كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
الجزء الجديد من العدد الخاص أنياب الاسد
19- سباق الموت..
نزع المزوِّر الفرنسي "روجيه" منظاره السميك، وهو يتطلَّع إلى الواقف أمامه في حذر، قبل أن يسأله:
- تريد جواز سفر أجنبياً؟!.. وبأية جنسية بالضبط؟!
أتاه الجواب في سرعة:
- إسرائيلية.
تراجع "روجيه" في دهشة بالغة، وهو يردِّد مستنكراً:
- إسرائيلية؟!.. ومن ذا الذي يريد جواز سفر إسرائيلياً؟!!
أجابه الواقف أمامه في صرامة:
- أظنُّ أجرك لا يتضمَّن إلقاء الأسئلة.
انعقد حاجبا "روجيه"، وهو يغمغم:
- أنت على حق.
ثم تساءل في اهتمام:
- وبأي اسم تريده؟!
أجابه بنفس السرعة:
- أي اسم، يشير إلى يهودية صريحة.
صمت "روجيه" لحظة، ثم سأله في حذر:
- شرقية أم غربية.
تردَّد الواقف لحظة، قبل أن يجيب في حذر:
- غربية.. على الأرجح.
لم يتوقَّف "روجيه" طويلاً إزاء تردُّده؛ ربما لأنه اعتاد أن يأتيه زبائنه متوترين في معظم الأحيان، ولكنه قال في صرامة:
- سيكلفك هذا خمسة آلاف فرنك.. يُدفع نصفها مقدماً.
أخرج محدِّثه رزمة نقدية، وضعها أمامه، قائلاً:
- متى أعود لاستلامه.
أجابه "روجيه"، وهو يلتقط رزمة النقود، ويدسها في جيبه في لهفة:
- مساء الغد، على أقصى تقدير.
قال في حزم:
- كلا.
ارتفع حاجبا "روجيه" في دهشة، وهو يقول:
- ماذا تعني؟!
أجابه في صرامة شديدة:
- الجواز يجب أن ينتهي قبل صباح الغد.
قال "روجيه" في توتر:
- مستحيل!.. الوقت لن يكفي لذلك.
قال محدثه في صرامة:
- في هذه الحالة، سنضطر لإلغاء الصفقة.. أعِد إليّ النقود.
وضع "روجيه" يده على جيبه، في حركة غريزية سريعة، وكأنما يحاول منع رزمة النقود من مغادرته، وقال في توتر:
- يمكنني تسليمه لك، في الوقت الذي تطلبه مقابل ألف فرنك زائدة.
قال محدثه بكل صرامته:
- لا.. أعد إليّ النقود.
هتف "روجيه" في ذعر:
- لا.
ثم مال نحوه، وحاول أن يبتسم، مستطرداً:
- ستجده جاهزاً، في الخامسة صباحاً.
قال محدثه، بنفس الصرامة:
- مع تأشيرة دخول إلى "باريس"، بتاريخ سابق.
قال "روجيه" في سرعة:
- بالطبع.. بالطبع.
أومأ محدِّثه برأسه، واستدار منصرفاً، وتبعه "روجيه" ببصره لحظات، ثم التقط سمَّاعة هاتف داخلي بسرعة، وقال لأحد معاونيه في صرامة:
- اتبع هذا الشاب، واعلم أين يقيم.
اندفع معاونه لتنفيذ الأمر، في حين أنهى "روجيه" المحادثة، وعاد يطلب رقماً جديداً، ليقول في صوت خفيض متوتر:
- لقد ظهر.
لم تمضِ عشرون ثانية على اتصاله هذا، حتى كان "جراهام" يقول لرجاله عبر جهاز الاتصال في صرامة شديدة:
- ابدأوا الخطة.. إنه في النقطة "ص".
تحرَّك رجاله في سرعة، لتنفيذ خطة حصار "أدهم" واصطياده، في حين تنفَّس "روجيه" الصعداء، وهو ينهي المحادثة، وعلى شفتيه ابتسامة كبيرة..
لقد أبلغ الأمر، وسيحصل على المكافأة السخية التي وعدوه بها، و...
"ترى ماذا يبهجك يا "روجيه"؟!"..
انتفض جسد "روجيه" في عنف، وهو يلتفت إلى صاحب الصوت في هلع هاتفاً:
- المفتش "آلان".
جذبه "آلان" من ياقته، وهو يقول في صرامة:
- يبدو كأنك قد فزت بجائزة كبيرة.
قال "روجيه" في عصبية:
- وما شأن الشرطة بهذا؟!
زمجر "آلان" في وجهه، وهو يقول في شراسة:
- شأنها أن جوائزك كلها مرتبطة بمخالفة القانون، على نحو أو آخر.
