كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
11- أنفاس نارية..
التقطت الحسناء نفساً عميقاً، وهي تبرز من حوض الماء الضخم، وهزَّت رأسها في انتعاش، وهي تبتسم للعالم الكهل، الذي سألها في اهتمام:
- إيجابي؟!
أومأت برأسها مجيبة:
- بالتأكيد.. لقد قضيت تحت الماء ما يقرب من ربع الساعة.
مطَّ شفتيه، مغمغماً:
- هذا لا يكفي.
غادرت الحوض، قائلة:
- ربما مع التدريب المستمر...
هزَّ رأسه نفياً، وهو يقول في صرامة:
- كلا.. أنت تعرفين القاعدة.
أومأت برأسها متفهمة، وقالت:
- الاختبار.
أشار بيده، قائلاً:
- بالفعل.. الاختبار هو الذي يصنع التوازن الجيني، ويفجِّر الطاقات الكامنة.
جفَّفت جسدها، متسائلة:
- وأين تقترح ذلك الاختبار؟!
اتجه نحو خريطة ورقية قديمة لمدينة "الإسكندرية" معلقة بإهمال على أحد جدران معمله، وتأمَّلها لحظات قبل أن يقول:
- الاختبار ليس لتفجير قدراتك فحسب، ولكن لإثبات قوة هذه السلالة الجديدة أيضاً.
غمغمت:
- هذا ما لقنتنا إياه.
أشار بيده إلى المنطقة الساحلية بالقرب من "رأس التين"، وقال:
- هذه المنطقة تخصّ القوات البحرية الحديثة، وهي تقوم بعمل دوريات منتظمة طوال الوقت، وزوارقهم مزوَّدة بأحدث نظم الرادار وسبر الأغوار، ووفقاً لتقاريرهم المعلنة على شبكة الإنترنت لم تفشل دورياتهم ولو مرة واحدة، منذ عشر سنوات على الأقل.
استوعبت ما يرمي إليه، فغمغمت:
- وعلينا أن نعطيهم فشلهم الأوَّل.
عقد كفيه خلف ظهره، وهو يقول:
- وعلى نحو مهين.
تألَّقت عيناها في نشوة، وهي تقول:
- ومتى؟!
أجاب في حزم:
- الليلة.
تألَّقت عيناها أكثر، وارتسمت على شفتيها ابتسامة جزلة، وسألته:
- وماذا عن الدخلاء؟!
ابتسم في ثقة، مجيباً:
- سيلاقون ما يذهلهم.
وكان على حق..
فما واجهه "نور" و"أكرم" هناك في ساحة تلك الفيلا كان مذهلاً..
إلى حد مخيف..
* * *
"مستحيل!"..
هتف "أكرم" بالعبارة في ذهول، وهو يحدِّق في ذلك الكائن، الذي خرج من الباب الخلفي للفيلا، ووقف أمامهم متحدياً..
كان عبارة عن أسد هائل الحجم، تحيط لبدته الشقراء بوجه شبه بشري، له أنياب بارزة، وعلى ظهره قوقعة هائلة، أشبه بدروع سلحفاة عملاقة، أما ذيله فقد كان ذيل ثعبان ضخم..
وبينما هو يدير ذيله الثعباني في الهواء، زأر ذلك الأسد بصوت رهيب مخيف، وضرب الأرض بقائمه الأمامي، وهو يتحرَّك نحو "نور" و"أكرم" في تحفُّز..
وفي ذهول مذعور، هتفت "سلوى":
- رباه!.. ما تلك الأشياء؟!
غمغم "رمزي" مرتجفاً:
- ألم أقل لكم؟!.. إننا في الجحيم نفسه.
انعقد جاجبا قائد فرقة الحصار، وشعر بانفعال جارف يسري في أعماقه، دون أن ينطق بكلمة واحدة، فهتفت "نشوى" تنتزعه من ذهوله:
- القناصة.
انتفض الرجل، وهو ينتزع نفسه من ذهوله، وأشار إلى القناصة هاتفاً:
- أطلقوا النار.
استخدم القنَّاصة مناظير الرؤية الليلية، بعد أن هبط الظلام على المكان، وصوَّبوا بنادقهم الليزرية نحو ذلك الكائن، وهتف بهم قائدهم:
- أطلقوا النار.
أطلق ثلاثة منهم أشعة الليزر، في حين أطلق الثلاثة الآخرون رصاصات تقليدية مضادة للدروع.
