كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
8- تأشيرة
بدت النائبة الإسرائيلية "جولدا مائير" شديدة العصبية والتوتر، وهي تلتقي
بمدير"الموساد" سرًّا، في تلك المنطقة النائية من "تل أبيب "، وقالت في حدة:
- ما معنى هذا بالضبط؟!.. لقد أخبرتني أن هذا الأمر سيجبر رئيس الوزراء على
الانسحاب، وبناءً عليه، فقد قمت بمواجهته، ولقد بدا شديد التوتر عندئذ، مما جعلني
واثقة من أنه قد اندحر، ثم إذا به فجأة يبدو قويًّا متماسكًا، ويرفض عرضي بكل ثقة،
فما تفسيرك لهذا؟!
أجابها مدير"الموساد" في هدوء:
- ربما وصله التقرير الرسمي، الذي يشير إلى تصاعد أسهمه، في حالة إعلان الأمر.
هتفت مندهشة:
- مستحيل!.. وهل يمكن أن يرتفع اسمه بالفعل، مع إعلان أمر كهذا؟!
تظاهر بالأسف، وهو يقول:
- هذا ما أسفرت عنه نتائج استطلاع الرأي، التي طلب إعدادها شخصيًّا.
انعقد حاجباها الكثان في توتر شديد، وهي تقول:
- إذن فقد خسرتُ هذه الجولة.
هزَّ رأسه نفيًا في بطء، وهو يقول:
- ليس بالضرورة.
التفتت إليه متسائلة في توتر:
- ما الذي يعنيه هذا؟!
حافظ على ابتسامته الخبيثة لحظات، قبل أن يميل نحوها، قائلاً:
- لقد أعطانا موافقته الرسمية، على إنشاء قسم الاغتيالات، ومن الممكن رسميًّا أن
نبدأ عملنا فورًا.
غمغمت في حذر:
- أمر طبيعيّ.
تراجع قائلاً:
- ماذا إذن لو بدأنا باغتيال أحد زعماء المقاومة الكبار، على نحو يستفز المجتمع
الدولي كله، ويثير غضب الحليف قبل العدو؟!..
تألَّقت عيناها، وهي تقول في انفعال:
- عندئذ سينقلب الكل على "إسرائيل"، وسيصبح رئيس وزرائها في موقف لا يُحسَد عليه.
قال مشيرًا بيده:
- وإذا ما ظهرت الوثيقة في تلك اللحظة.
أكملت في حماس:
- ستنهار أسهمه تمامًا.
أشار بيده مبتسمًا، فسألته في لهفة:
- وهل يمكنك أن تفعل هذا؟!
بدت ابتسامته شديدة الخبث، وهو يجيب:
- أنا في خدمة رئيسة الوزراء.
ومال نحوها مرة ثانية، مضيفًا:
- القادمة..
وتألَّقت عينا "جولدا مائير"..
بمنتهى الشدة..
* * *
تطلَّعت موظفة السفارة الإسرائيلية في "باريس" إلى ذلك الشاب الأشقر الهادئ، الذي
يجلس أمامها بعينيه الزرقاوين، حاملاً آلة تصوير بسيطة على كتفه، وراجعت هيئته مع
تلك الصورة، في جواز سفره الفرنسي، قبل أن تسأله:
- ولماذا تريد السفر إلى "إسرائيل"؟!
بدا شديد الحماس، وهو يجيب:
- لافتاتُكم في كل مكان تدعو الناس إلى السفر إلى "إسرائيل"، ونشراتكم السياحية
تحوي عشرات المشاهد الجميلة، التي يسيل لها لعاب أى مصوِّر.
سألته في حذر:
- هل تعمل بالتصوير؟!
ابتسم في خجل، وهو يجيب:
- بل أدرسه فحسب.
ثم أخرج كومة من الصور من جيبه، وضعها أمامها، قائلاً:
- انظري.. هذه صورة التقطتها للرهبان في "تايوان"، وهذه صورة لمعبد قديم في
"نيودلهي "، وهذه..
قاطعته، وهي تعيد الصور إليه في ضجر:
- هذا جميل.. ستجد عشرات المناطق، التي تستحق التصوير في "إسرائيل"..
استعاد الصور، وهو يقول متحمسًا:
- بالتأكيد.. الأحياء القديمة في "القدس"، والمتاجر العامة في "تل أبيب "، ومزارع
البرتقال، و..
قاطعته مرة أخرى:
- ادفع الرسوم، وعد غدًا؛ لتتسلَّم تأشيرتك.. سيعطونك إيصالاً باستلام جواز سفرك.
لم يُبْدِ اهتمامًا شديدًا، وكأنما كان يتوقَّع الحصول على التأشيرة، وسألها، في
شيء من حماس الشباب:
- ملامحك شرقية جميلة.. هل يمكنني التقاط صورتك؟!
