كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
الجزء الجديد من (أنياب الأسد)
22- الثعلب..
"أدهم" يعبث بالجميع..
نطقها "حسن" في توتر ملحوظ، وهو غارق في تفكير عميق، في حجرة الملحق العسكري المصري بسفارتنا في "باريس"، فقال هذا الأخير في اهتمام:
- لقد أجاد اللعبة بحق، فاستأجر شاباً فرنسياً من الحي اللاتيني، تتشابه مواصفاته الجسدية معه، وطلب منه التعامل مع ذلك المزيف الفرنسي "روجيه"؛ ليصنع له جواز سفر إسرائيلياً، مما جذب الجميع إلى المزوِّر، وصرف الأنظار عنه.
التفت إليه "حسن"، متسائلاً في اهتمام:
- ليفعل ماذا؟!..
التقط الملحق العسكري نفساً عميقاً، وأجاب:
- من يدري؟!
اعتدل "حسن" بحركة حادة، وقال:
- نحن.. نحن يجب أن ندري.. هذا عملنا، وهذه مهمتنا.. أن ندري ونعلم ونفهم.
أومأ الملحق العسكري برأسه متفهماً، وقال:
- سنطلق كل رجالنا، و...
قاطعه "حسن" في حزم:
- لا بد من دراسة الأمر أوَّلاً.
ثم نهض بحركة حادة، وتابع في اهتمام:
- البداية تأتي من طرح سؤال أساسي.. لماذا؟!.. لماذا فعل "أدهم" هذا؟!.. لماذا جذب كل الأنظار إلى شخصية الفرنسي "موريس ديلون" على هذا النحو الواضح، ثم إلى الهوية الإسرائيلية التي يحاول انتحالها.. لماذا؟!
غمغم الملحق العسكري في حذر:
- ربما..
قاطعه "حسن" وهو يواصل، وكأنه لم يسمعه:
- إنه ليس غبياً ليتصرَّف على هذا النحو، مما يضعنا أمام جواب واحد فحسب.
والتفت إلى الملحق العسكري، قائلاً في انفعال:
- جواب يجعل كل الأمور منطقية مفهومة.
"وما هو؟!"..
ألقى مسئول الأمن الإسرائيلي "جونسون" السؤال على مسامع "جراهام"، وهما يسيران معاً، على ضفاف نهر "السين"، فأجابه "جراهام"، وهو غارق في تفكير عميق للغاية:
- المنطق الوحيد هو أنه لا يحتاج إلى الهويتين.. الفرنسية أو الإسرائيلية.
سأله "جونسون" في اهتمام:
- ما الذي يحتاج إليه إذن؟!
أجابه في حزم:
- جنسية ثالثة.. جنسية يمكنها السفر إلى "إسرائيل" دون أن تثير الشبهات، أو تلفت انتباهنا أيضاً.
توقف "جونسون"، يسأله:
- أية جنسية؟!
توقف "جراهام" بدوره، وصمت لحظات مفكراً قبل أن يلتفت إليه مجيباً:
- أمريكية.
هتف "جونسون" في انفعال:
- بالتأكيد.. العلاقة بين "إسرائيل" و"أمريكا" تجعل رجالنا أكثر ألفة مع من يحملون الجنسية الأمريكية عندما يدخلون "إسرائيل".
انعقد حاجبا "جراهام" في شدة، وراح عقله يدير الأمر في سرعة، عبر كل خلايا مخه الرمادية تقريباً، قبل أن يمسك ذراع "جونسون" فجأة في قوة، ويهتف:
- قل لي: متى ترحل أوَّل طائرة إلى "تل أبيب"؟!
قال "جونسون" في توتر:
- بعد ساعات قليلة.
هتف به "جراهام":
- أرسل رجالنا إلى المطار فوراً.. ستجده هناك الآن.
قال "جونسون" في دهشة:
- دون جواز سفر؟!
غرس أصابعه في ذراعه أكثر، وهو يقول:
- هذا ما حاول إيهامنا به.. إننا نواجه ثعلباً.. ولكنه لن يخدع "دافيد جراهام".. أبداً.
في نفس اللحظة، التي نطق فيها عبارته، كان "قدري" ينكمش في مقعده، داخل إحدى حجرات جهاز المخابرات المصري، وأحد ضباط الجهاز يقف إلى جواره قائلاً:
- هيا يا "قدري".. لا تضيع فرصة عمرك في الالتحاق بالجهاز.
غمغم "قدري":
- ماذا تريدون مني بالضبط؟!
