كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
الجزء الجديد من (أنياب الأسد)
23- غيبوبة..
وضع "حسن" سماعة الهاتف في انفعال، والتفت إلى الملحق العسكري، هاتفاً:
- كنتُ على حق في استنتاجي.. "أدهم" يحمل جواز سفر بريطانياً باسم "روبرت كال"، به تأشيرة دخول متقنة إلى "إسرائيل".
قال الملحق العسكري في دهشة:
- هل حصل على تأشيرتين؟!
هزَّ "حسن" رأسه، وقال:
- لقد تقدَّم بطلب تأشيرة واحدة؛ تحسباً لاحتمال تسرب أمره إلى الإسرائيليين، أما الثانية فقد صنعها له صديقه "قدري" منذ البداية، وأضافها إلى جواز السفر البريطاني، بناءً على طلبه، مما يعني أن هذا كان جزءاً من خطة "أدهم" منذ البداية.
تساءل الملحق العسكري في حيرة:
- ولكن لماذا؟!.. لو أنه ينوي فعلاً السفر إلى "إسرائيل"، فلماذا يشعل النار هنا في "باريس".
أجابه "حسن" في سرعة:
- حتى يجذبهم إليه.
بدت دهشة متسائلة على وجه الملحق العسكري، فتابع "حسن"، وهو يرتدي سترته، ويدس مسدسه في حزامه من الخلف:
- "أدهم" يحاول السفر إلى "إسرائيل"؛ للانتقام لوالده الراحل، وهو يجهل اسم مغتاله في الوقت ذاته، لذا فقد تعمَّد إثارة غضب الإسرائيليين، والتعامل على نحو يكشف لهم هويته إلى حد ما، ولم يكن اختياره "باريس" عشوائياً؛ فهي ساحة أوَّل مواجهة بينه وبينهم، مما سيجعلهم يذكرونه، ويسعون خلفه.
سأله الملحق العسكري، وهو يرتدي سترته بدوره:
- وهل سيجذب هذا قاتل والده إليه؟!
قال "حسن"، وهو يندفع نحو الباب:
- أو على الأقل سيربك الموقف، مما يضاعف من فرصته للتوصل إليه.
لحق به الملحق العسكري، وهو يقول مستنكراً:
- ولكن هذا سيضعه في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين، وهو مجرَّد شبل، مهما بلغت مهاراته، ولن يمكنه مواجهتهم بكل قوتهم وعتادهم.
توقف "حسن" لحظة، ثم التفت إليه، قائلاً:
- الشبل لم يعد شبلاً يا رجل.. لقد خاض معاركه، وتعلم الصيد، وبرزت أنيابه.. الشبل أصبح أسداً يا رجل، وصار يتوق للصيد، ولإثبات ذاته وقدراته.
غمغم الملحق العسكري في دهشة:
- في هذا العمر؟!
مطَّ "حسن" شفتيه، وقال:
- سترى.
ثم واصل اندفاعته بكل قوته..
وكل انفعاله..
* * *
دوار شديد، ذلك الذي اكتنف رأس "أدهم"، وهو يبتعد عن شباك الجوازات في المطار الفرنسي..
ماذا حدث؟!..
ماذا أصابه؟!
دار التساؤل في ذهنه، وهو يبذل قصارى جهده ليتماسك، والدوار يتزايد..
ويتزايد..
ويتزايد..
إنها تلك الوخزة..
نعم.. لقد فعلوها..
الإسرائيليون كشفوا أمره، على الرغم من كل ما فعله..
ياللسخافة!..
لقد تصوَّر في لحظة أنه سيمتلك مهارة والده، وبراعة مدربه..
ولكن هذا مستحيل كما يبدو..
الموهبة وحدها لا تكفي..
هناك أيضاً الخبرة..
خبرة المواجهة..
والمناورة..
والنزال..
تلك الخبرة التي تمنحه القدرة على حسن تقييم وتقدير الأمور..
وعلى مواجهة الثعالب..
وقتالهم..
وهزيمتهم..
وهو -على الرغم من كل مواهبه وقدراته، والمران الطويل الذي تلقّاه على يد والده ومدربه- لم يمتلك الخبرة الكافية بعد..
ما زالت أمامه سنوات..
وسنوات..
وسنوات..
كاد يفقد توازنه من شدة الدوار، فاستند إلى الجدار، وهو يحاول بلوغ منطقة آمنة..
إنهم حوله حتماً..