أشارت بيدها، في حزم وضجر:
- كلاّ.. هذا غير مسموح.. التالي.
هتفت تنادي التالي، على أمل التخلُّص من ملل ذلك الفرنسي الأشقر، الذي لملم صوره،
وأعادها إلى جيب سترته، وغادر المكان؛ ليحصل على إيصال استلام جواز سفره، ويغادر
السفارة كلها..
الأمور تسير وفقًا لخطته، حتى هذه اللحظة..
وتمامًا كما علمه والده الراحل، وكما درَّبه عميد مقعد، كانوا وما زالوا يعتبرونه
من أبرع المخططين في عالم المخابرات، فقد وضع خطة مركَّبة معقَّدة، حاول من خلالها
أن يضع كل الاحتمالات في اعتباره..
وأن يستعد لكل التطورات..
حتى العسير منها..
وها هو ذا الآن في قلب "باريس"، يحمل جواز سفر فرنسي، وبطاقة هوية جامعية شديدة
الإتقان، صنعتها أصابع "قدري " الذهبية، وينتظر الحصول على تأشيرة دخول"إسرائيل"،
على نحو رسمي..
ولكنه مضطر للانتظار، ليوم كامل..
أربع وعشرون ساعة، يمكن أن يحدث فيها الكثير..
والكثير جدًا..
جدًا..
* * *
راجع مدير أمن المطار قوائم المسافرين للمرة الثانية، قبل أن يقول لـ"حسن" في قلق:
- ثلاثة شبان، تنطبق عليهم المواصفات نفسها، سافروا خلال الأربع والعشرين ساعة
الماضية، في طريقهم إلى "باريس".. اثنان منهم فرنسيان، يحملان تأشيرة دخول سليمة،
والثالث ابن لدبلوماسي نيجيري، يحمل جواز سفر أحمر.
قال"حسن " في حزم:
- راجع تأشيرات دخول ثلاثتهم، في السجلات الرسمية، وراجع كل قوائم الوصول؛ لتتيقَّن
من أنهم دخلوا البلاد بالفعل.
سأله مدير الأمن في حذر:
- حتى النيجيري؟!
أجابه في حزم:
- حتى النيجيري.
أشار مدير أمن المطار إلى مساعده؛ ليقوم بهذا العمل، وهو يسأل"حسن" في قلق واضح:
- ولكن لماذا لم تتضمَّن المواصفات، التي أرسلتموها إلينا، وصفًا تفصيليًّا لملامح
وجهه وجنسيته، كما كنتم تفعلون من قبل؟!
عقد"حسن" حاجبيه، وهو يجيب:
- لا يمكننا أن نضمن كيف سيبدو.
سأله في حذر:
- أتعني أنكم لم تتأكَّدوا من هويته بعد؟!
صمت "حسن" لحظات، قبل أن يقول:
- ربما يدهشك أننا نعرف هويته جيدًا.
غمغم في دهشة:
- ماذا إذن؟!
زفر"حسن" في توتر، وقال:
- يمكنك أن تقول: إننا نواجه شبلاً متميزًا.. أحسنوا تدريبه وتربيته على نحو مدهش،
وهو الآن يطمح إلى النضوج، ولعب دور الأسد.
تزايدت دهشة مدير أمن المطار، وهو يقول:
- وهل المفترض أن أفهم هذا؟!
أجابه "حسن" في حزم:
- كلا.
لم يكد ينطقها، حتى عاد المساعد، قائلاً:
- لقد عرفنا مَن المنشود.
التفت إليه الاثنان في لهفة، فوضع أمامهما ورقة، قائلا:
- المراجعة أثبتت صحة تأشيرة دخول النيجيري، وأحد الفرنسيين، أما الثاني فتأشيرته
مزَّورة حتمًا؛ لأنها غير واردة في سجلاتنا الرسمية.
سأله "حسن" في لهفة، وهو يلتقط سمَّاعة تليفون مكتب الأمن:
- وما اسم الثاني؟!
أجابه على الفور:
- "جان كلود رينيه".
أسرع "حسن" يطلب رقم مساعده في الجهاز، ولم يكد يسمع صوته عبر الهاتف، حتى قال في
حزم:
- اتصل بسفارتنا في "باريس" فورًا، واطلب من ملحقنا العسكري هناك، أن يبلغ السلطات
الفرنسية عن مصري شاب، يحمل جواز سفر زائف، باسم "جان كلود رينيه"، وامنحه أوصاف
ابن "صبري".
وعندما وضع سمَّاعة الهاتف، كان يشعر أن الحلقة قد بدأت تضيق، حول تهوّر"أدهم"
الشاب..
وبمنتهى الإحكام.
* * *
|