نُشـرت في بريد الجمعـة بصحيفة الأهـرام المصرية
**********
أنا سيدة في الثلاثين من عمري زوجة منذ عشر سنوات وأم لطفلين رائعين, ودراستي هي علم النفس
في البداية أقول انه كان من المألوف أن نسمع شكاوي النساء من الرجال اتساقا مع ماتؤكده لنا الدراسات من أن الرجل يحتل المرتبة الأولي في أولويات المرأة, في حين تجيء المرأة في أولويات الرجل غالبا في المرتبة الثانية أو الثالثة, ولست هنا في مجال تفسير ظهور هذه الشكاوي الرجالية من المرأة في الوقت الراهن أو ربطها في اعتقادي بزيادة وعي المرأة بحقوقها المعنوية والنفسية وتمسكها بها, لكني أقول فقط ان كثيرين من الرجال يعلمون أن مفتاح المرأة هو قلبها لكنهم بالرغم من ذلك لايعرفون كيف يستخدمونه في فتح مغاليقها
ولكي أساعد الرجال على ذلك سأطرح بدوري مسابقة نسائية وسأختصر أسئلتها إلى أقل حد ممكن فأختار منها الآتي:
* ترى كم رجلا متزوجا ذهب إلى عمله ذات يوم ثم رفع سماعة التليفون ليتصل بزوجته ليس لكي يطمئن علي سير الأمور في البيت والأولاد, وانما لكي يقول لزوجته انه يفتقدها ويتشوق إليها؟
* وكم رجلا قال لزوجته بعد بضع سنوات من الزواج انه معجب بها أو بمزايا معينة فيها؟
* وكم رجلاً انتهز الفرصة المناسبة لكي يشكر زوجته على حسن رعايتها له وللأولاد ولما تقوم به من دور مهم وحيوي في حياته وحياة الأسرة؟
* وكم رجلا لم يفته أن يتزين لزوجته كما تتزين هي له.. وحرص على أن يكون في يوم اجازته الذي يقضيه معها في البيت حليق اللحية ممشط الشعر متعطرا.. ولم يؤجل كل ذلك إلى يوم الذهاب للعمل؟
* وكم رجلا أطرى محاسن زوجته وسجاياها أمام أهله وأهلها, ولم يتحين الفرص على العكس من ذلك لابراز عيوبها ونواقصها أمامهم؟
* وكم رجلا اختار لزوجته اسم تدليل يناديها به ويشعرها بخصوصيتها لديه, كما كان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم, يفعل مع زوجته السيدة عائشة فيناديها باسم عائش؟
* وكم رجلا طلب من زوجته أن تستريح ذات يوم من أداء واجباتها المنزلية وقام هو بها عنها لأنها في هذا اليوم مريضة أو معتلة المزاج؟
* وكم رجلا رجع من عمله إلى بيته ففاجأ زوجته بتذكرتي سينما أو مسرح, بأي شيء يعرف عنها أنها تحبه وتسعد به؟
* وأخيرا كم رجلا اتبع السنة في العلاقة الخاصة بين الزوجين فبدأ بالمداعبة والملاعبة والكلام والقبل ولم يقع على زوجته كما يقع البعير وهو ما نهي عنه الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟
انني أرجو أن يلاحظ الرجال أن معظم ما أشرت إليه لايكلفهم وقتا ولا مالا ولا جهدا, ومع ذلك فإن أداءه والحرص عليه يجعل من زوجاتهم إماء لهم.
وانني أتحدى أن يكون هناك رجل قد طبق كل هذه البنود ووجد من زوجته بعد ذلك مايدعوه إلى الشكوي منها علنا علي صفحات الجرائد, اللهم إلااذا كانت امرأة غير سوية.
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يتقي الرجال ربهم في زوجاتهم وأن يعاملوهن بما أمرهم الله أن يعاملوهن به, وأن يتأسوا في ذلك برسوله الكريم لأن المرأة كالأرض تنبت مايزرعه الرجل فيها وليس العكس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
**********
وكان الرد من الأستاذ عبدالوهاب مطـاوع رحمه الله:
ولكن الأرض قد تنبت أيضا ما لم يزرعه فيها أحد بيده كالشوك والحسك اللذين ينبتان فيها تلقائيا في بعض الأحيان, ربما لأن بذورهما كانت كامنة تحت قشرة الأرض, وربما لأن الرياح قد حملتها إليها من بعيد بغير تدخل من يد بشرية في ذلك!
