كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
9- مسألة أمن
انعقد حاجبا مدير أمن السفارة الإسرائيلية في شدة، وهو يراجع أوراق الشاب الفرنسي
الأشقر، الذي طلب الحصول على تأشيرة دخول إلى (إسرائيل)، وغمغم، وهو ينقر صورته
بسبَّابته:
- مصوِّر جامعي؟!... ولماذا يسافر طالب فرنسي إلى (إسرائيل)، في موسم الدراسة.
تصاعدت نبرة شك في أعماقه، وواصل النقر على صورة الشاب الأشقر بسبَّابته بضع لحظات،
قبل أن يلتقط سمَّاعة هاتفه، ويطلب رقمًا داخليًّا، ليقول في لهجة آمرة:
- احصل على سجلات كل الجامعات الفرنسية، ودورات التدريب الخاصة، التي تقدِّم دروسًا
في التصوير الضوئي، وابحث فيها جميعًا عن هذا الاسم.
ألقى إليه اسم الشاب، ثم عاد ينقر بأصابعه على الصورة، وكأنه يحاول النقر على
صاحبها شخصيًّا، ثم لم يلبث أن التقط سمَّاعة هاتفه مرة أخرى، وقال في صرامة:
- أوصلني بـ(تل أبيب).. أريد التحدُّث إلى أدون "جراهام".. "دافيد جراهام"..
شخصيًّا.
مضت لحظات، قبل أن يرتفع رنين هاتفه، فالتقط السمَّاعة، وقال:
- "جونسون".. من أمن سفارة (باريس).
أتاه صوت خشن، يحمل نبرة صرامة، يقول:
- "دافيد جراهام".. لقد طلبت التحدُّث إليّ شخصيًّا.
اعتدل "جونسون" في احترام، وهو يقول:
- بالفعل يا أدون "جراهام".. أعتقد أنه لديَّ ما يهمك.
سأله "جراهام" في اهتمام:
- وما هو؟!
أجابه في اهتمام أكثر:
- لديَّ هنا شاب، تقدَّم بطلب الحصول على تأشيرة دخول إلى (إسرائيل)، وتنطبق عليه
المواصفات العمرية والجسدية، لذلك الشاب الذي طلبت البحث عنه، والذي أفسد إحدى
عملياتنا هنا من قبل.
بدا "جراهام" شديد الاهتمام، وهو يسأله:
- أهو الشاب نفسه؟!
ارتبك "جونسون"، وهو يجيب:
- لم نتيقَّن بعد، ولكننا نتحرَّى أمره.
سأله "جراهام" في بطء:
- وما الذي دفعك إلى الشك في أمره؟!
أجابه، وقد استعاد تماسكه:
- لقد طلب السفر إلى (إسرائيل)، أثناء الدورات الدراسية الرسمية، وليس في موسم
الصيف.
غمغم "جراهام":
- شك مقبول.
ثم استطرد في حزم:
- ومتى ستتيقَّنون من أمره؟!
أجابه في حذر:
- خلال دقائق.
لم يكد ينطقها، حتى دخل أحد مساعديه المكتب، وهو يشير بيده، فقال لـ(جراهام) في
لهفة واضحة:
- لحظة يا أدون "جراهام".
والتفت إلى مساعده، فأجابه قائلاً:
هناك دارس واحد بهذا الاسم، ولكنه في الثالثة والخمسين من عمره.
تألَّقت عينا "جونسون"، وعاد بسرعة إلى "جراهام" قائلاً:
- أدون "جراهام".. لقد تيقَّنَّا.
وصمت لحظة؛ ليزيد من تأثير الأمر، قبل أن يضيف:
- إنه زائف.
خُيِّل إليه أن شبكة الهاتف تنقل إليه التماعة عيني "جراهام"، قبل أن يقول:
- اسمعني جيدًا إذن يا "جونسون".. سأخبرك كيف تتعامل مع هذا الأمر.
وراحا يتحدثان بعدها بمنتهى الاهتمام..
لساعة كاملة.. أو يزيد..
* * *
أنهى الملحق العسكري المصري اتصاله، مع جهة أمنية فرنسية، قبل أن يقول في اهتمام
شديد:
- لقد توصلنا إليه.. إنه يقيم في فندق صغير، بالقرب من الحي اللاتيني.. لقد أعطوني
رقم حجرته، وسنذهب إليه فورًا.
سأله أحد رجال أمن السفارة في اهتمام:
- هل سنلقي القبض عليه؟!
أجابه، وهو يسرع إلى الخارج:
- كلا.. سنتحفَّظ عليه فحسب، والسيد "حسن" طلب أن نستخرج له جواز سفر، أو وثيقة
سفر؛ لنعيده إلى (القاهرة).
