كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
ملف المستقبل
10 ـ تجارب..
فجأة.. أطلقت تلك الحسناء صرخة..
صرخة قوية، فتحت عينيها بعدها في ارتياع، وحدَّقت في الكهل، الذي ابتسم قائلاً في هدوء:
- حمدًا لله على سلامتك.
سألته، وهي تشعر بألم شديد في ظهرها وجانبيها:
- هل.. هل نجح الأمر؟!
أجابها بنفس الابتسامة:
- بالتأكيد.
ثم حلَّ وثاقها، وهو يردف:
- أنت الآن الدليل الحي على نجاحي وعبقريتي في مجال الجينات وهندسة الوراثة.. لقد سبقْتُ علوم هذا العصر بكثير.. وعبقريتي جعلت ما يرونه مستحيلاً ممكنًا، وأنتم خير برهان.. ربما يرفضون استخدام تقنياتي، ويصفونها بأنها غير آدمية، وغير مفيدة للبشرية.. وقد يصفها البعض بالوحشية، ولكنهم حتمًا سيعترفون بعبقريتي التي أنكروها كثيرًا وطويلاً.. والجيوش ستستفيد منها حتمًا.. ستسعى لابتكار جيش رهيب، لا يشقّ له غبار.. جيش من أمثالكم.
ونهض وعيناه تلتمعان في جنون، ولوَّح بيديه في الهواء، وكأنه يؤدي دورًا في مسرحية قديمة، مستطردًا في حماس مسرحي:
- احتمالات لا محدودة يمكن أن يصنعوا منها جيوشًا خرافية.. حاولي أن تتخيلي جنودًا بدروع سلاحف، ومقاتلين بقوة الأسود، ورجال مظلات بأجنحة نسور، ومستطلعين بعيون صقور.. خيال لا نهائي يمكن أن يتحوَّل إلى حقائق، في ساعات محدودة.
غمغمت، وهي تنهض في بطء:
- أبي.. أنت عبقري.
هتف:
- دون أدنى شك.
ابتسمت، وربتت عليه في حنان، فأدار يده، وأمسك يدها، وفرد أصابعها، وهو يقول:
- لقد بدأ التحوّر.
تطلَّعت بين أصابعها حيث ينظر، والتمعت عيناها في انبهار عندما شاهدت ذلك الغشاء الجلدي، الذي يمتد بينها..
لقد بدأ التحوّر بالفعل..
وسيمنحها قوة هائلة..
قوة في البرّ..
وفي البحر..
* * *
ذهول عارم، ذلك الذي سيطر على الجميع هناك، عند تلك الفيلا المنعزلة.. فدون مقدمات، برزت من تحت الأرض سحلية عملاقة..
سحلية في حجم إنسان ناضج..
لها لسان ثعبان..
وذيل ثعلب..
وأنياب ذئب..
وجناحي خفاش..
ولقد خرجت؛ لتنقضّ على "نور" و"أكرم"..
مباشرة..
كانت تنقضّ بأنيابها الحادة على "أكرم"، عندما تراجع هذا الأخير بحركة حادة، أنقذته من تلك الأنياب المخيفة، ثم أخرج مسدسه؛ ليطلق رصاصاته عليها، وهو يصرخ في انفعال:
ـ لستُ فريسة سهلة إلى هذا الحد.
ولكن السحلية العملاقة أطلقت لسانها نحوه، ولفته على مسدسه، وانتزعته من يده في قوة، وضربت بجناحيها في الهواء، وهي تلقي المسدس بعيدًا، وتلتفت إليه مرة أخرى، وهي تطلق فحيحًا، يشبه فحيح جيش من الأفاعي..
وفي اللحظة نفسها أطلق "نور" مسدسه الليزري نحو رأسها مرة..
وثانية..
وثالثة..
وفي المرات الثلاث، ارتطمت الأشعة بالرأس الحرشفي، ثم انحرفت عنه في عنف، دون أن تخترقه..
وفي غضب، استدارت السحلية العملاقة المتحوِّرة نحو "نور"، وأطلقت فحيحها الوحشي، فصرخت "سلوى" بقائد الحصار في ارتياع:
- افعل شيئًا يا رجل.. افعل شيئًا.
أجابه الرجل في عصبية:
- لا يمكنني إصابتها، دون أن أجازف بإصابة أحدهما.
صاح "رمزي":
- سيبقى الآخر على الأقل.
تردَّد الرجل لحظة، فهتفت به "نشوى":
- ماذا تنتظر؟!
في نفس اللحظة، التي أطلقت فيها هتافها، كان "نور" يتفادى انقضاضة السحلية المتحوِّرة العملاقة، ويعدو بكل قوته، نحو السور المحيط بالفيلا..وبأقصى سرعته، ومع انفعاله الشديد، اندفع "أكرم"، محاولاً استعادة مسدسه، وتلك السحلية تطارد "نور".