كما أنه ليست كل أرض, تنبت مايزرعه فيها صاحبها ويصح نبتها وينمو, فقد يبذر الإنسان في الأرض اليباب بذورا صالحة فتموت في باطنها ولا تنبت ولا تثمر أو تنبت معوجة سقيمة, لأن ملوحة الأرض قد أصابتها بالوهن ولست أقصد بذلك اعفاء الرجال من كل مسئولية.. أو اتهام النساء بكل المسئولية, وانما أقصد فقط أن الأرض الطيبة هي التي تحتضن البذور الواعدة بالخير وتتفاعل معها وتغذيها فيصح الزرع ويورق النبات, وان للأرض أيضا دورا إيجابيا في حماية هذه البذور من الهلاك وانمائها وتخصيبها, وليس مجرد استقبالها وانباتها كما يوحي بذلك تشبيهك للمرأة بالأرض التي لاتنبت إلامايزرعه فيها صاحبها
والحق أن تشبيه المرأة بالأرض في هذا المجال ليس تشبيها دقيقا, بل انه في تقديري تشبيه مجحف للمرأة وليس منصفا لها كما تتصورين, لأنه يحكم عليها بالسلبية المطلقة.. ويحصر دورها في دائرة ردود الفعل بالنسبة للرجل, ويجردها من مؤهلاتها ككائن حي له ارادته الحرة وتفكيره المستقل وقدرته الذاتية على الفعل
والحق أن كل ما أشرت إليه من أمور ولفتات تغيب عن بعض الأزواج أو يتجاهلونها انما تسهم بالفعل في استدامة الود بين طرفي العلاقة الزوجية.. وتجميل الحياة من حولهما, وتهوين المتاعب عليهما, لكنه ليس من الموضوعية بالرغم من ذلك أن ننجرف إلي خطأ التعميم واصدار الأحكام المطلقة, فنحكم بأن أسباب التعاسة الزوجية تنحصر في اهمال الرجال لمثل هذه اللفتات والأمور المهمة, لأن من أسبابها كذلك ما لايتعلق بمثل هذه اللفتات والأمور, كافتقاد روح العدل من جانب أحد الطرفين, وافتقاد الدفء العاطفي في العلاقة الزوجية من جانب الطرفين معا أو أحدهما, وافتقاد روح التسامح والجحود البشري, وسوء الطبع.. والانفعالية المدمرة.. والتسلط... الخ
ناهيك عما يشكو منه الفريقان معا في بعض الأحيان من تحول العلاقة بينهما إلى مباراة يحاول كل طرف فيها تحميل الآخر كامل المسئولية عن كدر الحياة بينهما معفيا نفسه من كل لوم أو تبعة, وكأنما قد كان طرفا مستقبلا فقط لكل الاساءات, وليس كذلك طرفا مرسلا وفاعلا بنفس القدر ان لم يكن أكبر..
وفي ذلك قد يستوي الرجل والمرأة, غير أن معظم خبراء الاستشارات الأسرية في الغرب يؤمنون بأن السلام الزوجي إنما يتوقف على حكمة الزوجة أكثر مما يتوقف على مهارة الرجل أو حسن عشرته وطباعه, وتعليلهم لذلك هي أنه حتى لو كان الزوج مقصرا أو سيئا, فإن كلمة الزوجة تستطيع إذا أرادت أن تستوعب كل أخطائه وتقصيره, وتحفظ للحياة العائلية سلامها واستمرارها
في حين أن الرجل لو كان ملاكا طاهرا, وصادف زوجة انفعالية أو غير حكيمة أو غير منصفة أو غير متزنة عصبيا فلن يستطيع حتى ولو كانت تحبه أن تجنب أسباب الشقاء والمعاناة معها..
وكل ذلك يدحض نظرية الأرض التي لا تنبت إلا ما يزرعه الرجل فيها, غير أني لا أريد من ناحية أخرى أن أنجرف بدوري إلى التعميم وإصدار الأحكام المطلقة على النوع
إذ ليس من الإنصاف أن نحكم على نصف البشرية بالتجني, وعلى النصف الآخر بالبراءة المطلقة من كل شبهة.. وإنما الأقرب للإنصاف أن نقول إن من الرجال من يتحملون المسئولية الأولى عن فساد العلاقة بينهم وبين شريكات حياتهم.. ومن النساء من يتحملن هذه المسئولية كذلك عن تعاسة أزواجهن بهن, ومن الفريقين من هو ظالم ومظلوم معا بالقدر نفسه أو أقل أو أكبر قليلا
وفي كل الظروف والأحوال فإنه من الخيبة الحقيقية أن يكون بمقدور الإنسان أن يسعد نفسه ومن حوله, ثم يتقاعس عن تحقيق ذلك لأي أسباب يراها..
ومن الغباء البشري أن يتحجر البعض على مواقفهم وأخطائهم وألا يحاولوا إصلاح أنفسهم.. وتجميل حياتهم وتعطيرها بعبق المحبة والسلام.
شكرا لك علي تنبيهك للرجال إلى مفاتيح المرأة التي تفتح لهم معاليتها وأرجو أن تنجح وصفتك في إرشاد الكثيرين إلى سبل الوصول لقلوب شركائهم والعيش معهم في سلام على الأقل إن تعذر عليهم العيش معهم في حب ووئام.
**********
من ايميلى