جذب ضابط المخابرات مقعداً، وجلس إلى جواره قائلاً:
- هل سنعيد هذا ألف مرة طوال الليل؟!
هزَّ "قدري" كتفيه المكتظين دون أن يجيب، فالتقط ضابط المخابرات نفساً عميقاً، وقال:
- اسمعني جيداً يا "قدري".. ربما لا يمكننا فهم تلك الصداقة العميقة التي تشعر بها تجاه "أدهم" مع قصر فترة تعارفكما، ولكننا نقدِّر مشاعرك وشهامتك، والمشكلة لا تكمن في هذا.
غمغم "قدري":
- فيمَ إذن؟!
أجابه في أسف:
- في أن الأمر قد تحوَّل إلى مهمة رسمية، والجهاز الآن يعمل جاهداً على استعادة "أدهم" قبل أن يظفر به الأعداء الذين نبذل كل الجهد في الفترة الحالية استعداداً لحرب ثأرية معهم، تتحرَّر بها أرضنا السليبة في "سيناء"، وكل دقيقة نفقدها في هذا الصراع تعني أن يتقدَّم علينا العدو خطوة إلى الأمام.. هل تدرك ما الذي يمكن أن يقود إليه هذا؟!
غمغم، وقد بدأ يدرك شدة المسئولية الملقاة على عاتقه:
- هزيمة..
قال ضابط المخابرات:
- أو تأخير لحرب التحرير على الأقل، وربما ضياع فرصتها إلى الأبد.
ثم مال نحوه مضيفاً بلهجة ذات تأثير خاص:
- وكل هذا من أجل شاب واحد.
تمتم "قدري"، وقد ترقرقت عيناه بالدموع:
- إنه "أدهم".
قال ضابط المخابرات في هدوء خافت:
- أيّاً كانت هويته.. إنه شاب واحد.
ثم مال نحو "قدري" بشدة مضيفاً:
- مقابل أُمّةٍ بأكملها.
سالت الدموع من عيني "قدري" مع ذلك الصراع المستعر بين عقله وقلبه..
ضابط المخابرات على حق..
على حق تماماً..
صحيح أن "أدهم" هو أقرب الناس إلى قلبه..
ولكنه مجرَّد شاب واحد..
شاب مقابل أُمَّة..
ويا له من خيار مؤلم..
وعسير..
وشاق..
بمن يضحي..
بصديقه..
أم وطنه؟!..
هل يمكنكم ضمان سلامة "أدهم"؟!..
ألقى السؤال من وسط دموعه، وجسده المكتظ يترجرج على نحو ملحوظ، فصمت ضابط المخابرات لحظة، ثم أجاب في حزم:
- بقدر استطاعتنا.
تمتم، والدموع تغرق وجهه كله:
- وماذا عن هدفه؟!
تنهَّد ضابط المخابرات، وقال:
- لو كان سعيد الحظ، لن يمكنه بلوغه.
انتحب "قدري" لحظات، وقال في بكاء واضح:
- فليكن.. سأخبرك بكل ما لدي.
أدرك الضابط أنه قد بلغ هدفه، فمال عليه، وهو يقول في اهتمام:
- لقد صنعت له جواز سفر آخر.. أليس كذلك؟!
أومأ "قدري" برأسه إيجاباً، وقال:
- بلى.
سأله الضابط في اهتمام شديد:
- بأي اسم؟!
سيد "روبرت كال"..
نطق ضابط الجوازات الفرنسي الاسم، وهو يراجع صورة جواز السفر البريطاني أمامه بوجه الشاب الذي يواجهه، والذي قال في هدوء:
- نعم.. كنت في رحلة هنا في "باريس"، وجذبتني النشرات السياحية للسفر إلى "إسرائيل".
مطَّ ضابط الجوازات شفتيه، وقال:
- النشرات السياحية لا تمنحك الكثير من الحقائق دوماً.
ثم أعاد إليه جواز السفر مستطرداً:
- على أية حال.. أتمنى لك رحلة سعيدة.
التقط "أدهم" جواز السفر البريطاني، واستدار لينصرف، ولكنه شعر بوخزة خفيفة في فخذه، جعلته يرفع عينيه بحركة حادة إلى الفتاة التي تقف خلفه، والتي هتفت في ارتباك:
- معذرة.. إنه دبوس بارز من حقيبتي.. تقبَّل أسفي.
وبعيداً في نفس اللحظة ابتسم "جراهام"، وقال عبر جهاز اتصال خفي:
- سيسري مفعول المخدّر بعد دقائق خمس.. استعدّوا.
وكان "أدهم" قد بدأ يشعر بالدوار..
بالفعل.
* * *
|