ولكن ذلك الكائن تحرَّك بسرعة مذهلة، كما لو أنه قد قرأ أفكارهم مسبقاً، وأحاط جسده بذلك الدرع، الذي يحمله خلف ظهره، والذي تمدَّد على نحو عجيب، كما لو أنه ينجذب إلى الرصاصات وأشعة الليزر، وصدَّها كلها في براعة مذهلة، قبل أن يزمجر مرة أخرى..
وفي هذه المرة، كانت زمجرته رهيبة بحق..
لقد انطلق معها من أعماق حلقه لسان من نار، امتدّ لمسافة هائلة؛ ليشعل ثياب القناصة الستة دفعة واحدة..
وصرخ الرجال، وهم يتقلبون أرضاً، ويعدُون محاولين التخلُّص من النيران، في حين تراجع الباقون، و"نشوى" تقول في هلع:
- يا إلهي!.. أبي.
كان "نور" و"أكرم" مذهولَين مما يحدث، ولكن هذا لم يفقدهما السيطرة على عقليهما، فرفع "أكرم" مسدسه، وأطلق رصاصتين سريعتين، نحو ذلك الكائن..
وبسرعة مذهلة، امتدّ الدرع؛ ليصد الرصاصتين..
ثم التفت الكائن إلى "أكرم"..
ونفث نيرانه..
وبأقصى سرعة، وثب "نور" يحتضن "أكرم"، ويبعده عن مسار لسان النار القاتل، فسقط الاثنان أرضاً، و"أكرم" يهتف:
- إنه لا ينهزم يا "نور".
غمغم "نور"، وهو ينهض في سرعة:
- لا يوجد كائن لا ينهزم.
كان الكائن يضرب بذيله في الهواء، ويديره على نحو مخيف، وهو يقترب منهما في حذر متحفز، فقال "أكرم" في عصبية:
- لا بد وأن أعيد حشو مسدسي.. لم تتبقّ لي سوى رصاصة واحدة.
قال "نور" في حزم:
- أطلقها.
غمغم "أكرم"، وهو لا يرفع عينيه عن ذلك الكائن، الذي يواصل اقترابه، في تحفُّز حيوان مفترس:
- ولكن ذلك الدرع.
أجابه "نور" في حسم:
- أطلقها على قائمه الأمامي.
زمجر الكائن مرة أخرى، دون أن ينفث ناراً هذه المرة، وواصل اقترابه، فقال "أكرم" في خفوت عصبي:
- فليكن.
وفي حركة سريعة، رفع فوهة مسدسه..
وأطلق النار..
وعلى عكس ما توقَّع هو، أو توقَّع الآخرون، أصابت رصاصته قائم الكائن مباشرة..
وبصوت مزعج، تحطَّم قائمه..
ومال جسده كله..
وارتطم رأسه بالأرض..
وهتفت "سلوى" في انتعاش:
- لقد فعلها.. "أكرم" فعلها.
غمغم "رمزي":
- مدهش..
أما "نشوى"، فتمتمت في قلق عارم:
- وماذا عن رد الفعل؟!
وكانت على حق في قلقها هذا..
لقد نجح "أكرم"، وباغت ذلك الكائن الرهيب..
وأصابه..
ولكنه لم يقتله..
لم يقتل كائناً رهيباً، ينفث النار من بين أنيابه القاتلة..
ومن الطبيعي أن يسعى الكائن الغاضب للانتقام..
ولقد حدث ما توقَّعته بالضبط..
ففي بطء، وبغضب واضح رهيب، نهض ذلك الكائن، وزمجر زمجرة أخرى، خالية من النيران..
ومعتمداً على قوائم ثلاث فحسب، واجه "نور" و"أكرم".
وبينما يحاول "أكرم" إعادة حشو مسدسه، بأقصى سرعة ممكنة، أطلق "نور" أشعة مسدسه الليزرية نحو القائم الأمامي الآخر للكائن..
أطلقها مرة..
وثانية..
وثالثة..
ورابعة..
ولكن ذلك الدرع العجيب صدّ كل دفعات الأشعة في سرعة مذهلة، ثم اعتدل ذلك الكائن بعدها، وواجههما في غضب، ثم أطلق زمجرته..
تلك الزمجرة النارية القاتلة، والتي انطلقت نحو "نور" و"أكرم"..
مباشرة.
* * *
|