يراقبونه..
ويحاصرونه..
ويتربَّصون به..
ينتظرون سقوطه؛ حتى ينقضوا عليه، ويظفروا به..
ولا ينبغي أن يسمح لهم بهذا..
أبداً..
تابعه "جراهام" ببصره في ظفر في هذه اللحظات، وقال لرجاله عبر جهاز الاتصال الخفي:
- تقدموا.. الفريسة مستعدّة للسقوط.
بدأ رجاله حصار "أدهم" بالفعل، وبدأ هو يشعر باقترابهم، وهو يقاوم تلك الغيبوبة التي راحت تحيط برأسه في سرعة..
لم يكن لديه مكان واحد آمن داخل المطار..
الإسرائيليون يمكنهم اللحاق به في أي مكان..
وأية بقعة..
ليس أمامه إذن سوى مكتب الأمن..
لا بد وأن يحاول بلوغه، وإقناع رجاله بأنه يعاني من مرض ما..
مرض مخيف وشديد العدوى..
سيخيفهم هذا ويفزعهم حتماً، ولكنه سيدفعهم إلى إبلاغ المكتب الصحي، والشرطة، وكل الجهات المعنيّة..
وسيتحفّظون عليه أيضاً..
وهذا سيكفل له الحماية..
والرعاية..
والأمان..
حتى بعد أن يفقد وعيه تماماً..
لاح له مكتب الأمن، على بُعد خطوات، فجرَّ قدميه جرّاً، وهو يزحف نحوه، ولكن رجلاً عريض المنكبين، مفتول العضلات جاء من خلفه، وقال بالعبرية في صرامة:
- ليس بهذه السرعة.
استدار "أدهم" ليواجهه، ولكن استدارته أتت ضعيفة متخاذلة، مع دواره الشديد العنيف، فأمسك الرجل كتفه، وغمغم في مقت:
- يا لعنادكم أيها المصريون.
ثم ألصق شيئاً ما بجانبه.. وضغطه.. وانتفض جسد "أدهم" في عنف، مع سريان تيار الصاعق الكهربي الصغير في كيانه، وانطلقت من حلقه -على الرغم منه- شهقة عالية، جذبت انتباه طاقم الأمن، الذي التفت إليه، ورأوه يسقط فاقد الوعي بين ذراعي ذلك الضخم، الذي مطَّ شفتيه، وقال بفرنسية ركيكة:
- إنه ابن شقيقتي.. لقد أسرف في الشراب و...
لم يكمل العبارة، فنظر إليه رجال الأمن في شكّ، وبدأ أحدهم يتجه نحوه بالفعل، فأطلق ضحكة عصبية، وأضاف:
- وأنتم تعرفون الباقي.
واصل رجل أمن المطار تقدُّمه نحوه، ولكن "جراهام" ظهر فجأة، بهيئته الديبلوماسية الأنيقة، وهو يقول بفرنسيته السليمة:
- هل عثرت عليه أخيراً؟!
ثم التفت إلى رجل الأمن، وأبرز جواز سفره الديبلوماسي، مستطرداً في حزم:
- إنه يعمل معنا.
أوقف جواز السفر الديبلوماسي رجل الأمن، وجعله ينقل بصره بين "أدهم" و"جراهام" في توتر، فأشار هذا الأخير إلى الضخم، وقال في صرامة:
- سيارة السفارة تنتظر في الخارج.
أومأ الضخم برأسه إيجاباً، وحمل "أدهم" على كتفه، كما لو كان طفلاً صغيراً، والتقط حقيبته، واتجه به نحو باب المطار، في حين أعاد "جراهام" جواز سفره إلى جيبه، وهو يقول:
- الشراب يتلف عقله تماماً.
غمغم رجل الأمن في توتر:
- المفترض أن أبلغ الشرطة.
أجابه في هدوء:
- افعل يا رجل.. قم بواجبك، ولكن لا تنسَ إذْن الخارجية... إنها القواعد الديبلوماسية.
لم ينبس رجل الأمن بكلمة، وتابع ببصره ذلك الضخم، حتى ألقى جسد "أدهم" داخل السيارة التي وقفت أمام المطار، حتى ركبها "جراهام"، ثم انطلقت مباشرة..
وكان هذا يعني أن "أدهم" الشاب قد خسر اللعبة..
وسقط في قبضة الإسرائيليين في هذه الجولة..
الجولة الأخيرة.
* * *
|