المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
هي ....وكلماتي
هي و....كلماتي
جلست أمامي صامتة كنهر سيبيري في يوم شتوي، وعلى ضفاف عينيها المتمترستين خلف نظارتين معتمتين تتراءى أطراف غلالة حزن، واضطراب جامح يهزها فتحاول ـ بجلاء ـ أن تبدد وقعه على نفسها بلف قداحة ذهبية بين أصابعها ..أصابع جميلة زادتها عناية المانيكور بهاء. أحسست بها تتشظى، تنسحق تحت ثقل أحزانها ...فنسيت أحزاني. ومددت يدا وأمسكت بيدها .كانت باردة كالثلج ...وبالأخرى ربت عليها . وهمست لها :
ـ ما بك يا سيدتي؟ ما ذا الوجوم؟
بكل هدوء، خلعت نظارتيها ، وأزاحت بدلال خصلة شعر مسدلة على عينيها. وسهمت في عيني، كأنها تبحث عن مركب أمان في لجها الأسود ... أو تحاول أن تقرأ ما رابضا في ظلال بريقهما...
آه كم أعشق عينيها !... جميلتان كنجمتين، بهيتان كوردتين، فيهما أرى الحياة وسحرها وألمس الغرام وناره ، كثيرا ما طلبت منها أن تحادثني بدون نظارة رغم، أني أعرف أن حدة بصرها متوسطة...وما خذلتني وما كانت...ربما، هي أيضا كان يعجبها ذالك!
بيد مرتعشة ، أدخلت يدها في محفظتها التمسا حية الجلد وأخرجت علبة سجائر، سحبت واحدة، وقالت :
ـ أتسمح...؟
أخذت القداحة من يديها برفق وألهبت سيجارتها قائلا : << العفو..... تفضلي سيدتي>>.
سحبت نفسا قويا...حتى انسد أنفها ورق...ربما، ما دخنت مذ ساعات أو، ما يصطرع تحت حناياها من اللظى لا يبدده إلا دفق من دخان متواصل... وما لبثت أن نفثت سحابة بحجم غيمة ماطرة، حجبتها عني لحظة. ثم، تنهدت نهادا طويلا. ربما... روح تبكي في قرارها.آلمني مزاجها العكر فدنوت حتى صرت قبا قوسين وأدنى منها...فتدانت، وقالت :
ـ ضمني... لعل دفء حنانك يشل يد ذا الحزن الخانق أنفاسي، وقربك ينسيني ويذيب جليد وحدتي أو، ربما أختزن من إيقاع أنفاسك نغمة استعيد رنتها لحظات غيابك الطويل فتؤنسني، ومن كلامك يا عزيزي شيد لي مركبا أهيم به في البحار البعيدة وجنحه لأطير حيث النجوم تولد والكواكب تموت.
أنت وحدك الذي سبحت في أغواري وغصت في مجاهلي وقرأت قراراتي وتناغم فكرك مع خواطري. أنت الذي من جعلني استذكر أني أنثى فأصبحت أتطيب ، أتجمل ، أتدلل...و لهدف... واحد هو غوايتك أسرك ،يا ملاذي وجنة خلاصي.
كلامها حسسني الحياة تغشاني، ـ أنا الميت ـ روحا تولد من جديد في قراري، وتيار الحب يذرع جسدي صعودا يبذر وراءه شبه صدمات كهربائية ساكنة...
طأطأت رأسي برهة أبحث في ضواحي فكري عن متكإ ألوذ به...عن موقع قدم في عالم ضبابي ولكن، دافئ النسمات عليلها يحضنني من جديد عالم ...كنت قد طويته سفرا واستندته... زمنا مضى.
لاحظت شرودي وصمتي الغير المعهود فقالت:
ـ ما بك ؟...أين شردت؟
رددت بنبرة فيها من الأسى اثر ولها من اليقين حلة:
ـ هل يمكن للأفنان العارية أن تورق من جديد والربيع قد قضى ؟ هل للخريف أن يخصب المروج الذابلة ويأسر غيمه الطيور المهاجرة؟ هل للحب... أن يولد من جديد... خارج رحم الشباب؟ !
ـ فلسفتك ذي لها تفسير واحد... يا عزيزي !!هو انك تحاول الهروب مني لا غير. لكن، ألم تقل لي أن الحياة خط مستقيم لا يعرف الانكسار ، وأن الحب فينق ما أن يحرق حتى ينبثق من رماده لدى نواصي القطر الصادق البرق والرعد!
ـ نعم يا حبيبتي....قد قلت ...ذا . ولكن، أحيانا ....
ـ نعم، أحيانا تصير ظالما...متجاهلا...جاحدا...
