المنتدى :
رجل المستحيل
العدد الخاص أنياب الأسد
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سوف اعرض عليهم العدد الخاص بعنوان أنياب الأسد
أتمنى لك قراءة ممتعة
سوف أضع الفصل الأول اليوم
1- المرارة...
لم يستطيع (أحمد) شقيق (أدهم صبري)، كتمان دموعه العزيرة ، التي انهمرت على وجهه في حرارة، وهو يقلي جسده على أقرب مقعد إليه، بعد عودته مع (أدهم) من جنارة والدهما، الذي لقي مصرعه غدراً، عندما اغتاله رجال (الموساد) في لندن.
كانت جنازة مهيبة بحق، بدأت فور وصول الجثمان الطاهر من لندن، على متن طائرة خاصة، تحمل شعار رئاسة الجمهورية، و تصدّرها مندوب الرئيس، و مدير المخابرات شخصياً، و خلفهما عدد كبير من ضباط المخابرات و رجالها، و الرعيل الأوّل لها...
و عبر شوراع (القاهرة)، سارت الجنارة في صمت، عكس مهابتها على الجميع، فتوقّف المارة على الجانبين في صمت و خشوع، مع رؤيتهم علم الجمهورية، الذي يلتفت حول النعش، و انضم بعضهم من تلقائية إليها، حتى راح تكبير رويدأً رويداً، فلم تصل إلى منطقة المقابر، حتى كان المكان كله يكتظ بالبشر، الذين رفعوا بالدعاء للميت بالرحمة و المغفرة، دون أن يدرك معظمهم هويته..
ووسط كل هذا المشهد المهيب، سار (أدهم) و شقيقه الأكبر في صمت...
كانت الدموع تسيل من عيني (أحمد)، الذي راح الرجال يواسونه، و يربتون على كتفيه مهدئين، في حين ظل (أدهم) صامتاً جامداً، لم تذرف عيناه دمعة واحدة، و إن سقّت كل خلجة من خلجاته عن حزن عميق، و ألم بلا حدود..
و في منطقة المقابر، كان (أحمد) يتلقّى عزاء الوالده في شبه إنهيار، في حين كان (أدهم) قويا متماسكاً، يصافح المعزين في حزم وقوة، و يتمتم بكلمات خافتة، رداً على عبارات العزاء التقليدية، حتى أن زميل والده (حسن) شعر بالقلق عليه، فتحرّك في خفة، حتى أصبح إلى جواره و همس:
- ابك يا (أدهم).. اترك لمشاعرك العنان.. إنه والدك، و لن يلومك أحد.
صمت (أدهم) لحظة، ثم التفت إليه، قائلاً في صمت عميق، لا يتناسب مع سنوات عمره القليلة:
- لم يحن الوقت بعد..
لم يدر (حسن) لماذا انفبض قليه، و هو يسمع هو الجواب؟!.
و لا لماذا سرت في جسده فشعريرة بادرة معه؟!.
ربما لأنه شعر أن الجواب المقتضب بخفي خلفه الكثير..
و الكثير جداً..
جداً..
بخفي خلفه نيراناً تستعر، في أعماق (أدهم)..
في أعمق أعماقه..
نيران نلتهم كل خلية من خلاياه..
بلا توقف...
و بلا رحمة..
و بلا هوادة..
و بكل قلقه، تطلّع (حسن) إلى (أدهم)، و لم ينبس ببنت شفة..
كل ما جال بخاطره لحظتها هو ان (أدهم) الشاب يخطّط لشيء ما..
شيء لن يفصح عنه..
ليس الآن على الأقل..
و على الرغم من دقة الموقف و صعوبته، و كنزه المعزين و المواسين، لم يستطيع (حسن) إلقاء هذا الموقف خلف ظهره...
لقد ظل يلتهم خلاياً مخه..
و أيضا، بلا رحمة..
