المنتدى :
المنتدى الاسلامي
من كتاب زهر الآداب وثمر الألباب
بعض المقتطفات من كتاب زهر الآداب وثمر الألباب
ذكر بعض الرواة انه لما استخلف عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه قدم عليه وفود أهل كل بلد ؛ فتقدم إليه وفد أهل الحجاز فشرأبّ منهم غلام للكلام ، فقال عمر : يا غلام ؛ ليتكلم من هو أسنّ منك ! . فقال الغلام : يا أمير المؤمنين ! إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فإذا منح الله عبده لسانا لافظا ، وقلبا حافظا ، فقد أجاد له الاختيار ؛ ولو أن الأمور بالسنّ لكان هاهنا من هو أحق بمجلسك منك .
فقال عمر : صدقت ، تكلم ؛ فهذا السحر الحلال ! فقال : يا أمير المؤمنين ، نحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة (طلب العطاء ) ، ولم تُقْدِمْنا إليك رغبة ولا رهبة ؛ لأنّا قد أمِنّا في أيامك أدركنا ما طلبنا ! .
فسأل عمر عن سِنّ الغلام ، فقيل : عشر سنين .
--------------------------------------------------------------------------------
تظلم رجل إلى المأمون من عامل له ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما ترك لي فضّة إلا فضّها ، ولا ذهبا إلا ذهب به ، ولا غلَّة إلا غلها ، ولا ضَيْعَة إلا أضاعها ، ولا عِلْقا إلا عَلِقَه ، ولا عَرَضا إلا عَرض له ، ولا ماشية إلا امْتشّها ، ولا جليلا إلا أجْلاَه ، ولا دقيقا إلا أدَقّه . فعجب من فصاحته وقضى حاجته .
--------------------------------------------------------------------------------
قال الحسن البصري : من أخلاق المؤمن قوة في دين ، وحزم في لين ، وحرص على العلم ، وقناعة في فقر ، ورحمة للمجهود ، وإعطاء في حق ، وبرُّ في استقامة ، وفِقْه في يقين ، وكسب في حلال .
--------------------------------------------------------------------------------
قال أبو هفّان : سألت ورَّاقا عن حاله فقال : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدقّ من مِسطرة ، وجاهي أرقّ من الزجاج ، ووجهي عند الناس أشد سوادا من الحبر بالزاج ، وحظي أخفى من شقّ القلم ، ويَدَاي أضعف من قصبة ، وطعامي أمرّ من العفص ، وشرابي أحرّ من الحبر ، وسوء الحال ألزم لي من الصمغ ، فقلت : عبّرت عن بلاء ببلاء .
--------------------------------------------------------------------------------
كان واصل بن عطاء احد أعاجيب الدنيا ؛ لأنه كان ألثغ في الراء ، فأسقطها من جميع كلامه وخطبه ، إذ كان إمام مَذْهب ، و داعي نِحْلة ، وكان محتاجا إلى جودة البيان ، وفصاحة اللسان . قال الجاحظ : فانظر كثرة ترداد الراء في هذا الكلام وكيف أسقطها ؟ . قال : الأعمى ، ولم يقل الضرير ، وقال : الملحد ، ولم يقل الكافر ، وقال : المشنّف ، ولم يقل المرعّث ، وقال : المكتنى بأبي معاذ ، ولم يقل بشارا ولا ابن برد ، وقال : الغالية ، ولم يقل المغيرية ، ولا المنصورية ، وهم الذين أراد ، وقال : لبعثت ، ولم يقل لأرسلت ، وقال : يبعج ، ولم يقل يبقر ، وقال في جوف منزله ، ولم يقل في داره .
--------------------------------------------------------------------------------
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله موادّ من الحكمة ، وأضداد من خِلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاجه الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أُسْعد بالرضا نسي التحفظ ، وإن أتاه الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغِرِّة ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن استفاد مالا أطغاه الغِنَى ، وإن عضّته فاقه بلغ به البلاء ، وإن جهد به الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظَّتْه البِطْنة ، فكل تقصير مُضِرّ ، وكل إفراط له قاتل .
--------------------------------------------------------------------------------
قال بعض البلغاء : في اللسان عشر خصال محمودة ، أداة يظهر بها البيان ، وشاهد يخبر عن الضمير ، وحاكم يفصل الخطاب ، وواعظ ينهى عن القبيح ، وناطق يردّ الجواب ، وشافع تُدرك به الحاجة ، وواصف تعرف به الأشياء ، ومُعْرب يُشكر به الإحسان ، ومّعزّ تذهب به الأحزان ، وحامد يُذهب الضغينة .
--------------------------------------------------------------------------------
سُئل الأحنف بن قيس عن العقل ؟ فقال : رأس الأشياء ؛ فيها قوامها ، وبه تمامها ؛ لأنه سراج ما بطن ، وملاك ما علن ، وسائس الجسد ، وزينة كل أحد ، لا تستقيم الحياة إلا به ، ولا تدور الأمور إلا عليه .
فاخر كاتب نديما ، فقال الكاتب : أنا معونة ، وأنت مؤنة ، وأنا للجدّ ، وأنت للهزل ، وأنا للشدة ، وأنت للّذة ، وأنا للحرب ، وأنت للسلم . فقال النديم : أنا للنعمة ، وأنت للخدمة ، وأنت للمهنة ؛ تقوم وأنا جالس ، وتحتشم وأنا مؤانس ، تدأب لراحتي ، وتشقى لسعادتي ؛ فأنا شريك ، وأنت معين ، كما أنك تابع ، وأنا قرين .
--------------------------------------------------------------------------------
قال أبو بكر الحنفي : حضرت مسجد الجماعة بالكوفة ، وقام سائل يتكلم عند صلاة الظهر ثم عند صلاة العصر والمغرب ، فلم يعط شيئا ، فقال : اللهم إنك بحاجتي عالم غير معلّم ، واسع غير مكلف ، وأنت الذي لا يرزؤك نائل ، ولا يُحْفيك (لا يثقل عليك ) سائل ، ولا يبلغ مِدْحَتك قائل ، أنت كما قال المُثنُون ، وفوق ما يقولون أسألك صبرا جميلا ، وفرجا قريبا ، ونصرا بالهدى ، وقرة عين فيما تحسب وترضى ، ثم ولّى لينصرف ، فابتدره الناس يعطونه ، فلم يأخذ شيئا ثم مضى وهو يقول :
ما اعتاض بأذل وجهه بسؤاله * عوضا ولو نال الغِني بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخفّ كل نوال
--------------------------------------------------------------------------------
ودخل رجل من شيبان على معن بن زائدة ، فقال : ما هذه الغَيبة ؟ . فقال : أيها الأمير ، ما غاب عن العين من يذكره القلب ، وما زال شوقي إلي الأمير شديدا وهو ما يجبُ له ، وذِكري له كثيرا ، وه دون قدره ، ولكن جفوة الحجّاب (الحراس) ، وقلة بشر الغلمان ، منعاني من الإتيان ! . فأمر بتسهيل إذنه وأجزل صلته .
--------------------------------------------------------------------------------
ألف سهل بن هارون كتابا يمدح فيه البخل ، ويذم الجود ؛ ليظهر قدرته على البلاغة وأهداه للحسن بن سهل في وزارته للمأمون ، فوقع عليه : لقد مدحت ما ذمّه الله ، وحسّنت ما قبّح الله ، وما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك ، وقد جعلنا نوالك (عطاءك) عليه قبول قولِك فيه .
--------------------------------------------------------------------------------
|