كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
12- هجوم بحري..
مع دفء الطقس وهدوء البحر انطلقت دورية البحرية الحديثة على مسافة قريبة نسبياً من شاطئ الإسكندرية، على نحو روتيني تماماً، وبدا أفرادها هادئين وهم يتابعون أجهزتهم، ويراقبون سطح البحر الممتد شمالاً إلى ما لا نهاية، وغمغم قائدهم وهو يسترخي في مقعد معدني صغير عند مقدمة زورق الدورية:
- ليلة اعتيادية أخرى..
ابتسم ضابطه الأوَّل، وهو يقول:
- وما الذي تتوقعه أيها القائد؟.. إنه ليس زمن الحروب، ونظم الأقمار الصناعية الراصدة تفسد كل عمليات التهريب، والتسلُّل إلى المياه الإقليمية تماماً.
ابتسم القائد في تراخٍ، وهو يقول:
- لهذا تأتي تقاريرنا دوماً إيجابية.
ضحك الضابط الأوَّل قائلاً:
- لا يمكن أن تفشل فيما لا تفعله.
أشار القائد بيده قائلاً:
- بالضبط.
لم يكد ينطقها، حتى بلغ مسامعه أزيز جهاز رصد الأعماق، فاعتدل، وهتف بالمراقب الفني:
- ماذا هناك؟!
أجابه المراقب في قلق ملحوظ:
- جسم يقترب في سرعة.
هبَّ القائد من مقعده، والتفت الضابط الأوَّل متسائلاً:
- جسم معدني؟!
تردَّد المراقب لحظات، فهتف به القائد في غضب صارم:
- لم تجب السؤال.
اعتدل المراقب قائلاً في سرعة:
- إنه ليس جسماً معدنيّاً.
اتجه الضابط الأوَّل نحوه، وهو يسأله:
- ما هو إذن؟!
تردَّد المراقب لحظة أخرى، قبل أن يجيب في شيء من الحذر:
- إنه كائن...
قال القائد في غضب:
- أي كائن.. دولفين أم قرش، أم ماذا؟!
تردَّد المراقب مرة أخرى، فأزاحه الضابط الأوَّل في خشونة قائلاً:
- ماذا قال عنه الكمبيوتر؟!
ابتعد المراقب، وهو يغمغم:
- الكمبيوتر عجز عن تحديده.
غمغم القائد في توتر، وهو يتجه إليه بدوره:
- لماذا؟!.. أكائن جديد هو؟!
تطلَّع الضابط الأوَّل إلى شاشة الكمبيوتر متمتماً في دهشة:
- يبدو أنه كذلك بالفعل.
دار القائد؛ لينظر إلى الشاشة بدوره، وارتفع حاجباه في دهشة وهو يقول:
- عجباً.. إنها صورة أشبه بعروس البحر الأسطورية.
هتف الضابط الأوَّل:
- بالضبط.. وهي الآن..
اتسعت عيناه عن آخرهما، قبل أن يكمل:
- تحتنا تماماً.
وبحركة غريزية نظر الثلاثة تحت أقدامهم في آن واحد..
وفي اللحظة نفسها، ارتطم ذلك الجسم بأسفل زورق الدورية ومع الارتطام المباغت فَقَدَ الثلاثة توازنهم، وهتف قائد الزورق من أعلى:
- ماذا يحدث؟!
عقب كلمته، حدث الارتطام الثاني..
ثم الثالث..
وبكل توتر الدنيا، سحب القائد مسدسه، وصاح بقائد الزورق:
- انطلق بأقصى سرعة.. ابتعد عن هذا المكان.. فوراً.
ولكن فجأة، وقبل أن يطيع قائد الزورق أوامره وثب ذلك الكائن من البحر إلى الزورق مباشرة، على نحو عجيب..
واستدار الكل يواجهونه في دهشة..
وذعر..
وتحفز..
ثم تجمَّدوا في ذهول..
فأمامهم مباشرة، كانت تقف حسناء فاتنة..
فتاة في أواخر العشرينات من عمرها، شقراء الشعر، واسعة العينين..
ومن ظهرها تبرز زعنفة..
زعنفة كبيرة حادّة، مثلّثة الشكل، أشبه بتلك الموجودة على ظهر سمك القرش..
وعندما رفعت الحسناء يدها أمامها، وهي تبتسم ابتسامة غير مريحة، كانت هناك أغشية خفيفة بين أصابعها..
أغشية بحرية، أشبه بتلك التي في يد الضفادع الكبيرة..
كانت كائناً عجيباً..
نصف بشري..
ونصف سمكة..
