كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
7- سؤال
عندما دلف مدير "الموساد" إلى مكتب رئيس الوزراء، كانت شفتاه تحملان تلك الابتسامة
الصفراء البغيضة، التي استفزت رئيس الوزراء أكثر، وهو يقول في صرامة غاضبة:
- من الخائن من رجالك؟!
تظاهر مدير "الموساد" بالدهشة، وهو يقول:
- خائن؟!.. ليس بيننا خائن، يا سيادة رئيس الوزراء.
صاح فيه رئيس الوزراء:
- بل هناك خائن.. خائن نجح في الحصول على صورة، من قرار إنشاء ذلك القسم الجديد،
وقدمها لقمة سائغة للنائبة "جولدا"، فأتت لتساومني عليها هنا.. في مكتبي.
رفع مدير "الموساد" حاجبيه، في دهشة مصطنعة، وهو يقول:
- في مكتبك؟!
رمقه رئيس الوزراء بنظرة صارمة، وكأنما يعلمه أن هذا الأسلوب لم ينطلِ عليه، فتابع
مدير "الموساد":
- ولكن تساومك على ماذا؟!
أجابه في حنق:
- على مقعدي.
ابتسم مدير "الموساد"، وهو يقول:
- لا تقبل المساومة.
احتقن وجه رئيس الوزراء، وهو يقول:
- كيف؟!.. إنها تملك ورقة شديدة الخطورة.. ورقة لابد وأن تعلم، من نقلها إليها
بالضبط.
هزَّ الرجل رأسه في هدوء، وقال:
- هذا مستحيل تقريباً؛ فهذه الورقة عبارة عن قرار رسمي، بإنشاء قسم جديد، مما يعني
ضرورة أن يتداوله أكثر من عشرة أشخاص على الأقل، وأن يعلم به ما لا يقل عن سبعة عشر
شخصا آخرين.
صاح به رئيس الوزراء:
- وتطلق على هذا اسم السرية؟!
هزَّ الرجل كتفيه هذه المرة، وقال:
- كلهم رجال مخابرات.
هتف رئيس الوزراء محنقاً:
- حقاً؟
التقط مدير "الموساد" نفساً عميقاً، وأجاب في صرامة:
- حقاً.
احتقن وجه رئيس الوزراء أكثر، وقرَّر تجاوز الأمر، وهو يقول في عصبية:
- وكيف لا أقبل مساومة "جولدا"؟!
أخرج مدير "الموساد" من جيبه ورقة، ناولها لرئيس الوزراء، قائلاً:
- بهذا الأسلوب.
التقط رئيس الوزراء الورقة، وفضَّها في حذر..
كانت تحوي نتائج استطلاع الرأي، التي تشير إلى ارتفاع أسهمه، بين جموع الناخبين، لو
تم كشف القرار..
وتألَّقت عينا رئيس الوزراء..
هذا يعني أنه ليس مضطراً لقبول ما تقوله "جولدا"..
ليس مضطراً لمساومتها..
أو حتى مقابلتها..
وفي لهفة واضحة، سأل مدير "الموساد":
- أأنت واثق من هذه النتائج؟!
أجابه في حزم:
- تمام الثقة.
تألَّقت عينا رئيس الوزراء، وهو يعود إلى مكتبه، ويلتقط سمَّاعة هاتفه الخاص، ويطلب
رقم "جولدا"، التي ما أن أجابته، حتى قال في صرامة:
- عرضك مرفوض يا "جولدا".
وصفق الهاتف في وجهها في عنف، ورفع عينيه الظافرتين إلى مدير "الموساد"، الذي ابتسم
ابتسامة واسعة..
ابتسامة صفراء..
بغيضة..
* * *
على الرغم من شعور "قدري" بالتوتر الشديد، وهو يقف أمام "حسن"، داخل منزله هو، إلا
أنه حاول التماسك بقدر الإمكان، وهو يقول:
- "أدهم"؟!.. أتقصد ذلك الصبي.. ابن السيِّد "صبري" رحمه الله؟!
ارتسمت ابتسامة ضيق على وجه "حسن"، وهو يتطلَّع إلى "قدري" في صمت، قبل أن يتخذ
مجلساً، وهو يقول:
- اسمع يا "قدري".. ربما تتصوَّر نفسك ممثلاً بارعاً، ولكن يؤسفني أن أخبرك بأن هذا
لن يجدي نفعاً.. قل لي: هل بدأت تدريباتك لدينا؟!
