كاتب الموضوع :
نور الهدى4
المنتدى :
رجل المستحيل
يبدو ان الاخت نور الهدىمنشغلة فتسهيل لها ولمتابعي الرواية اضع اليوم الجزء الجديد ومع كل احترام لكاتبة الموضوع
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
12- رصاصة..
حتى عندما خطَّط "دافيد جراهام" لاغتيال "صبري" في "لندن"، وربما على مدار حياته كلها، لم يشعر أبداً بمثل هذا التوتر، الذي سيَّطر على كيانه كله، وهو ينتظر أخبار اغتيال "أدهم" الشاب في باريس..
شيء ما في أعماقه كان يختلف هذه المرة..
يختلف تماماً..
شيء ما كان ينبئه بأن هذه العملية على الرغم مما تبدو عليه من بساطة، لن تمر بيسر كمعظم العمليات قبلها..
ومن الناحية المنطقية، لم يكن لديه سبب لهذا الشعور..
أي سبب..
ولكنها حاسّة خاصة..
ليس حاسّة رجل مخابرات، بل غريزة ذئب..
ذئب وحشي مفترس، اعتاد دراسة خصمه وتقييمه جيداً، قبل الدخول معه في معركة مباشرة..
وخصمه، على الرغم من صغر سنه، كان يبدو قويّاً..
خبيثاً..
بارعاً..
ومراوغاً..
ثم إن الجرأة التي أبداها من قبل، كانت توحي بأنه سيقاتل باستماتة..
وحتى آخر رمق..
العزاء الوحيد هو أن من أرسله لاغتياله هو واحد من أقوى وأمهر وأبرع قتلة "الموساد"، الذين ربما لم يفشلوا في مهمة من قبل قط..
وملفه يقول: إنه سينجح، في هذه المرة أيضاً..
بكل المقاييس..
لماذا يشعر إذن بكل هذا القلق والتوتر؟!..
لماذا؟!..
لماذا؟!..
لم يستطع حسم أمر نفسه، فهزَّ رأسه في قوة، وكأنما يطرد منها الفكرة، ثم التقط سمَّاعة هاتفه، وطلب رقماً داخلياً، ولم يكد يسمع صوت محدِّثه، حتى قال في صرامة خشنة:
- هل وصلت أخبار من باريس؟!
أتاه صوت محدِّثه، يقول في سرعة:
- لقد تسلمنا برقية مشفّرة من مسئول المتابعة هناك، ولم تتم ترجمتها بعد.
قاوم "جراهام" توتره، وهو يقول:
- أرسلها لي فور ترجمتها.
وأنهى الاتصال، قبل حتى أن يستمع إلى الرد، ثم التقط ملف القاتل المحترف، وهو يغمغم في عصبية:
- لم يفشل في مهمة قط.
كان يحاول مراجعة الملف للمرة الخامسة، عندما رنّ هاتفه، فالتقط سمَّاعته في لهفة، متصوِّراً أنه مسئول الشفرة، ولكنه فوجئ بمدير "الموساد" يقول في لهجة أقرب إلى الصرامة:
- "جراهام".. احضر إلى مكتبي فوراً.
انعقد حاجباه، وهو يغمغم:
- كما تأمر.
وأنهى المحادثة، وعاد حاجباه ينعقدان، وهو يتجه إلى مكتب المدير، وفي رأسه تدور عدة أفكار متداخلة..
لماذا هذا الاستدعاء العاجل الآن؟!..
أهو أمر يخص عملية باريس، أم ماذا؟!..
وصل إلى مكتب المدير، قبل أن تُحسم كل الأسئلة في رأسه، وغمغم وهو يدلف إليه متوتراً:
- لقد وصلت بأسرع ما يمكنني.
تجاهل المدير عبارته، وهو يقول في حماس عجيب:
- لقد بدأنا.
توقَّف يسأله في حذر:
- بدأنا ماذا؟!
مال المدير نحوه، مجيباً بنفس الحماس:
- الاغتيالات.
انعقد حاجبا "جراهام" في توتر، سرى في كيانه كله، وهو يحدِّق في وجه المدير، وقد خطر بباله أنه يشير إلى عملية باريس بالتحديد..
وفي عصبية، أشار بيده، قائلاً:
- عملية باريس ليست..
قاطعه المدير في دهشة:
- أية عملية؟!
ثم مال نحوه، مستطرداً:
- الاغتيال سيتم هنا.. في القدس.