هتف "روجيه"، محاولاً التملُّص من قبضته:
- هذه لا تخالفه.
شدَّد "آلان" قبضته عليه، فاستطرد مذعوراً:
- بل ربما تعاونه.
مال "آلان" نحوه، حتى كاد يلتصق بوجهه، وهو يقول:
- وكيف هذا؟!.. بالإبلاغ عن طالب جواز سفر مزوَّر، إلى جهة أجنبية؟!
اتسعت عينا "روجيه" عن آخرهما، بكل ذعر الدنيا، وهو يهتف:
- كيف.. كيف..
قاطعه "آلان" في حدة:
- كيف عرفت.. أليس كذلك؟!.. لأنه التسلسل الطبيعي الذي يغيب عن ذهن الحقراء من أمثالك.. شاب هارب، يعرف أن الدنيا كلها تسعى خلفه، وأن أمله الوحيد في النجاة هو الهروب، ليس من "باريس"، ولكن من "فرنسا" كلها، فماذا يفعل في رأيك، وهو يعلم أن الكل أصبح يحفظ ملامحه عن ظهر قلب، ويعرف الاسم، الذي يتحرَّك به؟!.. من الطبيعي إذن أن يسعى للحصول على جواز سفر باسم مستعار.. أليس كذلك؟!
اتسعت عينا "روجيه" لحظات، وكأنهما تعترفان بالجرم المشهود، ثم هتف على نحو خرج على الرغم منه ضعيفاً متخاذلاً:
- ولماذا أنا؟!
صاح فيه "آلان":
- ألم يأتِك؟!
هتف "روجيه" مرتجفاً:
- ولكنني رفضت..
تألَّقت عينا "آلان"، وهو يقول:
- إذن فهو أنت.
حدَّق فيه "روجيه" في دهشة مذعورة، فقال "بيير" في انبهار:
- لم نكن نعلم أنك هو، ولكنك اعترفت على التوّ، بعد أن استجوبنا ثلاثة مزورين قبلك.
هتف "روجيه" محنقاً:
- يا لي من غبي!
جذبه "آلان" مرة أخرى بمنتهى القسوة، وهو يسأله:
- أجبني.. أين هو؟!
امتقع وجه "روجيه"، وهو يقول في انهيار:
- سأخبرك..
وبدأ يتكلم..
* * *
على الرغم من أن السمة الرئيسية لرجل المخابرات -في أي جهاز في العالم- هي التماسك وهدوء الأعصاب، إلا أن "حسن" -الذي اشتهر ببرود أعصابه الشديد خلال مهماته الصعبة- بدا شديد التوتر والقلق في هذه العملية بالذات، وهو يقول للملحق العسكري داخل سيارة السفارة:
- لا بد وأن نعثر عليه أوَّلاً، وإلا أصبحت حياته في خطر.
قال الملحق العسكري في اهتمام:
- لقد أبلغنا رجالنا في كل المواقع، وسيادتك تؤكِّد أنها قد أصبحت عملية رسمية، و..
بتر عبارته دفعة واحدة، فسأله "حسن" في صرامة:
- وماذا؟!
أجابه الملحق العسكري في تردُّد:
- وإن كنت أتعجَّب، مِنْ جعل البحث عن شاب مهمة رسمية لجهاز مخابرات يستعد لخوض حرب تحرير مع عدو لا يستهان به.
قال "حسن" في صرامة:
- إنه ابن "صبري" رحمه الله.
قال الملحق العسكري في حذر:
- هذا لا يصنع فارقاً في عالمنا.
مال "حسن" عليه، قائلاً:
- لو أنه ابن "صبري" فحسب لما صنع هذا فارقاً في عالمنا المعقَّد المتشابك هذا، ولكن الفتى نتاج تجربة خاصة، من الخطأ أن تقع في أيدي الإسرائيليين، خاصة وأن تدريباته اشتملت على بعض أهم وسائل التدريب، التي يتميَّز بها جهازنا، و...
ارتفع رنين هاتف السيارة في هذه اللحظة، فبتر "حسن" عبارته، والتقط الملحق العسكري سمَّاعته في حركة سريعة، قائلاً:
- هل توصلتم إليه؟!
انعقد حاجباه في شدة، وهو يستمع إلى الجواب، فشعر "حسن" بقلق شديد، وهو يسأله:
- ماذا هناك؟!
أزاح الملحق العسكري السمَّاعة عن أذنه، وقال بكل توتره:
- الشرطة الفرنسية ألقت القبض على "أدهم".
وسقط قلب "حسن" بين قدميه..
في عنف.
* * *
|