أجابه "قدري" في حذر:
- ليس بعد.
أومأ "حسن" برأسه متفهماً، وقال:
- لو أنك بدأت، لأدركت أن أحد أهم الأمور، التي يتدرَّب عليها رجل المخابرات، كشف
ردود الأفعال الصغيرة واللا إرادية، التي يقوم بها المرء، عندما يلجأ إلى الكذب..
لقد أمسكت يمناك بيسراك، وضغطت عليها دون مبرِّر، وارتفع حاجباك، دون الحاجة إلى
هذا، وتحدَّثت في بطء؛ لتزن كل حرف، قبل أن تنطقه، وبالنسبة لنا، تعتبر كل هذه
علامات مؤكَّدة، على حالة كذب..
ارتسم الذعر لحظة، على وجه "قدري"، قبل أن يغمغم:
- كنت أعلم أنني سأفشل.
سأله "حسن" في صرامة:
- أين ذهب "أدهم"؟!
تردَّد "قدري"، وقال في عصبية:
- لقد أقسمت.
سأله في اهتمام:
- على ماذا؟!
أجابه في عصبية:
- على كتمان السر.
انعقد حاجبا "حسن" في صرامة:
- وماذا لو أجبرتك؟!
أجابه في سرعة:
- لن تفعل.
بدت الدهشة على وجه "حسن"، ربما لأن "قدري" قد أصاب كبد الحقيقة مباشرة..
ولوهلة، لاذ بالصمت التام، وهو يتطلَّع إليه، ثم بدأ يقول في بطء:
- ربما أبلغ الجهاز، و...
قاطعه "قدري" بنفس السرعة:
- لن تفعل.
مرة أخرى، ارتسمت الدهشة على وجه "حسن"، ولكنه في هذه المرة هتف:
- لماذا تثق في هذا؟!
أشار "قدري" بيده، قائلاً:
- لأنك أتيت وحدك.. لو أنك ترغب في أن يعلم جهاز المخابرات رسمياً بما يحدث، لأحضرت
مساعداً واحداً معك على الأقل، ولكن الواقع أنك لا ترغب في هذا، حتى لا تكون السبب
في إضافة نقطة سوداء، إلى ملف "أدهم"، يمكن أن تعوق التحاقه بالجهاز في المستقبل..
لقد أتيت وحدك؛ لأنك تريد أن تعرف.. أن تطمئن، لا أن تعاقب أو تردع.
لم يستطع "حسن"، على الرغم من الموقف، إخفاء انبهاره بـ"قدري"، وإعجابه بأسلوبه في
التفكير المنطقي المنظَّم..
ولما يقرب من دقيقة كاملة، ظلَّ يتطلَّع إليه في صمت، قبل أن يقول:
- هل تبر بقسمك دائماً؟!
أجابه في حزم:
- دائماً.
وصمت لحظة، ثم أضاف:
- وبالذات مع "أدهم".
ابتسم "حسن"، وقال:
- يدهشني أن تربطك به صداقة قوية إلى هذا الحد، في هذا الزمن القصير.
تنهَّد "قدري"، قائلاً:
- وأنا أيضاً.
كان "حسن" يبحث عن سؤال، يمكن أن يدفع "قدري" للإفصاح عما لديه، دون أن يحنث بقسمه،
فسأله:
- ما الأوراق الرسمية، التي صنعتها مؤخراً؟!
بدا أن "قدري" قد فهم اللعبة، ولكنه أجاب في حذر:
- جواز سفر فرنسي، وبطاقة هوية..
اكتفى بهذا القول، فسأله "حسن":
- إسرائيلية؟!
أجابه بهزة رأس حذرة، فتنهَّد في ارتياح، قائلاً:
- هذا يكفي.
قالها، وغادر المنزل على الفور، ليراجع قوائم السفر الأخيرة، بحثاً عن شاب فرنسي،
له سمات "أدهم"..
لقد فهم اللعبة..
أو أنه يعتقد هذا..
سيسافر "أدهم"، بجواز سفر فرنسي متقن التزوير، ويحمل تأشيرة دخول مزوَّرة، إلى
"فرنسا"..
ومنها إلى "إسرائيل"..
ولو تحرَّك في سرعة، فقد يستطيع إيقافه في "باريس"..
لم يدرِ، وهو ينطلق بسيارته إلى المطار، متجاوزاً السرعات القانونية، أن تحركه قد
بدأ متأخراً..
متأخراً تماماً.
* * *
|