تراجع "جراهام" بحركة حادة، قائلاً في استنكار:
- في القدس؟!
التقط المدير ورقة من سطح مكتبه، ودفعها نحو "جراهام" قائلاً:
- سنغتال هذا.
حدَّق "جراهام" في الورقة بدهشة قبل أن يقول في حدّة:
- هذا بالذات لا يمكننا اغتياله في القدس.
قال المدير في حدة أكثر:
- ولماذا؟!
أجابه، وقد تجاهل فارق المنصب:
- لأنه المتحدِّث الرسمي باسم الفلسطينيين، واغتياله هنا سيشير بأصابع الاتهام إلينا مباشرة، ولن يمكننا حتى أن ندّعي البراءة.
كان هذا بالضبط ما ينشده مدير "الموساد"، الذي قال في صرامة:
- خطأ.. ستغتاله مجموعة من المستعربين، على نحو يوحي بأنه خلاف فلسطيني فلسطيني، و..
قاطعه "جراهام":
- مستحيل!!.. هذا الرجل بالذات، يحظى بتأييد معظم الفصائل، و..
قاطعه دخول سكرتير المدير، الذي ارتبك قائلاً:
- معذرة، ولكن قسم الشفرة يقول: إنها برقية عاجلة من "باريس"، ولا بد أن تصل إلى أدون "جراهام" فوراً.
اختطف "جراهام" البرقية من يده اختطافاً، والتهم كلماتها القليلة في لهفة، قبل أن ينعقد حاجباه في شدة..
لقد دخل المصريون اللعبة في باريس..
الآن أدرك لماذا يشعر بالقلق والتوتر..
الآن فقط..
* * *
لم يكد دوي الرصاصة ينطلق داخل بيت الشباب الباريسي حتى انعقد حاجبا الملحق العسكري المصري في شدة، وهوى بمسدسه على رأس رجل "الموساد" الثاني، وهو يقول في عصبية:
- الوقت لن يتسع لك.
قالها، واندفع نحو بيت الشباب مع من تبقّى معه قبل حتى أن يسقط رأس رجل "الموساد" على مقود سيارته، وانطلق يعدو عبر ممرات المكان..
وقع بصره في البداية على المسئول المصاب برصاصة في جبهته، ولكنه لم يتوقَّف عنده لحظة واحدة.
إنه يبحث عن "أدهم"..
فقط "أدهم"..
وعندما بلغ تلك الحجرة التي تنبعث منها جلبة واضحة وثب داخلها، وهو يشهر مسدسه في تحفُّز، ثم توقَّف عندما رأى رَجُليه هناك، وأحدهما يتصاعد الدخان من فوهة مسدسه، في حين سقط قاتل "الموساد" بينهما صريعاً، والدماء تسيل من ثقب في رأسه، فقال في توتر شديد:
- لقد تطوَّرت الأمور أكثر مما ينبغي.. لن تمضي دقائق حتى يكتظّ المكان برجال الشرطة الفرنسية.
هزَّ الرجل رأسه، وهو يعيد مسدسه إلى غمده قائلاً:
- لم يكن هناك مفرّ.. كان يهم بإطلاق النار على الشاب الذي أتينا من أجله، وعندما رآنا أدار فوهة مسدسه نحوي، وكان من الطبيعي أن..
أشار إليه الملحق العسكري يستوقفه قائلاً:
- أين الشاب إذن؟!
تلفَّت الرجلان حولهما، وقال الثاني في دهشة:
- كان هنا قبل لحظة واحدة من وصولك!
شعر الملحق العسكري بدهشة عارمة، وهو يتلفَّت حوله مغمغماً في غضب:
- مستحيل!
تناهى إلى مسامعهم صوت أبواق سيارات الشرطة الفرنسية تقترب، فقال في عصبية:
- لا مفر.. لا بد وأن ننصرف على الفور.
سأله أحد رجاله، وهم يندفعون خارج المكان:
- وماذا عن الشاب؟!
أجابه في توتر:
- سنواصل البحث عنه.
سأله آخر في حيرة:
- أين؟!.
انعقد حاجباه في شدة، وهو يقفز في سيارته مجيباً:
- سننبش باريس كلها.
وانطلقت بهما السيارة، قبيل لحظات من وصول الشرطة الفرنسية، وهو يستدرك في عصبية:
- مضطرّين.
لم يكن يدري كيف اختفى "أدهم" دون أن ينتبه إليه محترفون مثلهم؟!
كيف؟!..
كيف؟!
* * *
|