وعندما استعاد مسدسه، كان "نور" يحاول بلوغ السور، والمسافة بينه وبين السحلية العملاقة تقل..
وتقل..
وتقل..
وتمتم قائد فريق الحصار، وهو يشير إلى أحد قناصيه:
- إنه يحاول الفرار منها.
أجابته "نشوى" في انفعال، وأصابعها تعمل في سرعة على أزرار الكمبيوتر:
- بل يقودها نحو السور.
كان "نور" يقترب من السور بالفعل، وهو يتمنى أن يبلغه، قبل أن تبلغه تلك السحلية العملاقة، التي أدركت سرعة عدوه، ففردت جناحيها، وارتفعت عن الأرض في طريقها إليه..
ومع جناحيها الخفاشيين القويين، كان من المستحيل أن يربح "نور" هذا السباق، فقد انقضت عليه من أعلى، وهي تبرز مخالبها الحادة، فصرخت "سلوى" بكل ارتياع الدنيا:
ـ يا إلهي.. "نور".
وفي اللحظة نفسها، أطلق القنَّاص رصاصته..
ولكن السحلية انخفضت بسرعة مخيفة..
وأنشبت مخالبها في سترة "نور"..
وتجاوزتها رصاصة القنَّاص..
وبالنسبة للجميع بدا واضحًا أن "نور" قد خسر السباق..
وخسر حياته..
حتمًا..
* * *
مخيفة حقًا تلك المخلوقات الرهيبة، التي تحرس تلك الفيلا المنعزلة..
مخيفة وعجيبة..
للغاية..
ذلك العالم الكهل عبث بالجينات، على نحو يخالف كل القواعد والأعراف..
وحتى الأخلاقيات الإنسانية..
نجاحه في ابتكار وسيلة شيطانية؛ لدمج جينات الفصائل المختلفة ببعضها البعض، أثار شهوته لابتكار كائنات جديدة..
كائنات تحمل صفاتٍ متداخلة..
متعارضة..
ومذهلة..
ولقد جمع في تلك السحلية الطائرة التي تركها لحماية فيلته الخاصة كل الصفات الجينية الوحشية، الكفيلة بابتكار كائن رهيب..
منحها جين الحجم من البشر..
وجين السم من الثعابين..
والأجنحة من الخفافيش..
وأنياب الذئاب..
وجينات من حيوانات وزواحف أخرى مختلفة..
ولقد منحها هذا قوة كبيرة..
ورهيبة..
قوة جعلتها تنقضّ على "نور"، وتحمله إلى أعلى، وأنيابها الثعبانية تندفع نحو عنقه؛ لتبث فيه سمها، و..
وفجأة، انطلقت ثلاث رصاصات..
رصاصات تقليدية، كان لها دوي عجيب، في تلك المنطقة المقفرة، وهي تخترق رأس السحلية العملاقة، وصدرها وعنقها..
وأطلقت السحلية الرهيبة فحيحًا أخيرًا رهيبًا..
وضربت الهواء بجناحيها مرة أخيرة..
ثم هوت..
هوت بحملها "نور"، الذي انتزع نفسه من سترته، ووثب بعيدًا؛ ليتدحرج مبتعدًا عن موضع سقوطها، قبل أن ترتطم بالأرض في عنف..
وفي لهفة شديدة القلق، خفض "أكرم" فوهة مسدسه، التي ما زال الدخان يتصاعد منها، بعد أن عبرتها رصاصاته الثلاث، وانطلق يعدو نحو "نور"، صائحًا:
- "نور".. أأنت بخير؟!
أشار إليه "نور"، وهو ينهض، قائلاً:
- اطمئن يا صديقي.. أنا بخير.
زفر "أكرم" مغمغمًا في ارتياح:
- حمدًا لله.. حمدًا لله.
شاركه الجميع ارتياحه هناك، عند دائرة الحصار، فيما عدا قائد الفرقة، الذي قال في عصبية:
- أيّ مكان هذا الذي نحاصره بالضبط؟
أجابه "رمزي" في توتر:
- ربما هو الجحيم نفسه، أو..
قبل أن يكمل عبارته، شهقت "نشوى"، هاتفة في رعب:
- رباه!
التفت الجميع إلى الفيلا حيث تنظر هي، واتسعت عيونهم في رعب مماثل..
فهناك، كان على "نور" و"أكرم" أن يواجها تجربة جديدة، من تجارب ذلك العالم الكهل..
تجربة رهيبة.
إلى أقصى حد يمكن تخيله.
* * *
|