كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
تكملة القصه
اخواني اعضاء هذا المنتدى الرائع
بعد اذن كاتبة الموضوع
اسمحوا لي باضافة تكملة القصة
_______________________________-
انياب الأسد 2 (انتقام) :-
عندما كان "أدهم" شاباً صغيراً، في ريعان شبابه، كانت (مصر) تعبر ذلك البرزخ، بين نكسة يونيو 1967م -والتي حقَّق فيها جيش (إسرائيل) انتصاراً ساحقاً، على جيوش ثلاث دول عربية، واحتل ثلث مساحة (مصر)، متمثلة في (سيناء)، ووصولاً إلى الضفة الشرقية لقناة (السويس)- وبين حرب أكتوبر المجيدة، التي سحقنا فيها الجيش الإسرائيلي، وحطمنا الأسطورة التي نسجوها حوله، بأنه لا يقهر، وقهرنا أكبر مانع مائي، وأقوى خط دفاعي في التاريخ..
وانتصرنا..
وما بين هذا وذاك، كانت الحياة تختلف في (مصر)، عما هي الآن..
تختلف عسكرياً..
واجتماعياً..
واقتصادياً..
وسياسياً..
تختلف حتى في قواعد السفر خارج البلاد، والذي لم يكن متاحاً، إلا لفئات خاصة، وتحت ظروف شديدة الدقة والصعوبة..
أما مجرَّد ذكر اسم (إسرائيل)، أو السفر إليها، أو حتى الاقتراب منها، فكان يكفي لإثارة الرعب والهلع، في قلب أشد الناس قوة وبأساً..
فما بالك بشقيق "أدهم"، الذي كان أيامها يخطو خطواته الأولى، في كلية الطب، وهو يسمع ما يقوله شقيقه، الذي لم يتجاوز مرحلة دراسته الثانوية بعد.. فبكل الذهول، حدَّق "أحمد" في وجه "أدهم"، غير مصدِّق لما سمعه، قبل أن يتساءل، في لهجة حملت كل الهلع:
- (إسرائيل)؟!.
أجابه "أدهم"، بمنتهى الحزم:
- نعم يا شقيقي.. إنك لم تخطئ السمع.. سأسافر إلى (إسرائيل).. إلى قلب (إسرائيل).
مرة أخرى، حدَّق فيه "أحمد"، بكل ذهوله واستنكاره، وخُيِّل إليه أن شقيقه قد أصيب بجنون مؤقَّت، من شدة صدمته في وفاة والده، خاصة وأنه قد ارتبط به كثيراً، في الأعوام الأخيرة..
ولكنه يعرف شقيقه "أدهم" جيداً..
يعرفه، ويعرف أنه أقوى من هذا..
أقوى بكثير..
كثير جداً..
أقوى حتى من الصدمة، والحزن والمرارة..
ملامحه الصلبة الجامدة، تشفّ عن أنه قد اتخذ قراراً بالفعل..
قرار لن يفصح عنه أبداً..
ولكن المشكلة أن قراره هذا يرتبط باسم، يبدو أشبه بالشيطان الرجيم، في ذلك الزمن، وتلك الفترة بالذات..
اسم (إسرائيل)..
وأي غضب، أو صراخ، أو ثورة، لن تؤدي إلى شيء..
أي شيء..
الوسيلة الوحيدة هي المناقشة..
ومحاولة الإقناع..
وبجهد رهيب، سيطر "أحمد" على أعصابه، وهو يتجه نحو شقيقه "أدهم"، قائلاً، في صوت أراده هادئاً، ولكنه خرج، على الرغم منه، متوتراً:
- ليس هناك داع للتهور يا "أدهم".. مصرع والدنا أمر يتولاه جهاز مخابرات كامل، فماذا يمكن أن نفعل نحن بشأنه؟!
تطلَّع "أدهم" إليه في صمت، دون أن يجيب، فتابع "أحمد":
- ثم إن السفر إلى (إسرائيل) ليس بالأمر السهل أو الهيِّن.
غمغم "أدهم" في حزم:
- إنه مستحيل!
شعر "أحمد" بالأمل ينتعش في قلبه، وهو يقول:
- بالضبط.. السفر خارج (مصر) أساساً ليس بالأمر السهل، فما بالك بدولة العدو.
غمغم "أدهم" في مقت:
- الدولة، التي يحتلها العدو.
أشار "أحمد" بيده، قائلاً:
- بغض النظر عن هذا.. إنها دولة يحظر السفر إليها، في كل الأحوال، ثم إن أحداً لن يسمح لك بهذا.
رفع "أدهم" رأسه، وهو يقول في صرامة:
- لن أستأذن أحداً.
هتف "أحمد":
- بالتأكيد.
ثم حاول أن يخفض صوته، وهو يضيف:
- الكل يعلم أن هذا مستحيل!.. وحتى لو أمكنك أن تفعله، ستجد نفسك في قلب عرين الأسد، و...
قاطعه "أدهم" في حدّة:
- أى أسد؟!.. ما فعلوه يثبت أنهم فئران.. ضباع.. أو حتى ذئاب، لكنهم ليسوا أسودا.