و عندما انتهت الجنارة، كان يرغب في سؤال (أدهم) عما يدور في رأسه...
عما يخطّط له ...
ما يخفيه..
و لكنه لم يفعل..
لقد أشرق على أسلوب تربية (أدهم) يوما بيوما، و يعرف جيداً كيف أنشأه والده، و كيف ربّاه على الصبر..
و الصمت..
و الكتمان..
و كان واثقاً من أنه مهما قال أو فعل، أو حاول، فلن يحصل من (أدهم) على كلمة.. كلمة واحدة..
لذا، فمن الأفضل أن يدّخر مجهوده، و أن يكتم تساؤلاته في أعماقه...
و ينتظر..
و هذا ما فعله..
لقد صافح (أحمد) و (أدهم)، و ربت على كتف كل منهما، و لم يستطع منع دمعة حزن، فرّت من عينيه لحظتها، و هو يستعيد، على الرغم منه، تلك الذكرى البغيضة..
ذكرى اغتيال (صبري) في قلب (لندن)..
كان يغادر السفارة، عندما حاصره قتلة (الموساد)، و أطلقوا النار عليه، في قلب العاصمة البريطانية..
و في وصخ النهار..
و في سابقة تعد الأولى من نوعها، في تاريج صراع المخابرات العالمية..
أو ربما هي الأولى و الأخيرة..
و..
" عمي (حسن)... من قتل أبي؟!..."
ألقى (أدهم) السؤال فجأة، في حزم و صرامة، امترجا بمرارة لا حدود لها، نحو جعل (حسن) ينظر إليه في دهشة، قبل أن يغمغم:
- هذا أمر غير شائع في عالمنا يا (أدهم)، أو...
قاطعه (أدهم)، و قد تسلّلت لمحة غاضبة إلى صوته:
- من قتله؟!.
تطلّع (حسن) إلى عينيه مباشرة..
و قرأ الكثير..
قرأ كل ما لقّنه إياه والده، منذ اعتبره مشروعة الخاص؛ لإنتاج رجل المخابرات المثالي، و هو في الثالثة من عمره..
قرأ الصلابة..
و القوة..
و الحزم..
و العزم..
و الإرادة..
و الإصرار..
قرأ ما أنبأه بأن (أدهم) لن يتراجع عن سؤاله، و عن رغبته في المعرفة، مهما حاول الكل إخفاء الأمر..
و مهما طال الأمر...
و مهما طال الزمن..
و لأنه يعتبر (أدهم) مثل ابنه تماماً، و أنه لم يتزوّج أو ينجب، فقد قرّر تخفبف آلامه، و محو توتراته، و توفير وقته، أجابه في اقتضاب:
- (الموساد).
خيّل إليه أنه يلمح دمعة، تلمع في عيني (أدهم)، ثم تتوارى في سرعة، خلف حاجز من الصلابة و الإرادة، و هو يسأله، و قد اختنق صوته قليلاً:
- هل تيقنتم من هذا؟!.
أومأ (حسن) برأسه إيجاباً، فصمت (أدهم) لحظة، و كأنه يحاول ابتلاع غصة في حلقه، قبل أن يسأل:
- من فعلها؟!.
هزّ (حسن) رأسه نفياً، و أجاب في خفوت:
- لم ينجح أي مندوب لنا، و لم يصل عين من عيوننا، إلى معرفة هذه المعلومة، التي يحرص (الموساد) على إخفائها بشدة.. كل ما حدث هو أننا تعرّفنا على أحد القتلة، الذي شاركوا في عملية، و تحرينا أمره، فأدركنا أنه يعمل لحساب (الموساد)، و لقد قمنا بتنشيط كل مندوبينا و عيوننا، في قلب (إسرائيل)، و لكننا لم نتوصل إلا إلى معلومة واحدة، تؤكّد أن (الموساد) وراء عملية الاغتيال، و أنها قد تمت، دون الرجوع إلى القادة، و أن الذي أمر بتنفيذها يتعرض للمساءلة الآن.