رد صوت مبحوح من ورائي، التفت صوبه فوجدتها منتصبة كشمعة معتلية شمعدان، ترهقها قترة وإعياء با رزين. شعرها علامات تعجب، عيناها سكونان ويداها نصبتان أما رجلاها... فكسرتان. بدت رثة ، زينتها معطلة لا مسحة جمال في مظهرها ، تقززت منه أكثر حين انحنت علي واقتربت حتى شعرت بسخونة أنفاسها تلهب خدي. دفعتها برفق وقلت لها موشحا بوجهي عنها:
ـ ما تبغين؟... أما يمكن أن أنفلت منك ولو للحظات؟ لما أنت ملازمة أياي بذي الصورة المرضية؟
ردت وحدقتاه مشرعتان كأبواب السماء تعجبا...
ـ كيف تقسو علي وتهجرني وتنساني ؟ بعدما شببت بين يديك، وزها شكلي فأضحى شعري جدائل وصدري كريما وخصري نحيلا، وبت لا تطيق النوم إلا وأنا في عينيك وصحوي دونه مهد يديك. ما جرى حتى تهملني ؟ ما مدّتك ذي السيدة حتى تشغلك عني ؟ألم افتح لك بساتيني نزلا؟ ألم تكن راضيا قرير العين في عالمي؟ألم أكن مستودع همومك وأفراحك..؟
ـ نعم ولكن كنت تداوين حزني بالحزن... وتنسيني معاناتي بمعاناة ...كنت تصبغين سواد روحي بسواد الليل...وماء لأجلي لم تعطي <<وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتها بشعرها1>>، قبلة لم تقبليني! << وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي2>>، بزيت لم تدهني رأسي ، <<أما هي فقد دهنت بالطيب رجلي 3>>. أليس ذا كافيا لأنساك...وأنشغل ...
لا حظت حبيبتي رحلتي فقالت:
ـ اليوم أنت مزاجيّ...ما بك؟ شيء ما يعتمل في خاطرك ..يشل فكرك. ليت شعري أعرف ما هو.
ـ واهمة أنت ، لا شيء على الإطلاق. كل ما في الأمر دوخة تساورني ربما الضغط الدموي من جديد استلقى برعونة على ضفاف شراييني.
ـ انس العالم ليعتدل ضغطك و... لتسق حقولي الجرداء... لا تبق صامتا...أرجو كسر صوان رتابتي.
استويت وهممت... لكن، أحسست بعقدة في لساني وأبواب الكلام المشرعة وُصدت وما تركت لي إلا تأتآت، حاولت وحاولت... بيد كل جهودي ذهبت سدى. شعرت بضعف وانكسار...فجلت بناظري في الغرفة، التمس معينا ... سببا...فلم أجد... سواها... هي من جديد.... كلماتي ، منتصبة، متحدية أمامي و بسمة انتصار بحجم قهقهة على شفتيها القرصية!
اقتربت مني، وبسبابتها داعبت وجنتي وقالت:
ـ ها أنت ببابي! أأصدك....؟لا، أبدا يؤلمني انكسارك يا .....عزيزي، لتكلمها إذن..
حينا مسحت فمي براحتها، فانفكت عقدة لساني وقلت بصوت أكثر من الهمس واقل من الصراخ:
ـ احبك يا حبيبتي....احبك يا حبيبتي!
ـ الله !... ، صاحت ، وأخيرا قلتها . اعترافك ذا قد يقتل كل شجوني. ما أسعدني الليلة يا عزيزي!
ليلتها كلماتي تسلقت أهدابي ونامت من جديد بين جفوني، وحبيبتي استكانت جنبي وغفت وهي تعد النجوم من خلال النافذة المشرعة .
صباحا ، كان صمت مستأسد يحوم حولي يتجاسر عليه بين حين وآخر خرير ماء قادم من المطبخ. حتما فاطمة منشغلة بغسل الأواني وتسمع بالتوازي أغنية من أغاني فيروز مفضلتها عبر سماعتيها . صحت بأعلى صوتي حتى تسمعني :
ـ قهوة سوداء من فضلك ...ومن غير سكر .
في انتظارها ...جلست على حافة السرير أتأمل .. أقرأ ما يحاول أن تقول دزينة أظافر وزوجي غيار أهداب عليهما استند أصبع أحمر شفاه...ابتسامة وليدة وسواس قهري أحسستها ارتسمت على وجهي ...وفي أعماقي قائل يقول. <<حدسك أيها السيد كان صائبا وحدسي..... >>.
3،2،1 آيات من أنجيل لوقا
الكاتب حدريوي مصطفى
الدار البيضاء في../../2008
التعديل الأخير تم بواسطة العبدي ; 20-03-08 الساعة 01:10 AM
|