وبكل ذهوله، غمغم القائد:
- ما هذا بالضبط؟!
ومع نهاية سؤاله، كشَّرت الحسناء عن أنيابها..
أنياب حادة طويلة مثلثة، أشبه بأنياب أسماك القرش..
وبوثبة واحدة، انقضّت على الرجال الثلاثة..
وفي أعلى انتفض جسد سائق الزورق بمنتهى العنف..
واتسعت عيناه برعب..
بمنتهى الرعب..
* * *
الحرق كان مصير "نور" و"أكرم" حتماً..
ذلك الكائن كان يواجههما مباشرة، ويستعد لنفث نيرانه في جسديهما، بكل غضبه وقوته..
ولم يكن لديهما مهرب..
أي مهرب.
ولكن فجأة، انطلق في المكان أزيز قوي..
أزيز كاد يخترق أذني "نور" و"أكرم"..
وذلك الكائن أيضاً..
وكان من الواضح أنه يؤذيه بأكثر مما يؤذيهما..
لقد ارتفع منتصباً على نحو عجيب، وهو يطلق صرخته المخيفة..
وفي اللحظة نفسها، انطلقت كل الأسلحة..
كل القنَّاصة أطلقوا أسلحتهم..
الأسلحة الليزرية..
والعادية..
والمضادة للدروع..
حتى "أكرم"، راح يطلق رصاصاته في غزارة بعد أن أعاد حشو مسدسه..
وفي هذه المرة، اخترقت كل الطلقات بطن الكائن، التي أصبحت مواجهة للكل، بعد أن أجبره ذلك الأزيز العنيف على الانتصاب، دون درع يحميه..
وأمام العيون كلها، اندفع الكائن إلى الخلف، وارتطم بجدار الفيلا بمنتهى العنف، و..
ودوى الانفجار..
انفجار شديد العنف، أطاح بالفيلا كلها، وكاد يطيح بـ "نور" و"أكرم" أيضاً، لولا أن اندفع ذلك الكائن نحوهما بفعله، فتلقى درعه الخلفي كل الصدمة والشظايا..
وفي حركة سريعة، وثب "أكرم" يحتضن "نور"، ويبعده عن جسد الكائن، الذي سقط أرضاً في عنف، وبدويّ شديد، يكاد يقارب دوي الانفجار نفسه..
ولثوانٍ، بدت أشبه بدهر كامل، راحت الشظايا تتساقط في كل مكان، و"أكرم" ما زال يحتضن "نور" في شدة..
وهناك على القبة المواجهة للفيلا راحت "نشوى" تهتف، وهي تلهث بشدة من فرط الانفعال:
- خطتك نجحت يا أمي.. نجحت..
كانت "سلوى" تلهث بدورها، مع خوفها الشديد على "نور" و"أكرم"، وسقوط الشظايا يتواصل..
ويتواصل..
ويتواصل..
أما قائد قوات الحصار، فقد غمغم في عصبية:
- هذا فخ.. فخ..
تمتم "رمزي" في توتر شديد:
- بالضبط.. لقد جذبونا إلى فخ مؤمَّن بكائنات عجيبة؛ حتى يبدو حقيقيّاً.
وصمت لحظة، ثم أضاف:
- يا لهم من خبثاء!..
كانت الأمور تهدأ تدريجيّاً، فهتفت "سلوى":
- "نور" و"أكرم".. أنقذوا "نور" و"أكرم".
اندفع الجميع نحو الفيلا، التي تحطَّمت تماماً، وصارت أنقاضاً متناثرة، ممتزجة بدماء الكائنات وأشلائها، والحطام في كل مكان..
ومن بين هذا الحطام نهض "نور" في بطء جعل "سلوى" تهتف:
- حمداً لله.. حمداً لله.
وتعلَّقت "نشوى" بعنق زوجها "رمزي"، وهي تقول:
- لقد نجا أبي يا "رمزي".. نجا.
احتضنها "رمزي" في رفق، وهو يغمغم في قلق:
- وماذا عن "أكرم"؟!
واتسعت عيون "سلوى" و"نشوى" في ارتياع..
نعم.. ماذا عن "أكرم"؟!..
في نفس اللحظة، التي دار فيها التساؤل في أذهانهم، كان "نور" يلتفت إلى أكرم، الذي ما زال يتشبث به، وهو يقول:
- "أكرم".. لقد نجونا..
انعقد حاجباه في شدة، مع مرأى بقعة الدم الكبيرة، في ظهر "أكرم"، فراح يهزه في شدة، هاتفاً:
- "أكرم".. ماذا أصابك؟!
ولكن "أكرم" لم يجب..
لم يجب مطلقاً.
|