غمغم (أدهم)، في لهجة اشتمّ منها (حسن) رائحة صارمة:
- المفترض أن تعرّضه للمساءلة وحه، يكفي لكشف هويته.
هزّ (حسن) رأسه نفياً مرة أخرى، و أجاب:
- ليس بهذه البساطة.. (الموساد) ليس جهازاً أو بسيطاً، و لكنه، و الحق يقال، أحد أقوى أجهزة المخابرات في المنطقة، و ربما في العالم أجمع، و انتزاع سر من عمقه، يعدّ أشبه بالمستحيل، و خاصة إذا ما أرادوا بشدة إخفاءه.
و صمت لحظة، ثم سأل في قلق:
- و لكن لماذا تريد معرفة هوية المسئول عن العملية؟!.
لم يجب (أدهم)، لكن عينيه حملنا بريقا عجيباً، صاعف القلق و التوتر في قلب (حسن) ألف مرة، فوضع يده على كتف (أدهم)، قائلاً:
- اسمعني جيداً يا (أدهم).. والدك-رحمة الله- كان زميلي و صديق عمري، منذ كنا في المرحلة الابتدائية، و حتى تخرّجنا كضباط في الجيش، و التحقنا بجهاز المخابرات العامة، فور إنشائه، و لقد حضرت واقعة اغتياله بنفسي، و عشت أسوأ لحظات عمري كله، و هو يحتضر أمام عيني؛ و لكن مهما كانت الأسباب، و مهما كانت الوسيلة، فما حدث لم يكن بهدف شخصي.. كان تطرفاً في أداء العمل.. و لهذا فهم أيضاً يحاسبون من أصدر القرار، و المسئول عن تنفيذه، عى من أن اغتيال (صبري)يفيدهم كثيرا، و يختصر عدد العقول التي تواجههم... أتلعم لماذا يا (أدهم)؟!.
واصل (أدهم) صمت، و هو يتطلّع إليه، فأكمل في جزم:
- لأنه في عالمنا، لا وجود للثأر أو الانتقام الشخصي.. عالمنا عالم أشبه بعالم رجال الأعمال.. الكل يتنازع، و يتصارع، و يسعى للتفوق على الآخرين، و الصعود فوقهم،، و حماية نفسه منهم فيالوقت ذاته، و في سبيل هذا،قد يرتكب البعض أفعالاً مشينة، تدخل أحياناً في باب الجريمة المنطّمة، و أحياناً حتى من باب الجريمة الحقيرة، و لكن هذا لا يدقعهم للثأر من بعضهم البعض، أ إضاعة الوقت في التخطيط لعميات انتقامية، أو حتى تعريض عنصر مدّرب للخطر؛ لتنفيذ عميلة، لن يأتي من خلفها أي طائل... هل تفهمني يا (أدهم)؟!.
صمت (أدهم) لحظة، و هو يتطلع إليه، ثم أجاب في اقتضاب:
- إنني أحاول.
استعاد ذهن (أدهم) كل هذه الأحداث، و هو يقف عند باب منزله، يراقب شقيقخ المنهمك في البكاء، قبل أن يقول في حزم:
- سأرحل.
التقت إليه (أحمد) في دهشة مذعورة، و هو يهتف:
- ترحل؟!.. الآن؟!.
أجابه (أدهم) في حزم أكثر:
- سأسافر يا (أحمد).
نهض (أحمد)، و هو يسأله في قلق عارم، جفّف معه دموعه:
- تسافر؟!.. إلى أين يا (أدهم)؟!.
صمت (أدهم) لحظة، ثم أجاب بكل حزم و صرامة الدنيا:
- (اسرائيل)
و اتسعت عينا (أحمد) عن آخرهما...
بمنتهى الرعب.
***
التعديل الأخير تم بواسطة Eman ; 02-11-08 الساعة 12:12 PM
|