ذاهلة عندما وقع بصرهما على ذلك الكائن، وتسمرا في مكانيهما لحظة..
وكانت تلك اللحظة أكثر من كافية..
ففيها انقضّت الحسناء..
انقضت بأنياب قرش، انغرست في أعناق الرجلين، وأسقطتهما..
وفي شراهة قرش أبيض مفترس، راحت تلتهم..
وتلتهم..
وتلتهم..
حتى انطلقت تلك الصرخة الهائلة..
ممرضة قسم الطوارئ، شاهدت ذلك المشهد البشع، وأطلقت صرخة رعب..
شاهدت شاباً نصف جواد..
وحسناء تلتهم رجلي أمن، والدماء تغرق وجهها..
وبحركة سريعة، اندفع الجواد نحوها..
وانقضت عليها الحسناء..
ولكن الممرضة وثبت بكل رعبها نحو زر الطوارئ، وضغطته قبل لحظة واحدة، من انغراس أنياب الحسناء في عنقها..
وفي المستشفى كله، انطلق الإنذار..
وبلغ مسامع "نور" وفريقه، فهتف هذا الأخير، بكل توتر الدنيا:
- تُرى هل...
ثم سحب مسدسه، قبل أن يكمل عبارته، وصاح في رفاقه وأطباء الجراحة:
- انتظروا هنا.
اندفع "رمزي" معه، هاتفاً:
- لن تذهب وحدك.
صاح به "نور"، في صرامة آمرة:
- انتظر لتحمي الآخرين.
تسمَّر "رمزي" في مكانه، في حين اندفع "نور"؛ لمعرفة ماذا يحدث بالضبط..
وكم افتقد "أكرم"، في هذه اللحظة..
كم..
منذ التحق بالفريق، وهو توأم روحه، ورفيق قتاله..
لم يعد يشعر حتى بالأمان، إلا في وجوده..
هو الوحيد الذي يثق في قدرته على حماية ظهره..
وحده دون سواه من البشر، بعد حماية الخالق (عزَّ وجلَّ)..
في نفس اللحظة التي دارت فيها أفكاره حول "أكرم"، كان هذا الأخير يرقد على فراشه، وقد بدأ تأثير العقار ينجاب عن رأسه، وخُيِّل إليه أنه يسمع حركة ما عند نافذة حجرته..
حركة أشبه بجسم ضخم، ينزلق داخلاً في نعومة..
وعلى الرغم من ضعفه، والدوار الذي يكتنف رأسه، غمغم:
- " نور".. أهو أنت؟!
شعر بذلك الجسم يزحف نحوه، دون أن يسمع جواباً، فهتف:
- "نور".. أين أنت يا "نور"؟!
التقطت أذنا "سلوى" هتافه الضعيف هذا، فقالت في لهفة:
- لقد استعاد وعيه.
انتقلت لهفتها إلى الكل، فاندفعوا نحو حجرة "أكرم"، وصاح بهم الطبيب المعالج، في قلق شديد:
- مهلاً.. ليس جميعكم في آن واحد.
دفعت "سلوى" باب الحجرة، قائلة:
- سأدخل وحدي أوَّلاً، و..
بترت عبارتها دفعة واحدة، وانتفضت كل ذرة في كيانها، عندما وقع بصرها على ذلك المشهد الرهيب في حجرة "أكرم"..
لم يكن "أكرم" قد استعاد وعيه بعد..
ولم يكن حتى في فراشه..
كان بين ذراعي كائن شبه آدمي..
أو نصف آدمي..
عيناه المشقوقتان طولياً، ولسانه الشبيه بلسان ثعبان، كانوا يؤكِّدون أنه ليس آدمياً..
وكذلك الجناحان، المنطويان خلف ظهره..
وعندما ارتطمت عيناه بعيني "سلوى"، أطلق فحيحاً عصبياً متوتراً، ثم اندفع بحمله نحو النافذة..
وبكل رعب الدنيا، صرخ الطبيب المعالج:
- الأمن.. أبلغوا الأمن.
وتحرَّك "رمزي"، محاولاً أن يفعل شيئاً..
أي شيء..
وشهقت "نشوى" مذعورة..
ولكن ذلك الكائن فرد جناحيه، ليملأ فراغ الحجرة كلها، وأطلق فحيحاً آخر، ثم عاد يطوي جناحيه، ويندفع مع "أكرم" عبر النافذة، حيث فرد جناحيه ثانية، وانطلق يحلِّق بحمله بعيداً..
بعيداً..
وسط الظلام..
الدامس.
* * *
|