تنهَّد "أحمد" في عصبية، وحاول مرة أخرى أن يتمالك أعصابه، وهو يشير بيده، قائلاً بنفس التوتر:
- بغض النظر عن هذا أيضاً.. إنك ما زلت في مرحلة دراستك الثانوية، ومهما كان ما لقنك إياه والدنا -رحمه الله- وما اكتسبته من مهارات؛ فلن يمكنك وحدك مواجهة دولة كاملة، حتى ولو أصبحت في قلب قلبها.. إنها دولة يا "أدهم"، حتى ولو رفضنا هذا.. دولة لها جيش، ونظم أمن، وتوترات داخلية، وحساسية مفرطة، تجاه أي لمحة شك.. دولة لا ترحم أحداً، مهما بلغت قيمته؛ لأنها تتصوَّر أنها تقاتل من أجل وجودها وبقائها، وليس من أجل هدف محدود.
تمتم "أدهم"، وهو يشيح بوجهه:
- أعرف كل هذا.
تصوَّر "أحمد" أنه قد ربح معركته الكلامية، فسأل في لهفة:
- ألن تسافر إذن؟!
شدَّ "أدهم" قامته، وهو يجيب:
- بل إنني مصر على السفر.
احتقن وجه "أحمد"، وشعر بالغضب يسري في عروقه، فقال في حدّة:
- ومن قال إنك تستطيع هذا؟!
قال "أدهم" في حزم:
- سأحاول.
احتقن وجه "أحمد" أكثر، وهو يهتف:
- حاول.
ثم أضاف في حدة، وهو يلوِّح بسبَّابته، في وجه "أدهم":
- ولكنك لن تنجح.
شدَّ "أدهم" قامته، وتطلَّع إليه في حزم، دون أن يجيب، فلوَّح "أحمد" بذراعيه، في يأس غاضب، ثم اندفع نحو حجرته، وصفق بابها خلفه في عنف، تاركاً "أدهم" خلفه، وملامحه تحمل كل المرارة..
وكل الحزم..
* * *
"خطأ.."..
صرخ مدير (الموساد) بالكلمة، في غضب هادر، وهو يضرب سطح مكتبه بقبضته في قوة، قبل أن يتابع، وهو يلوِّح بسبَّابته، في وجه "دافيد جراهام"، الذي يقف أمامه صامتاً:
- لقد ارتكبت فعلاً مشيناً، يكفي لعزلك من صفوف (الموساد).
قال "جراهام"، في شيء من الصرامة:
- لقد تخلَّصت من واحد، من أقوى رجال المخابرات المصرية، وأكثرهم إضراراً بنا.
صاح مدير (الموساد) في غضب:
- كل رجل مخابرات معاد، يضر بأمن وسلامة (إسرائيل)، ولكننا لن نجوب العالم، لنقتل كل رجل مخابرات يعمل ضدنا.. هذا ليس أسلوب أجهزة المخابرات.
أجاب "جراهام":
- كل شيء يمكن تطويره.
احتقن وجه مدير (الموساد) في غضب، وهو يقول في حدة:
- وكل تطوير ينبغي أن يخضع لدراسات دقيقة وطويلة يا "جراهام"، وأن يقوم به فريق عمل، وليس شخصاً يصدر قرارات منفردة، ويطلب من دولته كلها تحمل نتيجة أخطائه.
أشار "جراهام" بيده، وهو يقول:
- لقد تقدَّمت بمشروع إنشاء قسم خاص للاغتيالات.
اعتدل مدير (الموساد)، وانعقد حاجباه، وهو يتطلَّع إليه بنظرة مستنكرة، ولكن "جراهام" تابع في شيء من الصرامة:
- بقاء دولة (إسرائيل) يعتمد، أكثر ما يعتمد، على قهر وهزيمة كل الأنظمة العربية المحيطة بنا، وسحق كل فكر يبرز داخلها، وينادى بإزالتنا من الوجود، وفي كثير من الأحيان، ستواجهنا ألسنة عالية قوية، لابد من إخراسها، أياً كان الثمن.
مال مدير (الموساد) في حدة:
- بالاغتيال؟!..
انعقد حاجبا "جراهام"، وهو يجيب في صرامة، لم تتناسب مع فارق الرتب، وبين مديره:
- بأية وسيلة كانت!.. المهم أن تبقى (إسرائيل)، حتى لو أفنيناهم جميعاً... بلا رحمة.
لنصف دقيقة كاملة، ظلّ المدير يحدِّق في وجه "جراهام"، ويدير كلماته في رأسه، قبل أن يعاود الجلوس خلف مكتبه، وهو يقول، في صرامة افتعلها افتعالاً في صعوبة:
- على كل الأحوال، أنا مضطر لمساءلتك رسمياً، بشأن إصدارك قرار الاغتيال، وتنفيذه، دون الرجوع إلى رؤسائك.
شدَّ "جراهام" قامته، وهو يجيب:
- وأنا مستعد لهذا.
ثم مال على مدير (الموساد)، مضيفاً:
- ولكن من وجهة نظري، أرى أن هذا خطأ كبير.. كبير للغاية.
وانعقد حاجبا مدير (الموساد) أكثر..
ولم يفهم..
أبداً.
|