تبعه اثنان من رجال الأمن، وانطلق الثلاثة في سيارة تحمل أرقامًا دبلوماسية، إلى
الحي اللاتيني، حيث توقَّفت بهم أمام ذلك الفندق الصغير، فهبط الملحق العسكري، وسأل
موظف استقبال الفندق:
- عندك نزيل يقيم في الحجرة رقم سبعمائة وعشرة، تحت اسم "جان كلود رينيه".. أهو في
حجرته؟!
أجابه الموظف في هدوء:
- لست أدري.. لقد تسلَّمت نوبتي منذ أقل من ساعة واحدة، ولكنه لم يترك مفتاح حجرته
هنا، لذا..
لم ينتظر الملحق العسكري حتى يتم الرجل حديثه، وإنما اندفع مع رجليه نحو المصعد،
وأشار الملحق إلى أحدهما، ليصعد في درجات السلم، في حين استقل هو المصعد مع الثاني،
إلى الطابق السابع، وعندما التقى الثلاثة، أمام باب الحجرة، وقف الرجلان على
جانبيها، في حين طرق الملحق العسكري بابها، وقال بفرنسية سليمة:
- خدمة الغرف.
انتظر لحظات، ثم كرَّر النداء، وعندما لم يتلقَّ جوابًا، أشار إلى أحد الرجلين،
فأخرج من جيبه أداة رفيعة، دسَّها في ثقب مفتاح الحجرة، وأدارها على نحو خاص،
فانفتح الباب، وبقي الرجل في الخارج، في حين دلف الملحق العسكري مع الرجل الثاني
إلى الداخل، وأغلقا الباب خلفهما..
ولثوانٍ، أدار الملحق العسكري عينيه في الحجرة، قبل أن يغمغم:
- المكان مرتب، على نحو يوحي بأنه لم يقض فيه وقتًا طويلاً.
قال الرجل المصاحب له:
- يبدو لي أنه لم يقض فيه لحظة واحدة.
توقَّف بصر الملحق العسكري عند منضدة صغيرة، مجاورة للفراش، وهو يقول:
- ولكنه ترك جواز سفره هنا.
التقط جواز السفر، وفتحه؛ ليلقي نظرة على صورة صاحبه واسمه، قبل أن يغلقه، ويقول في
حنق:
- لقد خدعنا جميعًا.
سأله الرجل في قلق:
- أهذا ليس جواز سفره؟!
أجابه في سخط:
- بل هو جواز سفر، يحمل اسم "جان كلود رينيه".. أتعلم ما الذي يعنيه تركه له هنا؟!
أطلّ التساؤل من عيني الرجل، فأضاف في غضب:
- إنه يسخر منا، ويبلغنا، على نحو غير مباشر، أنه يحمل الآن اسمًا مختلفًا.
سأله الرجل في دهشة:
- أي اسم؟!
أجابه الملحق العسكري، بمنتهى السخط:
- من يدري؟!
نعم.. من يدري؟!..
* * *
"موريس ديلون"..
نطق "أدهم" الاسم في هدوء، وهو يقدِّم ذلك الإيصال، الذي تسلَّمه من السفارة
الإسرائيلية، إلى مسئول بيوت الشباب في (باريس)، والذي راجع الإيصال في اهتمام، قبل
أن يسأله في آلية:
- أين تقيم يا "موريس"؟!
أجابه "أدهم" في هدوء:
- في (كاليه).
أومأ الرجل برأسه متفهمًا، وهو يسأله:
- ولماذا ستسافر إلى (إسرائيل)؟!
قال "أدهم":
- جدتي لأمي تقيم في (القدس)، وسأذهب لزيارتها.
أعاد إليه الرجل ذلك الإيصال، وقال:
- يمكنك أن تقيم هنا ليلتين فحسب، وعليك أن تبحث عن مكان إقامة بعدها، لو لم تغادر
(باريس).
غمغم "أدهم":
- لو سارت الأمور على ما يرام، سأسافر غدًا ليلاً إلى (تل أبيب).
قال الرجل:
- هذا أفضل.. اذهب وابحث عن مكان لنومك.
في نفس اللحظة، التي دلف فيها "أدهم" إلى بيت الشباب، خفض أحد رجال (الموساد) في
(باريس) منظاره عن عينيه، وقال لزميله، الذي يقود السيارة:
- إنه هو.
سأله زميله في اهتمام:
- هل التقطت له مجموعة صور كافية؟!
أومأ الأوَّل برأسه إيجابًا، وقال:
- من كل الزوايا.
قال زميله في حزم:
- فلنرسلها إلى أدون "جراهام" فورًا، حتى يتخذ القرار بشأنه.
وأخرج مسدسه، وسحب مشطه، مستطردًا:
- وسننتظر الأمر بالتنفيذ.
وعندما ارتد مشط مسدسه، مصدرًا ذلك الصوت المعدني، كانت عقارب الساعة تشير إلى أن
الليلة ما زالت في بدايتها..
ويا لها من ليلة!
* * *
|